مسائل متفرقة

مسائل متفرقة

المسألة الأولى

سؤال: ما حكمة كثرة الصلاة على الرسول ﷺ، وما سرّ ذكر السلام معها؟

الجواب: إن الصلاة على الرسول الكريم ﷺ وحدها طريقُ الحقيقة؛ فهو ﷺ مع أنه قد حظي بمنتهى الرحمة الإلهية قد أظهرَ الحاجة إلى منتهى الصلاة عليه، ذلك لأن الرسول الكريم ﷺ ذو علاقة مع آلام الأمة جميعا، وله حظ بسعاداتهم. ولعلاقته بسعادة جميع الأمة المتعرضة لأحوال لا نهاية لها في مستقبل غير محدود يمتد إلى أبد الآباد، أظهَرَ ﷺ الحاجة إلى منتهى الصلاة عليه.

ثم إن الرسول الكريم ﷺ عبدٌ، وهو رسولٌ في الوقت نفسه، فيحتاج إلى الصلاة من حيث العبودية، ويحتاج إلى السلام من حيث الرسالة، إذ العبودية تتوجه من الخلق إلى الخالق حتى تنال المحبوبية والرحمة، فـ الصلاة تفيد هذا المعنى؛ أما الرسالة فهي بعثة من الخالق سبحانه إلى الخلق، فتطلب السلامة (للمبعوث) والتسليم له، وقبولَ مهمته والتوفيق لإجراء وظيفته. فلفظ السلام يفيد هذا المعنى.

ثم إننا نقول «سيدنا» ونعبّر به: يا رب ارحم رئيسَنا الذي هو رسولُكم إلينا ومبعوثُنا إلى ديوان حضرتكم، كي تسري تلك الرحمةُ فينا.

اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه أجمعين.

* * *

المسألة الثانية

جواب قصير لسؤال طويل أورده أحد إخواننا.

إذا قلت: ما هذه الطبيعة التي زلّ إليها أهلُ الضلال والغفلة فدخلوا الكفر والكفران وسقطوا إلى أسفل سافلين بعد أن كانوا في مرتبة أحسن تقويم؟

الجواب: إن ما يطلقون عليه بـ«الطبيعة» هو: الشريعة الفطرية الإلهية الكبرى، التي هي عبارة عن مجموع قوانين عادة الله، التي تبين تنظيم الأفعال الإلهية ونظامها.

من المعلوم أن القوانين أمور اعتبارية، لها وجود علمي، وليس لها وجود خارجي. ولكن الغفلة والضلالة أدت بهم إلى الجهل بالكاتب والنقَّاش الأزلي، لذا ظنوا الكتابَ والكتابة كاتبا، والنقشَ نقاشا، والقانونَ قدرةً، والمِسطَر مصدرا، والنظامَ نظّاما، والصنعةَ صانعا!

فكما إذا دخل إنسان جاهل لم يَرَ الحياة الاجتماعية إلى معسكر عظيم وشاهد حركات الجيش المطردة وفق الأنظمة المعنوية، خُيّل إليه أنهم مربوطون بحبال مادية، أو دخل مسجدا عظيما وشاهد الأوضاع الطيبة المنظمة للمسلمين في صلاة الجماعة أو العيد، تخيل أنهم مربوطون بروابط مادية.. كذلك أهلُ الضلالة الذين هم أجهل من ذلك الجاهل يدخلون هذا الكون الذي هو معسكر عظيم -لمن له جنود السماوات والأرض سلطانِ الأزل والأبد- أو يدخلون هذا العالم الذي هو مسجد كبير للمعبود الأزلي، ثم يذكرون أنظمة ذلك السلطان باسم الطبيعة، ويتخيلون شريعته الكبرى المشحونة بالحِكم غير المتناهية أنها كالقوة أو كالمادة صماءُ عمياءُ جامدة مختلطة.

فلا شك أنه لا يقال عن مثل هذا: إنه إنسان، بل حتى لا يقال له: حيوان وحشي، لأن ما تخيله «طبيعة» يفرِض عليه أن يمنح كلَّ ذرة وكلَّ سبب قوةً قادرة على خلق الموجودات كلها وعلما محيطا بكل شيء، بل عليه أن يمنح كلَّ ذرة وكلَّ سبب جميعَ صفات الواجب الوجود. وما ذاك إلاّ محال في منتهى الضلالة بل هذيان نابع من بلاهة الضلالة.

فـ«الكلمات» ورسائل أخرى قد أردتْ مفهومَ الطبيعة قتيلا في مائة موضع وموضع، وإلى غير رجعة! وكذا «الكلمة الثانية والعشرون» أثبتت هذا الأمر إثباتا قاطعا.

الحاصل: لقد أُثبتت في «الكلمات» إثباتا قاطعا: أن الذي يؤلّه الطبيعة يضطر إلى قبول آلهة غير متناهية لإنكاره الإله الواحد، فضلا عن أن كلَّ إله قادرٌ على كل شيء، وضدُّ كلِّ إله، ومثله.. وذلك لينتظم الكون!. والحال أنه لا موضع للشريك قطعا، بدءا من جناح ذبابة إلى المنظومة الشمسية ولو بمقدار جناح الذباب، فكيف يُتدخل في شؤونه تعالى غيره؟

نعم، إن الآية الكريمة: ﴿لَوْ كَانَ فيهِمَٓا اٰلِهَةٌ اِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبْحَانَ اللّٰهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (الأنبياء:22) تقطع أساس الشرك والاشتراك ببراهين دامغة.

* * *

المسألة الثالثة

إن الكفر بذرة لجهنم معنوية، كما أن ثمرته جهنم مادية -كما أُثبت في الكلمة الثانية والثامنة وفي سائر الكلمات- فكما أنه سببٌ لدخول جهنم، فهو سببٌ لوجودها. إذ كما أن حاكما صغيرا بعزة ضئيلة وغيرة قليلة وجلال بسيط لو قال له شرير: لا تقدرُ على عقابي، ولن تقدر. فإنه بلا شك ينشئ لذلك الشرير سجنا ويقذفه فيه حتى لو لم يكن هناك سجن.

كذلك الكافر بإنكاره جهنم، فإنه يَصِم من له منتهى الغيرة والعزة والجلال، ويكذّبه ويتهمه بالعجز والكذب، فيمسّ عزته بشدة ويتعرض لجلاله بسوء. فلا شك لو لم يكن أي سبب لوجود جهنم -فرضا محالا- فإنه سبحانه يخلقها لذلك الكفر المتضمن للاتهام بالعجز والتكذيب إلى هذا الحد، وسيقذف فيها الكافر.

* * *

المسألة الرابعة

إذا قلت: لماذا يتغلب أهلُ الكفر والضلال على أهل الهداية في الدنيا؟

الجواب: لأن اللطائف الإنسانية واستعداداتها التي مُنحت لشراء الألماس الأبدي تُحيلُها بلاهةُ الكفر وسُكرُ الضلالة وحيرةُ الغفلة إلى قطع زجاجية تافهة وبلورات ثلجية سرعان ما تزول. فلا شك أن قِطع الزجاج المتكسر الجمادَ لأنه قد اُشتري بثمن الألماس، يُصبح كأنه أفضل زجاج وأجلى جماد!

كان فيما مضى جوهري ثري، فقدَ عقله وأصبح معتوها، ولما ذهب إلى السوق أخذ يعطي خمس ليرات ذهبية لقطعة زجاجية لا تساوي شيئا. ولما رأى الناس هذا منه، بدأوا يعطونه ما لديهم من زجاج، حتى الأطفال أعطوه بلورات ثلجية لقاء قطعة ذهب.

وكذا، فقد سكِر سلطان في زمن ما، ودخل ضمن الأطفال ظنا منه أنهم وزراء وقواد، وبدأ بإصدار أوامر سلطانية إليهم. سُرّ الأطفال بذلك، وقضى هو لهوا بينهم لطاعتهم له.

وهكذا الكفر بلاهة، والضلالة سُكر، والغفلة حيرة، بحيث يشتري الكافر المتاع الفاني بدلا من الباقي. وهذا هو السر في قوة مشاعر أهل الضلالة. فيشتد العناد والحرص والحسد وأمثالها من الأحاسيس لديهم، حتى ترى أحدهم يعاند -لسنة كاملة- لما لا يساوي دقيقة واحدة من الاهتمام.

نعم، إنه ببلاهة الكفر وسكر الضلالة وحيرة الغفلة تهوي اللطيفةُ الإنسانية التي خُلقت -فطرةً- للأبد والأبدية، فتأخذ أشياء فانية بدلا من الباقية وتعطيها ثمنا غاليا.

وهناك مرض عصبي أو مرض قلبي ينتاب المؤمن أيضا حتى إنه -كأهل الضلالة- يعطي اهتماما لما لا يستحق الاهتمام به. لكن سرعان ما يدرك خطأه فيستغفر ربه ولا
يصر عليه.

* * *

المسألة السادسة «مسالة صغيرة».

إن سبب إطلاق اسم «رسائل النور» على مجموع الكلمات (وهي ثلاث وثلاثون كلمة)، والمكتوبات (وهي ثلاثة وثلاثون مكتوباً)، واللمعات (وهي إحدى وثلاثون لمعة) والشعاعات (وهي ثلاثة عشر شعاعاً) هو أن كلمة النور قد جابهتني في كل مكان طوال حياتي، منها:

أن قريتي اسمها: نورس.

واسم والدتي المرحومة: نورية.

وأستاذي في الطريقة النقشبندية: سيد نور محمد.

وأستاذي في الطريقة القادرية: نور الدين.

وأستاذي في القرآن: نوري.

وأكثر من يلازمني من طلابي من يسمّون باسم نور.

وأكثر ما يوضح كتبي وينورها هو التمثيلات النورية.

وأول آية كريمة التمعت لعقلي وقلبي وشغلت فكري هي ﴿اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۜ مَثَلُ نُورِه كَمِشْكٰوةٍ…﴾ (النور:35).

وأكثر ما حل مشكلاتي في الحقائق الإلهية هو: اسم «النور» من الأسماء الحسنى.

ولشدة شوقي نحو القرآن وانحصار خدمتي فيه فإن إمامي الخاص هو سيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه.

* * *

 جواب لسؤال حول تغليف الأسنان

جواب لسؤال السيد خلوصي

أكتب لكم مجملا مسألة أو مسألتين شرعيتين:

إن المضمضة سنة في الوضوء وليست فرضا. بينما هي فرض في الاغتسال، فلا يجوز بقاء داخلِ الفم دون غَسل ولو شيئا جزئيا. ولهذا لم يجرأ العلماء على الفتوى بجواز تغليف الأسنان. والإمام أبو حنيفة والإمام محمد رضي الله عنهما لهما فتاوى في جواز صنع الأسنان من الفضة أو الذهب بشرط ألّا يكون تغليفا ثابتا. بينما هذه المسألة منتشرة بحيث أخذت طور البلوى العامة، لا يمكن رفعها.

فوردت إلى القلب فجأةً هذه النقطةُ: إنه ليس في طوقي ولا من حدّي التدخل في مهمة المجتهدين، ولكني أقول على الرغم من عدم ميلي إلى ضرورة عموم البلوى: إذا أوصى طبيب حاذق متدين بتغليف السن، عند ذاك تخرج السن من كونها من ظاهر الفم وتكون بمثابة باطنه. فلا يبطل الاغتسال بعدم غسلها، لأن غلافها يُغسَل فحلّ محلها. فكما يَحِل شرعا غسلُ أغلفة الجرح محل الجرح نفسه لوجود المضرة، فغسل هذا الغلاف الثابت -المبني على الحاجة- يحل محل غسل السن، فلا يبطل الاغتسال. والعلم عند الله.

ولما كانت هذه الرخصة تقع للحاجة، فلا شك أن الذي يقوم بتغليف الأسنان أو حشوها للتجميل لا يستفيد من هذه الرخصة، لأنه لو عمل ذلك بسوء اختياره حتى في حالة الضرورة لا تباح له ذلك. ولكن لو كان قد حدث دون علمه فالجواز للضرورة.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[حول رسالة الحشر]

النكتة الثالثة للمسألة الثامنة من المكتوب الثامن والعشرين.

ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السلام عليكم وعلى والديكم وعلى إخوانكم وعلى رفقائكم في درس القرآن

أخي العزيز!

أولا: لقد سرّني كثيرا رأيكم: أنه لا داعي لما رآه عبد المجيد من أن المبحث الثالث للمكتوب السادس والعشرين، زائد لا داعي له، بناء على حذر في غير محله. علينا أن ندرك أننا نحظى بسر الآية الكريمة: ﴿مِلَّةَ اِبْرٰهيمَ حَنيفًا (البقرة:135). والتي تشير إلى اتباعنا سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي نال ثناء القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ اَخَافُ مَٓا اَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ اَنَّكُمْ اَشْرَكْتُمْ بِاللّٰهِ (الأنعام:81).

ثانيا: يكتب عبد المجيد أن مفتيا -من أهالي مدينة لهم صداقة عامة نحوي- قد أورد انتقادات واهية، بنظرٍ سطحيّ عابرٍ على تفرعاتِ «الكلمة العاشرة». فأجوبة عبد المجيد له كافية، عدا موضعين. إذ هو الآخر قد أجاب جوابا سطحيا في موضعين اثنين حول ذلك السؤال السطحي.

الأول: لقد قال ذلك الفاضل: إن حقائق «الكلمة العاشرة» ليست للمنكرين، لأنها مؤسسة على الصفات الإلهية والأسماء الحسنى. ويقول عبد المجيد في جوابه له: قد حمل المنكرين على الإقرار بالإيمان في الإشارات الأربعة التي تسبق الحقائق، ثم يسرد الحقائق.

والجواب الحقيقي هو الآتي:

إن كل حقيقة من الحقائق -الاثنتي عشرة لهذه الرسالة- تثبت أموراً ثلاثة في آن واحد: وجود واجب الوجود، وأسمائه وصفاته، ثم تبني الحشرَ على تلك الأمور وتُثبته. فيستطيع كل شخص من أعتى المنكرين إلى أخلص المؤمنين أن يأخذ حظه من كل حقيقة، لأنها تلفت الأنظار إلى الموجودات والآثار، وتقول: «في هذه الموجودات أفعال منتظمة، والفعل المنتظم لا يكون بلا فاعل، لذا فلها فاعل. ولما كان الفاعل يفعل فعله بالانتظام والنظام يلزم أن يكون حكيماً عادلاً، وحيث إنه حكيم، فلا يفعل عبثاً، وحيث إنه يفعل بالعدالة فلا يضيّع الحقوق، فلا بد إذن من محشر أكبر ومحكمة كبرى».

وعلى هذا المنوال تسير الحقائق، وتلبس هذا الطراز من التسلسل، وتثبت الدعاوى الثلاث دفعة واحدة. ولأنها مجملة فالنظر السطحي يعجز عن التمييز. علماً أن كل حقيقة منها قد فصلت بإيضاح تام في رسائل أُخر وفي «الكلمات».

الجواب الثاني الناقص الذي أورده عبد المجيد:

لقد أخطأ عبد المجيد لمسايرته السؤال الخطأ لذلك الفاضل ولقبوله الخطأ، لأنه لم يُذكر في حاشية «الكلمة العاشرة» أن الاسم الأعظم هو عبارة عن مرتبة عظمى لكل اسم فقط. بل ذكرنا في مواضع كثيرة: أن الحشر يظهر من الاسم الأعظم ومن المرتبة العظمى لكل اسم. فمع إثبات الرسالة -الكلمة العاشرة- الاسمَ الأعظم، فلكل اسم مرتبة عظمى أيضا بحيث حظي الرسول الأعظم ﷺ بهذه المراتب. فالحشر الأعظم أيضا متوجه إليها.

فمثلا: اسم «الخالق» له مراتب ابتداءً من مرتبة كونه سبحانه وتعالى خالقي إلى المرتبة العظمى في كونه خالقا لكل شيء.

وقد قال ذلك الفاضل الذي ساوره الشك: إن وجود مرتبة عظمى لكل اسم من كلام فلاسفة المتصوفة، قاصدا ردّه. بينما يتغير الاسم بالنسبة للإمام الأعظم أبى حنيفة والإمام الغزالى وجلال الدين السيوطي والإمام الرباني والشيخ الكيلاني وأمثالهم من المحققين الصدّيقين. فقد قال الإمام الأعظم:إن الاسم الأعظم هو: العدل، الحكم.. وهكذا.

على كل حال يكفي هذا القدر لهذه المسألة.

وقد جعلتنى انتقادات ذلك الفاضل ممتنا بثلاث جهات:

أولاها: أنه عجز عن الانتقاد مع إرادته له. مما يبين أن حقائق «الكلمة العاشرة» تستعصي على الجرح والنقد. إلّا ما كان موجها إلى بعض العبارات في الفرعيات.

ثانيتها: نسأل الله تعالى أن تحث تلك الانتقادات همةَ عبد المجيد الفطن الغيور ليصبح رفيق «خلوصي» نشطا نابها أهلا لصداقته.

ثالثتها: أن ذلك الفاضل راغب في الرسائل، ولهذا انتقد، إذ الذي لا يرغب في شيء لا يهتم به، لذا سيستفيد بإذن الله من الرسائل في المستقبل استفادة تامة.

يمكنكم إجمال هذه النكتة إجمالا جيدا وإرسالها إلى ذلك الفاضل، مع تحياتي له وامتناني منه.

أخوكم

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

الذيل الثالث للمكتوب السابع والعشرين

الذيل الثالث

للمكتوب السابع والعشرين

فقرة لسعيد

ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رسالة إلى طبيب اشتاق كثيرا إلى رسائل النور من جراء صحوة روحية انبعثت فيه لكثرة مطالعته لها. ورغم أن علاقة هذه الرسالة واهية بهذا الذيل، ولكن.. لتكن لي فقرة بين فقرات إخوتي.

مرحبا بك أيها الصديق الحميم، ويا عزيزي الطبيب السعيد الذي اهتدى إلى تشخيص مرضه!

إن الصحوة الروحية التي تُبينها رسالتُكم الخالصة، لجديرة بأن تُهنّأ وتُبارك.

يا أخي! اعلم أن الحياة أثمن شيء في عالم الموجودات، وأن ما يَخدم الحياةَ هو أرقى واجب من بين الواجبات كلها، وأن السعي لصرف الحياة الفانية إلى حياة باقية هو أغلى وظيفة في الحياة.

واعلم أن خلاصة قيمة هذه الحياة، وزبدتَها وأهميتها البالغة هي في كونها نواةً للحياة الخالدة ومنشأ لها، حتى إنّ تصور خلافِ هذا، أي حصر الهمّ والعلم في هذه الحياة الفانية، هو إفساد أيّ إفساد للحياة الأبدية، وليس ذلك إلّا جنونا وبلاهة كمن يستبدل برقا خاطفا بشمس سرمدية.

إن الأطباء الغافلين عن الآخرة، والمنغمسين في أوحال المادية هم -في نظر الحقيقة- أسقمُ الناس وأشدُّهم مرضا، ولكن إذا ما تمكّن هؤلاء من تناول العلاج الإيماني من صيدلية القرآن المقدسة وأخذوا جرعات من مضادات السموم فيها، فإنهم يضمدون جراحاتهم البشرية، ويداوون مرضهم، فضلا عن أنهم يكونون السبب في مداواة جراح البشرية كلها.

نسأل الله تعالى أن تكون صحوتُك الروحية هذه بلسما شافيا لجرحك أنت، ومثالا حيا، وقدوةً طيبة، أمام أنظار الأطباء الآخرين ودواء لمرضهم.

ولا يخفى عليك ما لإدخال السلوان في قلب مريض يائس قانطٍ من نور الأمل من أهمية، فقد يكون أجدى له من ألف دواء وعلاج. بيد أن الطبيب الغارق في مستنقع المادية والطبيعة الجاسية يزيد اليأس الأليم لهؤلاء المساكين حتى يجعل الحياة كلها أمامهم مظلمة محلولكة.. ولكن صحوتك هذه ستجعلك -بإذن الله- مناط سلوان ومدارَ تسلٍّ لأولئك المساكين وأمثالهم، وتجعل منك طبيبا حقا يشع نورا إلى القلوب وينثر البهجة في النفوس.

من المعلوم أن العمر قصير جدا، والوظائفَ المطلوبة كثيرة جدا، فالواجبات أكثر من الأوقات. فإذا تحرّيت ما في دماغك من معلومات، مثلما فعلتُه أنا، ستجد بينها ما لا فائدة له ولا أهمية من معلومات تافهة شبيهة بركام الحطب.. لقد قمتُ أنا بهذا الضرب من البحث والتفتيش، فوجدت شيئا كثيرا مما لا فائدة له ولا أهمية.

نعم، إنه لا بد من البحث عن علاج وعن وسيلة للوصول إلى جعل تلك المعلومات العلمية والمعارف الفلسفية مفيدةً نافعة، منورةً مضيئة، حية نابضة، تتدفق بالرواء والعطاء.

تَضَرّع أنت كذلك يا أخي وَادْعُ الحكيمَ الجليل أن يرزقك صحوةً روحية تُخلّص تفكيرك وتزكّيه لأجله سبحانه، وتُضرمُ النارَ في أكوام بقايا الحطب تلك، لكي تتنور وتتحول -تلك المعارفُ العلمية التي لا طائل وراءها- إلى معارف إلهية نفيسة غالية.

صديقي الذكي!

إن القلب ليرغب كثيرا في أن يندفع إلى الميدان أشخاصٌ من أمثال «خلوصي» ممن هم من أهل العلم والشوق اللهيف إلى الأنوار الإيمانية والأسرار القرآنية.

ولما كانت «الكلمات» تستطيع أن تخاطب وجدانك، فلا تحسبْها رسالة خاصة مني إليك، بل كلُّ «كلمة» من كلماتها أيضا رسالة موجهة إليك من داعٍ إلى القرآن الكريم، والدالِّ عليه. وخذها وصفةً طبية صادرة من صيدلية القرآن الحكيم. فإنك بهذا ستفتح -بظهر الغيب- مجلسا واسعا كريما، وجلسة مباركة حاضرة.

هذا وأنت حرّ في أن تكتب الرسائل إليّ متى شئت، ولكن أرجو ألّا تتضايق من عدم ردي عليها بجواب، ذلك لأني قد اعتدت -من سالف الأيام- على عدم كتابة الرسائل إلّا قليلا جدا، حتى إنني لم أكتب إلى شقيقي -منذ ثلاث سنوات- سوى جوابٍ واحدٍ على الرغم من كثرة رسائله إليّ.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[الرسائل أغرقتنا في بحر النور]

فقرة لخسرو

 أستاذي المحترم المحب!

لقد نوّرَتْنا رسالتُكم ماديا ومعنويا ورفعتْنا إلى ما لا يُطال إليه من الفيوضات وأغرقتْنا في بحر النور. فأحمد الله ربي بما لا يتناهى من الحمد على نيلنا لهذا الشرف العظيم بوساطتكم وبما بشّرتمونا بالتوفيق في الأيام الآتية لما يترتب عليه من خدمة القرآن العظيم.

إنني أدعو لكم يا أستاذي، بأن يرزقكم الله بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

أستاذي المحترم!

لقد تذكرتكم كثيرا، إلّا أن الخونة المارقين يحولون بيننا وبين الوصول إليكم في كل جانب. وهذا يؤلمني جدا. إن أحوالنا الحاضرة تعصر قلوبنا بالأسى. ولكن لا حول لنا ولا قوة إلّا بالله.

أيما إنسان وصلت إليه رسائل النور المفاضة بالأنوار يرتبط بها ارتباطا وثيقا. لذا فهي جوّالة بين المشتاقين الذين هم أهلٌ لها.

والحمد لله.. هذا من فضل ربي!

خسرو

* * *

[الرسائل بددت الغفلة]

أيها الأستاذ المحترم!

إن رسالتكم المؤلفة بفيض من القرآن الكريم، وكأنها مرآة لأنواره، تكفي دلالةً على مدى علوّكم أستاذا جليلا، فلقد بدّدتْ أيها الأستاذ العزيز هذه الرسائلُ الظلماتِ المخيّمةَ على الإسلام وهتكت أستار الغفلة عن الله المسدلة على الناس، وأبرزت بفضله سبحانه حقائق ساطعة براقة من تحت تلك الأستار الملطخة الملوثة.

فعزمُكم الذي لا يلين وصلابتُـكم التي لا تنثني، وسعيكم المتواصل لم تَبق بإذن الله دون ثمرات؛ فلقد فجّرتم يا أستاذي المحترم ينبوعا دفاقا بماء الحياة في قلب الأناضول.([1])

فمنبع تلك الرسائل وكنـزها الدائم إنما هو بحر القرآن الحكيم. ستديم لكم تلك المؤلفات القيمة حياتَكم وتخلّد اسمكم عندما ترحلون من هذه الدار، دار الامتحان إلى عوالم السعادة. فطوبى لأولئك السعداء البررة، طلابك الذين تحبهم والذين يقدّرون ما فجرتموه من نبع فياض حقَّ قدره، ويذبّون عنه بالإعلام عنه وتلقين أحكامه بألوف أرواحهم إن استوجب الأمر. فقرّ عيناً يا أستاذي العزيز، إن هؤلاء البررة لن يقوموا بأعمال لا تنشرح لها في الآخرة.

إن طلابكم شاكرون لفضلكم ممتنون بكل مهجهم وأرواحهم لما أودعتموه لديهم من مفاتيح كثيرة للأسرار القرآنية.

نعم، إن الأنوار والفيوضات التي تنشرونها وتنثرونها اليوم تجعل الناس الحقيقيين في سرور غامر؛ إذ تعلّمهم خطوات العمل لوظائفهم الأساس على الأرض.

إن سعيكم مشكور وخدماتكم مقبولة بإذن الله وتضحيتكم جسيمة.

أستاذي العزيز! لتنشر أعمالكم الجليلة، ولتبلغ آفاق السماوات، ولتنطق بها الألسن.([2])

إن الأعمال الدنيوية التي لم تلق حظا من الدين والتي بدأت بالانتشار في الأوساط عامة، والتي تزيد عتامةَ الغفلة للغافلين وتزيد سُكرَهم -بل هي السكرُ بعينه- لا يمكن دفعها إلا بمؤلّفاتكم القيمة، وإرشاداتكم القويمة. فلقد ثبتت بدلائل معقولة ومنطقية أنه لن ترقى الدول الملحدة إلى مستوى الإنسانية بل لا يمكنها أن تدركها وهي ما زالت كذلك، حتى تؤول إلى الخراب أو الانهيار.

إن مؤلفاتكم القيمة عالية رفيعة وجامعة، تنعكس فيها صفات روحكم السامية.

أستاذي الحبيب!

اطمئِنوا اطمئنانا تاما أن سعيكم مشكور ولم يذهب هباءً منثورا، وسوف تتلقف الأيدي العديدة رسائلَكم إلى الأبد، وستُوقِف ملحدي اليوم عند حدّهم بل ربما تمنحهم نور الإيمان، أليس هذا ما ترجونه؟ أليس عملكم وغايتكم تنحصر في بلوغ إيقاظ الناس وإرشادهم إلى الإيمان؟

إن الأدباء المتربين على فتات موائد الفلاسفة، أولئك المحرومون من الأدب، سيجدون حتما الأدبَ الحقيقي في رسائلكم. نعم، وسيتحقق هذا فعلا. وأنتم بدوركم تكونون قد وفّيتم خدمة الإيمان الجليلة حقَّ الإيفاء. إن هذه الأمة وهذا الوطن مدينةً لكم إلى الأبد، وتَعجز أن توفي حقكم. إن ثواب خدماتكم السامية لا تقابلها هذه الأمة، بل سيمنحها الله سبحانه ما يليق بها. ليرضَ الله في الدنيا والآخرة عنكم، وعن أمثالنا من الخدام المذنبين.

 زكي

صديق المرحوم لطفي الطالب القديم
لرسائل النور

* * *

[الرسائل تجرد قارئيها من المشاعر الهابطة]

 فقرة للسيد عاصم

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

حمداً وشكراً، بما لا يتناهي من الحمد والشكر، أرفَعُه كل دقيقة من دقائق عمري للقدير المطلق وسلطان الأبد والأزل، الحي القيوم الذي لا يموت، الذي أنعم من بحر كرمه الواسع بأستاذي المحترم على هذا الفقير. ومهما بالغتُ من الحمد والشكر لله تعالى فلا أُوفي حق الدّين عليّ. فله الحمد والمنة.. وهذا من فضل ربي.

إنني هذا الفقير الغارق في الذنوب، قد عصفَتْ بي المعاصي بمقتضى جبلّتي البشرية، وتقاذفتني موجاتُها، قليلا أو كثيرا طوال حياتي العسكرية التي دامت أربعا وثلاثين سنة دون انقطاع، فظلت حياتي الدينية والأخروية فقيرة جدا.. هكذا أمضيتُ حياتي وأنا ملفّع بستار الغفلة. فالآن أُدرِك ما فات مني، وأندم عليه أشد الندم. بل أبكي على ما كنت أضحك منه. ولم يحصل هذا إلّا باكتحال عيني بلقائكم ورسائلكم. فألْفُ حمد وحمد لله تعالى على هذا الإحسان العميم.

لقد بدأتْ بفضل الله مراسلتي معكم بوساطة أخينا الشيخ محمد أفندي لدى مجيئي إلى «بوردور» قبل أربع سنوات. فألقت تلك الرسائل في يد هذا الفقير مفاتيحَ تفجّر بالأنوار وتَفيض بالحِكم وتحل المعضلات وتفتح لغزَ الكائنات.

نعم، إن هذه المفاتيح لا تقدَّر بثمن، فهي أغلى من أغلى الجواهر والألماس، بل إن قلمي ولساني ليعجزان عن التعريف بما يكنّه قلبي من مشاعر نحوها. فأفضّل ملازمة عجزي.

إن هذه الرسائل التي تضم بين دفتيها خزائن الشريعة الغراء والحقيقة الصادقة والمعرفة الإلهية وكنوزها، بل إن كل رسالة منها أنورُ من الأخرى وأسطعُ منها ولاسيما رسالة «إعجاز القرآن» فهي تشع الأنوار. فأين وصفي العاجز منها؟ إنها بستان رائع تنثر الفرح والبهجة والسرور وتضم أزاهير نادرة لطيفة، حتى يحار المرء من أيها يقطف ويشم، لِيزيل حيرته ويبلّ ريقه ويشفي غليله. ولا شيء أمامه ولا مفرّ إلّا أن يجعل من جميعها باقة عظيمة من الأنوار.

فهذه الرسائل المباركة تُغرق قارئيها، وكاتبيها والمستمعين لها في بستان النور، في بحر النور، وتحملهم على التفكر والتدبر وهم نشاوى بالإعجاب. إنها تجعل الإنسان مجردا من الأحاسيس الدنيوية ومعزولا عن المشاعر الهابطة، موجهةً إياه إلى خالقه الكريم بعبودية خالصة دائمة. إنها ترفع الإنسان إلى منازل عالية تسمو على الأخلاق الرذيلة كلها.. إنها تقتل عنده النفس الأمارة بالسوء.

نعم، أستطيع أن أقول: بأن هذه الرسائل النورانية روضة من الجنان، ولكن أسفا وألف أسف على أولئك الشقاة الذين يعجزون عن أخذ حظهم من هذه الروضة الطيبة. وكلّي أمل أن يصل إلى أولئك هذا الإلهام الرباني أيضا، ليقدروا على تبديل الغفلة إلى يقظة وصحوة كما جاء في ختام «الكلمة الثالثة والعشرين».

أتضرع إلى المولى القدير الواجب الوجود بأن يجعل المؤمنين الموحّدين على الصواب والسداد، وأدعوه سبحانه دعاءً فعليا باستنساخ ما لديّ من الرسائل وتداوُلِ قراءتها في أيام الجُمَع التي قد تستغرق القراءة حتى المساء، فنوفي بفضل الله سبحانه وتعالى حق عبوديتنا لله تعالى، وندعو لأستاذنا أن يديم الله عمرَه ويظل مرشدا لرسائل النور ودالّا عليها قائما بأمر الدعوة إلى النور. وهذا الدعاء دَين في أعناقنا جميعا تجاه الأستاذ.

إننا جميعا -أنا وأهلي- نتضرع إلى الله سبحانه عقب كل صلاة بمثل هذا الدعاء.

عاصم

* * *


[1] إنه إن كانت لي حصة واحدة من الألف التي تتصورونها من الثواب والشرف الحاصل في العمل ضمن هذه الخدمة السامية، فإني أشكر الله تعالى على تلك الحصة الواحدة. أما أهل الفضل فهم أولاء من أمثالكم ممن يعاونونني في الخدمة ويسعون للقيام بها بأقلامهم الألماسية. (المؤلف)

[2] إنني لا أشارك أخي هذا في دوافعه الحسية ومشاعره هذه، فحسبنا رضي الله، إذ إن كان معنا فكل شيء معنا إذن، وإلا فلا تغني الدنيا كلها شيئا. إن إعجاب الناس واستحسانهم في مثل هذه الأعمال أي في الأعمال الأخروية إن كانت علة، فإنها تبطل العمل، ولكن إن كان مرجِّحاً، فإنه يُفسد إخلاصَ العمل، وإن كان مشوِّقاً فإنه يزيل صفوة العمل ونقائه، ولكن إن تفضّل سبحانه به وأحسن إليه، علامةً على القبول بلا طلب، فهو مقبول وشيء حسن إن استُعمل في سبيل بيان تأثير ذلك العمل والعلم في الناس، ويشير إلى هذا قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ ل۪ي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْاٰخِر۪ينَ﴾ (الشعراء:84). (المؤلف)

الذيل الثاني للمكتوب السابع والعشرين

الذيل الثاني

هذه مشاعر أخي في الآخرة «بكر آغا» لدى قراءته للـ«كلمات» وهو الذي صار سببا لإيقاظ أهالي إسبارطة وجلب أنظارهم إلى أسرار القرآن، وبهذه الخدمة قد أدّى أعمال علماء أجـلاء رغــم أنه أمّي.

[مفاتيح الأنوار]

حضرة أستاذي الفاضل!

أقبّل أياديكم الكريمة، بكل إجلال واحترام يا سيدي المحترم، وأدعو لكم في كل وقت وآن بما ينطلق به لساني من دعوات خالصة. كما أرجو دعواتكم لي.

سيدي! لا يخفى عليكم أنّ أخاكم وطالبَكم هذا جاهلٌ أمّي، إلّا أنه بفضل الله قد استقرأ جميع رسائلكم الفريدة من نوعها واستمع إليها.

فرسائلكم النورانية لا يمكن حجبها عن الأنظار كما لا يمكن أن يُحجبَ نور الشمس بشيء، فليس هناك احتمال لذلك.

ولقد راقبتُ قلبي وتحريت عن أحوال روحي لدى الاستماع إلى الرسائل، وبدأت أفتش عن مدى ما فهمته من الرسائل فوجدت فورانا عظيما ينبعث من روحي وجيشانا هائلا ينطلق من قلبي، حتى يسوقني إلى القيام بعمل للإيمان -بغير شعور مني- وكأنه يناديني قائلا وملحّا: هيا هيا!

فأثناء مراقبتي هذه الحالة المنبعثة من روحي، شاهدتُ المفاتيح التي أظهرتْها لي تلك الرسائل النورانية، وأُظهرت لي وكأنني أُبلغت أن أفتح بهذه المفاتيح ما يجب فتحه من الأبواب. وكأنني أُمرت بأن أبحث عن إخواني النوريين وأبلّغ تلك الأنوار المفاضة إلى من هو أهل له. بل اعتبرت بث الأنوار المشعة من تلك الرسائل ونشرَها مهمة أوكلتْ إليّ.

وبعد تسلمي تلك المفاتيح من تلك الأنوار، ولأجل أن تشل أيدي الملحدين الخونة فتشتُ عن أولئك الإخوة والتقيتهم والحمد لله، وأودعت في أيديهم تلك الأنوار التي هي أمانة الله وأمانة رسوله الحبيب ﷺ. فالحمد لله أولا وآخرا على توفيقه سبحانه.

إن من يقرأ مؤلفاتكم القيّمة يدخل حظيرة الإيمان حتما، إن كان إنسانا حقا أو حتى إن كان له مساس بالإنسانية. وإلّا فعليه أن يتخلى عن الإنسانية ويقول: لست إنسانا.

هذه المؤلفات كل منها بمثابة «فاتح» بذاته، وسوف تفتح القلوبَ في أرجاء الأرض كافة إن شاء الله تعالى. نسأل الله أن ننال من ثوابها في الآخرة.. آمين.

أقبّل أياديكم الكريمة مكررا وأرجو دعاءكم يا سيدي.

 بكر أمر الله أوغلو

من مدينة «عادلْ جَوازْ» ونسل عبد الجليل

* * *

[أمل لفهم الرسائل]

فقرة لخسرو

لم أصادف لحد الآن مؤلَّفا شبيها بهذه «الكلمات» الراقية الجميلة. آمُل أن يوفقني الله بعد دعواتكم، لبلوغ ذلك اليوم الذي أتمكن من فهمها جميعا. حيث لا يتيسر لكلِّ أحد إدراكُ جميع معانيها.

أحمد الله حمدا لا نهاية له، لما تفضلتم بالسماح لي باستنساخ تلك «الكلمات».

خسرو

* * *

[حول رسالة المعجزات الأحمدية]

فقرة للحافظ زهدي الصغير

لقد استطعت بفضل الله قطفَ ثمرتين أيضا من الثمرات النورانية لبستان النور. ولكني عاجز عن التعبير عمّا تكمن في تلك الثمار من لذة فائقة. إنني لا أرتوي من أذواقِ مطالعة «المكتوب التاسع عشر» الذي يحملني إلى إدراك تذوق التشرف والمثول في المجلس النبوي المبارك، نبي آخر الزمان ﷺ، والحضور والجلوس في مجلسه السعيد.

إن قلمي ناقص وقاصر جدا عن التعبير عن إعجابي برسائل النور عامة وتقديري لها.. أسأل الله المعطي الوهاب أن يوفقني إلى تذوق لذائذ جميع ما في بستان النور من ثمرات يانعة، كما يتذوقها إخواني الأحبة.

الحافظ زهدي الصغير

* * *

[نور المعراج]

«فقرة لذكائي الفطن الذي سيكون بإذن الله خسـرو الثـاني وصبري الصغير»

لقد وُفّقت اليوم لإكمال قراءة ذلك الكتاب العظيم، ولكن قلمي عاجز كل العجز، عن التعبير عن مدى السرور والسعادة التي غمرتني بعد إكمال قراءة رسالة «المعراج». ومع هذا سأحاول عرضَ مشاعري النابعة من مطالعتها في جملة قصيرة ملخصة: لقد وجدت لدى قراءتي لرسالة «المعراج» نورا يملأ القلب وينير طريق السلامة في خضم متاهات بحر الحياة واصلا بالإنسان إلى البحر المعنوي الذي يجري نحو السعادة الأبدية.

نعم، إن الحقائق الغزيرة الثابتة بالأدلة القاطعة والواردةَ في كل مثال من أمثلة الكتاب، جعَلَت الحياةَ السعيدة لخير القرون وزمن المعجزات، تنبض بالحياة أمام أعيننا، تلك الحياة التي تملأ أرواحنا نورا بمجرد التخيّل بها، وتغمرها بالسرور والبهجة، ولاسيما لدى انتقالها من فكر إلى آخر.. لقد جعلني كتاب «المعراج» في حالة انبهار وذهول. وإنه لكاف وواف في كل وقت لأن يدحض أقوال المفتونين بالفلسفة، بل له من القوة في الإثبات والدلائل ما تدفعهم ليعلنوا إفلاسهم.

إن كتاب «المعراج» كتاب تاريخي جليل يُثبت الحقائق التي تتضمنها أصول العقيدة والمستورةَ حتى عن أهل الإيمان، ويقررها بأسلوب معقول وبمنطق سليم بحيث يستطيع المنصفُ المحايد أن يراها ويلمسها.

إن الفيلسوف الغارق في الغفلة، المستسلم للضلالة، ويريد أن يعلو تعقّله موقعا مرموقا، يكون شأنه شأن الملِك المعزول عن العرش، المنـزوع عنه جميع الشارات والأوسمة إزاء ذلك الكتاب الرائع، فيستحوذ عليه اليأس والقنوط إلى الأبد. بينما الفيلسوف المدرك، تتحطم قيودُ الفلسفة لديه إزاء هذه الحقائق، وتتحطم أغلال الاعتراض التي تكبّل فكره، الواحدة تلو الأخرى. وعند ذاك يدرك أن دعواه وادعاءاته باطلة، فيهوي للسجود أمام عظمة الخالق القدير سجدةَ تعظيمٍ وإجلال سائلا المغفرة منه تعالى.

ذكائي

* * *

[سبيل مأنوس]

فقرة للدكتور

إنني أقرأ مؤلفاتكم القيمة، مغتنما الفُرص لذلك، رغم أنى لا أتمكن من الإحاطة بكل معانيها. فهي سوانح رائعة بإرشاداتها السامية. لقد ملكَتْ عليّ مشاعري كلها وأسَرَتني بأذواقها، وستدوم إن شاء الله مدى الحياة وإلى القبر.

أستاذي! إن «كلماتكم» قد بدّلتْ فكري الديني تبديلا حقيقيا، وساقتني إلى سبيل مأنوس محبوب. فأنا الآن لا أنظر إلى الحياة كما يَنظر إليها الأطباءُ الآخرون.

الدكتور يوسف كمال

* * *

[شخصيات ثلاث]

وهذه الفقرات الطويلة للسيد خلوصي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد الملك والإنس والجان

أيها الأستاذ العزيز!

إنني محظوظ وسعيد لتسلّمي «المسألة الرابعة من المكتوب الثامن والعشرين» قبل أربعة أيام ولتسلمي مسألته «الثانية والثالثة» أمس.

أولا: أرجو التفضل بالسماح لي لأقول بعض الشيء حول الالتفاتة الكريمة والتقدير العظيم لشخصي العاجز، الذي أبداه أخي «السيد صبري» المحترم، والنابع من تواضعه الجم. وذلك: أن في أخيكم هذا المقصّر جدا، قطرةً من بحر صفات أستاذه العزيز، فأعرض لكم حالتي انطلاقا من هذه الجملة.

أولاها: لقد كنت منذ نعومة أظفاري -بلطف من الباري الكريم- متحريا عن الحقيقة، ومتلهفا لحقيقة القرآن العظيم. ولقد وجدتُ ما كنت أتحراه وأبحث عنه في قضاء «أكريدر»، وذلك فيما ألّفه الأستاذ المحترم من الكتاب الموسوم بـ«الكلمات»، فوجدت أن هذا الكتاب أنقذني من دوامات الحياة ومشكلاتها، وأبلغني ساحل السلامة، ونجّاني من المهالك والظلمات موصلا إياي إلى السعادة والأنوار. فأَورثَ روحي وكياني حبا لا يتزلزل نحو ناشر هذه الأنوار القرآنية -التي أيقظتني من الغفلة بإذن الله- وقام بتبليغها للآخرين وإرشاد الناس إليها. فمنذ تلك اللحظة شعرتُ بعلاقة قوية ورابطة وثيقة نحوه، فالحمد لله والشكر له مائة ألف ألف مرة.

إنني أشعر كلما انشغلت بالأنوار بشوق عارم وذوق لطيف تفوقان بمراتب كبيرة جميعَ لذائذ الدنيا.

ثانيتها: أن ما تقتضيه العبودية، وما تُلقيه هذه الأنوار من دروس هو علمي بأن جميع التقصيرات والأخطاء والسيئات والذنوب إنما هي من نفسي، بينما أجد الحسنات والفضائل كلها من فضله سبحانه.

فأرغب في الانطلاق إلى ميدان عملِ النورِ والقرآن الكريم حسبةً لله وحده وشكرا لله على وضعي هذا. ولكن لكوني لا أوفّق في نشرها يتملّكني الألم والحزن، حيث إنها لا تصل إلى يد المؤمنين كافة.

الحالة الثالثة وشخصيتي الحقيقية:

إنني أخجل من أن أعرّف هذه الشخصية، فأدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظني وإخوتي من دسائس النفس الأمارة ومكايد شياطين الجن والإنس، ولا يجعلنا من الضالين الخائبين. آمين.

إخوتي الأكارم!

إن الأفاضل والأكارم ممن هم إخوة أستاذي وطلابه، يستشعرون الحالة الأولى والثانية في أرواحهم بلا شك. إذن فالذين دخلوا في هذه الطريق مرة واحدة لا يُغلَبون أمام نفوسهم الأمارة بالسوء وشياطينهم، كهذا العاجز. وبنسبة تغلبهم على نفوسهم وشياطينهم تنبسط مشاعرُهم وحواسهم ولطائفهم بالتوفيق الإلهي. حيث اللطائف لا حدود لها في البشر ولا سيما في المؤمنين.

إن توجّه أستاذي المحترم ذلك التوجّه الكريم إلى طالبه، هذا المقصر، دليل ومثال على درجة شفقته الواسعة على الناس، ولا سيما على المؤمنين، ولا سيما من كان مثلي ممن هو في أمس الحاجة إليه.

الخلاصة: أقول إزاء حسن الظن المفرط نحوي، والالتفاتة التي يبديها الأخ المحترم المتواضع صبري: إنني عبد مذنب مقصر وعاجز وفقير مفلس، وواحد من أمة محمد ﷺ. فأنا محتاج جدا إلى دعواتكم. إن أعظم ما أتمناه وأسمَى نياتي والذي أرجوه من الله سبحانه، هو أن أكون -وأنا حامل للعجز والفقر- مُعينا لخادم القرآن والداعي إليه، في خدمته المقدسة خدمةِ القرآن والإيمان وفي استخراجه للآلئِ حقائق القرآن والإعلان عنها.

فلأجل هذه النية السامية، وفي الدقائق التي أنشغل فيها بالأنوار، وأنا أشعر بالسعادة، تَرِد بعض الكلمات إلى قلبي وقلمي من حيث لا أحتسب، فهذه المعرفة لا تعود لي، بل تخص الأنوار المتلمعة من أنوار القران العظيم. لذا فالأستاذ الحقيقي هو القرآن الكريم.

أما أستاذنا المحترم فهو أليق من يعرّف القرآن الكريم ويبلّغه ويدرّسه. فعلينا أيها الإخوة اغتنام الفرص لشراء تلك الجواهر الثمينة النفيسة. وأن ننقشها نقشا في قلوبنا ودماغنا، لأنها (أي هذه الأنوار) ستكون مدار سلوان لنا في الدارين.. وأن نسعى لنشرها حسب استطاعتنا ونصونَها مما قد يطرأ عليها من مؤثرات خارجية. ومن الله التوفيق.

خلوصي

* * *

[ستكون الرسائل أنشودة]

فقرة السيد سليمان الذي عاونني في شؤوني طوال ست سنوات بوفاء خالص، ولم يُثر غضبي وأنا العصبيّ المزاجِ، مُزاولا وظيفة كتابة المسودات باستمرار.

سيدي المحترم!

أقبّل أياديكم أولا، وأرجو دعاءكم. فأنا طالبكم وأخوكم ومعاونكم في الأمور، المدعو سليمان، قد طالعتُ ما قمتم بتأليفه من الأنوار إلى الآن، رسالةً تلوَ رسالة. وشاهدت في كل منها من الأنوار الساطعة ما هو كالشمس المنيرة، واستفدت منها أيّما استفادة؛ حيث وضّحتْ لي تلك الأنوارُ طريقَ الآخرة ونوّرتْه وبينتْ لي كثيرا مما كنت أجهله في ذلك الطريق. فرضي الله عنكم. وأعتذر عن بيان شكراني إليكم.

ولما كنت عاجزا عن تصوير وتمثيل تلك الأنوار في نفسي، تشبثت روحي فصورتْ مشاعري القلبية على هذه الصورة، أقدمها لكم راجيا عفوكم الكريم عن النقائص والأخطاء.

سيدي الكريم!

إن ما شاهدتُه من طعوم اللذة والسعادة في بحر رسائل النور، لم أر مثلَها أبدا في حياتي الدنيا كلها. فلقد أدركتُ بعد محاكماتي الوجدانية يقينا أن كل رسالة من تلك الرسائل بحد ذاتها تفسير للقرآن الكريم، وأن مطالعتها مَرْهَم سريعُ التأثيرِ وترياقٌ نافع للجروح المعنوية التي ابتلي بها المحرومون عن الإنسانية وهم في صور أناسي. فأنا بقريحتي الضئيلة هذه قد أدركت هذا الأمر. وأعتقد أن الزمان سيُظهر قيمة هذه الرسائل، وأنها ستكون أنشودة تترنم بها الألسنة وتجول شرقا وغربا. وستبين لأوربا -بإذن الله- كيف أن الإسلام نور إلهي ساطع.

أقبل أياديكم مرة أخرى، راجيا دعواتكم الكريمة يا سيدي.

طالبكم سليمان

* * *

[ماهية الملاحق]

أخي السعيد خسرو!

إن هذه الرسالة (أي المكتوب السابع والعشرين) مجلس نوراني عظيم، يتدارس فيه طلابُ القرآن الكريم الميامين، ويتداولون فيما بينهم ضمنا الأفكارَ الدائرة حول الإيمان ويتذاكرون ما فيها من المعاني.

فهذه الرسالة رواقُ مدرسةِ عالية رفيعة، يتبادل فيه حملةُ القرآن الآراء والأفكار ووجهات النظر ويدلي كلٌّ بِدَلوه فيما تَعلّمه من دروس القرآن الكريم.

وهي أيضا منـزل عظيم، ومعرض واسع لبيع الرسائل التي هي صناديقُ مجوهراتِ الخزينة القرآنية المقدسة. فكلُّ طالب يعرض ما أخذه من الجواهر النفيسة على الزبائن الكرام.

فبارك الله فيكم يا أخي خسرو، فلقد جمّلتم ذلك المنـزل أي تجميل.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

[كنت أبحث عن نور]

هذه الفقرة للعقيد المرحوم السيد عاصم

إن هذه الرسائل المباركة المسماة بـ«الكلمات» لا تقدَّر بثمن فهي نابعة من موازين القرآن الكريم وبراهينه، فلقد كنتُ أبحث عن نور مثل هذا منذ مدة مديدة، فلله الحمد والمنة أن أنعم عليّ هذه «الكلمات». إن قلمي ولساني عاجزان عن التعبير عمّا يكنّه قلبي.

عاصم

* * *

[صفة الدلّال]

فقرة لصبري

نعم، ينبغي الاعتراف بهذه الحقيقة:

إن خزينة المجواهرات مهما كانت مليئة وغنية ونفيسة، لابد أن يكون دلَّالُها والبائعُ لها على معرفة بأصول البيع والشراء؛ إذ لو لم تكن له تلك القابلية أو المعرفة فإن ما يملكه من الخزائن الثمينة وما فيها من الأمتعة القيمة تُحجَب عن أنظار الناس، أي لا يكون قد أدّى ما يستحقها من قدر.

وبناء على هذا، فإن الذي يقوم بعرض الحقائق القرآنية للناس كافة عرضا خالصا لله، ويدعو إليها منذ أربعين سنة -وليس منذ ست سنوات- وفي خضم هذه الظروف المضطربة وهو يقرأ على أهل الإسلام الأمرَ الرباني الجليل: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذينَ اٰمَنُوا هَلْ اَدُلُّكُمْ عَلٰى تِجَارَةٍ تُنْجيكُمْ مِنْ عَذَابٍ اَليمٍ (الصف:10) وينادي منذ ذلك الوقت بهذا النداء العُلوي، قد جعل الأمة المحمدية في موضع شكران عظيم لله، بما قدم من أنوار إيمانية إلى المحتاجين إليها.

صبري

* * *

ذيل المكتوب السابع والعشرين

ذيل

المكتوب السابع والعشرين

[لذة العجز والفقر]

فقرة للسيد خلوصى

إن كل فرد مؤمن يعرف ببصيرته ما هو جميل حقا، كلٌّ حسب درجة فهمه وذوقه، إلّا أن اللذة الكامنة في العجز والفقر، وفي السمو الذي تنطوي عليه الشفقة والتفكر، لا يُقاس بشيء إطلاقا.

إنني أتضرع إلى الرب اللطيف الكريم أن يريَنا هذه النتيجة السامية، وهي أن ييسّر لكثير من البصائر رؤيةَ القِطع الألماسية التي تستخرجونها من خزينة القرآن الخاصة وتَدلّون عليها بتعابيركم الرفيعة، وإفاقةَ الغافلين الثملين، ونجاةَ الحائرين، ويُدخل الفرحَ في قلوب المؤمنين، ويدفع الملحدين والكفار والمشركين إلى دائرة الصواب ونطاق العقل والإنصاف..

أيها الأستاذ المحترم! إنكم مهما بالغتم في تقديم الشكر إلى الله العلي القدير، فهو في موضعه.

فقد وفقكم الله -بالعجز والفقر- إلى الوقوف بباب قصر القرآن العظيم والأخذ من خزينته الخاصة مما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، فتستخرجون ما تشاهدونه -وما يؤذَن لكم منها- من جواهر، الواحدة تلو الأخرى، وتتدبّرون فيها أنتم أولاً ثم تقولون: «أيها الناس، انظروا إلى المولى الكريم الذي فتح لكم أبوابَ مضيفه وخلق العوالم برحمته العميمة وبَرأكم بحكمته وأرسلكم إلى هذا العالم.. ذلكم رب العالمين.. الذي بيّن لكم الحكمة في الخلق والقصد من مجيئكم إلى هنا، والمهمة التي كُلفتم بها، وكل ما تقتضيه العبوديةُ من وظائف وخدمات.. وأمثالها من الأمور التي بيّنها قبل ألف وثلاثمائة سنة بوساطة رسوله الكريم ﷺ، فأنا بدوري أبلّغكم تلك الأوامر الرفيعة وتلك الأحكام المقدسة، بلسانكم أنتم بحيث تَقدرون على فهمه فاستمعوا إليها. فإن كنتم ذوي عقل وصواب وذوي بصائر وقلب، وتتمتعون بالإنسانية، فستفهمون الحقيقة وتردون إلى حظيرة الإيمان».

نعم، يا أستاذي المحترم!

أنتم تبيّنون هذه الأوامر لا غيرَها. ونحن بدورنا قد سمعنا -قدر المستطاع- تلك الأوامر عن كثب والحمد لله، وحثثنا عليها، لمشاهدتها وإشهادها. فلقد أبرزتم لنا تلك القطع الألماسية وأيقظتمونا من الغفلة وأفهمتمونا الحقيقة، وأصبحتم وسيلةَ خير إلى معرفة الصواب. فليرضَ الله عنك إلى الأبد.

ونحن وإن لم نكن قد نجونا بعدُ من شرور النفس الأمارة وأحابيل شياطين الجن والإنس إلّا أننا نجد الذوق واللذة في الانهماك في العمل في حقل هذه الخدمة القرآنية المقدسة. فلئن قصّرنا في العمل ولم نتمكن منه بما يستحق هذه الخدمة الجليلة، فحسبنُا أننا داخلون فيها والحمد لله، وإنما الأعمال بالنيات.

خلوصي

* * *

[حول الكلمة الحادية والعشرين]

 فقرة من رسالة صبري كتبها لدى استنساخه للكلمات: «الأولى، والحادية والعشريـن، والثانية والعشريـن».

إن جميع رسائل النور، بل كلاً منها، وكل موضوع من موضوعاتها، تَحُل ما لا يُحصر من المشكلات. وأعتقد أن هذا الأمر مشهود ومسلَّم به. لذا فلو أراد أحد أن يتقرب من بحر هذه الأنوار فإن الكلمتين «الحادية والعشرين، والثانية والعشرين» كافيتان لإزالة أمراض القلب وتنوير الروح وبث الفرح والسرور فيها، وإن لم تصل يدُه إلى غيرها بعد.

علما أن أُولى الكلمتين (مفتاح التوحيد)، والشق الأول من الكلمة الحادية والعشرين (مرقاة إلى الجنة)، والشق الثاني منها صيدلية لا نظير لها لضماد جراحات الأمراض القلبية، بحيث تخنس بإكسيرِ أدويتها الوساوسُ التي قلّما ينجو منها إنسان. فهو طريق خلاص وسبيل نجاة توصل إلى شاطئ السلامة الأبدّية، بما تفتح للقلب والروح من فيوضات أبدية للقرآن الكريم وأنواره الخالدة غير المتناهية.

أما «الكلمة الثانية والعشرون» فإنها ترسّخ العقيدة وترصّن الإيمان ببراهينها ولمعاتها ودلائلها التي لا نظير لها.

صبري

* * *

[كيف تُقرأ الرسائل؟]

«هذه الفقرة من رسالة السيد رأفت»

إن «كلماتكم» رفيعة وسامية، ترشد السبيل أمام الحائرين، ينبغي قراءتها بدقة وإمعان مع تحليلٍ فكريّ وعمل عقلي، لأن الدلائل العقلية والموازين المنطقية التي تسوقونها لذيذةُ المذاق مع كونها تثير الإعجاب، حتى إن المرء كلما قرأها زاد شوقُه لقراءة أخرى، وشَعَر بلذة معنوية غير متناهية، فيلازمها ملازمة لا يستطيع أن يتركها ويتخلى عنها. ولهذا لا تكفي قراءتها مرة واحدة بل ينبغي قراءتها باستمرار.

رأفت

* * *

المكتوب السابع والعشرون و ذيوله

المكتوب السابع والعشرون

و ذيوله

 

وهو فقرات التقدير والإعجاب المستلة من الرسائل الخاصة للسيد «خلوصي» المخاطبِ الأول «بمكتوبات» النور.

أما القسم الثاني من هذا المكتوب (السابع والعشرين)، أي الذيل، فهو فقرات السيد «صبري» الذي هو حقا «خلوصي الثاني». تلك التي يبين فيها إعجابه وتقديره لرسائل
النور.([1])


[مهمة الداعية لا تنتهي]

الفقرة الأولى للسيد خلوصي

ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد ذرات الكائنات أبدا دائما

أيها الأستاذ المحترم!

لست من الكاملين الذين يجدون اللذة ويشعرون بالنشوة لدى رؤية أنفسهم فقراءَ حقراء أمام الله، ولكني ممن يريد أن يَظهر كما هو، وقد حظي بلطفكم وخطابكم له بـ«طالبي، أخي، ابن أخي». وحقا يا أستاذي إني في وضع وضيع معنويا وفي أشد الحاجة إلى دعائكم.

فلقد تعلقت المشيئةُ الإلهية بإظهار بعض لمعات القرآن المبين -الذي هو نور حقا وحقيقة- إلى أبناء هذا العصر ولاسيما إلى الفرق الضالة، بيانا واضحا وضوحا جليا بحيث يَدخل إلى عيونهم المطموسة. وأصبح الأستاذ المحترم وسيلة للقيام بهذه المهمة الجليلة. وهكذا -بلطف الله وفضله وعنايته سبحانه- دُفع طالبُكم هذا -الذي هو لا شيء وعدم في عدم- إلى القيام بخدمة جزئية لأستاذه الذي يوفي مهمة خدمة القرآن العظيم حق الإيفاء. ولهذا فمهما بالغتُ في الشكر لله فهو قليل جدا إزاء نعَمه العظيمة. فليس لي حقّ الفخر قطعا ولو بمقدار ذرة، بل أطلب العفوَ والصفح عن الأخطاء والذنوب المحتملة في أثناء سيرى للقيام بهذه الخدمة…

لقد أصررتم يا أستاذي المحترم في رسالتيكم الأخيرتين على الإجابة عن سؤال قد تفضلتم به سابقا. فسمعا وطاعةً. ولكن إزاء هذا السؤال العسير ليس لي إلّا الالتجاء إلى العناية الإلهية والتشبثُ بالكرم الإلهي والاستمداد من روحانية الرسول الكريم ﷺ، ذلك لأني في منتهى العجز والفقر. ولأجل أن يكون الجواب مطابقا للحق منطبقا على الحقيقة، أقول: لا شك أن «الكلمات» المباركة هي لمعاتٌ من نور الكتاب المبين. وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى إيضاح وشرح في بعض المواضع بسبب أسلوبها الرفيع، فلا نقص ولا قصور فيها بكليتها، ويمكن لكل طبقةٍ من الناس أن تأخذ منها حظَّها. ويكفي لصحة قناعتنا عدمُ قيام أحد بانتقادها لحد الآن، بل إبداءُ كلِّ مشرب ومسلكٍ الرضى عنها وبقاءُ الملحدين إزاءها صما بكما..

وها أنذا أدرج البراهين التي تمكنتُ من التفكر فيها، والتي تدل على عدم انتهاء مهمّتكم:

أولا: إن واجب العلماء هو الصدعُ بالحق وعدمُ السكوت عنه عند انتشار البدع. وقد ورد الزجر عن السكوت عن الحق في الحديث الشريف.

ثانيا: نحن مكلفون باتباع الرسول الكريم ﷺ، فضرورةُ أداءِ هذه المهمة مستمرةٌ مدى الحياة.

ثالثا: إن هذه الخدمة ليست محصورة برأيكم، بل أنتم تُستَخدمون فيها. فأنا على قناعة تامة من أن مهمة أستاذي المحترم إذا ما كمُلت فإنه تعالى يُلهم قلبَه بختام مهمته. مثلما بُلّغ بختام الرسالة مبلِّغُ القرآن فخرُ العالمين، حبيبُ رب العالمين سيدُنا محمد ﷺ بالآية الكريمة ﴿اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ (المائدة:3).

رابعا: إن عدم ورود أي نقد على «الكلمات» والسكوتَ عليها ليس دليلا على أن هذا الوضع سيستمر على هذا المنوال إلى النهاية؛ فإنكم يا أستاذي المحترم مكلّفون أوّلا بالإجابة عن الهجمات المحتملة التي ستأتي عليها وأنتم ما زلتم على قيد الحياة.

خامسا: أظنكم لا تدَعون الإجابات والاستيضاحات جانبا، تلك التي يرجوها مَن ارتبط بـ«الكلمات». فإن لم يكن هناك إلّا هذا السبب، فلا يمكنكم نسيان الدنيا حتى لو أردتم ذلك.

سادسا: إن الذين أحبّوكم لله ويستوضحون منكم أمورا حول كتاباتكم القيّمة وتقريراتكم في مجالسكم العلمية من مسائل متنوعة لم تُدرج كلُّها في «الكلمات». مما تَبين بقطعية تامة أن الحاجة لم تنته بعدُ، والخدمةَ الإيمانية لم تبلغ نهايةَ المطاف.

وأعرض الآن لحضرتكم بضعة أمور:

في الأوقات التي ييسّر الله لي قراءة «الكلمات» النورية على الجماعة تستجيش مشاعري، فأرجو التفضل بالسماح لأعرضها لكم:

أولا: عندما أتناول القلم لأكتب لكم -أيها الأستاذ المحترم- ما يعرض لي، أشعر انبساطا لروحي، حتى إنني أجد أن قلمي يكون ترجمانا لمشاعري في تلك اللحظة دون اختيار مني.

ثانيا: لقد فكرت بالآتي: إذا ما فكر كل واحد بأن ينـزوي في زاوية مظلمة ليأمن خداع النفس الأمارة بالسوء -تلك العدوّة الكبرى- ويأمنَ مكر شياطين الجن والإنس، وانسحب إلى زاوية النسيان أو أراد أن ينسحب إليها، وأهمل ما حلّ بالعالم الإسلامي والإنساني حتى لم يعد ينفع أحدٌ أحدا، فأنا أقوم بتبليغ إخواني في الدين هذه الحقائق النورانية، لعل الله يعاملني بفضله وكرمه بما يوافق جلالَ ألوهيته سبحانه. وأرى من المفيد جدا صرفَ النظر عن نفسي في تلك الأزمنة. فما الحكمة من هذا الأمر؟

ثالثا: إن اسمَي «الرحمن الرحيم» قد دخلا في البسملة، فما السبب؟ هل هما في أعظم مرتبة من مراتب الأسماء الحسنى، أم إن هناك سببا آخر وحكمةً أُخرى؟ هذا السؤال ورد إلى الذهن أثناء كتابتي الرسالة.([2])

أستاذي العزيز المحترم! لسنا وحدنا بحاجة إلى وجودكم، بل العالم الإسلامي كله بحاجة إليكم، لأنكم قد أصبحتم بفضل الله سبحانه وتعالى وسيلة لظهور «الكلمات» السامية التي نبعت وتلمّعت من نور القرآن المبين والتي تقوّي إيمانَ المؤمنين، وتوقظ الغافلين، وتبين الصراط السوي لهداية الضالين، وتبهت الحكماءَ الفلاسفة وتَدَعُهم في حيرة وذهول.

أسأل الله الربّ الرحيم أن يديم صحة أستاذنا العزيز وعافيته ويجعله ذخرا للأمة المحمدية.

آمين بحرمة سيد المرسلين

خلوصي

* * *

[إن الله بالغ أمره]

لقد بدأتُ متوكلا على الله بقراءة رسائل النور -بين المغرب والعشاء- للضيوف القادمين، في غرفة الاستقبال التي خصصها والدي لهم، وذلك في الليلة الأولى من وصولي.

أستاذي الحبيب!

مثلما عرضت لكم سابقا، أنا لا أعتقد أنني سأعيش لشيء إلّا لمعاونة جزئيةٍ جدا في إيفاء المهمة المعنوية لأستاذي المحترم وهي الاضطلاع بالدعوة إلى القرآن الكريم، أي خدمة جزئية في سبيل القرآن الكريم ليس إلّا. فإني أرجو رجاءً خاصا ألّا تَدَعوني محروما من استفاضاتكم من القرآن الكريم واستخراجاتكم منه -في سبيل نشر حقائق الإيمان والإسلام- مادمتم باقين هناك.

وسيبلغني الله سبحانه بدعواتكم المستجابة -إن شاء- إلى ما كنتُ أرغبه وأرجوه من نتائجَ في العمل لرسائل النور، فأكون كالمرحوم عبد الرحمن ممن ينال الإيمان والتوفيق إلى آخر رَمَق من حياته مقتديا بفخر العالمين سيدنا محمد المصطفى ﷺ وراجيا السعادة الخالدة، وأكون خَلَف أستاذي المحترم وفي جواره.

إن سيد الكائنات وأشرف المخلوقات سيدنا محمد ﷺ قد أصبح وسيلة إلى تبليغ القرآن العظيم إلى الناس كافة، فأنتم يا أستاذي تخاطبون الإنسان الغافل في هذا العصر باسم الله تعالى، وبفيوضات ذلك الكتاب المبين، وذلك من خلال رسائل النور، رغم أنها تبدو من تأليفكم.

لذا فإنني أعتقد أن ذلك الحكيم الرحيم الذي يسخّركم في هذا المضمار لا يدَع الأنوار مهملةً تُداس تحت الأقدام. فلا شك أنه سيَبعث من الفانين بل ممن لا يُحسب لهم حساب، بمراتب متفاوتة، مَن يتبنَّونها من الحُفّاظ المبلّغين الناشرين.

خلوصي

* * *

[متطلبات إنقاذ الإيمان]

نعم، إن لي -ولله الحمد- طريقا سويا رفيعا هو الإسلام، ولي منهل عظيم أنهل منه هو مشرَب العجز والفقر إلى الله، وأقتدي بقائدٍ رائد جليل هو سيد المرسلين الرسول الكريم ﷺ، وأسترشد بمرشد عظيم هو القرآن المبين، وأسلك مسلكا قيّما – خدمة الجيش – يبلّغني مرتبة الولاية لله في دقيقة واحدة -كما هو لدى الجندي المرابط في الثغر-؛ فلقد علّمني أستاذي -كما علّم كلَّ ذي عقل- أن الزمان زمانُ إنقاذ الإيمان لا سلوكِ الطريقة الصوفية. فقال: أدِّ حقَّ الصلاة خمسَ أوقات في اليوم، واعمل بالأذكار عقِبها، واتبِع السنةَ الشريفة، واجتنب الكبائر السبع. فاستجبتُ بكل ما أملك من روح وقلب.

قلت: نعم، أيها الأستاذ!. قلتُه بتوفيق من الله سواءً لهذا الدرس أم للدروس التي تلقيتُها من رسائل النور، قلتُه لما أظهرها الأستاذ من حقائق استنبطها من القرآن الكريم.. وصدّقتُها بكل جناني.

فالذي لقنني هذا الدرس -درسَ الحقيقة- خاطبتُه بـ«الأستاذ». تلك الكلمة التي لم أُخاطب بها أحدا في حياتي غيره. أصبتُ ولم أخطأ.

خلوصي

* * *

[لابد من وجدان المخاطب]

لقد أكملتُ بفضل الله كتابة «الموقف الأول من الكلمة الثانية والثلاثين» هديةَ شهر رمضان المبارك. ولئن وفّقني المولى الكريم فسأكتب الرسائل الأخرى في المدة المقررة التي أمرتم بها.

إن هذه «الكلمات» القيمة الرفيعة النورانية جديرة بأن تُـكتب بأجود خط، بل حتى بالذهب. إلّا أنها تُكتب من قِبَل هذا العاجز المحروم من جودة الخط إلّا بقدر ما يساعد على القراءة، بل له أخطاء. وهذا مما يكون مبعثا لأزيد حمدي وشكري لله تعالى.

وحيث إنني سأكون بعيدا بعدا ماديا عن التفاتاتكم الكريمة وعن التحيات السارّة التي تبعثونها بشتى الوسائل وعن أوامركم التي هي بمثابة تفسير لرسائل النور وهوامش قيمة وذيول لها.. لأجل كل هذا سأكون متألما. ولكني لا أفكر على هذه الصورة، إذ أقول: سأسعى أينما كنت لوجدان المخاطب الذي سيعير السمعَ للدرس الذي تَلقّنه بفضل العناية الإلهية دون النظر إلى عجزي وفقري في سبيل نشر الحقيقة، وسأطرق بابَ كل وسيلة من الوسائل، بفضل الله ثم بفضل دعواتكم.. وهكذا أجد العزاء والسلوان.

ولكني آسف من جانب آخر، هو أن الانشغال بالوظائف الدنيوية تعيق إلى حدٍّ ما انشغالي بـ«بالكلمات» النورية التي أرتاح إليها فطرةً وانجذبتُ لحقائقها.. ولكن لا حيلة لي، فكلما مرّ يوم من الأيام ظهر وجهُ الدنيا الفاسد والفاني بأوضح صورة. وتذهب نفسي حسراتٍ على الأوقات الماضية التي لم تُستغل في سبيل الحياة السرمدية.

ولهذا لا أتألم كثيرا على فراقنا الصوري، ولا سيما بعدما بشّر أستاذي الحبيب في درسه الأخير لي بيقين جازم عن الحياة الباقية اللذيذة التي تفوق لذتُها ألذَّ حالاتِ هذه الحياة الفانية بمراتب لا تعد.

خلوصي

* * *

[ساحل السلامة]

إن المؤلَّف أو الأثر -كأمثاله- منوَّر مليء بالحِكَم، وسيكون إن شاء الله دواءً ناجعا وبلسما شافيا لجرحٍ اجتماعيّ بليغ تعاني منه الأمةُ المحمدية. وكما تفضلتم فـ«الكلمات» المستفاضة من نور القرآن الكريم استفاضة مباشرة، قد عرضتُها على «فلان»، وقرأت عليه عددا من «الكلمات» فصدّق بها، وسأقرؤها عليه كلما سنح لي الوقتُ.

إني عاجز عن الشكر والحمد لله تعالى إزاء النعم التي أنعم بها عليّ جلّ وعلا وهي لا تُعد ولا تحصى؛ إذ بينما كنت ملطخا بالذنوب والمعاصي، أخرجتموني أيها الأستاذ المحترم بإذن الله من الظلمات إلى النور بوساطة تلك «الكلمات» المباركة المنورة.

وبينما كنت أقضي عمري الماضي بالتحرّي عن الحقيقة، ساقني القدرُ الإلهي -وأنا الضعيف العاصي- إلى الطريقة النقشبندية، وذلك قبل خمس سنوات، تلك الطريقة المتوجهة نحو الشيخ «محمد الكفروي» الذي استلمها من «الشاه النقشبند». ولكن بعد ذلك انسدّ عليّ الطريق بعد كسوف عابر. فظل هذا العاجزُ يتخبط في طريق شائك مظلم، وإذا بي أخرج من الظلمات إلى النور ومن الدوامات المغرقة إلى ساحل السلامة، ومن المهالك الخطرة إلى السعادة الدائمة بوساطة أنوار «الكلمات» المؤلَّفة من قِبَلكم. فالحمد لله.. وهذا من فضل ربي.

ولقد تفضلتم بالقول: إن زماننا هذا زمن إنقاذ الإيمان..

نعم، أيها الأستاذ المحترم! إن كلامكم على العين والرأس.

خلوصي

* * *

[أهمية قراءة المعجزات]

إن هذه الرسالة (المكتوب التاسع عشر) تعلن بين دفتيها المعجزاتِ الكبرى للرسول الكريم ﷺ، وإن إرسالها إليّ خصّيصا، بعثَت فيّ حياةً جديدة، فضلا عن أن مطالعتها تمسّ عواطفي ومشاعري كلها وتثيرها حتى أصبحتْ وسيلة لأسكُبَ العبرات ساخنة.

خلوصي

* * *

[مرشدون معنويون]

فقرة من رسالة لأخي عبد المجيد

أقبّل أياديكم وأرجو دعواتكم.. لقد وصلني تأليفُكم الجديد الذي سيكون أستاذا قديرا ومرشدا ساميا لعبد المجيد العاجز في نفسه والذي تجافى عن الدنيا.

وبهذا أبشّر نفسي وأسلّيها؛ فلئن فقدتُ أستاذا يخاطبني لفظا ومشافهة، فقد وجدتُ مرشدِين عديدين معنويين.

إنها حقا مؤلَّفات نورانية ترشد إلى الصراط السوي والسداد. رضي الله عنكم.

عبد المجيد

* * *

[مرتبة الحب في الله]

نعم، هناك جهتان أتسلّى بهما:

الأولى: وجودُنا دوما في صحبة ومسامرة معنوية بوساطة «الكلمات» المباركة التي بين أيدينا.

الثانية: إيماننا أن محبّتنا بفضل الله هي في مرتبة «الحب في الله».

وبناء على هذا فإن أعظم هدية أقدّمها إليكم اليوم وغدا هو تبليغُ ما علّمتمونا من درس إلى المؤمنين، -تبليغا باسمكم وكالةً حسب المستطاع- وحملُ ما وهبنا الله سبحانه من محبة حقيقية إلى الأبد.

وإزاء هذا أدعو الربَّ الرحيم الكريم الذي هو أحسن الخالقين وأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين أن يبلّغنا ما تؤول إليه المحبةُ في الله، والموضّح في «الموقف الثالث من الكلمة الثانية والثلاثين».

إننا عازمون على سلوك الحق والصدق والإخلاص برفقة السيد حقي الذي التقيناه في طريق الإيمان التحقيقي.

خلوصي

* * *


[1] يضم ملحقُ بَارلَا وذيوله، قسماً من المكتوب السابع والعشرين. وقد كمل فيما بعد هذا المكتوبُ بضم الملاحق الثلاثة معاً وهي: ملحق بَارلاَ، ملحق قسطموني، ملحق أميرداغ.

[2] المكتوب الثامن جواب لهذا الاستفسار.

المقدمة

باسمه سبحانه

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

المقدمة

هناك خمسة أسباب لإدراج ما كتبه كلٌّ من «خلوصي» «وصبري» في رسائلهما، حول انطباعاتهما عن رسائل النور ضمن أجزائها، وهي الآتية:

الأول: أما خلوصي، فإن غيرته وجدّيته هما أهمُّ سببين لكتابة أواخر «الكلمات» وأغلبِ «المكتوبات». وكذا الشوق الجاد المنبثق من صميم القلب لدى «صبري» هو السبب في كتابة «المكتوب التاسع عشر» الذي يكوّن ثلث «المكتوبات».

السبب الثاني: هذان الأخَوان المحترمان لم يكونا على علم من أن هذه الفقرات ستنُشر. وإن عدم معرفتهما هذا جعلهما بعيدَين عن التكلف والتصنع، فجاءت كتاباتُهما في غاية الإخلاص، تلك التي تعبّر عما تتحسسه مشاعرُهما وأرواحهما من مراتب الذوق تجاه الرسائل، وتُبيّن في الوقت نفسه أشواقَهما نحو الحقائق الإيمانية. لذا ليس إعجابُهما وتقديرهما من قبيل التقاريظ المعروفة، بل هو تعبيرٌ صادق لا مبالغةَ فيه عمّا لمَساه من حقيقة وذاقاه منها فعلا.

السبب الثالث: أنهما من طلابي الحقيقيين، ومن رفقائي الصادقين الجادّين، يحملان ثلاثَ خصال من خصال طلاب النور العاملين في سبيل القرآن، وهي: خاصيةُ كلٍّ من «الطالب» و«الأخ» و«الصديق». بل هما قد فازا بقصَب السَبق في الاتصاف بتلك الصفات الثلاث والتي هي:

الخاصية الأولى: أنهما يتبنيان ما يُنسب إليّ -من رسائل النور- وكأنهما صاحباه بالذات. فإذا ما دُوّنت كلمةٌ من «الكلمات» فإنهما يتذوقانها ذوقا خالصا كأنهما قد كتباها وألّفاها بنفسَيهما، فيشكران الله. فهما كروح حلّ في جسدين، وهما وارثاي الحقيقيان المعنويان.

الخاصية الثانية: أنهما يعتقدان أن أعظمَ غاية من غايات حياتهما وأجلَّها هي خدمةُ القرآن الكريم بوساطة تلك «الكلمات» النورية. ويدركان أن خدمة الإيمان هي أهم نتيجة حقيقية لحياتَيهما الدنيوية وأعظم وظيفة فطرية لهما في الدنيا.

الخاصية الثالثة: أنهما يشعران بجراحاتهما -بمثل ما أشعرُ بها- ويضمدانها بالأدوية التي أخذتُها من صيدلية القرآن الكريم المقدسة والتي جرّبتُها في نفسي أولا. وهما يحملان في الوقت نفسه غيرة عالية سامية للحفاظ على إيمان المؤمنين. لذا يشعران بشفقة عالية لضماد جراحات أهل الإيمان الناشئة من ورود الشبهات والأوهام.

السبب الرابع: أن السيد خلوصي هو كابني المعنوي الوحيد وابنِ أخي «عبد الرحمن» الذي كان مدار سلواني ووارثي الحقيقي وكان من المتوقع أن يملك دهاءً نورانيا. وبعد وفاته حلّ «خلوصي» محلّه، حيث بدأ يوفي الخدمات التي كنتُ أنتظرها من المرحوم حقَّها.

وعندما كنت أكتب «الكلمات» قبل رؤيتي لخلوصي بمدة مديدة شعرت وكأن شخصا معنويا موظفا بوظيفته العسكرية يمثّل مهمة المخاطَب لي، لذا جاء معظم أمثلتي على وفق وظيفته وسارت مسرى مسلكه. بمعنى أن الله سبحانه قد جعل هذا الشخص طالبا ومُعينا لي في خدمة القرآن والإيمان. وأنا بدوري كنت قد اتخذته مخاطبا لي دون قصد أو شعور وكلّمته في «الكلمات» قبل أن أراه وألقيَ عليه الدرس.

أما «صبري»، فإنه يحمل علامة فارقة فطرية خاصة بي،([1]) لم أرَها في غير «صبري» في الأماكن التي تجولتُ فيها. ويشعر بصِلة قربى معي تفوق صلةَ الرحم. وكنت آمل منه خدمة يسيرة حيث قد انتبه مؤخرا، إلّا أنه سبق الجميع. فهذه إشارةٌ إلى أنه «خلوصي الثاني» وأنه مرشح لهذه الخدمة، قد ولّاه العلي القدير لهذه المهمة طالبا وزميلا في خدمة القرآن.

السبب الخامس: أنني لا أقبل المدح والثناء وإبداء الإعجاب فيما يخصنّي، لأنني قد لمستُ ضررا بالغا منه، ولهذا أنفر منه نفورا شديدا بل أتجنّبه خشيةَ أن يكون التقدير والإعجاب مدارَ فخرٍ وغرور. ولكن من حيث إني داع إلى القرآن الكريم وخادِم له، فإن الإعجاب والتقدير لا يعودان لي من هذا الجانب وإنما يعودان إلى «الكلمات» النورية، بل إلى الحقائق الإيمانية والأسرار القرآنية. ولهذا أقبل مثل هذا النوع من التقدير والإعجاب من باب الشكر لله تعالى لا افتخارا.

وهكذا فلأن هذين الشخصين قد أدركا هذه الحقيقة أكثرَ من غيرهما، فإن ما كتباه من تقدير وإعجاب بغير شعور منهما وبدافع من وجدانهما أصبح سببا لإدراجه ضمن رسائل النور.

نسأل الله أن يكثّر من أمثالهما ويوفقهما إلى الخير، ولا يزيغ قلبيهما.. آمين

اللهم وفّقنا وإياهما وأمثالهما من إخواننا لخدمة القرآن والإيمان كما تحب وترضى بحق من أنزلتَ عليه القرآن، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات ما اختلف الملوان وما دار القمران.

سعيد النُّورْسِيَ


[1] وهي التحام إبهام الرجل مع التي تليها.