Etiket: المكتوبات
المكتوب الثاني والثلاثون
ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ
ﻭﻫﻮ (ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ) ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺓ ﺧﺘﺎﻡ (ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ).
المكتوب الحادي والثلاثون
ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ
ﻭﻗﺪ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﻟﻤﻌﺔ ﺿﻤّﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ (ﺍﻟﻠﻤﻌﺎﺕ).
المكتوب الثلاثون
ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜـلاﺛﻮﻥ
ﻭﻫﻮ (ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻥ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ) ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
المكتوب التاسع والعشرون
هـﺫﺍ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ، ﻫﻮ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻨﻪ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺗﺴﻊ ﻧﻜﺎﺕ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾
ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻮﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ، ﻭﺻﺎﺣﺒﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﺍﻟﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ!
ﺇﻧﻜﻢ ﺗﻄﻠﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ، ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ، لا ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﻭﻗﺘﻲ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻲ.
ﺃﺧﻲ! ﻟﻘﺪ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻋﺪﺩُ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﺒﻮﻥ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ. ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻲّ ﺍﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺎﻧﺸﻐﻞ ﺑﻪ، ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻟﺬﺍ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﺇﺫ ﺃﺭﻯ ﺃﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺃﻫﻢّ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﻬﺮﻱ ﺷﻌﺒﺎﻥ ﻭﺭﻣﻀﺎﻥ، ﺣﻴﺚ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﺣﻆ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﻳﺸﺮﻉ ﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ. ﻟﻬﺬﺍ ﺃﺅﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻤﺘﻰ ﻣﺎ ﺳﻨﺢ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﺷﻲﺀٌ ﺑﻔﻀﻞ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺃﻛﺘﺒﻪ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً.
ﻭﺍلآﻥ ﺃﺑﻴﻦ ﺛـلاﺙ ﻧﻜﺎﺕ (حاشية) ﻭﺃﺧﻴﺮﺍً ﺗﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﺴﻊ ﻧﻜﺎﺕ.
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ
«لا ﺗُﻌﺮﻑ ﺃﺳﺮﺍﺭُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳُﺪﺭﻙ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻭﻥ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ». ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻟﻪ ﻭﺟﻬﺎﻥ. ﻭﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﻪ ﻃﺎﺋﻔﺘﺎﻥ:
ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻫﻢ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ. ﻓﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﻨﺰ ﻋﻈﻴﻢ لا ﻳﻨﻔﺪ، ﻭﺇﻥ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﻳﺄﺧﺬ ﺣﻈَّﻪ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﺘﻤﺎﺕ، ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣُﺤﻜﻤﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥْ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﺃﻭ ﻳﻤﺲ ﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ ﺣﻆ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ.
ﻭﺣﻘﺎً ﺇﻥَّ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﺘﻮﺿﺢ ﺃﻛﺜﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ. ﻭلا ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﺑﺪﺍً ﺇﻟﻘﺎﺀَ ﻇﻞِّ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، لأﻧﻬﺎ ﻧﺼﻮﺹ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻭﺃُﺳﺲٌ ﻭﺃﺭﻛﺎﻥ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻬﺎ. ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
﴿وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:103) ﻳﻮﺿﺢ ﺃﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﺒﻴﻦ. ﻓﺎﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﻳﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﻳﻘﻮّﻳﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻌﻠَﻬﺎ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺭﻓﺾ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺬﻳﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ (ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ) ﻭﺇﻟﻰ ﺗﺰﻳﻴﻒ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم (ﺣﺎﺷﺎﻩ). ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﺃُﺳﺘُﻘﻴﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺴﻨﺪﺓ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ «ﺍﺑﻦَ ﺟﺮﻳﺮ ﺍﻟﻄﺒﺮﻱ» ﻗﺪ ﺃﻟّﻒ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﺴﻨِﺪﺍً ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.
ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻭﻫﻢ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀٌ ﺣﻤﻘﻰ، ﻳُﻔﺴﺪﻭﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳُﺼﻠﺤﻮﻥ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻋﺪﺍﺀٌ ﺫﻭﻭ ﺩﻫﺎﺀ ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ، ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺪَّﻭﺍ ﻟـلأﺣﻜﺎﻡ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻭﻳﻌﺎﺭﺿﻮﺍ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﺪﻭﺍ ﻣﻨﻔﺬﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺳُﻮﺭٌ ﻓﻮلاﺫﻱ ﻟﺤﺼﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮﻛﻢ- ﻓﻬﺆلاﺀ ﻳﺸﻴﻌﻮﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻗﻮﺍﻝ ﻟﻴﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ (ﺣَﺎﺵَ ﻟﻠﻪ).
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ
ﻟﻘﺪ ﺃﻗﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ. ﻭﻓﻲ ﺍلأﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻧﻜﺎﺕ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﺃﺳﺮﺍﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً:
ﻣﻨﻬﺎ: ﺃﻥ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﻓﻲ ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (ﺍﻟﺸﻤﺲ:١) ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻘﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺎﻣﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ».
ﻭﻣﻨﻬﺎ: ﺍﻟﻘَﺴﻢ ﻓﻲ ﴿ﻳﺲ ٭ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ﴾ (ﻳﺲ:١-٢) ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﻪ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﻧﻪ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻘﺴَﻢ ﺑﻪ.
ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﻓﻲ ﴿ﻭﺍﻟﻨﺠﻢ ﺍﺫﺍ ﻫﻮﻯ﴾ (ﺍﻟﻨﺠﻢ:١) ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻋـلاﻣﺔٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍلأﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻣﻨﻌﺎً ﻟﻮﺭﻭﺩ ﺷﺒﻬﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺴَﻢ ﻓﻲ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ (ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ:75-76) ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻌﻬﺎ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻣﻊ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﻭﺗﺪﻭﻳﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.
ﻭﻳﺬﻛّﺮ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﻓﻲ ﴿ﻭﺍﻟﺬﺍﺭﻳﺎﺕ﴾ ﻭﻓﻲ ﴿ﻭﺍﻟﻤﺮﺳـلاﺕ﴾ ﺑﺎﻟﺤِﻜَﻢ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻤﻮّﺟﺎﺕ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺗﺼﺮﻳﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﺇﺫ ﻳﻘﺴﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﻓﻴﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗُﻈﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﺮﻱ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔً ﺗﻨﻔّﺬ ﺣِﻜَﻤﺎً ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺗﺆﺩﻱ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﺟﻠﻴﻠﺔً.
ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻠﻜﻞ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﻧﻜﺘﺘﻪ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﻭﻓﺎﺋﺪﺗﻪ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﻗﺖ لا ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ، ﻓﺴﻨﺸﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﻣﺠﻤﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻜﺘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻜﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻀﻤﻨُﻬﺎ ﺍﻟﻘَﺴَﻢ ﻓﻲ ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ (ﺍﻟﺘﻴﻦ:١) ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﻘﺴَﻢ ﺑﺎﻟﺘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﻋﻈﻤﺔَ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝَ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻋﻈﻴﻢَ ﻧﻌﻤﺘﻪ، ﻓﻴﺼﺮﻑُ ﻭﺟﻪَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﺮﺩّﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞِ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻭﻳﺤﻮّﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺮﺩﻱ ﻭﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ، ﻣﺸﻴﺮﺍً ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻧﻪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﺮﺍﺗﺐَ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔً ﺭﻓﻴﻌﺔ، ﺑﻞ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ.
ﺃﻣﺎ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﺑﺎﻟﻘَﺴَﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻓﻬﻮ:
ﺇﻥَّ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﺎﻛﻬﺘﻴﻦ ﻧﺎﻓﻌﺘﺎﻥ ﻣﺒﺎﺭﻛﺘﺎﻥ.. ﻭﺃﻥَّ ﻓﻲ ﺧﻠﻘِﻬﻤﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻧﻌَﻢ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤـلاﺣﻈﺔ، لأﻥَّ ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﻳﺸﻜّﻞ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ، ﻭﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، ﻭﻓﻲ ﺗﻐﺬﻳﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻣﻌﺠﺰﺓً ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻛﺪﺭﺝ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺿﻤّﻬﺎ ﻓﻲ ﺑُﺬﻳﺮﺓ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ. ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﻘَﺴﻢ ﺑﻪ، ﺑﺎﻟﻨِﻌَﻢ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﻌﻤﻪ، ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ، ﻭﻓﻲ ﺩﻭﺍﻣﻪ، ﺧـلاﻑ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺮﺷﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺇﺯﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻌﻢ- ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺤُﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺗﺮﺩّﻳﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ، ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ.
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ
ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﻘﻄّﻌﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺴﻮﺭ، ﺷﻔﺮﺍﺕٌ ﺇﻟﻬﻴﺔ، ﻳﻌﻄﻲ ﺑﻬﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻌﺾ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﻣﻔﺘﺎﺡُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﺮﺓ، ﻟﺪﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﻟﺪﻯ ﻭﺭﺛﺘﻪ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺣﻴﻦ. ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻆَّ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ. ﻭﺃﻥ ﺃﺻﻔﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴّﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻒُ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻭﺍﺿﺤﺎً. ﻭﻗﺪ ﻭﺟﺪ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕِ ﻣﻌﺎﻣـلاﺕٍ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﻄﻌﺎﺕ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ.
ﻭﻗﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻧﺒﺬﺓً ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﻄﻌﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ «ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ» ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺗﻔﺴﻴﺮ «ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ» ﻓﻠﻴﺮﺍﺟَﻊ.
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ
ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ»، ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﺮﺟﻤﺔً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎً ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺃﺳﻠﻮﺑﻪ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ. ﻭﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺟﺪﺍً ﺇﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﺬﻭﻕ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﻟﻠﺪلاﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﺃﻭ ﺟﻬﺘﻴﻦ ﻣﻨﻪ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:٢٢)
﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:67)
﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:٦)
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:54)
﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ (ﺍلأﻧﻔﺎﻝ:24)
﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ (ﺳﺒﺄ:٣)
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ:٦)
ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﺗﻀﻊ ﻧﺼﺐَ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺗﺼﻮﺭَ ﺣﻘﻴﻘﺔِ ﺍﻟﺨﻠّﺎﻗﻴﺔ، ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺭﻓﻴﻊ ﻣﻌﺠﺰ ﻭﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﺧﺎﺭﻕ ﺑﺪﻳﻊ. ﺇﺫ ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥَّ ﺻﺎﻧﻊَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺑﺎﻧﻲَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻤﻜّﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻌﻬﻤﺎ، ﻳﻤﻜّﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻣﺜـلا، ﻓﻴﻤﻜّﻦ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ ﺑﺎلآﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.. ﻭﺇﻧﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻨﻈﻢ ﺍﻟﺴّﻤﺎﻭﺍﺕ ﻃﺒﺎﻗﺎً ﻭﻳﻔﺘﺤﻬﺎ ﺃﺑﻮﺍﺑﺎً ﻭﻳﻨﺴﻘﻬﺎ ﺗﻨﺴﻴﻘﺎً، ﻳﻨﻈّﻢ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻭﻳﻔﺘﺢ ﺃﻏﻄﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺑﺎلأﺩﺍﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍلآﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.. ﻭﺇﻧﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﻤّﺮ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻳﻨﻘّﺶ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﻁ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﺸﻖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱَّ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ، ﺑﺂﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ لأﺟﻞ ﺇﺭﺍﺀﺓ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻣﻞﺀَ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﻭﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻣﺒﺎﺷﺮﺗﻪ ﺃﻓﻌﺎﻟَﻪ؛ ﻳﻄﺮﻕ ﺑﻜﻠﻤﺔٍ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻃﺮﻗﺔً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻓﻴﺜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻬﺎ، ﻭﻳﻄﺮﻕ ﺑﻜﻠﻤﺔٍ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻃﺮﻗﺔً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻳﺜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ، ﻓﻴﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔَ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺪﻗﺔ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺒُﻌﺪ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺮﺏ. ﺃﻱ ﻳُﻈﻬِﺮُ ﺃﺑﻌﺪَ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺟﻤﻊ ﺍلأﺿﺪﺍﺩ -ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺪّ ﻣﺤﺎلا- ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ، ﻣﺜﺒﺘﺎً ﺫﻟﻚ ﺑﺄﺑﻠﻎ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻭﺃﺭﻓﻌﻪ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺨﻀِﻊ ﺭﻗﺎﺏَ ﻓﻄﺎﺣﻞ ﺍلأﺩﺑﺎﺀ ﻓﻴﺨﺮّﻭﻥ ﻟﺒـلاﻏﺘﻪ ﺳُﺠّﺪﺍً.
ﻭﻣﺜـلًا؛ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:25).
ﺗﺒﻴّﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻈﻤﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻋﺎﻝٍ ﺭﻓﻴﻊ. ﻭﺫﻟﻚ:
ﺃﻥَّ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻌﺴﻜﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺃﺗﻢ ﻃﺎﻋﺔ ﻭﺍﻧﻘﻴﺎﺩ، ﻭﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺛﻜﻨﺔ ﻟﺠﻴﺸﻴﻦ ﻋﻈﻴﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻢ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻡ. ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺭﺍﻗﺪﺓ ﺗﺤﺖ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺗﻤﺘﺜﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﻭ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﻧﻔﺦٍ ﻓﻲ ﺻُﻮﺭ، ﻟﺘﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ.. ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻋﺒّﺮﺕ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻣﻌﺠﺰ ﺭﻓﻴﻊ، ﻭﻛﻴﻒ ﺃﺷﺎﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺩﻟﻴﻞ ﺇﻗﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻰ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺮﺕ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻟﻤﻴﺘﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻣﺴﺘﺘﺮﺓ ﻓﻲ ﺟﻮ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﺗُﺤﺸَﺮ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻓﺘﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ، ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺨﺬَ ﺍﻟﺤﺒﻮﺏُ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕُ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫَﺪ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻛﺒﺮ ﻭﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﻭﺇﺫ ﺗُﺸﺎﻫﺪ ﻫﺬﺍ ﻫﻨﺎ، ﻓـلا ﺗﻘﺪﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﺸﺮ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻠﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺴﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ.
ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ -ﻳﺎ ﺗُﺮﻯ- ﺗﺮﺟﻤﺔُ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺮﺟﻤﺔً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ؟. لا ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻨﺔ.
ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻭلاﺑﺪ، ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺇﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ﻟﻶﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻭ ﻳﻠﺰﻡ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻛﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺳﺘﺔ ﺃﺳﻄﺮ.
المكتوب الثامن والعشرون
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ
ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ
ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:43)
ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻧﻜﻢ ﺗﻄﻠﺒﻮﻥ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺎﻛﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘﻤﻮﻫﺎ ﻗﺒﻞ ﺛـلاﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﺄﻭﻳﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻦ ﻟﻘﺎﺋﻚ ﺇﻳﺎﻱ. ﺃﻭَ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﺯﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﻤﺒﺸِّﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮّ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺃﻇﻬﺮ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ:
ﻧَﻪ ﺷَﺒﻢ ﻧَﻪ ﺷَﺐ ﺑَﺮﺳﺘَﻢ ﻣﻦ ﻏـلاﻡ ﺷَﻤﺴَﻢ ﺍَﺯ ﺷَﻤﺲ ﻣﻰ ﻛﻮﻳﻢ ﺧﺒﺮ
(حاشية) ﻳﻌﻨﻲ: ﻭﺇﻧﻲ ﻏـلاﻡ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻬﺎ ﻓﻤﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻠّﻴﻞ ﻓﺄَﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻪ. المترجم
ﺁﻥ ﺧﻴﺎلاﺗﻰ ﻛﻪ ﺩﺍﻡ ﺍﻭﻟﻴﺎﺳﺖ ﻋﻜﺲ ﻣﻬﺮﻭﻳﺎﻥ ﺑﻮﺳﺘﺎﻥ ﺧﺪﺍﺳﺖ
(حاشية) ﻳﻌﻨﻲ: ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻴﺎلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺷِﺮﺍﻙ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻋﺎﻛﺴﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻨﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺭﻳﺎﺽ ﺍﻟﻠﻪ. المترجم
ﻧﻌﻢ، ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻟﻘﺪ ﺍﻋﺘﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺬﺍﻛﺮ ﻣﻌﺎً ﺩﺭﺱَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺎﺑُﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﻟﻠﺨﻴﺎلاﺕ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻠﻤﻴﺎً لا ﻳـلاﺋﻢ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣـلاﺋﻤﺔً ﺗﺎﻣﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻡ، ﻧﺒﻴﻦ ﺳﺖ ﻧﻜﺎﺕ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺻﻨﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ. ﻧﺒﻴﻨﻬﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﻣﺒﻨﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ، ﻣﺴﺘﻨﺒﻄﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻭﻧﻮﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍً ﻣﺨﺘﺼﺮﺍً ﻟﺮﺅﻳﺎﻙ.
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:
ﺇﻥَّ ﺁﻳﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺜﻞ: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ (ﺍﻟﻨﺒﺄ: ٩).. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺁﻫﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻬﻢ ﻟﺴﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ- ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺗﺴﺘﺘﺮ ﻭﺭﺍﺀ ﺣُﺠﺐٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﺍﻟﺮﺅﻳﺎ.
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:
ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ لا ﻳﺤﺒﺬﻭﻥ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺍﻟﻔﺄﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭلا ﻳﻤﻴﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ: لأﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺰﺟﺮ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺯﺟﺮﺍً ﺷﺪﻳﺪﺍً، ﻭﻗﺪ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻤﺘﻔﺌﻞ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺰﺍﺟﺮﺓ ﻓﺘﻮﺭﺛﻪ ﺍﻟﻴﺄﺱَ ﻭﻳﻀﻄﺮﺏ ﻗﻠﺒُﻪ ﻭﻳﻘﻠﻖ.
ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻴﺘﺼﻮﺭﻫﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺷﺮﺍً ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺧﻴﺮ، ﻓﺘﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﻈﻦ ﻭﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺄﺱ، ﻭﻧﻘﺾِ ﻋﺮﻯ ﻗﻮﺍﻩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺅﻯ ﻇﺎﻫﺮُﻫﺎ ﻣﺨﻴﻒ، ﻣﻀﺮ، ﻗﺒﻴﺢ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﺣﺴﻦ ﺟﺪﺍً، ﻭﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺟﻤﻴﻞ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥْ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻌـلاﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ، ﻓﻴﻘﻠﻖ ﻭﻳﺤﺰﻥ ﻭﻳﻀﻄﺮﺏ ﺩﻭﻥ ﺩﺍﻉ.
ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻗﻠﺖُ ﻓﻲ ﺻﺪﺭ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻛﺎلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ: ﻧﻪ ﺷﺒﻢ ﻧﻪ ﺷﺐ ﺑﺮﺳﺘﻢ…
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:
ﻟﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ: ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺟﺰﺀٌ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺟﺰﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺣﻖ، ﻭﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﺑﻤﻬﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻭﻃﻮﻳﻠﺔ ﻭﻋﻤﻴﻘﺔ، ﻭﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺔٌ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻟﺬﺍ ﻧﺆﺟﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻧﺴﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ.
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ:
ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺛـلاﺛﺔ: ﺍﺛﻨﺎﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺩﺍﺧـلاﻥ ﺿﻤﻦ ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:٤٤) ﻛﻤﺎ ﻋﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻫﻤﺎ لا ﻳﺴﺘﺤﻘﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻭلا ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻬﻤﺎ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ. ﺇﺫ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺗﺼﻨﻌﻪ ﻗﻮﺓُ ﺧﻴﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ ﺑﺎﻧﺤﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﻣﺰﺍﺟﻪ، ﻭﺗﺮﻛّﺒﻪ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻉ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺤﺮﺍﻑ. ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺗﺨﻄّﺮ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻣﺜﻴﺮﺓ، ﻗﺪ ﺭﺁﻫﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻧﻬﺎﺭﺍً ﺃﻭ ﻗﺒﻞ ﻳﻮﻡ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺳﻨﺘﻴﻦ. ﻓﻴﻌﺪّﻟﻬﺎ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝُ ﻭﻳﺼﻮّﺭﻫﺎ ﻭﻳﻠﺒﺴﻬﺎ ﺷﻜـلا. ﻓﻬﺬﺍﻥ ﺍﻟﻘﺴﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ لا ﻳﺴﺘﺤﻘﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ.
ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺗﺠﺪ ﻋـلاﻗﺔً ﻟﻬﺎ ﻣﻊ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺗﻔﺘﺢ ﻣﻨﻔﺬﺍً ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﺮﺑﻮﻃﺔ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻤﺘﺠﻮﻟﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻔﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ. ﻓﺘﻨﻈﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔُ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻨﻔﺬ ﺇﻟﻰ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺗﺘﻬﻴﺄ ﻟﻠﻮﻗﻮﻉ، ﻭﻗﺪ ﺗـلاﻗﻲ ﺃﺣﺪ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﺃﻭ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎً ﻣﻦ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘَﺪﺭ، ﻓﺘﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻭﻳُﻠﺒﺴﻬﺎ ﻣـلاﺑﺲَ ﺍﻟﺼﻮﺭ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﻃﺒﻘﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻓﺄﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﻘﻊ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻛﻤﺎ ﺭﺁﻫﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﺘﺎﺭ ﺧﻔﻴﻒ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﺘﺴﺘﺮ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﻛﺜﻴﻒ ﺳﻤﻴﻚ.
ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ: ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻛﻔﻠﻖ ﺍﻟﺼﺒﺢ.
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ:
ﺇﻥَّ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ «ﺍﻟﺤﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ» ﻭﻫﺬﺍ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺟﺰﺋﻴﺎً ﺃﻭ ﻛﻠﻴﺎً، ﺑﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ.
ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕُ -ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﺎ- ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺳﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ -ﻭﻫﻤﺎ ﺣﺎﺳﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ- ﻭﻫﻤﺎ ﺣﺎﺳﺔ «ﺍﻟﺴﺎﺋﻘﺔ» ﻭﺣﺎﺳﺔ «ﺍﻟﺸﺎﺋﻘﺔ» ﻛﺤﺎﺳﺘﻲ «ﺍﻟﺒﺎﺻﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﺴﺎﻣﻌﺔ» ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ. ﺃﻱ؛ ﺣﺎﺳﺔ ﺗﺪﻓﻊ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗﺸﻮّﻕ.
ﻭﻳﻄﻠﻖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﻟﺤﻤﺎﻗﺘﻬﻢ ﺧﻄﺄً ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ».. ﻛـلا .. ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺩﺍﻓﻌﺎً ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً، ﺑﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻓﻄﺮﻱ، ﻳﺴﻮﻕ ﺑﻪ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ.
ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﻘﻂ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪ ﺑﺼﺮَﻩ ﻳﻔﺘﺶ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﺍﻟﻘﺪﺭﻱ ﻋﻦ ﻧﻮﻉ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻭﻳﻀﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻳﺸﻔﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺽ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﺴﺮ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ﺍلآﻛﻠﺔ ﻟﻠﺤﻮﻡ -ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺎﺕ ﻟﺘﻨﻈﻴﻒ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻦ ﺟﺜﺚ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﺍﺭﻱ- ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺟﺜﺔِ ﺣﻴﻮﺍﻥٍ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻳﻮﻡ، ﻭﺗﺠﺪﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺴَﻮﻕ ﺍﻟﻘَﺪﺭﻱ، ﻭﺑﺈﻟﻬﺎﻡ ﺍﻟﺤﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺻﻐﻴﺮ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻟّﺎ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ، ﻳﻄﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻴﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻀﻴّﻊ ﺃﺛﺮﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺴَﻮﻕ ﺍﻟﻘَﺪﺭﻱ، ﻭﺑﺈﻟﻬﺎﻡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴَﻮﻕ ﻭﺍﻟﺪﻓﻊ.
ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪ ﻣﺮّ ﺑـلا ﺷﻚ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ. ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﺳﻢَ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ، ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺒﺎﺏ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻗﻌﻮﺍ ﻗﺪﻭﻣَﻪ. ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺩﻳﺔ:
ﻧﺎﯤ ﮔﺮ ﺑﻴﻨﻪ ﭘﺎلاﻧﺪﺍﺭ ﻟﻰ ﻭﺭﻳﻨﻪ
ﺃﻱ؛ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻟﺬﺋﺐ، ﻫﻴﺊ ﺍﻟﻬﺮﺍﻭﺓ، ﻓﺎﻟﺬﺋﺐ ﻗﺎﺩﻡ.
ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ -ﺑﺤﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ- ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻤﺠﻲﺀ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎً ﻣﺠﻤـلا، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻌﺪﻡ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻳﻨﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺩﻭﻥ ﻗﺼﺪ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭ.
ﻭﻳﻔﺴّﺮ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻔﺮﺍﺳﺔ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ. ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻱ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻓﺎﺋﻘﺔ، ﻓﺄﺭﺩﺕُ ﺃﻥ ﺃﺿﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺿﻤﻦ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻭﺃﺿﺒﻄَﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﺳﺘﻮﺭ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺃُﻭﻓّﻖ ﻭﻟﻢ ﺃﺳﺘﻄﻊ ﺫﻟﻚ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﺼـلاﺡ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻫﺬﺍ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﻗﻮﺓ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﺁﺛﺎﺭﺍً ﺫﺍﺕ ﻛﺮﺍﻣﺔ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻧﻴﻞٌ ﻟﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻟﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﺫ ﻳﺮﻭﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾَ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﺘﻨﺰّﻩ ﺟﻤﻴﻞ، ﺭﺍﺋﻊ ﻟﺮﺅﻳﺔِ ﻣﺸﺎﻫﺪَ ﺣﻮﺍﺩﺙَ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ -ﻛﻤﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ- ﻭﻟﻜﻦ ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺧﻠﻖ ﺣﺴﻦ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻜﺮ ﺗﻔﻜﻴﺮﺍً ﺣﺴﻨﺎً ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻟﻮﺍﺣﺎً ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﻣﻨﺎﻇﺮ ﺣﺴﻨﺔ، ﺑﻌﻜﺲ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻟﺬﺍ لا ﻳﺮﻯ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ؛ ﻓﺎﻟﻨﻮﻡ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﻭﻫﻮ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻃﻠﻴﻖ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﻳﻦ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ. ﻭﻳﻨﺎﻝ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊ ﺭﺍﺣﺔ ﻟﺬﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺴﺤﻘﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻭﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺮﻫﻘﺔ.
ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺮﺍﺭ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻳﺮﺷﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ (ﺍﻟﻨﺒﺄ:٩).
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ:
ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ: ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺒﻠﻎَ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ، ﻭﺛﺒﺖ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﺭﺑﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺣﺠﺔٌ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘَﺪﺭَ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻣﺤﻴﻂٌ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻋﻨﺪﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻯ -ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﺍﻟﻔﺎﺋﺘﺔ- ﺩﺭﺟﺔَ ﺍﻟﺜﺒﻮﺕ ﻭﺍﻟﻘﻄﻌﻴﺔ. ﺇﺫ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻟﻴـلا ﺃﺑﺴﻂَ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺍﺕ، ﻭﺃﺗﻔﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ، ﻭﺃﺻﻐﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻊ ﻏﺪﺍً. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻗﺮﺃﻫﺎ ﻟﻴـلا ﺑﻌﻴﻨﻲ، لا ﺃﺗﻜﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﺑﻠﺴﺎﻧﻲ، ﺣﺘﻰ ﺃﻳﻘﻨﺖُ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔٌ ﻭﻣﻌﻴﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻬﺎ.
ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮّﺕ ﻋﻠﻲّ ﺗﺠﺎﺭﺏَ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﻣﻨﻔﺮﺩﺓ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺑﻞ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ، ﺣﺘﻰ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﻟﻢ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻂ ﻭﻣﺴﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﺗﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺄﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺷﺨﺎﺹ ﺃﺭﺍﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﺗﺠﺮﻱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﻣﻊ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻗﻠﻴﻞ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﺻﻐﺮَ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻣﻘﻴﺪﺓٌ ﻭﻣﺴﺠﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ، ﻓـلا ﻣﺼﺎﺩﻓﺔَ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﺎﺋﺒﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺔ.
اﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ:
ﺇﻥَّ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﻤﺒﺸﺮﺓ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ، ﺧﻴﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﻟﻠﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﻭﻟﻘﺪ ﻋﺒّﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﻳﺪَﻉ ﻟﻨﺎ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ.
ﻭﻟﻮ ﺩﻗﻘﺖَ ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﺗﺪﺭﻙ ﺫﻟﻚ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﻃﻬﺎ ﻓﻘﻂ. ﺃﻋﻨﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺒﻴﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﻫﻲ ﺗﻤﺜـلاﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ ﻫﻮ ﻭلاﻳﺔ ﺍﺳﺒﺎﺭﻃﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻌﻔﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻁ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﺑﺎﻟﺴﻔﻪ ﻭﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻟﺘﻌﻄﻞ.. ﻭﺃﻧﺖ ﻗﺪ ﺳﻠِﻤﺖَ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻢ ﺗﺘﻠﻮﺙ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻮﺻﻠﺖَ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻚ ﺳﺘﻈﻞ ﺳﻠﻴﻤﺎً ﻣﻌﺎﻓﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻮﺛﺎﺕ، ﻭلا ﻳﻔﺴﺪ ﻗﻠﺒُﻚ، ﻭﺗﻤﺘﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻬﻢ ﺣﻤَﻠَﺔ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺣﻘﻲ، ﺧﻠﻮﺻﻲ، ﺻﺒﺮﻱ، ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﺭﺷﺪﻱ، ﺑﻜﺮ، ﻣﺼﻄﻔﻰ، ﻋﻠﻲ، ﺯﻫﺪﻱ، ﻟﻄﻔﻲ، ﺧﺴﺮﻭ، ﺭﺃﻓﺖ»، ﻭﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻛ«ﺑﺎﺭلا». ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﻓﻬﻮ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭﺳﺮﻋﺔ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺼﺺ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍلأﻭﻝ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﺣﻴﻞ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ». ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺄﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟـلاﺳﻠﻜﻲ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺑﺚ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﺇﺳﻤﺎﻋِﻬﻢ ﺇﻳﺎﻩ، ﻭﺳﻴﻈﻬﺮ ﺗﻌﺒﻴﺮُﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ -ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ- ﻭﺳﻴﻜﻮﻧﻮﻥ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺷﺠﺮﺓ ﺑﺎﺳﻘﺔ، ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺑﺚ.
ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﻤﻌﻤﻢ ﻫﻮ ﺭﻣﺰ ﻟﺸﺎﺏ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻄـلاﺏ، ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﺘﻜﺎﺗﻔﺎً ﻣﻊ «ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺴﺒﻘﻪ. ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻇﻨﻪ ﺃﺣﺪَﻫﻢ ﻭﻟﻜﻦ لا ﺃﺟﺰﻡ ﺑﻪ. ﻭﺳﻴﺒﺮﺯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ.
ﺃﻣﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﻓﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻧﺖ ﺑﺪلا ﻣﻨﻲ.
ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻜﻢ -ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻃﻮﻳـلا- ﻟﺬﻳﺬٌ ﻭﻣﻤﺘﻊ ﻭﻣﻘﺒﻮﻝ، ﻟﺬﺍ ﺃﻃﻨﺒﺖُ ﻓﻲ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺃﺳﺮﻓﺖ ﻓﻴﻪ، ﻭﻟﻜﻦ لأﻧﻨﻲ ﺷﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﺑﻨﻴﺔ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺁﻳﺎﺕ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﻡ، ﺳﻴﻌﻔﻰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺭﺑﻤﺎ لا ﻳﻌﺪّ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎً.
المكتوب السابع والعشرون
ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻳﻀﻢ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﻋﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻣﺆﻟﻒ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺑﻌﺜﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻃـلاﺑﻪ، ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺑﻌﺜﻬﺎ ﻃـلاﺏ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺘﺎﺫﻫﻢ، ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ، ﻳﻌﺒّﺮﻭﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤّﺎ ﺍﺳﺘﻔﺎﺿﻮﻩ ﻣﻦ ﺃﺫﻭﺍﻕ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻬﻢ ﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﺄَﺻﺒﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﺟﺪﺍً ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ. ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﺃَﺿﻌﺎﻑ ﺣﺠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ ﻟﺬﺍ ﺳﻴُﻨﺸﺮ ﻣﺴﺘﻘـلا ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﻤـلاﺣﻖ» ﻭﻫﻲ ﻣﻠﺤﻖ ﺑﺎﺭلا ﻭﻣﻠﺤﻖ ﻗﺴﻄﻤﻮﻧﻲ ﻭﻣﻠﺤﻖ ﺃﻣﻴﺮﺩﺍﻍ.
المكتوب السادس والعشرون
[ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﺫﺍﺕ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ].
ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ
ﺑِﺎِﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ
﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩُِ﴾
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (ﻓﺼﻠﺖ:36)
ﺣﺠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺣِﺰﺑﻪ
ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻠﺰﻡ ﺇﺑﻠﻴﺲَ ﻭﻳُﻔﺤﻢ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥَ ﻭﻳُﺴﻜﺖ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻌـلا، ﺭﺩّﺍً ﻋﻠﻰ ﺩﺳﻴﺴﺔ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺭﻫﻴﺒﺔ، ﺳﺎﻗﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺣﻴﺎﺩﻳﺔ. ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺒﺖُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣُﺠﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ ﻭﺃﺫﻛﺮﻫﺎ ﺍلآﻥ:
ﻗﺒﻞ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺈﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﻨﺔ ﻛﻨﺖُ ﺃﻧﺼﺖ ﻳﻮﻣﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺣﻔّﺎﻅ ﻛﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ ﺑﺎﻳﺰﻳﺪ ﺑﺎﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺳﻤﻊ ﻛﺄﻥ ﺻﻮﺗﺎً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً، ﺻﺮﻑَ ﺫﻫﻨﻲ ﺇﻟﻴﻪ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺃﺭﻯ ﺷﺨﺼَﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺄﻋﺮﺕُ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺧﻴﺎلا، ﻭﻭﺟﺪﺗُﻪ ﻳﻘﻮﻝ:
– ﺇﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﺎﻣﻴﺎً ﺟﺪﺍً ﻭلاﻣﻌﺎً ﺟﺪﺍً، ﻓﻬﻠّﺎ ﻧﻈﺮﺕَ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﻈﺮﺓ ﺣﻴﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻭﺍﺯﻧﺘَﻪ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺣﻴﺎﺩﻳﺔ. ﺃﻋﻨﻰ: ﺍﻓﺮﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥَ ﻗﻮﻝ ﺑﺸﺮ، ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﻫﻞ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ؟!
ﺍﻏﺘﺮﺭﺕ ﺑﻪ -ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ- ﻓﺎﻓﺘﺮﺿﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﻮﻝَ ﺑﺸﺮ، ﻭﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻲ ﺃﺭﻯ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻇـلاﻡ ﺩﺍﻣﺲ. ﻓﻘﺪ ﺍﻧﻄﻔﺄﺕ ﺃﺿﻮﺍﺀُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ، ﻭﻋﻢّ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﺍلأﺭﺟﺎﺀَ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻛﻠَّﻪ ﺇﺫﺍ ﻣﺲ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ.
ﻓﻌﻠﻤﺖ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻲ ﻫﻮ ﺷﻴﻄﺎﻥٌ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻮﻗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ. ﻓﺎﺳﺘﻌﺼﻤﺖُ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻨﻮﺭ ﻳﻘﺬﻓﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ، ﺃﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻪ، ﻗﻮﻳﺎً ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ. ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓُ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ:
ﻗﻠﺖ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ! ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩﻳﺔ، ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺤﻴﺎﺯ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﻣﻮﺿﻊٍ ﻭﺳﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻴﻬﺎ -ﺃﻧﺖ ﻭﺗـلاﻣﻴﺬﻙ ﻣﻦ ﺍلإﻧﺲ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡُ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ. ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﻴﺎﺩﻳﺔ، ﺑﻞ ﺧﺮﻭﺝٌ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺆﻗﺘﺎً، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻧﻪ ﻛـلاﻡُ ﺑﺸﺮ ﻭﺇﺟﺮﺍﺀ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺃﺳﺎﺳﺎً، ﻭﺍﻟﺘﺰﺍﻡٌ ﻟﻠﺒﺎﻃﻞ ﺃﺻـلا. ﻭﻟﻴﺲ ﺃﻣﺮﺍً ﺣﻴﺎﺩﻳﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻧﺤﻴﺎﺯ ﻟﻠﺒﺎﻃﻞ ﻭﻣﻮﺍلاﺓ ﻟﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ: ﺍﻓﺮﺿﻪ ﻛـلاﻣﺎً ﻭﺳﻄﺎً، لا ﺗﻘﻞ ﺃﻧﻪ ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭلا ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ.
ﻗﻠﺖ: ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﻄﻌﺎً. لأﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻭُﺟِﺪ ﻣﺎﻝٌ ﻣﻨﺎﺯَﻉ ﻓﻴﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻴﺎﻥ ﻣﺘﻘﺎﺭﺑَﻴﻦ ﺃﻱ ﻗﺮﻳﺒﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻜﺎﻧﺎً، ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻳﻮﺿﻊُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﺪﻯ ﺷﺨﺺ ﻏﻴﺮِﻫﻤﺎ. ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺗﻨﺎﻟﻪ ﺃﻳﺪﻳﻬُﻤﺎ. ﻓﺄﻳّﻤﺎ ﺍﻟﻄﺮﻓَﻴﻦ ﺃﻗﺎﻡ ﺍﻟﺤﺠﺔَ ﻋﻠﻰ ﺍلآﺧﺮ، ﻭﺃﺛﺒﺖَ ﺩﻋﻮﺍﻩ، ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻤﺎﻝَ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻴﺎﻥ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪَﻳﻦ، ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﺍلآﺧﺮ ﻏﺎﻳﺔَ ﺍﻟﺒﻌﺪ، ﻛﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺣﺪُﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭﺍلآﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻳُﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﺎﻝُ ﻟﺪﻯ «ﺫﻱ ﺍﻟﻴﺪ» ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ. ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﻙَ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊٍ ﻭﺳﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻣﺘﺎﻉٌ ﺛﻤﻴﻦ ﻭﺑﻀﺎﻋﺔٌ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﻣﺎﻝٌ ﺭﻓﻴﻊ ﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺒُﻌﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ، ﺑﻌﺪٌ ﻣﻄﻠﻖ لا ﻳﺤﺪّﻩ ﺣﺪ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﺒُﻌﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛـلاﻡ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ. ﻭﻟﻬﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻭﺿﻊُ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ، ﺇﺫ لا ﻭﺳﻂَ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺇﻃـلاﻗﺎً. لأﻧﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻓـلا ﻭﺳﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻴﺪ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﺳَﻮﻕ ﺍلأﺩﻟﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺋﻬﺎ ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﺑﻴﺪﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﺇﻟّﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻄﺮﻑُ ﺍلآﺧﺮ ﺩﺣﺾَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻤﺸﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺗﻔﻨﻴﺪﻫﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺗﻠﻮ ﺍلآﺧﺮ، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻤﺪّ ﻳﺪَﻩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺇﻟّﺎ ﻓـلا.
ﻫﻴﻬﺎﺕ! ﻣﻦ ﺫﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺰﺣﺰﺡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭّﺓ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺜﺒﺘﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺑﺂلاﻑ ﻣﻦ ﻣﺜﺒﺘﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ، ﻭﺃﻧّﻰ لأﺣﺪٍ ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ ﻫﺪﻡ ﺩلاﺋﻞ ﺍلأﻋﻤﺪﺓ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، ﻟﻴﺴﻘﻂ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭّﺓ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ.
ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ! ﺇﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍلإﻧﺼﺎﻑ ﻳﺤﺎﻛﻤﻮﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻔﻚ. ﺑﻞ ﻳﺰﺩﺍﺩﻭﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺄﺻﻐﺮ ﺩﻟﻴﻞ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻧﺖ ﻭﺗـلاﻣﻴﺬﻙ، ﺃﻱ ﻟﻮ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ، ﻭﻟﻮ ﻟﻤﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺃﻱ ﻟﻮ ﺃﺳﻘﻄﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﺵ، ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻗﻮﻱ ﻭﻋﻈﻴﻢ ﻳﻌﻠﻮ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻭﻳﺘﺴﻊ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ، ﻛﻲ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺭﺗﻔﺎﻉ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻳﺜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻭﺣﺪﻩ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﻪ ﻭﻳﺒﻠﻎ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺪﺭﻛﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻋﺴﻴﺮ ﻗﻠّﻤﺎ ﻳﻮﻓﻖ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻔﻘﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧَﻬﻢ ﺑﺪﺳﻴﺴﺘﻚ ﺍﻟﻤﻠﻔﻌﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩﻳﺔ.
ﺍﻧﺒﺮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺎﺋـلا: ﺇﻥَّ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺷﺒﻴﻪٌ ﺑﻜـلاﻡ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻓﻬﻮ ﻳﺠﺮﻱ ﻣﺤﺎﻭﺭﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻓﺈﺫﻥ ﻫﻮ ﻛـلاﻡُ ﺑﺸﺮ! ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛـلاﻡُ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﻜﺎﻥ ﺧﺎﺭﻗﺎً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻬﺎﺗﻪ، ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭلا ﻳﺸﺒﻪ ﻛـلاﻡَ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻣﺜﻠﻤﺎ لا ﺗﺸﺒﻪ ﺻﻨﻌﺔُ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻨﻌﺔَ ﺑﺸﺮ!
ﻓﻘﻠﺖ ﺟﻮﺍﺑﺎً: ﺇﻥَّ ﺭﺳﻮﻟﻨﺎ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻇَﻞَّ ﻓﻲ ﻃﻮﺭ ﺑﺸﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻩ ﻛﻠِّﻬﺎ -ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻭﺧﺼﺎﺋﺼﻪ- ﻓﺎﻧﻘﺎﺩَ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩ ﻃﺎﻋﺔٍ ﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻭﺍﻣِﺮﻩ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ، ﻛﺄﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺁﺧﺮ. ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻘﺎﺳﻲ ﺍﻟﺒﺮﺩَ ﻭﻳﻌﺎﻧﻲ ﺍلأﻟﻢ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻟﻢ ﻳُﻮﻫﺐ ﻟﻪ ﺧﻮﺍﺭﻕُ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻩ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻗﺪﻭﺓً ﻟـلاﻣﺔ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ، ﻭﻣﺮﺷﺪﺍً ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻃﻮﺍﺭﻩ، ﻭﻫﺎﺩﻳﺎً ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻪ ﻭﺳﻜﻨﺎﺗﻪ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺭﻗﺎً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻃﻮﺍﺭﻩ ﻟَﻤَﺎ ﺗﺴﻨّﻰ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ، ﻭﻗﺪﻭﺓً ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻭﻟَﻤَﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺮﺷﺪﺍً ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ، ﻭﻟَﻤَﺎ ﻛﺎﻥ ﺭﺣﻤﺔً ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ.
ﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﺇﻣﺎﻡُ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﻣﺮﺷﺪُ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﻫﺎﺩﻱ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻭﻣﻌﻠﻢُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺃﺳﻠﻮﺑﻪ، لأﻥ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻳﺴﺘﻠﻬﻤﻮﻥ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﻳﺘﻌﻠﻤﻮﻥ ﺩﻋﻮﺍﺗِﻬﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﻣﺴﺎﺋﻠﻬﻢ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ، ﻭﻳﺘﻌﺮّﻓﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﺁﺩﺍﺏ ﻣﻌﺎﺷﺮﺗﻬﻢ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﻪ، ﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻪ ﻭﻣﺮﺟﻌﺎً ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻤﻌﻪ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻓﻲ «ﺟﺒﻞ ﺍﻟﻄﻮﺭ» ﻟﻤﺎ ﺃﻃﺎﻕ ﺍﻟﺒﺸﺮُ ﺳﻤﺎﻋَﻪ ﻭلا ﻗَﺪَﺭ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻧﺼﺎﺕ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭلا ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺮﺟﻌﺎً ﻟﺸﺆﻭﻧﻪ ﻛﺎﻓﺔ. ﻓﺴﻴﺪُﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﺰﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺇﻟّﺎ ﺳﻤﺎﻉ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻦ ﻛـلاﻣﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ: ﺃﻫﻜﺬﺍ ﻛـلاﻣﻚ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ: ﻟﻲ ﻗﻮﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ.
ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻋﺎﺩ ﻗﺎﺋـلا: ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺃلا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺒﺸﺮ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺸﻲﺀ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺘﻠﻬﻤﺎً ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ:
ﺃﻭلا: ﺇﻥ ﺫﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﺍﻟﺤﻖ ﻛﺬﺍ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﺃﻣﺮُ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ.. ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﺣﺒِّﻪ ﻟﻠﺪﻳﻦ، ﻭلا ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺴﺐ ﻫﻮﺍﻩ، ﻭلا ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻃﻮﺭَﻩ ﺑﻤﺎ لا ﺣﺪّ ﻟﻪ، ﺑﺄﻥ ﻳﺪّﻋﻲ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﻴﻘﻠّﺪﻩ ﻓﻲ ﻛـلاﻣﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺑﻞ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻓﺮﺍﺋﺼُﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:32).
ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻧَّﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺸﺮٌ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺛﻢ ﻳﻮﻓّﻖ ﻓﻴﻪ، ﺑﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ. لأﻥ ﺃﺷﺨﺎﺻﺎً ﻣﺘﻘﺎﺭﺑﻴﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻠﺪ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﺍلأﺧﺮ. ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﻦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺻﻨﻒ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﻤّﺺ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍلآﺧﺮ، ﻓﻴﺴﺘﻐﻔﻠﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺆﻗﺘﺎً. ﻭﻟﻜﻦ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻐﻔﻞ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺇﺫ ﺳﻴﻈﻬﺮ لأﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺘﺼﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﻜﻠﻒ ﻓﻲ ﺃﻃﻮﺍﺭﻩ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ. ﻭلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻛﺬﺑُﻪ ﻳﻮﻣﺎً، ﻓـلا ﺗﺪﻭﻡ ﺣﻴﻠﺘُﻪ ﻗﻂ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ، ﻛﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺨﺼﺎً ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺎً ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻠﺪ ﺍﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﺃﻭ ﺭﺍﻋﻴﺎً ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ، ﻓـلا ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺨﺪﻉ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﺳﺘﻬﺰﺍﺀ ﻭﺳﺨﺮﻳﺔ، ﺇﺫ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﺳﺘﺼﺮﺥ: ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺧﺪّﺍﻉ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻴﺮﺍﻋﺔ (ﺫﺑﺎﺑﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ) لأﻫﻞ ﺍﻟﺮﺻﺪ ﻭﺍﻟﻔﻠﻚ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﻧﺠﻢ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻃﻮﺍﻝ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ، ﺩﻭﻥ ﺗﻜﻠﻒ! ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﺑﻤﻈﻬﺮ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﻟﺬﻭﻱ ﺍلأﺑﺼﺎﺭ، ﻃﻮﺍﻝ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺩﻭﻥ ﺗﺼﻨﻊ! ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ ﺗﻘﻤﺺ ﺟﻨﺪﻱ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻱ ﻃﻮﺭ ﻣﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻭﺍﻋﺘـلاﺀ ﻣﻘﺎﻣﻪ، ﻣﺪﺓ ﻣﺪﻳﺪﺓ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﺃﺣﺪٌ ﺧﺪﺍﻋﻪ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ ﻇﻬﻮﺭ ﻣﻔﺘﺮٍ ﻛﺎﺫﺏ لا ﺇﻳﻤﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻃﻮﺭ ﺃﺻﺪﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻭﺃﺭﺳﺨﻬﻢ ﻋﻘﻴﺪﺓ، ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﻔﺤﺼﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻴﻦ، ﺑـلا ﺗﺮﺩﺩ ﻭلا ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ، ﻭﻳﺨﻔﻲ ﺗﺼﻨﻌﻪ ﻋﻦ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺪﻫﺎﺓ..
ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﺪّﻗﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﺴﻜﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺤﻜﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﺬﻳﺎﻥ ﻭﺟﻨﻮﻥ.. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﺇﺫ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﻋﺪّ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟـلاﻣﻊ، ﺑﻞ ﺷﻤﺲُ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ، ﺗﺸﻊ ﺩﻭﻣﺎً ﺃﻧﻮﺍﺭَ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪ.. ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﻋﺪّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ ﺑﺼﻴﺼﺎً ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﺘﺼﻨﻊ، ﻳﺼﻮﻏﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ (ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ) ﻭﺍلأﻗﺮﺑﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻮﻥ لأﺣﻮﺍﻟﻪ لا ﻳﻤﻴﺰﻭﻥ ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻧﺠﻤﺎً ﻋﺎﻟﻴﺎً ﻭﻣﻨﺒﻌﺎً ﺛﺮﺍً ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ! ﻭﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟّﺎ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻧﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﺇﻥ ﺗﻤﺎﺩﻳﺖ ﻓﻲ ﺧﺒﺜﻚ ﻭﺩﺳﺎﺋﺴﻚ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍلآﻥ، ﻓﻠﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻣﻤﻜﻨﺎً، ﻭﻟﻦ ﺗﻘﻨﻊ ﺑﻪ ﻋﻘـلا ﺳﻠﻴﻤﺎً ﻗﻂ. ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺗﻐﺮﺭ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﺑﺈﺭﺍﺀﺗﻬﻢ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻓﺘﺮﻳﻬﻢ ﺍﻟﻨﺠﻢ ﺍﻟـلاﻣﻊ ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻛﺎﻟﻴﺮﺍﻋﺔ.
ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﺇﻥَّ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﻱ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ، ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﻜﻞ ﺭﻃﺐ ﻭﻳﺎﺑﺲ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺁﺛﺎﺭ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﻃﻴﺒﺔ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﻗﻴﻤﺔ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪ- ﺇﺫ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻔﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﻳﺒﻌﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻳﻮﺻﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ.. ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺣﻘﺎﺋﻘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﺧﺘـلاﻕ ﻭﺍﻓﺘﺮﺍﺀ ﺇﻧﺴﺎﻥ لا ﻋﻠﻢ ﻟﻪ ﻭلا ﻣﻌﻴﻦ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺃﻟّﺎ ﻳﺸﺎﻫِﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺪﻫﺎﺓ ﺍﻟﻔﻄﻨﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺘﻔﺤﺼﻮﻥ لأﺣﻮﺍﻟﻪ، ﺃﻳﺔ ﻋـلاﻣﺔ ﻣﻦ ﻋـلاﺋﻢ ﺍﻟﺨﺪﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻪ ﺑﻞ ﻳﺮﻭﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺇﺧـلاﺻﻪ ﻭﺛﺒﺎﺗﻪ ﻭﺟﺪّﻳﺘﻪ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻭﺃﻗﻮﺍﻟﻪ ﻭﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ ﻭﺍلإﺧـلاﺹ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ، ﻭﺃﺭﺷﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺭﺑّﻰ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺼﺎﻝ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ.. ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ -ﺑﺬﻟﻚ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ- ﻣﻤﻦ لا ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻪ، ﻭلا ﺇﺧـلاﺹ ﻟﻪ ﻭلا ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻘﻴﺪﺓ.. ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻟّﺎ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻀﺎﻋﻒ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻟّﺎ ﻫﺬﻳﺎﻥ ﻛﻔﺮﻱ ﻳﺨﺠﻞ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ.. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ لا ﻭﺳﻂ ﻟﻬﺎ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺑﻔﺮﺽ ﻣﺤﺎﻝ- ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻬﻮﻯ ﺳﺎﻗﻄﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ. ﻭلا ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ، ﻭﻫﻮ ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻇﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺭﺳﻮلا -ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﻳﻠﺰﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ- ﺃﻥْ ﻳﻬﻮﻱ ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺪﻥ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ، ﻭلا ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ. ﺫﻟﻚ لأﻥَّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺘﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳﻜﺬﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺴﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﺍﻟﺪﺭﻛﺎﺕ.
ﺇﻥَّ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﻃﺎﻭﻭﺳﺎً ﺭﺅﻳﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﻛﻢ ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺤﺎﻝ ﻣﺜﻠﻪ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﺍﺣﺘﻤﺎلا ﻗﻂ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺳﻜﻴﺮﺍً ﻓﺎﻗﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ.
ﺭﺍﺑﻌﺎً: ﺇﻥَّ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥْ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻟـلاﻣﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﺔ لأﻋﻈﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﺟﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻨﻰ ﺁﺩﻡ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﺮﺻﻴﻨﺔ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻩ ﺍﻟﺮﺍﺳﺨﺔ ﻭﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺃﻥ ﻳﻐﺰﻭ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻛـلا ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦ ﻭﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ، ﺑﻤﺎ ﺃﻋﻄﺎﻫﻢ ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻡ ﻟﺘﺴﻴﻴﺮ ﺃﺣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺗﻨﺴﻴﻖ ﺷﺆﻭﻧﻬﻢ، ﻭﺑﻤﺎ ﺟﻬّﺰﻫﻢ ﺑﺄﻋﺘﺪﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﻣﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻋﻠّﻢ ﻋﻘﻮﻝَ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ -ﻛﻞ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ- ﻭﺭﺑّﻰ ﻗﻠﻮﺑَﻬﻢ ﻭﺳﺨّﺮ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻭﻃﻬّﺮ ﻭﺟﺪﺍﻧﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﺟﻮﺍﺭﺣﻬﻢ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪ- ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛـلاﻣﺎً ﻣﻠﻔﻘﺎً لا ﻗﻮﺓ ﻟﻪ ﻭلا ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭلا ﺃﺻﻞ -ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ- ﺃﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻝ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﻀﻰ ﺣﻴﺎﺗَﻪ ﻣﻨﻘﺎﺩﺍً ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﺮﺷﺪﺍً ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻠّﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺃﺻﻮﻝ ﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻭﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺑﺄﻗﻮﺍﻟﻪ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺧﺸﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻪ ﻭﺃﻋﺮﻓﻬﻢ ﺑﻪ، ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺮّﻓﻪ ﺑﻬﻢ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﻌﻄﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﻀﻮﻯ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ ﺧُﻤﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﻧﺼﻒ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﺃﻟﻒ ﻭﺛـلاﺋﻤﺎﺋﺔ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً، ﻓﻜﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺎﺋﺪﺍً ﺭﺍﺋﺪﺍً ﻟـلأﻣﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻫﺰّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺣﻘﺎً ﻓﺨﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﺑﻞ ﻓﺨﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.. ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺭﻑ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭلا ﻳﺨﺸﻰ ﻋﺬﺍﺑﻪ ﻭﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﺎﺩﻱ، ﺃﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ. لأﻥ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ لا ﻭﺳﻂ ﻟﻬﺎ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺳﻘﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، لا ﻳﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﻳﻈﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺑﻞ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻜﺬﺍﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ.
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﻮ ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ ﺩﺳﺎﺋﺴﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ ﻟَﻤَﺎ ﺃﻗﻨﻌﺖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻋﻘـلا ﻟﻢ ﻳﻔﺴﺪ ﻭﻗﻠﺒﺎً ﻟﻢ ﻳﺘﻔﺴﺦ.
ﺍﻧﺒﺮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺎﺋـلا:
ﻛﻴﻒ لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻏﻮﻳﻬﻢ؟ ﻓﻠﻘﺪ ﺩﻓﻌﺖُ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻌﻘـلاﺀ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ
ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:
ﺃﻭلا: ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺒﺮ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﻴﺪﺓ، ﻳﻈﻬﺮ ﻛﺄﻧﻪ ﺷﻲﺀ ﺻﻐﻴﺮ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ. ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﻦ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﺠﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺿﻮﺀﻩ ﻛﺎﻟﺸﻤﻌﺔ.
ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺘﺒﻌﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻄﺤﻲ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝَ ﻛﺎﻟﻤﻤﻜﻦ. ﻳﺮﻭﻯ ﺃﻥَّ ﺷﻴﺨﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﻫـلاﻝ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻭﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﺷﻌﺮﺓٌ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺒﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻪ، ﻓﻈﻨﻬﺎ ﺍﻟﻬـلاﻝ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻟﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪﺕُ ﺍﻟﻬـلاﻝ!!
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﺃﻥْ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺓ ﻫـلالا. ﻭﻟﻜﻦ لأﻧﻪ ﻗﺪ ﻗﺼﺪ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺍﻟﻬـلاﻝ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺗﺮﺍﺀﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺮﺓ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﻓﻈﻬﺮﺕ ﻟﻪ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺗﺒﻌﻴﺎً -ﺃﻱ ﺛﺎﻧﻮﻳﺎً- ﻟﺬﺍ ﺗﻠﻘّﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻣﻤﻜﻨﺎً.
ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﺇﻥَّ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﺷﻲﺀ ﻭﻋﺪﻡَ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻓﺾَ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ. ﺇﺫ ﺇﻥَّ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﻫﻮ ﻋﺪﻡُ ﻣﺒﺎلاﺓ، ﻓﻬﻮ ﺇﻏﻤﺎﺽ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﻧﻔﻲٌ ﺑﺠﻬﺎﻟﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺤُﻜﻢ. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺘﺮ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ ﺗﺤﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ، ﺇﺫ لا ﻳُﺸﻐﻞ ﻋﻘﻠَﻪ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلأﻣﻮﺭ.
ﺃﻣﺎ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻡِ ﻗﺒﻮﻝ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻗﺒﻮﻝُ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻓﻬﻮ ﺣُﻜﻢ، ﻳﻀﻄﺮ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺷﻐﺎﻝ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺇﻋﻤﺎﻝ ﻓﻜﺮﻩ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﺜﻠﻚ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞَ، ﺛﻢ ﻳﺨﺪﻋﻪ ﺑﺎلإﻧﻜﺎﺭ.
ﺛﻢ ﺇﻧﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺪ ﺧﺪﻋﺖ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺸﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﺍلأﻧﻌﺎﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍلأﻧﺎﺳﻲ ﻓﻤﻬّﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻭﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻮﻟﺪﺍﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ، ﺑﺎﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﺴﻔﺴﻄﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﻐﺎﻟﻄﺔ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺑﺮﺓ ﻭﺍلإﻏﻔﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﻱ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺣﻘﺎً ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻣﻤﻜﻨﺎً.
ﺭﺍﺑﻌًﺎ: ﺇﻥَّ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛـلاﻡ ﺑﺸﺮ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳُﺘﺼﻮﺭ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻳﺮﺷﺪ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺎﻫﺪ- ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍلأﻗﻄﺎﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘـلألأﻭﻥ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﻌﻠّﻢ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻭﺍلأﻣﻦ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﻳﺤﻘﻖ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺰﻛﻴﺔ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺄﺗﻴﻪ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻭلا ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ.. ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳُﺘﺼﻮﺭ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ- ﺧـلاﻑ ﺃﻭﺻﺎﻓﻪ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺗﻪ ﻭﺃﻧﻮﺍﺭﻩ، ﺃﻱ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺗﺼﻮُّﺭﻩ ﺃﻧﻪ ﺍﻓﺘﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺧﺪّﺍﻉ.. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟّﺎ ﻣﺤﺎﻝ ﺷﻨﻴﻊ ﻳﺨﺠﻞ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺴﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻴﻮﻥ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻫﺬﻳﺎﻥ ﻛﻔﺮﻱ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺺُ. ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻳﻠﺰﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ، ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﺭﺳﺦ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭﺃﻣﺘﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻭﺃﺻﺪﻕ ﻛـلاﻣﺎً ﻭﺁﻣﻦ ﻗﻠﺒﺎً، ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻐﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﻰ ﺑﻬﺎ ﻭﺑﺪلاﻟﺔ ﻣﺎ ﺃﻇﻬﺮﻩ -ﺑﺎلاﺗﻔﺎﻕ- ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ، ﻭﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺃﺧـلاﻗﻪ ﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻋﺪﺍﺀ، ﻭﺑﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﻦ ﺭﺑّﺎﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.. ﻳﻠﺰﻡ -ﺑﺬﻟﻚ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺽ- ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﺎﻗﺪﺍً ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ، لا ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻪ، ﻭلا ﻳﺨﺸﻰ ﺍﻟﻠﻪ (ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ) ﻭﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟّﺎ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ لأﻗﺒﺢِ ﻣﺤﺎﻝ ﻣﻤﺠﻮﺝ ﻭﺿـلاﻟﺔ ﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ.
ﻧﺤﺼﻞ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ: ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ «ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻣﻦ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ»، ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻤﻠﻚ ﺇﻟّﺎ ﻗﺪﺭﺓ ﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﺪ ﻗﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﻗﻴﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘُﻪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ، ﻧﺮﺍﻩ لا ﻳﺸﺒﻪ ﺃﻳﺎً ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ: ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﺃﻭ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻖ ﺍلأﻭﻝ، ﻓﻤﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺤﺎلا لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺣﺘﻰ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ -ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻪ- ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﺭﻓﻊ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ. ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ (ﺑﺎﻟﺴﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ) ﺣﺴﺐ ﻋﻠﻢ ﺍلأﺻﻮﻝ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ:
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻳﺎ ﺗـلاﻣﻴﺬ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ!
ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻛـلاﻡُ ﺍﻟﻠﻪ ﺁﺕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻣﻦ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﺍﻓﺘﺮﺍﺀُ ﺷﺨﺺ لا ﻳﺨﺸﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭلا ﻳﺘﻘﻴﻪ ﻭلا ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻪ ﻭلا ﻳﻌﺮﻓﻪ (ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ) ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ لا ﺗﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻭﻟﻦ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻗﻄﻌﺎً ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﺠﺞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ. ﻟﺬﺍ ﻭﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺑـلا ﺃﺩﻧﻰ ﺷﺒﻬﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛـلاﻡ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺳﻂٌ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻗﻂ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً، ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﺗَﻪ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻭﺍﺳﺘﻤﻌﺖ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍً صلى الله عليه وسلم ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﺭﺳﻮﻝُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﺃﻭ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻪ (ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ) ﺑﺸﺮﺍً ﻣﻔﺘﺮﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ لا ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻭلا ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻪ ﻭلا ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻌﺬﺍﺑﻪ، ﻓﺴﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ (حاشية) ﺍﺿﻄﺮﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺑﻔﺮﺽ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻭﻓﺮﺍﺋﺼﻲ ﺗﺮﺗﻌﺪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻤﺤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻜﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﺍﻟﻜﻔﺮﻱ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﻓﺴﺎﺩﻩ ﺑﺎﻟﻤﺮﺓ، ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻜﻔﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ، ﻭﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻫﻢ ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺍﻟﻤﻤﺠﻮﺟﺔ، لأﺟﻞ ﺩﺣﻀﻬﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﻳﺎ ﺇﺑﻠﻴﺲ، لا ﺃﻧﺖ ﻭلا ﻣﻦ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻓـلاﺳﻔﺔ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﻣﻨﺎﻓﻘﻲ ﺁﺳﻴﺎ، لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺛﻢ ﻳﺼﺪّﻗﻪ ﻗﻂ.
لأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻓﺴﺎﺩﺍً ﻭﺃﻓﺴﺪ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﺟﺪﺍﻧﺎً ﻳﻌﺘﺮﻓﻮﻥ ﺑﺄﻥَّ ﻣﺤﻤﺪﺍً صلى الله عليه وسلم ﻛﺎﻥ ﻓﺬﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺁﻳﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺧـلاﻕ.
ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻣﻨﺤﺼﺮﺓ ﻓﻲ ﺷﻘﻴﻦ ﻓﻘﻂ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﻟﺸﻖ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﺤﺎﻝ ﻗﻄﻌﺎً، لا ﻳﺪّﻋﻴﻪ ﺃﺣﺪ، ﻭﺃﻥَّ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ لا ﻭﺳﻂ ﻓﻴﻬﺎ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺠﺞ ﻗﺎﻃﻌﺔ- ﻓـلاﺑﺪ ﻭﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺭﻏﻢ ﺍﻧﻔﻚ ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻧﻒ ﺣﺰﺑﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻭﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻭﺑﺤﻖ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﺈﻥَّ ﻣﺤﻤﺪﺍً صلى الله عليه وسلم ﺭﺳﻮﻝُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻭﻓﺨﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﺎﻥ.
ﺍﻋﺘﺮﺍﺽٌ ﺛﺎﻥٍ ﺗﺎﻓﻪٌ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ
﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ (ﻕ:18-24)
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻠﻮ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ (ﻕ) ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ:
– ﺇﻧﻜﻢ ﺗﺮﻭﻥ ﺳـلاﺳﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻭﺿﻮﺣَﻪ ﺃﻫﻢ ﺭﻛﻦ ﻓﻲ ﻓﺼﺎﺣﺘﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻨﻘـلاﺕ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻭﺍﻟﻄﻔﺮﺍﺕ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ. ﻓﺘﺮﻯ ﺍلآﻳﺔ ﺗﻌﺒُﺮ ﻣﻦ ﺳﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺦ ﺍﻟﺼُﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺬﻛﺮ ﺍلإﻟﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ.. ﺃﻳﺒﻘﻰ ﻟﻠﺴـلاﺳﺔ ﻣﻮﺿﻊ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘـلاﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ؟ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﻣﻮﺍﺿﻌﻪ ﻧﺮﻯ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻋﻦ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻓﺄﻳﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺴـلاﺳﺔ ﻭﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ؟.
ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻫﻮ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ ﺑﻌﺪ ﺑـلاﻏﺘﻪ ﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ، ﻓﺎلإﻳﺠﺎﺯ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺎﺱ لإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺃﻗﻮﺍﻩ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﻟﻄﻴﻒ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻨﺒﻬﺮ ﺃﻣﺎﻣَﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ.
ﻓﻤﺜـلا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (ﻫﻮﺩ:٤٤)
ﻓﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺟﻤﻞ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ، ﻭﺗﻮﺿﺤﻬﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ﻣﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻗﺖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ ﻟﺮﻭﻋﺔ ﺑـلاﻏﺘﻬﺎ.
ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ (ﺍﻟﺸﻤﺲ:11-15)
ﺗﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻣﻌﺠﺰﺍً، ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺯ ﺑﻠﻴﻎ، ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺟﻤﻞ ﻗﺼﻴﺮﺓ، ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙَ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻟﻘﻮﻡ ﺛﻤﻮﺩ ﻭﻋﺎﻗﺒﺔ ﺃﻣﺮﻫﻢ، ﺗﺒﻴّﻨﻬﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺧـلاﻝ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ ﻭﻓﻲ ﺳـلاﺳﺔ ﻭﻭﺿﻮﺡ.
ﻭﻣﺜـلا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:87)
ﺇﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﻤﻄﻮﻳﺔ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ لا ﺗﺨﻞ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ ﻭلا ﺗﺴﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﺳـلاﺳﺔ ﺍلآﻳﺔ، ﺇﺫ ﺗﺬﻛﺮ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻮﻧﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺗﺤﻴﻞ ﺍﻟﺒﻘﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ، ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ ﺇﻟﻰ ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺟﻤﻞ ﻗﺪ ﺍﻧﻄﻮﺕ، ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﺧـلاﻝ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭلا ﺇﻓﺴﺎﺩ ﻟﺴـلاﺳﺔ ﺍلآﻳﺔ.
ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻤﺎﻁ ﻣﻦ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻫﻲ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ.
ﺃﻣﺎ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺼﺪﺭﺓ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ (ﻕ) ﻓﺈﻥ ﺇﻳﺠﺎﺯﻫﺎ ﻋﺠﻴﺐ ﻭﻣﻌﺠِﺰ، ﺇﺫ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐ ﺟﺪﺍً ﻭﺍﻟﻤﺪﻳﺪ ﺟﺪﺍً، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻳﻮﻣﺎً ﻣﻨﻪ ﺧﻤﺴﻮﻥ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ، ﻓﺘﺬﻛﺮ ﺍلآﻳﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﻭﺗﺤﻮلاﺕ ﻭﺣﻮﺍﺩﺙ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺗﺼﻴﺐ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺴﻴّﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺬﻫﻠﺔ ﻛﺎﻟﺒﺮﻕ ﻓﻮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺮﻫﻴﺒﺔ ﻭﺗﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺟﺪﺍً ﻛﺄﻧﻪ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺣﺎﺿﺮﺓ ﺃﻣﺎﻡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻭﺗﺤﻴﻞ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻓﺘﺒﻴّﻨﻬﺎ ﺑﺴـلاﺳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ. ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:204) ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﻞ ﻣﺎ ﺑﺪﺍ ﻟﻚ!
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ: ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﻭﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﻭﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻭلا ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻤﻘﻰ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻳﻨﺼﺘﻮﻥ ﺇﻟﻲّ ﻭﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍلإﻧﺲ ﻳﻤﺪﻭﻧﻨﻲ ﻭﻳﻌﺎﻭﻧﻮﻧﻨﻲ ﻭﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻋﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺭﻳﻦ ﻳﺘﻠﻘّﻮﻥ ﻣﻨﻲ ﺍﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗـلاﻃﻒ ﻏﺮﻭﺭﻫﻢ ﻭﺗﻨﻔﺦ ﻓﻴﻪ.
ﻭﻟﻬﺬﺍ لا ﺍﺳﺘﺴﻠﻢ، ﻭلا ﺃﺳﻠّﻢ ﻟﻚ ﺍﻟﺴـلاﺡ!
﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
المكتوب الخامس والعشرون
ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
(ﻟﻢ ﻳﺆﻟﻒ)
المكتوب الرابع والعشرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:27) ﻭ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:١)
ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺷﻔﻴﻘﺔ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻭِﻓﻖ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ» ﻣﻦ ﻟُﻄﻒ ﻭﻣﺤﺒﺔ.. ﻛﻴﻒ ﺗﺘـلاﺋﻢ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣُﺮﻋﺐ ﻭﻣﻮﺣﺶ ﻛﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ؟
ﻭﻟﻨﺴﻠّﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ لا ﺑﺄﺱ ﺑﻪ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮٌ ﻭﺣَﺴﻦٌ ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﺔُ ﺭﺣﻤﺔٍ ﻭﺷﻔﻘﺔ ﺗَﺴﻊ، ﻭﺃﻳﺔُ ﺣﻜﻤﺔٍ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻮﺟَﺪ، ﻭﺃﻱُّ ﻟﻄﻒ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﻓﻨﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻫَّﻠﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺸﻐﻮﻓﺔِ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮّﺍﻗﺔ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ، ﻭﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻭﺇﻋﺪﺍﻣِﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺇﻣﻬﺎﻝِ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻭﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ لأﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪَﻋَﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ؟ ﻭﻓﻲ ﺇﻣﺎﺗﺘﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﺑـلا ﺗﻮﻗّﻒ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺴﻤﺢ لأﺣﺪٍ ﺑﺎﻟﻤﻜﻮﺙ ﻗﻠﻴـلا ﻭﺩﻭﻥ ﺭﺿﻰً ﻣﻦ ﺃﺣﺪ؟
ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻜﻲ ﻧﺤﻞّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻓﻬﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﻋﻤﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﺭﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍً، ﻟﻨﺮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ. ﻓﻨﺒﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﻧﺒﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺲ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ.
ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ
ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ
ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍلأﻭﻝ
ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﻮﺍﺗﻴﻢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»: ﺇﻥَّ ﺻﻨّﺎﻋﺎً ﻣﺎﻫﺮﺍً، ﻳﻜﻠّﻒ ﺭﺟـلا ﻓﻘﻴﺮﺍً ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻳﺴﺘﺤﻘُّﻬﺎ، ﻟﻴﻘﻮﻡَ ﻟﻪ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ «ﺍﻟﻤﻮﺩﻳﻞ» ﻟﻴَﺨﻴﻂ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﺭﺍﻗﻴﺎً، ﻓﺎﺧﺮﺍً ﻓﻲ ﺃﺟﻤﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﻛﺜﺮِﻫﺎ ﺑﻬﺎﺀً، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻤﻬﺎﺭﺗﻪ ﻭﺻﻨﻌﺘﻪ. ﻟﺬﺍ ﻳﻔﺼّﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞِ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱَ ﻭﻳﻘُﺼّﻪ ﻭﻳﻘﺼِّﺮﻩ ﻭﻳﻄﻮِّﻟﻪ، ﻭﻳُﻘﻌِﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞَ ﻭﻳُﻨﻬِﻀَﻪ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.. ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺼﻨّﺎﻉ: ﻟِﻢَ ﺗﺒﺪّﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤّﻠﻨﻲ؟ ﻭﻟِﻢَ ﺗﻐﻴّﺮﻩ؟ ﻓﺘُﻘﻌﺪﻧﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺗُﻨﻬﻀﻨﻲ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺘﻔﺴﺪ ﺭﺍﺣﺘﻲ؟!
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ (ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ) ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﻣﺎﻫﻴﺔَ ﻛﻞِّ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎً «ﻣﻮﺩﻳـلا» ﻓﺄﻟﺒﺲ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﻣﺮﺻّﻌﺎً ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺱ، ﻭﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻘﻮﺷﺎً ﺑﻘﻠﻢ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗَﺪَﺭﻩ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺇﺑﺮﺍﺯﺍً ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺑﻨﻘﻮﺵ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻤﻨﺢ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﻤﺎلا ﻭﻟﺬﺓ ﻭﻓﻴﻀﺎً ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻪ.
ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﺸﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻚُ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻳﺘﺼﺮّﻑ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻧﻚ ﺗﺘﻌﺒﻨﻲ ﻭﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻲّ ﺭﺍﺣﺘﻲ»؟ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﻭﻛـلا!
ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺣﻖ ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺯﺍﺀ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﺑﺄﻱ ﺣﻖٍ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ، ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﺃﺩﺍﺀً ﻟﺤﻖ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺇﻳﺎﻫﺎ. لأﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﻗﻮﻋﺎﺕ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠّﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗُﻤﻨﺢ ﻫﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺕٌ، ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕُ ﻋﺪﻡٌ، ﻭﻫﻲ لا ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﺔ، ﻓﻤﺎ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ لا ﻋﻠﺔ ﻟﻪ.
ﻣﺜـلا: لا ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻤﻌﺎﺩﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﻮ ﻗﺎﺋﻠﺔً: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﻧﺼﺒﺢ ﻧﺒﺎﺗﺎﺕٍ؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﺮ ﻓﺎﻃﺮَﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃُﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻤﻌﺎﺩﻥ.
ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﺻﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻪ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻌﺎً. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺮﺍﻗﻲ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘِﺲ.
ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ! ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺒﻖَ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎً، ﺑﻞ ﻟﺒﺴﺖَ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﺫُﻗﺖ ﻃﻌﻢَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﺟﻤﺎﺩﺍً ﻭﻟﻢ ﺗﺼﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً، ﻓﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻌﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻭﺗﻨﻌّﻤﺖ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..
ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮﺍﻥ! ﺃﻓَﺒَﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺪﻋّﻲ ﺣﻘﺎً ﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻚ، ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﻜﺮ ﺭﺑَّﻚ ﺑﻌﺪُ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧِﻌﻢٌ ﺧﺎﻟﺼﺔ. ﺑﻞ ﺗﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻧِﻌﻢ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﻣﻤﺎ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻭلا ﺗﺴﺘﺤﻘﻪ، ﻓﺘﺸﻜﻮ ﺑﺤﺮﺹ ﺑﺎﻃﻞ ﻭﺗﻜﻔﺮ ﺑﻨﻌَﻤِﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.
ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺭﺟـلا ﺃُﺻﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻣﻨﺎﺭﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻭﺗﺴﻠَّﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﺛﻢ ﻭﺟﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺭﻓﻴﻊ، ﺃﻳﺤﻖُّ ﻟﻪ ﺃﻥ لا ﻳﺸﻜﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﺘﺄﻓﻒ ﻭﻳﺘﺤﺴﺮ ﻗﺎﺋـلا: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻗﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺩ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ..
ﺗﺮﻯ ﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﻠُﻪ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃـلا ﻟﻮ ﺗﺼﺮّﻑ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﻛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﻛﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﻣﻘﻴﺘﺔ!. ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺒُﻠﻬﺎﺀ ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻫﺬﺍ.
ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺺ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻊ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺮﻑ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺘﺼﺪ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ! ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ!
ﺍﻋﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺷﻜﺮﺍﻥ ﺭﺍﺑﺢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺧﺎﺳﺮ، ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﺗﻮﻗﻴﺮٌ ﻟﻠﻨﻌﻤﺔ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﻧﺎﻓﻊ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻀﺮّ ﻭﻣﺸﻴﻦ.
ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺭﺍﺷﺪﺍً، ﻋﻮّﺩ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﺮﺿﻰ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻖ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻞ: ﻳﺎ ﺻﺒﻮﺭ ﻭﺗﺠﻤّﻞ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ. ﻭﺃﺭﺽ ﺑﺤﻘﻚ ﻭلا ﺗﺸﻚُ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﻣﻤﻦ ﻭﺇﻟﻰ ﻣَﻦ ﺗﺸﻜﻮ ﺇﻟﺰَﻡ ﺍﻟﺼﻤﺖ. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﺎﺷﻚُ ﻧﻔﺴَﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻣﻨﻬﺎ.
ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ» ﺃﻧﻪ:
ﺇﻥَّ ﺣﻜﻤﺔً ﻣﻦ ﺣِﻜﻢ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺩﻭﻣﺎً ﻭﺗﺠﺪﻳﺪِﻩ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﺠﺪﻳﺪﺍً ﻣﺤﻴّﺮﺍً ﻣﺬﻫـلا ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﺷﻬﻴﺔ، ﻣﻦ ﺍﺷﺘﻴﺎﻕ، ﻣﻦ ﻟﺬﺓ، ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ:
ﺇﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ، ﺇﻟﻰ ﻟﺬﺓ، ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺟﺎﻣﻊٌ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺷﻔﻘﺔً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺤﺒﺔً ﻣﻨﺰّﻫﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻗﺪﺳﻴﺘﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻏﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺎﺳﺐ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺰُّﻫﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺷﻮﻗﺎً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ، ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰَّﻫﺔ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﺳﺮﻭﺭﺍً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﻟﺬﺓً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌﺔٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ. ﻭلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺭﺿﻰً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻭﺍﻓﺘﺨﺎﺭﺍً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺭﺿﻰً ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻄـلاﻕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻭﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺿﻤﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍلاﻓﺘﺨﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﺍً ﻭﺗﺤﻮﻳـلا ﻭﺗﺨﺮﻳﺒﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩَﻳﻦ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ -ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﺎ- ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻴِّﻨُﻪ ﺣﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺒﺸﺮ (ﻓﻠﺴﻔﺘُﻪ ﻭﻋﻠﻮﻣُﻪ) ﻣﻦ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﺗﺨﺺ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺗﺎﻓﻬﺔٌ لا ﻗﻴﻤﺔَ ﻟﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺮﺍﺳﺦ ﻗﺪﻣُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻀﻞ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻴﺎً، ﺃﻭ ﻳﻨﻜﺮ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺃﻭ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ: «ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ».
ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺜَﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» لإﻏﺎﺛﺘﻲ، ﻓﺄﻇﻬﺮ ﻟﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉٍ ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻄﺎﻟﻌﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.
ﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺪﺓَ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﺛﻢ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕُ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻓﻠﻢ ﺗﻌُﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻛﺎﻓﻴﺔً ﻭﺍﻓﻴﺔ. ﻭﺃُﻇﻬﺮﺕْ ﻟﻲ ﻏﺎﻳﺔٌ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻋﻈﻢُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻰ.
ﺃﻱ ﺇﻥ ﺃﻫﻢ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻉ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺃﻱ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉُ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺻﻨﻌﺔِ ﺻﺎﻧﻌﻪ، ﻭﻧﻘﻮﺵَ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﺮﺻَّﻌﺎﺕ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﻫﺪﺍﻳﺎ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺁﺓً ﻟﺠﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا. ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻤﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻣﺪﺓً ﻣﺪﻳﺪﺓ.
ﺛﻢ ﻇﻬﺮﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺟﺪﺍً، ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺤﻴّﺮﺓ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻓﻴﺔً، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺃﻥ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﻉٍ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣﻘﺘﻀﻰ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺃُﻇﻬﺮﺕ ﻟﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ.
ﻭﺃُﻋﻠﻤﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﺮَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺳﻴـلاﻧﻬﺎ، ﺗﺤﻤِﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻨﻄِﻖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨُﻄﻖ ﻭﺃﻥ ﺳﻴﺮَﻫﺎ ﻭﺩﻭﺭﺍﻧَﻬﺎ ﺗﻜﻠّﻢ ﻭﻧﻄﻖ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻛﻠﻤﺎﺕٌ ﺗﺴﺒﻴﺤﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻧﻄﻖٌ ﻭﺇﻧﻄﺎﻕٌ ﺻﺎﻣﺖٌ ﻟﻠﻜﻮﻥ ﻭﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ.
ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺇﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ لا ﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭلا ﺗﺼﻴﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﻤﻀﻲ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌِﻠﻢ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺗﺘﻮﺟّﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺘﻐﻴّﺮ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻭﺗﺘﺠﻤّﻞ ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ، ﻓـلا ﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺗﻌﻴّﻨﺎﺗﻬﺎ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ. ﺃﻣﺎ ﺣﻘﺎﺋﻘُﻬﺎ ﻭﻣﺎﻫﻴﺎﺗُﻬﺎ ﻭﻫﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻣﻈﻬﺮُ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻓﺎﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺭﻭﺣﺎً ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﺎﻟﺸﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻬﺎ. ﺇﺫ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺣﺴﻨُﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭلا ﻳﻮﺭﺙ ﺗﺒﺪﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺿﺮﺭﺍً ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﻋﺪﻣﺎً ﺑﻞ ﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﺸﻲﺀُ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻭﻣﻦ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻣﻮﺩﻋﺎً ﺛﻤﺮﺍﺕ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺴﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺣﻪ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ. ﻓﺄﺭﻭﺍﺡُ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺣﺴﻨﻰ. ﻓﺘﺪﻭﻡ ﻭﺗﺴﺘﻤﺮ، ﻭﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ.
ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀُ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺃﺻـلا ﻳﻤﻀﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎلاﺕ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺔ.
ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﻢ ﻭﺯﻭﺍﻟَﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﺗﺎً ﻭﻋﺪﻣﺎً ﻭلا ﺯﻭﺍلا ﻭﻓﺮﺍﻗﺎً ﺣﻘﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻭِﺻﺎﻝٌ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﻫﻮ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﻣُﻤﺘﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺃﺟﻤﻞَ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺯﻫﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻭﺑﺎﻕٍ، ﻭﺇﻥ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔٌ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀﻩ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﺇﺫﻥ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺀٍ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻓﻠﻴﺲ ﺗﺨﺮﻳﺒﺎً ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً ﻭﺯﻭﺍلا. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ- ﻣﻊ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﻴﺘﻠﺬﺫ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ ﺑﻤﺼﺎﺋﺒﻬﺎ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻣﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺑﺎلأﺧﺺ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻬﻢ ﻭﻳﻌﺠﺐ ﺑﻬﻢ ﻭﻳﺤﺘﺮﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪُّ ﺗﺄﻟﻤﺎً ﺑﺂلاﻣﻬﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻀﺤّﻲ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﺳﻌﺎﺩﻫﻢ ﻛﺘﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺸﻔﻴﻘﺔ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﺭﺍﺣﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻭﻟﺪﻫﺎ.
ﻓﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﻭﻧﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐَ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻐﻨﻢ ﻧﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﺑﻌِﻈَﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﻜﻞٌّ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ.
ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺁلاﻣﻪ ﺑﻬـلاﻙ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻔﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﺑﺈﻋﺪﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﻭﺑﺂلاﻡ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻔﺮﻩ ﻳﻤـلأ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﻭﻳﻔﺮﻏﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ) ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ).
ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻋﺪﺓ: ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻧﺎﺷﺌﺔً ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻭﻳﻨﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﻠﻪ ﺍﺳﻢُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ.
﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ لا ﺗُﺤﺪ، ﻓﺘﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺷﺊٌ ﻋﻦ ﺗﻨﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺻﺎﺣﺐَ ﻛﻞِّ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻛﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﻭﺇﺷﻬﺎﺩِﻫﻤﺎ. ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﻴﺔً ﻭﺳﺮﻣﺪﻳﺔ- ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺩﺍﺋﻤﻴﺎً ﺳﺮﻣﺪﻳﺎً ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻭﺇﺭﺍﺀﺓَ ﺟﻠﻮﺓِ ﺟﻤﺎﻟِﻬﺎ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪَ ﻛﺘﺎﺏِ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺁﻧﺎً ﻓﺂﻧﺎً. ﺃﻱ ﻛﺘﺎﺑﺘُﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔً ﻣﺠﺪﺩﺓ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺃﻟﻮﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻛﻞِّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﻨﻈﺮ ﺷﻬﻮﺩِ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤّﻰ ﺍلأﻗﺪﺱ ﻣﻊ ﻋﺮﺿِﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺋﻬﻢ. ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ:
ﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.. ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ
ﺣﺮﻭﻓُﻪ ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻪ.. ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ
ﻟﻘﺪ ﺳُﻄّﺮ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ:
ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻔﻆٌ ﺑﻠﻴﻎ ﻣﺠﺴّﻢ
ﺗَﺄَﻣَّﻞْ ﺳُﻄُﻮﺭَ ﺍﻟْﻜَﺎﺋِﻨَﺎﺕِ ﻓَﺈﻧَّﻬَﺎ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻤَـلإ ﺍلاﻋْﻠَﻰ ﺇﻟَﻴْﻚَ ﺭَﺳَﺎﺋِﻞُ
ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ
ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ، ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﺫﻥ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﺎً ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﻜﻞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﺫﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ، لأﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺑﺴﺮّ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳَﻌﺮﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﻳُﻌﺮَﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﻳﻨﺎﻝ ﺃﻧﻮﺍﺭَ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺑﺤﺪﻭﺩ، ﻓـلا ﻓﺮﺍﻕَ ﻭلا ﺯﻭﺍﻝ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ.. ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻴﺶُ ﻓﻲ ﺁﻥ ﺳﻴﺎﻝ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺒﻌﺚَ ﺃﻧﻮﺍﺭِ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ، ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺮﻑ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺻﻨﻮﻑ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻌﺪﻡ، لأﻥ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻪ ﻓﺮﺍﻕ ﻭﺍﻓﺘﺮﺍﻕ ﻭﺯﻭﺍﻝ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ. ﺃﻱ ﻳَﺤﻤﻞُ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً لا ﺗﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻨﻮﻓﺎً لا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻓﻠﻮ ﻇﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻟﻤﺎ ﻋَﺪﻝَ ﻗﻄﻌﺎً ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ.
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ: ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﺳﻴﺎلا ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﻮّﺭ ﻳﻔﻀُﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺑﺘﺮ. ﺃﻱ ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣُﺮﺟّﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ لا ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻓﻴﻪ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ: ﺇﻥ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻭﻫﻲ ﺗَﻨﻌﻢ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻤﻠﻮﺀﺓً ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﺫﻟﻚ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺈﻥ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺁلاﻡَ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺃﻭﺟﺎﻉَ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺣﺸﺔً ﺧﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ.
ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﻟﻜﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ﺷﺠﺮﺓ، ﻋـلاﻗﺔً ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺗﻜﻮّﻥ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍلأﺧﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ.. ﻓﻠﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﻭﺟﻮﺩﺍﺕٌ ﻋﺮَﺿﻴﺔ ﺑﻌﺪﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ.
ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻗُﻄﻔَﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﺎً ﻭﺯﻭﺍلا ﻳﺤﺼـلاﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ. ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕُ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻘﻄﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻓﻴﻌﻤّﻬﺎ ﺍﻟﻈـلاﻡُ، ﻇـلاﻡ ﻋﺪﻡ ﺧﺎﺭﺟﻲ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻪ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ، ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏٌ ﻓﺈﻥ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﻴﺐ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ.
ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺷﺎﻫِﺪ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔَ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻝ.
ﻓﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑُﻴّﻨﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺍلاﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻟّﺎ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻟـلأﻋﻤﻰ ﻭﺍلأﺻﻢ ﻭﺍلأﺑﻜﻢ ﻭﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻥ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻣﻈﻠﻢ ﺑﺎﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ.
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻭﻟـلأﺷﻴﺎﺀ ﺛـلاﺛﺔَ ﻭﺟﻮﻩ:
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ:
ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺁﺓٌ ﻟﻬﺎ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝُ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﺑﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺠﺪّﺩ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:
ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﺮﻧﻮ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻣﺰﺭﻋﺘﻬﺎ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺗﻨﻀﺞ ﺛﻤﺮﺍﺕٌ ﺑﺎﻗﻴﺎﺕ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، لأﻧﻪ ﻳﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺎﺕ، ﻭﻓﻴﻪ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ لا ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:
ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ، ﺃﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻭﺟﻪٌ ﻳﻌﺸﻘﻪ ﺍﻟﻔﺎﻧﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊُ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺟﻠﻮﺍﺕُ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﻫﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺍﺣﺎﺕ ﺁلاﻡ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ.
ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ، ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﺒﺪّﻟﺔ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ .