اللمعة التاسعة

  ﻻ ﻳﺴﻊ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﻻ ﻫﻮ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ.

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

  ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻮﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ!

ﺇﻥَّ ﺳﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺇﺭﺳﺎﻟﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔً ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻴﻨﺎ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ» ﻫﻮ ﺃﻥ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺑﻌﺜﻬﺎ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻐﺮﺽ، ﻓﺈﻥ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ» ﺃﺥ ﻗﺪﻳﺮٌ ﻭﻃﺎﻟﺐ ﻣﺠﺪٌّ ﺑﻌﺪ «ﺧﻠﻮﺻﻲ»، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺫﻛﺮﻩ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻲ ﻛﻞَّ ﺻﺒﺎﺡ ﻭﻣﺴﺎﺀ ﻣﻊ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻗﺒﻠﻪ. ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ «ﺻﺒﺮﻱ» ﺛﻢ «ﺣﻘﻲ ﺃﻓﻨﺪﻱ» ﻳﺴﺘﻔﻴﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ، ﻓﻼ ﺃﺭﻯ ﺩﺍﻋﻴﺎً ﻷﺑﻌﺚَ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﺭﺳﺎﺋﻞَ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ. ﻓﻠﻘﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﺟﻌﻠﻚ ﺃﺧﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﺒﺎﺭﻛﺎً ﻟﻬﻤﺎ، ﻓﺮﺍﺳﻞ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻲ، ﻭﻃَﻤﺌِﻨﻪ ﻟﺌﻼ ﻳﻘﻠﻖ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺧﻠﻮﺻﻲ. .

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻷﻭﻝ

ﻭﻫﻮ ﺳﺆﺍﻝ ﺧﺎﺹ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺇﻣﻀﺎﺀ ﺃﺣﺪ ﺃﺟﺪﺍﺩﻛﻢ ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ» (ﺃﻱ ﻣﻦ ﺁﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ).

  ﺃﺧﻲ! ﺇﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﻣﻠﻚ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻣﺒﻨﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ، ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﻮﻝ ﻷﺻﺤﺎﺑﻲ: ﺇﻥ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻻ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻴﻦ، ﻭﻻ ﺍﻷﻛﺮﺍﺩ، ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺭﻯ ﻓﻴﻪ ﺧﺎﺻﻴﺔً ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﺪّﻗﻮﻧﻨﻲ. ﻓﻜﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﺮﺍﻗﺔ ﻭﺃﺻﺎﻟﺔ ﻓﻲ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻴﻠﻪ ﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺤﻖ، ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ:

  «ﺩَﺍﺩِ ﺣَﻖْ ﺭَﺍ ﻗَﺎﺑِﻠِﻴَّﺖْ ﺷَﺮْﻁ ﻧِﻴﻴﺴْﺖ»

 (حاشية) ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻻ ﻳﺸﺘﺮﻁ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﺨﺺ. المترجم.

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﻗﻄﻌﺎً ﺃﻥ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻵﻝ:

ﺍﻷﻭﻝ: ﺁﻟﻪ ﺍﻟﻨَﺴَﺒﻲ.

ﻭﺍﻵﺧﺮ: ﺁﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺷﺨﺼﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

ﻓﺄﻧﺖ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﻄﻌﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻵﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺩﺧﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻵﻝ ﺍﻷﻭﻝ ﺣﺴﺐ ﻗﻨﺎﻋﺘﻲ ﺑﻼ ﺩﻟﻴﻞ. ﻓﺈﻥ ﺇﻣﻀﺎﺀ ﺟﺪّﻙ ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﺴﻴﺪ» ﻟﻴﺲ ﻋﺒﺜﺎً ﻭﻻ ﺟﺰﺍﻓﺎً.

  ﺧﻼﺻﺔ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ! ﺇﻥ «ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻗﺪ ﻗﺎﻝ: «ﺇﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻋﺒﺎﺭﺓٌ ﻋﻦ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﻬﺎ». ﺇﻧﻚ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺑﺴﺆﺍﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺗﻀﻄﺮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻧﺎﻗﺶَ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﺧﺎﺭﻗﺔَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺩﺍﻫﻴﺔَ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ «ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ». ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﺳﺄﺧﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﺴﻮﻑ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺣﻠّﻖَ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﻘﺮ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻨﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖُ ﺫﺑﺎﺑﺔ!

ﺃﺧﻲ: ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ «ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻻ ﻳَﺨﺪﻉ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻨﺨﺪﻉ، ﻓﻬﻮ ﻣُﻬﺘﺪٍ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺎﺩﻳﺎً ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛَﺘﺒﻪ. ﻓﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺻﺪﻕٌ ﻭﺻﻮﺍﺏٌ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺿّﺤﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﻓﻲ ﻣﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﻭﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺆﺍﻟُﻜﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﻗﺎﻧﻮﻥٌ ﺃﻣﺮﻱ. ﻭﻟﻜﻦ ﺃُﻟﺒﺴَﺖ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﺧﺎﺭﺟﻴﺎً، ﻓﻬﻲ ﻧﺎﻣﻮﺱٌ ﺫﻭ ﺣﻴﺎﺓ، ﻭﻗﺎﻧﻮﻥٌ ﺫﻭ ﻭﺟﻮﺩ ﺧﺎﺭﺟﻲ.

ﻓﺎﻟﺸﻴﺦ «ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ» ﻗﺪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎﻫﻴﺘِﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀَ ﺧﻴﺎﻻ ﺣﺴﺐ ﻣﺸﺮﺏ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ».

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﺞ ﻣﺴﻠﻜﺎً ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻭﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐَ ﻣﺸﺮﺏ ﻣﻬﻢ ﻭﻟﻪ ﻛﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻠﺠﺄ ﺑﺎﺿﻄﺮﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻭﻳﻼﺕٍ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻭﺗﻜﻠّﻒ ﻭﺗﻤﺤّﻞ ﻟﻴﻄﺒّﻖ ﺑﻌﺾَ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺣﺴﺐ ﻣَﺸﺮﺑﻪ ﻭﻣﺸﻬﻮﺩﺍﺗﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺪﺵُ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﻳﺠﺮﺣُﻬﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻴّﻨﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﻣﻨﻬﺞَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ.

ﻓﺎﻟﺸﻴﺦ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻟﻪ ﻣﻘﺎﻡ ﺧﺎﺹ ﻟﺬﺍﺗﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻟﻴﻦ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺑﻜﺸﻔﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻬﺎ ﺧﺮﻕَ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﻭﺧﺎﻟَﻒ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ.

ﻭﻷﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻃﺮﻳﻘﺘُﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔُ ﺑﻪ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ «ﺻﺪﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻘﻮﻧﻮﻱ» ﻭﻳﻨﺪﺭ ﺃﻥ ﻳُﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓً ﺫﺍﺕَ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔ، ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﺷﻴﺨﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻋﺎﻟﻲَ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻗﻄﺒﺎً ﺧﺎﺭﻗﺎً ﻓﺮﻳﺪَ ﺯﻣﺎﻧﻪ. ﺑﻞ ﻻ ﻳﺤﺚ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻭﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀُ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺍﻟﻘﻴّﻤﺔ، ﺑﻞ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ.

ﺇﻥَّ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺑﻴﻦ ﻣﺸﺮﺏ ﺍﻟﺸﻴﺦ «ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻭﺃﻫﻞِ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﻣﻨﺎﺑﻌﻬﻤﺎ ﻭﻣﺼﺎﺩﺭﻫﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔٍ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻭﺑﺤﺚٍ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﻧﻈﺮٍ ﻭﺍﺳﻊ ﺭﻓﻴﻊ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕَ ﺩﻗﻴﻖٌ ﺟﺪﺍً ﻭﻋﻤﻴﻖ ﺟﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻭﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﺭﻓﻴﻊ ﻭﺳﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻛﺒﻴﺮ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺆﺍﺧَﺬ ﺍﻟﺸﻴﺦ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺌﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻇﻞ ﻣﻘﺒﻮﻻ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺪﺭ ﻣﺸﻬﻮﺩَﻳﻦ ﻭﺍﺿﺤﻴﻦ ﻋﻠﻤﺎً ﻭﻓﻜﺮﺍً ﻭﻛﺸﻔﺎً ﻟﻜﺎﻥ ﺳﻘﻮﻃﺎً ﻣﺮﻳﻌﺎً ﻟﻠﺸﻴﺦ ﻭﺧﻄﺄً ﺟﺴﻴﻤﺎً ﻟﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕُ ﻋﻤﻴﻘﺎً ﺟﺪﺍً، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﺒﻴﻦ ﺧﻄﺄَ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ ﻭﻧﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﻣﺜﺎﻝ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ:

 ﻓﻤﺜﻼ: ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓُ ﻫﻲ ﻣﻈﺮﻭﻑُ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻣﻮﺻﻮﻓُﻬﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺰﻳّﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓَ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﺻﻔﺘَﻬﺎ ﺍﻟﻼﻣﻌﺔ ﻭﺻﺒﻐﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻣﺮﺁﺓَ ﺁﻟﺔِ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺘﻨﻘﻞ ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﻭﺭﻗﺔ ﺣﺴﺎﺳﺔ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺛﺎﺑﺘﺔ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﺎﻟﺸﻤﺲُ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻣﺎﻫﻴﺘُﻬﺎ ﺍﻟﻤﺮﺗﺴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﻭﺻﻔﺎﺗُﻬﺎ، ﻭﺗﺰﻳﻴﻨُﻬﺎ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ -ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺻﻔﺘﻬﺎ- ﻫﻲ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ. ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻤﺴﺎً، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺩﺧﻮﻝُ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺁﺧﺮ. ﺃﻣﺎ ﻭﺟﻮﺩُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻓﻬﻮ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻴﻦَ ﻭﺟﻮﺩِ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻇُﻦ ﺃﻧﻪ ﻋﻴﻦُ ﻭﺟﻮﺩِﻫﺎ ﻻﺭﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﻬﺎ ﻭﺇﺷﺎﺭﺗﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻪ: «ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ» ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﻮﺍﺑﺎً ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻇﺮﻓﺎً ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩُﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﺇﻥَّ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ -ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺬﺕ ﺣﻜﻢَ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ- ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﺍﻟﺤﺴﺎﺳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲُ، ﻓﻬﺬﺍ ﺧﻄﺄ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ «ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ» ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﺧﻄﺄ، ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺗﺴﻤﺔ ﺧﻠﻔَﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﺍﻟﺤﺴﺎﺱ، ﻓﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺎ. ﻓﻤﻊ ﺃﻥ ﺫﻳﻨﻚ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻧﻔﺴﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺫﻫﻦَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺧﻴﺎﻟَﻪ ﺷﺒﻴﻬﺎﻥ ﺑﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻫﺬﺍ. ﻭﺫﻟﻚ:

ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻓﻜﺮِ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻬﺎﻥ ﺃﻳﻀﺎ: ﻓﻬﻲ ﺑﻮﺟﻪٍ ﻋﻠﻢٌ، ﻭﺑﻮﺟﻪٍ ﺁﺧﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡٌ. ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻋﺘﺒﺮﻧﺎ ﺍﻟﺬﻫﻦَ ﻇﺮﻓﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ، ﺃﺻﺒﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩُ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡُ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎً ﺫﻫﻨﻴﺎً. ﻓﻮﺟﻮﺩُﻩ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﻭﺇﻥ ﺍﻋﺘﺒﺮﻧﺎ ﺍﻟﺬﻫﻦَ ﻣﻮﺻﻮﻓﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻞَّ ﻓﻴﻪ ﺃﺻﺒﺢ ﺻﻔﺔً ﻟﻠﺬﻫﻦ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻋﻠﻤﺎً، ﻭﻟﻪ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺧﺎﺭﺟﻲ. ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻭﺟﻮﺩٌ ﻭﺟﻮﻫﺮٌ ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﺧﺎﺭﺟﻴﺎً ﻋﺮﺿﻴﺎً.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﻦ.

ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﻣﺮﺁﺓ، ﻭﻣﺎﻫﻴﺔُ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﺮﺁﺓ ﺃﻳﻀﺎً. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻣﻌﺮّﺿﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻷﺯﻟﻴﺔ.

ﻓﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ -ﻣﻦ ﺟﻬﺔ- ﻳُﺼﺒﺢ ﻣﺮﺁﺓً ﻻﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺒﻴﻦ ﻧﻘﺸﺎً ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺷﻪ.

ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮﺏ ﺍﻟﺸﻴﺦ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻗﺪ ﻛﺸﻔﻮﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻈﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ -ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﻲ- ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻨﻌﻜﺲ ﺻﻮﺭﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻫﻮ ﻋﻴﻨﻪ. ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﻻ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ»، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻔﻜﺮﻭﺍ ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻓﺄﺧﻄﺄﻭﺍ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮﻭﺍ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ: «ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺘﺔ».

ﺃﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺮﻭﻥ ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺒﻴﻨﺎﺕ:

ﺃﻥَّ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻜﻞُّ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟِﺪُﻩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻞُّ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ، ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎﻝ: «ﻻ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ». ﺇﺫ ﻟﻸﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩٌ، ﻭﻫﻮ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩُ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﺿﻌﻴﻔﺎً ﻛﺄﻧﻪ ﻭﻫﻤﻲ ﻭﺧﻴﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻷﺯﻟﻲ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ.

ﺇﻥَّ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓِ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻣﺜﺎﻟﻴﺎً ﻋﺪﺍ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.

ﻭﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻋﺮَﺿﻲ ﺁﺧﺮ ﻳﻠﻮّﻥ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺑﺰﻳﻨﺘﻪ ﺇﺫ ﺗﻨﺒﺴﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺗُﻬﺎ.

ﻭﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻋﺮﺿﻲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻫﻮ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﺸﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﺍﻟﺤﺴﺎﺳﺔ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻭﺟﻮﺩﺍﺕٍ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ. ﻓﺈﻥ ﻧﻘﻮﺵَ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻫﺎ ﻭﻗﺪﺭﺗﻬﺎ، ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺣﺎﺩﺙٌ ﻏﻴﺮُ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻗﺪ ﻣُﻨﺢ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺛﺒﺎﺗﺎً ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺍﻧﻘﻄﻊ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ﻓﻨﻴﺖ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀُ ﻭﺍﻧﻌﺪﻣﺖ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ. ﻓﻜﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻣﺤﺘﺎﺝٌ ﻟﺒﻘﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺧﺎﻟِﻘﻪ ﻟﻪ، ﻓﺈﻥ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔٌ ﺑﺈﺛﺒﺎﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺗﺜﺒﻴﺘﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻗﻮﻝَ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ: «ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﺁﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺻﻔﺔ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ» ﻣﺨﺎﻟﻒٌ ﻟﻈﺎﻫﺮ ﻧﺼﻮﺹ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺍﻟﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺁﻧﻔﺎً ﻭﺍﻧﺨﺪﻉ ﺇﺫ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﻫِﺪ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ.

ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻈﺎﻫﺮُ «ﺍﻟﺨﻼﻕ ﻭﺍﻟﺮﺯﺍﻕ» ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻣﻈﺎﻫﺮَ ﻭﻫﻤﻴﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀُ ﺫﺍﺕ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺈﻥ ﻣﻈﺎﻫﺮَﻫﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ.

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﺗﻄﻠﺒﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺩﺭﺳﺎً ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎً ﻟﻌﻠﻢ «ﺍﻟﺠﻔﺮ».

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﺎ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻟﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻨﺎ ﻭﻻ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮﻧﺎ ﻟﻸﻣﻮﺭ. ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍً -ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻟﻨﺎ- ﻓﻮﻕ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻧﺎ ﻭﺧﺎﺭﺝ ﺇﺭﺍﺩﺗﻨﺎ ﻳﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻧﺎ.

ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﻔﺮ ﻳُﺸﻐﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﻋﻦ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻳﺼﺮﻓﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺫﻭﻕ ﻭﻭَﻟَﻊ. ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﻞُّ ﻟﻲ ﺃﺳﺮﺍﺭٌ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ ﻟﻤﺮﺍﺕ ﻋﺪﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﺫﻭﻕ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺻَﺪ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﺩﻭﻧﻲ. ﻓﻮﺟﺪﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺣﻜﻤﺘﻴﻦ:

ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏَ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ «ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐَ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ».

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﺭﺷﺎﺩ ﺍﻷﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ، ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻮﻕ ﻣﺎﺋﺔَ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺈﺭﺷﺎﺩﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﻛﻌﻠﻢ ﺍﻟﺠﻔﺮ. ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺠﺞ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻭﺍﻟﺪﻻﺋﻞ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﺗﺪﻉ ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﻠﻢُ ﺍﻟﺠﻔﺮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻀﺒﻄَﺔ ﺑﻘﻮﺍﻋﺪ ﻣﺤﻜﻤﺔ، ﻗﺪ ﻳﺴﺎﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﺑﻮﻟﻮﺝ ﺍﻟﻤﺎﻛﺮﻳﻦ ﻓﻴﻪ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺍﺣﺘﺎﺝ ﺍﻷﻣﺮُ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺒﺬﺓً ﻣﻨﻪ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ.

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﻳﺴﺮَ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﻔﺮ، ﻭﺃﻧﻘﺎﻫﺎ، ﺑﻞ ﺃﺟﻤﻠﻬﺎ ﻭﺃﺣﺴﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ» ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺷﻌﺎﻋﺎً ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﺍﻓﻖ ﻟﻔﻆ ﺍﻟﺠﻼﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺯﻳّﻨﺖ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﻨﺸﺮﻫﺎ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﻭُﺿّﺢ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻣﻦ «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻐﻮﺛﻴﺔ». ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻇﻬﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﺟﻬﺎﺕ، ﻓﻬﻮ ﺇﺷﺎﺭﺓٌ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻮﺍﻓﻖ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻭﻳﺤﻞّ ﻣﺤﻠَّﻪ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ، ﻳﻜﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻭﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺟﺎﺩﺓ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺘُﺒﻠّﻐﻮﻥ ﺑﻪ.

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺃﻱ ﺳﺆﺍﻝ ﺇﻣﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ «ﻋﻤﺮ ﺃﻓﻨﺪﻱ» ﻭﻟﻴﺲ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ، ﻭﻫﻮ:

ﺃﻥ ﻃﺒﻴﺒﺎً ﺷﻘﻴﺎً ﻳﺪّﻋﻲ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻟﻌﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺍﻟﺪٌ، ﻭﺯﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺂﻳﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺑﺘﺄﻭﻳﻞ ﺟﻨﻮﻧﻲ. (حاشية) ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺃﺱ ﺭﺑﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ -ﺑﺠﻬﺔ- ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﺘﺨﺬﺍً ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻟﻪ ﻣﻮﻃﻨﺎً.. ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ، ﻭﻫﺬﻩ ﺃﻭﺿﺎﻋﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺻﻮﺭﺓ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻨﺴﺠﻢ ﺿﻤﻪ ﺑﺘﺄﻭﻳﻞ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺸﻜﻮﻙ ﻣﺠﻬﻮﻝ ﻏﻴﺮ ﻓﻄﺮﻱ، ﺑﻞ ﺑﺄﺩﻧﻰ ﻭﺟﻪ ﻭﻃﺮﺍﺯ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ، ﻛﻤﺎ ﻻ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﺻﻼ.

  ﺛﻢ ﺇﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻻ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ. ﻭﻳﺎ ﻋﺠﺒﺎً ﺃﺗُﻬﺪﻡ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺭﺻﻴﻨﺔ ﻟﻢ ﺗُﺨﺮﻕ ﻓﻲ ﺃﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ، ﻭﻇﻠﺖ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻋﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ؛ ﻛﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ﺍﻟﻤﺘﺨﺮﻕ ﺍﻟﻤﻤﺰﻕ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺟﻬﺔ ﻭﺟﻬﺔ؟ 

ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻗﺪ ﺳﻌﻰ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻹﺣﺪﺍﺙ ﺧﻂٍ ﺑﺤﺮﻭﻑ ﻣﻘﻄّﻌﺔ، ﺑﻞ ﺳﻌﻰ ﺳﻌﻴﺎً ﺣﺜﻴﺜﺎً ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ. ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﺣﻴﻨﺬﺍﻙ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﺃﻃﻮﺍﺭ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﻭﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺇﺯﺍﻟﺘﻬﺎ. ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺼﺪّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺠﺎﺭﻑ، ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ.

ﻭﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﻭﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺘﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻬﺠﻮﻡ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. ﻭﺃﻇﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻓﺘﺢَ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﺍﻟﺴﺨﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ.

ﺇﻧﻪ ﻻ ﻭﺍﻟﺪَ ﻟﻌﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻛﻤﺎ ﺗﺒﻴﻨُﻪ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:59) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ. ﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﺆﺑَﻪ ﺑﻜﻼﻡ ﻣَﻦ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺻﻴﻨﺔ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﺔ، ﺑﻞ ﻻ ﻳُﻘﺎﻡ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﻭﺯﻥٌ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻪ ﺃﺻﻼ، ﺣﻴﺚ ﻳَﻌﺪّ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔَ ﻗﺎﻧﻮﻥٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦٍ ﻓﻴﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﻭﺍﻫﻴﺔ.

ﻻﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺩﻭﻥ ﺷﺬﻭﺫٍ ﻣﻨﻪ، ﻭﺩﻭﻥ ﻧﻮﺍﺩﺭ ﻟﻪ، ﻭﺩﻭﻥ ﺃﻓﺮﺍﺩٍ ﺧﺎﺭﺟﺔٍ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻢ ﺗُﺨﺼّﺺ ﺑﺄﻓﺮﺍﺩ ﺧﺎﺭﻗﺔ. ﻭﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻟّﺎ ﻳﺸﺬَّ ﻓﺮﺩ -ﺃﻳﺎ ﻛﺎﻥ- ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ، ﻭﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ، ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.

 ﻓﺄﻭﻻ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ﻗﺪ ﺧُﺮﻕ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ، ﺑﻤﺒﺎﺩﺉ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺧﺘﻢ ﺑﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺁﺑﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ، ﻭﻫﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﻭﺍﺩﻡ ﻟﻬﺎ، ﻗﺪ ﺧﺮﻗﻮﺍ ﻗﺎﻧﻮﻥَ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺃﻟﻒ ﺃﺏ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺃﺏ ﻭﺃﻡ. ﺑﻞ ﺃُﻋﻄﻲ ﻟﻬﻢ ﻭﺟﻮﺩٌ ﺧﺎﺭﺝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻧﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ، ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺴﻢَ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻭﻣﻤﺎ ﻻ ﻳُﻌﺪ ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ، ﺗُﺨﻠﻖ ﺧﺎﺭﺝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ، ﺗُﺨﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻷﻭﺭﺍﻕ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺘﻌﻔﻨﺔ.

ﺗُﺮﻯ ﺇﻥ ﻗﺎﻧﻮﻧﺎً ﻳُﺨﺮﻕ ﺑﺸﻮﺍﺫ، ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ، ﻓﻲ ﻣﺒﺪﺋﻪ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ. ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻭﻻ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﻊَ ﻋﻘﻠُﻪ ﺷﺬﻭﺫَ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺧﻼﻝ ﺃﻟﻒ ﻭﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ، ﻓﻴﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ.. ﺃﻗﻮﻝ ﺗُﺮﻯ ﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺗﻜﺒﺎً ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻭﺑﻼﻫﺔ ﻗﺲ ﺫﻟﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺸﻘﺎﺓ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦُ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺗﺠﻞٍ ﻛﻠّﻲ ﻟﻸﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻐﻴّﺮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﺎﺩﺍﺗِﻪ ﺗﻠﻚ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ؛ ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﻫﻴﻤﻨﺔَ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻗﺎﻧﻮﻥ. ﻓﻴﺨﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓَ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﻴﻦ، ﻭﻗﻮﻟُﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ﴾ ﻳﺒﻴّﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻌﻤﺮ ﺃﻓﻨﺪﻱ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ.

ﻟﻘﺪ ﺗﺼﺮﻑ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﺼﺮﻑَ ﻣﻌﺘﻮﻩ، ﻭﺍﺭﺗﻜﺐ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﺑﻠﻬﺎﺀ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻟﻪ، ﻭﻻ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻪ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪ. ﺇﺫ ﻳﺮﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ﺃﻥ ﻳﻮﺟِﺪ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.

ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺭ «ﻋﻤﺮ ﺃﻓﻨﺪﻱ»، ﻭﻟﻴﺲ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻟﻠﻜﻼﻡ ﺍﻟﺘﺎﻓﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ.

ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠّﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﻫﻲ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﻧﻬﻴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺤِﻜﻢ ﻓﻬﻲ ﻣﺮﺟِّﺤﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺎﺕ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﻧﻬﻴِﻪ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ..

ﻓﻤﺜﻼ: ﻳﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮُ ﺍﻟﺼﻼﺓ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻟﻪ ﻋﻠﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ، ﻓﺎﻟﻌﻠﺔُ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺗُﻘﺼﺮ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺸﻘﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻭُﺟﺪﺕ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺸﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻓﻼ ﺗُﻘﺼﺮ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺩﻭﻥ ﺳﻔﺮ. ﺇﺫ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺣﻜﻤﺔً ﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻛﺎﻓﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﺘﺠﻌﻞ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻋﻠّﺔ ﻟﻠﻘﺼﺮ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡُ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺤِﻜﻢ، ﺑﻞ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻌﻠﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻟﺤﻢ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ -ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ- ﻓﻴﻪ ﺿﺮﺭ، ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪﺓ «ﻣﻦ ﺃﻛﻞ ﻟﺤﻢ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺼﻔﺎﺗﻪ» (حاشية) ﺇﻧﻪ ﻣﻊ ﺳﺒﻖ ﺑﻼﺩ ﺍﻹﻓﺮﻧﺞ ﻓﻲ ﺭﻗﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻭﺗﻘﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺿﻼﻟﻬﻢ ﺿﻼﻝ ﺍﻟﺨﻨﺎﺯﻳﺮ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﻣﺘﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻨﺎﻑٍ ﻛﻠﻴﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ. ﺃﺳﺎﺋﻞ ﺃﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺩﺧﻞ ﻷﻛﻞ ﻟﺤﻢ ﺍﻟﺨﻨﺰﻳﺮ؟

  ﻭﺍﻥ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﺰﺍﺝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻐﺬﻯ ﺑﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ: «ﻣﻦ ﺩﺍﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻠﺤﻢ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻘﺴﺎﻭﺓ ﺍﻟﻘﻠﺐ». ﻓﻔﻴﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻣﻦ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﻭﺃﻣﺮﺍﺽ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻻ ﻳﺸﺒﻪ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺿﺮﺭ ﻟﻬﺎ. ﺑﻞ ﺃﻛﻞُ ﻟﺤﻤﻪ ﻳﻮﺭﺙ ﺃﺿﺮﺍﺭﺍً ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﻌﻪ. ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺤﻢ ﺍﻟﻘﻮﻱ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻟﺤﻤﻪ ﻟﻪ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﻃﺒﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺑﻼﺩ ﺍﻹﻓﺮﻧﺞ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ. ﺑﻞ ﺗﺤﻘﻖَ ﺃﻥَّ ﻟﻪ ﺃﺿﺮﺍﺭﺍً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﻓﻠﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ، ﺃﺻﺒﺢ ﻟﺘﺤﺮﻳﻤﻪ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﻟﺘﻌﻠّﻖ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﺑﻪ، ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ. ﻭﻻ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﻌﻠﺔُ ﺑﺘﺒﺪﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﻌﻠﺔُ ﻻ ﻳﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﺤُﻜﻢ. ﻓﻠﻴُﻌﻠﻢ ﺣﺴﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﺪﻯ ﻣﺎ ﻳﺘﻔﻮﻩ ﺑﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ.

ﻟﺬﺍ ﻻ ﻳُﻌﺒﺄ ﺑﻜﻼﻣﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﻓﺈﻥ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕٍ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﻓﻼﺳﻔﺔ!.

ﺫﻳﻞ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﺣﻮﻝ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ»

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻳﻌﺪّ ﻣﺴﺄﻟﺔ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺃﺭﻓﻊ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻋﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﺗﺒﻌﻮﻩ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﻜﻪ. ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻚ ﺗﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻻ ﻫﻮ ﺑﻤﺴﻠﻚٍ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺮﺏُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴُﻜﺮ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏِ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ، ﻓﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ: ﻣﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔٍ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﺘﻬﺎ ﻭﺭﺍﺛﺔُ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺻﺮﺍﺣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ؟.

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻣﺴﻜﻴﻨﺎً ﻣﺜﻠﻲ، ﻻ ﻗﻴﻤﺔَ ﻟﻪ ﻭﻻ ﺃﻫﻤﻴﺔ، ﺃﻧّﻰ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﺤﻢَ ﻏﻤﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻭﻳﺠﺮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺤﺎﻛﻤﺎﺕٍ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺤﺪ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﻣﺮﺓ.. ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄﺫﻛﺮ ﺫﻛﺮﺍً ﻣﺨﺘﺼﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﻭﺭﺩﺗﺎ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻓﻠﻌﻞ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻭﻧﻔﻌﺎً.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ:

ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻋﺪﺓ ﻟﻼﻧﺠﺬﺍﺏ ﻧﺤﻮ ﻣﺸﺮﺏ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ». ﺳﺄﺑﻴﻦ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ ﺳﺒﺒﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ:

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻷﻭﻝ: ﺇﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻧﻬﻢ ﺧﻠّﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺮﺍﺗﺒﻬﺎ، ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﻤﻜّﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺗﻤﻜﻴﻨﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺄﺣﺪﻳﺘﻪ ﻣﺎﻟﻚٌ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻟﺰﻣﺎﻡ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻭﺃﻥ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻳُﺨﻠﻖ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﻸﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﺍ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻫﻮ «ﺗﻌﺎﻟﻰ»، ﺃﻭ: ﻻﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ، ﺃﻭ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺧﻴﺎﻝ، ﺃﻭ: ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻠﻮﺍﺕ.

ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥَّ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺃﺻﻼ، ﻭﺗﻔﺮّ ﻣﻨﻪ ﺑﺸﺪﺓ، ﻭﺗﺮﺗﻌﺪ ﻓﺮﺍﺋﺺُ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﻣﻦ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﻕ، ﻭﻳﺮﻫﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﺋﻲ ﺭﻫﺒﺘَﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﻳﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻧﻔﺮﺓً ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺤﺐ ﺍﻟﻮﺻﺎﻝ ﺣﺒَّﻪ ﻟﺮﻭﺣﻪ ﻭﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺮﻏﺐ ﺑﺸﻮﻕ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻪ -ﻛﺸﻮﻗﻪ ﻟﻠﺠﻨﺔ- ﻟﻠﻘﺮﺏ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻟﺬﺍ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﺠﻠﻲ ﺍﻷﻗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕَ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺋﻲ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎﻥ، ﻓﻴﻈﻦ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀَ ﻭﺍﻟﻮﺻﺎﻝ ﺩﺍﺋﻤﻴﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ: «ﻻ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ».

ﻭﻷﻧﻬﻢ ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻥ ﺑﺴُﻜﺮ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺷﻮﻕ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺻﺎﻝ، ﺃﻥ ﻓﻲ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﺸﺮﺑﺎً ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺬﻭﻕ، ﻟﺬﺍ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻣﻠﺠﺄﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻷﺟﻞ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﻗﺎﺕٍ ﺭﻫﻴﺒﺔ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪﺍً، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ ﺍﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﻬﺎ، ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎ ﺗﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ.

ﺃﻣﺎ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎً ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ، ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﻧﺒﺴﺎﻃﻪ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﺎً ﺧﺎﺭﻗﺎً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ.

ﺃﻣﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀُ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺃﻋﻨﻰ ﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺼﺤﻮ ﻭﺃﻫﻞ ﻭﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔٌ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﺍً، ﺇﺫ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻼﻗﻴﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻫﻲ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺲ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺧﻼﻝٍ ﺑﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻷﻥ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺄﺣﺪﻳﺘﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻭﺗﻨﺰّﻫﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻗﺪ ﺃﺣﺎﻁ -ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔ- ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻤﺎً ﻭﺷﺨّﺼﻪ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻭﺭﺟَّﺤﻪ ﻭﺧﺼَّﺼﻪ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﺃﻭﺟَﺪﻩ ﻭﺃﺑﻘﺎﻩ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ. ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻮﺟِﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻳﺨﻠﻘﻪ ﻭﻳﺪﺑﺮ ﺃﻣﻮﺭﻩ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩﻩ ﻟﺸﻲﺀٍ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺇﻳﺎﻩ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﻓﻼ ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎً ﻗﻂ، ﻓﻼ ﺗﺠﺰﺅ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﻬﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﺑﺘﺼﺮﻓﻪ ﻭﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﺑﻌﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ. ﻓﻼ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻭﻻ ﺗﻮﺯّﻉ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺿﺤﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ»، ﻭﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ».

ﺳﺄﻭﺭﺩ ﻫﻨﺎ ﻣﺜﺎﻻ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺺ ﻛﺜﻴﺮ (ﻭﻻ ﻣﺸﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ) ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻔﻬﻢ ﺷﻲﺀٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺸﺮﺑﻴﻦ:

ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺎﻭﻭﺳﺎً ﺧﺎﺭﻗﺎً ﻻ ﻣﺜﻴﻞَ ﻟﻪ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻓﻲ ﻟﻤﺤﺔ ﺑﺼﺮ، ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﻂ ﺟﻨﺎﺣﻴﻪ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ، ﻭﻗﺒﻀﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻣﺌﺎﺕ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺭﻳﺶ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺣﻴﻪ ﺇﺑﺪﺍﻋﺎً ﻭﺍﺗﻘﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺮﻭﻋﺔ.

ﻭﻟﻨﻔﺮﺽ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺨﺼﻴﻦ ﻳﺘﻔﺮﺟﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ، ﻭﻳﺮﻳﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻖ ﺑﺠﻨﺎﺣﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﻴﺮ ﻭﺑﻠﻮﻍ ﺯﻳﻨﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ.

ﻓﻄﻔﻖ ﺍﻷﻭﻝ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﻭﻫﻴﻜﻠِﻪ ﻭﻧﻘﻮﺵِ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﻳﺸﺔ ﻣﻨﻪ، ﻓﻴﻐﻤﺮﻩ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﻭﺍﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻴﺮ ﻓﻴﺘﺮﻙ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺴﺘﻤﺴﻜﺎً ﺑﺎﻟﻌﺸﻖ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺸﻐﻒ ﺗﻐﻴﺐ ﻭﺗﺰﻭﻝ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ. ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﻨﻘّﺎﺵٍ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻠﺨﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻣﻊ ﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻊ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻮﻋﺐ ﻫﺬﺍ ﻭﻳﺪﺭﻛﻪ، ﻓﺒﺪﺃ ﻳُﺴﻠّﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ:

«ﺇﻥَّ ﺭﻭﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﺭﻭﺡٌ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺻﺎﻧﻌَﻪ ﻓﻴﻪ، ﺃﻭ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻫﻮ ﻧﻔﺴَﻪ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺡَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﺤﺪﺓٌ ﻣﻊ ﺟﺴﺪ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ، ﻭﻷﻥ ﺟﺴﺪﻩ ﻣﻤﺘﺰﺝ ﻣﻊ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻛﻤﺎﻝَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﻋﻠﻮَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﻳُﻈﻬﺮﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻠﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻧﻘﺸﺎً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻭﺣﺴﻨﺎً ﻣﺠﺪﺩﺍً، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺇﻳﺠﺎﺩﺍً ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺟﻠﻮﺓ ﻭﺗﻈﺎﻫﺮ».

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻴﻘﻮﻝ: «ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵَ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻧﺔ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺇﺭﺍﺩﺓً ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍً ﻭﻗﺼﺪﺍً ﻭﻣﺸﻴﺌﺔ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﻠﻮﺓً ﺑﻼ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻭﻻ ﺗﻈﺎﻫﺮﺍً ﺑﻼ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﺭﺍﺋﻌﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎﻫﻴﺘَﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﺎﻋﻠﺔً ﻗﻄﻌﺎً ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻨﻔﻌﻠﺔ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﺪ ﻣﻊ ﻓﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎً. ﻭﺇﻥ ﺭﻭﺣَﻪ ﻋﺎﻟﻴﺔٌ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺟِﺪﺓً ﻭﻻ ﻣﺘﺼﺮﻓﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻈﻬﺮٌ ﻭﻣﺪﺍﺭ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ. ﻷﻧﻪ ﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﻳﺶ ﻣﻨﻪ ﺇﺗﻘﺎﻥٌ ﻗﺪ ﺗﻢ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﻭﻧﻘﺶ ﺯﻳﻨﺔ ﻧﻘﺸﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.

ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﻭﻥ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻗﻄﻌﺎً.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺟﻠﻮﺓ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ.

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺘﺐ ﺳﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﺍﻟﻤﺬﻫّﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺪ ﻣﻌﻪ. ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﺇﻟّﺎ ﺗﻤﺎﺳﺎً ﺑﻄﺮﻑ ﻗﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺯﻳﻨﺔَ ﺟﻤﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ ﺭﺳﺎﻟﺔً ﻣﻦ ﻗﻠﻢ ﺧﺎﻟﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ.

ﻓﺎﻵﻥ ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻃﺎﻭﻭﺱ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻗﺮﺃ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﻗﻞ ﻟﻜﺎﺗﺒﻬﺎ: ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ.. ﺗﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ.. ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ…

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﺎﺗﺒَﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﺘﺨﻴﻞ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐَ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔَ ﺧﻴﺎﻻ ﻻﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺳﺘﺮ ﻋﻘﻠَﻪ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺼﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻢ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺐ ﺍﻻﻧﺴﻼﻙ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺮﺏ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻲ ﻋﺸﻖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﺫ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻋﺸﻖُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺸﻖ ﻣﺠﺎﺯﻱ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ».

ﺇﻥ ﺷﺨﺼﺎً ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺐ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً ﻣﺤﺒﺔ ﻣﺠﺎﺯﻳﺔ، ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻓﻨﺎﺀﻩ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﻜّﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﻤﻨﺢ ﻣﻌﺸﻮﻗَﻪ ﻋﺸﻘﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً، ﻓﻴﺘﺸﺒﺚ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻴُﺴﻠّﻲ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴَﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﺿﻔﺎﺀ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﺑﻌﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻪ ﻣﺮﺁﺓ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.

ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﺃﺣﺐّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥَ ﺑﺮﻣﺘﻪ ﻣﻌﺸﻮﻗﻪ، ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﺴﻴﺎﻁ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﻮﺏ، ﻳﻠﺘﺠﺊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺇﻟﻰ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺇﻧﻘﺎﺫﺍً ﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺭﻓﻴﻊ ﺭﺍﺳﺦ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺫﺍﺕ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﺪﻯ «ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ» ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ، ﻭﺇﻟَّﺎ ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻭﺭﻃﺎﺕ ﻭﻳﻨﻐﻤﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺎﺕ ﻭﻳﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ.

ﺃﻣﺎ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ» ﻓﻼ ﺿﺮﺭ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﻣﺸﺮﺏ ﻋﺎﻝ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺼﺤﻮ.

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺃﺭِﻧﺎ ﺍﻟﺤﻖَّ ﺣﻘﺎً ﻭﺍﺭﺯُﻗﻨﺎ ﺍﺗّﺒﺎﻋَﻪ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *