أنواع الدلالات الوضعية
دلالة [1] اللفظ [2] على ما [3] وافقه [4] يدعونها [5] دلالة المطابقة [6]
[1] هذه هي الثانية من أحوال اللفظ الأربعة التي يقسمها اللفظ واللغة والمنطق والبيان والاستنباط الأصولي من الوضع والدلالة والاستعمال والفهم.([1])
[2] اعلم!
ما أدق حكمة الله في اللفظ وما أعجب شأنه وما ألطفه نقشا! إن الرابط بين مأخذي جنس الإنسان وفصله هو النَفَس ذو الرأسين، الموظف بوظيفتين، صاحب الثمرتين، الموجه إلى القبلتين، المثمِر أسافلُه لنار حياة الحيوان مع تصفية مائها، والمولِد أعاليه لحركات نطق الناطق.
فبدخوله إلى عالم الغيب يصفى الدم الملوث بأنقاض الحجيرات المحللة، بسر امتزاج (مولد الحموضة الهوائي بكربونه) بسبب العشق الكيميوي. فإذ يمتزج العنصران يتحد كل جزئين منهما. وإذ يتحدان يتحركان بحركة واحدة. فتبقى الحركة الأخرى معلقة باقية. فبسرِّ «تحوّل الحركة حرارة والحرارة حركة» تنقلب تلك الحركة الباقية المعلقة حرارة غريزية، أعني نار حياة الحيوان. فبينما يخرج النَفَس من عالم الغيب إلى عالم الشهادة تعبًا إذ يتداخل في المخارج متكيفا بالصوت، والصوتُ يتفرق على المقاطع متحولا حروفًا «أجدى من تفاريق العصا». بينما هي قطعاتُ صوتٍ لا حَراك لها. إذ صارت أجسامًا لطيفة عجيبة النقوش، غريبةَ الأشكال، حاملةً للأغراض والمقاصد، تتطاير مترنمة من أوكارها، مرسلة إلى ما قَدر لها صانعُها الحكيم سفراء بين العقول. فاللفظ زبد الفكر، صورة التصور، بقاء التأمل، رمز الذهن. فبسبب الخفة والتعاقب وقلة المؤونة وعدم المزاحمة وعدم القرار ترجّح اللفظ لهذه النعمة العظمى: فما أجهل من يكذب أو يسرف بقيمة هذه النعمة!.
[3] «أي المفرد» لأن دلالة المركب على جزء معناه مطابقة. واللفظ أمارة ورمز على ما في الذهن على مذهبٍ، وعلى ما في الخارج على مذهب([2])..
[4] أي مقدار قامات المعاني.. لا يشتكى قصر منها ولا طول.([3])
[5] فيه ما مر في «يدعى» فإن نسبة الحكم لها صور متفاوتة واستحالات متسلسلة.([4])
[6] وإن قارنها دلالة التضمن والالتزام بتسليم بقاء الضعيف مع القوي، ووجود الدلالة بدون الإرادة؛ لأن الحيثية مرادة في «مقول الإضافة» بسر أن الحكم على المشتق وما في معناه يدل على التقييد([5])…
[1] (التي انقسمها اللفظ واللغة الخ) إن قيل: المقسوم أربعة والمقسوم عليه خمسة فكيف يصح التقسيم؟ قلت، نعم، لكن التقسيم أيضًا على أربعة، إذ اللفظ خارج عن المقسوم عليه، إذ الوضع ناظر إلى اللغة والدلالةُ إلى المنطق والاستعمالُ للبيان والفهمُ للأصول. لكن لا تظنن أن اللفظ بقي خارجا عن التقسيم، بل هو كالأم لهذه الأربعة، تأخذ من حصة كل واحد، إذ بيده رأس حصة كل منها، حيث يقول اللغوي: وضع اللفظ لهذا المعنى، والمنطقي: دلالة اللفظ على هذا المعني مطابقة وهكذا..
فاللفظ داخل في حصة كل. وبهذا الاعتبار تأخذ الأم من حصص الأولاد أربعا..
[2] (أي المفرد) لأن اللام في اللفظ للعهد والإشارة إلى المفرد، فلا يرد على حصر التقسيم وجمعِه دلالةُ المركب على جزئه مطابقة على ما سيجيء، فلا تبقى خارجة عن التقسيم وعن أقسام الدلالة، لأن المقصود من الوضع في الدلالة المطابقية ليس وضعَ اللفظ لعين المعنى بل ما كان للوضع فيه مدخل..
[3] (أي مقدار قامات) اقتباس من شعر الشاعر:
وألفاظ رقاق النسج قدت على مقدار قامات المعاني
[4] (فإن نسبة الحكم) نعم، إن دلالة اللفظ على المعنى لها صور وعنوانات متخالفة كالتطابق والتضمن والالتزام، وانقلابات متسلسلة بتبدل المواضع والتراكيب. مثلا: إن الناطق يكون تارة مدلولًا تضمنيًا وتارة التزاميًا وهكذا..
[5] (لأن الحيثية مرادة) علة لمقدر: كأنه قيل: بعدَ تسليم المقارنة والبقاءِ لا يصح ولا يخص التسمية بالمطابقة فأجاب: بأن الحيثية مرادة والمجوز لإرادتها ترتبُ الحكم على المشتق كما هنا، أي من حيث وافقه..