ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

   (ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻌﺜﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺎﻟﺒﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ) 

    ……….

ﺧﺎﻣﺴﺎً: ﻛﻨﺖَ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﺖَ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺭﺳﺎﺋﻠﻚ، ﺭﻏﺒﺘَﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺸﺎﺭﻛﻨﻲ ﻣﺎ ﺗﺠﻴﺶ ﺑﻪ ﻣﺸﺎﻋﺮﻱ ﻭﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻲ ﻫﻨﺎ. ﻓﺎﺳﺘﻤﻊْ ﺇﺫﻥ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺣﺪﺓٍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒٍ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻫﻮ:

ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ، ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻲ ﻭﻛﺮ ﻣﻨﺼﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺷﺠﺮﺓ «ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﻥ» ﺍﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﻤﻢ ﺟﺒﻞ «ﭼﺎﻡ». ﻧﻈﺮﺕ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍلأﻧﻴﺲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻤﺰﻳّﻦ ﺑﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ (ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﺮ:15-16) ﻧﻮﺭﺍً ﺳﺎﻣﻴﺎً ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ، ﻭﺷﺎﻫﺪﺕُ ﻓﻴﻪ ﺳﺮﺍً ﺑﻠﻴﻐﺎً لاﻣﻌﺎً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺘﺎﺭﺗﻬﺎ ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ. ﻓﺘﻌﺮﺽ ﺍلآﻳﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫِﺪ ﻧﻘﺸﺎً ﺑﺪﻳﻌﺎً ﻣﺘﻘﻦ ﺍﻟﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﺗﺮﺳﻢ ﻟﻮﺣﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗﻠﻘﻦ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻭﺍﻟﺪﺭﺱ.

ﻧﻌﻢ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺇﻟّﺎ ﻭﺗَﻌﺮِﺽ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺭﻭﺍﺋﻊَ ﺍﻟﻨﻘﺶ ﺍﻟﻤﺘﺠﺪﺩ، ﻭﺑﺪﺍﺋﻊَ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﺣﻴﻨﺎً ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ.. ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻜﺎﺗﻒ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻣﻊ ﻣﺜﻴﻠﺘﻬﺎ، ﻭﺗُﻈﻬﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎً ﺁﻳﺔ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.. ﻭﻗﺪ ﺗﺪﺧﻞ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺻﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﺘﻘﻮﺩﻫﺎ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻟﻠﺼﻐﻴﺮﺍﺕ.. ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺰُﻫَﺮﺓ ﺍﻟـلاﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﺍلأﻓﻖ، ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺳﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﻣﺜﻴﻠﺘﻬﺎ ﺗﺴﻄﻊ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ.. ﻓﻴﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺯﺍﻫﺮ ﻳﻀﻔﻴﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻓﻖ!.

ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺇﻧﻬﺎﺀ ﻛﻞ ﻧﺠﻢ ﻭﻇﻴﻔﺘَﻪ، ﻭﺇﺷﺮﺍﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺧﺮﻳﺎﺕ، ﻭﺇﻳﻔﺎﺀ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻛﺎﻟﻤﻜﻮﻙ ﻓﻲ ﻧﺴﺞ ﻧﻘﻮﺵ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ، ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻓﻴﺘﺴﺮﺑﻞ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ، ﻭﻳﺘﺴﺘﺮ، ﻭﻳﺨﺘﻔﻲ ﻋﻦ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑـ «ﺍﻟﺨُﻨّﺲ» «ﺍﻟﻜُﻨّﺲ» ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻊ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺟﺮﻳﺎﻥَ ﺳﻔﻴﻨﺔٍ ﺗﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎﺏَ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻳﺴﻴّﺮﻫﺎ ﻃﻴﺮﺍﻥَ ﺍﻟﻄﻴﺮ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻳﺴﻴﺢ ﺑﻬﺎ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ. ﺩﺍلا ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﻭﺃُﺑّﻬﺔ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ، ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻭﺿﺢ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ.

ﻓﻴﺎ لأﺑّﻬﺔ ﻣﻠﻴﻚٍ ﻣﻘﺘﺪﺭ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺳﻔﺎﺋﻨﻪ ﻭﻃﺎﺋﺮﺍﺗﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻛﺒﺮُ ﺟﺴﺎﻣﺔً ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻟﻒَ ﻣﺮﺓ، ﻭﺗﻘﻄﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻓﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ! ﻗﺲ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﺸﺮﻑ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻠﻴﻚ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺇﻛﺮﺍﻣﻪ ﻭﺃﻓﻀﺎﻟﻪ.

ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ (ﻳﺲ:39) ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﺸﺮﻕ ﻣﻦ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺗﻘﺪﻳﺮﺍً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﺟﺪﺍً، ﻭﺗﺪﻭﻳﺮَﻩ ﺣﻮﻝ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮَﻩ ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﻩ، ﻭﺇﻋﻄﺎﺀﻩ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎً ﺇﺯﺍﺀ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻣﺤﺴﻮﺑﺔً ﺑﺤﺴﺎﺏ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ، ﺗﺘﺤﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻳُﺮﺷﺪ ﻛﻞَّ ﺫﻱ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﻢ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺎﻛﻠﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻭﻳﻘﺪّﺭﻫﺎ ﺗﻘﺪﻳﺮﺍً ﺩﻗﻴﻘﺎً، لا ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ. ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻳﻌﻘﺐ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﺐ ﻣﻘﺪّﺭ ﺣﺴﺎﺑُﻪ، لا ﻳﺨﻄﺊ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭلا ﻳﺘﺒﺎﻃﺄ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﻗﻴﺪَ ﺃﻧﻤﻠﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﻛﻞ ﻣﺘﺄﻣﻞ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﺤﻴّﺮ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﺇﺫ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺷﻜﻞَ ﻫـلاﻝ ﺭﻗﻴﻖ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺷﻬﺮ ﺁﻳﺎﺭ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺃﺣﻴﺎﻥ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﻳﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ ﻋﺮﺟﻮﻥ ﻗﺪﻳﻢ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﻣﻨـﺰﻝ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ. ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻥ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ ﻋﻨﻘﻮﺩ ﻳﺘﺪﻟﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﺟﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ ﺍﻟﻘﺎﺗﻤﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﻟﻠﺨﻴﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺷﺠﺮﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﻛﺄﻥ ﻏﺼﻨﺎً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻗﺪ ﺧﺮﻕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﻭﺃﺧﺮﺝ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﻣﻊ ﻋﻨﻘﻮﺩ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﺻﺎﺭﺍ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ ﻭﺍﻟﻬـلاﻝ.

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺗﻠﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺛﻤﺮﺍﺕُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ. ﻓﺸﺎﻫﺪ ﻟﻄﺎﻓﺔَ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ ﻭﺫﻕ ﺣـلاﻭﺓ ﺑـلاﻏﺘﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺧﻄﺮﺕ ﺑﺎﻟﺒﺎﻝ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:15) ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍلأﺭﺽ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﺴﺨّﺮﺓ ﻭﺩﺍﺑّﺔ ﻣﺄﻣﻮﺭﺓ. ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺭﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ ﺭﻓﻴﻊ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺋﺮﺓ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻓﻘﺮﺃﺕ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ (ﺍﻟﺰﺧﺮﻑ:13) ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﺴﻦّ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺭﻛﻮﺏ ﺍﻟﺪﺍﺑﺔ ﻣﻦ ﻓﺮﺱ ﻭﺳﻔﻴﻨﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ، ﻗﺪ ﺃﺧﺬﺕ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻃﻮﺭ ﻣﺎﻛﻴﻨﺔ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻭﺗﻌﺮﺿُﻬﺎ، ﻓﺤﺮّﻛﺖْ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻣﻦ ﻧﺠﻮﻡ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺗﺴﻮﻗﻬﺎ ﺳﻮﻕَ ﺍﻟﺠﻴﺶ، ﻋﺎﺭﺿﺔً ﻣﻨﺎﻇﺮ ﺟﺬﺍﺑﺔ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪَ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗُﻮﻗﻊ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺮﺓ ﻭﺇﻋﺠﺎﺏ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﺸﻮﺓ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﺎ. ﻓﻘﻠﺖ: ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ… ﻣﺎ ﺃﻗﻞَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻯ ﺑﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ؟

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺧﻄﺮﺕ ﺑﺎﻟﺒﺎﻝ ﻧﻜﺘﺘﺎﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺘﺎﻥ:

ﺃﻭلاﻫﺎ: ﻗﺒﻞ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﺃﺣﺪ ﺿﻴﻮﻓﻲ ﺳﺆﺍلا، ﺃﺳﺎﺱ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻬﺔ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺑﻌﻴﺪﺗﺎﻥ ﺟﺪﺍً، ﻫﺐ ﺃﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﻤﺮﻭﻥ ﻭﻳﻄﻴﺮﻭﻥ ﻛﺎﻟﺒَﺮﻕ ﻭﺍﻟﺒُﺮﺍﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺸﺮ ﻭﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﻠﻄﻒ ﺇﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞُ ﺟﻬﻨﻢ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺮﺯﺣﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺃﺛﻘﺎﻝ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﻭﺃﺣﻤﺎﻝ ﺫﻧﻮﺑﻬﻢ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ؟ ﻭﺑﺄﻳﺔ ﻭﺳﺎﻃﺔ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ؟

ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩ ﺑﺎﻟﺒﺎﻝ ﻫﻮ: ﻟﻮ ﺩُﻋﻴﺖ ﺍلأﻣﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻋﺎﻡ ﻳُﻌﻘﺪ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﺜـلا. ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺃﻣﺔ ﺗﺮﻛﺐ ﺳﻔﻴﻨﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺎﺩﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻄﻊ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﺧﻤﺴﺎً ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ، ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ ﺗﺄﺧﺬ ﺃﻫﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺤﻤﻠﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺗُﻔﺮﻏﻬﻢ ﻫﻨﺎﻙ. ﻭﻛﺬﺍ ﺗُﻔﺮﻍ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﺩﺭﺟﺔُ ﺣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺃﻟﻒ ﺩﺭﺟﺔ -ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻟﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ- ﺑﺪلاﻟﺔ ﺗﺰﺍﻳﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻛﻞ ﺛـلاﺙ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﻣﺘﺮﺍً، ﺩﺭﺟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﺑﻌﺾ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺒﺮﺯﺥ -ﺣﺴﺐ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ- ﻭﺗﻔﺮﻏﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ. ﺛﻢ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻨـﺰلا ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺭﺩﺕ ﺑﺎﻟﺒﺎﻝ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﻗﺪ ﺳﻦّ ﺳﻨﺔً، ﻭﺃﺟﺮﻯ ﻋﺎﺩﺓً، ﻭﻫﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺑﺸﻲﺀ ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪﺍً، ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﺑﺸﻲﺀ ﻳﺴﻴﺮ ﺟﺪﺍً، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻜﻤﺎﻝ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺩﻟﻴـلا ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﺕ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺃﻧﻪ:

ﺇﺫﺍ ﺃُﺳﻨﺪﺕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀُ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﺣﺪ، ﺗﺤﺼﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔٌ ﻭﻳﺴﺮٌ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ، ﻭﺇﻥ ﺃُﺳﻨﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺒﺎﺏٍ ﻋﺪﺓ ﻭﺻﻨّﺎﻉ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﻋﻮﺍﺋﻖ ﻭﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍلاﻣﺘﻨﺎﻉ. لأﻥ ﺷﺨﺼﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً، ﻭﻟﻴﻜﻦ ﺿﺎﺑﻄﺎً ﺃﻭ ﺑﻨّﺎﺀً، ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ، ﻭﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ، ﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ، ﺃﻭ ﻛﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﻭﻟﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ، ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﺃُﺣﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺠﺎﺭ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻟﺘﻌﺴّﺮ ﺍﺳﺘﺤﺼﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺑﻞ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎً ﺇﻟّﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.

ﻓﻤﺎ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺠﻮلاﻥ ﻭﺍلاﻧﺠﺬﺍﺏ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻤﻌﺒّﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ.. ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻮ ﺃُﺳﻨﺪﺕ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﺣﺪﺍً ﺑﺄﻣﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﻳﺴﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻛﺈﻇﻬﺎﺭ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻝ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﻢ ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻟﻮﺣﺎﺕ ﺭﺍﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ، ﺗﺤﺼﻞ ﻛﻠﻬﺎ لأﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺟﻨﻮﺩﻩ، ﻓﻴﻌﻴّﻦ ﺟﻨﺪﻳﺎً ﺑﺴﻴﻄﺎً ﻛﺎلأﺭﺽ ﺣﺴﺐ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻗﺎﺋﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺳﺮﺍﺟﺎً لإﻋﻄﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝَ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻟﻮﺍﺡ ﻧﻘﻮﺵ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ- ﻣﻜﻮﻛﺎً، ﻭﺍﻟﻠﻴﻞَ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻧﺎﺑﻀﺎً، ﻭﻳﻘﺪّﺭ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻴﺖ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ ﻣﻀﻴﺌﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﺘﻸ ﻟﺌﺔ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺍﻟﻤﻨﺠﺬﺑﻴﻦ ﺑﻨﺸﻮﺓ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻔﺮﺡ.. ﻫﻜﺬﺍ ﻳُﻈﻬِﺮ ﺣِﻜَﻤﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﺨﺺ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗُﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺫﺍﺕٍ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻳﻨﻔﺬ ﺣﻜﻤُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻭﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻨﻈﺎﻣﻪ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ، ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻘﻄﻊ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺑﺴﺮﻋﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ!.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻳﻌﻄﻲ ﺫﻭﻭ ﺍﻟﻤﻬﻦ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺣﺪﺓً ﻟﻠﻜﺜﺮﺓ، ﺃﻱ ﻳﺸﻜﻠﻮﻥ ﺷﺮﻛﺎﺕ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺗﺴﻬﻴـلا ﻟﻸ ﻣﻮﺭ ﻭﺗﻴﺴﻴﺮﺍً ﻟﻬﺎ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻣﺸﻜـلاﺕ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺳﻬﻮﻟﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    (ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻟﻤﺎ ﺃﺭﺳﻞ ﻣﻦ ﻫﺪﻳﺔ)

    ……..

    ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺳﻠﺖَ ﺇﻟﻲّ ﻫﺪﻳﺔ، ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻐﻴّﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﺎﻋﺪﺓً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺣﻴﺎﺗﻲ.

ﺇﻧﻨﻲ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ لا ﺃﻗﻮﻝ: «لا ﺃﻗﺒﻞ ﻫﺪﻳﺘﻚ ﻣﺜﻠﻤﺎ لا ﺃﻗﺒﻠُﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻘﻴﻘﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﻭﺍﺑﻦ ﺃﺧﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ. ﻓﺈﻧَّﻚ ﺃﺳﺒﻖُ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺃَﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺣﻲ، ﻟﺬﻟﻚ؛ ﻓﻠﻮ ﺗُﺮﺩّ ﻫﺪﻳﺔُ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ، ﻓﻬﺪﻳﺘُﻚ لا ﺗُﺮﺩّ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻤﺮﺓٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ.

ﻭﺃُﺑﻴِّﻦُ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺳﺮَّ ﻗﺎﻋﺪﺗﻲ ﺗﻠﻚ ﺑﺎلآﺗﻲ:

ﻛﺎﻥ (ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ) لا ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺃﺫﻯ ﺍﻟﻤﻦّ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻀّﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻈﻞَّ ﺗﺤﺖ ﺛِﻘَﻞِ ﺍﻟﻤِﻨَّﺔِ. ﻭﻟﻢ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻗﺎﻋﺪﺗَﻪ، ﺭﻏﻢ ﻣﻘﺎﺳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺀ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﻠﺔ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ ﻣﻦ (ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ) ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻴﻚ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻫﺬﺍ، ﻟﻴﺴﺖ ﺗﺰﻫّﺪﺍً ﻭلا ﺍﺳﺘﻐﻨﺎﺀً ﻣﺼﻄﻨﻌﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺑﻞ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﺿﺤﺔ:

ﺍلأﻭﻝ:

ﺇﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻳﺘﻬﻤﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺎﺗﺨﺎﺫﻫﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢَ ﻣﻐﻨَﻤﺎً. ﻓﻴﻬﺎﺟﻤﻮﻧﻬﻢ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ:  ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻜﺴﺐ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ  ﻓﻴﺠﺐ ﺗﻜﺬﻳﺐُ ﻫﺆلاﺀ ﺗﻜﺬﻳﺒﺎً ﻓﻌﻠﻴﺎً.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻧﺤﻦ ﻣﻜﻠّﻔﻮﻥ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ -ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ- ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺒﻠﻴﻐﻪ. ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺸﺮﻭﺍ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻇﻬﺮﻭﺍ ﺍلاﺳﺘﻐﻨﺎﺀَ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ (ﻳﻮﻧﺲ:72) .. ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾. ﻭﺃﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (ﻳﺲ:21) ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﺲ، ﺗﻔﻴﺪ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺟﻤّﺔ، ﻭﻣﻐﺰﻯ ﻋﻤﻴﻘﺎً، ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺨﺺ ﻣﺴﺄﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ.

   ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻟﻘﺪ ﺑُﻴّﻦ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ»: «ﻳﻠﺰﻡ ﺍلإﻋﻄﺎﺀ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺍلأﺧﺬ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ». ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻫﻮ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻌﻄﻲ ﻏﺎﻓﻞٌ، ﻓﻴﻌﻄﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻴﺘﻤﻨّﻦ ﺿﻤﻨﺎً، ﺃﻭ ﺃﻥّ ﺍلآﺧﺬَ ﻏﺎﻓﻞ ﻳُﺴﻨِﺪ ﺍﻟﺸﻜﺮَ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻓﻴﺨﻄﺊ.

ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﺧﺰﻳﻨﺔٌ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻛﻨـﺰٌ ﺛﻤﻴﻦ لا ﻳﻌﻮﺿﺎﻥ ﺑﺸﻲﺀ. لا ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺳﺪّ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺰﺍﺋﻦ ﻭﺍﻟﻜﻨﻮﺯ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻔﺪ ﺑﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻓﺸﻜﺮﺍً ﻟﻠﺮﺯﺍﻕ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺑﺂلاﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳُﻠﺠﺌﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺗﺤﺖ ﻣﻨّﺔ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻓﺄﺭﺟﻮ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﻛﺮﻣﻪِ ﺃﻥ ﻳُﻤﻀﻲ ﺑﻘﻴﺔَ ﻋﻤﺮﻱ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ.

    ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ:

ﻟﻘﺪ ﺍﻗﺘﻨﻌﺖُ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻣﻨﺬ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺑﺄﻣﺎﺭﺍﺕٍ ﻭﺗﺠﺎﺭﺏَ ﻛﺜﻴﺮﺓ؛ ﺃﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﺄﺫﻭﻧﺎً ﺑﻘﺒﻮﻝ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻴﺴﻮﺭﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ، ﺇﺫ ﺃﺗﺄﺫﻯ ﺑﻘﺴﻢٍ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳُﺪﻓﻊ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺫﻯ ﻟﻴﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺃﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻳُﺤﻮَّﻝ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﻀﺮﻧﻲ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺇﺫﻥ ﺃﻣﺮٌ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﺑﻌﺪﻡ ﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻧﻬﻲٌ ﻋﻦ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﻓﻲّ ﺍﺳﺘﻴﺤﺎﺷﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻗﺒﻮﻝَ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ. ﻓﻘﺒﻮﻝ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻳﻠﺰﻣﻨﻲ ﻗﺒﻮﻟﻲ ﺯﻳﺎﺭﺗَﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ لا ﺃﺭﻳﺪُﻫﺎ ﺃﺧﺬﺍً ﺑﻤﺮﺍﻋﺎﺓ ﺷﻌﻮﺭﻫﻢ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ لا ﺃﺣﺒّﺬﻩ.

ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻓﻀّﻞ ﺃﻥ ﺁﻛﻞ ﻛﺴﺮﺓَ ﺧﺒﺰٍ ﻳﺎﺑﺲ، ﻭﺃﻥ ﺃَﻟﺒَﺲَ ﺛﻮﺑﺎً ﻓﻴﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﺭﻗﻌﺔ ﻭﺭﻗﻌﺔ ﻳﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻖ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺁﻛﻞ ﺃَﻃﻴَﺐَ ﺣﻠﻮﻯ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ، ﻭﺃَﻟْﺒَﺲَ ﺃَﻓْﺨَﺮَ ﻣـلاﺑﺴﻬﻢ ﻭﺃَﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﻛﺮﻫﻪ.

  ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻟـلاﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻤﻮﺛﻮﻕ ﺣﺴﺐ ﻣﺬﻫﺒﻨﺎ (ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ): «ﻳُﺤﺮﻡ ﻗﺒﻮﻝُ ﻣﺎ ﻳﻮﻫَﺐ ﻟﻚ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼـلاﺡ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﺎﻟﺤﺎً».

ﻧﻌﻢ ﺇﻥ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻳﺒﻴﻊ ﻫﺪﻳﺘَﻪ ﺍﻟﺒﺨﺴﺔ ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺎﻫﻆ، ﻟﺤﺮﺻﻪ ﻭﻃﻤﻌﻪ، ﻓﻴﺘﺼﻮﺭ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺬﻧﺒﺎً ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻣﺜﻠﻲ ﻭﻟﻴﺎً ﺻﺎﻟﺤﺎً، ﺛﻢ ﻳﻌﻄﻴﻨﻲ ﺭﻏﻴﻔﺎً ﻫﺪﻳﺔً. ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻋﺘﻘﺪﺕُ ﺃﻧﻨﻲ ﺻﺎﻟﺢ -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﻓﻬﺬﺍ ﻋـلاﻣﺔ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺼـلاﺡ. ﻭﺇﻥْ ﻟﻢ ﺃﻋﺘﻘﺪ ﺻـلاﺣﻲ، ﻓﻘﺒﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﺋﺰ ﻟﻲ.

ﻭﺃﻳﻀﺎً ﺇﻥ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻬﺪﻳﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞَ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻟـلآﺧﺮﺓ ﻳﻌﻨﻲ ﻗﻄﻒَ ﺛﻤﺮﺍﺕٍ ﺧﺎﻟﺪﺓٍ ﻟـلآﺧﺮﺓ، ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍلأﻭﻝ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    «ﺟﻮﺍﺏ ﻣﺨﺘﺼﺮ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ»

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ:

ﻫﻞ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻠِﻢَ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﺪﺩٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍلأﺟﻠَّﺎﺀ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧَّﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥَّ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺧﻤﺲَ ﻣﺮﺍﺗﺐَ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺷَﻚَّ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀِ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺣﻴﺎﺗُﻨﺎ ﻧﺤﻦ؛ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻘﻴﺪﺓ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﻃﺒﻘﺔُ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﻟﻴﺎﺱ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﺃﻱ ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺃﻥ ﻳﺄﻛـلا ﻭﻳﺸﺮﺑﺎ ﻣﺘﻰ ﺷﺎﺀﺍ. ﻓﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﻣُﻀﻄﺮَّﻳﻦ ﻭﻣﻘﻴﺪﻳﻦ ﺑﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣِﺜﻠَﻨﺎ. ﻭﻳﺮﻭﻱ ﺃَﻫﻞُ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀِ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﺣﻮﺍﺩﺙَ ﻭﺍﻗﻌﺔً ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺗُﺜﺒﺖُ ﻭﺟﻮﺩَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﻨﻮّﺭﻫﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻣَﻘﺎﻣﺎً ﻳُﻌﺒَّﺮُ ﻋﻨﻪ ﺑـ «ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﻀﺮ». ﻓﺎﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻳﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﻳﺘﻠﻘَّﻰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺪﺭﺱ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳُﻈﻦ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺧَﻄﺄً ﺃَﻥَّ ﺻﺎﺣﺐَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻟﻄﺎﻓﺔً ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺩ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ ﻓﻬﻤﺎ ﻳﻮﺟَﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺑﺠﺴﻤَﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻠﻄﺎﻓﺔ ﺑَﺪَﻥٍ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻭﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔِ ﺟﺴﺪٍ ﻧﺠﻤﻲّ. ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﺃﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻳَﻨْـﺰِﻝُ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻳﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻫﻲ ﺍلآﺗﻲ:

ﺇﻧﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﺗُﺠﺮﻳﻪِ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻴﺎﺭ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺗﺘﺼﻔﻰ ﺍﻟﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﻭﺗﺘﺠﺮﺩُ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ. ﻭﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻧﻘـلاﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻳُﺠﺮِّﺩُ ﺷﺨﺺُ ﺍﻟﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱُّ ﺳﻴﻒَ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺷﺨﺺَ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱّ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱَّ ﻟﻠﻌﻴﺴﻮﻳﺔ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﺪَّﺟﺎﻝَ ﺍﻟﻤُﻤﺜِّﻞَ ﻟـلإﻟﺤﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻥ ﻟﻬﻢ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ. ﻧﻌﻢ! ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺿﺤّﻮﺍ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻳﻨﻌﻢُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﻛﺮﻣﻪ ﺣﻴﺎﺓً ﺷﺒﻴﻬﺔً ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ؛ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺑـلا ﺁلاﻡ ﻭلا ﻣﺘﺎﻋﺐ ﻭلا ﻫﻤﻮﻡ؛ ﺣﻴﺚ لا ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮﺍ، ﺑﻞ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺍﺭﺗﺤﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺃﻓﻀﻞ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﻣﺘﻌﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻳﺘﻨﻌﻤﻮﻥ ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﺇﺫ لا ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻋﻦ ﺍلأﺣﺒﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﺪﻯ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃَﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮﺍ، ﺭﻏﻢ ﺃَﻥَّ ﺃﺭﻭﺍﺣَﻬﻢ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻠﺬﺓُ ﻭﺍﻟﺴَّﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻗﺎﺻﺮﺓٌ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ. ﻭﻫﺬﺍ ﻧﻈﻴﺮ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلآﺗﻲ:

ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺭﺃﻳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﺩﺧـلا ﻗﺼﺮﺍً ﺟﻤﻴـلا ﻛﺎﻟﺠﻨَّﺔ. ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻫﻮ ﺭﺅﻳﺎ. ﻓﺎﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺎﻗﺼﺔً ﺟﺪﺍً، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ: ﺳﺘﺰﻭﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ. ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮ ﻓـلا ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎ ﻟﺬﺍ ﻳﻨﺎﻝ ﻟﺬﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻳﺴﻌﺪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺧﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﺴﺐ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﻣﻨﻬﺎ.

ﺇﻥَّ ﻧﻴﻞ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ ﺃَﻧﻬﻢ ﺃَﺣﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺑﻮﻗﺎﺋﻊَ ﻭﺭﻭﺍﻳﺎﺕٍ ﻏﻴﺮِ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺇﺟﺎﺭﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺣﻤﺰﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ﻟِـﻤَﻦ ﺍﺳﺘﺠﺎﺭﻩ ﻭﻟﺠﺄَ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻗﻀﺎﺀﻩ ﻟﺤﻮﺍﺋﺠﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻭﺣﻤﻞَ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻧﻮَّﺭﺕْ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃَﺛﺒﺘﺘﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻭﻗﻌﺖ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ:

ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺃﺧﺘﻲ «ﻋُﺒﻴﺪ» ﺃﺣﺪ ﻃـلاﺑﻲ، ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﻘﺮﺑﻲ ﺑﺪلا ﻋﻨﻲ، ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ؛ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺭﺅﻳﺎ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﻋﻨﺪﻱ: ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺩﺧﻠﺖ ﻗﺒﺮَﻩ ﺍﻟﺸﺒﻴﻪَ ﺑﻤﻨـﺰﻝٍ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻲ ﻓﻲ ﺍلأﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺛـلاﺛﺔ ﺃَﺷﻬﺮ ﻣﻨﻪ، ﻭﺃَﺟﻬﻞُ ﻣﻜﺎﻥَ ﺩﻓﻨﻪ. ﻭﺭﺃﻳﺘُﻪ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃَﻧﻨﻲ ﻣﻴِّﺖٌ، ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻜﻰ ﻋﻠﻲَّ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃَﻧﻪ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑَﻨﻰ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻨـﺰلا ﺟﻤﻴـلا ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺣﺬﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻴـلاﺀ ﺍﻟﺮﻭﺱ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ -ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻭﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ- ﺃﻋﻄﺘﻨﻲ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ.

ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ لأﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﺗﺒﺪﻳﻞُ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺇﻃـلاﻕُ ﺭﻭﺡ ﻭﺗﺴﺮﻳﺢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً ﻭلا ﻋﺪﻣﺎً ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً. ﻓﺘﻤﺜُّﻞ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﻇﻬﻮﺭُﻫﻢ لأﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﺑﺤﻮﺍﺩﺙ لا ﺗُﻌَﺪُّ، ﻭﻋـلاﻗﺎﺕُ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺑﻨﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻡ، ﻭﺇﺧﺒﺎﺭﻫﻢ ﺇﻳَّﺎﻧﺎ ﺇﺧﺒﺎﺭﺍً ﻣﻄﺎﺑﻘﺎً ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺩﻟﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﺗﻨﻮّﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻭﺗﺜﺒﺘﻬﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺪلاﺋﻞَ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﺬﻩ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﺗﺎﻣﺎً.

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺇﻥ ﺍلآﻳـﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﺍﻟﺬﻱ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓَ ﻟﻴﺒﻠﻮَﻛُﻢ ﺍﻳّﻜُﻢ ﺃﺣْﺴَﻦُ ﻋَﻤَـلا﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٢) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺗَﻌُﺪُّ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺗﻌﺘﺒﺮﻩ ﻧﻌﻤﺔً ﺇﻟﻬﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤـلاﺣﻆَ ﺃَﻥَّ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﺍﻧﺤـلاﻝٌ ﻭﻋﺪﻡٌ ﻭﺗﻔﺴﺦ، ﻭﺍﻧﻄﻔﺎﺀ ﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻫﺎﺩﻡ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ… ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ «ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً» ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ «ﻧﻌﻤﺔ»؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺗﺴﺮﻳﺢٌ ﻭﺇﻧﻬﺎﺀٌ ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻮ ﺗﺒﺪﻳﻞُ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺗﺤﻮﻳﻞ ﻭﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻮ ﺩﻋﻮﺓٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﻭﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻬﺎ؛ ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻲﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺑﺨﻠﻖٍ ﻭﺑﺘﻘﺪﻳﺮ ﺇﻟﻬﻲ، ﻛﺬﻟﻚ ﺫﻫﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺨﻠﻖ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮ ﺇﻟﻬﻲ؛ لأﻥَّ ﻣﻮﺕَ ﺃﺑﺴﻂِ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ، ﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﺎً ﻟﻠﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃَﻋﻈﻢُ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺃَﻧﻈﻢُ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻤﻮﺕ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺗﻔﺴﺨﺎً ﻭﺗﺤﻠـلا ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻋﺠﻦٍ ﻟﺘﻔﺎﻋـلاﺕٍ ﻛﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔٍ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻭﺍﻣﺘﺰﺍﺝٍ ﻟﻤﻘﺎﺩﻳﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﻭﺗﺮﻛﻴﺐٍ ﻭﺗﺸﻜّﻞ ﻟﻠﺬﺭﺍﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳُﺮﻯ، ﻭﻓﻴﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﺪﻗﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ، ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﻧﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺴﻨﺒﻞ ﻭﻟﻠﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﺳﻖ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥَّ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻫﻮ ﻣﺒﺪﺃُ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﺃﺯﻫﺎﺭﺍً ﻭﺃﺛﻤﺎﺭﺍً.. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻴﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ؛ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﺫﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ..

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻣﻌﺪﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻮﺕٍ ﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺣﻴﺔ، ﺃﻭ ﻏﺬﺍﺀ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ، ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺑﺪﺍﻳﺔٌ ﻭﻣﻨﺸﺄٌ ﻟﺼﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﺫﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻏﺬﻳﺔ.

ﻓَﻠَﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﺕُ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺃَﺩﻧﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻣﻨﺘﻈﻤﺎً ﺑﺤﻜﻤﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺃَﺭﻗﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥَّ ﻣﻮﺗﻪ ﻫﺬﺍ ﺳﻴﺜﻤﺮ ﺣﻴﺎﺓً ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﺎﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﻧﺒﺎﺗﺎً ﺭﺍﺋﻊَ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ (ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ).

ﺃﻣﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔً؟..

ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺳﻨﺬﻛﺮ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻭﺟﻮﻩ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺃَﻭﺟُﻪِ ﺍﻟﻨِّﻌﻤﺔ ﻭﺍلاﻣﺘﻨﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻮﺕ.

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻧﻘﺎﺫٌ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺃَﻋﺒﺎﺀ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻤﺜﻘﻠﺔ. ﻭﻫﻮ ﺑﺎﺏُ ﻭﺻﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻊ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺣِﺒَّﺔ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ!

ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﺇﻧَّﻪ ﺧﺮﻭﺝٌ ﻣﻦ ﻗﻀﺒﺎﻥ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺏ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻫﻮ ﺗﻨﻌّﻢٌ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻣﺴﺘﻨﻴﺮﺓ لا ﻳﺰﻋﺠﻬﺎ ﺧﻮﻑ، ﻭلا ﻳﻜﺪﺭﻫﺎ ﺣﺰﻥ ﻭلا ﻫﻢّ.

ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﻭﺃَﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺪﺍﻋﻴﺔ ﻟﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺻﻌﺒﺔ ﻭﻣﺮﻫﻘﺔ، ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﺪﻯ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔ ﺗَﻔُﻮﻕُ ﻧﻌﻤﺔَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﻠﻮ ﺗﺼﻮﺭﺕ ﺃَﻥَّ ﺃﺟﺪﺍﺩَﻙ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃَﺣﻮﺍﻝ ﻣﺆﻟﻤﺔ ﻗﺎﺑﻌﻮﻥ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﻳﻚ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﺎ ﺃَﺭﺫﻝَ ﺍﻟﻌُﻤﺮِ، ﻟﻔﻬﻤﺖَ ﻣﺪﻯ ﻛﻮﻥِ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻘﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧﻌﻤﺔ. ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﻣﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﺔ ﻟﻸ ﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻋﻨﺪ ﺍﺷﺘﺪﺍﺩ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺒَﺮْﺩِ ﺍﻟﻘﺎﺭﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﺭﺍﺑﻌﻬﺎ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺭﺍﺣﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺭﺣﻤﺔ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻟﻠﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻭﺍﻟﺠﺮﺣﻰ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧﻮ ﺍﻟﻨﻮﻡ- ﺭﺣﻤﺔٌ ﻭﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻟﻠﻤﺒﺘﻠﻴﻦ ﺑﺒـلاﻳﺎ ﻳﺎﺋﺴﺔ ﻗﺪ ﺗﺪﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻧﺘﺤﺎﺭ.

ﺃﻣﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻘﻤﺔٌ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﻋﺬﺍﺏ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ «ﻛﻠﻤﺎﺕ» ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻭﺫﻟﻚ ﺧﺎﺭﺝ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻫﺬﺍ.

    ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﺃﻳﻦ ﺟﻬﻨﻢ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لا ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻗﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻌِﻠْﻢُ ﻋﻨﺪَ ﺍﻟﻠﻪ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:26) ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ: ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ. ﻓﺎﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻳﺔ، ﺗﺨﻂ ﺩﺍﺋﺮﺓً ﺣﻮﻝ ﻣﻴﺪﺍﻥٍ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﺤﺸَﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺃﺧﺮﻯ.

ﺃﻣﺎ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻴﻌﻨﻲ: ﺗﺤﺖ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻭﺃﻥ ﺳﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺭﺅﻳﺘِﻬﺎ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﺱِ ﺑﻬﺎ ﻫﻮ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻧﺎﺭﺍً ﺑـلا ﻧﻮﺭ ﻭﻣﺴﺘﻮﺭﺓً ﺑﺤﺠﺎﺏ. ﻭلا ﺟﺮﻡ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺟﻮلاﻥ ﺍلأﺭﺽ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻬﻮﻟﺔ، ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﻫﻲ لا ﺗُﺸﺎﻫﺪ، ﻟﻔﻘﺪﻫﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺳُﺤﺐ ﻧﻮﺭُﻩ ﻳﻔﻘﺪ ﻭﺟﻮﺩَﻩ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﻌﺘﻤﺔ لا ﻧﺮﺍﻫﺎ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺑﺼﺎﺭﻧﺎ.

    ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺍﺛﻨﺘﺎﻥ: ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﺟﻬﻨﻢ ﺻﻐﺮﻯ، ﻭﺍلأﺧﺮﻯ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﺒﺮﻯ.

ﻭﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺇﺫ ﺳﺘﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨـﺰلا ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﺎ.

ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ، لأﻥ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﻣﺮﻛﺰَﻫﺎ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺗﺘﺰﺍﻳﺪ ﺩﺭﺟﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ -ﻋﻠﻰ ﺍلأﻏﻠﺐ- ﻛﻠﻤﺎ ﺣُﻔﺮ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺛـلاﺛﻮﻥ ﻣﺘﺮﺍً؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺗﺒﻠﻎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺃﻟﻒ ﺩﺭﺟﺔ، لأﻥ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ ﺁلاﻑ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ، ﺃﻱ ﻧﺎﺭُﻩ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺎﺋﺘﻲ ﺩﺭﺟﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ.

ﻭﻗﺪ ﺃَﺩَّﺕْ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﺟﺪﺍً ﺗﺨﺺ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻛﻤﺎ ﺃَﺷﺎﺭﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻓﺴﺘُﻔْﺮﻍُ ﺍلأﺭﺽُ ﺃﻫﻠَﻬﺎ ﻭﺗُﻠﻘﻲ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﻠّﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ ﺻﻐﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ ﻛﺒﺮﻯ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ. ﺃﻣﺎ ﻗﻮﻝ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ: «ﺇﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺳﻮﻑ ﺗُﺨﻠﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ»، ﻓﻬﻮ ﺧَﻄﺄٌ ﻭﻏﺒﺎﺀٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﻧﺎﺷﺊٌ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﻬﺎ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﻬﺎ ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﺑﻤﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺃﻫﻞَ ﺍلأﺭﺽ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺭﺅﻳﺔَ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭﺓ ﻋﻨﺎ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻧﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺇﺭﺍﺀﺗﻬﺎ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ لا ﺗﺤﺼﻞ ﺇلا ﺑﺘﺼﻐﻴﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠِّﻪ (ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ) ﻭﺟﻌﻠِﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻭلاﻳﺘﻴﻦ. ﺃﻭ ﺑﺘﻜﺒﻴﺮ ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ ﺑﺤﺠﻢ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﻲ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﺎ ﻭﻧﻌﻴّﻨﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ لا ﺗُﺮﻯ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻧﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ. ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ، ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ «ﻣﻦ ﻓﻴﺢ ﺟﻬﻨﻢ». ﻓﺠﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﺫﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ لا ﺗُﺮﻯ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺨﺎﻓﺘﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﻟﻸ ﺭﺽ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻭﻛّﻠﺖ ﺟﻬﻨﻢَ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﺘﺆﺩﻱ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ. ﻭﺃﻥ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﺳﻊٌ ﺟﺪﺍً، ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﻭﺟّﻬﺖ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺟﻬﻨﻢ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻗﺪﻳﺮﺍً ﺫﺍ ﺟـلاﻝ، ﻭﺣﻜﻴﻤﺎً ﺫﺍ ﻛﻤﺎﻝ، ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لأﻣﺮ «ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ» ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺑﺎلأﺭﺽ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫَﺪ، ﻭﺭﺑﻂ ﺍلأﺭﺽَ ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ، ﻭﺳﻴّﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻊ ﺳﻴﺎﺭﺍﺗﻬﺎ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻳﺔ، ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ (ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ) ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﺍﻟﻤﺘﻸ ﻟﺌﺔ ﻛﺎﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ، ﺷﻮﺍﻫﺪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔً ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻣُﻈْﻬِﺮﺍً ﺑﻬﺬﺍ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔً ﺟﻠﻴﻠﺔً ﻭﻋﻈﻤﺔَ ﻗﺪﺭﺓ ﻗﺎﺩﺭﺓ، لا ﻳُﺴﺘﺒﻌَﺪ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮِ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻋﻦ ﻋﻈﻤﺔِ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺳﻠﻄﺎﻥِ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺧﺰﺍﻥ ﻣﻌﻤﻞ ﺍلإﺿﺎﺀﺓ، ﻭﻳُﺸﻌﻞ ﺑﻬﺎ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﻤﺪّﻫﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ، ﺃﻱ ﻳﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ- ﻧﻮﺭﺍً ﻭﺿﻴﺎﺀً. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﺴﻜﻨﺎً لأﻫﻞ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺳﺠﻨﺎً ﻟﻬﻢ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻢ ﺷﺠﺮﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔً ﻛﺎﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ ﺑﺬﻳﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻛﺎﻟﺨﺮﺩﻝ، لا ﻳُﺴﺘﺒﻌَﺪ ﻋﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻋﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻔﻆ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺮﺓ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ.

ﻧﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺛﻤﺮﺗﺎﻥ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻗﺪ ﺗﺪﻟّﺘﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻐﺼﻦ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻧﺘﻴﺠﺘﺎﻥ ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻫﺬﻩ، ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻓَﻲ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ، ﺍﻟﺴﻔﻠﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺳﻔﻞ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻠﻰ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻣﺨﺰﻧﺎﻥ ﻟﺴﻴﻞ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻭﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﺰﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ، ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻠﻪ، ﻭﺍﻟﺠﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﻋـلاﻩ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﺣﻮﺿﺎﻥ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻤﻮﺟﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻧﺤﻮ ﺍلأﺑﺪ. ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﺤﻮﺽ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻴﻞ ﻭﺗﺠﻤﻌﻪ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺧﺒﺜَﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍلأﺳﻔﻞ، ﻃﻴﺒﺎﺗِﻪ ﻭﻧﻘﻴّﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻠﻰ.

ﻭﺃﻧﻬﻤﺎ ﻣﻮﺿﻌﺎﻥ ﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻮﺿﻊ ﻛﺎﻥ. ﻭﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﻘﻬﺎﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻮﺿﻊَ ﺗﺠﻠﻴﻪ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺷﺎﺀ.

ﺃﻣﺎ ﻭﺟﻮﺩُ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ، ﻓﻘﺪ ﺃُﺛﺒﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻫﻨﺎ:

ﺇﻥَّ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻗﻄﻌﻲٌ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻛﻘﻄﻌﻴﺔ ﻭﻳﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻐﺼﻦ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺨﺰﻥ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻮﺽ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﻬﺮ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ.

    اﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻠﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺐَ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ، ﺇﺫﺍ ﺷﺎﻫﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ، ﻗﺒﺢَ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺩﻣﺎﻣﺔَ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ. ﻓﺄَﻋْﺮَﺽَ ﻋﻨﻪ، ﻭﺑَﺤَﺚَ ﻭﺗَﺤﺮَّﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﺑﺎﻕ لا ﻳﺰﻭﻝ. ﻭﻭﻓَّﻘﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬَﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﻴﻦ، ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺮﺁﺓ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺸﺮﻁ ﺃَﻟَّﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ، ﺩﻧﻴﺎﻩُ ﺍﻟﺰﺍﺋﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺮﺓ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ، ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻧﺴﻲَ ﻧﻔﺴَﻪ ﻧﺴﻴﺎﻥَ ﺃَﻫﻞِ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺧﺎﺽَ ﻓﻲ ﻏِﻤﺎﺭ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ ﻭﻇَﻦَّ ﺩﻧﻴﺎﻩُ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻛﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻓﻌﺸِﻘَﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻳﻐﺮﻕ. ﺇﻟّﺎ ﻣَﻦ ﺃَﻧﺠَﺘْﻪُ ﻳﺪُ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻧﺠﺎﺓً ﺧﺎﺭﻗﺔً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ.

ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍلآﺗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻮّﺭ ﻟﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ:

ﻫَﺐْ ﺃَﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺩﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ، ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻛﺒﺮَ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ. ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺧﻤﺲَ ﻏﺮﻑٍ. ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻋﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻭﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺧﺼﻮﺻﻴﺔ. ﻭﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺒﺪّﻝ ﺷﻜﻞَ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻫﻴﺌﺘَﻬﺎ ﻭﻟﻮﻧﻬﺎ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻣﺮﺁﺗﻪ. ﻓﻠﻮ ﺻﺒﻐﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍلأﺣﻤﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺮﻱ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔَ ﺣﻤﺮﺍﺀ ﻭﻟﻮ ﺻﺒﻐﻨﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍلأﺧﻀﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﻬﺎ ﺧﻀﺮﺍﺀ.. ﻫﻜﺬﺍ، ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻄﻲ ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎً ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ، ﺑﻞ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﺤﺔ، ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﻜﻞ ﻧﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ، ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ لا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻐﻴّﺮ ﻭﻧﺒﺪﻝ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺴﺮ. ﻓﺄﺣﻜﺎﻡُ ﺍﻟﻐﺮﻓﺘﻴﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﺎﻥ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﺘﺤﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻓﺄﻧﺖ ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ ﺇﺻﺒﻊ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻏﺮﻓﺘﻚ، ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﺣﺠﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻭﻟﻮ ﻗﻴﺪَ ﺃﻧﻤﻠﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﻣﻨـﺰﻝٌ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﺰﻳّﻦ، ﻭﺣﻴﺎﺓ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺮﺁﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻋﻤﻮﺩ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﻭﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﻭﺑﺎﺑﻬﺎ، ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﻭﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺻﺤﻴﻔﺔٌ، ﻭﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻗﻠﻢٌ، ﺗُﻜﺘَﺐ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻨﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ. ﻓﺈﻥ ﺃﺣﺒﺒﻨﺎ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ، ﺛﻢ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺯﺍﺋﻠﺔً ﻓﺎﻧﻴﺔ لا ﻗﺮﺍﺭ ﻟﻬﺎ ﻛﺤﻴﺎﺗﻨﺎ -لأﻧﻬﺎ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻓﻮﻗﻬﺎ- ﻭﺷﻌﺮﻧﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻭﺃﺩﺭﻛﻨﺎﻩ، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻣﺤﺒﺘُﻨﺎ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﻧﻘﻮﺵ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻟﻬﺎ. ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﺭﻛﻨﺎ ﺃﻥ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﺰﺭﻋﺔٌ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻟـلآﺧﺮﺓ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺣﻮّﻟﻨﺎ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴَﻨﺎ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻛﺎﻟﺤﺮﺹ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺭﻋﺔ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺳﻨﺎﺑﻠﻬﺎ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ. ﻳﻨﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﻫﺬﺍ ﻧﻜﻮﻥ ﻣﻤﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻢ ﴿ﻧَﺴﻮُﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻓَﺎَﻧْﺴﺎﻫﻢ ﺍَﻧْﻔُﺴَﻬُﻢْ ﺍُﻭﻟﺌِﻚَ ﻫُﻢُ ﺍﻟْﻔﺎﺳِﻘُﻮﻥَ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:19). ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻨﺴﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﻐﻔﻞ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺣﺴِﺐَ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻛﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ﻧﺎﺳﻴﺎً ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻋﺎﺩّﺍً ﻧﻔﺴﻪ ﺧﺎﻟﺪﺍً ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺴﻜﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻳﻐﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺃﻣﺮﻩ. ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔُ ﻭﺑﺎلا ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﺬﺍﺑﺎً ﺃﻟﻴﻤﺎ، لأﻧﻬﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﺷﻔﻘﺔً ﻭﺭﻗّﺔَ ﻗﻠﺐٍ ﻳﺎﺋﺲٍ ﻳﺄﺱَ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ، ﻓﻴﻘﺎﺳﻲ ﺍلأﻟﻢ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ ﺃﻟﻢَ ﺍﻟﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕِ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔَ ﺍﻟﻤﻌﺮَّﺿﺔَ ﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺰَّﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻭﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻜﺘﻮﻑَ ﺍلأﻳﺪﻱ ﺇﺯﺍﺀﻫﺎ ﻓﻴﺘﺠﺮﻉُ ﺍلأﻟﻢ ﻓﻲ ﻳﺄﺱ ﻣﺮﻳﺮ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺠﻰ ﻣﻦ ﺷِﺒﺎﻙ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﺪ ﺑﻠﺴﻤﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً ﺇﺯﺍﺀ ﺷﺪﺓ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺗﻠﻚ، ﺇﺫ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺕ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻓﻲ ﺯﻭﺍﻝ ﻣَﻦ ﻳﺘﺄﻟﻢ لأﻭﺿﺎﻋﻬﻢ، ﺑﻘﺎﺀَ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺭﻭﺍﺣِﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﺩﺍﺋﻤﺔ لأﺳﻤﺎﺀٍ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻟﺬﺍﺕٍ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ. ﻭﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺷﻔﻘﺘُﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻭﺭ ﺩﺍﺋﻢ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻭﺭﺍﺀ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻧﻘﺸﺎً ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﺎً ﻭﺗﺠﻤﻴـلا ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﺎً ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﺎً ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﺍً ﺩﺍﺋﻤﻴﺎً، ﻳُﺸﻌﺮﻩ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﻣﻨـﺰّﻩ ﻭﺣُﺴﻦ ﻣﻘﺪﺱ، ﺣﺘﻰ ﻳﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝَ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻧﻤﻄﺎً ﻟﺘﺰﻳﻴﺪ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺗﺸﻬﻴﺮ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻟﺬﺗﻪ ﻭﺷﻮﻗَﻪ ﻭﺇﻋﺠﺎﺑﻪ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ

ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ

   ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫـلاﻝ ﺻﻮﻡ ﻭﻫـلاﻝ ﺍﻟﻌﻴﺪ

   ﺃﺯﺍﻫﻴﺮ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﻦ ﻧﻮﻯ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺩﻳﻮﺍﻥ ﺷﻌﺮ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﻟﻄـلاﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ

   ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺛـلاﺙ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ

     ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻫﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ» ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﻫﻲ

«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ» ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (ﻓﺼﻠﺖ:53)

    ﺳﺆﺍﻝ: ﻧﺮﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻮﺿﺢ ﻟﻨﺎ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎ ﻣﺠﻤـلا ﻭﻣﺨﺘﺼﺮﺍ، ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍلآﻳﺘﻴﻦ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﺃﻭﺻﺎﻓﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺻﻐﺮ ﺃﻭ ﺍلأﻛﺒﺮ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻓﻠﻘﺪ ﺃﻓﺮﻁ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻭﻥ ﻭﺗﻤﺎﺩﻭﺍ ﻓﻲ ﻏﻴّﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺅﻭﺍ ﻳﺠﺎﻫﺮﻭﻥ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: ﺇﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﻧﺮﻓﻊ ﺃﻛﻔّﻨﺎ ﻭﻧﺪﻋﻮ: «ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺪﻳﺮ»؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﻣﺎ ﻛُﺘِﺐَ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻣﻦ ﺛـلاﺙ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ «ﻛﻠﻤﺔ»، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﺛـلاﺙ ﻭﺛـلاﺛﻮﻥ ﻗﻄﺮﺓ ﺗﻘﻄّﺮﺕ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ. ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺠﺪﻭﺍ ﻣﺎ ﻳُﻘﻨﻌﻜﻢ ﺑﻤﺮﺍﺟﻌﺘﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﺴﻨﺸﻴﺮ ﻣﺠﺮﺩ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺭﺷﺤﺎﺕِ ﻗﻄﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻓﻨﻤﻬّﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﻝ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻭﻣﻬﺎﺭﺓ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﻗﺼﺮﺍ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺮﺳﻲ ﺃﺳُﺴَﻪ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻣﺘﻘﻦ، ﻭﻳﻀﻊ ﻗﻮﺍﻋﺪَﻩ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻳﻨﺴّﻘﻪ ﺗﻨﺴﻴﻘﺎ ﻳـلاﺋﻢ ﻟﻤﺎ ﻳُﺒﻨﻰ لأﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﻳُﺮﺟﻰ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ. ﺛﻢ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺘﻘﺴﻴﻤﻪ ﻭﺗﻔﺼﻴﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻣﻬﺎﺭﺓ ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺴﺎﻡ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﻭﺣُﺠﺮﺍﺕ، ﺛﻢ ﻧﺮﺍﻩ ﻳﻨﻈﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﺮﺍﺕ ﻭﻳﺰﻳّﻨﻬﺎ ﺑﺮﻭﺍﺋﻊ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺛﻢ ﻳﻨﻮّﺭ ﻛﻞ ﺭﻛﻦ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺑﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﺛﻢ لأﺟﻞ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺇﺣﺴﺎﻧﻪ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻣﻬﺎﺭﺗﻪ ﻧﺮﺍﻩ ﻳﺠﺪﺩ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﻳﺒﺪّﻟﻬﺎ ﻭﻳﺤﻮّﻟﻬﺎ. ﺛﻢ ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻜﻞ ﺣُﺠﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺮﺍﺕ ﻫﺎﺗﻔﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻤﻘﺎﻣﻪ، ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻣﻦ ﻛﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺎﻓﺬﺓً ﻳُﺮﻯ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻘﺎﻣُﻪ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺎﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺃﻟﻒ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺤَﻜَﻢ، ﻭﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺜﻠﻪ ﺷﻲﺀ. ﺃﺭﺍﺩ، ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﻧﺎﻓﺬﺓ، ﺧﻠﻖَ ﺷﺠﺮﺓِ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺇﻳﺠﺎﺩَ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ.. ﻓﻮﺿﻊ ﺃﺳﺲَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮِ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻋﻠﻤﻪ ﺍلأﺯﻟﻲ. ﺛﻢ ﺻﻮَّﺭﻩ ﻭﺃﺣﺴﻦَ ﺻُﻮَﺭﺗﻪ ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻓﺼّﻠﻪ ﺗﻔﺼﻴـلا ﺩﻗﻴﻘﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻭﻓﺮﻭﻉ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻭﺳﻔﻠﻴﺔ. ﺛﻢ ﻧﻈّﻢ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ. ﺛﻢ ﺯﻳّﻦ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻭﻛﻞ ﻋﺎﻟﻢ، ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ -ﻓﺰﻳّﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﺜـلا ﺑﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺟﻤّﻞ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺎلأﺯﺍﻫﻴﺮ- ﺛﻢ ﻧﻮّﺭ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺁﻓﺎﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺛﻢ ﺃﻣﺪّ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻐﻴﺜﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻤﺎ ﻳـلاﻗﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻓﺘَﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ»، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻩ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺍلإﺣﺴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍلإﻏﺎﺛﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜّﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﻭﻳﺴﺄﻟﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ. ﻭﻓَﺘَﺢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺰﻝ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎﻟﻢ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺗﻈﻬﺮﻩ، ﺃﻱ ﺗُﺒﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻓﺄﻭﺩﻉ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻠﺐ ﻫﺎﺗﻔﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ.

ﻭﺑﻌﺪ، ﻓﺴﻮﻑ لا ﻧﻘﺤﻢ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﺬ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﺑﻞ ﻧﺤﻴﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺇلا ﻣﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﻓﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺙ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻣﻨﻬﺎ، ﺗﺄﻟّﻘﺖ ﻣﻦ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﺃﻭ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﻭﻗﺪ ﺣﺼﺮﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺛـلاﺙٍ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺗﺒﺮﻛﺎ ﺑﺎلأﺫﻛﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻘﺐ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ. ﻭﻧﺪﻉ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺼّﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍلأﺧﺮﻯ.

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻓﺘﻘﺎﺭﺍ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﺟﺎﺕٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻣﻄﺎﻟﺐ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ لا ﺗﺤﺼﻰ.. ﻭﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺗُﺴﺎﻕُ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﺗﺤﺘﺴﺐ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺗﺘﺮﻯ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ.. ﻋﻠﻤﺎ ﺑﺄﻥّ ﺃﻳﺪﻱ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺗﻘﺼﺮ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﺃﺩﻧﻰ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻭﺳﻊ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ.. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖَ ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺠﺪْﻫﺎ ﻣﻐﻠﻮﻟﺔَ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﺇﺯﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺣﻮﺍﺳَّﻚ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﺃﻭ ﻳﺸﺒﻊ ﺭﻏﺒﺎﺗﻚ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ.. ﻓﻘﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﻧﻔﻮﺱَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺠﺪ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻔَﻘﺮﻩ ﻭﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻘﻀﻴّﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﻮﻝ ﻣﻨﻪ ﻭلا ﻗﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺑﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻪ ﻛﺪلاﻟﺔ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﻨﺼﻒ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ.

ﻓﻤﺎ ﺃﺑﻐﺾَ ﺟﻬﻠَﻚ.. ﻭﺃﻟﻌﻦَ ﻏﻔﻠﺘَﻚ.. ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺍﻟﻤﻜﺎﺑﺮ.. ﻛﻴﻒ ﺗﻔﺴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻴﻤﺔ؟! ﺃﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ؟ ﺃﻡ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ؟ ﺃﻡ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺀ؟ ﺃﻡ ﺑﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ؟

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺮﺩﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺘﺸﺨﺺ ﻭﺗﺤﺎﺭ ﺑﻴﻦ ﻃﺮﻕ ﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍلاﺣﺘﻤﺎلاﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﺇﺫﺍ ﺑﻬﺎ ﺗُﻤﻨﺢ ﺻﻮﺭﺓً ﻣﻤﻴﺰﺓ ﻟﻬﺎ، ﻏﺎﻳﺔً ﻓﻲ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ..

ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﻛُﻞِّ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰﻩ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺟﻨﺴﻪ، ﻭﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺩﻉ ﻓﻴﻪ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻣﻦ ﺣَﻮَﺍﺱَّ ﻇﺎﻫﺮﺓٍ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮ ﺑﺎﻃﻨﺔ.. ﺃلا ﻳﺜﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺁﻳﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻟـلأﺣﺪﻳﺔ؟

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻭﺟﻪ ﻳﺪﻝ -ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ- ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺻﺎﻧﻊٍ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻓﻤﺠﻤﻮﻉُ ﺍلأﻭﺟﻪ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻠﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺃﻧﻬﺎ ﺁﻳﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻜِﺮ.. ﺃﺗﻘﺪِﺭ ﺃﻥ ﺗﺤﻴﻞَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﻭﺍلأﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻘﻠَّﺪ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﺴﻨﺪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟـلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ.. ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺑﺎﺭﺋﻬﺎ ﺍﻟﻤﺼﻮﺭ؟

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥّ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ، ﻭﻃﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻫﻲ ﺃﻛﺜﺮُ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ، (حاشية) ﺑﻞ ﺇﻥ ﻋﺪﺩ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ  ﺧـلاﻝ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ  ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ. ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺟﻴﺶ ﻫﺎﺋﻞ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻨﺮﻯ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻟﻪ ﺭﺯﻗُﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍلآﺧﺮ ﻭﺻﻮﺭﺗُﻪ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻭﺃﺳﻠﺤﺘُﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﻣـلاﺑﺴﻪ ﺍﻟﻤﺘﻤﻴﺰﺓ، ﻭﺗﺪﺭﻳﺒﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻭﺗﺴﺮﻳﺤﻪ ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﻭﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ.. ﻭﺗﺠﺮﻱ ﻫﺬﻩ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﻣﺘﻘﻦ، ﻭﻭﻓﻖ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺩﻗﻴﻖ. ﻓﺈﺩﺍﺭﺓُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ، ﺩﻭﻧﻤﺎ ﻧﺴﻴﺎﻥ لأﺣﺪٍ ﻭلا ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ، ﻟﻬﻲ ﺁﻳﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻟﻠﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ.

ﻓﻤﻦ ﺫﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﺪَّ ﻳﺪَ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلإﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺣﺪّ ﻟﻘﺪﺭﺗﻪ، ﻭلا ﺣﺪﻭﺩَ ﻟﻌﻠﻤﻪ، ﻭلا ﻧﻬﺎﻳﺔَ ﻟﺤﻜﻤﺘﻪ! ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ﻭﺍلأﻣﻢ ﺍﻟﻤﻜﺘﻨﻔﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ، ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻳﻌﺠﺰ ﻛﻠﻴﺎ ﻋﻦ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺧﻠﻖ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﺣﺼﻠﺖ ﻣﺪﺍﺧﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻈَﻬَﺮ ﺃﺛﺮُﻩ، ﻭﺑﺎﻥ ﺍﻟﻨﻘﺺُ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﴿ﻓَﺎﺭْﺟِﻊِ ﺍﻟْﺒَﺼَﺮَ ﻫَﻞْ ﺗَﺮﻯ ﻣِﻦْ ﻓُﻄُﻮﺭ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٣)

ﻓـلا ﻓﻄﻮﺭ ﻭلا ﻧﻘﺺ، ﺇﺫﻥ ﻓـلا ﺷﺮﻳﻚ.

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻫﻲ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺔ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ، ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻴﺜﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ..

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍلاﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺩﻋﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔً، ﺑﺎﺩﻳﺔ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ، ﻧﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﺭﺃﻱَ ﺍﻟﻌﻴﻦ.

ﻓﻜﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﻛُﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ  ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ  ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍلاﺳﺘﺠﺎﺑﺎﺕ ﺗﺪﻝ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻭﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﺃﻭﺳﻊ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﻖ ﺭﺣﻴﻢ ﻛﺮﻳﻢ ﻣﺠﻴﺐ، ﻭﺗﻮﺟِّﻪ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻧﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻟﺘﻮّﻫﺎ، ﻭﺑﺮﺯﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺮﻭﺯﺍ ﻓﺠﺎﺋﻴﺎ.. ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﺁﻧﻴﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻋَﺠﻞٍ ﺑﺴﻴﻄﺔَ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﻭﻣﺸﻮّﻫﺔ ﺍﻟﺸﻜﻞ، ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺗﻘﺎﻥ، ﻧﺮﺍﻫﺎ ﺗُﺨﻠَﻖُ ﻓﻲ ﺃﺗﻘﻦ ﺻﻨﻌﺔ ﻭﺃﺑﺪﻋِﻬﺎ؛ ﻫﺬﺍ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻬﺎﺭﺓ ﻓﺎﺋﻘﺔً. ﻭﻧﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﻉ ﻧﻘﺶ ﻭﺃﺩﻕ ﺻﻮﺭﺓ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﺪﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺻﺒﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺯﻣﻦ ﻣﺪﻳﺪ. ﻭﻧﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﺯﻳﻨﺔ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺃﺧّﺎﺫ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﻳﺴﺘﺪﻋﻴﺎﻥ ﺁلاﺕ ﺗﺠﻤﻴﻞ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﻓﻬﺬﺍ ﺍلإﺗﻘﺎﻥُ ﺍﻟﻤﻌﺠِﺰ، ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻬﻴﺄﺓ ﺍﻟﻤﻨﺴﻘﺔ، ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﺍلآﻧﻲ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻪ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻳﺒﻴّﻦ ﺑﻮﺿﻮﺡ «ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﻋﻦ ﺭﺑّﻪ، ﺍﻟﺤﺎﺋﺮُ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ..ﻫﻴَّﺎ.. ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺗﻮﺿِّﺢ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻭﺗﻔﺴﺮﻩ؟ ﺃﻓﺘﻔﺴﺮﻩ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﺪﺓ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ؟ ﺃﻡ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﺮﻑ ﺑﺠﻬﻠﻚ ﺧﻄﺄ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻪ، ﻓﺘﻘﻠﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔَ ﺻﻔﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ، ﻭﺗﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕِ ﻗﺪﺭﺓِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﻘﺺ ﻭﻋﻴﺐ، ﻓﺘﺮﺗﻜﺐ ﺃﻟﻒَ ﻣﺤﺎﻝٍ ﻭﻣﺤﺎﻝ.

   ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

﴿ﺍِﻥّ ﻓﻲ ﺧَﻠْﻖِ ﺍﻟﺴَّﻤﻮﺍﺕِ ﻭﺍلاﺭﺽِ ﻭَﺍﺧْﺘِـلاﻑِ ﺍﻟَّﻴْﻞ ﻭَﺍﻟﻨَّﻬﺎﺭِ ﻭَﺍﻟﻔُﻠْﻚِ ﺍﻟّﺘﻰ ﺗَﺠْﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺒَﺤﺮِ ﺑﻤَﺎ ﻳَﻨْﻔَﻊُ ﺍﻟﻨَّﺎﺱَ ﻭَﻣﺂ ﺍَﻧَﺰَﻝَ ﺍﻟﻠﻪ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺴَّﻤﺂﺀِ ﻣِﻦْ ﻣﺂﺀٍ ﻓَﺎﺣﻴﺎ ﺑِﻪِ ﺍلاﺭﺽَ ﺑَﻌْﺪَ ﻣَﻮْﺗِﻬَﺎ ﻭَﺑَﺚَّ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛُﻞِّ ﺩَﺁﺑﺔٍ ﻭَﺗَﺼْﺮﻳﻒِ ﺍﻟﺮِّﻳﺎﺡِ ﻭَﺍﻟﺴّﺤَﺎﺏِ ﺍﻟﻤُﺴﺨَّﺮِ ﺑَﻴْﻦَ ﺍﻟﺴَﻤَﺂﺀِ ﻭﺍلاﺭﺽِ لاﻳﺎﺕٍ ﻟِﻘَﻮْﻡٍ ﻳَﻌﻘِﻠﻮُﻥَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:164)

ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ. ﻭﺯﺑﺪﺓ ﺧـلاﺻﺘﻬﺎ: ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻮﻳّﻬﺎ ﻭﺳﻔﻠﻴّﻬﺎ، ﺗﺪﻝ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﺻﺎﻧﻊٍ ﺣﻜﻴﻢٍ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻥ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﻓﻲ  ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ  ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﻧﺘﺎﺋﺞَ ﺳﺎﻣﻴﺔ -ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ- ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺇﻟﻪٍ ﻗﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺟـلاﻝ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ.

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ «ﺍلأﺭﺽ» ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﻢ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﻣﺼﺎﻟﺢ ﺷﺘﻰ -ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ- ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻜﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ «ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤـلأ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳُﺮﺳﻞ ﺭﺯﻕُ ﻛُﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺗُﻜﺴﻰ ﺑﺄﺛﻮﺍﺏ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﺗُﺠﻬّﺰ ﺑﺤﻮﺍﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺑﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ.. ﻳﺸﻴﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻛﻜﻞ ﻳﺪﻝ ﻣﻌﺎ ﻭﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﻭﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ «ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ» ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻧﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺵ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﻭﺍﻟﺰﺭﻭﻉ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﻣﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ﻣﻮﺯﻭﻧﺔ، ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺭﺍﺋﻌﺔ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ ﻳﺪﻝ ﻋﻞ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻓﺈﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋَﻬﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ «ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ» ﺍﻟﻤﺴﺨﺮﺓ ﻟﺤِﻜَﻢٍ ﻏﺰﻳﺮﺓ، ﻭﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻣﻨﺎﻓﻊَ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﻓﻮﺍﺋﺪ ﺟﻤّﺔً، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴُّﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍلأﺭﺽ، ﺗﺪﻝ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ «ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ» ﺍﻟﺮﺍﺳﻴﺎﺕ، ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﺃﺟﻮﺍﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺩﻥ، ﻭﻣﺎ ﻟﻜﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺹ، ﻭﻣﺎ ﺍﺩّﺧﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺷﺘﻰ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺪّﺓ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻋﺪﺓ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ ﻭﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻣﻌﺎ، ﺗﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻢّ ﺍﻟﺮﻭﺍﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺃﻧﻮﺍﻉ «ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ» ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘـلاﻝ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻲ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺭﻯ، ﻭﻗﺪ ﺃﺿﻔﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﻬﺎﺀ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻛُﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺃﻧﻮﺍﻉ «ﺍلأﻭﺭﺍﻕ» ﻭﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺴﻘﺔ، ﻭﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﺬﺍﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﻛﺎﻓﺔ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ «ﻧﻤﻮ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ» ﺑﺨﻄﻮﺍﺕ ﻫﺎﺩﻓﺔ ﻣﻄﺮﺩﺓ، ﻭﺗﺠﻬﻴﺰ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺗﻮﺟُّﻪ ﺷﻌﻮﺭﻱ، ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞ ﺟﺴﻢ ﻧﺎﻡٍ ﺑﺄﺟﺰﺍﺋﻪ ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﻪ، ﻳﺸﻬﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻭﻳﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ، ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ، ﻭﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺇﻳﺪﺍﻉَ «ﺍﻟﻨﻔﺲ» ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﺪ، ﻭﺗﻤﻜﻴﻦَ «ﺍﻟﺮﻭﺡ» ﻣﻦ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﺗﺴﻠﻴﺤَﻪ ﺑﺄﺳﻠﺤﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﺗﺰﻭﻳﺪَﻩ ﺑﺄﻋﺘﺪﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ، ﻭﺗﻮﺟﻴﻬَﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻤﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻳﺸﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺑﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﺟﻬﺰﺗﻬﺎ ﻭﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻲ )ﻳﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ «ﺍلإﻟﻬﺎﻣﺎﺕ» ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺷﺪ ﻗﻠﻮﺏَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗُﻔﻘِّﻬﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺗُﻌﻠّﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺍلاﻫﺘﺪﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎﺕ.. ﻫﺬﻩ ﺍلإﻟﻬﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺑﺄﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗُﺸﻌِﺮُ ﻛُﻞَّ ﺫﻱ ﺑﺼﻴﺮﺓ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺭﺏ ﺭﺣﻴﻢ ﻭﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ «ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ» ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ- ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻨﻲ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻛﻮﻥَ ﻛﻞ ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ، ﺗﺪﻝ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺻﺎﻧﻊ ﺣﻜﻴﻢ ﻋﻠﻴﻢ، ﻭﺧﺎﻟﻖ ﺭﺣﻴﻢ، ﻭﺭﺯﺍﻕ ﻛﺮﻳﻢ، ﻭﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺣﺪﻳﺘﻪ ﻭﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﺬ ﺍلاﺛﻨﺘﺎ ﻋﺸﺮﺓ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻭﺟﻬﺎ ﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻓﺘﺪﻝ ﺑﺎﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻟﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻜﺬّﺏ ﺍﻟﺸﻘﻲ!.. ﻛﻴﻒ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺴﺪَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺳَﻌَﺔَ ﺍلأﺭﺽ.. ﺑﻞ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺳﻌﺔَ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ.؟! ﻭﺑﺄﻱ ﺷﻲﺀ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻄﻔﺊ ﻣﻨﺒﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ؟. ﻭﺑﺄﻱ ﺳﺘﺎﺭ ﻣﻦ ﺳﺘﺎﺋﺮ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺨﻔﻴﻪ..؟!

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺫﻳﻞ ﻳﻮﺿﺢ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ». ﻭﻫﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ لأﻭﻝ ﻟﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﻟﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﺷﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻗﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ» وﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺰﺍﺧﺮﺓ ﻟـلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:٢٢) ﻟﺒﺴَﺖ ﺛﻮﺏَ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ.

   ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:٢٢)

«لا ﺇِﻟَﻪَ ﺇِلا ﺍﻟﻠﻪ ﻭَﺣﺪَﻩُ لا ﺷَﺮﻳﻚَ ﻟَﻪُ ﻟَﻪُ ﺍﻟْﻤُﻠﻚُ ﻭَﻟَﻪُ ﺍﻟْﺤَﻤﺪُ ﻳُﺤﻴِﻲ ﻭَﻳُﻤِﻴﺖُ ﻭَﻫُﻮَ ﺣَﻲّ لا ﻳَﻤُﻮﺕُ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﺍﻟْﺨَﻴﺮ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻗَﺪِﻳﺮ ﻭَﺇﻟَﻴﻪِ ﺍﻟْﻤَﺼِﻴﺮُ».

    ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑَﻴَّﻨﺖُ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ؛ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍلإﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﺳﺎﺭﺓ، ﻭﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ. ﻭﻗﺪ ﺑﺴﻄﺖ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺑﺴﻄﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ «لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ» ﻭﺣﺪَﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻥٍ ﺟﻤﻴﻠﺔ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﺗﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻇﺮﺓ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ، ﻭﺍﺗﺨﺎﺫ ﻟﺴﺎﻥِ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ. ﻭﺃﺩﺭﺝُ ﺍلآﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺓ ﺇﺳﻌﺎﻓﺎ ﻟﻄﻠﺐ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﻨﻮﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻲ، ﻭﻧﺰﻭلا ﻋﻨﺪ ﺭﻏﺒﺔ ﺭﻓﻘﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻧﻈﺮﺍ ﻟﻄﻠﺒﻬﻢ. ﻭﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ:

ﻧﻔﺘﺮﺽ ﺷﺨﺼﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀَ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻫﻤُﻬﻢ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀـلاﻝ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻋﺒَﺪﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﻳﻦ ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ. ﻭﻧﻔﺮﺽ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮَﺽ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺑﺎ ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻳﺪّﻋﻲ ﺍﻟﺘﻤﻠّﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻪ!

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﺑﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺃﻭلا ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺻﻐﺮ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﺭﺓ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺇﻧﻪ ﺭﺑّﻬﺎ ﻭﻣﺎﻟﻜﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ!

ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺓُ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﻠُﻐﺔِ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺩَﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺅﺩﻱ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﻭﺃﻋﻤﺎلا لا ﻳﺤﺼﺮﻫﺎ ﺍﻟﻌﺪّ. ﻓﺄﺩﺧﻞُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻋﻠﻤﺎ ﻭﺍﺳﻌﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻭﺻﺎﺣﺐَ ﻗﺪﺭﺓٍ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻮﺟّﻪ ﺟﻤﻴﻌَﻬﺎ، ﻭﻟﻚ ﺣﻜﻢ ﻧﺎﻓﺬ ﻭﻫﻴﻤﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺨﻴﺮﻱ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻲ ﻣﻊ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ (حاشية) ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺘﺤﺮﻙ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻜﺔ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﻃﺎﺑﻌﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻀﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﻮﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻣُﻠﻚ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ.. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﻭﻣﻜﺘﻮﺏ ﻣﻨﻪ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻧﺒﺎﺕ، ﻭﻛﻞ ﺛﻤﺮ، ﻫﻮ ﺧﺘﻢ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺳﻜﺔ ﻭﺣﺪﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﻮﺍﺿﻌﻪ ﻭﺃﻭﻃﺎﻧﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﺼﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ.

 ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﺑﺤﺮﻛﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻘﺒﺾ ﺯﻣﺎﻡ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺭﺓ. ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﺠﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺎ ﺟﺰﺀ ﻣﻨﻬﺎ، ﻛﺎﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ، ﻭﺗﺘﺼﺮﻑَ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﺗﺎﻡ.. ﻓﻠﻚَ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲَ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻋﻠﻲّ، ﻭﺗُﺴﻨﺪ ﺃﻣﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.. ﻭﺇلا ﻓﺎﺳﻜﺖ! ﺇﺫ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺧﻞَ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻲ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻚ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺭﺑﺎ ﻟﻲ؛ لأﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻔﻨﺎ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻭﺣﺮﻛﺎﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﻘﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻦ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﺍ ﺣﻜﻤﺔٍ ﻣﻄﻠﻘﺔٍ ﻭﻋﻠﻢ ﻣﺤﻴﻂ، ﻓﻠﻮ ﺗﺪﺧّﻞ ﻏﻴﺮُﻩ لأﻓﺴﺪ. ﻓﺄﻧّﻰ ﻟﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺃﻥ ﺗﻤﺪّ ﺇﺻﺒﻌﻚ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻨﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ ﺍلأﻋﻤﻰ ﺍلأﺳﻴﺮُ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﻭﻳﻴﻦ!

ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻮﻥ: «ﺇﺫﻥ ﻛُﻮﻧﻲ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﻨﻔﺴﻚ، ﻓَﻠِﻢَ ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ ﺇﻧﻚ ﺗﻌﻤﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻏﻴﺮﻙ؟»

ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺍﻟﺬﺭﺓ: «ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﻋﻘﻞ ﺟﺒﺎﺭ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻭﻋﻠﻢ ﻣﺤﻴﻂ ﻛﻀﻮﺋﻬﺎ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﺤﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﻭﺣﻮﺍﺱ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮُ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻛﺎلأﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﺿﻴﺎﺋﻬﺎ ﻭﻭﺟﻪ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﺳﻴﺢ ﻓﻴﻪ ﻭﻋﻴﻦ ﻧﺎﻇﺮﺓ ﻭﻛـلاﻡ ﻧﺎﻓﺬ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺃﺗﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻪ.. ﺭﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﺗﻐﺎﺑﻰ ﻣﺜﻠَﻚ ﻓﺄﺩّﻋﻲ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ ﻟﻨﻔﺴﻲ!. ﺗﻨﺢَّ ﻋﻨﻲ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻚ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻴﻨﺎ».

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺌﺲ ﺩﺍﻋﻴﺔُ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺓ. ﻗﺎﺑﻞ ﻛﺮﻳﺔً ﺣﻤﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻡ، ﻋﻠّﻪ ﻳﻈﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺸﻲﺀ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﻟﻐﺔِ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻣﻨﻄﻖِ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: «ﺃﻧﺎ ﻟﻚِ ﺭﺏ ﻭﻣﺎﻟﻚ!»

ﻓﺮﺩّﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔُ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ: «ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖُ ﻭﺣﻴﺪﺓً ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ، ﻓﺄﻧﺎ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻲ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ، ﻧﻈﺎﻣُﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔُﻨﺎ ﻣﻮﺣﺪﺓ، ﻧﺴﻴﺮ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺮﺓ ﺁﻣﺮٍ ﻭﺍﺣﺪ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻤﻠﻚ ﺯﻣﺎﻡَ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻡ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ، ﻭﻟﻚ ﺣﻜﻤﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺤﻜﻤﺎﻥ ﺳﻴﻄﺮﺗَﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺧـلاﻳﺎ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺠﻮﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻧُﺴﺘﺨﺪَﻡ لإﻧﺠﺎﺯ ﻣﻬﻤﺎﺕٍ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻓﻬﺎﺗﻬﺎ. ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﺪﻋﻮﺍﻙ ﻣﻌﻨﻰ. ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﻗﻮﺓٍ ﻋﻤﻴﺎﺀ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔٍ ﺻﻤﺎﺀ، ﻓـلا ﺗﻘﺪِﺭُ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻨﺎ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺫﺭﺓ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺍﺩّﻋﺎﺀ ﺍﻟﺘﻤﻠّﻚ ﻋﻠﻴﻨﺎ؛ لأﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﺻﺎﺭﻡ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻜُﻤﻨﺎ ﺇلا ﻣﻦ ﻳﺮﻯ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻭﻳﺴﻤﻊُ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻭﻳﻌﻠﻢُ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻭﻳﻔﻌﻞُ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺀ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﺳﻜﺖ. ﺇﺫ لا ﺗﺪﻉُ ﻭﻇﺎﺋﻔُﻨﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔُ ﻭﺩﻗﺘُﻬﺎ ﻭﻧﻈﺎﻣُﻬﺎ ﻣﺠﺎلا ﻟﻨﺎ ﻟﻨﺴﻤﻊ ﻫﺬﺭَﻙ..» ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻄﺮﺩﻩ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔُ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ.

ﻭﻟﻤّﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺑﻐﻴﺘَﻪ ﻓﻴﻬﺎ. ﺫﻫﺐ ﻓﻘﺎﺑﻞ ﺧﻠﻴﺔً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ: «ﻟﻢ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃُﺳﻤﻊَ ﺩﻋﻮﺍﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﺭﺓ، ﻭلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ، ﻓﻠﻌﻠّﻲ ﺃﺟﺪ ﻣﻨﻚ ﺃﺫﻧﺎ ﺻﺎﻏﻴﺔ؛ لأﻧﻚ ﻟﺴﺖِ ﺇلا ﺣُﺠﻴﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺣﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ! ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﻌﻚ. ﻓﻜﻮﻧﻲ ﻣﺼﻨﻮﻋﺘﻲ ﻭﻣﻤﻠﻮﻛﺘﻲ ﺣﻘﺎ!»

ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ: «ﺇﻧﻨﻲ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺣﻘﺎ، ﻭﻟﻜﻦْ ﻟﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒُ ﺟﻠﻴﻠﺔٌ ﻭﺟﺴﻴﻤﺔ، ﻭﻟﻲ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻭﺭﻭﺍﺑﻂ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻭﺩﻗﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺧـلاﻳﺎ ﺍﻟﺠﺴﻢ. ﻓﻠﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻣﺘﻘﻨﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺷﺮﺍﻳﻴﻦ ﻭﺃﻭﺭﺩﺓ ﻭﺃﻋﺼﺎﺏ ﻣﺤﺮّﻛﺔ ﻭﺣﺴﻴﺔ، ﻭﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈّﻢ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﺎﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﻟّﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﺼﻮّﺭﺓ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻋﻠﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻨﺸﺊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﻭﺍلأﻋﺼﺎﺏ ﻭﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺩَﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺗﻨﺴّﻘﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﺨﺪﻣُﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺎﺗﻬﺎ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﺣﻜﻤﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺃﺧﻮﺍﺗﻲ ﻣﻦ ﺧـلاﻳﺎ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ، ﻓﻬﻴﺎ ﺃﻇﻬﺮﻫﺎ. ﺛﻢ ﺍﺩّﻉ ﺑﺄﻧﻚ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﻲ. ﻭﺇلا ﻓﺎﻏﺮﺏ ﻋﻨﺎ. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ ﺗﺰﻭﺩﻧﻲ ﺑﺎلأﺭﺯﺍﻕ، ﻭﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﺗﺪﺍﻓﻊ ﻋﻨﻲ ﺗﺠﺎﻩ ﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﻤﺔ. ﻓﻠﻲَ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺟﺴﺎﻡ، لا ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓﺈﻥّ ﻋﺎﺟﺰﺍ ﻗﺎﺻﺮﺍ ﺃﻋﻤﻰ ﻣﺜﻠَﻚ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖُّ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻨﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺃﺑﺪﺍ؛ لأﻥ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ (حاشية) ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﻭﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺟﺪﺍ. ﻓﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻠﻐﺮﺍﻑ ﻭﺍﻟﺘﻠﻔﻮﻥ، ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍلأﻧﺎﺑﻴﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ ﻓﻴﺴﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻡ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺍﻟﺪﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﻗﺴﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ، ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺘﻮﺯﻳﻊ ﺍلأﺭﺯﺍﻕ ﺇﻟﻰ ﺣﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺒﺪﻥ، ﻓﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺭﺯﺍﻗﻬﺎ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻮﻇﻔﻮ ﺍلأﺭﺯﺍﻕ ﻭﺗﺠّﺎﺭﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻮﺯﻳﻊ. ﻭﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلآﺧﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻗﻞ ﻋﺪﺩﺍ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻰ، ﻭﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﻣﺘﺨﺬﺓ ﻭﺿﻌﺎ ﺳﺮﻳﻌﺎ ﻋﺠﻴﺒﺎ ﺑﻨﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ -ﻛﺎﻟﻤﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﻱ- ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﺣﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ.. ﺃﻣﺎ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻠﻪ ﻭﻇﻴﻔﺘﺎﻥ ﻋﺎﻣﺘﺎﻥ: ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺗﻌﻤﻴﺮ ﺍﻟﺤﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻬﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺗﺮﻣﻴﻤﻬﺎ.. ﻭﺍلأﺧﺮﻯ: ﺗﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺑﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﻧﻘﺎﺽ ﺍﻟﺨـلاﻳﺎ.

 ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻗﺴﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﺃﻳﻀﺎ، ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺍﻟﺸﺮﺍﻳﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻨﻘﻞ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﺼﺎﻓﻲ ﻭﺗﻮﺯﻳﻌﻪ، ﻓﻬﻲ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻨﻘﻲ ﺍﻟﺼﺎﻓﻲ.. ﻭﺍلآﺧﺮ: ﻫﻮ ﻣﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ ﻭﺍلأﻧﻘﺎﺽ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺘﻨﻔﺲ.

 ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻋﻨﺼﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺍلآﺯﻭﺕ، ﻭﺍلآﺧﺮ: ﻣﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﻤﻮﺿﺔ (ﺍلأﻭﻛﺴﺠﻴﻦ) ﻓﻬﺬﺍ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳـلاﻣﺲ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﻨﻔﺲ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺬﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻮّﺙ ﺍﻟﺪﻡ ﻣﺤﻮلا ﺇﻳﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﺳﺎﻣﺔ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ «ﺣﺎﻣﺾ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ» (ﺛﻨﺎﺋﻲ ﺃﻭﻛﺴﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ) ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺘﻨﻘﻴﺔ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺗﺼﻔﻴﺘﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﻟﻠﺠﺴﻢ. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﻭﻫﺐ ﻟﻤﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﻤﻮﺿﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ ﻋـلاﻗﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ (ﺍلأﻟﻔﺔ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔ) ﺑﺤﻴﺚ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﻘﺘﺮﺑﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﺘﺰﺟﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻬﻲ، ﻓﺘﺘﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلاﻣﺘﺰﺍﺝ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻠﻤﺎ، ﺇﺫ ﺍلاﻣﺘﺰﺍﺝ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﺮﺍﻕ.

 ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ: ﺇﻥ ﻟﺬﺭﺍﺕ ﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻓﺄﺛﻨﺎﺀ ﺍلاﻣﺘﺰﺍﺝ، ﺗﻤﺘﺰﺝ ﺍﻟﺤﺮﻛﺘﺎﻥ ﻣﻌﺎ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﺍﻟﺬﺭﺗﺎﻥ ﺣﺮﻛﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺗﻈﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻌﻠﻘﺔ، ﺳﺎﺋﺒﺔ، ﻓﺘﻨﻄﻠﻖ، ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺣﺮﺍﺭﺓ. ﻭﻣﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻭﻣﻘﺮﺭ. ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ، ﻓﻜﻤﺎ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻣﺘﺰﺍﺝ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﻭﻱ، ﻳﺘﺼﻔﻰ ﺍﻟﺪﻡ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺴﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ.

 ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻨﻘﻲ ﺍﻟﺸﻬﻴﻖ ﻣﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﻳﺸﻌﻞ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺰﻓﻴﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺜﻤﺮ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻢ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﺤﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﻣﺎ ﻟﻮ ﻳﺤﻜﻤﻨﺎ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻟﻔﺴﺪ ﻧﻈﺎﻣُﻨﺎ ﻭﺍﻧﻔﺮﻁ ﻋﻘﺪُﻧﺎ».

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺌﺲ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎﺑﻞ ﺟﺴﻢَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻮﻥ، ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ: «ﺃﻧﺖ ﻣُﻠﻜﻲ. ﻓﺄﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻨﻌﺘُﻚ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ ﻟﻲ ﺣﻆ ﻓﻴﻚ!»

ﻓﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﻢُ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻴﻪ: «ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪﻋﻲ ﻋﻠﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ، ﻟﻮﺿﻊِ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻫﻨﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻃﺎﺑﻊُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺧﺘﻢُ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﺛﺮﻭﺓ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻭﺣﺎﻛﻤﻴﺔ ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﺯﻥ ﺃﺭﺯﺍﻗﻲ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﺣﻜﻤﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻭﻗﺪﺭﺓٌ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻤﻜّﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺭﻭﺡٍ ﻭﻗﻠﺐٍ ﻭﻋﻘﻞ ﻓﻲ ﺑﻮﺩﻗﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﺜﻠﻲ، ﻭﺗﺴﻴّﺮﻫﺎ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻓﺄﺭﻧﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﺍﺩّﻉ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻟﻲ، ﻭﺇلا ﻓﺎﺳﻜﺖ. ﻓﺈﻥ ﺻﺎﻧﻌﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺑﺼﻴﺮ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺑﺸﻬﺎﺩﺓِ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍلأﻛﻤﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻴّﺮﻧﻲ، ﻭﺑﺪلاﻟﺔِ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻲ، ﻓـلا ﻳﻘﺪﺭُ ﻋﺎﺟﺰ ﻭﺿﺎﻝ ﻣﺜﻠُﻚ ﺃﻥ ﻳﻤﺪّ ﺇﺻﺒﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺃﺑﺪﺍ ﻭلا ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧّﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺫﺭﺓ».

ﻓﺎﻧﺼﺮﻑ ﺩﺍﻋﻴﺔُ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻓﻘﺎﺑﻞَ ﻧﻮﻉَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺤﺎﻭﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﺋـلا: «ﺭﺑﻤﺎ ﺃﺟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻮﺿﻌﺎ، ﻓﺄﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻓﻄﺮﺗﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﺑﻀـلاﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺔ ﻭﺷﺆﻭﻧِﻬﻢ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﺟﺮﻱ ﺣُﻜﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺮﺩﻧﻲ ﻫﻮ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺧـلاﻳﺎ».

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺧﺎﻃﺐ ﻧﻮﻉَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻀﺎﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎ: «ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺒﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻓﻮﺿﻰ، ﻓـلا ﺃﺭﻯ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻳﻨﻈّﻤﻜﻢ، ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻜﻢ ﺭﺏ ﻭﻣﺎﻟﻚ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ ﻟﻲ ﺣﺼﺔ ﻓﻴﻜﻢ».

ﻓﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎلا ﻧﻮﻉُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ: «ﺇﻥ ﻛﻨﺖ -ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ- ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻗﺪﺭﺓً ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗُﻠﺒﺲ ﺍﻟﻜﺮﺓَ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺣﻠّﺔ ﻗﺸﻴﺒﺔً ﻣﻠﻮﻧﺔ ﺑﺄﻟﻮﺍﻥٍ ﺯﺍﻫﻴﺔ ﻣﻨﺴﻮﺟﺔٍ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺨﻴﻮﻁ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ، ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﻨﻮﻋﻨﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﻮﺳﻌِﻬﺎ ﻧﺴﺞُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺵ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻦ ﺧﻴﻮﻁ ﻣﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﺑﺪﻉ ﻧﻘﺶٍ ﻭﺃﺟﻤﻠِﻪ.. ﻭﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ، ﻭﺗﺠﺪّﺩﻩ ﺩﻭﻣﺎ ﻭﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ! ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﻬﺬﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﻛﺮﺓ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ، ﻭﺗﺪﺑِّﺮ ﺷﺆﻭﻥَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺤﻦ ﺑﺬﻭﺭُﻩ، ﻓﺘﺮﺳﻞَ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻟﻮﺍﺯﻡَ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻗﻄﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ.. ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ -ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ- ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻗﺘﺪﺍﺭ ﻳﺨﻠﻖ ﻋـلاﻣﺎﺕِ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴّﺰﺓ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻫﻨﺎ، ﻭﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﻟﻔﻴﻦ ﻭﺍلآﺗﻴﻦ.. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖَ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻚ ﺣﻖُّ ﺍﺩّﻋﺎﺀ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻲّ. ﻭﺇلا ﻓﺎﺧﺮﺱ! ﻭلا ﺗﻘﻞ ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﺧﺘـلاﻁ ﻭﺗﺸﺎﺑﻚ، ﺇﺫ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡُ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻤِّﻪ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺿﺎﻉُ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻨﻬﺎ ﻓﻮﺿﻰ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺥ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡُ ﺩﻗﻴﻘﺎ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺎﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﻳﺮﻓﺾ ﺃﻱَّ ﺗﺪﺧّﻞٍ ﻛﺎﻥ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟ ﺃﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﺧﺘـلاﻃﺎ ﻭﻓﻮﺿﻰ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺣﻜﻴﻤﺔ؟ ﺃﻓﻴﻤﻜﻦ ﻟﻠﺬﻱ ﻣﻜّﻦ ﺧﻴﻮﻁَ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ، ﻛﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ، ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﺟﺰﺀٍ ﻭﻃﺮﻑ ﻛﺎﻥ، ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮَ ﺻﺎﻧﻌِﻪ، ﻏﻴﺮَ ﺧﺎﻟﻘِﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﺧﺎﻟﻖُ ﺍﻟﻨﻮﺍﺓ ﻏﻴﺮَ ﺧﺎﻟﻖِ ﺛﻤﺮﺗِﻬﺎ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﺎﻟﻖُ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻏﻴﺮَ ﺧﺎﻟﻖ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ؟ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺃﻋﻤﻰ لا ﺗﺒﺼﺮ! ﺃلا ﺗﺮﻯ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕِ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻲ ﻭﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺗﻲ؟ ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﻄﻌﺖَ ﺃﻥ ﺗﺸﺎﻫﺪﻫﺎ، ﻓﺴﺘﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﺧﺎﻟﻘﻲ لا ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻭلا ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮ، ﻭلا ﻳﻌﺠﺰﻩ ﺷﻲﺀ، ﻳﺪﻳﺮ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﺑﻴُﺴﺮ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻭﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊَ ﺍﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺧﻠﻖ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﺭﺝ ﻓﻬﺮﺱَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻲ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﺩﻗﻴﻖ، ﺃﻓﻴﻤﻜﻦ ﻟﻌﺎﺟﺰٍ ﺃﻋﻤﻰ ﻣﺜﻠِﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺸﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ.. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﺳﻜﺖْ ﻭﺍﺻﺮﻑْ ﻭﺟﻬَﻚ ﻋﻨﻲ.. ﻓﻴﻤﻀﻰ ﻣﻄﺮﻭﺩﺍ.

ﺛﻢ ﻳﺬﻫﺐُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁ ﺍﻟﺰﺍﻫﻲ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺵ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺤُﻠّﺔ ﺍﻟﻘﺸﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺰﻳّﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺒﺴﺖ، ﻓﺨﺎﻃﺒَﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: «ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻚ، ﻓﺄﻧﺎ ﺇﺫﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻚ ﻭﻟﻲ ﺣﻆ ﻓﻴﻚ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ».

ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﻜﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺴﺎﻁُ ﺍﻟﻤﺰﺭﻛﺶ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻠﺔُ ﺍﻟﻘﺸﻴﺒﺔ (حاشية) ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺫﻭ ﺣﻴﻮﻳﺔ، ﻓﻬﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﺇﺫ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﻧﻘﻮﺷﻪ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺑﺤﻜﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﺗﻨﺎﺳﻖ ﺗﺎﻡ، ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻨﺴّﺎﺟﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻓﻲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻭﺧﺎﻃﺒﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺩَﻋﺔ ﻓﻴﻬﻤﺎ: «ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻭﺇﺗﻘﺎﻥ ﺑﺪﻳﻊ ﻳﺠﻌـلاﻧﻚ ﺗﻨﺴﺞ ﺟﻤﻴﻊَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒُﺴﻂ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺷﺔ ﻭﺍﻟﺤُﻠﻞ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻊُ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺛﻢ ﺗﻨﺰﻋﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﺗﺎﻡ ﻭﺗﻨﺸﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﺨﻴﻂ ﻣﺎ ﺗُﺨﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣُﻠﻞ ﺯﺍﻫﺮﺓ ﺑﻨﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺗﻔﺼّﻞ ﺗﺼﺎﻣﻴﻤَﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘَﺪﺭ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻴَﺪٍ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺫﺍﺕ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀٍ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺩﻣﺎﺭﻫﺎ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺍلأﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ، ﻓﺘﺠﺪّﺩ ﻭﺗﺒﺪّﻝ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻟُﺤﻤﺔ ﺑﺴﺎﻃﻲ ﻫﺬﺍ ﻭﺳﺪﺍﻩ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺯﻣﺎﻡ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺴﻨﺎ ﻭﺗﻜﺘﺴﻲ ﺑﻨﺎ ﻭﺗﺘﺴﺘﺮ.. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﺩّﻉ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻲَّ.. ﻭﺇلا ﻓﺎﺧﺮﺝ ﻣﺬﻣﻮﻣﺎ ﻣﺪﺣﻮﺭﺍ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ. ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻚ ﻣﻘﺎﻡ ﻫﻨﺎ؛ ﺇﺫ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﺃﺧﺘﺎﻡ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺮَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺷﺆﻭﻧِﻬﺎ ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺃﻣﻮﺭﺍ لا ﺗُﺤﺪ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺎﺿﺮﺍ ﻭﺭﻗﻴﺒﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻨﺰّﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ.. لا ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻨﺎ ﺃﺑﺪﺍ، ﺑﻞ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﺃﻱ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻘﺪﺭﺓٍ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔٍ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻋﻠﻢ ﻣﻄﻠﻖ، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻨﺎ ﻭﻳﺪَّﻋﻲ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔَ ﻋﻠﻴﻨﺎ».

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ ﻧﻔﺴَﻪ: «لأﺫﻫﺐْ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻋﻠَّﻨﻲ ﺃﺳﺘﻐﻔﻠُﻬﺎ ﻭﺃﺟﺪُ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﺿﻌﺎ..» ﻓﺘﻮﺟَّﻪَ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺎﺋـلا ﻟﻬﺎ (حاشية) ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺗﺤﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻤﺮﺍﺀ، ﻭﻫﺬﻩ ﺗﺤﻴﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻭﺍﻟﺠﺴﻢ ﻳﺤﻴﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻠّﺔ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻠﺒﺴﻬﺎ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺗﺤﻴﻠﻪ ﺣﻠّﺔ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﻫﺬﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ: ﺍﻧﺼﺮﻑ ﻋﻨّﺎ.. ﻓﻠﻮ ﺍﺳﺘﻄﻌﺖ ﺃﻥ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻓﻮﻗﻲ ﻓﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻲّ، ﻭﺇلا ﻓﺄﻧﺖ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ ﻋﻠﻲّ. ﻓﺈﺫﻥ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﻔﺬ ﺃﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﺎﻓﺔ لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﺬﻩ ﻋﻠﻰ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﺑﺎﺳﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ: «ﺇﻥّ ﺩﻭﺭﺍﻧﻚِ ﻫﻜﺬﺍ ﺩﻭﻥ ﻗﺼﺪ ﻳﺸﻒُّ ﻋﻦ ﺃﻧّﻚ ﺳﺎﺋﺒﺔ ﺩﻭﻥ ﻣﺎﻟﻚ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻃﻮﻉَ ﺃﻣﺮﻱ!»

ﻓﺮﺩَّﺕْ ﻋﻠﻴﻪ ﺍلأﺭﺽُ ﺑﺼﻴﺤﺔ ﻛﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ﻣﻨﻜﺮﺓً ﺩﻋﻮﺍﻩ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻀﻤَﺮﺓ ﻓﻴﻬﺎ: «لا ﺗﻬﺬﺭْ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلأﺣﻤﻖ ﺍلأﺑﻠﻪ!. ﻛﻴﻒ ﺃﻛﻮﻥ ﻫﻤـلا ﺑـلا ﻣﺎﻟﻚ ﻭﻣﻮﻟﻰ! ﻓﻬﻞ ﺭﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﺛﻮﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﺒﺴُﻪ ﺧﻴﻄﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻓﻘﻂ ﻧﺸﺎﺯﺍ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻜﻤﺔٍ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺗﻘﺎﻥ! ﺣﺘﻰ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥّ ﺣﺒﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﺭﺑﻲ ﻭﺃﻧﻨﻲ ﺑـلا ﻣﻮﻟﻰ ﻭلا ﻣﺎﻟﻚ؟ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺎﺗﻲ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺣﺮﻛﺘﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﻳﺔ (حاشية) ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺎﺋﺔ ﻭﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮﺍ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ ﺧﻤﺲ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ. ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔَ ﺧﻤﺲٍ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔٍ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ، ﻣﻨﺠِﺰﺓً ﻭﻇﺎﺋﻔﻲ ﺍﻟﻤُﻠْﻘﺎﺓ ﻋﻠﻲَّ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻓﺘُﺴﻴّﺮ ﻭﺗُﺠﺮﻱ ﻣﻌﻲ ﺭﻓﻘﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺃﻓـلاﻛﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﺗﺨﻠﻖُ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻗﺎﺋﺪُﻧﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣُﻨﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻨﺎ ﻭﺇﻳﺎﻫﺎ ﺟﺎﺫﺑﺔُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﺘﺪﻳﺮُﻧﺎ ﻭﺗﺠﺮﻱ ﺑﻨﺎ ﺃﻧﺎ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﺗﺎﻡ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﻧﻌﻢ، ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺠﺴﺎﻡ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻫﺎ ﻓﺎﺩّﻉ ﺑﺪﻋﻮﺍﻙ. ﻭﺇلا ﻓﺎﺗﺮﻙْ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺬﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻔﺮﻁ، ﻭﺳُﺤﻘﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻭﺑﺌﺲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ، ﻓـلا ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﻬﻤﺎﺗﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ. ﺇﺫ ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻓﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺴﺨﻴﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﺪﻝ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﻃﻮﻉَ ﺃﻣﺮ ﺻﺎﻧﻌﻨﺎ ﻭﻣﺴﺨّﺮﺓ ﻟﻪ. ﺇﺫ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻨﻈّﻢ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓَ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺰّﻳﻦ ﺛﻤﺮﺍﺗِﻬﺎ ﻓﺈﻧّﻪ ﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﻨﻈّﻢ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﺴﻴﺎﺭﺍﺗﻬﺎ. ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺫﻭ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ».

ﺛﻢ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﻣﻮﺿﻊَ ﻗﺪﻡ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﻓَﺤَﺎﻭﺭَ ﻧﻔﺴَﻪ ﻗﺎﺋـلا: «ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺷﻲﺀ ﻋﻈﻴﻢ، ﻟﻌﻠّﻲ ﺃﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻐﺮﺓً ﺃﻣﺮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺩﻋﻮﺍﻱ ﻭﺃﺳﺨّﺮ ﺑﺪﻭﺭﻱ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺬﻟﻚ».

ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺃﺿﺎﻟﻴﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺍﻟﻤﺠﻮﺱ: «ﺃﻧﺖِ ﻳﺎ ﺷﻤﺲُ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺃﻧﺖ ﺣﺘﻤﺎ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﻨﻔﺴﻚ، ﻭﺗﺘﺼﺮﻓﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻴﻒ ﺗﺸﺎﺋﻴﻦ».

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ ﺇﺟﺎﺑَﺘﻪ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ: «ﻛـلا ﻭﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﻛـلا.. ﺑﻞ ﻟﺴﺖُ ﺇلا ﻣﺄﻣﻮﺭﺓً ﻣﻄﻴﻌﺔ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔِ ﺗﻨﻮﻳﺮ ﻣﺴﺘﻀﺎﻑ ﺳﻴﺪﻱ. ﻓﻠﺴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺃﺑﺪﺍ ﺑﻞ ﻟﺴﺖُ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﺣﺘﻰ ﻟﺠﻨﺎﺡ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﻣُﻠﻜﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ، لأﻥ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، ﻛﺎﻟﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺫﻥ ﻭﻣﻦ ﺑﺪﺍﺋﻊ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻣﺎ لا ﺃﻣﻠﻜﻪ ﻗﻂ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﻃﻮﻗـي» ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻮﺑّﺦ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ.

ﻓﻴﻨﺒﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻗﺎﺋـلا ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻐﻄﺮﺳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻋﻨﺔ: «ﻣﺎ ﺩﻣﺖِ ﻟﺴﺖِ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﻨﻔﺴﻚ، ﺑﻞ ﺧﺎﺩﻣﺔ، ﻓﺈﺫﻥ ﺃﻧﺖ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻟﻲ ﻭﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮﻓﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ».

ﻓﺮﺩّﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﺭﺩﺍ ﻗﻮﻳﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻗﺎﺋﻠﺔ: «ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔً ﻟﻤﻦ ﺧﻠﻖ ﻧﺠﻮﻣﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ، ﻭﺃﺳﻜﻨَﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺋﻪ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺣﻜﻤﺔ، ﻭﺃﺩﺍﺭﻫﺎ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﻫﻴﺒﺔ، ﻭﺯﻳّﻨﻬﺎ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺯﻳﻨﺔ».

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺑﺪﺃ ﻳﺤﺪّﺙ ﻧﻔﺴَﻪ: «ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﻣﺰﺩﺣﻤﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﺸﺘَّﺘﺔ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﺓ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ، ﻓﻠﻌﻠّﻲ ﺃﺟﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﺿﻌﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﻮﻛﻠﻲ ﻓﺄﻇﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺸﻲﺀ.. ﻓﻴﺪﺧﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ».

ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺼﺎﺑﺌﺔ ﻋُﺒّﺎﺩ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺷﺮﻛﺎﺋﻪ ﻭﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ: «ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ! ﺇﻥّ ﺣُﻜﺎﻣﺎ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﺘﺤﻜﻤﻮﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﻟﺸﺪﺓ ﺗﺸﺘﺘﻜﻢ ﻭﺗﺒﻌﺜﺮﻛﻢ».

ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﻧﺠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ: ﻣﺎ ﺃﺷﺪَّ ﺑـلاﻫﺘَﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﺍلأﺣﻤﻖ. ﺃلا ﺗﺮﻯ ﻋـلاﻣﺔَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﻃﻐﺮﺍﺀ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻨﺎ، ﺃلا ﺗﻔﻬﻤﻬﺎ؟. ﺃلا ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻈﻤﺘﻨﺎ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦَ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﺭﻣﺔ؟ ﺃﺗﻈﻨﻨﺎ ﺑـلا ﻧﻈﺎﻡ؟

ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﻮﻥ ﻋﺒﻴﺪﺍ ﻟﻮﺍﺣﺪٍ ﺃﺣﺪٍ ﻳﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺃﻣﻮﺭَﻧﺎ ﻭﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺤﺮُﻧﺎ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺷﺠﺮﺗُﻨﺎ، ﻭﻓﻀﺎﺀَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺴﻴﺮُﻧﺎ. ﻓﻨﺤﻦ ﺷﻮﺍﻫﺪُ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻛﺎﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺕ ﻧﺒﻴّﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻧﺤﻦ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦُ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻧﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻜﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﺎ ﺧَﺪَﻣَﺔ ﻋﺎﻣﻠﻮﻥ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻧﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ، ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﺳﻔﻠﻴﺔ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻨﺎ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ.. ﻭﺛﻤﺮﺓ ﻳﺎﻧﻌﺔ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ.. ﻭﺑﺮﻫﺎﻥ ﻣﻨﻮﺭ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ.. ﻓﻨﺤﻦ ﻟﻠﻤـلاﺋﻜﺔ ﻣﻨﺰﻝ ﻭﻃﺎﺋﺮﺓ ﻭﻣﺴﺠﺪ.. ﻭﻟﻠﻌﻮﺍﻟِﻢ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻭﺷﻤﺲ.. ﻭﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺷﺎﻫﺪ.. ﻭﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻗﺼﺮِﻩ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺯﻫﺮﺓ.. ﻭﻛﺄﻧﻨﺎ ﺃﺳﻤﺎﻙ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺗﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ.. ﻭﻋﻴﻦ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ. (حاشية) ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﻭ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺸﻴﺮﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺑﻞ ﻧﺠﻌﻞ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻬﺎ ﺑﺈﻋﺠﺎﺏ.. ﺃﻱ ﻛﺄﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻥ.. ﻓﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﻤـلاﺋﻜﺔ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺤﺸﺮ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺐ، ﻭﻣﻌﺮﺽ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺐ، ﺑﻞ ﺗﺴﺘﻘﻄﺐ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻛـلا ﻣﻨّﺎ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻨﺎ ﺳﻜﻮﺗﺎ ﻓﻲ ﺳﻜﻮﻥ.. ﻭﺣﺮﻛﺔً ﻓﻲ ﺣﻜﻤﺔ.. ﻭﺯﻳﻨﺔً ﻓﻲ ﻫﻴﺒﺔ.. ﻭﺍﺳﺘﻮﺍﺀَ ﺧﻠﻘﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ.. ﻭﺇﺗﻘﺎﻥَ ﺻﻨﻌﺔٍ ﻓﻲ ﻣﻮﺯﻭﻧﻴﺔ. ﻟﻬﺬﺍ ﻧﺸﻬﺪ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺻﺎﻧﻌﻨﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺑﺄﺣﺪﻳﺘﻪ ﻭﺻﻤﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﻭﺟـلاﻟﻪ ﻭﻧُﻌﻠﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﻬﺎﺩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ.. ﺃﻓَﺒﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺘﻬﻤﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺨَّﺮﻭﻥ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻓﻮﺿﻰ ﻭﺍﺧﺘـلاﻁ ﻭﻋﺒﺚ، ﺑﻞ ﺑـلا ﻣﻮﻟﻰ ﻭﻣﺎﻟﻚ؟ ﻓﺈﻧﻚ لا ﺷﻚ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺘﺄﺩﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﻬﺎﻣﻚ ﻫﺬﺍ.. ﻓﺘﺮﺟُﻢ ﻧﺠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺪَّﻋﻲ ﻓﺘﻄﺮﺣُﻪ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﻗﻌﺮ ﺟﻬﻨﻢَ ﻭﺑﺌﺲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ. ﻭﺗﻘﺬﻑُ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔَ ﻭﻣﺪّﻋﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺩﻱ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ (حاشية) ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻫﻮﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔُ ﻧﺪﻣﺖ ﻋﻤّﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺘﺎﺑﺖ، ﻭﻋﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝُ ﻭﺍلاﻧﻔﻌﺎﻝ، لا ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻓﻬﻲ ﻛﺪﻓﺘﺮ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺩﻓﺘﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺒﺪﻳﻞ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ. ﻭﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻟﻠﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ. ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ.. ﻓﻘﺒﻠﺖ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔُ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔُ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ، ﻭﺗﺴﻤّﺖ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ. ﻭﺗﻠﻘﻲ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔَ ﺇﻟﻰ ﺑﺌﺮ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀَ ﺇﻟﻰ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍلاﻣﺘﻨﺎﻉ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔَ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ.

ﻓﺘﺮﺗّﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺠﻤﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:٢٢) ﻣﻌﻠﻨﺔ ﺃﻥ لا ﻣﺠﺎﻝ ﻟﺸﺮﻳﻚ ﻗﻂ ﻭلا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﺷﻲﺀ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ.

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻴِّﺪِﻧَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺳِﺮَﺍﺝ ﻭَﺣﺪَﺗِﻚَ ﻓِﻲ ﻛَﺜﺮَﺓِ ﻣَﺨْﻠُﻮﻗَﺎﺗِﻚَ ﻭَﺩَلاﻝ ﻭَﺣﺪَﺍﻧِﻴَّﺘِﻚَ ﻓِﻲ ﻣَﺸﻬَﺮِ ﻛَﺎﺋِﻨَﺎﺗِﻚَ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺻَﺤْﺒِﻪِ ﺍَﺟْﻤَﻌِﻴﻦَ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ

   ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ

      تـﻧﺒﻴﻪ:

   ﺇﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﻮﻝِ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﺭﻛﺎﻧﻪ، ﻓﻬﻲ ﻧﻮﺭ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﺿﻮﺀﻩ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻓـلا ﺗُﻘﺎﻡ ﺍﻟﺤﺠﺞُ لإﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻟﻠﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮﻳﻦ لأﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﺑﻞ لا ﻳُﺬﻛَﺮ ﺃﺻـلا ﻟﻤﻦ لا ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﻭلا ﻳﺼﺪِّﻕ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺃﻭ ﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﺇلا ﺑﻌﺪ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﻣُﻘَﺪﻣﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﺳﻨﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦَ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻭَﺭَﺗْﻪ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙُ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡُ ﻓﺎﺳﺘﺒﻌﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝَ، ﻣﻮﺿﻊَ ﺧﻄﺎﺑﻨﺎ، ﻓﻨﺒﻴّﻦ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪﻩ ﻭﻳﺸﻔﻴﻪ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﻧﻠﺤﻆُ ﺑﻴﻦ ﺁﻭﻧﺔٍ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺮﻗّﺐ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉ ﻭﻧﺴﺮﺩ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪﻩ.

   ﻭﻟﻘﺪ ﺫُﻛِﺮَﺕ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﺎﺳﺘﻤﺪﺩﻧﺎ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔَ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ -ﻣﻊ ﺇﺻﺮﺍﺭ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﺣﺒﺔ- ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ ﻭﺭﺑﻄﻬﺎ ﻣﻊ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ ﻟﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﺮﺁﺓً ﺗﻌﻜﺲ ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:١)

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (ﺍﻟﻨﺠﻢ:4-18)

ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟـلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﺪﺭﺓ، ﺭﻣﺰَﻳﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻓﻘﻂ، ﻭﻫﻤﺎ ﺭﻣﺰﺍﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺑـلاﻏﻲ ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮ ﴿ﺇﻧَّﻪُ﴾ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌـلاﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﻤﺴﺄﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ، ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻨّﺎﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ  ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ .

ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳُﺨﺘِﻢ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺃﻋـلاﻩ ﺑـ ﴿ﺇﻧَّﻪُ ﻫُﻮَ ﺍﻟﺴَّﻤِﻴْﻊُ ﺍﻟﺒَﺼِﻴﺮُ﴾ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﺫﻛﺮﻩ ﺇﺳﺮﺍﺀ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍلأﻗﺼﻰ، ﻭﻣﻨﺘﻬﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﻮﺭﺓُ ﺍﻟﻨﺠﻢ.

ﻓﺎﻟﻀﻤﻴﺮُ ﻓﻲ ﴿ﺇﻧَّﻪُ﴾ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم.

ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻓﺈﻥ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺗﻔﻴﺪﺍﻥ، ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺳَﻤِﻊ ﻭﺷﺎﻫَﺪَ ﻛﻞَّ ﻣﺎ لاﻗﻰ ﺑَﺼَﺮُﻩ ﻭﺳﻤﻌُﻪ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺑﺪﺍﺋﻊِ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﺭﺗﻘﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺘﻬﻰ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻗﺎﺏَ ﻗﻮﺳﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺩﻧﻰ. ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻣﻔﺘﺎﺡٍ ﻟﺴﻴﺎﺣﺔٍ ﻛﻠّﻴﺔٍ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻫﻜﺬﺍ: ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺩﻋﺎ ﻋﺒﺪَﻩ ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻭﺍﻟﻤﺜﻮﻝِ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻟﻴﻨﻴﻂَ ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺔً ﻭﻳﻜﻠّﻔﻪ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻓﺄﺳﺮﻱَ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍلأﻗﺼﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺠﻤﻊُ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﺑﻌﺪ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﺍﻟﻮﺍﺭﺙُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ لأﺻﻮﻝ ﺃﺩﻳﺎﻥِ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ. ﺳَﻴَّﺮﻩ ﻓﻲ ﺟﻮﻟﺔٍ ﺿﻤﻦ ﻣُﻠﻜﻪ ﻭﺳﻴﺎﺣﺔٍ ﺿﻤﻦ ﻣﻠﻜﻮﺗﻪ، ﺣﺘﻰ ﺃﺑﻠَﻐﻪ ﺳﺪﺭﺓَ ﺍﻟﻤﻨﺘﻬﻰ ﻓﻜﺎﻥ ﻗﺎﺏ ﻗﻮﺳﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺩﻧﻰ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺮ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﺍﺟﺎ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻋُﺮِﺝ ﺑﻪ ﻋﺒﺪ، ﺇلا ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﻣﺎﻧﺔً ﻋﻈﻴﻤﺔً ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﻣﻌﻪ ﻧﻮﺭ ﻣﺒﻴﻦ ﻳُﻨﻴﺮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻳﺒﺪّﻝ ﻣﻌﻨﻰ ﻣـلاﻣِﺤَﻬﺎ ﻭﻳﺼﺒﻐﻬﺎ ﺑﺼﺒﻐﺘﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻪ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ.

ﻓـلأﺟﻞ ﻛﻞّ ﻫﺬﺍ ﻳﺼﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﻔﺴَﻪ ﺑـ ﴿ﺇﻧَّﻪُ ﻫُﻮَ ﺍﻟﺴَّﻤِﻴْﻊُ ﺍﻟﺒَﺼِﻴﺮُ﴾ ﻛﻲ ﻳُﻈﻬِﺮ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ، ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺸﻤﻞ ﻋﻤﻮﻡَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﻳﻌﻢّ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻜﻮﻥ ﺃﺟﻤﻊ.

ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺳﺲ:

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﻣﺎ ﺳﺮُّ ﻟﺰﻭﻡ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ؟ ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﻣﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ؟ ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔُ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ؟ ﺭﺍﺑﻌﻬﺎ: ﻣﺎ ﺛﻤﺮﺍﺕُ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻩ؟

   ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍلأﻭﻝ

   ﺳﺮُّ ﻟﺰﻭﻡ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺿﺮﻭﺭﺗﻪ

    ﻳُﻘﺎﻝ ﻣﺜـلا: ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀٍ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀٍ، ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺺُّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ﻕ:16) ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻛﻞُّ ﻭﻟﻲّ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺭﺑَّﻪ ﻭﻳﻨﺎﺟﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ… ﻓﻠِﻢَ ﻳﻮﻓَّﻖ ﻛﻞُّ ﻭﻟﻲٍّ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻮلاﻳﺔُ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﺗُﻮﻓّﻖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﻴﺮٍ ﻣﺪﻳﺪ ﻭﺳﻴﺎﺣﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﺍﺝ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻘﺮّﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮَّ ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺑﺬﻛﺮِ ﻣﺜﺎﻟَﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ، ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ، ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺬﻛﻮﺭﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻟﺪﻯ ﺑﻴﺎﻥ ﺳﺮّ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ.

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻧﻮﻋَﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ، ﻭﻃﺮﺍﺯﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻭﺍﻟﻜـلاﻡ ﻭﺍﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍلاﻟﺘﻔﺎﺕ.

ﺍلأﻭﻝ: ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻫﺎﺗﻒٍ ﺧﺎﺹ، ﻣﻊ ﺃﺣﺪ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﻓﻲ ﺃﻣﺮٍ ﺟﺰﺋﻲ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻪ.

ﻭﺍلآﺧﺮ: ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻭﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ؛ ﺑﺄﻣﺮٍ ﺭﻓﻴﻊ ﻛﺮﻳﻢ ﻳُﻈﻬﺮ ﻋﻈﻤﺘَﻪ ﻭﻳﺒﻴّﻦ ﻫﻴﺒﺘَﻪ، ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺸﺮَ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ. ﻓﻬﻲ ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ ﻣﺒﻌﻮﺛﻴﻪ ﻣﻤّﻦ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﺃﻭ ﻣﻊ ﺃﺣﺪِ ﻛﺒﺎﺭ ﻣﻮﻇﻔﻴﻪ ﻣﻤﻦ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺈﻥ ﺧـلاﻕ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺎﻟﻚَ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢَ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻟﻪ ﻃﺮﺍﺯﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍلاﻟﺘﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻜﺮﻳﻢ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺟﺰﺋﻲ ﻭﺧﺎﺹ ﻭﺍلآﺧﺮ: ﻛﻠّﻲ ﻭﻋﺎﻡ.

ﻓﺎﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﻣﻈﻬﺮ ﺭﻓﻴﻊ ﺳﺎﻡٍ ﻟﻠﻮلاﻳﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻇﻬﺮَ ﺑﻜﻠﻴﺔٍ ﺗﻔﻮﻕُ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻮلاﻳﺎﺕ ﻭﺑﺮﻓﻌﺔٍ ﻭﻋﻠﻮٍ ﻳﺴﻤﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ؛ ﺇﺫ ﺇﻧﻪ ﺗﺸﺮّﻑ ﺑﻤﻜﺎﻟﻤﺔِ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﻨﺎﺟﺎﺗِﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺑﻌﻨﻮﺍﻥِ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ.

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺭﺟﻞ ﻳُﻤﺴﻚ ﻣﺮﺁﺓً ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻓﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺗﻠﺘﻘﻂ، ﺣﺴﺐ ﺳَﻌَﺘﻬﺎ، ﻧﻮﺭﺍ ﻭﺿﻴﺎﺀً ﻳﺤﻤﻞ ﺍلأﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺫﺍ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﻳُﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻭﺟّﻬﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻣَﺸﺘﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻘّﻒ، ﺑﻴﺪَ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻜﺴﻪ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻋِﻈَﻢ ﺍﻟﺸﻤﺲ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺭﺟﻞ ﺁﺧﺮ ﻳَﺪَﻉ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓَ، ﻭﻳﺠﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻫﻴﺒﺘَﻬﺎ ﻭﻳُﺪﺭﻙ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ، ﺛﻢ ﻳﺼﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ ﻋﺎﻝ ﺟﺪﺍ ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺷﻌﺸﻌﺔ ﺳﻠﻄﺎﻧِﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ، ﻭﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ. ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻣﺸﺘﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﻘّﻒ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻧﻮﺍﻓﺬَ ﻭﺍﺳﻌﺔً ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻓﻴُﺠﺮﻱ ﺣﻮﺍﺭﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻳﻨﺎﺟﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﺆﻧﺴﺔ ﺍﻟﻤﻜﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍلاﻣﺘﻨﺎﻥ، ﻭﻳﻨﺎﺟﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻗﺎﺋـلا: «ﺇﻳﻪِ ﻳﺎ ﺷﻤﺲُ! ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻌﺖِ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺵ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ! ﻳﺎ ﻟﻄﻴﻔﺔَ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺯﻫﺮﺍﺀﻫﺎ! ﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﺿﻔَﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻬﺠﺔً ﻭﻧﻮﺭﺍ ﻭﻣﻨﺤﺖِ ﺍلأﺯﻫﺎﺭَ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺔً ﻭﺳﺮﻭﺭﺍ! ﻟﻘﺪ ﻣﻨﺤﺖِ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻣﻌﺎ ﻟﺒﻴﺘﻲ ﻭﻣﺸﺘﻠﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﻭﻫﺒﺖِ ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺪﻑﺀ ﻟـلأﺭﺽ»  ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺻﺎﺣﺐُ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﺟﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻭﻳﺤﺎﻭﺭَﻫﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺓ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﺁﺛﺎﺭ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﺑﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻗﻴﻮﺩِﻫﺎ، ﻭﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺑِﻬﺎ ﻟﻠﻀﻮﺀ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳَﻈﻬﺮ ﺗﺠﻠﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ، ﻭﻫﻮ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺳﻠﻄﺎﻥُ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺼﻮﺭﺗﻴﻦ، ﺗﺘﻀﻤﻨﺎﻥ ﻣﺮﺍﺗﺐَ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ.

ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻇﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺮﺑﺎﻁ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﻭﺍﻧﺘﺴﺎﺏٍ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻟﻜﻞِّ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺣﻈﻮﺓ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﻭﻟﻪ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﻭﻣﻨﺎﺟﺎﺓ ﻣﻌﻪ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰﺋﻴﺔً ﺃﻡ ﻛﻠﻴﺔً، ﺣﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻭﻭﻓﻖَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻩ ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ ﻟﺪﻯ ﻃﻴِّﻪ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ. ﻓﺪﺭﺟﺎﺕُ ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻠﻮلاﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺋﺮﺓ ﻓﻲ ﻇـلاﻝ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﻣﺮﺍﺗﺒﻬﺎ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ.

ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺗﺠﻞٍ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ لأﺳﻤﻰ ﻓﺮﺩٍ ﻓﻲ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺃﻓﻀﻠِﻬﻢ ﻃﺮﺍ، ﺗﺠﻠﻴﺎ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﻭﺑﺄﻋﻈﻢ ﻣﺮﺗﺒﺔٍ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ؛ ﻟﻜﻮﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﺎﻓﺔ ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓِ ﺭﻭﺣِﻪ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﺃﻧﻮﺭُ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺷﺠﺮﺓِ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺃﺟﻤﻌُﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ.

ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻫﻮ ﺳﺮُّ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍلأﺣﻤﺪﻱ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻭلاﻳﺘُﻪ ﻣﺒﺪﺃً ﻟﺮﺳﺎﻟﺘﻪ. ﺍﻟﻮلاﻳﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻞ ﻭﺗﻤﻀﻲ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍلأﻭﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻇﻞَّ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً، ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝُ ﻓـلأﻧﻪ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﻟﻠﻮلاﻳﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻭﻣﺮﺗﺒﺘُﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻓﻘﺪ ﺍﺭﺗﻘﺖ ﻭﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

ﻓﺒﺎﻃﻦُ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﻭلاﻳﺔ؛ ﺇﺫ ﻗﺪ ﻋﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺨَﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻭﻇﺎﻫﺮُ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺭﺳﺎﻟﺔ؛ ﺇﺫ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨَﻠﻖ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ. ﻓﺎﻟﻮلاﻳﺔُ ﺳﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻘﺮﺏِ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻫﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﻣﺎﻥٍ ﻭﺇﻟﻰ ﻃﻲّ ﻣﺮﺍﺗﺐَ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻋﻈﻢُ ﻧﻮﺭ، ﻓﻬﻲ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺳﺮ ﺍلأﻗﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ؛ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻜﻔﻴﻪ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻭﺁﻥ ﺳﻴّﺎﻝ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻭﺭﺩَ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﺃﻧﻪ ﺭﺟﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ.

ﻭﺍلآﻥ ﻧﻮﺟّﻪ ﻛـلاﻣَﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪ ﺍﻟﺠﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉ، ﻓﻨﻘﻮﻝ: ﻣﺎﺩﺍﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﺷﺒﻴﻬﺎ ﺑﻤﻤﻠﻜﺔٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻭﺑﻤﺪﻳﻨﺔٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ، ﻭﺑﻘﺼﺮٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻟﻪ ﺣﺎﻛﻤﺎ، ﻣﺎﻟﻜﺎ، ﺻﺎﻧﻌﺎ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚَ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺫﻭ ﻧﻈﺮٍ ﻛﻠّﻲ ﻭﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺤﻮﺍﺳِﻪ ﻭﻣﺸﺎﻋِﺮﻩ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺼﺮ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ، ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻣﻌﻪ ﺧﻄﺎﺏ ﻗﺪﺳﻲ ﻭﺗﻮﺟّﻪ ﻋﻠﻮﻱ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍلأﻣﻴﻦ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺃﻇﻬﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌـلاﻗﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦ ﺗﺸﺮّﻓﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﺑﺄﻋﻈﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﺃﺟـلاﻫﺎ، ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺁﺛﺎﺭﻩ، ﺃﻱ ﺑﺤﺎﻛﻤﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﺓ ﻭﺧُﻤﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻭﺗﺒﺪﻳﻠﻪ ﺍﻟﻤـلاﻣﺢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﻩ ﻟﻬﺎ.. ﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﺃﻟﻴَﻖُ ﻭﺃﺟﺪﺭُ ﻣَﻦ ﻳﺘﺸﺮﻑ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺃﻋﻈﻢَ ﻣﺮﺗﺒﺔٍ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌـلاﻗﺔ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔﺖْ ﻋﻦ ﻟﻐﺰ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻃﻠﺴﻤﻪ

ﻭﺣﻠّﺖ ﺳﺮﺍ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ

   ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ

   ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ‹‹أنا›› ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ

  ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ‹‹ﺍﻟﺬﺭﺓ›› ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ

    ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺼﺪﻳﻦ:

ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ: ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ‹‹أنا›› ﻭﻧﺘﺎﺋﺠِﻬﺎ.

ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ‹‹ﺍﻟﺬﺭﺓ›› ﻭﻭﻇﺎﺋﻔِﻬﺎ.

   ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾(ﺍلأﺣﺰﺍﺏ:72)

ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺳﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﻫﺮﺓٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺟﻮﺍﻫﺮﻫﺎ، ﻭﻫﻲ: ﺃﻥّ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺑَﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕُ ﻭﺍلأﺭﺽُ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝُ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻠﻨَﻬﺎ، ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﻥٍ ﻋﺪﺓ، ﻭﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﻩ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻓﻤﻌﻨﻰً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﻭﺟﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﻫﻮ: ‹‹أنا››.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ‹‹أنا›› ﺑﺬﺭﺓ، ﻧﺸﺄﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺠﺮﺓُ ﻃُﻮﺑﻰ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺷﺠﺮﺓُ ﺯﻗﻮﻡ ﺭﻫﻴﺒﺔ، ﺗﻤﺪّﺍﻥ ﺃﻏﺼﺎﻧَﻬﻤﺎ ﻭﺗﻨﺸﺮﺍﻥ ﻓﺮﻭﻋَﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ.

ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻧﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻧﺒﻴّﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ «ﻣﻘﺪﻣﺔ» ﺗﻴﺴِّﺮ ﻓﻬﻤَﻬﺎ.

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﺇﻥّ ‹‹أنا›› ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻜﻨﻮﺯ ﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﻣﻐﺎﻟﻴﻖَ ﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ ﻃﻠﺴﻢ ﻋﺠﻴﺐ، ﻭﻣﻌﻤﻰً ﻏﺮﻳﺐ. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ ‹‹أنا›› ﻳﻨﺤَﻞّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻠﺴﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻭﻳﻨﻜﺸﻒ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻤﻰ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ، ﻭﻳﻨﻔﺘﺢ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻟﻐﺰُ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻛﻨﻮﺯُ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ.

ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺺّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺷﻤﺔ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﻢ ﻫﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ» ﻛﺎلأﺗﻲ:

«ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺑﻴﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ. ﻓﺎﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻔﺘّﺤﺔُ ﺍلأﺑﻮﺍﺏ ﻇﺎﻫﺮﺍ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻨﻐﻠﻘﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔً. ﻓﺎﻟﺤﻖُّ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻭﺩَﻉ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﻛﻞَّ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻃﻠﺴﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﻨﻮﺯَ ﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﻟﺨـلاﻕ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ ﻫﻮ، ﻣﺎ ﻓﻴﻚ ﻣﻦ ‹‹أنا››. ﺇلا ﺃﻥ ‹‹أنا›› ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻌﻤﻰً ﻣﻐﻠﻖ ﻭﻃﻠﺴﻢ ﻣﻨﻐﻠﻖ. ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺘﺤﺖَ ‹‹أنا›› ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎﻫﻴﺘِﻪ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ ﻭﺳﺮِ ﺧﻠﻘﺘﻪ، ﺍﻧﻔﺘﺢ ﻟﻚ ﻃﻠﺴﻢُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﺎلآﺗﻲ»:

ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ ﻭﺿﻊَ ﺑﻴﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻣﺎﻧﺔً ﻫﻲ: ‹‹أنا›› ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻭﻧﻤﺎﺫﺝَ ﻳﺴﺘﺪﻝّ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖِ ﺃﻭﺻﺎﻑِ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺷﺆﻭﻧِﻬﺎ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﺃﻱ ﻳﻜﻮﻥ ‹‹أنا›› ﻭﺣﺪﺓً ﻗﻴﺎﺳﻴﺔً ﺗُﻌﺮَﻑ ﺑﻬﺎ ﺃﻭﺻﺎﻑُ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﺷﺆﻭﻥُ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻘﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﻛَّﺐ ﻭﺣﺪﺓ ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺽ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻛﺎﻟﺨﻄﻮﻁِ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔ. ﺃﻱ لا ﻳﻠﺰﻡ ﻟـ‹‹أنا›› ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻟِﻢَ ﺍﺭﺗﺒﻄﺖْ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ «ﺑﺄﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺍلإﻧﺴﺎﻥ؟ (حاشية) ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍلاﺷﺘﻘﺎﻕ ﻣﻦ ‹‹أنا››.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻂ، لا ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺣﺪﻭﺩ ﻭلاﻧﻬﺎﻳﺔ؛ ﻓـلا ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺷﻜﻞ ﻭلا ﻳُﺤﻜَﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺤُﻜﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩِ ﻭﺟﻪ ﺗﻌﻴّﻦٍ ﻭﺻﻮﺭﺓٍ ﻟﻪ؛ ﻟﺬﺍ لا ﺗُﻔﻬﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﻀﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺘﺨﻠﻠﻪ ﻇـلاﻡ لا ﻳُﺸﻌَﺮ ﺑﻪ ﻭلا ﻳُﻌﺮَﻑ ﻭﺟﻮﺩُﻩ ﺇلا ﺇﺫﺍ ﺣُﺪّﺩ ﺑﻈﻠﻤﺔٍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﻮﻫﻮﻣﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀَﻩ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻛﺎﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، لأﻧﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘﺔ لا ﺣﺪﻭﺩَ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﻧِﺪّ، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍلإﺣﺎﻃﺔُ ﺑﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻘﻴﻴﺪُﻫﺎ ﺑﺸﻲﺀ، ﻓـلا ﺗُﻌﺮَﻑ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻬﺎ، ﻭلا ﻳُﺸﻌَﺮ ﺑﻬﺎ؛ ﻟﺬﺍ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺿﻊِ ﺣﺪٍّ ﻓَﺮﺿﻲ ﻭﺧﻴﺎﻟﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻔﻬﻤﻬﺎ، ﺣﻴﺚ لا ﺣﺪﻭﺩَ ﻭلا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻬﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠُﻪ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔُ» ﺃﻱ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ‹‹أنا››؛ ﺇﺫ ﻳﺘﺼﻮّﺭُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔً ﻣﻮﻫﻮﻣﺔً، ﻭﻣﺎﻟﻜﻴﺔً ﻣﻔﺘﺮﺿﺔ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﻭﻋﻠﻤﺎ، ﻓﻴَﺤﺪُّ ﺣﺪﻭﺩﺍ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻳﻀﻊُ ﺑﻬﺎ ﺣﺪﺍ ﻣﻮﻫﻮﻣﺎ ﻟﺼﻔﺎﺕٍ ﻣﺤﻴﻄﺔٍ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﻄﻠﻘﺔ. ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻣﺜـلا: ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﻟﻲ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ. ﺃﻱ ﻳﻀﻊ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﻳﺴﺘﻌﺪّ ﺑﻬﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦَ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﻣﻘﺎﻳﻴﺲَ ﺑﺴﻴﻄﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻳَﻔﻬﻢ ﺑﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﻮّﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣُﻠﻜﻪ، ﺭﺑﻮﺑﻴﺔَ ﺧﺎﻟﻘِﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ. ﻭﻳﺪﺭﻙ ﺑﻤﺎﻟﻜﻴﺘﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ، ﻣﺎﻟﻜﻴﺔَ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻓﺎﻟﺨﺎﻟﻖُ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ… ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺑﻌِﻠﻤﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ، ﻋﻠﻢَ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ… ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺑﻤﻬﺎﺭﺗِﻪ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﺑﺪﺍﺋﻊَ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻣﺜـلا: ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺷﻴﺪﺕُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻭﻧﻈّﻤﺘُﻬﺎ، ﻛﺬﻟﻚ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻨﺸﺊٍ ﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻨﻈّﻢٍ ﻟﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺪﺭﺟﺖ ﻓﻲ ‹‹أنا›› ﺁلاﻑُ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕُ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺁلاﻑ ﺍلأﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺪﻝّ ﻭﺗﺒﻴّﻦ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﺍﻟﺼﻔﺎﺕِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺷﺆﻭﻧَﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻛﻠَّﻬﺎ. ﺃﻱ ﺇﻥ ‹‹أنا›› لا ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻌﻨﻰً، ﺑﻞ ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ؛ ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻌﺎﻛﺴﺔ، ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓِ ﺍﻟﻘﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺁﻟﺔِ ﺍلاﻧﻜﺸﺎﻑ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ، ﻓﻬﻮ ﺷﻌﺮﺓ ﺣﺴﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺴﻴﻢ . ﻭﻫﻮ ﺧﻴﻂ ﺭﻓﻴﻊ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﺞ ﺛﻮﺏ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ.. ﻭﻫﻮ ﺣﺮﻑُ «ﺃﻟﻒٍ» ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﻨﻰ ﺁﺩﻡ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻟﻪ ﻭﺟﻬﺎﻥ:

ﻭﺟﻪ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ؛ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﻔﻴﺾَ ﻭﻳﻘﺒَﻠﻪ ﻓﺤﺴﺐ، ﺃﻱ ﻳﻘﺒﻞ ﺍلإﻓﺎﺿﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﻂ؛ ﺇﺫ ﻫﻮ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﺃﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﺎﻋـلا ﻓﻴﻪ، لأﻥ ﻳﺪﻩ ﻗﺼﻴﺮﺓ لا ﺗﻤﻠﻚ ﻗﺪﺭﺓ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ. ﻭﺍﻟﻮﺟﻪُ ﺍلآﺧﺮ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮ، ﻭﻳُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ؛ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻓﺎﻋﻞ، ﻭﺻﺎﺣﺐُ ﻓﻌﻞ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﻣﺎﻫﻴﺔ ‹‹أنا›› ﺣﺮﻓﻴﺔ، ﺃﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺮﺑﻮﺑﻴﺘُﻪ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻭﺟﻮﺩُﻩ ﺿﻌﻴﻒ ﻭﻫﺰﻳﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ لا ﻳﻄﻴﻖ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﺃﻱَّ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ، ﻭلا ﻳﻄﻴﻖ ﺃﻥ ﻳُﺤﻤَﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﺇلا؛ ﻳﺒﻴّﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﻣﻴﺰﺍﻥُ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﻣﻴﺰﺍﻥُ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻘﺎﺩﻳﺮَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺩﺭﺟﺎﺗِﻬﺎ.

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳَﻌﺮﻑ ﻣﺎﻫﻴﺔ ‹‹أنا›› ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻭﻳﺬﻋﻦ ﻟﻪ، ﺛﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﻭﻓﻖ ﺫﻟﻚ ﻭﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻩ، ﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ (ﺍﻟﺸﻤﺲ:٩) ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺃﺩّﻯ ﺍلأﻣﺎﻧﺔَ ﺣﻘَّﻬﺎ، ﻓﻴﺪﺭﻙ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ‹‹أنا›› ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒَ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻳﻬﺎ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗَﺮﺩ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕُ ﻣﻦ ﺍلآﻓﺎﻕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ‹‹أنا›› ﻣﺎ ﻳﺼﺪّﻗُﻬﺎ، ﻓﺘﺴﺘﻘﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕُ ﻋﻠﻮﻣﺎ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔً ﺻﺎﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭلا ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ.

ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ‹‹أنا›› ﻭﻇﻴﻔﺘَﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻳﺘﺮﻙ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘَﻪ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻣﺔ ﻭﻣﺎﻟﻜﻴﺘَﻪ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺿﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﺓُ ﻗﻴﺎﺱ ﻟﻴﺲ ﺇلا- ﻭﻳﻔﻮّﺽ ﺍﻟﻤُﻠﻚَ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪَﻩ ﻗﺎﺋـلا: «ﻟﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚُ، ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪُ، ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻢُ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗُﺮﺟﻌﻮﻥ». ﻓﻴﻠﺒﺲ ﻟﺒﺎﺱَ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘِﻪ ﺍﻟﺤﻘّﺔ، ﻭﻳﺮﺗﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡِ «ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ».

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻧﺴﻲ ‹‹أنا›› ﺣﻜﻤﺔَ ﺧﻠﻘﻪ، ﻭﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ، ﺗﺎﺭﻛﺎ ﻭﻇﻴﻔﺘَﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﻣﻌﺘﻘﺪﺍ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚُ، ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻥ ﺍلأﻣﺎﻧﺔَ، ﻭﺩﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻨﺬﻳﺮ ﺍلإﻟﻬﻲ: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (ﺍﻟﺸﻤﺲ:10).

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺇﺷﻔﺎﻕَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ، ﻭﺭﻫﺒَﺘﻬﻦ ﻣﻦ ﺷﺮﻙٍ ﻣﻮﻫﻮﻡ ﻣﻔﺘَﺮﺽ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻦ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻮﻟِّﺪ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻀـلالاﺕ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥّ ‹‹أنا›› ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺃﻟﻒ ﺭﻗﻴﻖ، ﺧﻴﻂ ﺩﻗﻴﻖ، ﺧﻂ ﻣﻔﺘﺮﺽ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗُﻌﺮﻑ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻪ ﻳﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ، ﻛﻨﻤﻮ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻭﻳﻜﺒُﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ، ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻴﺒﺘﻠﻌَﻪ ﺍﺑﺘـلاﻉ ﺍﻟﺜﻌﺒﺎﻥ ﺍﻟﻀﺨﻢ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ﻭﺑﺠﻤﻴﻊ ﻟﻄﺎﺋﻔﻪ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ‹‹أنا››. ﺛﻢ ﺗﻤﺪّﻩ «ﺃﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻧﺎﻓﺨﺔً ﻓﻴﻪ ﺭﻭﺡَ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﻓﻴﺴﺘﻐﻠﻆ ﺑﺎلاﺳﺘﻨﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻴﺮَ ﻛﺎﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ ﻳﺘﺤﺪﻯ ﺃﻭﺍﻣﺮَ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳﻌﺎﺭﺿﻬﺎ. ﺛﻢ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﻘﻴﺎﺱِ ﻛﻞِّ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺑﻞ ﻛﻞِّ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻭﻓﻖ ﻫﻮﺍﻩ، ﻓﻴﻘﺴّﻢ ﻣُﻠﻚَ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻓﻴﺘﺮﺩّﻯ ﻓﻲ ﺷﺮﻙ ﻋﻈﻴﻢ، ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (ﻟﻘﻤﺎﻥ:13). ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺮﻕ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭﺍ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳُﺮﺿِﻲ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻩ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣﻌﻪ ﺑﺄﺧﺬ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﻢ ﺩﺭﻫﻤﺎ ﻣﻨﻪ ﻛﻲ ﺗُﺴﻮَّﻍ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔُ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻨﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻨﻔﺴﻲ، لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻨﻔﺴﻪ!

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓـ‹‹أنا›› ﻓﻲ ﻭﺿﻌﻪ ﻫﺬﺍ، ﺍﻟﻤﺘﻠﺒﺲِ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻟـلأﻣﺎﻧﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺟﻬﻞٍ ﻣﻄﺒَﻖ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺃﺟﻬﻞُ ﺍﻟﺠﻬـلاﺀ، ﻳﺘﺨﺒّﻂ ﻓﻲ ﺩَﺭَﻙ ﺟﻬﺎﻟﺔٍ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻋﻠِﻢَ ﺁلاﻑَ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻘّﻔﻪ ﺣﻮﺍﺳُّﻪ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭُﻩ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﺭﺣﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ، لا ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴِﻪ ﻣﺎﺩﺓً ﺗﺼﺪّﻗُﻪ ﻭﺗﻨﻮّﺭﻩ ﻭﺗﺪﻳﻤُﻪ، ﻟﺬﺍ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﻛﻞُّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ، ﻭﺗﻐﺪﻭ ﻇـلاﻣﺎ ﺩﺍﻣﺴﺎ؛ ﺇﺫ ﻳﻨﺼﺒﻎ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻳﺮِﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺼﺒﻐﺔ ﻧﻔﺴِﻪ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻤﺔ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻭﺭﺩﺕْ ﺣﻜﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻠﺒﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺒﻮﺱَ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ؛ لأﻥ ﻟﻮﻥَ ‹‹أنا›› ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺮﻙُ ﻭﺗﻌﻄﻴﻞُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﺑﻞ ﻟﻮ ﺍﻣﺘـلأ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﻛﻠﻪ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﺳﺎﻃﻌﺎﺕ ﻭﻣﺼﺎﺑﻴﺢ ﻫﺪﻯً ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ‹‹أنا›› ﺗﻜﺴﻒ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ، ﻭﺗﺤﺠﺒُﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻓﺼّﻠﻨﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭ«ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ» ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ. ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺣﺴﺎﺱ ﻟﻠﻜﻮﻥ، ﻭﻣﻘﻴﺎﺱ ﺻﺎﺋﺐ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﻓﻬﺮﺱ ﺷﺎﻣﻞ ﻣﺤﻴﻂ، ﻭﺧﺮﻳﻄﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻣﺮﺁﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ، ﻭﺗﻘﻮﻳﻢ ﺟﺎﻣﻊ. ﻓﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﻓﻠﻴﺮﺍﺟﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎ ﻧﺨﺘﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ، ﻣﻜﺘﻔﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﺼﻴﻞ.

ﻓﻴﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ، ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻮﻋﺒﺖَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ، ﻓﻬﻴﺎ ﻟﻨﺪﺧﻞ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.

ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﺗﻴﺎﺭﻳﻦ ﻋﻈﻴﻤﻴﻦ ﻭﺳﻠﺴﻠﺘﻴﻦ ﻟـلأﻓﻜﺎﺭ، ﻳﺠﺮﻳﺎﻥ ﻋﺒﺮَ ﺍلأﺯﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺼﻮﺭ، ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺷﺠﺮﺗﺎﻥ ﺿﺨﻤﺘﺎﻥ ﺃﺭﺳﻠﺘﺎ ﺃﻏﺼﺎﻧَﻬﻤﺎ ﻭﻓﺮﻭﻋَﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻَﻮﺏ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.

ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ: ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ.

ﻭﺍلأﺧﺮﻯ: ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

ﻓﻤﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺘﺎﻥ ﻣﺘّﺤﺪﺗﻴﻦ ﻭﻣﻤﺘﺰﺟﺘﻴﻦ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻭﻗﺖ ﺃﻭ ﻋﺼﺮ ﺍﺳﺘﺠﺎﺭﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻧﻘﺎﺩﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ، ﺍﻧﺘﻌﺸﺖ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔُ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﻋﺎﺷﺖ ﺣﻴﺎﺓً ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻨﻴﺌﺔ. ﻭﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺍﻧﻔﺮﺟﺖ ﺍﻟﺸﻘﺔُ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﺍﻓﺘﺮﻗﺘﺎ، ﺍﺣﺘﺸﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠُّﻪ ﺣﻮﻝ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺗﺠﻤﻌﺖ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭُ ﻭﺍﻟﻀـلالاﺕ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﻟﻨﺠﺪ ﻣﻨﺸﺄ ﻛﻞٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻜﻤﺎ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺘﻴﻦ ﻭﺃﺳﺎﺳَﻬﻤﺎ:

ﻓﺈﻥ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺼﺖ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺍﺗﺨﺬﺕ ﺻﻮﺭﺓَ ﺷﺠﺮﺓِ ﺯﻗﻮﻡ ﺧﺒﻴﺜﺔٍ ﺗﻨﺸﺮ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺗﻨﺜﺮُ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔَ ﺣﻮﻟﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺳﻠّﻤﺖ ﺇﻟﻰ ﻳﺪ ﻋﻘﻮﻝِ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﺛﻤﺮﺍﺕِ ﺍﻟﺪﻫﺮﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻴﻦ. ﻭﺃﻟﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ، ﺛﻤﺮﺍﺕِ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﻳﺪ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻭﺍﻟﺸﺪّﺍﺩﻳﻦ.. (حاشية) ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻤﺼﺮ ﻭﺑﺎﺑﻞ، ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺒﻠﻎ ﺍﻟﺴﺤﺮ، ﺃﻭ ﺗُﻮﻫّﻤﺖ ﺳﺤﺮﺍ  لاﻗﺘﺼﺎﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ  ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺿﻌﺖ ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﻤﺎﺭﻳﺪ ﻭﺭﺑّﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺣﻤﺄﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻣﺴﺘﻨﻘﻌﻬﺎ ﻣﻜّﻨﺖ ﺍلآﻟﻬﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻝ ﻓـلاﺳﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎﺀ، ﻭﻭﻟﺪﺕ ﺍلأﺻﻨﺎﻡ ﻭﺍلأﻭﺛﺎﻥ. ﺣﻘﺎ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺏ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺴﺘﺎﺭ  ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ  ﻳﻤﻨﺢ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺃﻟﻮﻫﻴﺔً، ﺛﻢ ﻳﺴﻠّﻄﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ. ﻭﺭﺑّﺖ، ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺒﻬﻴﻤﻴﺔ، ﺛﻤﺮﺍﺕِ ﺍلآﻟﻬﺔ ﻭﺍلأﺻﻨﺎﻡ ﻭﻣﺪّﻋﻲ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

ﻭﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓِ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ، ﺷﺠﺮﺓِ ﺍﻟﺰﻗﻮﻡ، ﻧﺸﺄﺕ ﺷﺠﺮﺓُ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔِ ﻟﻠﻪ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔُ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻓﺄﺛﻤﺮﺕ ﺛﻤﺮﺍﺕٍ ﻳﺎﻧﻌﺔً ﻃﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ، ﻭﻣَﺪّﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻓﺘﺪﻟّﺖ ﻗﻄﻮﻓﺎ ﺩﺍﻧﻴﺔً ﻣﻦ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ: ﺃﻧﺒﻴﺎﺀٌ ﻭﻣﺮﺳﻠﻮﻥ ﻭﺻﺪﻳﻘﻮﻥ ﻭﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺻﺎﻟﺤﻮﻥ.. ﻛﻤﺎ ﺃﺛﻤﺮﺕ ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻓﻌﺔ: ﺣﻜﺎﻣﺎ ﻋﺎﺩﻟﻴﻦ ﻭﻣﻠﻮﻛﺎ ﻃﺎﻫﺮﻳﻦ ﻃﻬﺮَ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ.. ﻭﺃﺛﻤﺮﺕ ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﺔ: ﻛُﺮَﻣﺎﺀ ﻭﺃﺳﺨﻴﺎﺀ ﺫﻭﻱ ﻣﺮﻭﺀﺓ ﻭﺷﻬﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺣُﺴﻦ ﺳﻴﺮﺓٍ ﻭﺟﻤﺎﻝِ ﺻﻮﺭﺓ ﺫﺍﺕ ﻋﻔﺔ ﻭﺑﺮﺍﺀﺓ.. ﺣﺘﻰ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺣﻘﺎ ﺃﻛﺮﻡ ﺛﻤﺮﺓ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻤﻨﺸﺄ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻭﻣﻨﺸﺄ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ، ﻫﻤﺎ ﺟﻬﺘﺎ ‹‹أنا›› ﻭﻭﺟﻬﺎﻩ، ﺃﻱ ﺇﻥ ‹‹أنا›› ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﺑﺬﺭﺓً ﺃﺻﻠﻴﺔ ﻟﺘﻠﻜﻤﺎ ﺍﻟﺸﺠﺮﺗﻴﻦ، ﺻﺎﺭ ﻭﺟﻬﺎﻩ ﻣﻨﺸﺄ ﻛﻞٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ.

ﻭﺳﻨﺒﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺎلآﺗﻲ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓَ ﺗﻤﻀﻲ ﺁﺧﺬﺓ ﻭﺟﻬﺎ ﻟـ‹‹أنا››. ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗُﻘﺒﻞ ﺁﺧﺬﺓً ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلآﺧﺮ ﻟـ‹‹أنا››. ﻓﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻄﻠّﻊ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ. ﺃﻱ ﺇﻥ ‹‹أنا››؛ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻧﻪ ﻋﺒﺪ ﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻄﻴﻊ ﻟﻤﻌﺒﻮﺩﻩ.. ﻭﻳﻔﻬﻢ ﺃﻥّ ﻣﺎﻫﻴﺘَﻪ ﺣﺮﻓﻴﺔ، ﺃﻱ ﺩﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ.. ﻭﻳﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩَﻩ ﺗَﺒَﻌﻲ، ﺃﻱ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻏﻴﺮﻩ ﻭﺑﺈﻳﺠﺎﺩﻩ.. ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺎﻟﻜﻴﺘَﻪ ﻟـلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﻫﻤﻴّﺔ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﺎﻟﻜﻴﺔ ﻣﻮﻗﺘﺔ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺑﺈﺫﻥ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.. ﻭﺣﻘﻴﻘﺘُﻪ ﻇﻠﻴﺔ -ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺻﻴﻠﺔ- ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻣﻤﻜﻦ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻫﺰﻳﻞ، ﻭﻇﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﻳﻌﻜﺲ ﺗﺠﻠﻴﺎ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺟﺒﺔ ﺣﻘﺔ.. ﺃﻣﺎ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻄﺎﻋﺔ ﻣﻮلاﻩ، ﻃﺎﻋﺔً ﺷﻌﻮﺭﻳﺔً ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺻﻔﺎﺕ ﺧﺎﻟﻘﻪ، ﻭﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﻟﻠﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻫﻜﺬﺍ ﻧَﻈﺮَ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻭﻣَﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﺇﻟﻰ ‹‹أنا›› ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ. ﻭﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻫﻜﺬﺍ. ﻓﺄﺩﺭﻛﻮﺍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ، ﻭﻓﻮّﺿﻮﺍ ﺍﻟﻤُﻠﻚَ ﻛﻠَّﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺃﻗﺮّﻭﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺟﻞ ﻭﻋـلا لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﻭلا ﻧﻈﻴﺮ، لا ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ ﻭلا ﻓﻲ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﻭلا ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ، ﻓـلا ﻣُﻌﻴﻦ ﻟﻪ ﻭلا ﻭﺯﻳﺮ، ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺪﻳﺮ. ﻭﻣﺎ «ﺍلأﺳﺒﺎﺏ» ﺇلا ﺃﺳﺘﺎﺭ ﻭﺣُﺠﺐ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ.. ﻭﻣﺎ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» ﺇلا ﺷﺮﻳﻌﺘُﻪ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﻭﻣﺠﻤﻮﻋﺔُ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻟﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ.

ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻮﺿﻲﺀ ﺍﻟﻤﻨﻮّﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻗﺪ ﺃﺧﺬ ﺣﻜﻢ ﺑﺬﺭﺓ ﺣﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯً ﻭﺣﻜﻤﺔ. ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﺍﻣﺘﺪﺕ ﺃﻏﺼﺎﻧُﻬﺎ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﺯﻳّﻨﺘﻪ ﺑﺜﻤﺮﺍﺕٍ ﻃﻴﺒﺔٍ ﺳﺎﻃﻌﺔ، ﺑﺪّﺩﺕ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺃﺛﺒﺘﺖ ﺑﺤﻖ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺑﺮ ﺍﻟﻤﺪﻳﺪ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﻣﻘﺒﺮﺓً ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣﻮﺣﺸﺔ، ﻭﻣﻴﺪﺍﻥَ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎﺕ ﻣﺨﻴﻔﺔ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺭﻭﺿﺔ ﻣﻦ ﺭﻳﺎﺽ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻟـلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﺖ ﻋﺒﺌَﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ ﻟﺘﻐﺎﺩﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻃﻠﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺪﺍﺭُ ﺃﻧﻮﺍﺭٍ ﻭﻣﻌﺮﺍﺝ ﻣﻨّﻮﺭ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍلآﻓﻠﺔ ﻟﺘﺘﻨﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻓﻘﺪ ﺍﺗﺨﺬﺗﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ، ﻭﻗﺪ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ‹‹أنا›› ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ. ﺃﻱ ﺗﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ّ‹‹أنا›› ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ.. ﻭﺗﻘﻀﻲ ﺃﻥّ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﻳﻌﻤﻞ لأﺟﻞ ﻧﻔﺴﻪ.. ﻭﺗﺘﻠﻘﻰ ﺃﻥّ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺃﺻﻴﻞ ﺫﺍﺗﻲ -ﻭﻟﻴﺲ ﻇـلا- ﺃﻱ ﻟﻪ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ.. ﻭﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥّ ﻟﻪ ﺣﻘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺃﻧﻪ ﻣﺎﻟﻚ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺗﺼﺮﻓﻪ، ﻭﺗﻈﻦ ﺯﻋﻤَﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ.. ﻭﺗﻔﻬﻢ ﺃﻥ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺣﺐ ﺫﺍﺗﻪ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﺳﻨﺪﻭﺍ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺲ ﻓﺎﺳﺪﺓ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﺑﻨَﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﻫﻴﺔ. ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺑﻘﻄﻌﻴﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻣﺪﻯ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺲ ﻭﻣﺪﻯ ﻓﺴﺎﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭﺑﺎلأﺧﺺ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﻋﻈﻤﺎﺀُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺭﻭﺍﺩُﻫﺎ ﻭﺩﻫﺎﺗُﻬﺎ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺃﻓـلاﻃﻮﻥ ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ ﻭﺍﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ -ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ- ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ «ﺍﻟﺘﺸﺒّﻪ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ»! ﺃﻱ ﺑﺎﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا، ﻓﺄﻃﻠﻘﻮﻩ ﺣُﻜﻤﺎ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺎ ﻃﺎﻏﻴﺎ، ﻭﻣﻬّﺪﻭﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖَ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﻤﺘﻠﺒﺴﺔ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﻋَﺒﺪﺓ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﻋَﺒﺪﺓ ﺍلأﺻﻨﺎﻡ ﻭﻋﺒﺪﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻋﺒﺪﺓ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺘﻬﻴﻴﺠﻬﻢ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ» ﻟﺘﺠﺮﻱ ﻃﻠﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ. ﻓﺴﺪّﻭﺍ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻏﻠّﻘﻮﺍ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻨﻘﺺ ﺍﻟﻤﻨﺪﺭﺟﺔ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓَﻀﻠُّﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻭﺣﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﻟﻢ ﻳَﻨﺠُﻮْﺍ ﻣﻦ ﺣﻤﺄﺓِ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻛﻠﻴﺎ ﻭلا ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ؛ ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻤﻮﺍ ﺣُﻜﻤﺎ ﻣِﻠﺆُﻩ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻗَﻀَﻮﺍ ﺃﻥّ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻟـلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔَ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺨﻠﻖ ﺑﺎلأﺧـلاﻕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﺘﺤﻠّﻲ ﺑﺎﻟﺴﺠﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺼﺎﻝ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ -ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻭﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻋﺠﺰَﻩ ﻓﻴﻠﺘﺠﺊ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﺮﻯ ﺿﻌﻔَﻪ ﻓﻴﺤﺘﻤﻲ ﺑﻘﻮﺗﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻓﻘﺮَﻩ ﻓﻴﻠﻮﺫ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻓﻴﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﻏﻨﺎﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻗﺼﻮﺭَﻩ ﻓﻴﺴﺘﻐﻔﺮ ﺭﺑﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﻠﻤﺲ ﻧﻘﺼَﻪ ﻓﻴﺴﺒّﺢ ﻭﻳﻘﺪّﺱ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓـلأﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﺻﻴﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺿَﻠَّﺖْ ﺿَـلالا ﺑﻌﻴﺪﺍ، ﺻﺎﺭ ‹‹أنا›› ﻣﺎﺳﻜﺎ ﺑﺰﻣﺎﻡ ﻧﻔﺴﻪ، ﻣﺴﺎﺭﻋﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻧﺒﺘﺖ ﺷﺠﺮﺓُ ﺯﻗﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻣﻦ ‹‹أنا›› ﻏﻄّﺖ ﺑﻀـلاﻟﻬﺎ ﻧﺼﻒَ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺣﺎﺩَﺕ ﺑﻬﻢ ﻋﻦ ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕُ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣَﺘﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓُ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ، ﺷﺠﺮﺓُ ﺯﻗﻮﻡ، ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻓﻬﻲ ﺍلأﺻﻨﺎﻡ ﻭﺍلآﻟﻬﺔ ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺒﻬﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﺤﺒﺬ ﺃﺻـلا ﺍﻟﻘﻮﺓَ، ﻭﺗﺘﺨﺬﻫﺎ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻘﺮﺭﺓ ﻟﻨﻬﺠﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﺒﺪﺃ «ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﻠﻐﺎﻟﺐ» ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻣﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺗﺄﺧﺬ ﺑﻤﺒﺪﺃ «ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ» (حاشية) ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﺓَ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺤﻖُ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﻓﺘﻘﻄﻊ ﺑﻬﺬﺍ ﺩﺍﺑﺮ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﺪﻝ. ﻓﺄﻋﺠﺒﺖْ ﺿﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ، ﻭﺣﺜَّﺖْ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓَ ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﺑﺮﺓ ﺍﻟﻌﺘﺎﺓ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻗﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺩﻋﻮﻯ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻠّﻜﺖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝَ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤُﺴﻦَ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﻫﺎ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻣﺘﻨﺎﺳﻴﺔً ﻧﺴﺒﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩ ﻟﻠﻤﺼﻮّﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ، ﻓﺘﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞَ ﻫﺬﺍ!» ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ:  «ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞَ ﺧﻠﻖَ ﻫﺬﺍ»! ﺃﻱ ﺟﻌﻠﺖْ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺻﻨﻢ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩﺓ!

ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺍﺳﺘﺤﺴﻨﺖ ﻣﻈﺎﻫﺮَ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻟﻠﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺴﻤﻌﺔ.. ﻟﺬﺍ ﺣﺒّﺬﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺋﻴﻦ، ﻭﺩﻓﻌَﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﻏﻴّﻬﻢ ﺟﺎﻋﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍلأﺻﻨﺎﻡ ﻋﺎﺑﺪﺓً ﻟﻌﺒّﺎﺩﻫﺎ. (حاشية) ﺃﻱ ﺇﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﻴﻦ ﺑﺎلأﺻﻨﺎﻡ، ﻳُﻈﻬﺮﻭﻥ ﺃﻭﺿﺎﻋﺎ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻌﺠﺒﻴﻦ ﺑﻬﻢ، ﻛﺴﺒﺎ لإﻗﺒﺎﻟﻬﻢ ﻭﺗﻮﺟﻬﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻭﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﺮﻏﺒﺎﺕ ﻫﻮﺍﻫﻢ، ﻓﻴﻜﻮﻧﻮﻥ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﻣﻌﺒﻮﺩﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﺭﺑّﺖ ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ، ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔَ ﻭﺍﻟﻨﻤﺎﺭﻳﺪَ ﻭﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﺻﻐﺎﺭﺍ ﻭﻛﺒﺎﺭﺍ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻏﺼﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﻌﺖ ﺍﻟﺪﻫﺮﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻴﻦ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺸﺘّﺘﺖ ﻋﻘﻞَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻱَّ ﺗﺸﺘﻴﺖ.

ﻭﺑﻌﺪ.. ﻓـلأﺟﻞ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻧﻌﻘﺪ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔً ﺑﻴﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞَ ﻧﺸﺄﺕ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﻟﻤﺴﻠﻚ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻭﻧﺘﺎﺋﺞَ ﺗﻮﻟﺪﺕ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻟﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. ﻭﺳﻨﻘﺼﺮ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻣﺜﻠﺔ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺁلاﻑ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺎﺕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﺗﺨﺺ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺤﺸﺮ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ (ﺍﻟﻘﺪﺭ:٤)

﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:85)

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺼﺪﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻦ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﻣﺔ

ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﻳﺼﺢّ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﻛﺜﺒﻮﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، ﻓﻜﻤﺎ ﺑَﻴّﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ»: ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔَ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻗﻄﻌﺎ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔَ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ -ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻟـلأﺭﺽ- ﻣﻦ ﺳﺎﻛﻨﻴﻦ. ﻭلا ﺑﺪّ ﺃﻧﻬﻢ ﺫﻭﻭ ﺷﻌﻮﺭ، ﻭﻫﻢ ﻣﺘـلاﺋﻤﻮﻥ ﻣﻌﻬﺎ ﻛﻞ ﺍﻟﺘـلاﺅﻡ. ﻭﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺴﻤّﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺴﺎﻛﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑـ«ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ» ﻭ«ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻫﻜﺬﺍ.. ﻓﺮﻏﻢ ﺿﺂﻟﺔ ﻛﺮﺗِﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺻﻐﺮِﻫﺎ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﻣـلأﻫﺎ ﺑﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺫﻭﺍﺕ ﻣﺸﺎﻋﺮ، ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ، ﻭﺇﺧـلاﺀﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺗﺰﻳﻴﻨﻬﺎ ﺑﺂﺧﺮﻳﻦ ﺟُﺪﺩ ﻳﺸﻴﺮ، ﺑﻞ ﻳﺼﺮّﺡ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕِ ﺫﺍﺕَ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺸﻴﺪﺓ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺼﻮﺭ ﻣﺰﻳّﻨﺔ، لاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻶ ﻯ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﺬﻭﻱ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻣُﺪﺭﻛﻴﻦ ﻭﺍﻋﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ -ﻛﺎلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ- ﻫﻢ ﻛﺬﻟﻚ، ﻣﺸﺎﻫﺪﻭ ﻗﺼﺮِ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﺨﻢ.. ﻭﻣﻄﺎﻟﻌﻮ ﻛﺘﺎﺏَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ.. ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻮﻥ ﺍلأﺩلاﺀ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ.. ﻭﻳﻤﺜِﻠﻮﻥ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ، ﺗﺴﺎﺑﻴﺢَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺃﻭﺭﺍﺩَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥّ ﺗﻨﻮّﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ لأﻥ ﺗﺰﻳﻴﻦَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﻭﺑﻤﺤﺎﺳﻦَ ﺫﺍﺕِ ﻣﻌﺎﻥٍ ﻭﻧﻘﻮﺵ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻣﺘﻔﻜﺮﻳﻦ ﻭﻣﺴﺘﺤﺴِﻨﻴﻦ، ﻭﻣﻌﺠَﺒﻴﻦ ﻣﻘﺪّﺭﻳﻦ.. ﺃﻱ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻭﺟﻮﺩَﻫﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖَ.. ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡَ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻠﺠﺎﺋﻊ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻏﺬﺍﺀَ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻗﻮﺕَ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﺄﻣـلا ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺃﻥ الإنس ﻭﺍﻟﺠﻦ لا ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡُ ﺇلا ﺑﻘﺴﻂ ﺿﺌﻴﻞ ﺟﺪﺍ -ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ- ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻏﻴﺮ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ «ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ» ﻭﺃﺟﻨﺎﺱ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ»، ﻛﻲ ﻳﻌﻤّﺮﻭﺍ ﺑﺼﻔﻮﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﺻّﺔ ﻭﻳﻤﻠﺆﻭﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ..

ﺃﺟﻞ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺟﻬﺔٍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮﻩ، ﻫﻨﺎﻙ «ﻣﻮﻇﻔﻮﻥ» ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ «ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ» ﻗﺪ ﺃﺳﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﺍﺟﺐُ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺔٍ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ.. ﻓﺎﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻠﻬﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔِ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥّ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﺴﻴّﺎﺭﺓ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﻘﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺳُﻔﻦ ﻭﻣﺮﺍﻛﺐُ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻛﺒﻮﻧَﻬﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺳﺎﺋﺤﻴﻦ ﻓﻴﻪ.. ﻭﻳﻤﺜّﻠﻮﻥ «ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ.. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ «ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﻃﻴﺮ ﺧﻀﺮ ﺗﺴﺮﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨّﺔ»، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻧﺒﻮﻱ ﺷﺮﻳﻒ، ﻟﺬﺍ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﻦ «ﻃﻴﺮ ﺧﻀﺮ» ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﻫﻲ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ لأﺟﻨﺎﺱٍ ﻣﻦ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻞّ ﻓﻲ ﺃﺟﺴﺎﺩ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺣﻮﺍﺳﻬﺎ ﻛﺎلأﻋﻴﻦ ﻭﺍلآﺫﺍﻥ، ﻭﺗﺘﻔﺮﺝ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﺋﻊ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺆﺩﻱ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ..

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻜﻤﺎ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ:

لأﻥّ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺟﺎﺩﺓ ﺣﻴﺎﺓً ﻟﻄﻴﻔﺔً ﺫﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺘﻨّﻮﺭ، ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺿﺂﻟﺔ ﻋـلاﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺗﻌﻠّﻘﻪ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. لاﺑﺪّ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺫﻭﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ، ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻟﻴﻖُ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻭﺃﻧﺴﺐُ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ

«ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺭﻛﻦ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ»

ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺃﺭﺑﻊ ﻧﻜﺎﺕ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ

ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍلأﻭّﻝ

ﺇﻥّ ﻛﻤﺎﻝَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺭﺃﺱُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﺳﺎﺳُﻪ.. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻣﻠﻜﺎ ﻟﻜﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ، ﻓﺘﺠﻌﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀَ ﺍﻟﺤﻲّ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪَ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ. ﻓﺒﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀُ ﺍﻟﺤﻲّ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣُﻠﻜﻲ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﻜﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣُﻠﻚ ﺃﻋﻄﺎﻧﻴﻪ ﻣﺎﻟﻜﻲ».. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﺳﺒﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﻭﺳﺒﺐ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍلأﻟﻮﺍﻥ -ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻝ- ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﻫﻲ ﻛﺸّﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﻈﻬﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺎﺕ.. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺟﺰﺀَ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻜﻞّ ﻭﺍﻟﻜﻠّﻲ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺤَﺼﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ، ﻭﺳﺒﺐ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ؛ ﻛﺈﺷﺮﺍﻛﻬﺎ ﻭﺗﻮﺣﻴﺪﻫﺎ ﺍلأﺷﻴﺎﺀَ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ، ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻣَﻈﻬﺮﺍ ﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺗﺠﻠّﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓﻬﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻟـلأﺣﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ..

ﻭﺍلآﻥ ﻟﻨﻮﺿﺢ:

ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺟﺒـلا ﺷﺎﻫﻘﺎ، ﻓﻬﻮ ﻏﺮﻳﺐ.. ﻳﺘﻴﻢ.. ﻭﺣﻴﺪ.. ﺇﺫ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻋـلاﻗﺘُﻪ ﻭﺻﻠﺘُﻪ ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻓﻘﻂ، ﻭﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ «ﺣﻴﺎﺓ» ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ، ﻭلا «ﺷﻌﻮﺭ» ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﺣﻲّ ﻛﺎﻟﻨﺤﻞ ﻣﺜـلا، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ  ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ  ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻘﺪﺍ ﺗﺠﺎﺭﻳﺎ ﻭﺻِﻠﺔً ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺧﺎﺻﺔً ﻣﻊ ﻧﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺃﺯﻫﺎﺭِﻫﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺭﺽ ﻫﻲ ﺣﺪﻳﻘﺘﻲ ﻭﻣﺘﺠﺮﻱ.».. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ، ﻋﺪﺍ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱِ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺩﻭﺍﻓﻊُ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻛﺄﺣﺎﺳﻴﺲَ ﺳﺎﺋﻘﺔٍ ﻭﻣﺸﻮّﻗﺔٍ ﺗُﻌﻄﻲ ﻟﻠﻨﺤﻞ ﻓﺮﺻﺔَ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺹ ﻭالأنس ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻝ ﻣﻊ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺗُﻈﻬﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮَﻫﺎ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ ﺻﻐﻴﺮ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﻠّﻤﺎ ﻋَﻠَﺖْ ﻭﺍﺭﺗﻘﺖْ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻳﺘﺴﻊُ ﻭﻳﻜﺒﺮُ ﻭﻳﺘﻨﻮّﺭ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻭﺷﻌﻮﺭﻩ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ- ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﻏﺮﻑ ﺩﺍﺭﻩ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦُ ﺍﻟﺤﻲّ ﺫﻭ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺿﻴﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺓ ﺭﻭﺣﻪ ﺑﺎﺭﺗﺴﺎﻣﻬﺎ ﻭﺗﻤﺜّﻠﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺃﺳﻄﻊُ ﺑﺮﻫﺎﻥٍ ﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺃﻭﺳﻊُ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻨﻌﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺃﻟﻄﻒُ ﺗﺠﻞٍّ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﺃﺩﻕُّ ﻧﻘﺶ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﻨﺰﻳﻬﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻬﺎ ﺧﻔﻴﺔ ﻭﺩﻗﻴﻘﺔ؛ لأﻥ ﺗﻨﺒّﻪ «ﺍﻟﻌﻘﺪﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ» ﺃﻱ ﺗﻔﺘﺤَﻬﺎ ﻭﻧﻤﻮَّﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺃﺩﻧﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ- ﺑﻘﻲ ﻣﺴﺘﻮﺭﺍ ﻋﻦ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﺭﻏﻢَ ﺷﺪﺓ ﻇﻬﻮﺭِﻩ ﻭﻛﺜﺮﺗﻪ ﻭﺍلإﻟﻔﺔ ﺑﻪ. ﻭﻟﻢ ﺗﻨﻜﺸﻒ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻪ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻟﺤﺪّ ﺍلآﻥ ﺑﺠـلاﺀ.

ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻧﺰﻳﻬﺔ ﻧﻘﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻭﺟﻬَﻴﻬﺎ -ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ- ﺻﺎﻓﻴﺎﻥ ﻭﺷﻔﺎﻓﺎﻥ؛ ﺇﺫ ﺇﻥ ﻳﺪَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻭﺿﻊٍ ﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﻌﻠﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺣﺠﺎﺑﺎ ﻟﺘﺼﺮّﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ. ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺸﺄً ﻟـلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺨﺴﻴﺴﺔ ﻭﻟﻠﻜﻴﻔﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺰﻳﻬﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻓﻲ ﻋﺰﺓَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﺩُ ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺟﻮﺩ، ﻭلا ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺿﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭُ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻟﻬﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤُﺘﻘﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻧﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍلإﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻛﺮﺗُﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ -ﻭﻫﻲ ﻛﺬﺭﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻮﻥ- ﺗﺰﺧﺮُ ﺑﻤﺎ لا ﻳُﻌﺪّ ﻭلا ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳُﺤﻜﻢ ﺑﺤَﺪﺱٍ ﺻﺎﺩﻕ ﻭﻳُﻘﺮَّﺭ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﻗﺎﻃﻊ ﺃﻥّ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﺗﺪﺏّ ﻓﻴﻬﺎ ﺳَﻜَﻨﺔٌ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺑﻤﺎ ﻳـلاﺋﻤﻬﺎ ﻭﻳﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻌﻬﺎ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﻚ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻜﻨﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﻟﻬﻴﺐ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻤﻦ ﻳﺘـلاﺀﻣﻮﻥ ﻣﻌﻬﺎ، لأﻥ ﺍﻟﻨﺎﺭ لا ﺗُﺤﺮﻕ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﻞ ﺗﻤﺪّﻩ ﻭﺗﺪﻳﻤﻪ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺨﻠﻖ ﺃﺣﻴﺎﺀً ﻭﺫﻭﻱ ﺃﺭﻭﺍﺡ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﻒ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﻭﺗﺒﺪّﻝ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓٍ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻜﻞِّ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻭﺇﺗﻘﺎﻥ، ﻭﺗﻨﺸُﺮُ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻐﺰﺍﺭﺓ، ﻭﺗﺮﺻّﻊ ﺃﻏﻠﺐَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻀﻴﺎﺀِ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻟﻦ ﻳﻬﻤﻞ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻭﺍلأﺛﻴﺮَ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎلاﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤـلاﺋﻤﺔ ﻟﻠﺮﻭﺡ، ﺩﻭﻥ ﺣﻴﺎﺓ. ﻭﻟﻦ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﻭﻟﻦ ﻳﺪﻋﻪ ﺩﻭﻥ ﺷﻌﻮﺭ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍلأﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﻳَﺨﻠﻖ ﺟﻠّﺖ ﻗﺪﺭﺗُﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻪ ﺃﺣﻴﺎﺀً ﻭﺫﻭﻱ ﺷﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺴﻴّﺎﻟﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ، ﻓﻴَﺨﻠﻖ ﻛﺜﺮﺓً ﻛﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺫﻭﺍﺕ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﻛﺎلأﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ- ﻓﻴﺼﻴﺮ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺠﻦّ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلآﺗﻲ ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﻟﻚ؛ ﻛﻢ ﺗﻜﻮﻥُ ﻓﻜﺮﺓُ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﺑﻜﺜﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻭﺑﺪﺍﻫﺔ ﻭﺃﻣﺮﺍ ﻣﻌﻘﻮلا، ﻭﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﻓﺾُ ﻭﻋﺪﻡُ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺧـلاﻓﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﺑﻞ ﺧﺮﺍﻓﺔً ﻭﺿـلاﻟﺔ ﻭﻫﺬﻳﺎﻧﺎ ﻭﺑـلاﻫﺔ:

ﻳﺘﺼﺎﺩﻕ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺪﻭﻱ ﻭﺁﺧﺮُ ﺣﻀﺮﻱ، ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺴﻴﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ -ﻛﺈﺳﻄﻨﺒﻮﻝ- ﻭﻗﺒﻞ ﺩﺧﻮﻟﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔَ ﻭﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎﻫﺎ ﻳﺼﺎﺩﻓﺎﻥ ﻣﺒﻨﻰً ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻭﻭﺭﺷﺔً ﻗﺬﺭﺓ، ﻓﻴﺒﺼﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ ﻣﻤﻠﻮﺀً ﺑﺮﺟﺎﻝ ﻣﺴﺎﻛﻴﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻣﻨﻬﻮﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻤﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ، ﻭﻳـلاﺣﻈﺎﻥ ﺣﻮﻝَ ﺍﻟﻤﻌﻤﻞ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕٍ ﻭﺃﺣﻴﺎﺀً ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﻘﺘﺎﺕ ﻛﻞّ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺣﺴﺐ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ. ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗﺄﻛﻞ ﺍلأﺳﻤﺎﻙ ﻓﻘﻂ، ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻳﺮﺍﻗﺒﺎﻥ ﺃﺣﻮﺍﻝَ ﻫﺆلاﺀ ﺇﺫﺍ ﺑﻬﻤﺎ ﻳﺮﻳﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺑُﻌﺪٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺁلاﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺰﻳّﻨﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦُ ﻭﻓﺴﺢُ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﺇلا ﺃﻥ ﺳﻜﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ لا ﻳَﻈﻬﺮﻭﻥ ﻟﻬﻤﺎ، ﺇﻣﺎ ﻟﺒُﻌﺪﻫﻤﺎ ﻋﻨﻬﻢ، ﺃﻭ ﻟﻀﻌﻒ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ، ﺃﻭ لاﺧﺘﻔﺎﺀ ﺳﻜﻨﺔِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻭلا ﺗﻮﺟﺪ ﺷﺮﺍﺋﻂُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﺷﺔ ﺍﻟﻘﺬﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ.

ﻓﺎﻟﺒﺪﻭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺮَ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻗﺎﻝ: «ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭلا ﺃﺣﺪَ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﺇﺫ ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﺭﺍﻫﻢ، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﺤﻴﺎﺗﻨﺎ ﺃﺻـلا»، ﻓﺄﻇﻬﺮَ ﺑﻬﺬﻳﺎﻧﻪ ﻫﺬﺍ ﺣﻤﺎﻗﺘَﻪ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ.

ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﺍﻟﺮﺯﻳﻦ: ﻳﺎ ﻫﺬﺍ! ﺃﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻦَ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﺤﻘﻴﺮ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﻍ ﺣﻮﻟَﻨﺎ ﻟﻢ ﻳُﻤـلأ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﺒﺪّﻟﻬﻢ ﻭﻳﺠﺪّﺩﻫﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﻢ ﺃﺑﺪﺍ. ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺍلآﻥ ﻫﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺍﺕُ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﺫﺧﺔ ﻋﻠﻰ ﺑُﻌﺪﻫﺎ ﻋﻨّﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔً ﻣﻦ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘـلاﺋﻤﻴﻦ ﻣﻌﻬﺎ؟. ﺇﻧﻬﺎ لاﺑﺪّ ﻗﺪ ﻣُﻠﺌﺖ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﺬﻭﻱ ﺃﺭﻭﺍﺡ، ﻟﻬﻢ ﺷﺮﺍﺋﻂُ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ -ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﻙ- ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ، ﻓﺈﻥّ ﻋﺪﻡَ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ -ﻟﺒُﻌﺪﻫﻢ ﺃﻭ ﻟﻘُﺼﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻬﻢ- لا ﻳﻘﻴﻢ ﺩﻟﻴـلا ﺃﺑﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ لا ﻳﺪﻝ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﺤﺠﺔٍ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻭﻗﻴﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ؛ ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ ﻭﺿﺂﻟﺔ ﺣﺠﻤﻬﺎ، ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻮﻃﻨﺎ ﻟﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ، ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖْ ﺃﻗﺬﺭُ ﻭﺃﺧﺲُّ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﺑﻊَ ﻭﻣﻮﺍﻃﻦَ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﻣﺤﺸﺮﺍ ﻭﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ. ﻓﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻭﺍﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺗﺪﻝ ﻭﺗﺸﻬﺪ ﺑﻞ ﺗﻌﻠﻦ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀَ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﻭﺍلأﻧﺠﻢَ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﺑﺬﻭﻱ ﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ. ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔُ ﺍﻟﻐﺮّﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧُﻠﻘﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻭﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺍﻟﺮﺍﺋﺤﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎلاﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺑﺄﻧﻬﻢ: ﻣـلاﺋﻜﺔ.. ﻭﺟﺎﻥ.. ﻭﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ. ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ؛ ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﺍﻟﻤﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﺍﻟﻤﻮﻛّﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻟﻬﻢ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﺳﺎﺱ

ﻟﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭﺃﺻـلا ﻟﻴﺒﻘﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩُ ﻣﺴﺨّﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ ﻭﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑـ«ﻣﻌﻨﻰ»، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ..

ﻭﺗُﺮﻳﻨﺎ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤـلاﺣﻈﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ لا ﺗﻜﻮﻥ ﻣُﻄﺎﻋﺔً ﺣﺘﻰ ﻳُﺮﺟَّﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻣﻄﻴﻌﺔ ﺧﺎﺩﻣﺔ لإﻛﻤﺎﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺃﺳﺎﺳﻬﺎ.. ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺘﺠﺪﻯ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻭﺗُﻄﻠﺐَ ﺃﻭ ﺗُﻨﺘَﻈﺮَ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺍﻟﻤُﺜُﻞ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺴﻴﺮ ﻭﻓﻖ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺈﺷﺎﺭﺗﻪ.. ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻫﻮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.

ﻭﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ لا ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍلأﻋﻤﺎﻝُ ﻭﺍﻟﻤُﺜُﻞ ﻭلا ﺗُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻬﺎ، ﺇﺫ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺒّﺎ ﻭلا ﺃﺻـلا ﻭلا ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭلا ﺛﺎﺑﺘﺎ ﻣﺴﺘﻘﺮﺍ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺸﺮﺓ ﻭﻏـلاﻑ ﻭﺯَﺑَﺪ ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻣﻬﻴﺄﺓ ﻟﻠﺘﺸﻘّﻖ ﻭﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻤﺰﻕ.

ﺃلا ﻳُﺸﺎﻫَﺪ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺅﻳﺘُﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﺗﻤﻠﻚ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎﺕ ﺣﺎﺩّﺓ ﻭﻗﻮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺴﻤﻊ ﻫﻤﺴﺎﺕ ﺑﻨﻰ ﺟﻨﺴﻬﺎ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﻮﺍﺩَّ ﺭﺯﻗﻬﻢ!!. ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﻠّﻤﺎ ﺻﻐُﺮﺕ ﻭﺩﻗّﺖ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻧﻄﺒﺎﻉُ ﻣـلاﻣﺢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺍﺷﺘﺪّ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﻠﻤﺎ ﺩﻗﺖ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﻋﻦ ﻣﺎﺩﻳﺘﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﺘﺮﺏ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻓﻴﺘﺠﻠّﻰ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺣﺮﺍﺭﺓُ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺸﺪّﺓ ﺃﻛﺜﺮ..

ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﺷﺢ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﺤﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺗﻨﺴﺎﺏُ ﺭﻗﺮﺍﻗﺔً ﻣﻦ ﺃﻏﻄﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩّﺓ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﻤﻠﻮﺀﺍ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺑﺬﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ؟ ﻭﻫﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻳُﺴﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﺮﺷﺤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻣﻨﺎﺑﻊ ﻟﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺗﺘﻮﺿﺢَ ﺑﻬﺎ ﻭﺣﺪﻫﺎ!؟.. ﻛـلا ﺛﻢ ﻛـلا.. ﺑﻞ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻟﻤﺘﺮﺷﺤﺔ، ﻭﻟﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﺗُﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺃﻥّ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺘﺎﺭ ﻣﻨﻘّﺶ ﻣﺰﺭﻛﺶ ﻣﻠﻘﻰً ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﻭﺍلأﺭﻭﺍﺡ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

  ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺨﺺّ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ؛ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﺠﻨﺔ. ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻭﻫﻮ ﺧـلاﺻﺔ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻭﺃﺳﺎﺳُﻬﺎ. ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﺳﺎﻃﻌﺎ، ﻟﺬﺍ لا ﻧﺒﺤﺚ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﻘﺼﺮ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻭﺃﺟﻮﺑﺔ ﺣﻮﻝ ﺑﻌﺾ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺳﻮﻑ ﺗُﻜﺘﺐ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺣﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:25)

ﻫﺬﻩ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻋﻦ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ

ﺇﻥّ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺّ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻞُ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺃﻟﻄﻒُ ﻣﻦ ﺣﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺃﺣﻠﻰ ﻣﻦ ﺳﻠﺴﺒﻴﻠﻬﺎ. ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴّﻨﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﺪَﻉ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻟﻜـلاﻡ. ﻟﺬﺍ ﻧﻀﻊ ﺩﺭﺟﺎﺕِ ﺳُﻠّﻢٍ، ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﻔﻬﻢ. ﻓﻨﺬﻛﺮ ﺑﺎﻗﺔً ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻫﻲ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮٍ ﻣﻦ ﺟﻨﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﺿﻤﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻭﺃﺟﻮﺑﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ  ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ  ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﻋـلاﻗﺔُ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ «ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ» ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻘﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ، ﺑﺎلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ؟ ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻓﻠِﻢَ ﻳﻠﺰﻡ ﺣﺸﺮ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻟﻠﺘﻠﺬﺫ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﻇﻠﻤﺘِﻪ، ﻧﺴﺒﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ، ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺸﺄ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻤﻮ ﻭﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻌﻨﻰً ﻓﻮﻕ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﺲُ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻭﺗﺴﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﻴﺘﻬﺎ، ﺑﺸﺮﻁ ﺗﺰﻛﻴﺘﻬﺎ.

ﻓﺎﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻊُ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﺎ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﻭﺃﻏﻨﺎﻫﺎ.. ﻓﺎلآلاﺕُ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺯﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺪﺧﺮﺍﺕ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻣﺜـلا ﺣﺎﻭﻳﺔً ﻋﻠﻰ ﺁلاﺕٍ ﻟﺘﺬﻭّﻕ ﺍﻟﺮﺯﻕِ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻄﻌﻮﻣﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻟَﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺲّ ﺑﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻭﻟَﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺤﺲَّ ﻭﺗﻤﻴﺰ ﺑﻌﻀَﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭَ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﺬﻭﻗﻬﺎ ﻭﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭِ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ، ﻭﺑﺄﻧﻮﺍﻉ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ.

ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻤﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ- ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻗﺪ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮّﻑ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺟﻤﻴﻊَ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﻳﻌﻠّﻢ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻳﺬﻳﻖ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﺁلاﺋﻪ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻣﺠﺮﻯ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺣﻮﺽ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﺼﺐّ ﻓﻴﻪ ﺳﻴﻞُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻫﺬﺍ.. ﻭلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﺽ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﻌﺮﺽ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺻُﻨﻊ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻫﺬﺍ.. ﻭلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺨﺰﻥ ﺃﺑﺪﻱ ﺗُﺨﺰﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ.. ﺃﻱ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﺭِ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺗﺸﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﻭﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺳﺴﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ.. ﻭلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻗﺪ ﺧﺺّ ﻟﺬﺍﺋﺬَ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلآلاﺕ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﺟﺮﺓً ﻟﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ، ﻭﻣﺜﻮﺑﺔً ﻟﺨﺪﻣﺎﺗﻬﺎ، ﻭﺃﺟﺮﺍ ﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻭﺇلا (ﺃﻱ ﺑﺨـلاﻑ ﻫﺬﺍ) ﺗﺤﺼﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻨﺎﻓﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﺤﻜﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻋﺪﺍﻟﺘﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻣﻤﺎ لا ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻭلا ﻳَﻠﻴﻖ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻋﺪﺍﻟﺘﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥّ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻭﺗﺤﻠّﻞ ﺩﺍﺋﻤَﻴﻦ، ﻭﻫﻲ ﻣﻌﺮّﺿﺔ ﻟـلاﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭلا ﺗﻨﺎﻝ ﺻﻔﺔَ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺇﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴِﻪ ﻭﻣﻌﺎﺷﺮﺓَ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻓﺼﺎﺭﺕ -ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ- ﺃﻣﻮﺭﺍ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻭﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﻓـلا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻓﻠِﻢَ ﺇﺫﻥ ﺩُﺭﺟﺖ ﺿﻤﻦ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:

ﺃﻭلا: ﺇﻥّ ﺗﻌﺮّﺽ ﺟﺴﻢ ﺣﻲ ﻟـلاﻧﻘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻧﺎﺟﻢ ﻣﻦ ﺍﺧﺘـلاﻝ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ (ﺃﻱ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳَﺮﺩ ﻭﻣﺎ ﻳُﺴﺘﻬﻠﻚ) ﻓﺎﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺍلاﺳﺘﻬـلاﻙ، ﻓﺘﻀﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ، ﻭﻳﻤﻮﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ..

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔً لا ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﺮﻛﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻞ، ﺃﻭ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ، (حاشية) ﺇﻥ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻀﻴﻒ ﻟﻠﺬﺭﺍﺕ، ﻭﺛﻜﻨﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻟﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻓﺘﻜﺘﺴﺐ ﻟﻴﺎﻗﺔ ﺗﺆﻫﻠﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺫﺭﺍﺕٍ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺤﻲ، ﺛﻢ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ، ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻓﺈﻥ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺎﻡ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:64)، ﻓـلا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻔﺮ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ، ﻭلا ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺒﺎﺕ لأﺟﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ. ﻓﺎﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ. ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺃﺑﺪﻳﺎ ﻣﻊ ﺍﺷﺘﻐﺎﻝ ﻣﺼﻨﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ لاﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﺬﻭﻕ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ. ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ، ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﻴﻔﺔ، ﻓﻘﺪ ﺃﻭﺩﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺬﺍﺋﺬُ ﺣﻠﻮﺓ ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﺮﺟﺢ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﺃﺟﺮﺓً ﻣﻌﺠﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻛﻞُ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﺪﺍﺭ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍلأﻟﻢ ﻫﺬﻩ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺗﺘﺨﺬ ﺻﻮﺭﺍ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪﺍ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻟﺬﺓ ﺍلأﺟﺮﺓ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻟﻠﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪﻫﺎ ﻟﺬﺓً. ﻭﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺑﺪلا ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪﻫﺎ ﻟﺬﺓ ﺃﺧﺮﻯ- ﺣﺘﻰ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬُ ﻟﻄﺎﻓﺔً ﻭﺫﻭﻗﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺬﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﻭﻧَﺒﻌﺎ ﺣﻴﺎ ﻓﻴﺎﺿﺎ ﻟِﻠَﺬﺍﺋﺬَ لاﺋﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟـلأﺑﺪﻳﺔ. ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺣﻴﺎﺓ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﺬﻩ، ﺗﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎﻙ ﺫﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺑﺪلاﻟﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:64).

ﻓﺎلأﺷﺠﺎﺭ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻨﺎ، ﺗُﺪﺭﻙ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﻭﺗﻨﻔّﺬﻫﺎ، ﻭﺍلأﺣﺠﺎﺭُ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻫﻨﺎ، ﺗُﻄﻴﻊ ﻣﺎ ﺗُﺆﻣﺮ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻠﺖَ ﻟﺸﺠﺮﺓ: ﺃﻋﻄﻴﻨﻲ ﺛﻤﺮﺓَ ﻛﺬﺍ ﺗﻌﻄﻴﻚ ﺣﺎلا، ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺖَ ﻟﺤﺠﺮ: ﺗﻌﺎﻝَ ﻫﻨﺎ، ﻳﺄﺗﻴﻚ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭُ ﻭﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﺗﺘﺨﺬ ﺻﻮﺭﺍ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻣﻊ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮﻕ ﺩﺭﺟﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺳﻤﻮّ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﺳﺆﺍﻝ:  ﻳﺤﻀﺮ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻴﻜﺴﺐ ﻣﺤﺒﺔً ﻟﻠﻪ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻪ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: «ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺃﺣﺐ»، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺎﺩﻝُ ﻓﻴﺾ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻊ ﻓﻴﺾ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻋﺮﺍﺑﻲ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﺜﺎﻝ: ﺭﺟﻞٌ ﻋﻈﻴﻢ ﺃﻋﺪّ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﺰﻫﺮ ﺭﺍﺋﻊ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﻫﻴﺄ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ، ﺟﺎﻣﻌﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻄﻌﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺲّ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺬﻭﻕ، ﺷﺎﻣـلا ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺣﺎﺳﺔُ ﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻭﻣﺸﺘﻤـلا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻬﺞ ﻗﻮﺓَ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻳُﺮﺿﻲ ﻭﻳُﻄَﻤْﺌﻦ ﻛﻞَّ ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺻﺪﻳﻘﺎﻥ ﻣﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻭﻳﺠﻠﺴﺎﻥ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺨﺼﺺ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻜَﻮﻥ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﺎﺳﺔَ ﺫﻭﻕ ﺿﻌﻴﻔﺔ، لا ﻳﺘﺬﻭﻕ ﺇلا ﺷﻴﺌﺎ ﻗﻠﻴـلا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ، ﻭلا ﻳﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، لأﻥ ﺑﺼﺮَﻩ ﺿﻌﻴﻒ، ﻭلا ﻳﺸﻢ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﺢَ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ، لأﻧﻪ ﻓﺎﻗﺪ ﻟﺤﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﻢ، ﻭلا ﻳﻔﻬﻢ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻟﻌَﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻏﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ.. ﺃﻱ لا ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺿﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ، ﻭلا ﻳﺬﻭﻕ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ ﺇلا ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮ، ﻓـلأﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺣﻮﺍﺳﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﻟﻄﺎﺋﻔﻪ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ ﻭﻗﻠﺐ ﻭﺣﺲّ، ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ، ﻣﺘﻔﺘﺤﺔ ﻣﻨﻜﺸﻔﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺲّ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﺍﻟﺒﻬﻴﺞ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ، ﻳﺤﺲّ ﺑﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﺘﺬﻭﻗﻬﺎ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺟﺎﻟﺲ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍلأﻭﻝ.

ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺣﺎﺻـلا ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕُ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺍﻟﺜﺮﻳﺎ، ﻓـلاﺑﺪ -ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلأﻭﻟﻰ- ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬ ﻛﻞ ﺍﻣﺮﺉٍ ﺣﻈَّﻪ ﻣﻦ ﺳُﻔﺮﺓ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ، ﻭﻳﺤﺲّ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ، ﺭﻏﻢ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻳﺤﺐ. ﻓﺎﻟﺠﻨﺎﻥُ لا ﺗﻤﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻭﺗﻬﻤﺎ، لأﻥ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻲ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺇلا ﺃﻥ ﻋﺮﺵ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺳﻘﻒُ ﺍﻟﻜﻞ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﺑُﻨﻴَﺖ ﺑﻴﻮﺕ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﺣﻮﻝ ﺟﺒﻞ ﻣﺨﺮﻭﻃﻲ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍلآﺧﺮ، ﻛﺎﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺗﻌﻠﻮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓُ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓُ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻓﻨﻮﺭُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻳﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻛﻠﻬﺎ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥُ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳُﺮﻯ ﻣُﺦُ ﺳُﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺣُﻠّﺔ، ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬﺍ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻨﻪ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳُﻌﺪّ ﻫﺬﺍ ﺟﻤﺎلا؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺟﻤﻴﻞ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﺟﻤﺎﻟُﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﻠﻄﻒ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻏﻠﺒُﻬﺎ ﻗﺸﺮ، ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﺟﻤﻴـلا ﻟﻠﺒﺼﺮ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎﻧﻌﺎ ﻟـلأﻟﻔﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﺣﻴّﺔ ﻭﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻛﻠُّﻬﺎ ﻟﺐّ ﻣﺤﺾ لا ﻗﺸﺮَ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﺣﻮﺍﺱُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻠّﻬﺎ، ﻛﺎﻟﺒﺼﺮ، ﻭﻟﻄﺎﺋﻔُﻪ ﻛﻠَّﻬﺎ، ﺃَﺧْﺬَ ﺣﻈﻮﻅِ ﺃﺫﻭﺍﻗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﻫﻦّ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لأﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﻦّ ﻳﻔﻀُﻠﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﻦ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤُﻠﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺦ ﺍﻟﺴﻴﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﺍﺭ ﺫﻭﻕ ﻟﺤﺲّ ﻣﻌﻴّﻦ ﻭﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ.

ﻧﻌﻢ؛ ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮِ «ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺯﻭﺟﺔ ﺳﺒﻌﻮﻥ ﺣُﻠَّﺔ، ﻳُﺮﻯ ﻣﺦ ﺳﻮﻗﻬﻤﺎ». ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻜﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺰﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺒﻊ ﻭﺗُﺮﺿﻲ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻭﺣﻮﺍﺱ ﻭﻗﻮﻯ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻋﺎﺷﻘﺔٍ ﻟﻠﺤﺲ، ﻭﻣﺤﺒﺔٍ ﻟﻠﺬﻭﻕ، ﻭﻣﻔﺘﻮﻧﺔٍ ﺑﺎﻟﺰﻳﻨﺔ، ﻭﻣﺸﺘﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﻳﻠﺒﺴﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻃﺮﺯﺍ ﻣﻦ ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺯﻳﻨﺔ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﺃﺣﺪُﻫﺎ ﺍلآﺧﺮ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻪ، ﺑﻞ ﻳﺒﺪﻳﻦ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺄﺟﺴﺎﺩﻫﻦ ﻭﺃﻧﻔﺴﻬﻦ ﻭﺃﺟﺴﺎﻣﻬﻦ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻳُﻈﻬﺮﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ (ﺍﻟﺰﺧﺮﻑ:71).

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻧّﻪ ﻟﻴﺲ لأﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻀـلاﺕ ﺑﻌﺪ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﻗﺸﺮﻳﺔ ﺯﺍﺋﺪﺓ. ﻧﻌﻢ، ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭُ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺴﻔﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺫﻭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، لا ﺗﺘﺮﻙ ﻓﻀـلاﺕ ﻣﻊ ﺗﻐﺬﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﻓﻠِﻢَ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺩﻭﻥ ﻓﻀـلاﺕ؟

ﺳﺆﺍﻝ: ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻧﺒﻮﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ؛ ﺃﻧﻪ ﻳُﻨﻌَﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﻤُﻠﻚ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻣﺌﺎﺕ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﻣﺌﺎﺕ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻓﻤﺎ ﺣﺎﺟﺔُ ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺗﻌﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺟﺴﺪﺍ ﺟﺎﻣﺪﺍ ﻓﺤﺴﺐ، ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻧﺒﺎﺗﻴﺎ، ﻭﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻌﺪﺓ ﻓﻘﻂ، ﺃﻭ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺟﺴﻢ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ، ﻭﻛﺎﺋﻦ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻣﻮﻗﺖ ﺑﺴﻴﻂ ﻣﻘﻴﺪ ﺛﻘﻴﻞ، ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻠﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺭ، ﻭلا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﻣُﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﺛﺮﻭﺗﻬﺎ ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﻓـلا ﻳُﺸﺒﻊ ﺣﺮﺻَﻪ، ﺣﻴﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻜﺸﻔﺔ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻳﻄﺮُﻕُ ﺑﺎﺏ ﺭﺣﻤﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻭﺑﻴَﺪ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻴﻠَﻪ لإﺣﺴﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻭﺣﻖّ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﻄﻌﺎ.

ﻭﺳﻨﺮﺻﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﺗﻤﺜﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ: ﺇﻥّ ﻟﻜﻞ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا» ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﻭﻣﺎﻟﻜَﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﺩﻱ، (حاشية) ﻫﻮ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺪﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺑﻮﻓﺎﺀ ﺗﺎﻡ، ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ. ﺇلا ﺃﻥ ﻛﻞّ ﻧﺤﻞ ﻭﻃﻴﺮ ﻭﻋﺼﻔﻮﺭ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا» ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ «ﺑﺎﺭلا» ﻭﺭﻳﺎﺿَﻬﺎ ﻣﺘﻨﺰﻫﺎﺗﻲ ﻭﻣﻴﺪﺍﻥ ﺟﻮلاﻧﻲ، ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﺗﻜﻔﻴﻪ ﺣُﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﺕ. ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﻀﻢ «ﺑﺎﺭلا» ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ. ﻭلا ﻳﺠﺮﺡ ﺣُﻜﻤَﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙُ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻪ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﻘﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ- ﻳﺼﺢّ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻴﺘﺎ، ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﺳﺮﺍﺟﺎ، ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ، ﻭﺍلأﺭﺽ ﻣﻬﺪﺍ ﻣﻔﺮﻭﺷﺎ ﺑﺰﺭﺍﺑﻲ ﻣﺒﺜﻮﺛﺔ ﻣﺰﻫﺮﺓ. ﻳﻘﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﻭﻳﺸﻜﺮ ﺭﺑﻪ. ﻭلا ﻳﻨﻘﺾ ﺣﻜﻤَﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺗﺰﻳّﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺠﻤّﻠﻬﺎ.

ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﺩّﻋﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﻃﻴﺮ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ، ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻧﺎﻝ ﻧﻌَﻤﺎ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳُﺴﺘﺒﻌﺪ ﺇﺫﻥ ﺍلإﺣﺴﺎﻥُ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻤُﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ، ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﺩﺭﺟﺘﻴﻦ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺃﺑﺪﻳﺔ؟.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻭﻧﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺫﺍﺕٍ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﺣﻀﻮﺭ ﺟﺒﺮﺍﺋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻓﻲ ﺃﻟﻒ ﻧﺠﻢ ﻭﻧﺠﻢ ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺃﺗﻘﻴﺎﺀَ ﺃﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻇﻬﻮﺭَﻩ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ لا ﺗﺤﺪ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍلأﺑﺪﺍﻝ -ﻭﻫﻢ ﻧﻮﻉ ﻏﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ- ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻋﻤﻞَ ﺳﻨﺔٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻭﻣﺸﻬﻮﺩ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ -ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺟﺴﺎﻣُﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺧﻔﺘﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ- ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻌﺎﺷﺮﺗﻬﻢ ﻣﺎﺋﺔَ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻭﺗﻠﺬﺫﻫﻢ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ، ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ. لاﺋﻖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﺍﻟﺠﻨﺔِ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ، ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻣـلاﺋﻢٌ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻣﻨﻄﺒﻖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻬﻮ ﺣﻖ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻣﻊ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪﺍ لا ﺗﻮﺯَﻥ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ.

ﻧﻌﻢ، لا ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝُ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺇﺩﺭﺍﻙَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ. لأﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ لا ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺛﻘـلا ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋَﻠَﻰ ﺣَﺒِﻴﺒِﻚَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻓَﺘَﺢَ ﺃﺑْﻮَﺍﺏَ ﺍﻟْﺠَﻨّﺔِ ﺑِﺤَﺒِﻴﺒِﻴَّﺘِﻪِ ﻭَﺑِﺼَـلاﺗِﻪِ، ﻭَﺃﻳَّﺪَﺕْ ﺃﻣَّﺘَﻪُ ﻋَﻠَﻰ ﻓَﺘﺤِﻬَﺎ ﺑِﺼَﻠَﻮَﺍﺗِﻬِﻢْ ﻋَﻠَﻴﻪِ، ﻋَﻠَﻴﻪِ ﺍﻟﺼَّـلاﺓُ ﻭَﺍﻟﺴَّـلاﻡُ.

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺃﺩْﺧِﻠﻨَﺎ ﺍﻟْﺠَﻨّﺔَ ﻣَﻊَ ﺍﻟْﺄﺑْﺮَﺍﺭِ ﺑِﺸَﻔَﺎﻋَﺔِ ﺣَﺒِﻴﺒِﻚَ ﺍﻟْﻤُﺨْﺘَﺎﺭ ﺁﻣِﻴﻦَ.

   ﺫﻳﻞ ﺻﻐﻴﺮ

   ﻳﺨﺺ ﺟﻬﻨﻢ

    ﺇﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﻀﻢّ ﺑﺬﺭﺓَ ﺟﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻳُﺨﻔﻲ ﻧﻮﺍﺓَ ﺯﻗﻮﻡ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ.

ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺬﺭﺓ ﻟﺠﻬﻨﻢ، ﻓﺠﻬﻨﻢُ ﻛﺬﻟﻚ ﺛﻤﺮﺓ ﻟﻪ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺳﺒﺐ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺟﻬﻨﻢ، ﻛﺬﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﻟﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ، لأﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﻛﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﺫﻭ ﻋﺰﺓ ﻭﻏﻴﺮﺓ ﻭﺟـلاﻝ ﺑﺴﻴﻂ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺭﺟﻞ ﻓﺎﺳﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻣﺘﺤﺪﻳﺎ: ﺇﻧﻚ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺩﻳﺒﻲ، ﻭﻟﻦ ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺒﻨﻲ ﺳﺠﻨﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻘﻲ ﻭﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻴﻪ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺠﻦ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮُ ﺑﺈﻧﻜﺎﺭﻩ ﻭﺟﻮﺩَ ﺟﻬﻨﻢ، ﻳُﻜَﺬّﺏ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﺰﺓُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﺮﺓُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻳﺴﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺍﻟﻌﺠﺰَ، ﻭﻳﺘّﻬﻤﻪ ﺑﺎﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﻌَﺠﺰ. ﻓﻬﻮ ﺑﻜُﻔﺮﻩ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻌﺰّﺗِﻪ ﺑﺸﺪﺓ، ﻭﻳﻤﺲّ ﻏﻴﺮﺗَﻪ ﺑﻘﻮﺓ، ﻭﻳﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﺟـلاﻟﻪ ﺑﻌﺼﻴﺎﻥ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺟﻬﻨﻢ ﺃﻱُّ ﺳﺒﺐ ﻛﺎﻥ -ﻭﻫﻮ ﻓﺮﺽ ﻣﺤﺎﻝ- ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺟﻬﻨﻢَ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻛﻔﺮُﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪَّ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺬﻳﺐِ ﻭﺇﺳﻨﺎﺩِ ﺍﻟﻌﺠﺰِ، ﻭﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ.

﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾