اللمعة التاسعة عشرة

«رسالة الاقتصاد»

(هذه الرسالة تحضّ على الاقتصاد والقناعة وتحذّر من مغبة الإسراف والتبذير)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ (الأعراف:31)

(هذه الآية الكريمة تلقّن درساً في غاية الأهمية وترشد إرشاداً حكيماً بليغاً بصيغة الأمر إلى الاقتصاد، ونهي صريحٍ عن الإسراف. تتضمن هذه المسالة سبعَ نكات).

النكتة الأولى

إنَّ الخالق الرحيم سبحانه يطلب من البشرية شكراً وحمداً إزاء ما أَغدقَ عليها من النعم والآلاء، إلّا أَنَّ الإسراف منافٍ للشكر وهو استخفاف خاسر ووخيم تجاه النعمة، بينما الاقتصاد توقيرٌ مربح إزاء النعمة.

أَجل! إنَّ الاقتصاد كما هو شكرٌ معنوي، فهو توقير للرحمة الإلهية الكامنة في النعم والإحسان.. وهو سبب حاسم للبركة والاستكثار.. وهو مدار صحة الجسد كالحِمية.. وهو سبيل إلى العزة بالابتعاد عن ذلّ الاستجداء المعنوي.. وهو وسيلة قوية للاحساس بما في النعم والآلاء من لذة.. وهو سبب متين لتذوق اللذائذ المخبأَة في ثنايا نعَمٍ تبدو غير لذيذة.. ولكون الإسراف يخالف الحِكَم المذكورة آنفاً باتت عواقبُه وخيمة.

النكتة الثانية

لقد خلق الفاطر الحكيم جسم الإنسان بما يشبه قصراً كاملَ التقويم وبما يماثل مدينة منتظمة الأجزاء، وجعل حاسةَ الذوق المغروزة في فمه كالبوّاب الحارس، والأعصاب والأوعية بمثابة أسلاك هاتف وتلغراف (تتم خلالها دورة المخابرة الحساسة بين القوة الذائقة والمعدة التي هي في مركز كيان الإنسان) بحيث تقوم حاسةُ الذوق تلك بإبلاغ ما حلّ في الفم من المواد، وتحجز عن البدن والمعدة الأشياء الضارة التي لا حاجةَ للجسم لها قائلة: «ممنوع الدخول» نابذةً إياها، بل لا تلبث أَنْ تدفع وتبصق باستهجان في وجهِ كل ما هو غير نافع للبدن فضلاً عن ضرره ومرارته.

ولما كانت القوة الذائقة في الفم تؤدي دور الحارس. وإن المعدة هي سيدةُ الجسد وحاكمته من حيث الإدارة، فلو بلغت قيمةُ هديةٍ تُقدَّم إلى حاكم القصر مائة درجة فإنَّ خُمساً منها فقط يجوز أن يعطى هبةً للحارس لا أكثر، كيلا يختال الحارس وينسى وظيفتَه ويقحمَ في القصر كل مخلّ عابث يرشوه قرشاً أكثر.

وهكذا، بناءً على هذا السرّ، نفترض الآن أمامنا لقمتان، لقمة منها من مادة مغذّية -كالجبن والبيض مثلاً- يُقدّر ثمنها بقرش واحد، واللقمة الأخرى حلوى من نوع فاخر يُقدّر ثمنها بعشرة قروش، فهاتان اللقمتان متساويتان قبل دخولهما الفم ولا فرق بينهما، وهما متساويتان كذلك من حيث إنماء الجسم وتغذيته بعد دخولهما الفم ونزولهما عبر البلعوم. بل قد يغذّي الجبن -الذي هو بقرش واحد- تغذية أفضل وتنمية أقوى من اللقمة الأخرى. إذن ليس هناك من فرق إلّا ملاطفةَ القوة الذائقة في الفم التي لا تستغرق سوى نصف دقيقة. فليقدَّر إذن مدى ضرر الإسراف ويوازَن مدى التفاهة في صرف عشرة قروش بدلاً عن قرش واحد في سبيل الحصول على لذة تستغرق نصف دقيقة!

وهكذا فإن إثابة الحارس تسعة أضعاف ما يُقدّم إلى حاكم القصر من هدايا تُفضي به لا محالة إلى الغرور والجشع وتدفعه بالتالي إلى القول: إنما أنا الحاكم. فمَنْ كافأه بهبة أكثر ولذة أزيد دفعه إلى الداخل، مسبّباً إخلال النظام القائم هناك، مضرماً فيه ناراً مستعرة وملزماً صاحبه الاستغاثة صارخاً: هيّا أسرعوا إلى بالطبيب حالاً ليخفف شدة حرارتي ويطفئ لظى نارها.

فالاقتصاد والقناعة منسجمان انسجاماً تاماً مع الحكمة الإلهية، إذ يتعاملان مع القوة الذائقة معاملة الحارس، ويقفانها عند حدّها ويكافئانها حسب تلك الوظيفة. أما الإسراف فلأنه يسلك سلوكاً مخالفاً لتلك الحكمة، فسرعان ما يتلقّى المسرف صفعات موجِعة، إذ تحدث الاختلاطات المؤلمة في المعدة التي تؤدي إلى فقدان الشهية الحقيقية نحو الأكل، فيأكل بشهية كاذبة مصطنعة بتنويع الأطعمة مما يسبب عُسراً في الهضم، فيسبب المرض.

النكتة الثالثة

قلنا في النكتة الثانية آنفاً: إنَّ القوة الذائقة تؤدي دور الحارس. نعم، هي كذلك عند الغافلين الذين لم يَسمُوا بعدُ روحياً والذين لم يتقدموا في مضمار الشكر والعروج في مدارجه. نعم إنه لا ينبغي اللجوء إلى الإسراف -كصرف عشرة أضعاف الثمن- لأجل تلذذ تلك الحاسة الحارسة. ولكن القوة الذائقة لدى الشاكرين حقاً ولدى أهل الحقيقة وأَهل القلوب وأُولي الأَبصار بمثابة راصدة وناظرة مفتشة لمطابخ الرحمة الإلهية (كما وضح ذلك في المقارنة المعقودة في الكلمة السادسة). وإن ما يتم في تلك القوة الذائقة من عملية تقدير قيمة النعم الإلهية ومن التعّرف عليها بأنواعها المختلفة بما فيها من موازين دقيقة حساسة عديدة بعدد الأطعمة، إنما هو لإبلاغ الجسد والمعدة، بما ينمّ عن شكر معنوي.

فلا تقتصر وظيفة القوة الذائقة على رعاية الجسد رعايةً مادية وحدَها، بل هي أَيضاً أَرقى حكماً من وظيفة المعدة وأَرفع منزلة منها، لما لها من رعاية للقلب والروح والعقل ومن عناية لكل منها، علماً أنها تستطيع أن تمضي في سبيل الحصول على لذتها -بشرط عدم الإسراف- إنجازاً لمهمة الشكر الخالص المقدّرة لها، وبنيّة التعرف والإطلاع على أَنواع النعم الإلهية بتذوقها والشعور بها بشرط مشروعيتها وعدم كونها وسيلة للتذلل والاستجداء، أي إننا نستطيع أن نستعمل ذلك اللسان الحامل للقوة الذائقة في الشكر لأجل التفضيل بين الأَطعمة اللذيذة.

وإليكم هذه الحادثة إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي كرامة من كرامات الشيخ الكيلاني «قُدس سره»:

كان لعجوز رقيقة لطيفة ابنٌ وحيد يتربّى على يد الشيخ، دخلت تلك العجوز الموقرة ذات يوم على ابنها ورأت أنه يأكل من كِسرة خبز يابس أسمر مزاولاً رياضة روحية حتى ضعفَ ونحل جسمه. أَثارت هذه الحالة شفقة والدته الرؤوم ورقّت لحاله فذهبت لتشتكيه إلى الشيخ الكيلاني وإذا بها ترى الشيخ يأكل دجاجاً مشوياً. ولشدة رقتها ولطافتها قالت: أيها الشيخ إن ابني يكاد يموت جوعاً وها أنت ذا تأكل الدجاج! فخاطب الشيخ الدجاج قائلاً: «قم بإذن الله» فوثب ذلك الدجاج المطبوخ إلى خارج الوعاء بعد أَن اكتمل دجاجاً حياً بالتئام عظامه. لقد نقل هذا الخبر بالتواتر المعنوي ثقاتٌ كثيرون إظهاراً لكرامة واحدة من صاحب الكرامات المشهورة في العالم، الشيخ الكيلاني قُدس سرّه. ومما قاله الشيخ لتلك العجوز : متى ما بلغ ابنك هذه الدرجة.. فليأكل الدجاج هو الآخر.

فمغزى هذا الأمر الصادر من الشيخ الكيلاني هو: متى حَكمت روحُ ابنك جَسَدَهُ وهيمن قلبُه على نفسِه، وسادَ عقلُه معدتَه، والتمس اللذةَ لأجل الشكر.. عندئذ يمكنه أن يتناول ما لذّ وطاب من الأطعمة.

النكتة الرابعة

إنَّ المقتصد لا يعاني فاقةَ العائلة وعَوَزها كما هو مفهوم الحديث الشريف: (لَا يَعُولُ مَن اقتَصَد). أَجل هناك من الدلائل القاطعة التي لا يحصرها العدّ بأن الاقتصاد سببٌ جازم لإنزال البركة، وأساسٌ متين للعيش الأفضل. أذكر منها ما رأيته في نفسي وبشهادة الذين عاونوني في خدمتي وصادقوني بإخلاص فأقول:

لقد حصلتُ أحياناً وحصل أصدقائي على عشرة أضعاف من البركة بسبب الاقتصاد. حتى إنه قبل تسع سنوات عندما أصرّ عليّ قسمٌ من رؤساء العشائر المنفيين معي إلى «بوردور» على قبول زكاتهم كي يحولوا بيني وبين وقوعي في الذلة والحاجة لقلة ما كانت عندي من النقود، فقلت لأولئك الرؤساء الأثرياء: برغم أن نقودي قليلة جداً إلّا أنني أَملك الاقتصاد، وقد تعودتُ على القناعة، فأنا أَغنى منكم بكثير. فرفضتُ تكليفهم المتكرر الملحّ.. ومن الجدير بالملاحظة أن قسماً من أولئك الذين عرضوا عليّ زكاتهم قد غلبهم الدَّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، إلّا أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني -ولله الحمد- ببركة الاقتصاد إلى ما بعد سبع سنوات، فلم يُرَق مني ماء الوجه، ولم يدفعني لعرض حاجتي إلى الناس، ولم يفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو «الاستغناء عن الناس».

نعم إنَّ من لا يقتصد، مدعوّ للسقوط في مهاوي الذلّة، ومعرّضٌ للانزلاق إلى الاستجداء والهوان معنىً.

إنَّ المال الذي يُستعمل في الإسراف في زماننا هذا لهو مالٌ غالٍ وباهظ جداً، حيث تُدفع أحياناً الكرامةُ والشرف ثمناً ورشوة له، بل قد تُسلب المقدسات الدينية، ثم يُعطى نقوداً منحوسة مشؤومة، أي يقبض بضعة قروش من نقود مادية، على حساب مئات الليرات من النقود المعنوية. بينما لو اقتصر الإنسان على الحاجات الضرورية واختصرها وحصر همّه فيها، فسيجد رزقاً يكفُل عيشه من حيث لا يحتسب وذلك بمضمون الآية الكريمة: ﴿اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَت۪ينُ﴾ (الذاريات: 58) وإن صراحة الآية الكريمة: ﴿وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهَا﴾ (هود:6) تتعهد بذلك تعهداً قاطعاً.

نعم، إن الرزق قسمان:

القسم الأول: وهو الرزق الحقيقي الذي تتوقف عليه حياة المرء، وهو تحت التعهد الرباني بحكم هذه الآية الكريمة، يستطيع المرءُ الحصولَ على ذلك الرزق الضروري مهما كانت الأحوال، إنْ لم يتدخل سوءُ اختيار البشر، دون أن يضطر إلى فداء دينه ولا التضحية بشرفه وعزته.

القسم الثاني: هو الرزق المجازي، فالذي يسيء استعماله لا يستطيع أن يتخلّى عن الحاجات غير الضرورية، التي غدت ضروريةً عنده نتيجة الابتلاء ببلاء التقليد. وثمن الحصول على هذا الرزق باهظ جداً ولاسيما في هذا الزمان، حيث لا يدخل ضمن التعهد الرباني، إذ قد يتقاضى ذلك المال لقاء تضحيته بعزته سلفاً راضياً بالذل، بل قد يصل به حد السقوط في هاوية الاستجداء المعنوي، والتنازل إلى تقبيل أقدام أناسٍ منحطين وضيعين، لا بل قد يحصل على ذلك المال المنحوس الممحوق بالتضحية بمقدساته الدينية التي هي نور حياته الخالدة. ثم إنَّ الألم الذي ينتاب ذوي الوجدان من حيث العاطفة الإنسانية -بما يرونه من آلام يقاسيها المحتاجون البائسون في هذا الزمان الذي خيّم عليه الفقرُ والحاجة- يشوّب لذتَهم التي يحصلونها بأموال غير مشروعة، وتزداد مرارتُها إن كانت لهم ضمائر. إنه ينبغي في هذا الزمان العجيب الاكتفاء بحدّ الضرورة في الأموال المريبة، لأنه حسب قاعدة «الضرورة تُقَدّر بقدرها» يمكن أن يؤخذ باضطرارٍ من المال الحرام حدُّ الضرورة وليس أكثر من ذلك. وليس للمضطر أن يأكل من الميتة إلى حدّ الشبع، بل له أن يأكل بمقدار ما يحول بينه وبين الموت. وكذا لا يؤكل الطعام بشراهة أمام مائة من الجائعين.

نورد هنا حادثة واقعية للدلالة على كون الاقتصاد سبب العزة والكمال:

أقام «حاتم الطائي» المشهور بكرمه وسخائه ضيافة عظيمة ذات يوم وأغدق هدايا ثمينة على ضيوفه. ثم خرج للتجوال في الصحراء، فرأى شيخاً فقيراً يحمل على ظهره حملاً ثقيلاً من الحطب والكلأ والشوك والدم يسيل من بعض جسمه.. فخاطبه قائلاً:

– أيها الشيخ، إنَّ حاتماً الطائي يقيم اليوم ضيافة كريمة ويوزع هدايا ثمينة، بادر إليه لعلك تنال منه أموالاً أضعاف أضعاف ما تناله من هذا الحمل!.

قال له ذلك الشيخ المقتصد: سأحمل حملي هذا بعزة نفسي وعرق جبيني، ولا أرضى أن أقع تحت طائل منّة حاتم الطائي.

ولما سُئل حاتم الطائي يوماً:

– مَنْ من الناس وجدتَهم أعزَّ منك وأكرم؟.

قال:  ذلك الشيخ المقتصد الذي لقيتُه في المفازة ذات يوم، لقد رأيتُه حقاً أعزّ مني وأكرم.

اللمعة السابعة عشرة

(عبارة عن سبع عشرة مذكِّرة تألقت من الزُّهرة)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

قبل اثنتي عشرة سنة من تأليف هذه اللمعة وفقني المولى الكريم وشملني بعنايته ولُطفه، فكتبتُ بعض ما تَألَّق من مسائل التوحيد وبعض ما تظاهر منها في أثناء تأملٍ فكريّ، وتجوالٍ قلبيّ، وانكشافٍ روحيّ عبر العروج في مراتب المعرفة الإلهية، كتبتُها باللغة العربية على صورة مذكِّرات في رسائل موسومة بـ«زُهرة» و«شعلة» و«حبّة» و«شمّة» و«ذرة» و«قطرة» وأمثالِها.

وحيث إن تلك المذكِّرات قد كُتبتْ لأجل إراءة بدايةِ حقيقةٍ عظيمة واسعة، وإبراز مقدمتِها فحسب، ولأجل إظهار شعاعٍ من أشعة نور ساطع باهر، فقد جاءت على شكل خواطر وملحوظات وتنبيهات. سجلتُها لنفسي وحدَها، الأمر الذي جعل الاستفادةَ منها محدودةً، وبخاصة أن القسم الأعظم من أخلص إخواني وخلاصتهم لم يدرسوا اللغةَ العربية، فاضطررتُ إزاء إصرارهم وإلحاحهم إلى كتابةِ إيضاحات باللغة التركية لقسم من تلك المذكّرات واللمعات. وأَكتفي بترجمة القسم الآخر منها.
ولقد جاءت الترجمة إلى التركية نصاً دون تغيير حيث تراءت «لسعيد الجديد» هذه الخواطر الواردة في الرسائل العربية رؤيةً أشبه ما تكون بالشهود، وذلك حينما شرع بالاغتراف من منهل علم «الحقيقة».. ولأجل هذا فقد ذُكرت بعض الجمل بالرغم من أنها مذكورة في رسائل أخرى بينما ذُكر البعض الآخر في غاية الإجمال ولم يوضّح التوضيح المطلوب وذلك لئلا يفقدَ لطافته الأصلية.

سعيد النورسي

المذكّرة الأولى

كنت قد خاطبتُ نفسي قائلاً: اعلم أيها السعيد الغافل! إنه لا يليق بك أن تربط قلبَك وتعلّقه بما لا يرافقك بعد فناءِ هذا العالم، بل يُفارقُك بخراب الدنيا! فليس من العقل في شيء ربطُ القلب بأشياءَ فانيةٍ! فكيف بما يتركك بانقراض عصرك ويدير ظهرَه لك؟ بل فكيف بما لا يصاحبُك في سَفر البرزخ؟ بل فكيف بما لا يشيّعك إلى باب القبر؟ بل فكيف بما يفارقُك خلال سنة أو سنتين فراقاً أبدياً، مُورّثاً إثْمَه ذمَّتَك، محمّلاً خطاياه على ظهرك؟ بل فكيف بما يتركك على رغمك في آنِ سرورك بحصوله؟

فإنْ كنت فطناً عاقلاً فلا تهتمّ ولا تغتم، واترك ما لا يقتدرُ أن يرافقَك في سفر الأبد والخلود، بل يضمحل ويفنى تحت مصادمات الدنيا وانقلاباتها، وتحت تطورات البرزخ، وتحت انفلاقات الآخرة.

ألا ترى أن فيك لطيفةً لا ترضى إلّا بالأبد والأبدي، ولا تتوجه إلّا إلى ذلك الخالد، ولا تتنزل لما سواه؟ حتى إذا ما أُعطيت لها الدنيا كُلها، فلا تُطَمْأن تلك الحاجة الفطرية.. تلك هي سلطانُ لطائفك ومشاعرك.. فأَطِعْ سلطان لطائفك المطيع لأمر فاطره الحكيم جلّ جلاله، وانجُ بنفسك..

المذكِّرة الثانية

لقد رأيت في رؤيا صادقةٍ ذات حقيقة، أَنني أُخاطب الناس: أيها الإنسان! إنَّ من دساتير القرآن الكريم وأحكامه الثابتة: أن لا تحسبنَّ ما سوى الله تعالى أعظم منك فترفعَه إلى مرتبة العبادة، ولا تحسَبنَّ أنك أعظم من شيء من الأشياء بحيث تتكبّر عليه. إذ يتساوى ما سواه تعالى في البعد عن «المعبودية» وفي نسبة المخلوقية.

المذكِّرة الثالثة

اعلم أَيها السعيد الغافل! أنك ترى الدنيا الزائلة سريعاً، كأَنها دائمةٌ لا تموت، فعندما تنظر إلى ما حولك من الآفاق وتراها ثابتةً مستمرةً -إلى حدٍ ما- نوعاً وجملةً، ومن ثم ترجع بالمنظار نفسِه فتنظر إلى نفسك الفانية، تظنّها ثابتةً أيضاً. وعندها لا تندهش إلّا من هَول القيامة، وكأنك تدوم إلى أن تقوم الساعة!.

عُدْ إلى رشدك، فأنت ودنياك الخاصة بك معرّضان في كلّ آن إلى ضربات الزوال والفناء.. إن مَثَلَكَ في خطأ شعورك وغَلَط حسِّك هذا، يشبه مَن في يده مرآةٌ تواجه قصراً أو بلداً أو حديقةً، وترتسم الصورة المثاليةُ للقصر أو البلد أو الحديقة فيها، فإذا ما تحركت المرآة أَدنى حركة، وتغيرت أَقلّ تغيّر، فسيحدث الهرجُ والمرج في تلك الصورة المثالية، فلا يفيدُك بَعدُ البقاءُ والدوام الخارجيان في نفس القصر أو البلد أو الحديقة، إذ ليس لك منها إلّا ما تعطيك مرآتُك بمقياسها وميزانها.

فاعلم أَنَّ حياتك وعمرَك مرآة! وأنها عمادُ دنياك وسندها ومرآتها ومركزها. فتأمل في مرآتك، وإمكان موتها، وخرابِ ما فيها في كل دقيقة، فهي في وضع كأَنَّ قيامتَك ستقوم في كل دقيقة. فما دام الأمر هكذا فلا تُحمِّل حياتَك ودنياك ما لا طاقةَ لهما به.

المذكِّرة الرابعة

اعلم أن من سُنَّة الفاطر الحكيم -في الأكثر- ومن عاداته الجارية إعادةُ ما له أهمية وقيمة غالية بعينه لا بمثله. فعندما يجدد أكثرَ الأشياء بمثلها عند تبدل الفصول وتغيرّ العصور، يُعيد تلك الأشياء الثمينة بعينها. فانظر إلى الحشر اليومي -أي الذي يتم في كل يوم- وإلى الحشر السنوي، وإلى الحشر العصري، ترَ هذه القاعدة المطّردة واضحةً جلية في الكل. وبناء على هذه القاعدة الثابتة نقول:

قد اتفقت الفنونُ وشهدت العلومُ على أَنَّ الإنسان هو أَكملُ ثمرةٍ في شجرة الخليقة، وأَنَّه أَهم مخلوق بين المخلوقات، وأَغلى موجود بين الموجودات، وأَنَّ فرداً منه بمثابة نوع من سائر الأحياء، لذا يُحكم بالحدس القطعي على أَنَّ كلَّ فردٍ من أفراد البشر سيُعاد في الحشر الأَعظم والنشر الأَكبر بعينِه وجسمهِ واسمهِ ورسمهِ.

اللمعة السادسة عشرة

ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ

ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍﻷﻋﺰﺍﺀ ﺍﻟﺼﺪّﻳﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﺒﺮﻱ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻲ، ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻮﻥ، ﺧﺴﺮﻭ، ﺭﺃﻓﺖ، ﺑﻜﺮ ﺑﻚ، ﺭﺷﺪﻱ، ﻟﻄﻔﻴﻮﻥ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺣﻤﺪ، ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ.

ﻟﻘﺪ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎً ﻗﻠﺒﻴﺎً ﺃﻥ ﺃُﺑﻴّﻦ ﻟﻜﻢ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺃﺭﺑﻊَ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻬﻤﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻮﺿﻊَ ﺗﺴﺎﺅﻝ.. ﺃُﺑﻴّﻨﻬﺎ ﻟﻜﻢ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻭﺍﻻﻃﻼﻉ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮ:

ﺃﺧﺒﺮ ﺃﺣﺪُ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻭﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﭼﺎﺑﺮﺍ ﺯﺍﺩﺓ» ﻛﻤﺎ ﺃَﺧﺒﺮ ﺃُﻧﺎﺱ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺃﻳﻀﺎً: ﺃَﻥَّ ﺃَﻫﻞَ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻗﺪ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺑﺤﺪﻭﺙ ﺑﺸﺎﺭﺍﺕٍ ﻭﻓﺘﻮﺡ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺗﻜﺸَﻒ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﻐﻤﺔُ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﻴﻞ.

ﻓﺴﺄﻟﻮﻧﻲ: ﻛﻴﻒ ﻳُﺨﺒﺮ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ؟

ﻭﺧﻼﺻﺔ ﻣﺎ ﺃﺟﺒﺘﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﻧﺢ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻫﻲ:

ﺃﻧﻪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﻳﻨﺰﻝ ﻭﺗﻘﺎﺑﻠﻪ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻓﺘﺮﺩّﻩ.

ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺭﺍﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻟﻠﻮﻗﻮﻉ، ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔً ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻓﺘﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉِ ﺑﺘﺄﺧﺮ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ. ﻓﺘﺘﺄﺧﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻤﻘﺪَّﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀُ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﺸﻒ؛ ﺇﺫ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﺪّﺭﺍﺕٍ ﻣﻄﻠﻘﺔً، ﺑﻞ ﻣﻘﻴﺪﺓً ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻓﻠﻌﺪﻡ ﺣﺪﻭﺙِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻻ ﺗﻘﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔُ؛ ﺇﺫ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﻷﺟﻞ ﺍﻟﻤﻌﻠّﻖ، ﻗﺪ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍﻹﺛﺒﺎﺕ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺳﺠﻞ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻷﺯﻟﻲ. ﻓﺎﻟﻜﺸﻒ ﻗﻠّﻤﺎ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻷﺯﻟﻲ، ﺑﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻌﻈﻢُ ﺍﻟﻜﺸﻮﻑ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ. ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ:

ﺇﻥَّ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﺧﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﺋﺖ ﻭﻋﻴﺪ ﺍﻷﺿﺤﻰ ﻭﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺃﻭ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺸﻔﻴﺎﺕ، ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺷﺮﻭﻃَﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻠّﻘﺔ ﺑﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻟﻢ ﺗﺄﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ. ﻓﺎﻟﻤﺨﺒﺮﻭﻥ ﻋﻨﻬﺎ ﻻ ﻳُﻜﺬَّﺑﻮﻥ، ﻷﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺪَّﺭﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻊ ﺇﻟّﺎ ﺑﻤﺠﻲﺀ ﺷﺮﻭﻃﻬﺎ، ﻭﺇﺫ ﻟﻢ ﺗﺄﺕ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁُ ﻓﻼ ﺗﻘﻊ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻓﻌﻪ ﻣﻌﻈﻢُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺩﻓﻌﺎً ﻟﻠﺒﺪﻉ، ﻛﺎﻥ ﺷﺮﻃﺎً ﻭﺳﺒﺒﺎً ﻣﻬﻤﺎً ﻟﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺩﺧﻮﻝَ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﻣﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﺣﺠﺒﺖ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔَ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ، ﻓﻠﻢ ﺗﻔﺮّﺝ ﺍﻟﻜﺮﺑﺔُ ﻭﻟﻢ ﺗُﻜﺸَﻒ ﺍﻟﻐﻤّﺔ؛ ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺗﺪﻓﻊ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔُ ﺍﻟﺒﻼﺀَ -ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ- ﻓﺎﻟﺪﻋﺎﺀُ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻣﻦ ﺍﻷﻛﺜﺮﻳﻦ ﻳﺠﺬﺏ ﺍﻟﻔﺮﺝَ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ. ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻥ ﺍﻟﻘﻮﺓَ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﺔ ﻟﻢ ﺗﺄﺕِ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﻠﻢ ﺗﻮﻫﺐ ﺍﻟﻔَﺮَﺝَ ﻭﺍﻟﻔﺘﺢَ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮ:

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡُ ﺑﻤﺤﺎﻭﻟﺔ، ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﻉُ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮ، ﺇﺯﺍﺀ ﻭﺿﻊ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﻬﻴّﺞ، ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮﻳﻦ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆﺩﻱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ -ﺑﺎﺣﺘﻤﺎﻝ ﻗﻮﻱ- ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻔﺮّﺣﻨﻲ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﺒﻬﺠﺔَ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍﻟﻤﻘﺮّﺑﻴﻦ؛ ﻟﻢ ﺃَﻋﺒﺄْ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺿﻊ، ﺑﻞ ﻗﻤﺖُ ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻪ ﺃَﺣﻤﻞ ﻓﻜﺮﺍً ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻀﺎﻳﻘﻮﻧﻨﻲ ﻓﻈﻞّ ﺍﻟﺒﻌﺾُ ﻓﻲ ﺣﻴﺮﺓ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﻣﻦ ﺃَﻣﺮﻱ، ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﺿﺪَّﻙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻉُ ﻭﺛُﻠَّﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ، ﻛﻴﻒ ﺗﺠﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻬﺎﺟﻤﻬﺎ؟

ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺟﻮﺍﺑﻲ:

ﻫﻲ ﺃﻥَّ ﺃَﻋﻈﻢ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻫﻮ ﻓﺴﺎﺩُ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺗﺰﻋﺰﻉُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻀﻼﻝ ﻗﺎﺩﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻹﺻﻼﺡ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﻭﺇﺭﺍﺀﺓ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﻠﻮ ﻋُﻤﻞ ﺑﻬﺮﺍﻭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺻﻮﻟﺠﺎﻧﻬﺎ ﻭﺃُﺣﺮﺯ ﺍﻟﻨﺼﺮُ، ﺗَﺪَّﻧﻰ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭُ ﺇﻟﻰ ﺩَﺭَﻙِ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ. ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ- ﺃَﺷﺪُّ ﺧﻄﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻭﺃَﻓﺴﺪُ ﻣﻨﻪ. ﻓﺼﻮﻟﺠﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺇﺫﻥ ﻻ ﻳُﺼﻠِﺢ ﺍﻟﻘﻠﺐَ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﺣﻴﺚ ﻳُﻨﺰﻝ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻳﺘﺴﺘﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻳﻨﻘﻠﺐ ﻧﻔﺎﻗﺎً.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺷﺨﺼﺎً ﻋﺎﺟﺰﺍً ﻣﺜﻠﻲ، ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻭﺍﻟﻬﺮﺍﻭﺓَ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﻟﺬﺍ ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻋﺘﺼﺎﻡ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺑﻤﺎ ﺃَﻣﻠِﻚُ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻋﺪﻡَ ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻫﺮﺍﻭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺃﻳﺎً ﻛﺎﻥ ﻧﻮﻋﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩُ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻨﺎﻃﺔً ﺑﻨﺎ ﺣﺎﻟﻴﺎً. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﻬﺮﺍﻭﺓ ﻫﻲ ﻟﻮﻗﻒ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪ ﻋﻨﺪ ﺣﺪّﻩ، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﻳﺪﻳﻦ، ﺑﻞ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﺎﺋﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻷﻳﺪﻱ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻔﻲ ﺇﻟّﺎ ﻟﻠﻨﻮﺭ ﻓﻼ ﻳﺪَ ﻟﻨﺎ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺮﺍﻭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮ:

ﺇﻥَّ ﻫﺠﻮﻡ ﺍﻷﺟﺎﻧﺐ ﻛﺈﻧﻜﻠﺘﺮﺍ ﻭﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﻭﻧﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﺤﻤﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺭﻛﻴﺰﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻣﻨﺒﻊ ﻗﻮﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻣﻨﺬ ﺃﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﻭﺳﺘُﺼﺒﺢ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻹﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﻭﻟﺪﻓﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻉ.. ﻓﻠِﻢَ ﻋﺎﺭﺿﺖَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺑﺸﺪﺓ ﻭﺳﺄَﻟﺖَ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﺤﻞ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﺴﻼﻡ ﻭﺃﻣﺎﻥ. ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖَ ﻣﻨﺤﺎﺯﺍً ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﻴﻦ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﻭﺑﻨﺘﺎﺋﺠﻪ ﻣﻮﺍﻻﺓ ﻟﻠﺒﺪﻉ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﺤﻦ ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻔﺮﺝ ﻭﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻔﺘﺢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺴﻴﻒ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ.. ﻓﺴﺤﻘﺎً ﻟﺴﻴﻮﻓﻬﻢ ﻭﻟﺘﻜﻦ ﻭﺑﺎﻻ ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻭﻻ ﻧﺮﺟﻮ ﺍﻟﻔﺎﺋﺪﺓَ ﻣﻦ ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ، ﻷﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﺩﻳﻦ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﻠﻄﻮﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺭﺑّﻮﺍ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﻢ.

ﺃﻣﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔُ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺑﻼﺅﻫﺎ، ﻓﻬﻲ ﺿﺮﺭٌ ﺑﺎﻟﻎ ﻟﺨﺪﻣﺘﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻷﻥَّ ﻣﻌﻈﻢَ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻴﻦ ﺍﻟﻔﻀﻼﺀ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺃﻋﻤﺎﺭُﻫﻢ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻭﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ﻓﻴﻀﻄﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﻟﻠﺤﺮﺏ ﺗﺎﺭﻛﻴﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﻭﻟﻮ ﺃﻥَّ ﻟﻲ ﻣﺒﻠﻐﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻟﻜﻨﺖ ﺃَﺩﻓﻌﻪ -ﺑﻜﻞ ﺭﺿﺎﻱ- ﻷﺟﻞ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺍﻷﻛﺎﺭﻡ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺪﻝ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ! ﺇﻥ ﺍﻧﺨﺮﺍﻁ ﻣﺌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺪﻳﺔ، ﻭﻣﺰﺍﻭﻟﺘﻬﻢ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺧﺴﺎﺭﺓٌ ﻓﺎﺩﺣﺔ ﻟﺨﺪﻣﺘﻨﺎ، ﺃَﺷﻌﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﺪِﻝ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ. ﺑﻞ ﺇﻥ ﺫﻫﺎﺏ «ﺫﻛﺎﺋﻲ» ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺪﻳﺔ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺴﻨﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺘﻴﻦ، ﺃﻓﻘﺪﻧﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻬّﺮ ﻭﺟﻪَ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻠﺒّﺪ ﺑﺎﻟﻐﻴﻮﻡ ﻭﻳﺒﺮﺯ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻼﻣﻊ ﺧﻼﻝ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭُ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻔﺎﻗﺪﺓ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ، ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﺣﻘﺎﺋﻖَ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮﺓ ﺑﻜﻞ ﻳُﺴﺮ ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﺑﻐﻴﺮ ﺧﺴﺎﺭﺓ.

ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺮﺟﻮ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻟّﺎ ﻳﻜّﻠﻔﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﺛﻤﻨﺎً ﻏﺎﻟﻴﺎً. ﻭﺃﻥ ﻳﻤﻨﺢ ﺭﺅﻭﺱَ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﻌﻘﻞَ ﻭﻳﻬﺐ ﻟﻘﻠﻮﺑﻬﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥَ. ﻭﻫﺬﺍ ﺣﺴﺒﻨﺎ، ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﺗﺘﻌﺪﻝ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﻘﻴﻢ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻟﻤﺜﻴﺮ:

ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ ﻧﻮﺭﺍً، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺮﺍﻭﺓً ﻭﺻﻮﻟﺠﺎﻧﺎً، ﻓﺎﻟﻨﻮﺭ ﻻ ﻳُﻌﺎﺭَﺽ ﻭﻻ ﻳُﻬﺮَﺏ ﻣﻨﻪ، ﻭﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻣﻦ ﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﺿﺮﺭٌ. ﻓﻠِﻢَ ﺇﺫﻥ ﺗﻮﺻﻮﻥ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻛﻢ ﺑﺄﺧﺬ ﺍﻟﺤﺬﺭ ﻭﺗﻤﻨﻌﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺭﺳﺎﺋﻞَ ﻧﻴّﺮﺓٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ؟.

ﻣﻀﻤﻮﻥ ﺟﻮﺍﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺭﺅﻭﺱ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﻣﺨﻤﻮﺭﺓ، ﻻ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ، ﻭﺇﺫﺍ ﻗﺮﺃﻭﺍ ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ، ﻓﻴﺆﻭّﻟﻮﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺧﻄﺄ، ﻭﻳﻌﺘﺮﺿﻮﻥ ﻭﻳﻬﺎﺟﻤﻮﻥ. ﻭﻟﺴﺪّ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﻫﺠﻮﻣﻬﻢ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﺪﻡ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻟﻬﻢ ﻟﺤﻴﻦ ﺇﻓﺎﻗﺘﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺮﺟﺎﻉ ﺭﺷﺪﻫﻢ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻏﻴﺮَ ﻣﻨﺼﻔﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ، ﻳﻨﻜﺮﻭﻥ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﺃﻭ ﻳﻐﻤﻀﻮﻥ ﺃﻋﻴﻨَﻬﻢ ﺩﻭﻧﻪ، ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ، ﺃﻭ ﺧﻮﻓﺎً ﺃﻭ ﻃﻤﻌﺎً. ﻭﻷﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺃُﻭﺻﻰ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻴﺄﺧﺬﻭﺍ ﺣِﺬْﺭَﻫﻢ ﻭﻳﺤﺘﺎﻃﻮﺍ ﻟﻸﻣﺮ، ﻭﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻟّﺎ ﻳﻌﻄﻮﺍ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖَ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺃﻟّﺎ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﻌﻤﻞ ﻳﺜﻴﺮ ﺃﻭﻫﺎﻡَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺷﺒﻬﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ. (حاشية) ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺟﺎﺩﺓ:

ﺟﺎﺀﻧﻲ ﺃﻭﻝ ﺃﻣﺲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻫﻮ ﺻﻬﺮ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ، ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺴﺮﻭﺭﺍً ﻭﻣﺒﺸﺮﺍً: ﻟﻘﺪ ﻃﺒﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺇﺳﺒﺎﺭﻃﺔ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻚ. ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﺮﺃﻭﻧﻪ. ﻗﻠﺖ: ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﻃﺒﻌﺔً ﻣﺤﻈﻮﺭﺓً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺦ، ﻓﻼ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ. ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎً: ﺇﻳﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺻﺪﻳﻘَﻴﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘَﻴﻦ، ﺇﺫ ﻫﻤﺎ ﻳﺘﺤﺮﻳﺎﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻟﻴﺠﻌﻠﻮﻫﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻬﺠﻮﻡ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻴﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ! ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺻﻬﺮ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ، ﻓﻴﻌﺪّ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺎﺑﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻬﻨﺘﻪ: ﺍﻟﺤﻼﻗﺔ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻠﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﺎﻗﺪ ﻟﻠﻮﺟﺪﺍﻥ ﻭﻟﻠﻤﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ. ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺒﺮﻩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺃﺣﺪ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻢ ﻣﻨﻪ. ﻭﺣﺴﻨﺎً ﻓﻌﻞ ﺃﻥ ﺍﺧﺒﺮﻧﻲ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻨﺒﻬﺘﻪ. ﻭﺑﺪﻭﺭﻱ ﻧﺒﻬﺖ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺃﻳﻀﺎً. ﻭﺳﺪّ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ. ﻭﻧﺸﺮﺕ ﺁﻟﺔ ﺍﻟﺮﻭﻧﻴﻮ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ.

ﺧﺎﺗﻤﺔ

ﺗﺴﻠﻤﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺭﺃﻓﺖ»، ﻭﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺤﻴﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: ﺃﻥ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻦ ﻟﺤﻴﺘﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ صلى الله عليه وسلم ﻣﺤﺪﻭﺩٌ، ﻭﻫﻮ ﻋﺪﺩ ﻗﻠﻴﻞ، ﻳﺘﺮﺍﻭﺡ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ، ﺃﻭ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ، ﻭﻟﻜﻦ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ، ﺍﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﻭﺩﻓﻌﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ، ﻓﻮﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮﻱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ:

ﺇﻥَّ ﺷﻌﺮﺍﺕ ﺍﻟﻠﺤﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺍﻵﻥ -ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ- ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺷﻌﺮﺍﺕِ ﺍﻟﻠﺤﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﺷﻌﺮﺍﺕٌ ﻣﻦ ﺭﺃﺳﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ صلى الله عليه وسلم، ﺇﺫ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻟﻴﻀﻴّﻌﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻨﻪ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺣﺎﻓﻈﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ -ﻛﻠﻤﺎ ﺣَﻠَﻖَ- ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺩﺍﺋﻤﺎً، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻟﻮﻑ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻜﺎﻓﺌﺎً ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ.

ﻭﻭﺭﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮﻱ: ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﺍﻟﺸَّﻌﺮُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺎﻣﻊٍ ﺑﺴﻨﺪٍ ﺻﺤﻴﺢ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖٌ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻩ صلى الله عليه وسلم ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﺯﻳﺎﺭﺗُﻨﺎ ﻟﻪ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ؟

ﻓﺴﻨﺢ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﻓﺠﺄﺓ: ﺃﻥ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔٌ، ﻭﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم، ﻭﻫﻲ ﻣَﺪﺍﺭُ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭﺗﻮﻗﻴﺮﻩ. ﻓﻼ ﺗُﻨﻈَﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻲ ﺷﻌﺮﺓً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺗﻪ صلى الله عليه وسلم ﻓﻬﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺔَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺗﺤﺴﺐ -ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ- ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺷﻌﺮﺓً ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺗﻪ صلى الله عليه وسلم. ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺓ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﺘﻮﻗﻴﺮﻩ صلى الله عليه وسلم ﻭﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﺴﻨﺪ ﺍﻟﻘﻄﻌﻲ ﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺗﻌﻴﻴﻨﻪ ﺑﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻟّﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﺑﺨﻼﻓﻪ، ﻷﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﻠﻘﺎﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻣﺎ ﻗﺒﻠﺘﻪ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺭﺿﻴﺖ ﺑﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻧﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺔ. ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺍﻋﺘﺮﺽ ﺑﻌﺾُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺳﻮﺍﺀً ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺃﻭ ﺍﻷﺧﺬ ﺑﺎﻷﺣﻮﻁ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻌﺰﻳﻤﺔ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮﺍﺕ ﺧﺎﺻﺔ، ﻭﻟﻮ ﻗﻴﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺑﺪﻋﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺩﺍﺧﻠﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ، ﻷﻧﻬﺎ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺼﻠﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم.

ﻭﻳﻘﻮﻝ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺭﺃﻓﺖ» ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ: «ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺜﺎﺭَ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ». ﻓﺄﻭﺻﻲ ﺇﺧﻮﺍﻧﻲ: ﺃَﻟّﺎ ﻳﻨﺎﻗﺸﻮﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻨﻪ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕُ ﻭﺍﻻﻓﺘﺮﺍﻕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻠﻤﻮﺍ ﺑﺤﺚ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻧﺰﺍﻉ، ﻭﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﺗﺪﺍﻭﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ.


ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ

ﺍﺧﻮﺗﻲ ﺍﻷﻋﺰﺍﺀ ﻣﻦ «ﺳﻨﺮﻛﻨﺖ» ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ: ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ، ﺷﻜﺮﻱ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺑﻜﺮ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺣﺴﻴﻦ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺭﺟﺐ.

ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺳﻠﺘﻤﻮﻫﺎ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ، ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻭﻥ ﻣﻨﺬ ﺃﻣﺪ ﺑﻌﻴﺪ:

ﺃﻭﻻﻫﺎ: ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺣﺘﻰ ﺍﺫﺍ ﺑَﻠَﻎَ ﻣَﻐْﺮﺏَ ﺍﻟﺸَﻤْﺲِ ﻭَﺟَﺪَﻫﺎ ﺗَﻐْﺮُﺏُ ﻓﻲ ﻋَﻴﻦٍ ﺣَﻤﺌﺔٍ﴾ (ﺍﻟﻜﻬﻒ:86). ﻫﻮ: ﺃﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﻏﺮﻭﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻣﺎﺀِ ﻋﻴﻦٍ ﺫﻱ ﻃﻴﻦ ﻭﺣﺮﺍﺭﺓ.

ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﺃﻳﻦ ﻳﻘﻊ ﺳﺪُّ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ؟

ﺛﺎﻟﺜﺘﻬﺎ: ﻧﺰﻭﻝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﻗﺘﻠﻪ ﺍﻟﺪﺟﺎﻝَ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ.

ﺇﻥَّ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﻓﻨﻘﻮﻝ:

ﺇﻥَّ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺒﻨﻴﺔٌ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺑﻮﺟﻪٍ ﻳﻔﻬﻤﻪ ﻋﻤﻮﻡُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﻟﺬﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﺑُﻴّﻨﺖ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ.

ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺗﻐﺮﺏ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺣﻤﺌﺔٍ﴾ ﻳﻌﻨﻲ: ﺃﻥَّ ﺫﺍ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﻐﺮﺏ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻴﻨﺎً ﻣﻮﺣﻠﺔً ﻭﺣﺎﻣﻴﺔ، ﻋﻨﺪ ﺳﺎﺣﻞ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﺃﻭ ﺷﺎﻫﺪ ﻏﺮﻭﺑَﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺟﺒﻞٍ ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ ﺫﻱ ﻟﻬﻴﺐ ﻭﺩﺧﺎﻥ.

ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﺷﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻏﺮﻭﺑَﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻭﻓﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﺄﻧﻪ ﺑِﺮﻛﺔٌ ﺃﻭ ﺣﻮﺽُ ﻋﻴﻦٍ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻓﺸﺎﻫﺪ ﻏﺮﻭﺑﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﺧﻠﻒ ﺍﻷﺑﺨﺮﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻟﺸﺪﺓ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺼﻴﻒ.. ﺃﻭ ﺷﺎﻫﺪ ﺍﺧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ- ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ ﺍﻧﻔﻠﻘﺖ ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞٍ ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ ﺗﻘﺬﻑ ﺑﺤﻤﻤﻬﺎ ﻣﺎﺯﺟﺔً ﺍﻟﺘﺮﺍﺏَ ﻭﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻥ ﺍﻟﺴﺎﺋﻠﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﺮﺷﺪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻛﺜﻴﺮﺓ:

ﻓﺄﻭﻻ ﺇﻥ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻐﺮﺏ.. ﻭﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻋﺰّ ﺍﻟﺤﺮّ.. ﻭﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎﺕ.. ﻭﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﺎ ﺃﻭﺍﻥ ﻏﺮﻭﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ.. ﻭﺣﻴﻦ ﺍﻧﻔﻼﻕ ﺟﺒﻞ ﺑﺮﻛﺎﻧﻲ.. ﻛﻞُّ ﻫﺬﺍ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻪ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺋﻞَ ﻣﻠﻴﺌﺔٍ ﺑﺎﻟﻌِﺒﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﻴﻼﺀ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﺳﺘﻴﻼﺀً ﺗﺎﻣﺎً.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺣﺮﻛﺔٌ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺩﻟﻴﻞٌ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ -ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺱ ﺑﻬﺎ- ﻭﻫﻲ ﺗُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ. ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﴿ﻋﻴﻦ﴾ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﻠﺘﺸﺒﻴﻪ، ﺇﺫ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳُﺮﻯ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﺤﻮﺽ ﺻﻐﻴﺮ، ﻓﺘﺸﺒﻴﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻀﺒﺎﺏ ﻭﺍﻷﺑﺨﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎﺕ ﻭﺍﻟﺒُﺮَﻙ ﺑﻠﻔﺢ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺑ﴿ﻋﻴﻦ ﺣﻤﺌﺔٍ﴾ ﺃﻱ ﻋﻴﻦ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ، ﻭﻛﺬﺍ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﴿ﻋﻴﻦ﴾ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ: ﺍﻟﻴﻨﺒﻮﻉ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺳﺮّ ﺑﻼﻏﻲ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﻋﻼﻗﺔ ﻭﺛﻴﻘﺔ. (حاشية) ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑ«ﻋﻴﻦ» ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ (ﻋﻴﻦ ﺣﻤﺌﺔ) ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺮﻣﺰٍ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻄﻴﻒ ﻭﺳﺮ ﺩﻗﻴﻖ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ، ﻭﻫﻮ: ﺃﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻪ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺍﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﻋﻘﺐ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﺗُﻄﺒﻖ ﺍﻟﻌﻴﻨﺎﻥ ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻓﺘﻄﺒﻖ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ.. ﻓﺎﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺑﺈﻋﺠﺎﺯ ﺟﻤﻴﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﻣﺸﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻬﻰ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ. ﻓﻜﻤﺎ ﺑﺪﺍ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ ﻟﻨﻈﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺑُﻌﺪ ﻫﻜﺬﺍ. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﺣﺮﻱٌّ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻭﻣﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﻭﺭﻓﻌﺘﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﺴﺨّﺮﺓ ﺳﺮﺍﺟﺎً ﻓﻲ ﻣﻀﻴﻒ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ، ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻣﻌﺒﺮﺍً ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻋﻴﻦ ﺣﺎﻣﻴﺔ. ﻧﻌﻢ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻠﻌﻴﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ: ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑ ﴿ﻋﻴﻦ ﺣﻤﺌﺔٍ﴾ ﻟﻠﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺬﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺃﻯ ﻣﻦ ﺑُﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻴﻦُ ﻣﺎﺀ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻼ ﻳﻨﻈﺮ ﻧﻈﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺍﺧﻠﻪ ﺧﺪﺍﻉُ ﺍﻟﺒﺼﺮ، ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻄﻠﻌﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻷﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻴﺪﺍﻧﺎً ﺃﻭ ﻗﺼﺮﺍً ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﻬﺪﺍً ﺃﻭ ﺻﺤﻴﻔﺔ، ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺒﻴﺮﻩ ﺑ ﴿ﻋﻴﻦ﴾ ﻟﻠﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻷﻃﻠﺴﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﻀﺒﺎﺏ ﻭﺍﻷﺑﺨﺮﺓ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻋﻠﻮّﻩ ﻭﺭﻓﻌﺘَﻪ ﻭﺳﻤﻮّﻩ ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ.

اللمعة الخامسة عشرة

اللمعة الخامسة عشرة

  ﻭﻫﻲ ﻓﻬﺎﺭﺱ ﻛﻠﻴﺎﺕ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ: ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ، ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻠﻤﻌﺎﺕ -ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ- ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺧﺼّﺖ ﺑﻔﻬﺮﺳﺘﻬﺎ ﻟﺬﺍ ﻟﻢ ﺗﺪﺭﺝ ﻫﻨﺎ.

اللمعة الرابعة عشرة

  ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ

  ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ

  ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻴﻦ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

  ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ.

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻮﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺭﺃﻓﺖ!

ﺇﻥ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻤﻮﻩ ﻣﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﺣﻮﻝ «ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ» ﻗﺪ ﻭﺭﺩ ﺟﻮﺍﺑﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ. ﻭﻗﺪ ﺑُﻴّﻨﺖ ﻓﻲ «ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺍﺛﻨﺘﺎ ﻋﺸﺮﺓ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﺃﺻﻼ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺗﻤﺜﻞ ﺃُﺳﺴﺎً ﻣﻬﻤﺔً ﻟﺪﻓﻊ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻓﻜﻞ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺤﻚٌّ ﺟﻴﺪ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ.

ﺃﺧﻲ! ﺇﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﻧﺸﻐﻞ ﺇﻟّﺎ ﺑﺎﻟﺴﻮﺍﻧﺢ ﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺣﺎﻻﺕ ﻃﺎﺭﺋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺗﺤﻮﻝ -ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ- ﺩﻭﻥ ﺍﺷﺘﻐﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺑﺠﻮﺍﺏ ﺷﺎﻑٍ، ﻭﺇﻥْ ﻭَﻓّﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻓﺘﺢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺳﻮﺍﻧﺢ ﻗﻠﺒﻴﺔ ﺃﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﺸﻐﺎﻝ ﺑﻬﺎ. ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳُﺠﺎﺏ ﻋﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔٍ ﻟﺘﻮﺍﻓﻘﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻮﺍﻧﺢ، ﻓﻼ ﺗﺘﻀﺎﻳﻘﻮﺍ، ﺇﺫ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻛﻞٍّ ﻣﻦ ﺃﺳﺌﻠﺘﻜﻢ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﻭﺍﻓﻴﺔ. ﻓﻸﺟِﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ.

ﺗﺬﻛﺮﻭﻥ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﻲ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ: ﺃﻥَّ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺍﻷﺭﺽُ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻛﻮﻛﺒﺎً ﻣﻌﻠﻘﺎً ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻛﺄﻱ ﻛﻮﻛﺐ ﺁﺧﺮ، ﻓﻼ ﺛﻮﺭ ﻭﻻ ﺣﻮﺕ.

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺗُﺴﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﺗﻘﻮﻝ: ﺳُﺌﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم: ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻷﺭﺽ؟. ﺃﺟﺎﺏ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ. ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻗﺎﻝ ﻣﺮﺓ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﻣﺮﺓ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻮﺕ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺪّﺛﻴﻦ ﻃﺒﻘﻮﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺧﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﻗﺪﻳﻤﺔ ﻭﺭﺩﺕ ﻋﻦ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺎﺕ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺳﻠﻤﻮﺍ، ﻓﻬﺆﻻﺀ ﻏﻴَّﺮﻭﺍ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺣﻮّﻟﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰً ﻋﺠﻴﺐ ﻏﺮﻳﺐ ﺟﺪﺍً، ﺣﻴﺚ ﻃﺒﻘﻮﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ.

ﻭﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ ﺇﻟﻰ «ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺳﺲ» ﻭ«ﺛﻼﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ» ﻟﺪﻯ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ:

ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻷﻭﻝ: ﻟﻘﺪ ﺣﻤﻞ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺇﺳﻼﻣﻬﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗِﻬﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻣُﻠﻚَ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻱ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ . ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗِﻬﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﺤﻮﻱ ﺃﺧﻄﺎﺀً. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀُ ﺑﻼ ﺷﻚ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ.

  ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻬﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻼﺕ ﻛﻠﻤﺎ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﺃﻱ ﻛﻠﻤﺎ ﺳَﺮﺕ ﻣﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻋُﺪّﺕ ﺣﻘﺎﺋﻖَ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖٌ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎﺕ.

  ﻓﻤﺜﻼ: ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺻﺒﻴﺎً ﺧُﺴﻒ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ: ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻟﻠﻘﻤﺮ؟. ﻗﺎﻟﺖ: ﺍﺑﺘﻠﻌﺘﻪ ﺍﻟﺤﻴﺔُ!. ﻗﻠﺖ: ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺘﺒﻴﻦ! ﻗﺎﻟﺖ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴَّﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺷﻔﺎﻓﺔ ﻛﺎﻟﺰﺟﺎﺝ ﺗﺸﻒّ ﻋﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻬﺎ. ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻭﺃﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ: ﻛﻴﻒ ﺗﺪﻭﺭ ﺧﺮﺍﻓﺔٌ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ ﺍﻟﺤﺼﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﺎ؟.

ﻭﻟﻜﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﺎﻟﻌﺖ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ، ﻗﺪ ﺗﻠﻘّﻮﺍ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻛﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﻔﻠﻜﻴﻴﻦ ﺷﺒﻬﻮﺍ ﺍﻟﻘﻮﺳَﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻫﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﻭﻣﺪﺍﺭُ ﺩﺭﺟﺎﺗﻬﺎ، ﻣﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﻫﻲ ﻣﻴﻞُ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﻣﺪﺍﺭ ﻣﻨﺎﺯﻟﻪ، ﺷﺒﻬﻮﻫﻤﺎ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎً ﻟﻄﻴﻔﺎً ﺑﺤﻴّﺘﻴﻦ ﺿﺨﻤﺘﻴﻦ، ﻭﺳﻤﻮﻫﻤﺎ ﺗﻨﻴﻨَﻴﻦ، ﻭﺃﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻧﻘﻄﺘﻲ ﺗﻘﺎﻃﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺗﻴﻦ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺬﻧﺐ . ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻘﻤﺮُ «ﺍﻟﺮﺃﺱ» ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ «ﺍﻟﺬﻧﺐ» ﺗﺤﺼﻞ ﺣﻴﻠﻮﻟﺔ ﺍﻷﺭﺽ -ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻄﻠﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﻜﻴﻮﻥ- ﺃﻱ ﺗﻘﻊ ﺍﻷﺭﺽُ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳُﺨﺴﻒ ﺍﻟﻘﻤﺮ. ﺃﻱ ﻛﺄﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻓﻢ ﺍﻟﺘﻨﻴﻦ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪُ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺮﺍﻗﻲ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻏﺪﺍ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺗﻨﻴﻨﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻣﺠﺴﻤﺎً ﻳﺒﺘﻠﻊ ﺍﻟﻘﻤﺮَ!.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤَﻠَﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻤّﻴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ، ﻗﺪ ﺃُﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻻﺳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻟﻄﻴﻒ ﺳﺎﻡٍ، ﻭﻓﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪُ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪُ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ، ﻓﺎﺗﺨﺬ ﺍﻟﻤَﻠﻜﺎﻥ ﺻﻮﺭﺓَ ﺛﻮﺭٍ ﺿﺨﻢ ﻭﺣﻮﺕٍ ﻫﺎﺋﻞ.

  ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺎﺕٍ، ﻳﺮﺷﺪ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ، ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺎﺕٌ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺑﺘﺸﺒﻴﻬﺎﺕٍ ﻣﺄﻧﻮﺳﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ. ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ:

ﺃﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳُﻤﻊ ﺩﻭﻱّ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻗﺎﻝ: «ﻫﺬﺍ ﺣﺠﺮ ﻳﺘﺪﺣﺮﺝ ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻓﺎﻵﻥ ﺣﻴﻦ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﻌﺮﻫﺎ». ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺟﺎﺀ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻭﻗﺎﻝ: «ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﺍﻟﻔﻼﻧﻲ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻗﺪ ﻣﺎﺕ». ﻓﺄﻋﻠﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم.

ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﺴﻨﺬﻛﺮ ﻟﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ:

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻭﻝ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺪ ﻋﻴﻦ ﺃﺭﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻟﻺﺷﺮﺍﻑ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ. ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻨﺴﺮ ﻭﺍﺳﻢ ﺁﺧﺮ «ﺍﻟﺜﻮﺭ».

ﺃﻣﺎ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺷﻘﻴﻘﺔٌ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺭﻓﻴﻘﺔٌ ﺃﻣﻴﻨﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻓﻘﺪ ﻋُﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻣَﻠﻜﺎﻥ ﻣﺸﺮﻓﺎﻥ ﻳﺤﻤﻼﻧﻬﺎ، ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: «ﺍﻟﺜﻮﺭ» ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮ «ﺍﻟﺤﻮﺕ». ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﻤﺎ ﺑﻬﺬﻳﻦ ﺍﻻﺳﻤﻴﻦ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺴﻤﺎﻥ: ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ، ﺃﻱ ﺍﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳُﻌَﻤِّﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮَ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻤﻚ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌَﻤِّﺮ ﺍﻟﺒﺮَّ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺜﻮﺭ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫﻞ ﺍﻟﺜﻮﺭ.

ﻓﺎﻟﻤَﻠﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻛﻼﻥ ﺑﺎﻷﺭﺽ ﺇﺫﻥ ﻫﻤﺎ ﻗﺎﺋﺪﺍﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺸﺮﻓﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻟﻬﻤﺎ ﺗﻌﻠﻖٌ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ -ﻣﻦ ﺟﻬﺔ- ﻣﻊ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻭﻧﻮﻉ ﺍﻟﺜﻮﺭ. ﻭﻟﺮﺑﻤﺎ -ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ- ﻳﺘﻤﺜﻼﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ. (حاشية) ﻧﻌﻢ: ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎﺏ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺠﺮﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﻳﺴﻮﻗﻬﺎ ﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻗﺎﺋﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻭﺭﺑﺎﻧﻬﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠَﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺤﻮﺕ». ﻭﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً -ﺃﻱ ﺍﻷﺭﺽ- ﻛﻤﺰﺭﻋﺔ ﻟﻶﺧﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺭﻋﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ  -ﺑﺎﻹﺫﻥ ﺍﻹﻟﻬﻲ- ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺜﻮﺭ». ﻭﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻣﺎ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻹﻃﻼﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻧﺴﺠﺎﻡ ﻟﻄﻴﻒ. ﻓﺈﺷﺎﺭﺓً ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ، ﻭﺍﻳﻤﺎﺀﺍً ﺇﻟﻰ ﺫﻳﻨﻚ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﻭﺗﻲ ﺟﻮﺍﻣﻊَ ﺍﻟﻜﻠﻢ صلى الله عليه وسلم: «ﺍﻷﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ» ﻓﺄﻓﺎﺩ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺟﻴﺰﺓ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻗﺪ ﻻ ﻳُﻌَﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ.

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻮ ﻗﻴﻞ: ﺑﻢَ ﺗﻘﻮﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ؟ ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭﺍﻟﻘﻠﻢ: ﺃﻱ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ ﺳﻴﻒ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻭﺷﺠﺎﻋﺘﻪ ﻭﺇﻗﺪﺍﻣﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﻳﺔ ﻗﻠﻢ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﻭﻋﺪﺍﻟﺘﻬﻢ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﺴﻜﻦُ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺳﻴﺪُ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻘِﺴﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﻄﻨﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺍﺣﻞ ﻭﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﻚ، ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻮﻥ ﺗﺪﻭﺭ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﻣﺤﻮﺭ ﺗﺠﺎﺭﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﻚ. ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭﺍﻟﻘﻠﻢ، ﻳﻤﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺃﺣﺠﻢ ﺍﻟﺜﻮﺭُ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻠﻖِ ﺍﻟﺴﻤﻚ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺍﻟﺒﻴﻮﺽ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻼ ﻋﻴﺶَ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﺗﻨﻬﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻳﺪﻣﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻷﺭﺽَ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﺟﺎﺏ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﺑﺒﻼﻏﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻭﺑﻜﻠﻤﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺪﻯ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻘﺎﻝ صلى الله عليه وسلم: «ﺍﻷﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ».

   ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﺪﻭﺭ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﺛﺎﺑﺘﺔ. ﻭﻋﺒّﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑ«ﺍﻟﺒﺮﺝ» ﻓﻠﻮ ﻣُﺪﺕ ﺧﻄﻮﻁ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻧﺠﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﻟﺤﺼﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻷﺳﺪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً، ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭ، ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻮﺕ، ﻟﺬﺍ ﺑﻴﻨﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ.

ﺃﻣﺎ ﻋﻠﻢُ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻻ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﺭﺽ، ﺑﻞ ﺍﻷﺭﺽُ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻟﻬﺎ. ﺃﻱ ﻳﻌﻄﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻥَّ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻃﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﺃﺻﻐﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﺃﻱ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻷﺭﺽُ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﻪ، ﻓﻜﺄﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ -ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ- ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً «ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ» ﻣﺮﺓ ﻭ«ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻮﺕ» ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.

ﻧﻌﻢ ﺇﻧﻪ ﺣَﺮﻱٌّ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺃﻥْ ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺮﺓ: «ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ» ﻣﺸﻴﺮﺍً ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻻ ﺗُﺪﺭﻙ ﺇﻟّﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻭﻥ ﻋﺪﻳﺪﺓ. ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ -ﺃﻱ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ- ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﺒﺮﺝ ﺍﻟﺜﻮﺭ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳُﺌﻞ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺴﺆﺍﻝَ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ ﻗﺎﻝ: «ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻮﺕ» ﻷﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻇِﻞ ﺑﺮﺝ ﺍﻟﺤﻮﺕ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﺷﺎﺭ صلى الله عليه وسلم ﺑﻘﻮﻟﻪ: «ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ» ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺗﺘﻮﺿﺢ.. ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺳﻴﺎﺣﺘﻬﺎ.. ﻭﺭﻣﺰَ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ، ﻭﺍﻷﺭﺽُ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻋﺎﻃﻠﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﺟﺮﺍﻡ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺼﻮﺍﺏ.

ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ. ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺎﺕ، ﺃﻭ ﻫﻲ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎﺕ ﻭﺗﻤﺜﻴﻼﺕ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺄﻭﻳﻼﺕُ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﺓ، ﺣﺴﺒﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﺤﺮَّﻭﻥ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺍﺳﻨﺪﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم.

 ﴿ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺆﺍﺧﺬﻧﺎ ﺇﻥْ ﻧَﺴِﻴﻨﺎ ﺃﻭ ﺃﺧﻄﺄﻧﺎ﴾

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

  ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻳﺨﺺ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ.

ﺃﺧﻲ!

ﺳﻨﺬﻛﺮ ﺣﻜﻤﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺣﻮﻝ «ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ» ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞ ﺑﻼ ﺟﻮﺍﺏ، ﻭﻫﻲ: ﺃﻥَّ ﺃﺳﺮﺍﺭﺍً ﻭﺣﻜﻤﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻋﺒﺎﺀﻩ (ﻣﻼﺀﺗﻪ) ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻠﺒﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻲ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﺛﻢ ﺩﻋﺎﺅﻩ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻟﻴُﺬﻫِﺐَ ﻋَﻨﻜُﻢ ﺍﻟﺮﺟﺲَ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺒﻴﺖِ ﻭﻳُﻄَﻬِّﺮﻛُﻢ ﺗﻄﻬﻴﺮﺍً…﴾ (ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ:٣٣). ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ، ﻭﻻ ﻧﺬﻛﺮ ﺇﻟّﺎ ﺣﻜﻤﺔً ﻣﻦ ﺣِﻜﻤﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﻫﻲ:

ﺃﻥَّ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﺑﻨﻈﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻷﻧﻴﺲ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ، ﺍﻟﻨﺎﻓﺬ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺃﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺳﺘﻘﻊ ﻓﺘﻦٌ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﺳﺘُﺮﺍﻕ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﺰﻛﻴﺔ. ﻓﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﺃﺑﺮﺯ ﻣَﻦْ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻢ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹُ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺘَﺮَﻫﻢ ﺗﺤﺖ ﻋﺒﺎﺀﺗﻪ. ﻓﻸﺟﻞ ﺍﻹﻋﻼﻥ ﻋﻦ ﺗﺒﺮﺋﺔ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻷﻣﺔ.. ﻭﺗﺴﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﻋﺰﺍﺋﻪ.. ﻭﺗﻬﻨﺌﺔ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺷﺮﻓﻪ ﻭﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻭﻋﻈﻴﻢ ﻧﻔﻌﻪ ﻟﻸﻣﺔ ﺑﺮﻓﻌﻪ ﻓﺘﻨﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ.. ﻭﻃﻬﺎﺭﺓ ﻧﺴﻞ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺷﺮﺍﻓﺘﻬﻢ ﻭﺃﻫﻠﻴﺘﻬﻢ ﺑﻠﻘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ.. ﻷﺟﻞ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺳﺘﺮ صلى الله عليه وسلم ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺤﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ ﻭﺍﻫﺒﺎً ﻟﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺸﺮﻑ: ﺁﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻴﺎً ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺤﻖٍ، ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻥ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﺰﻛﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﺭﻳﻘﺖ ﺟﻠﻴﻠﺔٌ ﻓﺈﻥ ﺑﺮﺍﺀﺗﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺗﺒﺮﺋﺘَﻪ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻷﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ. ﻟﺬﺍ ﻳُﺒَﺮﺉ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺳﺎﺣﺘَﻪ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ. ﻓﻴﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﺑﺤﻘﻪ ﻛﻞَّ ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪﻩ ﻭﻳُﺨﻄﺌﻪ ﻭﻳﻀﻠﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ ﻟﻸﻣﻮﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻭﺯﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻭﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﻐﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘﻔﺮﻳﻄﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺗﻀﻠﻴﻠﻬﻢ ﻟﻪ ﻭﺇﻓﺮﺍﻁِ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﻭﻏﻠﻮِّﻫﻢ ﻭﺑﺪﻋﻬﻢ ﻭﺗﺒﺮّﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ ﻣﻊ ﻭﻗﻮﻉ ﺍﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﺍﻷﻟﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺪ ﺃﺿﺮّ ﺃﻫﻞَ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻳّﻤﺎ ﺿﺮﺭ. ﻓﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻳﻨﺠﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺀ ﻋﻠﻴﺎً ﻭﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘُﻬﻢ، ﻭﻳﻨﻘﺬ ﺃﻣﺘَﻪ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﻈﻦ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻬﻨﺊ  -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ- ﺍﻟﺤﺴﻦَ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺔ ﺑﺎﻟﺼُﻠﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ، ﻭﻳﻌﻠﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺴﻞ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺴﻠﺴﻞ ﻣﻦ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺳﻴﻨﺎﻟﻮﻥ ﺷﺮﻓﺎً ﺭﻓﻴﻌﺎً، ﻭﺃﻥ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻛﺮﻳﻤﺔً ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺫﺭﻳﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﺃﻡ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:

 ﴿ﻭﺍﻧﻲ ﺍﻋﻴﺬﻫﺎ ﺑﻚَ ﻭﺫُﺭﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:36)

ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻﻞّ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﺍﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﻳﻦ ﺍﻷﺑﺮﺍﺭ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﻴﻦ ﺍﻷﺧﻴﺎﺭ. ﺁﻣﻴﻦ.


  ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

  ﻳﻀﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺳﺘﺔً ﻣﻦ ﺃُﻟﻮﻑ ﺃﺳﺮﺍﺭ

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  ﺗﻨﺒﻴﻪ: ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﻋﻦ ﺑُﻌﺪٍ ﻟﻌﻘﻠﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺪ ﻧﻮﺭٌ ﺳﺎﻃﻊٌ ﺃﺷﺮﻕ ﻣﻦ ﺃُﻓﻖ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﻤﻠﺔ. ﻓﺄﺭﺩﺕُ ﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓِ ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ ﻭﻣﺬﻛِّﺮﺍﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻲّ، ﻭﻗﻤﺖُ ﺑﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻗﺘﻨﺎﺹ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮ ﺑﺈﺣﺎﻃﺘﻪ ﺑﺴﻮﺭٍ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﺮﺍً، ﻛﻲ ﻳﺴﻬُﻞ ﺣﺼﺮُﻩ ﻭﻳﺘﻴﺴﺮ ﺗﺪﻭﻳﻨﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﻟﻢ ﺃُﻭﻓَّﻖ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﻣﺴﻌﺎﻱ، ﻓﺎﻧﺤﺴﺮﺕ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭُ ﺇﻟﻰ ﺳﺘﺔ ﻓﻘﻂ.

ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻣﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺃﻗﻮﻝ: «ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ!» ﺃﻋﻨﻲ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻲ.

ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻲ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻋﺮﺿﻪ ﻟﻸﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻷﺧﻮﺗﻲ ﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻴﻦ ﻟﻴﻜﻮﻥ «ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭﻋﻠّﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻟﻤﻦ ﺍﺭﺗﺒﻂ ﺑﻲ ﺑﺮﺑﺎﻁ ﺭﻭﺣﻲ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴُﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻈﺔً ﻣﻨﻲ ﻭﺍﻧﺘﺒﺎﻫﺎً.

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻣﺘﻄﻠّﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿ﻗﺎَﻟﺖْ: ﻳﺎ ﺍﻳُﻬﺎ ﺍﻟﻤَﻠﺆﺍ ﺍِﻧﻲ ﺍُﻟﻘِﻲَ ﺍِﻟﻲَّ ﻛﺘﺎﺏٌ ﻛَﺮﻳﻢ٭ ﺍِﻧّﻪ ﻣِﻦْ ﺳُﻠَﻴْﻤﻦَ ﻭﺍِﻧﻪ ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ﴾ (ﺍﻟﻨﻤﻞ:٩٢ ٠٣

ﺳﻨﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺑﻀﻌﺔً ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ:

  ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻷﻭﻝ:

ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺗﺄﻣﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﻤﻠﺔ ﺭﺃﻳﺖُ ﻧﻮﺭﺍً ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻵﺗﻴﺔ:

ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺛﻼﺙَ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﻧﻴّﺮﺓ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗَﺴﻤﺎﺕ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺢ ﻭﺟﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓ ﻭﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻣﺘﺪﺍﺧﻞٌ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻧﻤﻮﺫﺝَ ﺍﻵﺧﺮ ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ.

  ﻓﺎﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﻫﻲ ﻋﻼﻣﺔُ ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔُ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻧﺪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻧﻖ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺏ ﺍﻟﺠﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﴿ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ﴾ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

  ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻫﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓُ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻭﺍﻻﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺑ﴿ﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ﴾ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

  ﺛﻢ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻭﻫﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺮﺣﻴﻤﻴﺔ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓُ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺩﻗﺎﺋﻖ ﺷﻔﻘﺘﻬﺎ ﻭﺃﺷﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻄﺒﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﻋﻨﻮﺍﻥٌ ﻗُﺪﺳﻲ ﻟﺜﻼﺙ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻷﺣﺪﻳﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳُﺸﻜّﻞ ﺳَﻄﺮﺍً ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻳﺨﻂ ﺧﻄﺎً ﺳﺎﻃﻌﺎً ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺣﺒﻼ ﻣﺘﻴﻨﺎً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﻧﺰﻭﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻃﺮﻓﻪ ﻭﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻧﺴﺨﺔُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮﺓ، ﻓﻴﺮﺑﻂ ﺍﻟﻔﺮﺵَ ﺑﺎﻟﻌﺮﺵ ﺍﻷﻋﻈﻢ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﻴﻼ ﻣﻤَﻬﺪﺍً ﻟﻌﺮﻭﺝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﺵ ﻛﻤﺎﻻﺗﻪ.

اللمعة الثالثة عشرة

  ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ

  ﺗﺨﺺ ﺣﻜﻤﺔ «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ»

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ (ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ:97-98)

  ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻳﺨﺺّ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﺳﺘُﻜﺘﺐ ﺛﻼﺙ ﻋﺸﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺠﻤﻞ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻨﻪ ﻗﺪ ﺃُﺛﺒﺖ ﻭﻭُﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺗﺪﺧﻞٌ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ -ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻭﻋﻨﺎﻳﺘﻪ- ﻇﻬﻴﺮٌ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥَّ ﺟﻤﺎﻝَ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺣُﺴﻨَﻪ ﻳﺸﻮّﻕ ﺃﻫﻠَﻪ ﻭﻳﺆﻳﺪُﻫﻢ، ﺑﻌﻜﺲ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺠَﻨﺔ ﺑﻘﺒﺤﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻔِّﺮ، ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺣﺰﺏَ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺣﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺷﺮّ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ؟.   

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﻟﺴﺮّ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻫﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺷﻲﺀٌ ﻋﺪَﻣﻲ ﻭﺳﻠﺒﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺃﺻﻴﻞ، ﻭﻫﻲ ﺇﺧﻼﻝٌ ﻭﺗﺨﺮﻳﺐ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔُ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻓﻬﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺫﺍﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﺷﻲﺀ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﺃﺻﻴﻞ ﻭﻫﻲ ﺇﻋﻤﺎﺭٌ ﻭﺑﻨﺎﺀ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺭﺟﻞٌ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻡ ﻣﺎ ﺑﻨﺎﻩ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺭﺟﻼ ﻓﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً،. ﻭﺃﻥ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﺿﻤﻦ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺺّ ﻗﺪﺭﺓَ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞّ ﻭﻋﻼ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﻤﻮﺕ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺪﻡٌ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺎ- ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻗَﻄﻊ ﻇﺎﻟﻢٌ ﻋﻀﻮﺍً ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺳﺎﺭ ﺍﻟﻤَﺜﻞ: «ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐُ ﺃﺳﻬﻞٌ» ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻤﻴﺮ.

ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺮّ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺑﻘﺪﺭﺗﻬﻢ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺣﻘﺎً ﻳﻐﻠﺒﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻷﻗﻮﻳﺎﺀ ﺟﺪﺍً.

ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻗﻠﻌﺔٌ ﻣﻨﻴﻌﺔ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﺘﺤﺼﻨﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻠﻮﺫﻭﻥ ﺑﻬﺎ، ﻓﻼ ﻳﺠﺮﺅ ﺃﻥْ ﻳﺘﻘﺮﺏَ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀُ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﻮﻥ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻮﻫﻢ ﺑﺴﻮﺀ. ﻭﻟﺌﻦ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻨﻬﻢ -ﻣﺆﻗﺘﺎً- ﻓﺎﻟﻔﻮﺯ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻷﺑﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﴿ﻭﺍﻟﻌﺎﻗِﺒَﺔُ ﻟﻠﻤُﺘّﻘﻴﻦَ﴾ (ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ:128) ﻳُﺬﻫِﺐ ﺃﺛﺮَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﺮّ ﻭﺍﻟﻘﺮﺡ.

ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺼﻦ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺳﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻄﺮ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ:

ﺇﻥَّ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺸﺮ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﻭﺗﺴﻠﻴﻄَﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺳﻮﻗَﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺩﺧﻮﻟَﻬﻢ ﺍﻟﻨﺎﺭَ ﺑﻤﻜﺎﻳﺪﻫﻢ، ﻫﻮ ﻗﺒﺢٌ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻣﺮٌ ﻣُﺮﻋﺐ. ﻓﻴﺎ ﺗُﺮﻯ ﻛﻴﻒ ﺗﺮﺿﻰ ﺭﺣﻤﺔُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻳﺴﻤﺢ ﺟﻤﺎﻝُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ ﻭﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ؟!.

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺨﻴّﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻛﻤﺎﻻﺕ، ﺗﺮﻗﻰ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﺳﻘﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻼﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﻣﺎ ﺗﻔﻮﻕ ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻭﻟﻜﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕُ ﻭﺗﻨﺒﺴﻂ ﻻﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ، ﻭﻻﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻭﺗﻌﺎﻣﻞ. ﻓﺤﺮﻛﺔُ ﻟﻮﻟﺐ ﺍﻟﺮﻗﻲّ ﻭﻧﺎﺑﺾِ ﺍﻟﺴﻤﻮّ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻫﻲ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ». ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻞ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ» ﺇﻟّﺎ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻀﺮّﺓ، ﺇﺫ ﻟﻮﻻ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ» ﻟﻈﻠّﺖ ﻣﺮﺗﺒﺔُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺛﺎﺑﺘﺔً ﻛﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻈﻬﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺸﻲﺀ ﺃﻥ ﻳُﺘﺮﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮُ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍً ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺷﺮٍّ ﺟﺰﺋﻲ، ﻓﺈﻥ ﺍﻧﺰﻻﻕ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﺗﺒﺎﻉ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺃﻫﻤﻴﺔً ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢُ ﻭﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﺑﻨﻈﺮ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻭﻻ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺇﻟّﺎ ﻗﻠﻴﻼ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻻ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

  ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺷﺨﺺ ﻟﺪﻳﻪ ﺃﻟﻒٌ ﻭﻋﺸﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ، ﺯﺭﻋَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻓﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﺒﺘﺖ ﻋﺸﺮٌ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺃﻳﻨﻌﺖ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻔﻮﻕ -ﺑﻼ ﺷﻚ- ﺧﺴﺎﺭﺓَ ﺍﻷﻟﻒِ ﺑﺬﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻠﺘﻠﻒ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊَ ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺎﺯﺗﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ﻳﺘﻸﻷﻭﻥ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﺑﻴﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻔﻼﺡ، ﻭﺃﺿﺎﺀﻭﺍ ﺍﻟﺴُﺒُﻞ ﺃﻣﺎﻣَﻬﻢ ﻭﺃﺧﺮﺟﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﻤﺠﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.. ﻻﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺰﻳﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﻤﺄﺓ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻌﺪّﻭﻥ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﻟﺘﻔﺎﻫﺘﻬﻢ ﻭﺩﻧﺎﺀﺗﻬﻢ. ﻟﻬﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺭﺿﻴﺖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ ﻭﺳﻤﺤﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺑّﺎﻧﻴﺔ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺗﺴﻠّﻄﻬﺎ.

ﻓﻴﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ! ﺇﻥَّ ﺩﺭﻋﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ ﻟﺼﺪ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ، ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺇﻥ ﺧﻨﺎﺩﻗﻜﻢ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﻫﻲ ﺳُﻨّﺔ ﻧﺒﻴّﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ. ﻭﺃﻣﺎ ﺳﻼﺣﻜﻢ ﻓﻬﻮ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓُ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﺯِ ﺍﻹﻟﻬﻲ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺃﻳﻦ ﻳﻜﻤﻦ ﺍﻟﺴﺮُّ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﻋﻴﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺮﻋﺐ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪِﻩ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻋﻤﻞٍ ﺟﺰﺋﻲ ﺻَﺪَﺭ ﻣﻨﻬﻢ، ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﻊ ﺑﻼﻏﺘِﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘّﺴﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺃﺳﻠﻮﺑِﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠِﺰ ﺍﻟﺮﺯﻳﻦ. ﺇﺫ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺸّﺪ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵَ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﺟﺰ ﻻ ﺣﻆّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ، ﻓﻴُﻜﺴِﺒُﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔَ ﺷﺮﻳﻚٍ ﻣﺘﺠﺎﻭﺯ ﺣﺪَّﻩ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺳﺮَّ ﺫﻟﻚ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﻭﺳﻊ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻣَﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﺘﺨﺮﻳﺐ ﻣﺪﻣّﺮ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺴﻠﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻓﻴﻠﺤِﻘﻮﻥ ﺑﻔﻌﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﻳﺼﺪﺭُ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺴﺎﺋﺮَ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ، ﻣَﺜﻠﻬُﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻛﻤﺜﻞ ﺭﺟﻞٍ ﺭﻛﺐ ﺳﻔﻴﻨﺔً ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﻟﻠﻤﻠِﻚ ﺛﻢ ﺧﺮَﻗﻬﺎ ﺧﺮﻗﺎً ﺑﺴﻴﻄﺎً، ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﻭﺍﺟﺒﺎً ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻳﻪ، ﻓﺄﻫﺪﺭ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺟﻬﺪَ ﻣَﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭﺃﻓﺴﺪَ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟَﻨﻲَ ﺛﻤﺎﺭ ﻋﻤﻠِﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺃﺑﻄﻞَ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣَﻦ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﺳﻴﻬﺪّﺩﻩ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﻬﺪﻳﺪﺍﺕٍ ﻋﻨﻴﻔﺔ، ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺘﻀﺮﺭﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺳﻴﻌﺎﻗﺒﻪ ﺃﺷﺪّ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺣﺘﻤﺎً، ﻻ ﻟﺤﺮﻛﺘﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﻛﻪ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻠﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﻙ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺘﺠﺎﻭﺯﻩ ﺣِﻤﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﺘﻌﺪّﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﻔﻴﻨﺔُ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺨﻔّﻮﻥ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺑﻞ ﻳﻌﺪّﻭﻧﻬﺎ ﻋﺒﺜﺎً ﻭﺑﺎﻃﻼ، ﻓﻴﺤﻘّﺮﻭﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﺗﺸﻜّﻞ ﺧﻄﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻭﻣﻌﺎﺻﻴﻬﻢ -ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ- ﺗﺠﺎﻭﺯﺍً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻭﺗﻌﺪّﻳﺎً ﺻﺎﺭﺧﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔً، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﻠﻚ ﺍﻷﺯﻝ ﻭﺍﻷﺑﺪ ﻳﺤﺸّﺪ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﻭّﻋﺔ ﺿﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻻﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺘﺮﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﻫﻲ ﺑﻌﻴﺪﺓٌ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻭﻣﻨﺰّﻫﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻹﺳﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻼﻡ.

ﻓﻴﺎ ﻫﻼﻙَ ﻭﻳﺎ ﺿﻴﺎﻉَ ﻣَﻦ ﻻ ﻳُﺤَﺼِّﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺤﺼﻦ ﻣﻨﻴﻊ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﺍﻷﻟﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﺨﺮﻳﺐ ﻣﺮﻭّﻉ ﻭﺗﺪﻣﻴﺮ ﻫﺎﺋﻞ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ! ﺃﻣﺎﻣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺼﻦُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﺍﻟﻤﻨﻴﻊ.. ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.. ﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻧﻘﺬﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ..

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻟﻘﺪ ﺍﺗﻔﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺷﺮٌ ﻣﺤﺾ.. ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺧﻴﺮٌ ﻣﺤﺾ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ -ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ- ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺄﺳﺎﺳُﻬﺎ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﻭﺟﻮﺩﻱ، ﺃﻱ ﺫﻭ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﻭﻓﺎﻋﻠﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﺑَﺪَﺕ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ.

ﻭﺇﻥ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻭﺍﻟﺒﻼﻳﺎ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﺭﻩ ﻫﻮ ﻋﺪﻡٌ ﻭﺳﻠﺒﻲ. ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻭﺍﻟﺴﻮﺀ ﻓﻨﺎﺟﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺕ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﻭﺟﻮﺩﺍً، ﻷﻥ ﺃﺳﺎﺳَﻬﺎ ﻋﺪﻡ ﻭﻧﻔﻲ ﺃﻱ ﺑﻼ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﺑﻼ ﻓﻌﻞ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻳﺘﻘﺮﺭ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﺪﻣُﻪ ﻭﺩﻣﺎﺭُﻩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺘﻬﺪّﻡ ﺃﺣﺪِ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﻭﻋﺪﻣِﻪ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠّﺔٍ ﻣﻮﺟﺪﺓ، ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﺪﻡُ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﻋﺪﻣﻴﺔ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻌﺪﻣﻲ ﻋﻠّﺔً ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺗﻴﻦ: ﻓﺈﻥ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻧﺼﻴﺐٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻭﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﺃﻳﺔُ ﺣﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻟﻬﻢ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﻣﺨﻴﻔﺔ ﻭﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺃﻋﻤﺎﻻ ﺷﺮﻳﺮﺓ ﻭﺩﻣﺎﺭﺍً ﻫﺎﺋﻼ، ﺇﺫ ﻻ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﻘﺪﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻗﻮﺗﻬﻢ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺃﻏﻠﺐَ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻌﻞٌ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺗﻌﻄﻴﻞِ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﺻﺪٍّ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻓﻴﻌﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺎﻟﺼَّﺮﻑِ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻓﺘﺤﺼﻞ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭُ.

ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻬﺪﻡ ﻭﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐِ ﻓﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠّﺘُﻬﺎ ﺇﻳﺠﺎﺩﺍً ﻓﺎﻋﻼ، ﻭﻻ ﻗﺪﺭﺓً ﻣُﻮﺟِﺪﺓً، ﺇﺫ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﺍﻟﻬﺎﺋﻞ ﺑﺄﻣﺮ ﻋﺪﻣﻲ، ﻭﺑﺈﻓﺴﺎﺩ ﺷﺮﻁٍ. ﻭﻟﻌﺪﻡ ﻭﺿﻮﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺠﻮﺱ ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺧﺎﻟﻖٍ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻭﺃﺳﻤَﻮﻩ «ﻳﺰﺩﺍﻥ» ﻭﺧﺎﻟﻖٍ ﻟﻠﺸﺮ ﻭﺃﺳﻤﻮﻩ «ﺃﻫﺮﻳﻤﺎﻥ» ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺪﻭ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﻡ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥِ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻠﺸﺮﻭﺭ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻬﺎ، ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺑﺎﻟﻜﺴﺐ، ﺩﻭﻥ ﺍﻹﻳﺠﺎﺩ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻥ ﺃﻣﻀﻰ ﺳﻼﺣِﻜﻢ ﺿﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﺰﻋﺔ ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺃﻫﻢَّ ﻭﺳﻴﻠﺘﻜﻢ ﻟﻠﺒﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻌﻤﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭُ ﻭﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻘﻮﻟﻜﻢ: «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ». ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﻗﻠﻌﺘﻜﻢ ﻫﻲ ﺳُﻨﺔ ﺭﺳﻮﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﺮ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﻣﺜﻮﺑﺔٍ ﻭﻫﻲ ﻧﻌﻴﻢُ ﺍﻟﺠﻨّﺔ ﻭﻣﻦ ﻋﻘﺎﺏ ﺃﻟﻴﻢ ﻭﻫﻮ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﻣﻊ ﻣﺎ ﻛﺮّﺭﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻭﺗﻨﺒﻴﻪ ﻭﺗﺮﻏﻴﺐ ﻭﺗﺤﺬﻳﺮ.. ﻳُﻐﻠَﺐُ ﺃﻫﻞُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﺄﺧﺬ ﻗﺴﻄﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ، ﺇﺫ ﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺻﺎﺣﺐُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﻋﻴﺪ ﺍﻟﻤﺨﻴﻒ ﻣﻦ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ؟. ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﺰﻭﻝ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﺼﻲ ﺭﺑَّﻪ ﻣُﺘَّﺒﻌﺎً ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻳﺪﻩ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺇﻥَّ ﻛَﻴﺪَ ﺍﻟﺸّﻴﻄﺎﻥ ﻛﺎﻥَ ﺿَﻌﻴﻔﺎً﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:76)؟ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺍﻟﻤﻘﺮّﺑﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﻤﻊ ﻣﻨّﻲ ﻣﺎﺋﺔً ﻣﻦ ﺩﺭﻭﺱ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺻﺪَّﻕ ﺑﻬﺎ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻗﻠﺒﻴﺎً، ﻭﻣﻊ ﺷﺪﺓ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻭﺣﺴﻦ ﻇﻨّﻪ ﺑﻲ ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺠﺮﻑ ﻟﺜﻨﺎﺀٍ ﺗﺎﻓﻪٍ ﻭﺭﺧﻴﺺ ﻣﻦ ﺭﺟﻞٍ ﻓﺎﺳﺪ ﻣﻴّﺖ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺎﻧﺠﺬﺏ ﺇﻟﻴﻪ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌَﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ ﻟﻲ. ﻓﻘﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﻳﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻬﻮﻱ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪَﺭﻙ؟. ﻛﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺫﺍ ﻣﻌﺪﻥ ﺭﺧﻴﺺ؟ ﻓﺄﺛِﻤﺖُ ﻣﻦ ﺍﻏﺘﻴﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺣﻘﺎﺋﻖُ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﺄﻧﺎﺭﺕ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ.. ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺃﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭَ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً، ﻭﻣﻨﺎﺳﺐ ﻭﻣﻼﺋﻢ ﻟﻠﺤﺎﻝ.. ﻭﺃﻥ ﺍﻧﺨﺪﺍﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﻜﺎﻳﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﻪ.. ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻔَّﺮ ﻣَﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ. ﻓﺎﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔُ ﻭﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻗﺪ ﺃﺧﻄﺄﻭﺍ ﺣﻴﻦ ﻛﻔّﺮﻭﺍ ﻣُﺮﺗﻜﺐَ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺃﻭ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔٍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺘﻴﻦ.. ﻭﺃﻥ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ، ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺤّﻰ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺜﻨﺎﺀ ﺷﺨﺺٍ ﺗﺎﻓﻪ، ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺤَﻂ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﻴﺾ ﻛﻠﻴﺎً -ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮّﺭﺕُ- ﻓﺸﻜﺮﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ.

ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ -ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً- ﺑﺄﻣﺮٍ ﺳﻠﺒﻲ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻨﻪ ﻳﻮﺭﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚَ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ.. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﺟَﻨﺒﻲِ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺍﻹﻧﺼﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.. ﻭﺇﻥ ﻗﻮﺗﻪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﻫﻤﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻬﺎﺯ ﻻﻗﻂ ﻭﺟﻬﺎﺯ ﺗﻮﺻﻴﻞ ﻟﻤﻜﺎﻳﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺧﺼﺺ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﺳﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ «ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻟﻴﺘﺠﻠَّﻴﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲّ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻭﻳﺘﻮﺟَّﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺃﻭﺿﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﺣﺴﺎﻥٍ ﻟﻪ ﻟﻸﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻫﻮ: ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ.. ﻓﺪﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ: ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ. ﻭﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺘﻜﺮﺍﺭﻩ «ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺪﺀﺍً ﻟﻜﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﻭﻟﻜﻞ ﺃﻣﺮٍ ﺫﻱ ﺑﺎﻝ، ﺟﻌﻞ ﺭﺣﻤﺘَﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺳﻌﺖ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻼﺫ ﻭﺍﻟﻤﻠﺠﺄ ﻷﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﻣﺎﻥُ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ. ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺤﺎﺟﺰ ﺍﻟﻤﺎﻧﻊ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺩﺳﺎﺋﺴﻪ ﻫﻮ ﻓﻲ «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ» ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮﻩ: ﴿ﻓﺎﺳﺘَﻌِﺬْ ﺑﺎﻟﻠﻪ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:98)

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﺇﻥَّ ﺃﺧﻄﺮ ﺩﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﻮ ﺃﻧﻪ ﻳُﻠﺒِﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﻤﺮﻫﻒ: ﺗﺨﻴُّﻞَ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺘﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺗﺼﻮّﺭَ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔِ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻟﻠﻀﻼﻟﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭﻳﺠﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺎﻟﻬﻢ ﺧﻮﺍﻃﺮ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻫﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻳﻮﻫﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻳﻘﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺠﻌﻞ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ» ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ». ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳﻈﻦّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦُ ﺍﻟﻤﺮﻫﻒ ﺍﻟﺤﺲّ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻫﻮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺯﺍﻝ ﻳﻘﻴﻨُﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ، ﻓﻴﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻟﻘﻨﻮﻁ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﺄﺳﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﺿﺤﻮﻛﺔً ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻔﺚ ﻓﻲ ﻳﺄﺳﻪ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ، ﻭﻳﻀﺮﺏ ﺩﻭﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﺗﺮﻩ ﺍﻟﺤﺴّﺎﺱ، ﻭﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺒﺎﺳﺎﺗﻪ ﻭﻳﺜﻴﺮﻫﺎ، ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺨﻞّ ﺑﺄﻋﺼﺎﺑﻪ ﻭﻋﻘﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ.

ﻭﻗﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺪﻯ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﻤﺰﺍﺕ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ، ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺳﻨﺪَ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﺃﺳﺎﺱ، ﺃﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﺴﻨﺠﻤﻠﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺤﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻻ ﺗﻠﺪﻍ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺱَ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳَﺤﺮﻕ، ﻭﻇِﻞَّ ﺍﻟﻨَﺠَﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺠﺲ، ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺓِ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺻﻮﺭِ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮﻙ، ﻭﻇِﻼﻝ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﺧﻴﺎﻻﺕ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺘﻢ، ﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﻻ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﺗﺜﻠﻢ ﺃﺩﺏَ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺮ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ. ﺫﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ: «ﺗﺨﻴّﻞُ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎً، ﻭﺗﺨﻴﻞُ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍً، ﻭﺗﺼﻮّﺭُ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻟﻴﺲ ﺿﻼﻟﺔً».

ﺃﻣﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔُ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ «ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ» ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦَ ﻭﻻ ﻳﺨﻞّ ﺑﻪ. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ: «ﺃﻥ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ».

  ﻓﻤﺜﻼ: ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺑﺤﻴﺮﺓ «ﺑﺎﺭﻻ» ﻣﻤﻠﻮﺀﺓٌ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻭﻣﺴﺘﻘﺮﺓٌ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺨﺴﻒ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ. ﻓﻬﺬﺍ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﺫﺍﺗﻲ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝٌ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ. ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ، ﺃﻭ ﺩﻟﻴﻞ، ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ «ﺇِﻣﻜﺎﻧﺎً ﺫﻫﻨﻴﺎً» ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﺸﻚ. ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻧﻪ: «ﻻ ﻋﺒﺮﺓ ﻟﻼﺣﺘﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﺩﻟﻴﻞ» ﺑﻤﻌﻨﻰ: ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝُ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎً ﺫﻫﻨﻴﺎً، ﻓﻼ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﻮﺟِﺐ ﺍﻟﺸﻚ. ﻓﺒﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﻳﻘﻴﻨَﻪ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻴﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻪ ﻣﺜﻼ ﺧﻮﺍﻃﺮُ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﻞّ ﺑﻴﻘﻴﻨﻪ ﻭﺟﺰﻣﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻇﻨَّﻪ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻀﺮّ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻀﺮﺭ.

ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺧﺮﻯ ﺗُﻠﻘﻲ ﻟﻤَّﺔُ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ- ﻛﻼﻣﺎً ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺠﻼﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻴﻈﻦ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﺃﻥ ﻗﻠﺒﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓَﺴَﺪ ﻓﺼﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻓﻴﻀﻄﺮﺏ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﻪ ﻭﺧﻮﻓﻪ ﻭﻋﺪﻡَ ﺭﺿﺎﻩ ﺩﻟﻴﻞٌ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﺎﺩﺭﺓً ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻤّﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺨﻴّﻠﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﺬﻛّﺮﻩ ﺑﻬﺎ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ -ﻭﻫﻲ ﺑﻀﻊ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﺗﺸﺨﻴﺼﻬﺎ- ﻣﺎ ﻻ ﺗﺮﺿﺦ ﻟﻺﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ  ﻓﺘﺘﺤﻜﻢ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻭﺗﺴﻴﻄﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻨﺼﺖ ﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﻠﺞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺧﺎﻃﺌﺔ، ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳُﻠﻘﻲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻓﻲ ﺭَﻭﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ: ﺇﻥ ﻓﻄﺮﺗَﻚ ﻓﺎﺳﺪﺓ ﻻ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻠﺞ ﺑﻼ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ؟ ﺇﺫﻥ ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻗَﺪَﺭُﻙ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻭﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎﺀ!. ﻓﻴﻬﻠﻚ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﺍﻟﻤﺪﻣّﺮ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺣﺼﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺤﺼﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪّﻣﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔُ ﺣﺪﻭﺩُﻫﺎ ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻭﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺮﺩّ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺑﺈﻫﻤﺎﻟﻬﺎ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﺒﺮ ﻭﺗﺘﻀﺨﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺴُﻨّﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﺒﻠﺴﻢ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﺍﺣﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ.

ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻋﺘﺒﺮﻭﺍ ﺃﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩَ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮٌ، ﻟﻢ ﻳﺮﺩّﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻓﻜﺄﻧﻬﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﻳﻨﺰّﻫﻮﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﻘﺪﺳﻮﻧﻪ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: «ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺸَﺮ ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖٌ ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ» ﻓﻀﻠّﻮﺍ ﺑﺬﻟﻚ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﻳﺰﻭﻝ ﺇﻳﻤﺎﻥُ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻷﻥ ﺻﺪﻕَ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺘﻼﺀﻡ ﻭﺍِﺭﺗﻜﺎﺏ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﺬﻧﻮﺏ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺬﺭ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔَ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﻫﺒﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺍﻟﻮﻗﺘﻲ، ﺇﻥ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻟﻐﻀﺐ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﻻ ﻟﻌﺬﺍﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﺍﻷﺑﺪﻱ، ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﺪﻡ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ».

ﺟﻮﺍﺏ ﺍﻟﺸﻖّ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ: ﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ» ﻭﻫﻮ:

ﺃﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﺮّ ﻟﻴﺲ ﺷﺮّﺍً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺷﺮٌ، ﻷﻥ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. ﻓﻮﺟﻮﺩُ ﺷﺮٍّ ﻭﺍﺣﺪ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪﻣﺔً ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺧﻴّﺮﺓ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ ﻳﺼﺒﺢ ﺧﻴﺮﺍً ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ، ﺃﻱ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺨﻴﺮ.

  ﻓﻤﺜﻼ: ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻟﻬﺎ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻓﻼ ﻳﺤﻖ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺷﺮٌّ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺳﺎﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺷﺮّﺍً ﻭﻭﺑﺎﻻ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩُﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺫﺍﺕ ﺣﻜﻤﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ، ﻛﺴﻤﻮّﻩ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺮﻗﻲ. ﻓﻼ ﻳﺴﻴﻎ ﻟﻤﻦ ﺍﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ -ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﻛﺴﺒﻪ ﺍﻟﺨﺎﻃﺊ- ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺷﺮٌ. ﺇﺫ ﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺸﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻜﺴﺒﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓٌ ﺟﺰﺋﻴﺔٌ ﻟﻸﻣﺮ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﺷﺮﺍً ﻷﻧﻪ ﻭﺳﻴﻠﺔٌ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺷﺮّ ﺧﺎﺹٍ ﻣﻌﻴﻦ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺑﺬﻟﻚ ﺷﺮّﺍً، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻳﺠﺎﺩ ﺷﺮﺍً، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻴﺮﺍً، ﻷﻧﻪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺸﺮّ ﺷﺮّﺍً.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﻟﻌﺪﻡ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﺿﻠّﻮﺍ، ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﺇﻥ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮٌ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻗﺒﺢٌ». ﻓﻠﻢ ﻳﺮﺩّﻭﺍ ﺍﻟﺸﺮَّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺴﺎً ﻭﺗﻨﺰﻳﻬﺎً ﻟﻪ، ﻭﺗﺄﻭّﻟﻮﺍ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ: «ﻭﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺧﻴﺮﻩ ﻭﺷﺮّﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ».

  ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻖ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻭﻫﻮ ﻛﻴﻒ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺆﻣﻨﺎً ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ؟

  ﻓﺠﻮﺍﺑﻪ:

  ﺃﻭﻻ: ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺃﺧﻄﺎﺀﻫﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﻋﺎﺩﺓ.

  ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗُﻔﻀّﻞ ﺩﺭﻫﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﺠَّﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﻃﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ﺍﻟﻤﺆﺟّﻠﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺤﺎﺷﻰ ﺻﻔﻌﺔً ﺣﺎﺿﺮﺓ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﺗﺤﺎﺷﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﻴﺞ ﺃﺣﺎﺳﻴﺲُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﺗﺮﺿﺦُ ﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺑﻞ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺤﻜﻢ، ﻓﻴُﺮﺟِّﺢُ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﺬﺓً ﺣﺎﺿﺮﺓً ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺍﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺒﻰ، ﻭﻳﺘﺠﻨّﺐ ﺿﻴﻘﺎً ﺟﺰﺋﻴﺎً ﺣﺎﺿﺮﺍً ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺠﻨﺒﻪ ﻋﺬﺍﺑﺎً ﺃﻟﻴﻤﺎً ﻣﺆﺟﻼ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮﻩ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺜّﺎً ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻋﻮﻧﺎً، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﺤﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻳﺴﻜﺘﺎﻥ، ﻓﻴُﻐﻠَﺒﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻫﻤﺎ. ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏُ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻧﺎﺗﺠﺎً ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻏﻠﺒﺔ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺤﺲّ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﺍﻧﻬﺰﺍﻡ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻏَﻠَﺒﺔ ﻛﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻓُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺑﺄﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﺳﻬﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻭﻫﺪﻡ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻮﻕ ﺷﻴﻄﺎﻥُ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥَ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺴﺮ.

ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻤﺤﻴّﺮ ﺟﺪﺍً ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﺘﻔﻀﻴﻠﻬﻢ ﻟﺬّﺓ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺍﺋﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﻔﻮﻕ ﻧﻮﺭٌ ﺃﺑﺪﻱ -ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ- ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨِﻌَﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻭﺍﻷﺳﺮﺍﺭ، ﻛﺮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐَ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻭﺃﻋﺎﺩﻫﻤﺎ ﻟﻴﺰﺟﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﻳﺠﻨّﺒﻪ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻵﺛﺎﻡ ﻭﻳﺤﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼﻼﺡ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻲ ﻳﻮﻣﺎً ﺳﺆﺍﻝٌ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﻭﺍﻹﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﻫﻮ: ﺃﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﻣﺪﻋﺎﺓً ﻟﺠﺮﺡ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺛﺒﺎﺗﻬﻢ ﻭﺃﺻﺎﻟﺘﻬﻢ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ؟. ﻷﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﻇﻒ ﻣﻦ ﺁﻣﺮﻩ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻳَﻈﻦُّ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺘّﻬﻢ ﻓﻲ ﺇﺧﻼﺻﻪ ﻭﻭﻻﺋﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻜﺮّﺭ ﺃﻭﺍﻣﺮَﻩ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ.

ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻳﻌﺼﺮ ﺫﻫﻨﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻲ ﺟﻤﻊٌ ﻣﻦ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻓﻜﻨﺖُ ﺃﺫﻛّﺮﻫﻢ ﻭﺃﻧﺒّﻬﻬﻢ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻛﻲ ﻻ ﺗﻐﺮّﻫﻢ ﺩﺳﺎﺋﺲ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻹﻧﺲ، ﻓﻠﻢ ﺃﺭَ ﺍﻣﺘﻌﺎﺿﺎً ﺃﻭ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻂ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺃﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ: ﺇﻧﻚ ﺗﺘّﻬﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺇﺧﻼﺻﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖُ ﺃﺧﺎﻃﺐ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺃﻗﻮﻝ: ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺃﺳﺨﻄﺘُﻬﻢ ﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎﺗﻲ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﻟﻬﻢ ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺃﺗﻬﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﻓﺎﺋﻬﻢ ﻭﺛﺒﺎﺗﻬﻢ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺜﺒﺘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﺃﻥ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻣﻄﺎﺑﻖٌ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﺔ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﻻ ﺇﺳﺮﺍﻑ ﻗﻂ، ﻭﻻ ﺍﺗﻬﺎﻡ ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ، ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﻜﻤﺔٌ ﺧﺎﻟﺼﺔ، ﻭﺑﻼﻏﺔ ﻣﺤﻀﺔ. ﻭﻋَﻠﻤﺖُ ﻛﺬﻟﻚ ﻟِﻢَ ﻟﻢْ ﻳﻤﺘﻌﺾ ﻭﻳﺘﻜﺪّﺭ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻷﻋﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﺗﺮﺩﻳﺪﻱ ﺍﻟﻨﺼﺢ ﻟﻬﻢ؟

ﻭﺧﻼﺻﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺷﺮﻭﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻷﻧﻪ ﺗﺨﺮﻳﺐٌ ﻭﻫﺪﻡ، ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻷﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻠﻜﻮﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺃﻥ ﻳُﺠﻨَّﺒﻮﺍ ﻭﻳُﻨَﺒَّﻬﻮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺣﺬﺭﻫﻢ ﻭﻳُﻤَﺪّ ﻟﻬﻢ ﻳﺪُ ﺍﻟﻌﻮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻟﻜﺜﺮﺓ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻟﻬﺬﺍ ﻳﻘﺪّﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻋﻮﻧﺎً ﻭﺗﺄﻳﻴﺪﺍً ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﻟﻒ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻳﻤﺪّﻫﻢ ﺑﺂﻻﻑ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﺩﻱ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻹﺳﻨﺎﺩﻫﻢ ﻭﺇﻣﺪﺍﺩﻫﻢ، ﻓﻼ ﻳﻘﺪﺡ ﺑﻪ ﻛﺮﺍﻣﺔَ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻞ ﻳﻘﻴﻪ ﻭﻳﺤﻔﻈﻪ، ﻭﻻ ﻳﻬﻮّﻥ ﺷﺄﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻞ ﻳﻈﻬﺮ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺷﺮ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ! ﺩﻭﻧﻜﻢ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻭﺍﻟﺨﻼﺹ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻳﺪ ﺷﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﺎﺳﻠﻜﻮﻫﺎ.. ﺍﺟﻌﻠﻮﺍ ﻣﺴﺘﻘﺮَّﻛﻢ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.. ﻭﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﻟﻤﺤﻜَﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ.. ﻭﺍﺟﻌﻠﻮﺍ ﺭﺍﺋﺪﻛﻢ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺗَﺴﻠﻤﻮﺍ ﻭﺗﻨﺠﻮﺍ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ..

اللمعة الثانية عشرة

  ﺗﺨﺺ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻗﺮﺁﻧﻴﺘﻴﻦ ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺳﺆﺍﻟﻴﻦ ﺟﺰﺋﻴﻴﻦ ﺳﺄﻟﻬﻤﺎ ﺍﻷﺥ ﺭﺃﻓﺖ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

  ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ.

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺭﺃﻓﺖ ﺇﻥَّ ﺃﺳﺌﻠﺘﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻌﺼﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻄﻨﻲ، ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﻣُﺤﺮﺝ ﻷﻥ ﺳﺆﺍﻟَﻴﻜﻢ -ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ- ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺎ ﺟﺰﺋﻴﻴﻦ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺭﺃﻳﺘﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ، ﻟﻤﺎ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻗﺮﺁﻧﻴﺘﻴﻦ، ﻭﻷﻥ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺩ ﻣﻦ ﻋﻠﻤَﻲ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﻚ ﺣﻮﻝ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻟﻄﺒﺎﻕ. ﻟﺬﺍ ﻧﺒﻴﻦ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﻭﻛﻠﻴﺎً ﻭﻣﺠﻤﻼ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻗﺮﺁﻧﻴﺘﻴﻦ ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﺪﻭﺭﻙ ﺗﺄﺧﺬ ﺣﺼﺘﻚ ﻣﻨﻪ ﺇﺯﺍﺀ ﺳﺆﺍﻟَﻴﻚ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﻴﻦ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ

  ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻧﻘﻄﺘﻴﻦ

  ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ:

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:60) ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (ﺍﻟﺬﺍﺭﻳﺎﺕ:58)

ﺑﺪﻻﻟﺔ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻵﻳﺘﻴﻦ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺘﻴﻦ؛ ﺍﻟﺮﺯﻕُ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺣﺪَﻩ، ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔ. ﻓﺮﺯﻕُ ﻛﻞ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓ ﺑﻌﻬﺪﺓ ﺭﺑﻪ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺃﻟّﺎ ﻳﻤﻮﺕ ﺃﺣﺪٌ ﺟﻮﻋﺎً. ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﺟﻮﻋﺎً، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ. ﺇﻥ ﺣﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻭﻛﺸﻒَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺘﻌﻬﺪ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﺮﺯﻕ ﻭﺗﻜﻔّﻠَﻪ ﻟﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ. ﻓﻼ ﺃﺣﺪَ ﻳﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻷﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺳﻠﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﻭ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻳُﺪّﺧﺮ ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻪ ﺍﺣﺘﻴﺎﻃﺎً ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺷﺤﻮﻡ ﻭﺩﻫﻮﻥ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ. ﺑﻞ ﻳُﺪّﺧﺮ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻤﺮﺳﻞ ﻓﻲ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﺣﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﻲ ﻳﺼﺮﻑ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻋﻨﺪ ﻋﺪﻡ ﻣﺠﻲﺀ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ.

ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﺇﺫﻥ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﻧﻔﺎﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻲ ﺍﻟﻤﺪّﺧﺮ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺽٍ ﻧﺎﺷﺊٍ ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﻋﺎﺩﺓٍ ﺑﺴﻮﺀ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﺍﻟﻤﺪّﺧﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺷﺤﻮﻡ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻭﻡ ﻭﻳﺴﺘﻤﺮ ﺑﻤﻌﺪﻝ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻛﺎﻣﻼ. ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺿﻌﻒ ﺫﻟﻚ، ﺇﺛﺮ ﻣﺮﺽ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺭﻭﺣﺎﻧﻲ. ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺒﺖ ﺍﻟﺼﺤﻒ -ﻗﺒﻞ ﺗﺴﻊ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ- ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﻗﺪ ﻗﻀﻰ ﻣﺘﺤﺪﻳﺎً ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﻟﻨﺪﻥ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺬﻭﻕ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﻇﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻭﻋﺎﻓﻴﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﻳﺪﻭﻡ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻞ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻭﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً، ﻭﺃﻥ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﻇﺎﻫﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪّ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺑﺠﻼﺀ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳُﺤﺘﺴﺐ ﻣﻦ ﺍﻷﺛﺪﺍﺀ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻷﻛﻤﺎﻡ. ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﻢ ﻳﻤﺪّ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﻭﻳﺴﻌﻔﻪ ﻭﻳﺤُﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺟﻮﻋﺎً ﻗﺒﻞ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ، ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﻤﺘﻠﺒﺲ ﺑﺎﻟﺸﺮ ﺑﺴﻮﺀ ﻋﻤﻠﻪ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﺟﻮﻋﺎً ﻗﺒﻞ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً، ﻻ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻗﻄﻌﺎً، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﻣﻦ ﻣﺮﺽ ﻧﺎﺷﺊٍ ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ، ﺇﺫ: «ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻠﻜﺎﺕ» ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻄﺮﺩﺓ.

ﻓﻴﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﺫﻥ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻣﻮﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻪ ﻣﺸﺎﻫَﺪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﺗﻨﺎﺳﺒﺎً ﻋﻜﺴﻴﺎً ﻣﻊ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻓﻤﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻮﻟَﺪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ ﺷﻲﺀ، ﺳﺎﻛﻦ ﻓﻲ ﺭﺣﻢ ﺍﻷﻡ، ﻳﺴﻴﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺯﻗُﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺔ ﺷﻔﺘﻴﻪ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻗﺘﺪﺍﺭﺍً ﻭﻻ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍً، ﺇﻟّﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺣﺴّﺎً ﻛﺎﻣﻨﺎً ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟّﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺔ ﺇﻟﺼﺎﻕ ﻓﻤﻪ ﺑﺎﻟﺜﺪﻱ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻤﻨﺎﺑﻊ ﺍﻟﺜﺪﻱ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﺑﺮﺯﻕ ﻫﻮ ﺃﻛﻤﻞُ ﻏﺬﺍﺀ ﻭﺃﺳﻬﻠُﻪ ﻫﻀﻤﺎً، ﻭﺑﺄﻟﻄﻒِ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﺃﻋﺠﺐ ﻓﻄﺮﺓ. ﺛﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﻧﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﺣﺘﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺯﻕُ ﺍﻟﻤﻴﺴﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً، ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺍﻟﻨﺒﻊ ﻭﻳﻐﻮﺭ، ﻓﻴُﺮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﺯﻗُﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻛﻦَ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻥ ﺍﻗﺘﺪﺍﺭﻩ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻟﻴﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺑﻌﺪُ ﻟﺘﺘﺒﻊ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﺷﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻬﻤﺎ ﻣﻤﺪﺓً ﻻﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﻣُﺴﻌﻔﺔ ﻻﻗﺘﺪﺍﺭﻩ. ﺛﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻓﻼ ﻳﻌﺪﻭ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻧﺤﻮﻩ، ﻭﻻ ﻳﺴﺎﻕ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻞ ﻳﺴﻜﻦ ﻗﺎﺋﻼ: ﺗﻌﺎﻝ ﺍﻃﻠﺒﻨﻲ، ﻓﺘﺶ ﻋﻨﻲ ﻭﺧﺬﻧﻲ.

ﻓﺎﻟﺮﺯﻕ ﺇﺫﻥ ﻣﺘﻨﺎﺳﺐ ﺗﻨﺎﺳﺒﺎً ﻋﻜﺴﻴﺎً ﻣﻊ ﺍﻻﻗﺘﺪﺍﺭ ﻭﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕٍ ﻻ ﺍﻗﺘﺪﺍﺭ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺗﻌﻴﺶ ﺃﻓﻀﻞَ ﻭﺃﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻋﺪﺓ.

  ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻟﻺﻣﻜﺎﻥ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻭﺃﻗﺴﺎﻡ ﻫﻲ: ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔُ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺮﺩّ ﻭﺗُﺮﻓﺾ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺿﻤﻦ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻌﺠﺰﺓ، ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔً ﺑﻴُﺴﺮ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻧﻈﻴﺮ ﻋُﺮﻓﺎً ﻭﻗﺎﻋﺪﺓً ﻓﻼ ﺗُﻘﺒﻞ ﺇﻟّﺎ ﺑﺒﺮﻫﺎﻥ ﻗﺎﻃﻊ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺮﻭﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﺣﻤﺪ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ (ﻗُﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺬﻕ ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻃﻮﺍﻝ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔً ﻟﻪ، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻟﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﻣﺘﻮﺍﺗﺮﺓ ﺗُﻨﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﺣﻤﺪ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ (ﻗُﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﺳﺘﻐﺮﺍﻗﻪ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻛﻞ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﺎﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻌﻼ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﺩﺍﺋﻤﺎً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﻌﺾَ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﺍﻻﺳﺘﻐﺮﺍﻗﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻃﻌﺎﻡ، ﻟﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ.

ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻳﺖ ﺣﻮﺍﺩﺙُ ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﻣﻮﺛﻮﻗﺔٌ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻋﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﺣﻤﺪ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ (ﻗُﺪﺱ ﺳﺮﻩ).

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻤﺪّﺧﺮ ﻳﺪﻭﻡ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ- ﻭﺃﻥ ﺍﻻﻧﻘﻄﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻃﻮﺍﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﻋﺎﺩﺓً، ﻭﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺭَﻭَﺕْ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺃﻓﺬﺍﺫ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻟّﺎ ﺗُﻨﻜﺮ ﻗﻄﻌﺎً.

  ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻧﺒﻴﻦ ﻣﺴﺄﻟﺘﻴﻦ ﻣﻬﻤﺘﻴﻦ.

ﻟﻤﺎ ﻋﺠﺰ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﻚ ﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﻣﻮﺍﺯﻳﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺃﻥ ﻳﺮﻗَﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺃﻥ ﻳﻜﺸﻔﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻧﺠﻮﻡ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺑﺪﺃﻭﺍ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭﻫﺎ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻭﺑﻼﻫﺔ.

  ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ:

ﺗﺨﺺ ﻛﻮﻥَ ﺍﻷﺭﺽ ﺫﺍﺕ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻛﺎﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ.

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻏﻴﺮَ ﺫﺍﺕ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻻ ﺗﻘﺒﻠﻬﺎ ﻋﻠﻮﻣُﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ. ﻓﻴﺘﺨﺬﻭﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺫﺭﻳﻌﺔً ﻟﻼﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﻧﻜﺘﺐ ﺑﻀﻊ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ﺗﺨﺺ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ.

  ﺍﻷﻭﻟﻰ:

  ﺃﻭﻻ: ﺇﻥَّ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﺷﻲﺀٌ، ﻭﺃﻓﺮﺍﺩُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻣﺎ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﺮﺩٌ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻓﻼ ﻳُﻨﻜَﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﻌﺔَ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻇﺎﻫﺮﺓٍ ﻣﺼﺪّﻗﺔ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ﺍﻟﺴﺒﻊ.

  ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ…﴾ (ﺍﻟﻄﻼﻕ:12) ﻻ ﺗﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ. ﺑﻞ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﻳﻔﻴﺪ: ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻖ ﺍﻷﺭﺽ ﺟﺎﻋﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺴﻜﻨﺎً ﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻛﺎﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﻓﻼ ﺗﻘﻮﻝ ﺍﻵﻳﺔ: ﺧﻠﻘﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﺔ (ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ) ﻓﻬﻲ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔً ﻭﻣﺴﻜﻨﺎً ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﺇﻥَّ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﺪﻟﻬﺎ ﻭﺗﻮﺍﺯﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﻌﺮﺽ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺗﺤﺪ ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺇﺷﻬﺎﺭﻫﺎ ﻭﻣﺮﻛﺰﻫﺎ. ﻓﻬﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺗﻌﺪﻝ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺗﻮﺍﺯﻳﻬﺎ، ﺇﺫ ﻫﻲ ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺪﻝ ﻗﻠﺐُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺴﺪ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻓُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ:

ﺇﺫ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﺒﻌﺔُ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﻣﺼﻐﺮ.

ﺛﻢ ﻫﻲ ﺳﺒﻊُ ﻗﺎﺭﺍﺕ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻭﺃﻭﻗﻴﺎﻧﻮﺳﻴﺎ (ﺃﺳﺘﺮﺍﻟﻴﺎ) ﻭﺁﺳﻴﺘﻴﻦ ﻭﺃﻣﺮﻳﻜﺘﻴﻦ.

ﺛﻢ ﻫﻲ ﺳﺒﻊُ ﻗﻄﻊ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ.

ﺛﻢ ﻫﻲ ﺳﺒﻊُ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﺸﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻠﻤﺎً.

ﺛﻢ ﻫﻲ ﺫﺍﺕُ ﻋﻨﺎﺻﺮَ ﺳﺒﻌﺔٍ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﻤﺘﻀﻤﻨﺔ ﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻋﻨﺼﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ﺛﻢ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ -ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ- ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻥ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ.

ﺛﻢ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺴﺎﻛﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﻌﻔﺎﺭﻳﺖ ﻭﻣﻘﺮﺍﺕ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺫﻭﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ ﻭﺣﻴﺎﺓ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺳﺒﻊُ ﻃﺒﻘﺎﺕٍ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﺒﻊ ﻛﺮﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻜﺮﺗﻨﺎ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ، ﻫﻲ ﻣﺴﺎﻛﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﻘﺮﺍﺕ ﻟﻬﺎ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﺮﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﺒﻊُ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﺒﻊ ﻛﺮﺍﺕ ﺃﺭﺿﻴﺔ.

ﻫﻜﺬﺍ ﻓُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ. ﻓﺈﺫﻥ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻭﺟﻮﺩُ ﺳﺒﻊِ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻟﻸﺭﺽ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﻨﻬﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻭﻫﻮ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻓﻠﻴﺲ ﺩﺍﺧﻼ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻪ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻻ ﻳُﺴﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ، ﻭﻻ ﻳﺨﻠﻖ ﻋﺒﺜﺎً، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﻟﺬﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﺗﺠﺪ ﻛﻤﺎﻟَﻬﺎ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﺑﻞ ﺗﻌﻤَّﺮ ﺑﺬﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻟﺘﻨﻘﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺚ. ﻭﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻌﻤّﺮ ﻋﻨﺼﺮَ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻻ ﻳﺤﻮﻻﻥ ﺩﻭﻥ ﺟﻮﻻﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﻻ ﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﻛﺎﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﺃﺷﻌﺔ ﺭﻭﻧﺘﻜﻦ.. ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻻ ﻳﺘﺮﻙ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ﻭﻻ ﻛﻬﻮﻓﻬﺎ ﻭﻣﻴﺎﺩﻳﻨﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻭﻋﻮﺍﻟﻤﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔً ﺧﺎﻭﻳﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﺸﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺴﻜﻨﻨﺎ.

ﻓﻼ ﺟﺮﻡ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﻋﻤّﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻭﺧﻠﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﺫﻭﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻨﺎﺳﺒﻬﺎ ﻭﻳﻼﺋﻤﻬﺎ ﻭﺃﺳﻜﻨﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﻦ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻛﺜﻒَ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﻭﺃﺻﻠﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺤﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﻚ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﻴﺮ. ﺑﻞ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﻤﺮﻋﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﺓ ﻛﻨﺴﺒﺔ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﺓ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٌ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ، ﻓﺎﻟﻨﺎﺭ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺎﻟﻨﻮﺭ ﻟﻬﻢ.

  ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ:

ﻟﻘﺪ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ» ﻣﺜﺎﻝ ﺣﻮﻝ ﺗﺼﻮﻳﺮﺍﺕ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻴّﻨﻬﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺧﻼﺻﺘﻪ:

ﺃﻥ ﻛﺮﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺬﺭﺓٌ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺸﺠﺮﺓ ﺿﺨﻤﺔ ﺗﻀﺎﺭﻉ ﻋﻈﻤﺘُﻬﺎ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻓﻤﺸﺎﻫﺪﺓُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﻔﺎﺭﻳﺖ ﻓﻲ ﻛﺮﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﻢ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﻈﺎﻫﺮٌ ﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ -ﻻ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮﺍً- ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺪ ﺣﺎﺯﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ، ﺃﻻ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﺫﻥ ﺇﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻫﻲ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ؟. ﻓﺎﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ﻣﻌﺠِﺰ، ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻭﺗﻨﺒّﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻣﻜﺎﻓﺌﺔً ﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ.

  ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ (ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ:٤٤) ﻭ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:29)

ﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻵﻳﺘﺎﻥ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺳﺒﻊٌ. ﻧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺴﺐ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ «ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ» ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﻟّﻒ ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺔ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﺇﺫ ﺟﺎﺀﺕ ﻓﻴﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻹﺟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﺴﺒﺐ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﻟﺤﺮﺏ.

ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﺼﻮﺭﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﻊُ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻓﺰﺍﺩﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻜﺎﻥ ﺗﺼﻮﻳﺮﺍً ﻋﺠﻴﺒﺎً ﻟﻬﺎ. ﻭﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺪﻳﺪﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﺮﻧﺎﻧﺔ ﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺣﻜﻤﺎﺋﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﻔﺴﺮﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﺍﺿﻄﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﻣﺎﻟﺔ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﺃﺩﻯّ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﺪﺍﻝ ﺳﺘﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﺘﻘﻮﻝ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪّﻋﻴﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻏﻴﺮُ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺮﺍﻕ ﻭﺍﻻﻟﺘﺌﺎﻡ. ﻓﻘﺪ ﻓﺮّﻁ ﻫﺆﻻﺀ ﻛﻤﺎ ﺃﻓﺮﻁ ﺃﻭﻟﺌﻚ. ﻭﻋﺠﺰ ﺍﻻﺛﻨﺎﻥ ﻋﻦ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً.

ﺃﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪﻉ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﻓﺮﺍﻁ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﻣﺘﺨﺬﺓ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻟﻮﺳﻂ، ﻓﻬﻲ ﺗﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ ﺧﻠﻖ ﺳﺒﻊَ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﻃﺒﺎﻗﺎً، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺒﺢ ﻭﺗﺴﺒّﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻛﺎﻷﺳﻤﺎﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ. ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: (ﺇﻥَّ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻮﺝ ﻣﻜﻔﻮﻑ) ﺃﻱ ﻛﺒﺤﺮ ﺍﺳﺘﻘﺮﺕ ﺃﻣﻮﺍﺟُﻪ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﺜﺒﺘﻬﺎ ﺑﺴﺒﻊ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻭﺑﺴﺒﻌﺔ ﻭﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ:

ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻤﺎً ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ «ﺣﻜﻤﺔ» ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻮﺳﻴﻊ ﻣﻤﻠﻮﺀٌ ﺑﻤﺎﺩﺓ ﺗُﺴﻤﻰ ﺍﻷﺛﻴﺮ، ﻭﻟﻴﺲ ﺧﺎﻟﻴﺎً ﻓﺎﺭﻏﺎً ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ.

  ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻠﻤﺎً ﻭﻋﻘﻼ ﺑﻞ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓً؛ ﺃﻥ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ -ﻛﺎﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺍﻓﻌﺔ- ﻭﻧﺎﺷﺮﺓَ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻧﺎﻗﻠﺘَﻬﺎ -ﻛﺎﻟﻀﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﻣﺎﻟﺌﺔ ﻟﻪ.

  ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺇﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺇﻥَّ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻷﺛﻴﺮ -ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﺃﺛﻴﺮﺍً- ﻟﻬﺎ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﻭﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ، ﻓﻜﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ: ﺍﻟﻐﺎﺯﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﺎﺋﻠﺔ ﻭﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺨﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺜﻠﺞ، ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻋﻘﻼ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﻌﺔُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺃﺛﻴﺮﻳﺔ، ﻭﻻ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻴﻪ.

  ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: ﺇﻧﻪ ﻟﻮ ﺃُﻧﻌﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻳُﺮﻯ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺗﻬﺎ ﺗﺨﺎﻟﻒٌ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻱ ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪ ﻛﺴﺤﺎﺏٍ، ﻻ ﺗﺸﺒﻪ ﻃﺒﻘﺔَ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺜﻮﺍﺑﺖ ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﻧﺠﻮﻡ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﻮﺍﺑﺖ ﺛﻤﺎﺭٌ ﻧﺎﺿﺠﺔ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ ﻛﻔﻮﺍﻛﻪ ﺍﻟﺼﻴﻒ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺠﻮﻡٌ ﻻ ﺗﺤﺪ ﻟﺪﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻛﺴﺤﺎﺏ ﺗﻨﻌﻘﺪ ﻣﺠﺪﺩﺍً ﻭﺗﺘﻜﺎﻣﻞ. ﻭﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﻮﺍﺑﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻻ ﺗﺸﺒﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﺑﺤﺪﺱ ﺻﺎﺩﻕ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳُﺪﺭَﻙ ﺑﺎﻟﺤﺪﺱ ﻭﺍﻟﺤﺲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ.

  ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ: ﻟﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺣﺪﺳﺎً ﻭﺣﺴّﺎً ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺀً ﻭﺗﺠﺮﺑﺔ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺘﺸﻜﻞ ﻭﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﺗﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﺃﺷﻜﺎﻻ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ.

ﻓﻤﺜﻼ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﺸﻜﻼﺕ ﻓﻲ ﻣﻌﺪﻥ ﺍﻷﻟﻤﺎﺱ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺮﻣﺎﺩُ ﻭﺍﻟﻔﺤﻢ ﻭﺍﻷﻟﻤﺎﺱ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﺪﺃ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺎﻟﺘﺸﻜﻞ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺟﻤﺮﺍً ﻭﻟﻬﺒﺎً ﻭﺩﺧﺎﻧﺎً. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻤﺰَﺝ ﻣﻮﻟﺪ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﻣﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﻤﻮﺿﺔ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺜﻠﺞ ﻭﺍﻟﺒﺨﺎﺭ.

ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺘﺸﻜﻞُ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓٍ ﻣﺎ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕٍ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮﺓ ﻟﻤﺎ ﺷﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻷﺛﻴﺮ ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔَ ﺃﻧﻮﺍﻉٍ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾.

ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓَ ﺗﺪﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻋﻠﻰ ﺗﻌﺪﺩﻫﺎ، ﻓﺎﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺇﺫﻥ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓٌ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺨﺒﺮَ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ: ﻫﻲ ﺳﺒﻌﺔ، ﻓﻬﻲ ﺳﺒﻌﺔ.

  ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ: ﺳﺒﻌﺔ، ﻭﺳﺒﻌﻴﻦ ﻭﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓَ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺃﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻀﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊَ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻃﺒﻘﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﺧﻠﻖ ﺳﺒﻊَ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﻃﺒﺎﻗﺎً ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻷﺛﻴﺮ، ﻭﺳﻮّﺍﻫﺎ ﻭﻧﻈّﻤﻬﺎ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻋﺠﻴﺐ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﺯﺭﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺧﻄﺎﺑﺎً ﺃﺯﻟﻴﺎً ﻟﻠﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﺑﻄﺒﻘﺎﺗﻬﻢ ﻛﺎﻓﺔً، ﻓﻜﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﺄﺧﺬ ﺇﺫﻥ ﺣﺼﺘَﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻛﻞُّ ﺁﻳﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗُﺸﺒﻊ ﺃﻓﻬﺎﻡَ ﻛﻞِّ ﻃﺒﻘﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻱ ﻟﻜﻞ ﺁﻳﺔٍ ﻣﻌﺎﻥ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺿﻤﻨﺎً ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺳﻌﺔَ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺷﻤﻮﻝَ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻭﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻪ، ﻭﻣﺮﺍﻋﺎﺗﻪ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺃﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﻣﺪﺍﺭﻛِﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺩﻧﻰ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺺ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺁﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻪٌ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻭﻷﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻓَﻬﻤﺖْ ﺳﺒﻊُ ﻃﺒﻘﺎﺕٍ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺳﺒﻊَ ﻃﺒﻘﺎﺕٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾  ﻛﺎﻵﺗﻲ:

ﻳﻔﻬﻢ ﺫﻭﻭ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻬﺎ: ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻨﺴﻴﻤﻴﺔ.

ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻏﺘﺮﻭﺍ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﻳﻔﻬﻤﻮﻧﻬﺎ: ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﻣﺪﺍﺭﺍﺗﻬﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ: ﺳﺒﻊَ ﻛﺮﺍﺕٍ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺷﺒﻴﻬﺔٍ ﺑﺄﺭﺿﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻘﺮ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ﻭﺗﻔﻬﻤﻬﺎ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ: ﺳﺒﻊَ ﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺷﻤﺴﻴﺔ ﺃُﻭﻻﻫﺎ ﻣﻨﻈﻮﻣﺘُﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﻭﺍﻧﻘﺴﺎﻡَ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ.

ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﻔﻬﻤﻬﺎ: ﺍﻧﻘﺴﺎﻡَ ﺗﺸﻜﻼﺕ ﺍﻷﺛﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﻊ ﻃﺒﻘﺎﺕ.

ﻭﻃﺒﻘﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ، ﺗﻔﻬﻢ: ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻛﻠَّﻬﺎ، ﺍﻟﻤﺮﺻّﻌﺔَ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺖ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻻ ﺗُﺮﻯ.

ﻭﻃﺒﻘﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺫﻭﻭ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻋﺎﻝٍ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﺍﻧﺤﺼﺎﺭ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺳﺒﻊُ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ ﺗﺴﻘّﻒ ﻭﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻷﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﻛﻠﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻌﺎﻥٍ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺟﺪﺍً ﺷﺒﻴﻬﺔٌ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺍﻋﻲ ﺃﻓﻬﺎﻡ ﺳﺒﻊِ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻓﻜﻞٌ ﻳﺴﺘﻔﻴﺾ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺭﺯﻗَﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺤﻮﻱ ﻣﻌﺎﻧﻲَ ﻣﺼﺪّﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻓﺈﻥ ﺇﻧﻜﺎﺭَ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺟﺤﻮﺩَ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻤﻮﺭﻳﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻭﺍﺗﺨﺎﺫَ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﻜﺎﺭ ﻭﺳﻴﻠﺔَ ﺗﻌﺮﺽٍ ﻷﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺇﻥ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﻛﺮﻣﻲ ﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﻱ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﺑﻐﻴﺔَ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺫﻟﻚ:

ﻷﻥَّ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻗﺎً ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺪﻗﺎً ﻭﺻﻮﺍﺑﺎً، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺃﻥ ﻓﺮﺩﺍً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻻﻭﺟﻮﺩَ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺇﻟّﺎ ﻓﻲ ﺃﻟﺴﻨﺔِ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﺍﺧﻼ ﺿﻤﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ، ﺭﻋﺎﻳﺔً ﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩﻩ ﺻﺪﻗﺎً ﻭﺣﻘﻴﻘﺔً.

ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﻐﻤﻮﺭﻳﻦ ﺑﺴُﻜﺮ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚِ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻨﺼﻔﻮﻥ، ﻛﻴﻒ ﻳﻘﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺧﻄﺄ ﻓﻴﻐﻤﻀﻮﻥ ﻋﻴﻮﻧَﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﻖٌ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﻭﺻﺪﻕ، ﻓﻼ ﻳﺮﻭﻥ ﻣﺼﺪِّﻗﺎﺕ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻭﻳﺘﻮﻫﻤﻮﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﻣﻨﺤﺼﺮﺍً ﻓﻲ ﻓﺮﺩٍ ﺧﻴﺎﻟﻲ ﻋﺠﻴﺐ. ﻓﺮﺷﻘﻮﺍ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﺭﺓ، ﻓﺎﺭﺗﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺳِﻬﻢ ﻓﻜﺴﺮﺗْﻬﺎ، ﻓﻔﻘﺪﻭﺍ ﺻﻮﺍﺑَﻬﻢ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ.

  ﻣﺤﺼﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ: ﻟﻤﺎ ﻋﺠﺰ ﺃﺭﺑﺎﺏُ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﺓ ﻛﺎﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻦ، ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ، ﺟﻬﻠﻮﺍ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻥٍ. ﻓﻴﺨﺒﺮﻭﻥ ﺃﺣﻜﺎﻣﺎً ﻛﺎﺫﺑﺔً ﺧﺎﻃﺌﺔ. ﻓﻴﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﺷﻬﺎﺏٌ ﺭﺻﺪٌ ﻣﻦ ﻧﺠﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﺘﺤﺮﻗﻬﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺮﻗﻲُّ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺧﺒﻴﺜﺔ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩُ ﺇﻟﻰ ﻧﺠﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺑﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺠﻨﺎﺡ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ.

 ﺍﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋﻠﻰ ﺷﻤﺲ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﻗﻤﺮ ﻓﻠﻚ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻟﻤﻦ ﺍﻫﺘﺪﻯ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺿﻴﻦ ﺯﻳّﻦ ﻗﻠﻮﺏ ﻛﺎﺗﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺭﻓﻘﺎﺋﻪ ﺑﻨﺠﻮﻡ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ… ﺁﻣﻴﻦ.

اللمعة الحادية عشرة

(ﻣﺮﻗﺎﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺗﺮﻳﺎﻕ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ)

ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ «ﻣﻨﻬﺎﺝ ﺍﻟﺴﻨﺔ» ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ «ﻣﺮﻗﺎﺓ ﺍﻟﺴﻨﺔ».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ:128-129)

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31).

ﺳﻨﺒﻴﻦ «ﺇﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ» ﻧﻜﺘﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ، ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻣﺠﻤﻼ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻵﻳﺘﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺘﺎﻥ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم: (ﻣﻦ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺴﻨﺘﻲ ﻋﻨﺪ ﻓﺴﺎﺩ ﺃﻣﺘﻲ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮ ﻣﺎﺋﺔ ﺷﻬﻴﺪ). ﺃﺟﻞ، ﺇﻥَّ ﺍﺗﺒﺎﻉَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻟﻬﻮ ﺣﺘﻤﺎً ﺫﻭ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺇﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﺳﺘﻴﻼﺀ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﻏﻠﺒﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺔً ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﺳﻤﻰ، ﻭﺑﺎﻷﺧﺺ ﻋﻨﺪ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻷﻣﺔ، ﺇﺫ ﺗُﺸﻌﺮ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺃﺑﺴﻂ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺑﺘﻘﻮﻯ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ ﻗﻮﻱ ﺭﺍﺳﺦ؛ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻻﺗّﺒﺎﻉَ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺬﻛﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺗﺒﺎﻉ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺍﻋﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺃﺑﺴﻂُ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ -ﻛﺂﺩﺍﺏ ﺍﻷﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ- ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﺷﺮﻋﻲ ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﻣُﺜﺎﺏٌ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻷﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻼﺣﻆ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﻓﻴﺘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﺩﺏ ﻣﻦ ﺁﺩﺍﺏ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻭﻳﺘﺬﻛﺮ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﺻﺎﺣﺐُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻗﻠﺒُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻴﻐﻨﻢ ﺳﻜﻴﻨﺔً ﻭﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻧﺎً ﻭﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔِ ﺍﻟﺴَّﻨﻴﺔ ﻋﺎﺩﺗَﻪ، ﻓﻘﺪ ﺣﻮّﻝ ﻋﺎﺩﺍﺗِﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻤﺮَﻩ ﻛﻠَّﻪ ﻣﺜﻤﺮﺍً، ﻭﻣُﺜﺎﺑﺎً ﻋﻠﻴﻪ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺭﻭﻗﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: «ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ، ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﺃﺭﻗﺎﻫﻢ ﻭﺃﻟﻄﻔَﻬﻢ ﻭﺁﻣﻨَﻬﻢ ﻭﺃﺳﻠﻤَﻬﻢ ﻫﻢ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﻄﺮﻳﻘﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀُ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﻬﺎﺀﺍً ﻭﺍﺣﺘﺸﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻟﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ».

ﻧﻌﻢ ﺇﻥَّ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻣﺠﺪﺩَ ﺍﻷﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻟﻪ، ﻟﻬﻮ ﺃﻫﻞٌ ﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪُ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﻠﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﺍﺭﺗﺞَّ ﻋﻘﻠﻲ ﻭﻗﻠﺒﻲ ﻭﺗﺪﺣﺮﺟﺎ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺇﺯﺍﺀ ﺇﻋﺼﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﺭﻫﻴﺐ، ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮﺕُ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻳﺘﺪﺣﺮﺟﺎﻥ ﻫﺒﻮﻃﺎً ﺗﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺻﻌﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻻﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ، ﻭﻟﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻷﻣﺎﺭﺓ.

ﻓﺸﺎﻫﺪﺕُ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺃﻥ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺃﺑﺴﻂَ ﺁﺩﺍﺑﻬﺎ، ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺆﺷﺮ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻴﻦ ﺍﺗﺠﺎﻩَ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﻦ. ﻭﻛﻞٌّ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻳﻀﻲﺀ ﻣﺎ ﻻ ﻳُﺤﺼﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻀﺮﺓ.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺃﺭﺯﺡُ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﺗﺤﺖ ﺃﻋﺒﺎﺀِ ﺃﺛﻘﺎﻝٍ ﻫﺎﺋﻠﺔ، ﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﺨﻔﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺘﺒﻌﺖُ ﻣﺴﺎﺋﻞَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻲ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻷﺛﻘﺎﻝ ﻭﺗﺮﻓﻊ ﻋﻦ ﻛﺎﻫﻠﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻋﺒﺎﺀ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻧﺠﻮ ﺑﺎﺳﺘﺴﻼﻡ ﺗﺎﻡ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺩﺩ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻣﺜﻞ: «ﻫﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ؟ ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﻫﻮ ﺣﻖ؟». ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻛﻔﻔﺖُ ﻳﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺗﺸﺘﺪ ﻣﻮﺟﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﻭﺗﻜﺜﺮ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻕُ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ ﺗﺘﻮﻋّﺮ ﻭﺗﻐﻤﺾ، ﻭﺍﻷﺣﻤﺎﻝُ ﺗﺜﻘﻞ.. ﻭﺃﻧﺎ ﻋﺎﺟﺰٌ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﻧﻈﺮﻱ ﻗﺼﻴﺮ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖُ ﻣﻈﻠﻤﺔٌ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺷﻌﺮ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺍﻋﺘﺼﻤﺖُ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺗﻤﺴﻜﺖُ ﺑﻬﺎ، ﺗﺘﻨﻮﺭ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖُ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻣﻲ، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖٌ ﺁﻣﻨﺔ ﺳﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍﻷﺛﻘﺎﻝُ ﺗﺨﻒ ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﺗﺰﻭﻝ.

ﻧﻌﻢ، ﻫﻜﺬﺍ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻓﺼﺪّﻗﺖُ ﺣُﻜﻢَ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ -ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﺎ- ﺣﺎﻟﺔٌ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻧﺒﻌﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ «ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ» ﻭﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻘﻀﻴﺔ «ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﻖ»، ﻭﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻓﻨﺎﺋﻪ. ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﻟَﻢ ﻋﺠﻴﺐ، ﺇﺫ ﻧﻈﺮﺕُ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﺎ ﺟﻨﺎﺯﺓٌ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺛﻼﺙِ ﺟﻨﺎﺋﺰَ ﻣﻬﻤﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ:

ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮﻉ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁٌ ﺑﺤﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺗﺖْ ﻭﻣﻀﺖ ﻭﺩﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ.. ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻟّﺎ ﻛﺸﺎﻫﺪِ ﻗﺒﺮِﻫﺎ ﻣﻮﺿﻮﻉٌ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺘﻬﺎ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺟﻨﺎﺯﺓٌ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻄﻮﻱ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺗﺖ ﻭﺩُﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻊ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ.. ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻟّﺎ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﻤﺤﻰ ﻋﺎﺟﻼ ﻭﻧﻤﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻤﻮﺕ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺷﺎﻫﺪ ﻗﺒﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓُ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﻮﺗﻪ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺃﻣﺮ ﻣﺤﻘَّﻖ ﻻ ﻣﻨﺎﺹ ﻣﻨﻪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻵﻥ، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺍﻟﺤﻴﺮﺓُ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﻧﻔﺴﻲ، ﻭﺑُﻬﺖُّ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﺳَﻜﺮﺍﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺓ ﺍﻟﻤﻬﻮﻟﺔ، ﻭﺑﺪﺕ ﻭﻓﺎﺗﻲ  -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺁﺗﻴﺔٌ ﻻ ﻣﺤﺎﻝ- ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﺙ ﺍﻵﻥ، ﻓﺄﺩﺍﺭﺕ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﻟﻲ ﻭﻣﻀﺖ، ﻭﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﺮﻳﺪﺍً، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀﺕ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا… ﴾. ﻭﺃﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄﻥ ﺭﻭﺣﻲ ﺗُﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﺑﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺗﺨﺬ ﺻﻮﺭﺓَ ﺑﺤﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻻ ﺳﺎﺣﻞ ﻟﻪ.. ﻭﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺧﻀﻢّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻃﻮﻋﺎً ﺃﻭ ﻛﺮﻫﺎً.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻫﻮﻝ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ، ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻳﻌﺼِﺮ ﻗﻠﺒﻲ، ﺇﺫﺍ ﺑﻤَﺪﺩ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ. ﻓﻤﺪّﺗﻨﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔُ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺃﻣﺎﻥ ﻓﻲ ﻣُﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ. ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺁﻣﻨﺔً ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.. ﻭﻓﻬﻤﺖُ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﻨﻰً ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ. ﻓﻠﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕُ ﻓﻴﻪ ﺳﻠﻮﺍﻧﺎً ﻟﺮﻭﺣﻲ، ﺣﻴﺚ ﻭﻫﺐ ﻟﻲ ﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم: «ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻋﻦ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﻋﺮﺿﻮﺍ ﻋﻦ ﺷﺮﻳﻌﺘﻚ ﻭﺳﻨﺘﻚ، ﻓﻼ ﺗﺤﺰﻥ ﻭﻻ ﺗﻐﺘﻢ، ﻭﻗﻞ ﺣﺴﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻮ ﻭﺣﺪَﻩ ﻛﺎﻑٍ ﻟﻲ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﻮﻛﻞ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻔﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﻴّﺾَ ﻣَﻦ ﻳﺘﺒﻌﻨﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻜﻢ، ﻓﻌﺮﺷُﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻼ ﺍﻟﻌﺎﺻﻮﻥ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﺮﺑﻮﺍ ﻣﻨﻪ، ﻭﻻ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻴﻨﻮﻥ ﺑﻪ ﻳﻈﻠﻮﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﻣَﺪﺩٍ ﻭﻋﻮﻥٍ ﻣﻨﻪ».

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻬﺬﺍ، ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻳﺎ ﻣﻦ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﻗﻴﺎﺩﺓَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﺭﺷﺎﺩَﻩ؛ ﻟﺌﻦ ﻭﺩّﻋﺘﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻭﺍﻧﻌﺪﻣﺖ ﻭﻣﻀﺖْ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ.. ﻭﺇﻥ ﻓﺎﺭﻗَﺘﻚ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀُ ﻭﺟﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ.. ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱُ ﻭﺳﻜﻨﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ.. ﻭﺇﻥ ﺃﻋﺮﺽ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺼﻐﻮﺍ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺗﺮﺩَّﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ.. ﻓﻼ ﺗُﺒﺎﻝ ﺑﻬﻢ، ﻭﻻ ﺗَﻐﺘﻢ، ﻭﻗﻞ: ﺣﺴﺒﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ، ﻓﺈﺫ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺮﺍﺣﻠﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺬﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﻄﻠﻘﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺳﻴﺮﺳﻞ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﺩﻩ ﺍﻟﻤﺠﻨﺪﻳﻦ.. ﻭﺇﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﻜﻨﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﻟﻢ ﻳﻔﻨَﻮﺍ ﺃﺑﺪﺍً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻘﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ، ﻭﺳﻴﺒﻌﺚُ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﻳﻌﻤﺮﻭﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻳﺸﻐﻠﻮﻥ ﻣﺎ ﺧﻼ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ.. ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳُﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻳُﻄﻴﻌﻪ ﻭﻳﺴﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﺪﻻ ﻣﻤﻦ ﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﻫﺒﻴﻦ..»

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻜﻔﻴﻞُ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻦ ﺗﻌﻮّﺽ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ ﺗﻮﺟّﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻬﺎﺕ ﻟﻄﻔﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ..

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﺻﻮﺭُ ﺍﻟﺠﻨﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻋﺘﻨﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺷﻜﻞ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻫﻮ: ﺃﻥَّ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺗﺘﻬﺎﺩﻯ ﺟﻴﺌﺔً ﻭﺫﻫﺎﺑﺎً ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﻛﺒﺮﻯ، ﺇﻧﻬﺎﺀً ﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ، ﻭﺇﺷﻐﺎﻻ ﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻣﺠﺪَّﺩﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻋﺒﺮ ﺭﺣﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺣﻜﻤﺔ، ﻭﺟﻮﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮﺓ، ﻭﺳﻴﺎﺣﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻬﺎﻡ، ﻓﻲ ﻇِﻞ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻼﻝ، ﻭﺿﻤﻦ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31) ﺗﻌﻠﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺇﻋﻼﻧﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻣﺪﻯ ﺿﺮﻭﺭﺗﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻗﻮﻯ ﻗﻴﺎﺱٍ ﻭﺃﺛﺒﺘُﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ، ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ، ﺇﺫ ﻳﺮﺩ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ: «ﺇﺫﺍ ﻃﻠﻌﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ». ﻭﻳﺮﺩ ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻠﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ: «ﻃﻠﻌﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﺇﺫﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩ». ﻭﻳﺮﺩ ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻠﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ: «ﻻ ﻧﻬﺎﺭ ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺇﺫﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻠﻊ». ﻓﻬﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺘﺎﻥ -ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ- ﺛﺎﺑﺘﺘﺎﻥ ﻭﻗﺎﻃﻌﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﻣﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﺒﺎﻉ ﻟ«ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ». ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺗﺒﺎﻉ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﺇﺫﻥ ﻣﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺒﺔٌ ﺣﻘﺎً ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﺣﺘﻤﺎً ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻟ«ﺣﺒﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ».

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻳُﻄﻌﻪ. ﻭﻻ ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﺃﻗﺼﺮَ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃﻛﺜﺮَﻫﺎ ﻗﺒﻮﻻ ﻟﺪﻳﻪ، ﻭﺃﻗﻮﻣﻬﺎ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔً -ﺿﻤﻦ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻴﻪ- ﻟﻬﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻬﺎ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ ﺣﺒﻴﺐُ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻸ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﻨﻌَﻤﻪ ﻭﺁﻻﺋﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﻯ، ﺑﺪﻳﻬﻲ -ﺑﻞ ﺿﺮﻭﺭﻱ- ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨِﻌﻢ.

ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺯﻳّﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥَ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﺳﻴﺠﻌﻞ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭُ ﺍﻟﻤﻤﺘﺎﺯ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﺨﺎﻃَﺒﺎ ﻟﻪ، ﻭﺗﺮﺟﻤﺎﻧﺎ ﻷﻭﺍﻣﺮﻩ، ﻭﻣﺒﻠّﻐﺎً ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ، ﻭﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻬﻢ.

ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﺍ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺳَﻴﻬﺐُ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻟﻤﻦ ﻫﻮ ﺃﺟﻤﻊُ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻟﺒﺪﺍﺋﻊ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﻭﺃﻛﻤﻞُ ﻣَﻦ ﻳُﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺒُّﻪ ﻭﻳﺮﻳﺪ ﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝٍ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﺴﻨﻰ.. ﺳَﻴﻬﺐُ ﻟﻪ ﺃﻛﻤﻞَ ﺣﺎﻟﺔ ﻟﻠﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺟﺎﻋﻼ ﻣﻨﻪ ﺃﺳﻮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻭﻳﺤﺜﻬﻢ ﻻﺗﺒﺎﻋﻪ، ﻟﻴُﻈﻬﺮَ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.

ﺍﻟﺨﻼﺻﺔ: ﺃﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﺗﺒﺎﻉَ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻭﺗﻨﺘﺠُﻪ. ﻓﻄﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﺣﻈُّﻪ ﻭﺍﻓﺮﺍً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﺗﺒﺎﻉ. ﻭﻭﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﻓﻴﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻉ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم: (ﻛُﻞ ﺑِﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ ﻭﻛﻞ ﺿﻼﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ)، ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﻤﻠﺖْ ﻗﻮﺍﻋﺪُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮُ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ، ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﻤﺎﻡَ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ، ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﴿ﺍﻟﻴﻮﻡَ ﺃﻛﻤﻠﺖُ ﻟﻜُﻢ ﺩﻳﻨَﻜُﻢ﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:٣) ﻓﺈﻥ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺑِﻤُﺤﺪَﺛﺎﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ، ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﻛﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻧﺎﻗﺼﺔ -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﺿﻼﻝٌ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻨﺎﺭ.

ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻣﺮﺍﺗﺐ:

ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻬﺎ «ﻭﺍﺟﺐ» ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﻛُﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺒﻴﻦٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﻣﻔﺼﻼ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤُﺤﻜﻤﺎﺕ ﺃﻱ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﺪﻝ.

ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ «ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ»، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻫﻲ ﻣﺒﻴّﻨﺔٌ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. ﻭﺗﻐﻴﻴﺮُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺑﺪﻋﺔٌ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ «ﺍﻵﺩﺍﺏ» ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺘُﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺪﻋﺔً، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺿﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻫﺎ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺄﺩﺏ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻫﻮ ﺍﺗﺒﺎﻉُ ﺃﻓﻌﺎﻝِ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌُﺮﻑ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﻛﻜﺜﻴﺮٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪَ ﺃﺩﺏ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻷﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻨﻮﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺷﺮﺓ. ﻓﻤَﻦْ ﻳﺘﺤﺮَّ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ «ﺍﻵﺩﺍﺏ» ﻭﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﻮﻝ ﻋﺎﺩﺍﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻳﺴﺘﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ، ﻷﻥ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓَ ﺃﺑﺴﻂِ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﺃﺻﻐﺮِﻫﺎ ﺗﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻷﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻜﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭَ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ.

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻋﻼﻣﺎﺕِ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺎﺋﺮ، ﺇﺫ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻫﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓٌ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺُّ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ؛ ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﻓﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔَ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﺆﻭﻟﺔ. ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻳُﻌﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺃﺭﻓﻊُ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺎﻟﻬﺎ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺃﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾِ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻟﻬﻲ ﺃﺩﺏٌ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺇﻟّﺎ ﻭﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺏ ﻭﻧﻮﺭ ﻋﻈﻴﻢ. ﻭﺻﺪﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ: (ﺃﺩّﺑﻨﻲ ﺭﺑﻲ ﻓﺄﺣﺴﻦ ﺗﺄﺩﻳﺒﻲ). ﻧﻌﻢ، ﻓﻤﻦ ﻳﻤﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻳﺤﻂ ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ، ﻳﺪﺭﻙ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺃﺻﻮﻝَ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﺒﻴﺒﻪ صلى الله عليه وسلم. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻬﺠﺮ ﺳُﻨﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﻭﻳﺠﺎﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻫﺠﺮ ﻣﻨﺎﺑﻊَ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺃﺻﻮﻟﻪ، ﻓﻴﺤﺮﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﻳﻈﻞ ﻣﺤﺮﻭﻣﺎً ﻣﻦ ﻟﻄﻒ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ ﻭﺑﻴﻞ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﺪﺍﻕ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ:

  ﺑِﻰ ﺃَﺩَﺏْ ﻣَﺤْﺮُﻭﻡْ ﺑَﺎﺷَﺪْ ﺃَﺯْ ﻟُﻄْﻒِ ﺭَﺏْ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﻛﻴﻒ ﻧﺘﺄﺩﺏ ﻣﻊ ﻋﻠّﺎﻡ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ، ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﻻﺕٍ ﺗﺪﻋﻮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺠﻞ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺧﻔﺎﺅﻫﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻻ ﺍﻟﺘﺴﺘﺮ ﻣﻨﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﺘﺮُ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺮﻫﺔ ﺃﺣﺪُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻷﺩﺏ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:

 ﺃﻭﻻ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻼﻝ ﻳﻈﻬﺮ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﺟﻤﻴﻼ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، ﻭﻳﺄﺧﺬ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﺮَﻫﺔ ﺗﺤﺖ ﺃﺳﺘﺎﺭ ﻭﺣُﺠﺐ، ﻭﻳﺰﻳّﻦ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﻳﺠﻤّﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺸﺘﺎﻗﻬﺎ ﺍﻷﺑﺼﺎﺭ. ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻄﻠﺐ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻭﻋﺒﺎﺩﻩ ﺃﻥ ﻳَﻈﻬﺮﻭﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺄﺟﻤﻞ ﺻﻮﺭﻫﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺣُﺴﻨﺎً؛ ﺇﺫ ﺇﻥ ﻇﻬﻮﺭَﻫﻢ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ ﻣﺰﺭﻳﺔ ﻗﺒﻴﺤﺔ، ﻭﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺴﺘﻬﺠﻨﺔ، ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎً ﻟﻸﺩﺏ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻭﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﺍﻟﻤﺰﻳّﻦ، ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ». ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺩﺏ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﻤﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﺪ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺣُﺮﻣﺔً ﻟﻤﻦ ﻳُﺤﺮﻡ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻄﺐ ﻭﺍﻟﻌﻼﺝ. ﺑﻞ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻓﻲ -ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ- ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﻭﻻ ﻳُﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻸﺩﺏ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣُﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻄﺐ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻪ ﺭﺟﻼ ﺃﻭ ﻭﺍﻋﻈﺎً ﺃﻭ ﻋﺎﻟﻤﺎً، ﻓﻼ ﻳﺴﻤﺢ ﺍﻷﺩﺏُ ﻗﻄﻌﺎً ﺑﺈﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﻟﻪ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ. ﺑﻞ ﻳُﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﺍﻧﻌﺪﺍﻣﺎً ﻟﻠﺤﻴﺎﺀ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﺴﻨﻰ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺗﺠﻠﻴﻪ، ﻓﻤﺜﻼ: ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﺳﻢُ «ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ» ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ، ﻭﺍﺳﻢُ «ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ» ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮﺍﺕ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ» ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻘﺒﺢ. ﻭﺃﻥ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ»، ﺗﻘﺘﻀﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﻓﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ ﺗﻘﺘﻀﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ؛ ﺑﺎﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺗﺄﺩّﺑﻬﺎ ﺑﺎﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ، ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔُ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓٌ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻟﻔﺘﺔٌ ﺇﻟﻰ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻫﺎ ﻭﻧﻤﺎﺫﺟﻬﺎ.

اللمعة العاشرة

 «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ»

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:30)

  ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺗﻔﺴّﺮ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺬﻛﺮ ﻟﻄﻤﺎﺕِ ﺗﺄﺩﻳﺐٍ ﺭﺣﻴﻤﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕِ ﻋﺘﺎﺏٍ ﺭﺅﻭﻓﺔ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍﻷﺣﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻭﻧﺴﻴﺎﻥ ﻭﻏﻔﻠﺔ ﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺟﺒﻠّﺘﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ.

ﻭﺳﺘُﺒﻴَّﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.. ﻣﻊ ﺑﻴﺎﻥ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﻴﻼﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺪّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺪﻋﺎﺋﻪ ﻭﻫﻤﺘﻪ ﻭﻳﺮﺍﻗﺒﻬﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ.

ﻧﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺎﺕ ﻟﻌﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺰﺩﺍﺩﻭﻥ ﺛﺒﺎﺗﺎً ﻭﺇﻗﺪﺍﻣﺎً ﻭﺟﺪّﻳﺔ ﻭﺇﺧﻼﺻﺎً.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ:

  ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻷﻭﻝ: ﺗﻬﻴﺌﺔ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺳَﻮﻕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ.

ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺭَﺩّ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻭﺩﻓﻊُ ﺍﻷﺿﺮﺍﺭ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺄﺩﻳﺐُ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﻖ ﺳﻴﺮَﻫﺎ، ﺑﺈﻧﺰﺍﻝ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺑﻬﻢ.. ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ، ﻭﻳﻄﻮﻝ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ (حاشية) ﻓﻤﺜﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻣﻮﺍ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻹﻫﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﺎﻟﻮﺍ ﺟﺰﺍﺀﻫﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺑﻞ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ. ﻟﺬﺍ ﻧﺆﺟﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﺴﺄﻡ. ﻭﻧﺸﺮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧﻔّﻬﺎ ﺗﻨﺎﻭﻻ ﻭﺃﺑﺴﻄُﻬﺎ ﻓﻬﻤﺎً.

ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺘﺮﻳﻬﻢ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ ﻭﺍﻹﻫﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮُ ﻭﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻓﻴﺘﻠﻘﻮﻥ ﻟﻄﻤﺔً ﺫﺍﺕَ ﺭﺃﻓﺔ ﻭﻋﻄﻒ، ﻭﻳﻨﺘﺒﻬﻮﻥ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻬﻢ، ﻭﻳﺴﺮﻋﻮﻥ ﺑﺠﺪ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻣﺮﺓً ﺃﺧﺮﻯ. ﺇﻥَّ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺗﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺴﻮﻕ ﻫﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻨﺎ، ﻋﺸﺮﺓ ﻭﻧﻴﻒٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﻠﻘﻮﺍ ﻟﻄﻤﺔَ ﺣﻨﺎﻥ ﺭﺅﻭﻓﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻠﻘّﻰ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻄﻤﺔَ ﺯﺟﺮٍ ﻋﻨﻴﻔﺔ.

  ﻓﺎﻷﻭﻝ ﻣﻨﻬﻢ:

ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ.. «ﺳﻌﻴﺪ»، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺍﻧﺸﻐﻠﺖُ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺮ ﻋﻤﻠﻲ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺃﻭ ﺍﻧﻬﻤﻜﺖُ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻱ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻶﺧﺮﻳﻦ! ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮُ ﻭﺟﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﺑﺖُّ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔَ ﻟﻢ ﺗﻨﺰﻝ ﺇﻟّﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺇﻫﻤﺎﻟﻲ ﻭﻓﺘﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻗﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ.. ﺛﻢ ﺑﺪﺃﻧﺎ ﻣﻊ ﺍﻻﺧﻮﺓ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻧﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﻧﻼﺣﻆ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﺈﺧﻮﺗﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ.. ﻓﺄﻣﻌﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻘﺼّﻴﻨﺎ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﻗﺪ ﺃﺗﺘﻬﻢ ﻣﺜﻠﻲ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﻠﻘّﻮﻫﺎ ﺑﻀﺪِّ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﺼﺪﻭﻧﻪ، ﻟﺬﺍ ﺣﺼﻠﺖْ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔُ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻓﻤﺜﻼ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺸﻐﻼ ﺑﺈﻟﻘﺎﺀ ﺩﺭﻭﺱٍ ﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ «ﻭﺍﻥ» ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍﺩﺙ «ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻌﻴﺪ» ﺗﻘﻠﻖ ﺑﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻴﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ، ﻟﻢ ﻳﻤﺴّﻮﻧﻲ ﺑﺴﻮﺀ، ﻭﻟﻢ ﻳﺠﺪﻭﺍ ﻋﻠﻲَّ ﺣﺠﺔً ﻣﺎﺩﻣﺖُ ﻣﺴﺘﻤﺮﺍً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻗﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: «ﻣﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻶﺧﺮﻳﻦ»! ﻭﻓﻜﺮﺕُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺤﺴﺐ، ﻭﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﺇﻟﻰ ﺟﺒﻞ «ﺃﺭﻙ» ﻷﻧﺰﻭﻱ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺮﺑﺔ، ﻭﺃﻧﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﺇﺫﺍ ﺑﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬﻭﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﻳﻨﻔﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﻭﻻﻳﺔ ﺷﺮﻗﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﺮﺑﻴﺔ، ﺇﻟﻰ «ﺑﻮﺭﺩﻭﺭ».

ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺮﺍﻗﺒﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕُ ﻭﺟﻮﺩِﻫﻢ ﺑﺤﻀﻮﺭﻫﻢ ﻣﺴﺎﺀَ ﻛﻞِّ ﻳﻮﻡ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﻭﻃﻼﺑﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﺳﺘُﺜﻨﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﺩﻣﺖُ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻢ ﺃﺫﻫﺐ ﻹﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﻭﻟﻢ ﺃﻋﺮﻑ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻫﻨﺎﻙ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﺷﻜﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻟﺪﻯ «ﻓﻮﺯﻱ ﺑﺎﺷﺎ» ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻭﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﺄﻭﺻﺎﻩ: «ﺍﺣﺘﺮﻣﻮﻩ! ﻻ ﺗﺘﻌﺮﺿﻮﺍ ﻟﻪ!». ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻄﻘﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻫﻮ ﻛﺮﺍﻣﺔُ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ، ﺇﺫ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺍﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔُ ﻓﻲ ﺇﻧﻘﺎﺫ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻭﻓﺘﺮﺕُ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ -ﻣﺆﻗﺘﺎً- ﺟﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔُ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻗﺼﺪﻩ ﻭﺃﺗﻮﻗﻌﻪ، ﺃﻱ ﻧُﻔﻴﺖُ ﻣﻦ «ﺑﻮﺭﺩﻭﺭ» ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻔﻰ ﺁﺧﺮ.. ﺇﻟﻰ «ﺇﺳﺒﺎﺭﻃﺔ».

ﺗﻮﻟﻴﺖُ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻛﺬﻟﻚ.. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻛﺜُﺮﺕ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻬﺎﺕ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺘﺨﻮﻓﻴﻦ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻳُﺤﺒﺬُ ﻣﺴﺆﻭﻟﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﻋﻤﻠﻚَ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻠَّﺎ ﺃﺧﺬﺕَ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧّﻲ ﻭﺍﻟﺘﺮﻳﺚ؟!.. ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡُ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺑﻤﺼﻴﺮﻱ ﻓﺤﺴﺐ، ﻓﺄﻭﺻﻴﺖُ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺑﺘﺮﻙ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻲ ﻭﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ.. ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﻲُ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.. ﻓﻨﻔﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﻔﻰً ﺛﺎﻟﺚ.. ﺇﻟﻰ «ﺑﺎﺭﻻ».

ﻭﻛﻨﺖُ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻲَّ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪُ ﺛﻌﺎﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻲَّ، ﻭﺃﺣﺪُ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻲ. ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻵﻥ ﺃﻥ ﺃﺳﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻜﻢ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺧﻼﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻗﻀﻴﺘُﻬﺎ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭﻻ» ﻭﻟﻜﻦْ ﺧﺸﻴﺔَ ﺍﻟﻤﻠﻞ ﺃﻗﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﺕ.

ﻓﻴﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ! ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﺕُ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻨﺎﻥ، ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻤﺤﺘﻢ ﺑﺄﻥ ﺃﺳﺮﺩَ ﻣﺎ ﺗﻠﻘﻴﺘﻤﻮﻩ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﻟﻄﻤﺎﺕ ﺭﺅﻭﻓﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﺴﺄﺫﻛﺮﻫﺎ، ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺃﻟّﺎ ﺗﺴﺘﺎﺀﻭﺍ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻓﻠﻦ ﺃُﺻﺮّﺡَ ﺑﺎﺳﻤﻪ.

  ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻮ ﺃﺧﻲ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﻃﻼﺑﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻴﻦ.. ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻠﻚ ﺩﺍﺭﺍً ﺃﻧﻴﻘﺔً ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ «ﻭﺍﻥ» ﻭﺣﺎﻟﺘُﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺷﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻡ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﺍﻭﻝ ﻣﻬﻨﺔ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ.. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺍﺳﺘﻮﺟﺒﺖْ ﺧﺪﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺫﻫﺎﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ، ﺃﺭﺩﺕُ ﺍﺳﺘﺼﺤﺎﺑﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻋﺪﻡَ ﺫﻫﺎﺑﻲ ﺃﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ، ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﻳﺸﻮﺏُ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﻗﺪ ﻳﻌﺮّﺿﻪ ﻟﻠﻨﻔﻲ، ﻭﻓﻀّﻞ ﺍﻟﻤﻜﻮﺙ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻭﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮﻙ ﻣﻌﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺪ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺗﻮﻗﻊ ﻣﻨﻪ، ﺇﺫ ﺃُﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺃُﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺃُﺭﻏﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ «ﺃﺭﻏﺎﻧﻲ».

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻭﻫﻮ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﻳﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺳﺎﻓﺮ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﺀ «ﺃﻛﺮﻳﺪﺭ» ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﺗﻪ، ﺗﻴﺴﺮﺕْ ﻟﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺒﺎﻫﺞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺳﻌﺎﺩﺗﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ. ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﻘﻰ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻓﺎﺭﻗﻬﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺪﺓ ﻣﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺣَﻞَّ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﺑﺰّﺗﻪ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺭﺗﺒﺘﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺒﺪﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻪ ﺣﻠﻮﺓً ﺧﻀﺮﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮِﺿﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗُﻌﺮِﺽُ ﻋﻨﻬﻢ، ﻛﻲ ﻳﻨﻬﻀﻮﺍ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﺠﺪٍ ﻭﻧﺸﺎﻁٍ ﻭﺇﺧﻼﺹ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻗﻠﺐ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ، ﻭﻫﻮ ﺭﺍﺑﻂ ﺍﻟﺠﺄﺵ، ﻓﻘﺪ ﺳﺎﻗﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﺴﻢ ﻟﻪ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ.. ﻓﺠﺎﺀﺗﻪ ﻟﻄﻤﺔٌ ﺫﺍﺕ ﺭﺃﻓﺔ، ﺇﺫ ﺗﻌﺮّﺽ ﻟﻪ ﻋﺪﺩٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﻟﻴﺘﻴﻦ، ﻓﺴﻠﺒﻮﻩ ﻟﺬﺓَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻓﻘﺪﻭﻩ ﻃﻌﻤَﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﻳﻤﺘﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﻌﺰﻑ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻤﺘﻌﺾ ﻣﻨﻪ ﻭﺗﻌﺰﻑ ﻋﻨﻪ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻒ ﺣﻮﻝَ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺍﺳﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺑﺠﺪٍ ﻭﻧﺸﺎﻁ.

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮ» ﻭﺳﻴﻘﺺُّ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﻪ ﺑﻨﻔﺴِﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﻟﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄﺕُ ﻓﻲ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺣﻴﺚ ﻓﻜﺮﺕُ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﻓﻤﺎ ﺃﻥ ﺑَﺪﺍ ﻓﻲّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﺘﺮﺕُ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ. ﻓﺄﺗﺘﻨﻲ ﻟﻄﻤﺔٌ ﺭﺅﻭﻓﺔ، ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻭﺷﺪﺓ، ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺻﻔﻌﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺯﺟﺮﺍً ﻋﻨﻴﻔﺎً، ﺃﺭﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻔﺎﺭﺓً ﻋﻤﺎ ﺑﺪﺭ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻘﺮﺁﻧﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻵﺗﻲ:

ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻻ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺪَﺛﺎﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺅﺩﻱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺟﻤﺎﻋﺔً ﻳﻘﻊ ﺑﺠﻮﺍﺭ ﻣﺴﻜﻦ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ، ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ -ﺭﺟﺐ ﺷﻌﺒﺎﻥ ﺭﻣﻀﺎﻥ- ﻣﻘﺒﻠﺔٌ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻵﺗﻲ:

ﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﺅﺩِ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺪﻋﻲ، ﺃُﻣﻨَﻊ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻲ، ﻭﺇﻥ ﺗﺮﻛﺖُ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻭﻟﻢ ﺃُﺻﻞِّ ﻓﻴﻪ ﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻳﻀﻴﻊ ﻣﻨﻲ ﺛﻮﺍﺏٌ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻤﺤﻠﺔ ﺳﻴﻌﺘﺎﺩﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.. ﻓﺮﻏﺒﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻳﻐﺎﺩﺭ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ -ﻭﻫﻮ ﺃﺣﺐُّ ﺇﻟﻲَّ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻲ- ﺍﻟﻘﺮﻳﺔَ «ﺑﺎﺭﻻ»، ﻳﻐﺎﺩﺭﻫﺎ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﻲ ﺃﺅﺩﻱ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻓﻖ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤُﺤﺪَﺛﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻓﺎﺗﻨﻲ ﺷﻲﺀٌ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻏﺎﺩﺭ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﺴﻮﻑ ﻳَﻔﺘُﺮُ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻮ ﻣﺆﻗﺘﺎً. ﻓﺠﺎﺀﺗﻨﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔُ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﻨﺎﺀ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔً ﻗﻮﻳﺔ ﺟﺪﺍً ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻨﺎﻥٍ ﻭﺭﺃﻓﺔ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﻓﻖ ﻣﻦ ﺷﺪﺗﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮﺭ.

ﻓﺄﻣﻠﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻞَّ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺒﺎﺩﺓِ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻣﻞ -ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺑﻤﺎ ﺃﻟﻬﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ- ﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﺑَﺪﺭَ ﻣﻨﻲ ﻟﺪﻭﺍﻓﻊَ ﺷﺨﺼﻴﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻄﺄٌ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺠﻢ ﺇﻟّﺎ ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ ﺑﺂﺧﺮﺗﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ.

  ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ». ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺣﺎﺿﺮﺍً ﻣﻌﻨﺎ، ﻓﺴﺄﻧﻮﺏ ﻋﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻧُﺒْﺖُ ﻋﻦ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻓﺄﻗﻮﻝ:

ﻛﺎﻥ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ» ﻳُﻮﻓﻲ ﺣﻖَّ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺃﻳّﻤﺎ ﺇﻳﻔﺎﺀ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋُﻴّﻦ ﻗﺎﺋﻤﻘﺎﻡ ﺳﻔﻴﻪ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ، ﻓﻜَّﺮ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺃﻥ ﻳُﺨﺒﺊ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ «ﺭﺳﺎﺋﻞ» ﺧﺸﻴﺔَ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒَﻪ ﻭﺃﺳﺘﺎﺫﻩ ﺃﺫﻯً ﻣﻨﻪ، ﻓﺘﺮﻙ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻣﺆﻗﺘﺎً، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻠﻄﻤﺔٍ ﺫﺍﺕ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﺣﻨﺎﻥ ﺗﻮﺍﺟﻬﻪ، ﺇﺫ ﻓُﺘﺤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻋﻮﻯ ﻛﺎﺩﺕ ﺗُﻠﺠﺌﻪ ﺇﻟﻰ ﺩﻓﻊ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻛﻲ ﻳَﺒﺮﺃ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺒﺎﺕ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﺣﺘﻰ ﺃﺗﺎﻧﺎ ﻋﺎﺋﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺄﻧﻘﺬﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ ﻭﺭُﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﺑُﺮﺋﺖ ﺳﺎﺣﺘُﻪ.

ﺛﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓُﺘﺢ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺧﻪ ﺑﺨﻂ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﺑﻨﻤﻂ ﺟﺪﻳﺪ، ﺃُﻋﻄﻲ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺣﺼﺘَﻪ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﺴﺎﺥ، ﻓﺄﺟﺎﺩ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﺎ ﻛُﻠّﻒ، ﻭﻛﺘﺐ ﺟﺰﺀﺍً ﻛﺎﻣﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﺣﺴﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻀﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺶ، ﻓﻘﺪ ﻟﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻛﺎﻟﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻤﻨﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻪ، ﺇﺫ ﺍﻧﺜﻨَﺖ ﺇﺻﺒﻌُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺗﻮﺭﻃَﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ ﻣﻦ ﺑﺄﺱٍ، ﻭﻋﺠﺰِﻩ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺻﺎﺑﻊ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﻣﻠﻮﺛﺔ، ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻹﺻﺒﻊ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﻧﺜﻨﺎﺀ: ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻐﻤﺴﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺛﻢ ﺗﻐﺮﻗﻨﻲ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ. ﻓﻨﺒﻬﺘْﻪ..

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﻌﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻮﺿﻊ «ﺧﻠﻮﺻﻲ»، ﻭﺗﻜﻠﻤﺖ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻪ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺪ ﺣﻘﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺜﻠُﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎً. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﺽَ ﺑﻮﻛﺎﻟﺘﻲ ﻋﻨﻪ ﻓﻠﻴﻜﺘﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ.

ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺑﻜﺮ» ﻭﺳﺄﺗﻮﻟﻰ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻨﻪ ﻟﻌﺪﻡ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻣﻌﻨﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻜﻠﻤﺖُ ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺃﺧﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ، ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻠُﻪ ﺃﻳﻀﺎً، ﺃﺗﻮﻛﻞ ﻋﻨﻪ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻼﺻﻪ ﻭﻭﻓﺎﺋﻪ ﻭﺻﺪﺍﻗﺘﻪ ﺍﻟﺼﻤﻴﻤﺔ ﻭﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻳﻪ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ» ﻭ«ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ» ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻮﺓ ﺍﻷﺣﺒﺔ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺑﻜﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﻟّﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻄﺒﻊ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻓﻲ ﺇﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ، ﻓﺄﺭﺩﻧﺎ ﻃﺒﻊ «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ» ﺃﻳﻀﺎً ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺒﻞ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﺃﺭﺳﻠﺖُ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻛﺘﺒﺖُ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ: ﺳﻨﺮﺳﻞ ﻟﻚ ﺛﻤﻦَ ﻃﺒﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻊ ﺛﻤﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻳﻜﻠّﻒ ﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ، ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﻘﺮ، ﺃﺭﺍﺩ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﺎﻟِﻪ ﻭﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟِﻪ ﺃﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺭﺿﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻓﺨﺪﻋﺘﻪ ﻧﻔﺴُﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺎﺷﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻓﺄﺻﺎﺏ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻫﺬﺍ ﺿﺮﺭٌ ﺑﺎﻟﻎ.. ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﺳُﺮِﻗَﺖ ﻣﻨﻪ ﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﺅﻭﻓﺔ ﻭﺷﺪﻳﺪﺓ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻓﺘﻮﺭ. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝَ ﺍﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺻﺪﻗﺔٍ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ.

  ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ» ﺍﻟﻤﻠﻘّﺐ ﺑﺎﻟﺸﺎﻣﻲ، ﻭﺳﻴﻮﺭﺩ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ:

ﻧﻌﻢ، ﻟﻘﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﺳﺎﻗﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻓﺄﺗﺘﻨﻲ ﻟﻄﻤﺔٌ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﺎ، ﻭﺗﻴﻘّﻨﺖُ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺸﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔَ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻬﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔَ ﺧﻄﺄ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻭﺟﻬﻞٍ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ.

  ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺯّﻉ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻛﺎﻥ ﺣﻈﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺟﺰﺍﺀ، ﺣﻴﺚ ﻗﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲَّ ﻗﺪﺭﺓً ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺗﺠﻮﻳﺪِﻫﺎ ﻛﺨﻂ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻓﺎﻟﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻭﻟَّﺪ ﻓﻲّ ﻓﺘﻮﺭﺍً ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺴﻮّﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻭﺗﺒﻴﻴﻀﻬﺎ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ، ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺪّ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﺋﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺑﻤﺎ ﺃﺟﺪﻩ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺇﺭﺷﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻗﻠﺖ ﺑﺸﻲﺀٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ: «ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻲ، ﺃﻋﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﻓﻼ ﺃﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﺻﻴﺔ!». ﻓﺘﻠﻘﻴﺖ ﻟﻄﻤﺔَ ﻋﻄﻒٍ ﻭﺭﺃﻓﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺧﻄﺄﻱ ﻫﺬﺍ، ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﻋﺠﺰﺕ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﺃﻗﺮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻓﺴﺒﻘﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ.. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺣﺎﺭُ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻱ ﻫﺬﺍ، ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺨﻠّﻔﺖُ ﻋﻨﻬﻢ ﺭﻏﻢ ﺗﻤﻴّﺰﻱ ﻋﻠﻴﻬﻢ؟! ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻵﻥ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﺣﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺿﺮﺑﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻛﺮﺍﻣﺔُ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ!

ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻱَّ ﺣﺎﻟﺘﺎﻥ ﺗﺨﻼﻥ ﺑﺼﻔﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺗﻠﻘﻴﺖُ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻫﻤﺎ ﻟﻄﻤﺔً ﺷﺪﻳﺪﺓ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻟﺘﺎﻥ ﻫﻤﺎ:

ﻛﻨﺖ ﺃﻋﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪ، ﺑﻞ ﻛﻨﺖ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﺣﻘﺎً، ﻓﻸﺟﻞ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﻭﺣﺸﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺟﺎﻟﺴﺖُ ﺃﻧﺎﺳﺎً ﻣﻐﺮﻭﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺘﻌﻠﻤﺖُ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻖ، ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﺿﻲ ﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ -ﻭﻻ ﺃﺷﻜﻮ- ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺃﺭﺍﻉِ ﺩﺳﺘﻮﺭَ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ، ﺭﻏﻢ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺗﺤﺬﻳﺮﻱ، ﺑﻞ ﺗﻮﺑﻴﺨﻲ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً. ﻓﻠﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ -ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ- ﺇﻧﻘﺎﺫ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ.. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ.. ﻓﻬﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﺘﺎﻥ ﺍﺳﺘﻐﻠّﺘﻬﻤﺎ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦُ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﻓﺄﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ، ﻭﺗﻠﻘﻴﺖ ﻟﻄﻤﺔ ﻗﻮﻳﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻄﻤﺔ ﺣﻨﺎﻥ ﻭﺭﺃﻓﺔ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﻉ ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﺸﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺿﻊ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻵﺗﻲ:

ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻮﺿﻊَ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻭﻛﺎﺗﺐ ﻣﺴﻮﺩﺍﺕ ﺭﺳﺎﺋﻠﻪ ﻭﺗﺒﻴﻴﻀﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻠﻢ ﺃﻧﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻫﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻱ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺷﻬﻮﺭ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﻭﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺣﺎﺋﺮﻳﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﻧﺘﺴﺎﺀﻝ: ﻟﻤﺎﺫﺍ؟ ﺃﻱ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻧﻮﺭُ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺷﻐﺎﻑ ﻗﻠﺒﻲ.. ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺍﻵﻥ ﻋﻠﻤﺎً ﺟﺎﺯﻣﺎً، ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻮﺭٌ ﻭﺿﻴﺎﺀ، ﻭﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﻣﻊ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺼﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﺰﻟﻒ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.. ﻟﺬﺍ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕْ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ ﻋﻨﻲ ﻭﻏﺪﺕ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻏﺮﻳﺒﺔٌ ﻋﻨﻲ. ﺃﺳﺄﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺯﻗﻨﻲ ﺍﻹﺧﻼﺹَ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﻟﻠﻌﻤﻞ، ﻭﻳﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺬﻟﻞ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻭﺃﺭﺟﻮﻛﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺃﺭﺟﻮ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﻥ ﺗﺠﻬﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻲ.

 ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻤﻘﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ

  ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ: ﻫﻮ «ﺳﻴﺮﺍﻧﻲ»: ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﺻﻨﻮ «ﺧﺴﺮﻭ» ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻗﻴﻦ ﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﻣﻦ ﻃﻼﺑﻲ ﺍﻷﺫﻛﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺪّﻳﻦ.

ﺍﺳﺘﻄﻠﻌﺖُ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺭﺃﻱ ﻃﻼﺏ «ﺇﺳﺒﺎﺭﻃﺔ» ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺪّ ﻣﻔﺘﺎﺣﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ. ﺍﺷﺘﺮﻙ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﺠﺪّ، ﻋﺪﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﻞ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺼﺮﻓﻨﻲ ﻋﻤّﺎ ﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﺎً ﻳﻘﻴﻨﺎً، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺕ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺃﺧﺮﻯ، ﺛﻢ ﺑﻌﺚ ﺇﻟﻲّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺟﺎﺭﺣﺔ ﺟﺪﺍً، ﺃﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻤﻴﻢ. ﻓﻘﻠﺖ: ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ ﻟﻘﺪ ﺿﻴﻌﺖُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻨﺎﺑﻪ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻂ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ؛ ﻓﺄﺗﺘﻪ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺅﻭﻓﺔ.. ﻭﺩﺧﻞ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺯﻫﺎﺀ ﺳﻨﺔ.

  ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺯﻫﺪﻱ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ».

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﻗﺼﺒﺔ «ﺃﻏﺮﻭﺱ» ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﺎﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻑ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻻﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﺴُّﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺑﻬﻢ ﺍﻟﺒﺪﻉ، ﻓﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺘﺴﻠّﻢ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﺪﻋﺔٍ ﺳﻴﺌﺔ، ﻣﺮﺗﻜﺒﺎً ﺧﻄﺄً ﺟﺴﻴﻤﺎً ﻣُﻨﺎﻓﻴﺎً ﻟﻤﺴﻠﻜﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ. ﻓﺘﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺭﻫﻴﺒﺔً ﺟﺪﺍً. ﺇﺫ ﺗﻌﺮّﺽ ﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﺩﺕ ﺗﻤﺤﻮ ﺷﺮﻓَﻪ ﻭﺷﺮﻑ ﺃﻫﻠﻪ، ﻭﻗﺪ ﻣﺴﺖ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔُ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺯﻫﺪﻱ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ» ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ. ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔٍ ﺟﺮﺍﺣﻴﺔ ﻟﺘﺼﺮﻑ ﻗﻠﺒَﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺪﻓﻌﻪ ﻟﻺﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﺘﻨﻔﻌﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

  ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺣﻤﺪ».

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺴﺘﻨﺴﺦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞَ ﻭﻳﻨﻬﻞ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻼﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻫﻮ ﺩﺅﻭﺏٌ ﺷﻐﻮﻑ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ، ﺛﻢ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻼﺧﺘﻼﻁ ﺑﺄﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻌﻠّﻪ ﻳﺪﻓﻊ ﺃﺫﺍﻫﻢ ﻋﻨﻪ، ﻭﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﻟﻬﻢ ﻭﻟﻴﻜﺴﺐ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻮﺳّﻊَ ﻣﺎ ﺿﺎﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻫﻤﻮﻡِ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻔﺘﺮ ﺷﻮﻗُﻪ. ﻭﺍﺳﺘﻐﻞ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺿﻌﻔَﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ ﻓﺘﻮﺭٌ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺟﺮّﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ، ﻓﺄﺗﺘﻪ ﻟﻄﻤﺘﺎﻥ ﻣﻌﺎً:

ﺃﻭﻻﻫﺎ: ﺿُﻢّ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺧﻤﺴﺔُ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ، ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﺭﻫﻖ ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ.

  ﺛﺎﻧﻴﺘﻬﺎ: ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﻫﻒ ﺍﻟﺤﺲ ﻭﻻ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺪﺳّﺎﺳﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ، ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪ ﻣﻮﻗﻌَﻪ ﻭﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻛﻠﻴﺎً، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻬﺠﺮﻭﻧﻪ، ﻓﻔَﻘﺪ ﺻﺪﺍﻗﺘﻬﻢ ﺑﻞ ﻋﺎﺩﻭﻩ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ؛ ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﻓﻘﻪ ﻟﻺﻓﺎﻗﺔ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﻪ ﻭﻳﻌﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

  ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ: ﻟﻢ ﻳﺴﺠّﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ!.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﻏﺎﻟﺐ» ﻟﻘﺪ ﺧﺪﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥُ ﺑﺈﺧﻼﺹ ﻭﺻﺪﻕ ﻓﻲ ﺗﺒﻴﻴﺾ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﺨﺪﻣﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺪُ ﻣﻨﻪ ﺿﻌﻒٌ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻳﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ.

ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻀﺮ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻭﻳﻨﺼﺖ ﺑﻜﻞ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺷﻮﻕ، ﻭﻳﺴﺘﻨﺴﺦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞَ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺃﻳﻀﺎً، ﺣﺘﻰ ﺍﺳﺘﻜﺘﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺟﻤﻴﻊَ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ» ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓ ﻗﺪﺭُﻫﺎ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻟﻴﺮﺓ. ﻛﺎﻥ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﻨﺴﺎﺥ ﻧﺸﺮَ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ، ﻭﺇﺭﺷﺎﺩ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻓﺘﺮَ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﺑﻨﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﺃﺑُﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺳﺎﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ، ﻓﺤﺠﺐ ﻧﻮﺭَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻋﻦ ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓ ﺣﺎﺩﺛﺔٌ ﺃﻟﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍً، ﺗﺠﺮّﻉ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﺎ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻏﺼﺼﺎً ﻣﺪﺓ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﻮﺟﺪ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﻋﺪﺩﺍً ﻏﻔﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻇﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ﻟﻘﻴﺎﻣﻪ ﺑﻨﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﻔﻘﺪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀَ ﺃﻋﺰﺍﺀ ﻋﻠﻴﻪ.

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ: ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺧﺎﻟﺪ» ﻭﺳﻴﺬﻛﺮ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ:

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﺣﻤﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺴﻮﺩﺍﺕ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ»، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺷﺎﻏﺮﺓ، ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎﻣﺔُ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﻠﺘﻨﺎ. ﻭﺭﻏﺒﺔ ﻣﻨﻲ -ﺭﻏﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ- ﻷﻟﺒﺲ ﺟُﺒﺘﻲ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﻋﻤﺎﻣﺘﻬﺎ ﻓﺘﺮﺕُ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺿﻌﻔﺖْ ﻫﻤﺘﻲ ﻭﺷﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺟﻬﻼ ﻣﻨﻲ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺗﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔً ﺫﺍﺕ ﺭﺃﻓﺔ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﺼﺪﻩ. ﺇﺫ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﻮﻋﻮﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺘﻌﻴﻴﻨﻲ، ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻮﻟﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﺮُﺏ ﻣﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺣُﺮﻣﺖُ ﻣﻦ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺠُﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﺎﻣﺔ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖُ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ. ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻳﺨﺎﻃﺒﻨﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻗﻴﺎﻣﻲ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﻮﺩﺓ، ﻓﺎﻧﺴﺤﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﻮﺩﺓ، ﺃﻭﻗﻌَﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺮﺝٍ ﻭﺿﻴﻖ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ ﻓﺪﺍﺣﺔَ ﺗﻘﺼﻴﺮﻧﺎ ﻭﻧﻌﻠﻢ ﻣﺪﻯ ﺳﻤﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﻧﺜﻖ ﺑﺄﺳﺘﺎﺫٍ ﻣﺮﺷﺪ ﻛﺎﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﻴﻼﻧﻲ ﻇﻬﻴﺮﺍً ﻟﻨﺎ ﻛﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺍﻟﺤﻔﻈﺔ.

 ﺃﺿﻌﻒ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺧﺎﻟﺪ

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ: ﻟﻄﻤﺎﺕُ ﺣﻨﺎﻥ ﺛﻼﺙٍ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﻤﻰ «ﻣﺼﻄﻔﻰ».

ﺃﻭﻟﻬﻢ: «ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ» ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺥ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻭﺗﺰﻭﻳﺪَ ﻣﺪﻓﺄﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﻔﻂ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﺒﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻓﺮﻫﺎ ﻟﻠﺠﺎﻣﻊ، ﻓﺨﺪﻡ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻳﺪﻓﻊ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﺎﻟِﻪ -ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ- ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺨﻠﻒُ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﺑﺪﺍً، ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﺠُﻤﻊ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺇﻟّﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﻤﻞ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍً. ﺃﺧﺒﺮﻩ ﺃﺣﺪَ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺑﻌﺾُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﺘﻐﻠﻴﻦ ﺻﻔﺎﺀَ ﻗﻠﺒﻪ: ﺑﻠّﻎ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻓﻼﻧﺎً -ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﻛﺘّﺎﺏ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ- ﻟﻴﻨﺰﻉْ ﻋﻤﺎﻣَﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﺫﻯ ﻭﻳُﺠﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺰﻋﻬﺎ، ﻭﺑﻠّﻎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ ﺍﻷﺫﺍﻥ ﺳﺮﺍً. ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻴﻎَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺛﻘﻴﻞٌ ﺟﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﻣﺜﻞ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﺼﻔﺎﺀ ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ ﺑﻠَّﻎ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺍﻟﺨﺒﺮَ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻥ ﻳﺪﻱ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻣﻠﻄﺨﺘﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻴﺮ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻘﺎﻡ ﻭﻳﺪﺧﻼﻥ ﻣﻌﺎً ﻏﺮﻓﺘﻲ..! ﻗﻠﺖُ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ: ﺃﺧﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ !ﻣَﻦ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ؟ ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺘُﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻭﺃﻧﺖ ﻣُﻠﻄﺦُ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﺳﺎﺋﺮﺍً ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻘﺎﻡ. ﻗﺎﻝ: ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ، ﻟﻘﺪ ﺃﺑﻠﻐﻨﻲ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﻛﻼﻣﺎً ﻭﺃﻧﺎ ﺑﻠّﻐﺘُﻪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆَ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ، ﻭﻟﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻣﻦ ﻛﻴﺪ.

ﺛﻢ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﺟﺎﺀ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ. ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﻓﻘﺪ ﻇَﻞَّ ﺑﺎﺏَ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻨﺎﻕ (ﺻﻐﻴﺮ ﺍﻟﻌﻨﺰ) ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻠﻮﺙ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﺳﺠﺎﺩﺗﻲ، ﻭﺟﺎﺀ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻓﺄﺭﺍﺩ ﺗﻨﻈﻴﻒ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻏﻴﺮ ﺇﻧﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﻂ، ﻭﺣﺴﺒﻪ ﻣﺎﺀً ﻓﺮﺵّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﻢ ﺭﺍﺋﺤﺘﻪ. ﻓﻜﺄﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻪ ﻟ «ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ»: «ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻄﻚ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ، ﻟﻘﺪ ﺍﺭﺗﻜﺒﺖَ ﺧﻄﺄً ﺟﺴﻴﻤﺎً». ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺑﺮﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻦ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻻﺗﻪ. ﺛﻢ ﻧﺪﻡ ﻧﺪﻣﺎً ﺧﺎﻟﺼﺎً ﻟﻠﻪ، ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺮَ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻓﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺻﻔﺎﺀُ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﺧﻠﻮﺹُ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ.

ﺍﻟﺸﺨﺼﺎﻥ ﺍﻵﺧﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑ «ﻣﺼﻄﻔﻰ». ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ «ﻗﻮﻟﻪ ﺃﻭﻧﻠﻲ» ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﺏ ﺍﻟﻤﺠﺪّﻳﻦ، ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﻮﻓﻲ ﻫﻮ «ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻣﺼﻄﻔﻰ»؛ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﻠّﻐﺖُ ﻃﻼﺑﻲ ﺑﺄﻥ ﻻ ﻳﺄﺗﻮﺍ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﻋﻘﺐ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻟﺌﻼ ﻳﻔﺘﺮَ ﺍﻟﻌﻤﻞُ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺗﻬﻢ. ﻭﺍﺳﺘﺜﻨﻴﺖ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﺮﺩﺍً ﻓﻼ ﺑﺄﺱ ﺑﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃُﻓﺎﺟﺄ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻣﻌﺎً ﻳﺄﺗﻮﻥ ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﻟﻴﻼ، ﻭﻳﺰﻣﻌﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ -ﺇﺫﺍ ﺳﻤﺤﺖ ﺃﺣﻮﺍﻝُ ﺍﻟﺠﻮ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ- ﻓﻠﻢ ﻧﺘّﺨﺬ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮَ ﺍﻟﺤﺬﺭ، ﻻ ﺃﻧﺎ ﻭﻻ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ، ﺑﻞ ﻧﺴﻴﻨﺎﻫﺎ ﺣﻴﺚ ﺃﻟﻘﻰ ﻛﻞٌ ﻣﻨﺎ ﺍﺗﺨﺎﺫَﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻏﺎﺩﺭﻭﻧﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻓﺠﺎﺀﺗﻬﻢ ﺍﻟﻠﻄﻤﺔُ ﺑﻌﺎﺻﻔﺔٍ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻣﺜﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ. ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﻟﻴﺘﻴﻦ ﻓﻘﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻗﻠﻨﺎ ﻟﻦ ﻳﻨﺠﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺄﻟّﻤﺖُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻟﻤﺎً ﻣﺎ ﺗﺄﻟﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﺜﻠﻬﻢ. ﺛﻢ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﺑﻌﺚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ -ﻟﻌﺪﻡ ﺃﺧﺬﻩ ﺑﺎﻟﺤﺬﺭ- ﻟﻴﺘﻠﻘﻰ ﺃﺧﺒﺎﺭَﻫﻢ ﻭﻳﺒﻠّﻐﻨﺎ ﻋﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﻭﺻﻮﻟﻬﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻗﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻓﺴﻴﺒﻘﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﻻ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ، ﻭﺳﺄﺗﺒﻌﻪ ﺃﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﺳﻴﺘﺒﻌﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﺎﻭﻳﺶ ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻭﻛّﻠﻨﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً: ﺗﻮﻛﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﻓﻮﺿﻨﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻴﻪ.

 *   *   *

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻧﻚ ﺗﻌﺪّ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ ﺇﺧﻮﺍﻧَﻚ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻙ ﺗﺄﺩﻳﺒﺎً ﺭﺑﺎﻧﻴﺎً ﻭﻟﻄﻤﺔَ ﻋﺘﺎﺏ ﻟﻔﺘﻮﺭﻫﻢ ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﺩﻭﻥ ﺧﺪﻣﺔَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻳﻌﺎﺩﻭﻧﻜﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﺤﺒﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻭﻓﻲ ﺳﻼﻡ ﻭﺃﻣﺎﻥ. ﻓﻠِﻢَ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﺻﺪﻳﻖُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻠّﻄﻤﺔ ﻭﻻ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻋﺪﻭﻩ ﻟﺸﻲﺀ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ: «ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻻ ﻳﺪﻭﻡ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﻳﺪﻭﻡ» ﻓﺄﺧﻄﺎﺀُ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﻭﻳُﺠﺎﺯﻭﻥ ﺑﺎﻟﺘﺄﺩﻳﺐ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻭﺍﻋﻴﻦ ﻳﺮﺟﻌﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺍﺑﻬﻢ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﺈﻥ ﺻﺪﻭﺩَﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻋﺪﺍﺀﻩ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻷﺟﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ، ﻭﺇﻥ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ -ﺳﻮﺍﺀ ﺷﻌَﺮ ﺑﻪ ﺃﻡ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻳﺪﻭﻡ، ﻓﻼ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﻌﻈﻤُﻬﻢ ﺍﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺑﺬﺍﺕ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺎﻗَﺐ ﻣﻦ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺃﺧﻄﺎﺀً ﻃﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳُﺴﺎﻕ ﻣﺮﺗﻜﺒﻮ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀُ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻬﻔﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﻜﺒﻬﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮﻫﺎ ﺟﺰﺍﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﻜﻔّﺮ ﻋﻦ ﺳﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻭﻳﺘﻄﻬّﺮﻭﺍ ﻣﻨﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﺟﺮﺍﺋﻢُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻓﻬﻲ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺟﺴﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻻ ﺗﺴﻊُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻋﻘﺎﺑَﻬﻢ، ﻓﻴﻤﻬّﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﺘﻘﺘﺺَّ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ، ﻟﺬﺍ ﻻ ﻳﻠﻘﻮﻥ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻋﻘﺎﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: (ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺟﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﻨﺎﻝ ﻧﺘﻴﺠﺔَ ﺗﻘﺼﻴﺮﺍﺗﻪ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺟﺰﺍﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺑﺤﻘﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻜﺎﻥُ ﺟﺰﺍﺀ ﻭﻋﻘﺎﺏ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﺃﻋﺪّﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻌﻴﻢ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺳﺠﻦ ﻭﻋﺬﺍﺏ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﻸﻧﻬﻢ ﻣﺨﻠَّﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺗُﻤﻬَﻞ ﺳﻴﺌﺎﺗُﻬﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ ﺩﺍﺭَ ﻧﻌﻴﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﻼﻗﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻵﺧﺮﺓ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻦُ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﺃﺳﻌﺪُ ﺇﻧﺴﺎﻥ. ﻓﻬﻮ ﺃﺳﻌﺪُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﻛﻔﺮَ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻳﺴﺘﻌﺮ ﺟﺤﻴﻤﺎً ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ.