ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺧﻤﺴﺔِ ﺃﻏﺼﺎﻥ.

لاﺣﻆ ﺑﺈﻣﻌﺎﻥ ﺍﻟﻐﺼﻦَ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻭﺍﺳﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻐﺼﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻭﺍﺻﻌﺪ ﻟﺘﻘﻄﻒ ﺛﻤﺎﺭَﻩ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (ﻃﻪ:٨)

    ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﻏﺼﺎﻥٍ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

   ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺍلأﻭﻝ

ﺇﻥّ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦَ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔً ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ، ﻭﺃﻭﺻﺎﻓﺎ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔً ﺿﻤﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀً ﻭﻋـلاﻣﺎﺕٍ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ. ﻓﻤﺜـلا: ﻟﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺤﺎﻛﻢِ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ» ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ، ﻭﻋﻨﻮﺍﻥُ «ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ» ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻟﻪ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻘﺎﺋﺪِ ﺍﻟﻌﺎﻡ» ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﻋﻨﻮﺍﻥُ «ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ» ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻟﻪ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ.. ﻓﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺩﻭﻟﺘﻪ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﻛﺮﺳﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺮﺵٍ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻟﻪ؛ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﺍﻟﻔﺮﺩُ ﻣﺎﻟﻜﺎ لأﻟﻒِ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺳﻢ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ؛ ﺃﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﻟﻪ ﺃﻟﻒُ ﻋﺮﺵ ﻭﻋﺮﺵ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻭﺵ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻞِ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢُ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﺣﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺩﻭﻟﺘﻪ.. ﻭﻳﻌﻠﻢُ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭﻫﺎﺗﻔِﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ. ﻭﻳُﺸﺎﻫﺪُ ﻭﻳَﺸْﻬَﺪُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺑﻘﺎﻧﻮﻧِﻪ ﻭﻧﻈﺎﻣِﻪ ﻭﺑﻤﻤﺜﻠﻴﻪ.. ﻭﻳﺮﺍﻗﺐُ ﻭﻳﺪﻳﺮ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻛﻞَّ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ﻭﺑﻌﻠﻤِﻪ ﻭﺑﻘﻮﺗﻪ.. ﻓﻠﻜﻞِّ ﺩﺍﺋﺮﺓٍ ﻣﺮﻛﺰ ﻳﺨﺼُّﻬﺎ ﻭﻣﻮﻗﻊ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺎ، ﺃﺣﻜﺎﻣُﻪ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻃﺒﻘﺎﺗُﻪ ﻣﺘﻐﺎﻳﺮﺓ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ -ﻭﻫﻮ ﺳﻠﻄﺎﻥُ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ- ﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺷﺆﻭﻥٌ ﻭﻋﻨﺎﻭﻳﻦُ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳﺘﻨﺎﻇﺮ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ ﻋـلاﻣﺎﺕ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﺘﻐﺎﻳﺮﺓ، ﻟﻜﻦ ﻳُﺸﺎﻫَﺪ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾٍ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻭﺟﻠﻮﺍﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳُﺸﺎﺑﻪ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻗﺪﺭﺗِﻪ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦُ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳُﺸﻌِﺮ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳُﻈﻬِﺮ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻟﻜﻦ ﺗﻜﻤِّﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓُ ﺍلأﺧﺮﻯ.. ﻭﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔٌ ﻣﻬﻴﺒﺔ ﻣﺘﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟﻜﻦ ﺗﻠﺤَﻆُ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﺍلأﺧﺮﻯ.

ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ ﺍﺳﻢٍ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻲ ﻛﻞِّ ﻋﺎﻟَﻢٍ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻃﻮﺍﺋﻔﻪ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢُ ﺣﺎﻛﻤﺎ ﻣﻬﻴﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ، ﻭﺑﻘﻴﺔُ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻪ ﻫﻨﺎﻙ، ﺑﻞ ﻣﻨﺪﺭﺟﺔ ﻓﻴﻪ. ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ ﻟﻪ ﺗﺠﻞٍ ﺧﺎﺹ ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺻﻐﻴﺮﺓً ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺧﺎﺻﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭ ﻋﺎﻣﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻴﻄﺎ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻋﺎﻣﺎ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺑﻘﺼﺪٍ ﻭﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀٍ ﻣﺎ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢَ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﻓﻘﻂ ﻭﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ، ﻭﻛﺄﻧّﻪ ﺧﺎﺹ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ.

ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺮﻳﺐ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒَ ﺣﺠﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤُﺠﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ. ﻭﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ ﺫﻟﻚ  -ﻣﺜـلا- ﻣﻦ ﺍﻟﺤُﺠﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻟﻚ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍلأﻋﻈﻢ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﻧﻬﺎﻳﺔَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺗﺪﺧُﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﺔ، ﺑﺸﺮﻁ ﺃﻥ ﺗَﺪﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺭﺍﺀﻙ، ﻭﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ.

ﻭﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺬِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤُﺠﺐ، ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻇﺮِ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻛﺲِ ﻓﻲ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜّـلاﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻤﺎﺯﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻧﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺿﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺎﺕ، ﻟَﺰﻡ ﺍﻟﺒَﺘَّﺔ ﻟﻤَﻦ ﻋﺮﻓَﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻤﺎ ﻣﺮّ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺃلا ﻳﻨﻜﺮ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺸﺆﻭﻥ، ﺑﻞ ﻳﻔﻬﻢ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﻫﻮ. ﻭﺇلا ﻳﺘﻀﺮﺭ ﺇﻥ ﻇﻞ ﻣﺤﺠﻮﺑﺎ ﻋﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﺳﻢٍ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻯ ﺃﺛﺮَ ﺍﺳﻢِ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮَ ﺃﺛﺮ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻟﺬﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻮﻝ ﺑﻨﻈﺮﻩ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟَﻪ ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﻫﻮ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﺗﺠﻠّﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻭﺃﻥ ﺗﺴﻤﻊ ﺃﺫﻧُﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ﻭﻳﻨﺼﺖ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﺃﻥ ﻳﺮﺩﺩ ﻟﺴﺎﻧُﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎ: لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻳﻌﻠﻦ «لآ ﺇﻟَﻪ ﺇلا ﻫُﻮ ﺑَﺮَﺍﺑَﺮْ ﻣﻴﺰَﻧَﺪْ ﻋَﺎﻟَﻢْ».

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺸﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (ﻃﻪ:٨) ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻋﻦ ﻗُﺮﺏ، ﻓﺎﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮٍ ﻫﺎﺋﺞ، ﻭﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽٍ ﻣﻬﺘﺰّﺓ ﺑﺎﻟﺰلاﺯﻝ، ﻭﺃﺳﺄﻟﻬﻤﺎ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮلاﻥ؟ ﺳﺘﺴﻤﻊ ﺣﺘﻤﺎ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻳﻨﺎﺩﻳﺎﻥ: ﻳﺎ ﺟﻠﻴﻞ.. ﻳﺎ ﺟﻠﻴﻞ.. ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰ.. ﻳﺎ ﺟﺒﺎﺭ… ﺛﻢ ﺍﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﺥ ﻭﺍﻟﺼﻐﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺑّﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺃﺳﺄﻟﻬﺎ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ؟ لاﺑﺪ ﺃﻧّﻬﺎ ﺗﺘﺮﻧﻢ: ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ.. ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ. (حاشية) ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ لاﺣﻈﺖ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﻭﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﻛﻠﺖ ﻭﻟﻌﺒﺖ، ﻧﺎﻣﺖ. ﻓﻮﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﺫﻫﻨﻲ ﺳﺆﺍﻝ: ﻟِﻢَ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ، ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ ﻃﻴﺒﺔ؟ ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﺿﻄﺠﻌﺖُ لأﻧﺎﻡ ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﺟﺎﺀﺕ ﻭﺍﺳﺘﻨﺪﺕْ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺪﺗﻲ ﻭﻗﺮّﺑﺖ ﻓﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺫﻧﻲ، ﻭﺫﻛﺮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻛﺮﺍ ﺻﺮﻳﺤﺎ ﺑﺎﺳﻢ: «ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ» ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺭﺩّﺕ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻣﻦ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺽ ﻭﺍلإﻫﺎﻧﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﻃﺎﺋﻔﺘﻬﺎ. ﻓﻮﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﻋﻘﻠﻲ: ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬِﻛﺮ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻄﺔ ﻓﻘﻂ ﺃﻡ ﺑﻄﺎﺋﻔﺔ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﻋﺎﻣﺔ؟ ﻭﺇﻥ ﺍﺳﺘﻤﺎﻉ ﺫﻛﺮِﻫﺎ، ﻫﻞ ﻫﻮ ﺧﺎﺹ ﺑﻲ ﻭﻣﻨﺤﺼﺮ ﻟﻤﻌﺘﺮﺽ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﻣﺜﻠﻲ، ﺃﻡ ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ، ﻟﻮ ﺃﻋﺎﺭ ﺳﻤﻌﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ؟ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺑﺪﺃﺕُ ﺃﻧﺼﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺮﺭ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻧﻔﺴَﻪ ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺮﻳﺤﺎ ﻣﺜﻞ ﺍلأﻭﻟﻰ. ﺇﺫ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻫﺮﻳﺮﻫﺎ لا ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰ: ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺮﻳﺮ، ﺛﻢ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻫﺮﻳﺮُﻫﺎ ﻛﻠﻪ ﺇﻟﻰ «ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ» ﻧﻔﺴﻪ. ﻓﺘﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻛﺮﺍ ﺣﺰﻳﻨﺎ ﻓﺼﻴﺤﺎ ﺩﻭﻥ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﻟﻠﺤﺮﻭﻑ ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺪ ﻓﻤﻬﺎ ﻭﺗﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻛﺮﺍ ﻟﻄﻴﻔﺎ ﺑـ: «ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ».

 ﺫﻛﺮﺕُ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺃﺗﻮﺍ ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ، ﻭﻫﻢ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﺑﺪﺅﻭﺍ ﻳـلاﺣﻈﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ. ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻧﺴﻤﻊ ﺍﻟﺬِﻛﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﺛﻢ ﻭﺭﺩ ﺑﻘﻠﺒﻲ: ﻣﺎ ﻭﺟﻪُ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺳﻢ: ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ؟ ﻭﻟِﻢَ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻟﻘﻄﻂُ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺳﻢ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﻟﺴﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭلا ﺗﺬﻛﺮﻩ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ. ﻓﻮﺭﺩ: ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻂ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﺭﻗﻴﻖ ﻟﻄﻴﻒ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﻜﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺇﺫﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳُـلاﻃَﻒ ﻭﻳُﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻪ ﻳﺤﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺎﺭﻛﺎ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﺑﺨـلاﻑ ﺍﻟﻜﻠﺐ، ﻭﻣُﻌﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺭﺣﻤﺔَ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻓﻴﻮﻗﻆ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻟﺴﺎﺩﺭ ﻓﻲ ﻧﻮﻡ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ. ﻭﺑﻨﺪﺍﺀ «ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ» ﻳﻨﺒّﻪ ﻋَﺒَﺪﺓ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻗﺎﺋـلا: ﻣﻤﻦ ﻳَﺮِﺩُ ﺍﻟﻤﺪﺩ ﻭﺍﻟﻌﻮﻥ ﻭﻣﻤﻦ ﻳُﺘﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ؟ ﺛﻢ ﺃﻧﺼﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺎﺩﻱ: ﻳﺎ ﺟﻠﻴﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ! ﻭﺃﻋِﺮْ ﺳﻤﻌَﻚ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻛﻴﻒ ﺗﺮﺩﺩ: ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ. ﻭﺗﺼﻨّﺖ ﻟﻠﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺭﺣﻤﻦ ﻳﺎ ﺭﺯﺍﻕ. ﻭﺍﺳﺄﻝ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻓﺴﺘﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ: ﻳﺎ ﺣﻨﺎﻥ ﻳﺎ ﺭﺣﻤﻦ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺎ ﻛﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﻟﻄﻴﻒ ﻳﺎ ﻋﻄﻮﻑ ﻳﺎ ﻣﺼﻮّﺭ ﻳﺎ ﻣﻨﻮّﺭ ﻳﺎ ﻣﺤﺴﻦ ﻳﺎ ﻣﺰﻳّﻦ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﺍﺳﺄﻝ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻫﻮ ﺣﻘﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺷﺎﻫﺪ ﻛﻴﻒ ﻳﻘﺮﺃ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻬﻲ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻬﺘﻪ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺃﻧﻌَﻤْﺖَ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﺳﺘﻘﺮﺅﻫﺎ ﺃﻧﺖ ﺑﻨﻔﺴﻚ. ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥَ ﻛﻠﻪ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔُ ﺍلأﻟﺤﺎﻥ ﻟﺬﻛﺮٍ ﻋﻈﻴﻢ. ﻓﺎﻣﺘﺰﺍﺝُ ﺃﺻﻐﺮ ﻧﻐﻤﺔٍ ﻭﺃﻭﻃﺌﻬﺎ ﻣﻊ ﺃﻋﻈﻢ ﻧﻐﻤﺔٍ ﻭﺃﻋـلاﻫﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﻟﺤﻨﺎ ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻣﻬﻴﺒﺎ.. ﻭﻗﺲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ.. ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺇلا ﺃﻥّ ﺗﻨﻮﻉَ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺃﺻﺒﺢ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﻨﻮﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺍﺧﺘـلاﻑ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻧﺸﺄﺕ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺷﺮﺍﺋﻊُ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﻃﺮﺍﺋﻖُ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻭﻣﺸﺎﺭﺏُ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻫﻮ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ» ﻣﻊ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻦَ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻫﻮ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ»، ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻮﺫَ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻫﻮ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ».

ﻓﻠﻮ ﺃﻥ ﺭﺟـلا ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻭﺿﺎﺑﻄﺎ ﻭﻛﺎﺗﺐَ ﻋﺪﻝٍ ﻭﻣﻔﺘﺸﺎ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﻋـلاﻗﺔً ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎ ﻭﻭﻇﻴﻔﺔً ﻭﻋﻤـلا، ﻭﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﺟﺮﺓ ﻭﻣﺮﺗّﺐ ﻭﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺮﺍﺗﺐُ ﺭُﻗﻲٍّ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤُﺴّﺎﺩ ﻭﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﻘﻮﺍ ﻋﻤﻠَﻪ.. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ -ﻭﻫﺬﺍ ﺷﺄﻧُﻪ- ﻳَﻈﻬﺮ ﺃﻣﺎﻡَ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﺍ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﻳﺴﺄﻟﻪ ﺍﻟﻌﻮﻥَ ﻭﺍﻟﻤﺪﺩ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻳﺮﺍﺟﻌﻪ ﺑﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻳﺴﺘﻌﻴﺬ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺷﺘﻰ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺧـلاﺻﺎ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺃﻋﺪﺍﺋﻪ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻈﻲَ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺃﻧﻴﻄﺖ ﺑﻪ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺍﺑﺘُﻠﻲ ﺑﺄﻋﺪﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ، ﻳﺬﻛﺮُ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺫﺗﻪ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﻓﺨﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳﺴﺘﻌﻴﺬ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺄﻟﻒِ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺳﻢ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺠﻮﺷﻦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎلاﺳﺘﻌﺎﺫﺓ ﺑﺜـلاﺛﺔ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ…﴾ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﺍلاﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺜـلاﺛﺔ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﻭﻫﻲ ﻣﺒﺤﺜﺎﻥ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ (اﻟﺘﻴﻦ:٤-٦)

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﻧﺒﻴﻦ ﺧﻤﺲَ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺁلاﻑ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺧﻤﺲِ ﻧﻘﺎﻁ

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻳﺴﻤﻮ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠّﻴﻴﻦ ﻓﻴﻜﺘﺴﺐ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﻴﻤﺔً ﺗﺠﻌﻠُﻪ لاﺋﻘﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺮﺩّﻯ ﺑﻈﻠﻤﺔِ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻭﺿﻊٍ ﻳﺆﻫّﻠُﻪ ﻟﻨﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ، ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺮﺑﻂُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺼﺎﻧﻌﻪِ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﻳﺮﺑﻄﻪ ﺑﻮﺛﺎﻕ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻧﺴﺒﺔٍ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺎلإﻳﻤﺎﻥُ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻗﻴﻤﺔً ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠِّﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﻇﻬﻮﺭِ ﺁﻳﺎﺕ ﻧﻘﻮﺵِ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔِ ﻭﺟﻮﺩﻩ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﻔﺮُ ﻓﻴﻘﻄﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔَ ﻭﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏَ، ﻭﺗﻐﺸﻰ ﻇﻠﻤﺘُﻪ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔَ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﻄﻤِﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ، ﻓَﺘﻨﻘُﺺ ﻗﻴﻤﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﺎﺩّﺗﻪ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻭﻗﻴﻤﺔُ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ لا ﻳُﻌﺘﺪّ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻓﺎﻧﻴﺔ، ﺯﺍﺋﻠﺔ، ﻭﺣﻴﺎﺗُﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺣﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ.

ﻭﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻭلاﺀِ ﻧﺒﻴّﻦُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮَّ ﺑﻤﺜﺎﻝ ﺗﻮﺿﻴﺤﻲ: ﺇﻥ ﻗﻴﻤﺔَ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻣﺪﻯ ﺍلإﺟﺎﺩﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻨﺮﻯ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﻘﻴﻤﺘﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓُ ﺃﻛﺜﺮَ ﻗﻴﻤﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﻣﺎﺩﺓُ ﺣﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻨﻴﺔٍ ﻭﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔٍ ﺟﺪﺍ، ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥ ﺗﺤﻮﺯ ﺻﻨﻌﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺟﺪﺍ ﻗﻴﻤﺔَ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻠﻴﺮﺍﺕ ﺭﻏﻢ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪﺍ. ﻓﺈﺫﺍ ﻋُﺮﺿَﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﻔﺔِ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺼﻨّﺎﻋﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤُﺠﻴﺪﻳﻦ ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﺻﺎﻧﻌَﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮﺯ ﺳﻌﺮ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻟﻴﺮﺓ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﺕْ ﺍﻟﺘﺤﻔﺔُ ﻧﻔﺴُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺤﺪﺍﺩﻳﻦ -ﻣﺜـلا- ﻓﻘﺪ لا ﻳﺘﻘﺪﻡ ﻟﺸﺮﺍﺋﻬﺎ ﺃﺣﺪ، ﻭﺭﺑﻤﺎ لا ﻳﻨﻔﻖ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺷﺮﺍﺋﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻌﺠﺰﺓٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺃﻟﻄﻔُﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺧﻠَﻘﻪ ﺍﻟﺒﺎﺭﻱ ﻣَﻈﻬﺮﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻧﻘﻮﺷﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺟﻠّﺖ ﻋﻈﻤﺘﻪ، ﻭﺻﻴّﺮﻩ ﻣﺜﺎلا ﻣﺼﻐﺮﺍ ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ.

ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻘﺮ ﻧﻮﺭُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑَﻴّﻦ -ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭُ- ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻘْﺮﺋﻬﺎ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ؛ ﻓﻴﻘﺮﺃﻫﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﺘﻔﻜﺮ، ﻭﻳﺸﻌُﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﻛﺎﻣـلا، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻳﻄﺎﻟﻌﻮﻧﻬﺎ ﻭﻳﺘﻤﻠّﻮﻧَﻬﺎ، ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻫﺎ ﺃﻧﺎ ﺫﺍ ﻣﺼﻨﻮﻉ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻣﺨﻠﻮﻗُﻪ. ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲّ ﺭﺣﻤﺘُﻪ، ﻭﻛﺮﻣُﻪ». ﻭﺑﻤﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.

ﺇﺫﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺘﺘﻌﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﻴﻤﺔُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺑﺮﻭﺯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻤﻌﺎﻥِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ. ﻓﻴﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﺬﻱ لا ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻪ- ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺃﺳﻤﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﻫـلا ﻟﻠﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻳﻨﺎﻝ ﺷﺮﻓﺎ ﻳﺆﻫﻠﻪ ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﺴﻠّﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻗﻄﻊ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ- ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺴﻘﻂ ﺟﻤﻴﻊُ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻧﻘﻮﺵ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻭﺗُﻤﺤﻰ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ، ﻭﻳﺘﻌﺬﺭ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘَﻬﺎ ﻭﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ؛ ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻔﻬَﻢ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺑﻨﺴﻴﺎﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺑﻞ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻨﺪﺭﺱ ﺃﻛﺜﺮُ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ  ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺃﻏﻠﺐُ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻠﻌﻴﻦ ﻓﺴﻮﻑ ﻳُﻌﺰﻯ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ، ﻓﺘﺴﻘﻂ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ﻭﺗﺰﻭﻝ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻛﻞ ﺟﻮﻫﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻤﺘـلأﻟﺌﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﺟﺎﺟﺔٍ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﻭﺗﻘﺘﺼﺮ ﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ. ﻭﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ، ﺇﻥ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺛﻤﺮﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻗﻀﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﺃﻋﺠﺰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺃﺣﻮﺟﻬﺎ ﻭﺃﺷﻘﺎﻫﺎ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻔﺴﺦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﻳﺰﻭﻝ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻬﺪﻡ ﺍﻟﻜﻔﺮُ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﺤﻴﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮﺓٍ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﺤﻤﺔٍ ﺧﺴﻴﺴﺔ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥَ ﻧﻮﺭ ﻳﻀﻴﺊُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻭﻳﻨﻮِّﺭُﻩ ﻭﻳُﻈﻬﺮ ﺑﺎﺭﺯﺍ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻜﺎﺗﻴﺐ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔَ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﺴﺘﻘﺮِﺋُﻬﺎ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳُﻨﻴﺮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻳُﻨﻘﺬ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥَ ﺍﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍلآﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﻣﺴﺔ.

ﻭﺳﻨﻮﺿﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ ﺑﻤﺜﺎﻝ؛ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:257)

    ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖُ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔٍ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻃَﻮﺩَﻳﻦ ﺷﺎﻣﺨﻴﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﻴﻦ، ﻧُﺼﺐَ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘَﻴﻬﻤﺎ ﺟﺴﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺪﻫﺶ، ﻭﺗﺤﺘﻪ ﻭﺍﺩٍ ﻋﻤﻴﻖ ﺳﺤﻴﻖ. ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺨﻴّﻢُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻇـلاﻡ ﻛﺜﻴﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ، ﻓـلا ﻳﻜﺎﺩ ﻳُﺮﻯ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻲﺀ. ﻓﻨﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﻳﻤﻴﻨﻲ ﻓﻮﺟﺪﺕُ ﻣﻘﺒﺮﺓً ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﺟُﻨﺢ ﻇﻠﻤﺎﺕ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﺃﻱ ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺨﻴّﻠﺖُ، ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻓﻲ ﺍلأﻳﺴﺮ ﻓﻜﺄﻧﻲ ﻭﺟﺪﺕُ ﺃﻣﻮﺍﺝَ ﻇﻠﻤﺎﺕٍ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﺗﺘﺪﺍﻓﻊُ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﺍﻟﻤُﺬﻫﻠﺔ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺟﻊُ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﺄﻫّﺐ ﻟـلاﻧﻘﻀﺎﺽ، ﻭﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻓﺘﺮﺍﺀﺕْ ﻟﻌﻴﻨﻲ ﻫﻮﺓ ﻋﻤﻴﻘﺔ لا ﻗﺮﺍﺭَ ﻟﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖُ لا ﺃﻣﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﻣﺼﺒﺎﺡٍ ﻳﺪﻭﻱ ﺧﺎﻓﺖِ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺃﻣﺎﻡَ ﻛﻞّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ. ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻣﺘُﻪ، ﻓﺒﺪﺍ ﻟﻲ ﻭﺿﻊ ﺭﻫﻴﺐ، ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺳﻮﺩﺍ ﻭﺿﻮﺍﺭﻱَ ﻭ ﻭﺣﻮﺷﺎ ﻭﺃﺷﺒﺎﺣﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﻃﺮﺍﻑِ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻓﺘﻤﻨّﻴﺖُ ﺃﻥ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻣﻠِﻚُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒَ ﻟﻲ ﻛﻞَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤُﺨﻴﻔﺔ؛ ﺇﺫ ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻭﺟَّﻬﺖُ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺷﻬﺪﺕُ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ﻧﻔﺴَﻬﺎ، ﻓﺘﺤﺴﺮﺕُ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺗﺄﻭّﻫﺖُ ﻗﺎﺋـلا: «ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻭﺑـلاﺀ ﻋﻠﻲّ». ﻓﺎﺳﺘﺸﺎﻁ ﻏﻴﻈﻲ ﻓﺄﻟﻘﻴﺖُ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﺤﻄَّﻢَ. ﻭﻛﺄﻧﻲ -ﺑﺘﺤﻄُّﻤﻪ- ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺖُ ﺯﺭّﺍ ﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻫﺎﺋﻞ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻪ ﻳُﻨﻮّﺭ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕِ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺎﻧﻘﺸﻌﺖْ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕُ، ﻭﺍﻧﻜﺸﻔﺖْ ﻭﺯﺍﻟﺖ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ، ﻭﺍﻣﺘـلأ ﻛﻞُّ ﻣﻜﺎﻥٍ ﻭﻛﻞُّ ﺟﻬﺔٍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻭﺑَﺪَﺕْ ﺣﻘﻴﻘﺔُ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻧﺎﺻﻌﺔً ﻭﺍﺿﺤﺔ. ﻓﻮﺟﺪﺕُ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮَ ﺍﻟﻤﻌﻠّﻖَ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐَ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﺷﺎﺭﻉ ﻳﻤﺮّ ﻣﻦ ﺳﻬﻞٍ ﻣﻨﺒﺴﻂ. ﻭﺗﺒﻴّﻨﺖُ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻘﺒﺮﺓَ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻣﺠﺎﻟﺲَ ﺫﻛﺮٍ ﻭﺗﻬﻠﻴﻞٍ ﻭﻧﺪﻭﺓ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻭﺧِﺪﻣﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﻭﻋﺒﺎﺩﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺮﺓ ﺭﺟﺎﻝٍ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺋﻦَ ﺧُﻀﺮٍ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺸﻊُّ ﺑﻬﺠﺔً ﻭﻧﻮﺭﺍ ﻭﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺳﻌﺎﺩﺓً ﻭﺳﺮﻭﺭﺍ. ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺴﺤﻴﻘﺔُ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔُ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙُ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﻋﻦ ﻳﺴﺎﺭﻱ، ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺇلا ﺟﺒﺎلا ﻣُﺸﺠﺮﺓً ﺧﻀﺮﺍﺀ ﺗﺴﺮُّ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ، ﻭﻭﺭﺍﺀَﻫﺎ ﻣﻀﻴﻒ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣُﺮﻭﺝ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻣﺘﻨﺰّﻩ ﺭﺍﺋﻊ.. ﻧﻌﻢ، ﻫﻜﺬﺍ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﺑﺨﻴﺎﻟﻲ، ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕُ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﻮﺵُ ﺍﻟﻀﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﺗُﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺇلا ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺃﻟﻴﻔﺔ ﺃﻧﻴﺴﺔ؛ ﻛﺎﻟﺠﻤﻞ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ ﻭﺍﻟﻀﺄﻥ ﻭﺍﻟﻤﺎﻋﺰ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻠﻮﺕُ ﺍلآﻳﺔَ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾. ﻭﺑﺪﺃﺕُ ﺃﺭﺩّﺩ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﺛُﻢَّ ﺃﻓﻘﺖُ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔِ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺬﺍﻛﻤﺎ ﺍﻟﺠﺒـلاﻥ ﻫﻤﺎ: ﺑﺪﺍﻳﺔُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓِ ﻭﻣُﻨﺘﻬﺎﻫﺎ، ﺃﻱ ﻫﻤﺎ ﻋﺎﻟَﻢُ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻋﺎﻟَﻢُ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮُ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﺍﻟﻄﺮﻑُ ﺍلأﻳﻤﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻑُ ﺍلأﻳﺴﺮُ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞُ ﻣﻨﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡُ ﺍﻟﻴﺪﻭﻱ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﺎﻧﻴﺔُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪّﺓُ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻫﻴﺔُ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ، ﻭﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺼﻐﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ.. ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﻴـلاﻥُ ﻭﺍﻟﻮﺣﻮﺵُ ﺍﻟﻜﺎﺳﺮﺓ ﻓﻬﻲ ﺣﻮﺍﺩﺙُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻪ.

ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻪ ﻭﻏﺮﻭﺭﻩ ﻭﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺷِﺮﺍﻙِ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔِ ﻭﻳُﺒْﺘﻠﻰ ﺑﺄﻏـلاﻝ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺰﻣﻦَ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻨﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ ﻟﻠﻀـلاﻟﺔ ﻛﻤﻘﺒﺮﺓٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﻳﺼﻮِّﺭُ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞِ ﻣﻮﺣﺸﺎ ﺗَﻌﺒﺚُ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺪﻭﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﺨﻄﻮﺏ ﻣﺤﻴـلا ﺇﻳﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔِ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ. ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻮِّﺭُ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﻇﻔﺔ ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺭﺏّ ﺭﺣﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ- ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻭﺣﻮﺵ ﻛﺎﺳﺮﺓ ﻭﻓﻮﺍﺗﻚ ﺿﺎﺭﻳﺔ. ﻓﻴَﺤﻖّ ﻋﻠﻴﻪ ﺣُﻜﻢُ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:257)

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻏﺎﺛﺖ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔُ، ﻭﻭﺟﺪ ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﺳﺒﻴـلا، ﻭﺍﻧﻜﺴﺮﺕْ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲِ ﻭﺗﺤﻄّﻤﺖْ، ﻭﺃﺻﻐﻰ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥُ ﺃﺷﺒﻪَ ﺑﺤﺎﻟﺘﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔِ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔِ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺘﺼﻄﺒﻎُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻳﻨﻄﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﺑﺮﻣَّﺘﻪ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (ﺍﻟﻨﻮﺭ:35)

ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﺰﻣﻦُ ﺍﻟﻐﺎﺑﺮُ ﺇﺫ ﺫﺍﻙ ﻣﻘﺒﺮﺓً ﻋﻈﻤﻰ ﻛﻤﺎ ﻳُﺘﻮَﻫﻢ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻋﺼﺮٍ ﻣﻦ ﻋﺼﻮﺭﻩ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻬﺪُﻩ ﺑﺼﻴﺮﺓُ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﺯﺍﺧﺮ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒَ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔٍ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﻧﺒﻲٍّ ﻣُﺮﺳَﻞٍ، ﺃﻭ ﻃﺎﺋﻔﺔٍ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﻳﺪﻳﺮُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﻳﻨﺸﺮﻫﺎ ﻭﻳُﺮﺳِّﺦُ ﺃﺭﻛﺎﻧَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻢِّ ﻭﺟﻪٍ ﻭﺃﻛﻤﻞ ﺻﻮﺭﺓ. ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﻭﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺗﺤﻠّﻖ ﻣُﺮﺗَﻘﻴﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣُﺮﺩّﺩﺓً: «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮُ» ﻣﺨﺘﺮﻗﺔً ﺣﺠﺎﺏَ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻠﺘﻔﺖُ ﺇﻟﻰ ﻳﺴﺎﺭﻩ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ -ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﺃﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺭﺍﺀَ ﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕٍ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔٍ ﻭﺃﺧﺮﻭﻳﺔ -ﻭﻫﻲ ﺑﻀﺨﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺸﻮﺍﻫﻖ- ﻗﺼﻮﺭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ، ﻗﺪ ﻣُﺪَّﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻀﺎﻳﻒُ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣَﺪﺍ لا ﺃﻭﻝَ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺁﺧﺮ. ﻓﻴﺘﻴﻘﻦ ﺑﺄﻥ ﻛﻞَّ ﺣﺎﺩﺛﺔٍ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻜﻮﻥ -ﻛﺎلأﻋﺎﺻﻴﺮ ﻭﺍﻟﺰلاﺯﻝ ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣُﺴﺨّﺮﺍﺕ ﻣﻮﻇﻔﺎﺕ ﻣﺄﻣﻮﺭﺍﺕ، ﻓﻴﺮﻯ ﺃﻥ ﻋﻮﺍﺻﻒَ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺍﻟﻤﻄﺮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ ﺣﺰﻳﻨﺔً ﺳﻤﺠﺔً، ﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺇلا ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺤِﻜَﻢِ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻣﻘﺪﻣﺔً ﻟﺤﻴﺎﺓٍ ﺃﺑﺪﻳﺔٍ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻘﺒﺮَ ﺑﺎﺏَ ﺳﻌﺎﺩﺓٍ ﺧﺎﻟﺪﺓ..

ﻭﻗﺲْ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﺳﺎﺋَﺮ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕِ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔِ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

    ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:25)

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:21)

    ﺍﺳﺘﺤﻢّ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﻛﺒﻴﺮ، ﻓﻐﺸﻴَﻬﻤﺎ ﻣﺎ لا ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﻪ ﻓﻔﻘﺪﺍ ﻭَﻋﻴَﻬﻤﺎ. ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﻓﺎﻗﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺟَﺪﺍ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﺟِﻲﺀ ﺑﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟَﻢٍ ﻏﻴﺮ ﻋﺎﻟَﻤﻬﻤﺎ، ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﺠﻴﺐ، ﻭﻋﺠﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻓﺮﻁ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﻪ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴّﻘﺔ ﺍلأﻃﺮﺍﻑ، ﻭﻣﻦ ﺭﻭﻋﺔ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻋﺎﻣﺮﺓ، ﻭﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺗﻨﺎﺳﻖ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻗﺼﺮ ﺑﺪﻳﻊ. ﻭﺑﺪَﺀَﺍ ﻳﻨﻈﺮﺍﻥ ﺑﻠﻬﻔﺔٍ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻭﻗﺪ ﺍﻣﺘـلاﺀﺍ ﺣَﻴﺮﺓً ﻭﺇﻋﺠﺎﺑﺎ ﺑﻤﺎ ﺭﺃﻳﺎ ﺃﻣﺎﻣَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﻈﻴﻢ ﺣﻘﺎ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐٍ ﻣﻨﻪ ﻟﺸﻮﻫﺪﺕ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻟﺘﺮﺍﺀﺕ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻧُﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﺑﻘﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﺷﺎﻫﻖ ﻳﻀﻢ ﻋﺎﻟَﻤﺎ ﻣﻬﻴﺒﺎ.. ﻭﻃﻔﻘﺎ ﻳﺘﺠﻮلاﻥ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻓﻮﻗﻊ ﻧﻈﺮُﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺑﻜـلاﻡ ﻣﻌﻴﻦ لا ﻳﻔﻘﻬﺎﻧﻪ، ﺇلا ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺃﺩﺭﻛﺎ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻭﺗﻠﻮﻳﺤﺎﺗﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺆﺩﻭﻥ ﺃﻋﻤﺎلا ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﻳﻨﻬﻀﻮﻥ ﺑﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﺟﻠﻴﻠﺔ.

ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ للآﺧﺮ: لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻣﺪﺑّﺮﺍ ﻳﺪﺑّﺮ ﺷﺆﻭﻧَﻪ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻳﺮﻋﺎﻫﺎ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺳﻴﺪﺍ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻨﻴﻒ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻗﺪ ﺃﺑﺪﻋﻪ، ﻓﺄﺭﻯ ﻟﺰﺍﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺇﺫ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﺃﺗﻰ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻫﻨﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﺃﺣﺪ ﻏﻴﺮﻩ. ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻓﻤَﻦ ﺫﺍ ﻏﻴﺮﻩُ ﻳُﺴﻌﻔﻨﺎ ﻭﻳُﻐﻴﺜﻨﺎ ﻭﻳﻘﻀﻲ ﺣﻮﺍﺋﺠﻨﺎ ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ؟ ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻯ ﺑﺼﻴﺺَ ﺃﻣﻞٍ ﻧﺮﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﻭﻧﺤﻦ لا ﻧﻔﻘﻪ ﻟﺴﺎﻧَﻬﻢ ﻭلا ﻫﻢ ﻳﺼﻐﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻛـلاﻣﻨﺎ؟. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔِ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻗﺼﺮ ﺑﺪﻳﻊ، ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻛﻨﺰﺍ ﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﺟﻤّﻠﻪ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﺭﻭﻉ ﺣُﺴﻦ، ﻭﺭﺻّﻊ ﻧﻮﺍﺣﻴﻪ ﻛﻠّﻬﺎ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻣﻌﺒّﺮﺓ ﺣﻜﻴﻤﺔ.. ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻟﻪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻭﻗﺪ ﺃﺗﻰ ﺑﻨﺎ -ﻭﺑﻤَﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ- ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻫﻨﺎ، لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺷﺄﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ. ﻓﻮَﺟَﺐ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻓَﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﺟﻴﺪﺓ ﻭﺃﻥ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﺎ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻳﻄﻠﺐ؟

ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ: ﺩﻉ ﻋﻨﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ. ﻓﺄﻧﺎ لا ﺃﺻﺪّﻕ ﺃﻥ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻳﺪﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ!

ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ: ﻣﻬـلا ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ! ﻫـلا ﺃﻋَﺮﺗﻨﻲ ﺳﻤﻌَﻚ! ﻓﻨﺤﻦ ﻟﻮ ﺃﻫﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻓـلا ﻧﻜﺴﺐ ﺷﻴﺌﺎ ﻗﻂ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺇﻫﻤﺎﻟﻨﺎ ﺿﺮﺭ ﻓﻀﺮﺭُﻩ ﺟﺪّ ﺑﻠﻴﻎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺳﻌَﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻣﺸﻘﺔ ﻭلا ﻧﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻪ ﺧﺴﺎﺭﺓً، ﺑﻞ ﻣﻨﺎﻓﻊَ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ. ﻓـلا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻧﺒﻘﻰ ﻣُﻌﺮِﺿﻴﻦ ﻫﻜﺬﺍ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﻛـلاﻣﻚ ﻫﺬﺍ. ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺟﺪ ﺭﺍﺣﺘﻲ ﻭﻧﺸﻮَﺗﻲ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﺗﺪّﻋﻴﻪ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ. ﻓـلا ﺃﺭﻯ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﺃﻥ ﺃﺟﻬﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻳﺴﻌُﻪ ﻋﻘﻠﻲ. ﺑﻞ ﺃﺭﻯ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻣﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﻭﺃﻣﻮﺭﺍ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﺗﺠﺮﻱ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ؟ ﻓﻤﺎ ﻟﻲ ﻭﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ؟..

ﻓﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ: ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥ ﻳُﻠﻘﻲ ﺑﻨﺎ ﻋﻨﺎﺩُﻙ ﻫﺬﺍ ﻭﺑﺎلآﺧﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﺋﺐ ﻭﺑـلاﻳﺎ. ﺃﻟَﻢ ﺗُﻬﺪَﻡ ﻣﺪﻥ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺳﻔﺎﻫﺔ ﺷﻘﻲّ ﻭﺃﻓﻌﺎﻝِ ﻓﺎﺳﻖ؟

ﻭﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻧﺒﺮﻯ ﻟﻪ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﻗﺎﺋـلا:ﻟﻨﺤﺴﻢ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉَ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎ ﻓﺈﻣّﺎ ﺃﻥ ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻲ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ لا ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺸﻚ ﺑﺄﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻭﺻﺎﻧﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ، ﺃﻭ ﺗَﺪَﻋﻨﻲ ﻭﺷﺄﻧﻲ.

ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ: ﻣﺎ ﺩﻣﺖَ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﺗﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺩﻙ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﻬﺬﻳﺎﻥ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻮﻗﻨﺎ ﻭﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔَ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ! ﻓﺴﺄﺿﻊ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﺍﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮَ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎ ﺃﺛﺒﺖُ ﺑﻬﺎ ﺃﻥّ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺭﻭﻋﺔَ ﺍﻟﻘﺼﺮ، ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡَ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﺻﺎﻧﻌﺎ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺑّﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻛﻠَّﻬﺎ. ﻓـلا ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﻓﻄﻮﺭٍ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﻧﻘﺺٍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻧﺮﺍﻩ ﻳﺒﺼُﺮﻧﺎ ﻭﻳﺒﺼﺮ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺴﻤﻊ ﻛـلاﻡ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻜﻞُّ ﺃﻓﻌﺎﻟِﻪ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﺁﻳﺎﺕ ﻭﺧﻮﺍﺭﻕ ﻭﺭﻭﺍﺋﻊ. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﺇلا ﻣﺄﻣﻮﺭﻭﻥ ﻭﻣﻮﻇﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍلأﻭﻝ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻣﻌﻲ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻣﻮﺭ. ﺃلا ﺗﺮﻯ ﺃﻥّ ﻳﺪﺍ ﺧﻔﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ؟ ﺃﻭَ لا ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺎ لا ﻗﻮﺓ ﻟﻪ ﺃﺻـلا ﻭلا ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺣَﻤﻞ ﻧﻔﺴِﻪ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺃﺷﺠﺎﺭﺍ ﺿﺨﻤﺔ. ﻳﺤﻤﻞ ﺁلاﻑَ ﺍلأﺭﻃﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ؟ ﺃﻭَ لا ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥّ ﻣﺎ لا ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻟﻪ ﻭلا ﺷﻌﻮﺭ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝٍ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ؟ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﻘﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﺐ ﻣﺜـلا، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪ ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺗﻌﺎﻧﻖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻟﻀﻌﻔﻬﺎ ﻋﻦ ﺣﻤﻞ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪﻫﺎ ﺍﻟﻐﻨﻴﺔ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﺫﻥ لا ﺗﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔً ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥّ ﻣﻮﻟﻰً ﻋﻠﻴﻤﺎ، ﻭﺻﺎﻧﻌﺎ ﻗﺪﻳﺮﺍ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺤﺠﺐ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔً ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺮُﻫﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ، ﻟَﻠَﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻫﻨﺎ ﺻﺎﺣﺐَ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺧﺎﺭﻗﺔ. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺇلا ﺳﻔﺴﻄﺔ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ!

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻣﻌﻲ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻨﻤﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳّﻦ ﺍﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻭﺗﺪﻟّﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ. ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﻜّﺘُﻪ ﻭﺧﺘﻤُﻪ. ﻛﻤﺎ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﻃﻐﺮﺍﺀُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺧﺘﻤُﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﻭﺗُﻨﺒﺌﻨﺎ ﺳﻜّﺘُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻜﻮﻛﺎﺗﻪ ﻋﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ ﻭﻫﻴﺒﺘﻪ. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻜﺎﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻟﻪ ﻭﺯﻧﺎ، (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﻄﻴﺦ ﻭﺍﻟﺨﻮﺥ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺗﻨﺴﺞ ﺃﻭﺭﺍﻗﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺩ ﻗﻤﺎﺵ، ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻟﻨﺎ ﺛﻤﺎﺭﺍ ﻃﻴﺒﺔ ﻫﻲ ﺃﻟﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻮﻯ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺃﻃﻮﺍلا ﻣﻦ ﻧﺴﻴﺞ ﻣﻠﻮّﻥ ﺑﺄﻟﻮﺍﻥ ﺯﺍﻫﻴﺔ ﻭﻣﺰﺭﻛﺶ ﺑﺰﺧﺎﺭﻑ ﺑﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻳُﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻟﺬّ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺴّﻠﺔ، ﻓﻠﻮ ﻟﺒﺲ ﺁلاﻑ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﻭﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ ﻟﻤﺎ ﻧﻔﺪﺕ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ، ﺇﻧّﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﺤﻢ ﻭﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﻳﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻗﻄﻌﺔَ ﻟﺤﻢ. (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻄﻔﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ.. ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺨﺺّ ﻣَﻦ ﺯﻣﺎﻡُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭﻣَﻦ لا ﻳﻌﺰُﺏ ﻋﻨﻪ ﺷﻲﺀ، ﻭﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻘﺎﺩ لإﺭﺍﺩﺗﻪ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻟﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ. (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ، لأﻥ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻓﻬﺮﺱ ﻣﺼﻐّﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺜﺎﻝ ﻣﺼﻐﺮ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇلا ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﻪ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻓﻘﺪ ﺻُﻨﻊ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺇﺫ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻛﻠﻪ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭﺝ ﺃﺣﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻣﺼﻐّﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﺎﻛﻨﺔٍ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ؟ ﺃﻭ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻋﺒﺜﺎ ﺃﻭ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟَﻢٍ ﺿُﻢَّ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ؟

ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﻫﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺋﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺁﻳﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﻋـلاﻥ ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻋﻈﻤﺘﻪ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ: ﻧﺤﻦ ﻣِﻦ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﻣَﻦ ﺃﺑﺪﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺃﻭﺟﺪَﻧﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ.

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

    ﺃﻳﻬﺎ ﺍلأﺥ ﺍﻟﻌﻨﻴﺪ! ﺗﻌﺎﻝَ ﺃﺭِﻙَ ﺷﻴﺌﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻟـلإﻋﺠﺎﺏ! ﺍﻧﻈﺮ، ﻓﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺒﺪّﻟﺖ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ، ﻭﺗﻐﻴّﺮﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﺃﻭلاﺀ ﻧﺮﻯ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﺮ، ﻓـلا ﺛﺒﺎﺕ ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻤﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﺑﻞ ﺍﻟﻜﻞ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﺘﺠﺪﺩ.

ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻌﻮﺭﺍ، ﻛﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﺻﻮﺭﺓَ ﺣﺎﻛﻢٍ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﻣﺤﻜﻮﻣﻮﻥ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ، ﻭﻛﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻘﺮﺑﻨﺎ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ لأﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺎﻧﻊ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻓﺘﻨﺴﺞ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﻭﺗُﻨﻀﺞ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻭﺗﻘﺪّﻣﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ. ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺼﺒﺖ ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ. ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺄﻣﺮ ﻓﻴﻬﺮﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﻟﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻭﻋﻤﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺷﻌﻮﺭ ﻟﻪ، (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﻭﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺍﺕ ﻭﺑﻴﻮﺽ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ، ﻓﺘﻀﻊ ﺍﻟﺒﻌﻮﺿﺔ ﻣﺜـلا ﺑﻴﻮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺷﺠﺮﺓ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻛﺮﺣﻢ ﺍلأﻡ ﻭﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﻐﺬﺍﺀ ﻟﺬﻳﺬ ﻛﺎﻟﻌﺴﻞ. ﻓﻜﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ ﺗﺜﻤﺮ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺣﻴﺔ. ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺴﺨِّﺮ ﺑﺈﺷﺎﺭﺓٍ ﺧﻔﻴّﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﺿﺨَﻢ ﺟﺴﻢٍ ﻭﺃﻛﺒﺮﻩ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻃﻮﻉ ﺇﺷﺎﺭﺗﻪ.. ﻭﻗﺲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﻦ.

ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻔﻮِّﺽ ﺃﻣﺮَ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻧﺮﺍﻩ، ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗُﺤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉٍ ﻣﺎ ﻟﻠﺒﺪﻳﻊ ﻣﻦ ﺇﺗﻘﺎﻥ ﻭﻛﻤﺎلاﺕ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﺠﺮﺍ ﺃﻭ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﺃﻭ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﺃﻭ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺃﻭ ﺃﻱ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺒﻌﺪ ﻋﻘﻠُﻚ ﺃﻥ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺃﺣﺪﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ، ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺇلا ﻗﺒﻮﻝ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺎﻧﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ، ﺑﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ! ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧِﺪّ ﻟـلآﺧﺮ ﻭﻣﺜﻴﻠُﻪ ﻭﺑﺪﻳﻠُﻪ ﻭﻣﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ! ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﻘﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻃﻔﻴﻔﺎ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ، ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﺃﻣﺮ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﻟﻈﻬﺮ ﺃﺛﺮُﻩ ﻭﺍﺿﺤﺎ، ﺇﺫ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗﺘﺸﺎﺑﻚ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻴِّﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎﻥِ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺃﻭ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎﻥِ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ. ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺤﻜﺎﻡٍ لا ﻳُﻌﺪّﻭﻥ ﻭلا ﻳُﺤﺼَﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴﻘﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ؟!

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

    ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻤﺮﺗﺎﺏ! ﺗﻌﺎﻝَ ﻟﻨﺪﻗّﻖْ ﻓﻲ ﻧﻘﻮﺵ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭَﻟﻨُﻤﻌِﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻲ ﺗﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ، ﻭﻟﻨﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻓﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﻗﻠﻢِ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺣﺪّ ﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﻪ، ﻭﺃﺳﻨﺪﺕ ﻛﺘﺎﺑﺘُﻬﺎ ﻭﻧﻘﺸُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻌﻮﺭَ ﻟﻬﺎ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ، ﻟﻠﺰﻡ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﺣﺠﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﻋﺸﺒﻬﺎ ﻣﺼﻮّﺭ ﻣﻌﺠِﺰ ﻭﻛﺎﺗﺐ ﺑﺪﻳﻊ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺃﻟﻮﻑَ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﺣﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭِﺝ ﻣـلاﻳﻴﻦَ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﺶٍ ﻭﺍﺣﺪ. لأﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻘﺶ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻬﺮﺱ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ ﻭﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ. ﻓﻤﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻗﻠﻢُ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻗﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﻣﺠﻤـلا ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻗﻠﻢُ ﺍﻟﻘَﺪَﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻗﺪ ﺩَﺭَﺟﻪ ﻓﻲ ﺛﻤﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ. ﻳﻀﻢ ﻧﻘﻮﺵ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﺼﺮ، ﻭﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺃﻧﻈﻤﺘﻬﺎ، ﻭﻳﺘﻀﻤﻦ ﺧﻄﻂ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﺎ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻜﻞ ﺻﻨﻌﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻟﻮﺣﺔُ ﺇﻋـلاﻥٍ ﺗُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ، ﻭﻛﻞُّ ﻧﻘﺶ ﺟﻤﻴﻞ ﻫﻮ ﺧﺘﻢ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﻦ ﺃﺧﺘﺎﻣﻪ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺤﺮﻑٍ ﺇلا ﺃﻥ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺒﻪ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﻘﺶٍ ﺇلا ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺊ ﻋﻦ ﻧﻘﺎﺷﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﺃلا ﻳﺪﻝ ﺣﺮﻑ ﻛُﺘﺐ ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺒﻪ، ﻭﻧﻘﺶ ﻧُﻘﺸَﺖ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻋﻠﻰ ﻧﻘّﺎﺷﻪ؟ ﺃلا ﺗﻜﻮﻥ ﺩلاﻟﺘُﻪ ﺃﻇﻬﺮَ ﻭﺃﻭﺿﺢَ ﻣﻦ ﺩلاﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ؟

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ

    ﺗﻌﺎﻝَ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻟﻨﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻧﺰﻫﺔ ﻧﺘﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔـلاﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻤَﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺍﻟﺼﻴﻒ. ﺣﻴﺚ ﺗُﺨﻠﻖ ﻣﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺧﻠﻘﺎ ﻣﺘﺪﺍﺧـلا ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺎ، ﻭﺗُﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺄ ﻭلا ﻗﺼﻮﺭ، ﻭﺗُﺒﺪّﻝ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻓﺘُﻔﺮﺵ ﺃﻟﻮﻑ ﻣِﻦ ﺿﻴﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺛﻢ ﺗُﺮﻓﻊ ﻭﺗُﺠﺪﺩ. ﻓﻜﺄﻥ ﻛﻞ ﺷﺠﺮﺓ ﺧﺎﺩﻡ ﻣﻄﻌﻢ، ﻭﻛﻞ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻣﻄﺒﺦ لإﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ. ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺷﺔ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ.. ﻫﺎ ﻫﻮ ﺫﺍ ﺟﺒﻞ ﺃﺷﻢّ، ﺗﻌﺎﻝ ﻟﻨﺼﻌﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻃﺮﺍﻑ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ، ﻭﻟﻨﺤﻤِﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻧﻈﺎﺭﺍﺕ ﻣﻜﺒّﺮﺓ ﺗﻘﺮﺏ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺃﻧﻈﺎﺭﻧﺎ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻣﺎ لا ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻝ ﺃﺣﺪ. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ، ﺇﻧﻪ ﺃﻣﺮ ﻋﺠﻴﺐ ﺣﻘﺎ ﺇﺫ ﻳﺘﺒﺪﻝ ﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺗﺒﺪلا ﺑﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺑﻜﻞ ﺗﻨﺎﺳﻖ، ﻓﻜﺄﻥ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍلأﻃﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﻣﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﻣﻠﻮﻧﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗُﻨﺴﺞ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﺣﻘﺎ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﺟﺪﺍ. ﻓﺄﻳﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧِﺴﻨﺎ ﺑﻬﺎ؟.. ﻟﻘﺪ ﻏﺎﺑﺖْ ﻋﻨﺎ، ﻭﺣﻠّﺖ ﻣﺤﻠَّﻬﺎ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓً، ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ. ﻭﻛﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺑﺔ ﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻛﺘﺎﺏ ﻳُﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺳﻬﻮ ﺃﻭ ﺧﻄﺄ ﺛﻢ ﺗُﻤﺴﺢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﻳُﻜﺘﺐ ﻏﻴﺮُﻫﺎ.. ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻯ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺪّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻭﺗﺤﻮّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﺑﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﻭﻣﻴﺰﺍﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎﺀ ﻧﻔﺴﻪ؟. ﺃﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻣﺤﺎلا ﻣﻦ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ؟

ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺣﺎﻟﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﻂ، ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻝ. ﺑﻞ ﻫﻲ ﺃﺩﻟﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺃﻭﺿﺢَ ﻣﻦ ﺩلاﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺇﺫ ﺗﺒﻴّﻦ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌَﻬﺎ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ لا ﻳُﻌﺠﺰﻩ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﻳَﺆﻭﺩُﻩ ﺷﻲﺀ، ﻓﻜﺘﺎﺑﺔُ ﺃﻟﻒ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻣﺮ ﻳﺴﻴﺮ ﻟﺪﻳﻪ ﻛﻜﺘﺎﺑﺔ ﺣﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ. ﺛﻢ ﺗﺄﻣﻞْ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺟﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﺑﺤﻜﻤﺔٍ ﺗﺎﻣﺔ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟـلاﺋﻖ ﺑﻪ. ﻭﺃﺳﺒﻎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻧِﻌَﻤﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻢ. ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻧﻌﻤﻪ ﻭﺁلاﺋﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻤﺔ ﺃﻣﺎﻡَ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﺴﻌﻒ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻳُﻄﻤﺌﻨﻪ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻨﺼﺐ ﻣﻮﺍﺋﺪَ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﺴﺨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺑﻞ ﻳُﻨﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻭﻧﺒﺎﺕ ﻧِﻌَﻤﺎ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻳُﺮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺭﺳﻤﻪ ﻧﻌﻤﺘَﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗـلاﺋﻤﻪ ﺩﻭﻥ ﺧﻄﺄ ﺃﻭ ﻧﺴﻴﺎﻥ. ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣُﺤﺎﻝ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺿﺌﻴـلا؟ ﺃﻭ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺚ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺠﺪﻭﻯ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﺍ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻗﺪ ﺗﺪﺧّﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ؟ ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳُﺘﺼﻮَّﺭ ﺃﻥ لا ﻳﺪﻳﻦ ﻟﻪ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ؟.. ﻓﻬﻞ ﺗﻘﺪﺭ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﻣﺒﺮﺭﺍ لإﻧﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ؟..

   ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

    ﻟﻨَﺪَﻉ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ، ﻭﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ، ﻭﻟﻨﺸﺎﻫﺪ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ.. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻛﺄﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﺎﻋﻞ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﺣﻲ ﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ ﻣﻨﺴﺠﻤﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻯ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻋﺪﺓ ﺟﺪﺍ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍلآﺧﺮ ﻟﻠﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﺂﺯﺭ.

ﺍﻧﻈﺮ! ﺇﻥ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻣﻬﻴﺒﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ (حاشية) ﻭﻫﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﺔ لأﺭﺯﺍﻕ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ. ﻣُﻘﺒﻠﺔً ﻋﻠﻴﻨﺎ. ﻓﻬﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﺤﻮﻥ ﺃﺭﺯﺍﻕ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ.. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻮﺿﻲﺀ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﺍﻟﻤﻌﻠﻖ ﻓﻲ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻨﻴﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﺗُﻨﻀﺞ ﺍﻟﻤﺄﻛﻮلاﺕ ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﺨﻴﻂ ﺩﻗﻴﻖ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻸ ﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ. ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﺿﺔ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺑﻴﺪٍ ﻏﻴﺒﻴﺔ. ﺃلا ﺗﻠﺘﻔﺖ ﻣﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻮﺍﻫﻬﺎ ﻏﺬﺍﺀ ﻟﻄﻴﻒ ﺧﺎﻟﺺ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻣﻀﺨﺎﺕ (حاشية) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺛﺪﻱ ﺍلأﻣﻬﺎﺕ. ﻣﺘﺪﻟﻴﺔ ﻓﻮﻕ ﺭﺅﻭﺳﻬﺎ، ﻭﺣﺴﺒﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺼﻖ ﺃﻓﻮﺍﻫَﻬﺎ ﺑﻬﺎ!

    ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇلا ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮ ﻓﻴُﻐﻴﺜَﻪ، ﺃﻭ ﻳﺮﻯ ﺍلآﺧﺮ ﻓﻴﺸﺪ ﻣﻦ ﺃﺯﺭﻩ ﻭﻳﻌﺎﻭﻧﻪ.. ﻓﻴﻜﻤﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﻋﻤﻞَ ﺍلآﺧﺮ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻇﻬﻴﺮُﻩ ﻭﺳﻨﺪﻩ، ﻭﻳﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.. ﻭﻗِﺲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﺩلاﻟﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻭﺑﻴﻘﻴﻦ ﺟﺎﺯﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺇلا ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺨّﺮ ﻟﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻭﻟﺼﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻭﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻨﺪﻱ ﻣﻄﻴﻊ ﻣﺘﺄﻫﺐ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ. ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﺎ ﻛُﻠّﻒ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﻭﺣﻮﻟﻪ، ﻓﻴﺘﺤﺮﻙ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻭﻳﻨﺘﻈﻢ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻳﺘﻌﺎﻭﻥ ﺑﻜﺮﻣﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ، ﻭﻳﻐﻴﺚ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺇﺑﺪﺍﺀ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺸﻚ ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﻓَﻬﺎﺗِﻪِ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:103)

    ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﻮﻣﺎ ﻭﻫﻮ ﻛﺒﻴﺮ ﺳﻨﺎ ﻭﺟﺴﻤﺎ ﻭﺭﺗﺒﺔ: «ﺇﻥّ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺣﺴﻦ ﻭﺟﻤﻴﻞ، ﻭﻟﻜﻦ ﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻭﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﻓﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻤﻠّﺔ!..»

ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﻓﺘﺮﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ، ﺃﺻﻐﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﺮﺩﺩ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻧﻔﺴﻪ!! ﻓﺘﺄﻣﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻠﻴّﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﺃﺧﺬﺕ -ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻜﺴﻞ- ﺍﻟﺪﺭﺱَ ﻧﻔﺴَﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻓﻌﻠﻤﺖُ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﻧﻄﻖَ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ، ﺃﻭ ﺃُﻧﻄﻖ ﻫﻜﺬﺍ. ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﻲّ ﺃﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﺑﺪﺃ ﺑﻬﺎ ﺃﻭلا لأﻥّ ﻣَﻦ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﺇﺻـلاﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻬﻮ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺃﻋﺠﺰُ، ﻓﺨﺎﻃﺒﺘﻬﺎ:

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ!.. ﺍﺳﻤﻌﻴﻬﺎ ﻣﻨﻲ «ﺧﻤﺲ ﺗﻨﺒﻴﻬﺎﺕ» ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺎ ﺗﻔﻮﻫﺖِ ﺑﻪ ﻭﺃﻧﺖِ ﻣﻨﻐﻤﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﺳﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﻧﻮﻡ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺍﺵ ﺍﻟﻜﺴﻞ.

   ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍلأﻭﻝ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺸﻘﻴﺔ! ﻫﻞ ﺇﻥّ ﻋﻤﺮﻙِ ﺃﺑﺪﻱّ؟ ﻭﻫﻞ ﻋﻨﺪﻙ ﻋﻬﺪ ﻗﻄﻌﻲ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺪ؟ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻚِ ﺗﻤﻠّﻴﻦ ﻭﺗﺴﺄﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻫﻮ ﺗﻮﻫﻤﻚِ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺩ، ﻓﺘﻈﻬﺮﻳﻦ ﺍﻟﺪلاﻝ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺑﺘﺮﻓﻚ ﻣﺨﻠّﺪﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻬﻤﻴﻦ ﺃﻥّ ﻋﻤﺮﻙِ ﻗﺼﻴﺮ، ﻭﺃﻧّﻪ ﻳﻤﻀﻲ ﻫﺒﺎﺀ ﺩﻭﻥ ﻓﺎﺋﺪﺓ، ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻥّ ﺻﺮﻑ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔٍ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﺧﺪﻣﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻭﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ، ﻭﻫﻲ ﺭﺣﻤﺔ ﻟﻚ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ، لا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﻋﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻠﻞ ﻭﺍﻟﺴﺄﻡ، ﺑﻞ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻣﺜﻴﺮﺓ ﻟﺸﻮﻕ ﺧﺎﻟﺺ ﻭﻟﺬﻭﻕٍ ﺭﺍﺋﻊ ﺭﻓﻴﻊ.

   ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺸﺮﻫﺔ! ﺇﻧﻚِ ﻳﻮﻣﻴﺎ ﺗﺄﻛﻠﻴﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ، ﻭﺗﺸﺮﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻭﺗﺘﻨﻔﺴﻴﻦ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﺃﻣَﺎ ﻳﻮﺭﺙ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻣﻠـلا ﻭﺿﺠﺮﺍ؟ ﻛـلا ﺩﻭﻥ ﺷﻚ! لأﻥّ ﺗﻜﺮﺍﺭَ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ لا ﻳﺠﻠﺐ ﺍﻟﻤﻠﻞ ﺑﻞ ﻳﺠﺪّﺩ ﺍﻟﻠﺬﺓ. ﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺐ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﻟﻘﻠﺒﻲ، ﻭﻣﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟﺮﻭﺣﻲ، ﻭﻧﺴﻴﻢ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻟِﻠّﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻲ، لاﺑﺪ ﺃﻧّﻬﺎ لا ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﻤﻠّﻴﻦ ﻭلا ﺗﺴﺄﻣﻴﻦ ﺃﺑﺪﺍ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﻌﺮﺽ لأﺣﺰﺍﻥ ﻭﺁلاﻡ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ، ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻥَ ﺑﺂﻣﺎﻝ ﻭﻟﺬﺍﺋﺬ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﺴﺐ ﻗﻮﺓً ﻭلا ﻏﺬﺍﺀ ﺇلا ﺑﻄﺮﻕ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻜﻞ ﺗﻀﺮﻉ ﻭﺗﻮﺳﻞ.

ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺄﻏﻠﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍلآﺗﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﻠﺔ ﺳﺮﻳﻌﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، لا ﺗﺸﺮﺏ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇلا ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺼـلاﺓ ﺇﻟﻰ ﻳﻨﺒﻮﻉ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ.

ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺴﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻟﻠﺨﻠﻮﺩ، ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻕ ﻟﻪ ﻓﻄﺮﺓً ﻭﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻌﺎﻛﺴﺔ ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، لاﺑﺪ ﺃﻧّﻪ ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺃﺷﺪَّ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﻔﺲ، ﻓﻲ ﺯﺣﻤﺔِ ﻭﻗﺴﺎﻭﺓ ﻭﺿﻐﻮﻁ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻧﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ ﺇلا ﺑﺎلاﺳﺘﻨﺸﺎﻕ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺼـلاﺓ.

   ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺠﺰﻋﺔ! ﺇﻧّﻚِ ﺗﻀﻄﺮﺑﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺗﺬﻛﺮ ﻋﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺯﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﺛﻢ ﺗﺘﻔﻜﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻓﻲ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻭﺧﺪﻣﺎﺕ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ، ﻭﺁلاﻡ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻓﺘﻈﻬﺮﻳﻦ ﺍﻟﺠﺰﻉ، ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﻧﻔﺎﺩﻩ. ﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻳﺼﺪﺭ ﻣﻤَّﻦ ﻟﻪ ﻣِﺴْﻜﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ؟

ﺇﻥّ ﻣﺜﻠﻚِ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻫﺬﺍ ﻣﺜﻞُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍلأﺣﻤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺟَّﻪ ﻗﻮﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺟﻴﺸﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺎﺡ ﺍلأﻳﻤﻦ ﻟﻠﻌﺪﻭ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺘﺤﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﺡ ﻣﻦ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺇﻟﻰ ﺻﻔّﻪ، ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻟﻪ ﻇﻬﻴﺮﺍ. ﻭﻭﺟّﻪ ﻗﻮﺗﻪ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺎﺡ ﺍلأﻳﺴﺮ ﻟﻠﻌﺪﻭ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ. ﻓﺄﺩﺭﻙ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻌﻔﻪ ﻓﺴﺪﺩ ﻫﺠﻮﻣَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﺪﻣّﺮﻩ ﻫﻮ ﻭﺟﻴﺸَﻪ ﺗﺪﻣﻴﺮﺍ ﻛﺎﻣـلا.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻚِ ﺗﺸﺒﻬﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻄﺎﺋﺶ، لأﻥّ ﺻﻌﻮﺑﺎﺕِ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻭﺃﺗﻌﺎﺑﻬﺎ ﻗﺪ ﻭﻟّﺖ، ﻓﺬﻫﺒﺖ ﺁلاﻣُﻬﺎ ﻭﻇﻠﺖ ﻟﺬّﺗﻬﺎ ﻭﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﻣﺸﻘﺘﻬﺎ ﺛﻮﺍﺑﺎ، ﻟﺬﺍ لا ﺗﻮﻟّﺪ ﻣﻠـلا ﺑﻞ ﺷﻮﻗﺎ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻭﺫﻭﻗﺎ ﻧﺪﻳّﺎ ﻭﺳﻌﻴﺎ ﺟﺎﺩﺍ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻟﻠﻤﻀﻲّ ﻭﺍلإﻗﺪﺍﻡ. ﺃﻣَّﺎ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ، ﻓﻸ ﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺄﺕِ ﺑﻌﺪُ، ﻓﺈﻥّ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻥ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻭﺍﻟﺒﻠﻪِ، ﺇﺫ ﻳﺸﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀُ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﻣﻦ ﺍلآﻥ، ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺶ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ!..

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻚ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻔﻜﺮﻱ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻗﻮﻟﻲ ﺳﺄﺻﺮﻑ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻭﺍﺟﺐٍ ﻣﻬﻢ ﻟﺬﻳﺬ ﺟﻤﻴﻞ، ﻭﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔٍ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻛﻠﻔﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺸﻌﺮﻳﻦ ﺃﻥّ ﻓﺘﻮﺭَﻙ ﺍﻟﻤﺆﻟﻢ ﻗﺪ ﺗﺤﻮّﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﻤﺔ ﺣﻠﻮﺓ، ﻭﻧﺸﺎﻁ ﻟﺬﻳﺬ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ! ﺇﻧّﻚِ ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﺜـلاﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ.

ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ.

ﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒـلاﺀ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖِ ﻓﻄﻨﺔ ﻓﺨﺬﻱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ -ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ- ﻋﺒﺮﺓً ﻭﺩﻟﻴـلا، ﻭﻗﻮﻟﻲ ﺑﻜﻞ ﻫﻤﺔ ﻭﺭﺟﻮﻟﺔ «ﻳﺎ ﺻﺒﻮﺭ»  ﺛﻢ ﺧﺬﻱ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ. ﻭﺍﺳﺘﻨﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺍﻟﻤﻮﺩﻋﺔ ﻓﻴﻚ ﻭﺗﺠﻤّﻠﻲ ﺑﻬﺎ، ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﻤﺸﻘﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻟﻠﻤﺼﺎﺋﺐ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻌﺜﺮﻳﻬﺎ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ.

   ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻄﺎﺋﺸﺔ! ﻳﺎ ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﺃﻥّ ﺃﺩﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺩﻭﻥ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺟﺪﻭﻯ؟! ﻭﻫﻞ ﺃﻥّ ﺃﺟﺮﺗﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﺴﺄﻣﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻣﻊ ﺃﻥّ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ ﻭﻳﻜﺪّ ﺩﻭﻥ ﻓﺘﻮﺭ ﺇﻥ ﺭﻏّﺒﻪ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﺎﻝٍ ﺃﻭ ﺃﺭﻫﺒَﻪُ.

ﺇﻥّ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻗﻮﺕ ﻟﻘﻠﺒﻚ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻭﺳﻜﻴﻨﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻴﻒ ﺍﻟﻤﻮﻗﺖ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻭﻫﻲ ﻏﺬﺍﺀ ﻭﺿﻴﺎﺀ ﻟﻤﻨﺰﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ لاﺑﺪ ﺃﻧّﻚِ ﺻﺎﺋﺮﺓ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺒﺮ. ﻭﻫﻲ ﻋﻬﺪ ﻭﺑﺮﺍﺀﺓ ﻓﻲ ﻣﺤﻜﻤﺘﻚ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺷﻚ ﺃﻧﻚِ ﺗﺤﺸﺮﻳﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻧﻮﺭﺍ ﻭﺑُﺮﺍﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ لاﺑﺪ ﺃﻧّﻚِ ﺳﺎﺋﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ.. ﻓﺼـلاﺓ ﻫﺬﻩ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ، ﻫﻞ ﻫﻲ ﺑـلا ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺟﺪﻭﻯ ؟ ﺃﻡْ ﺃﻧﻬﺎ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﺍلأﺟﺮﺓ؟!

ﻭﺇﺫﺍ ﻭَﻋَﺪَﻙِ ﺃﺣﺪ ﺑﻬﺪﻳﺔ ﻣﻘﺪﺍﺭﻫﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ، ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﻳﻮﻡ ﻭﺃﻧﺖِ ﺗﺴﻌَﻴﻦ ﻭﺗﻌﻤﻠﻴﻦ ﻣﻌﺘﻤﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﻋﺪﻩ ﺩﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﻭﻓﺘﻮﺭ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧّﻪ ﻗﺪ ﻳﺨﻠﻒ ﺍﻟﻮﻋﺪ. ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻤﻦ ﻭﻋﺪﻙ ﻭﻫﻮ لا ﻳﺨﻠﻒ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﻣﻄﻠﻘﺎ؟؟ ﻓﺨُﻠﻒ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺤﺎﻝ! ﻭﻋﺪﻙ ﺃﺟﺮﺓً ﻭﺛﻤﻨﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻫﺪﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻟﺘﺆﺩﻱ ﻟﻪ ﻭﺍﺟﺒﺎ ﻭﻭﻇﻴﻔﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﻭﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ. ﺃلا ﺗﻔﻜﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺃﻧﻚِ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺆﺩِّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻀﺌﻴﻠﺔ، ﺃﻭ ﻗﻤﺖِ ﺑﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺭﻏﺒﺔ ﺃﻭ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺘﻘﻄﻊ، ﻓﺈﻧﻚِ ﺇﺫﻥ ﺗﺴﺘﺨﻔّﻴﻦ ﺑﻬﺪﻳﺘﻪ، ﻭﺗﺘﻬﻤﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻭﻋﺪﻩ! ﺃلا ﺗﺴﺘﺤﻘﻴﻦ ﺇﺫﻥ ﺗﺄﺩﻳﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﻭﺗﻌﺬﻳﺒﺎ ﺃﻟﻴﻤﺎ؟ ﺃلا ﻳﺜﻴﺮ ﻫﻤﺘﻚ ﻟﺘﺆﺩﻱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﺍﻟﻠﻄﻒ ﺧﻮﻑَ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻭﻫﻮ ﺟﻬﻨﻢ. ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻧّﻚِ ﺗﻘﻮﻣﻴﻦ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﻣﺮﻫﻘﺔ ﻭﺻﻌﺒﺔ ﺩﻭﻥ ﻓﺘﻮﺭ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺟﻬﻨﻢ ﺍلأﺑﺪﻱ؟!

   ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﻣﺔ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ!.. ﻫﻞ ﺇﻥّ ﻓﺘﻮﺭﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺗﻘﺼﻴﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻧﺎﺷﺌﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﻣﺸﺎﻏﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ؟ ﺃﻡْ ﺇﻧّﻚ لا ﺗﺠﺪﻳﻦ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻐﻠﺒﺔ ﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﻌﻴﺶ؟!

ﻓﻴﺎ ﻋﺠﺒﺎ ﻫﻞ ﺃﻧﺖِ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻓﺤﺴﺐ، ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺬﻟﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺘﻚ ﻟﻬﺎ؟ ﺗﺄﻣﻠﻲ، ﺇﻧّﻚ لا ﺗﺒﻠﻐﻴﻦ ﺃﺻﻐﺮَ ﻋﺼﻔﻮﺭ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﺍﺭﻙ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﻏﻢ ﺃﻧّﻚِ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﻄﺮﺓً. ﻟِﻢَ لا ﺗﻔﻬﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻥّ ﻭﻇﻴﻔﺘﻚِ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺍلاﻧﻬﻤﺎﻙ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلاﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﺍﻟﺴﻌﻲُ ﻭﺍﻟﺪﺃﺏ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻛﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ. ﻣﻊ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺃﻏﻠﺐَ ﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻏﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﻣﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻚ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﺧﻠﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻔﻀﻮﻝ، ﻓﺘﻬﺪﺭﻳﻦ ﻭﻗﺘﻚ ﺍﻟﺜﻤﻴﻦ ﺟﺪﺍ ﻓﻴﻤﺎ لا ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ ﻭلا ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭلا ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻣﻨﻪ، ﻛﺘﻌﻠّﻢ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺪﺟﺎﺝ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ! ﺃﻭ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺯﺣﻞ. ﻭﻛﺄﻧّﻚِ ﺗﻜﺴﺒﻴﻦ ﺑﻬﺬﺍ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔَﻠﻚ ﻭﺍلإﺣﺼﺎﺀ  ﻓﺘَﺪَﻋﻴﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻭﺍلأﻫﻢ ﻭﺍلأﻟﺰﻡ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻛﺄﻧﻚِ ﺳﺘﻌﻤّﺮﻳﻦ ﺁلاﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ؟!

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺮﻓﻨﻲ ﻭﻳﻔﺘﺮﻧﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻌﻴﺶ. ﺇﺫﻥ ﻓﺎﺳﻤﻌﻲ ﻣﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﻞ:

ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﺟﺮﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﺸﺨﺺٍ ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺮﺵ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺣﺪﻫﻢ: «ﺗﻌﺎﻝ ﻭﺍﺣﻔﺮْ ﻟﻌﺸﺮ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ، ﻓﺈﻧّﻚ ﺳﺘﺠﺪ ﺣﺠﺮﺍ ﻛﺮﻳﻤﺎ ﻛﺎﻟﺰﻣﺮﺩ ﻗﻴﻤﺘُﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﻟﻴﺮﺓ» ﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺬﺭﺍ ﺗﺎﻓﻬﺎ ﺑﻞ ﺟﻨﻮﻧﺎ ﺇﻥْ ﺭﻓﺾ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻪ: «لا، لا ﺃﻋﻤﻞُ، لأﻥ ﺃﺟﺮﺗﻲ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺳﺘﻨﻘﺺ».

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺣﺎﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻛﺖ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺿﺔ، ﻓﺈﻥّ ﺟﻤﻴﻊ ﺛﻤﺎﺭ ﺳﻌﻴﻚ ﻭﻋﻤﻠﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﺳﺘﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﻘﺔٍ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺠﻨﻰ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻭﺑﺮﻛﺘﻬﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻟﻮ ﺻﺮﻓﺖ ﻭﻗﺖ ﺭﺍﺣﺘﻚ ﺑﻴﻦ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻟﺘﻨﻔﺲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻳﻀﺎﻑ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻘﺘﻚ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺯﺍﺩ ﺁﺧﺮﺗﻚ ﻣﻊ ﻧﻔﻘﺘﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻣﺎ ﺗﺠﺪﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﻊ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻜﻨﺰَﻳﻦ ﻣﻌﻨﻮﻳﻴﻦ ﺩﺍﺋﻤﻴﻦ ﻭﻫﻤﺎ:

ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺍلأﻭﻝ: ﺳﺘﺄﺧﺬ (حاشية) ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺩﺭﺱ لأﺣﺪ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ. ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﺣﻈﻚ ﻭﻧﺼﻴﺒﻚ ﻣﻦ «ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ» ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻴﺄﺗﻪ ﺑﻨﻴّﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ، ﻣﻦ ﺃﺯﻫﺎﺭ ﻭﺛﻤﺎﺭ ﻭﻧﺒﺎﺗﺎﺕ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ.

ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥّ ﻛﻞ ﻣَﻦ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ -ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﺃﻡْ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺷﺎﺭﻳﺎ ﺃﻭ ﺳﺎﺭﻗﺎ- ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ «ﺻﺪﻗﺔٍ ﺟﺎﺭﻳﺔ» ﻟﻚ، ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﻛﺄﻧّﻚ ﻭﻛﻴﻞ ﻭﻣﻮﻇﻒ ﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ﻣﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، ﺃﻱ ﺗﺘﺼﺮﻑ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺿﻤﻦ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ.

ﻭﺍلآﻥ ﺗﺄﻣّﻞْ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﻛﻢ ﻫﻮ ﺧﺎﺳﺮ ﺧﺴﺮﺍﻧﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ؟! ﻭﻛﻢ ﻫﻮ ﻓﺎﻗﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ؟! ﻭﻛﻴﻒ ﺃﻧّﻪ ﺳﻴﺒﻘﻰ ﻣﺤﺮﻭﻣﺎ ﻭﻣﻔﻠﺴﺎ ﻣﻦ ﺫﻳﻨﻚ ﺍﻟﻜﻨﺰﻳﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﻴﻦ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻤﺪﺍﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻭﻳﺸﻮّﻗﺎﻧﻪ ﻟﻠﺴﻌﻲ ﻭﺍﻟﻨﺸﺎﻁ؟! ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻎ ﺃﺭﺫﻝَ ﻋﻤﺮﻩ، ﻓﺈﻧّﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﻤﻞّ ﻭﻳﻀﺠﺮ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ ﻧﻔﺴﻪ: «ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻲّ؟! ﻟِﻢَ ﺃﺗﻌِﺐُ ﻧﻔﺴﻲ؟ لأﺟﻞِ ﻣَﻦ ﺃﻋﻤَﻞُ؟ ﻓﺈﻧّﻨﻲ ﺭﺍﺣﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﺪﺍ» ﻓﻴﻠﻘﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻜﺴﻞ؛ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍلأﻭﻝ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺳﺄﺳْﻌﻰ ﺳﻌﻴﺎ ﺣﺜﻴﺜﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺤـلاﻝ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺍﻟﻤﺘﺰﺍﻳﺪﺓ ﻛﻴﻤﺎ ﺃﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﺮﻱ ﺿﻴﺎﺀﺍ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺍﺩّﺧﺮ لآﺧﺮﺗﻲ ﺫﺧﻴﺮﺓ ﺃﺯﻳﺪ».

  ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺍﻋﻠﻤﻲ ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ! ﺇﻥّ ﺃﻣْﺲ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻚِ. ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻐﺪ ﻓﻠﻢ ﻳﺄﺕِ ﺑَﻌْﺪُ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻚ ﻋﻬﺪ ﺃﻧّﻚ ﺳﺘﻤﻠﻜﻴﻨﻪ، ﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﺣﺴﺒﻲ ﻋﻤﺮﻙ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻭﺃﻗﻞّ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻠﻘﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺍلاﺩّﺧﺎﺭ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺴَّﺠّﺎﺩﺓ ﻟﺘﻀﻤﻨﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ.

ﻭﺍﻋﻠﻤﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺟﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﺑﺎﺏ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ -ﻟﻚ ﻭﻟﻐﻴﺮﻙ- ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﺆﺩﻱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻓﺈﻥ ﻋﺎﻟﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺮﺣﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣُﻈﻠﻤﺎ ﺷﺎﻛﻴﺎ ﻣﺤﺰﻭﻧﺎ، ﻭﺳﻴﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻚ. ﻭﺃﻥّ ﻟﻜﻞٍّ ﻣﻨﺎ ﻋﺎﻟﻤَﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺃﻥّ ﻧﻮﻋﻴﺘﻪ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﻭﻗﻠﺒﻨﺎ. ﻣَﺜﻠُﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﻞُ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻠﻮﻧﻬﺎ ﻭﻧﻮﻋﻴﺘﻬﺎ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻮﺩّﺓ ﻓﺴﺘﻈﻬﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﺴﻮﺩّﺓ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻘﻴﻠﺔ ﻓﺴﺘﻈﻬﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ، ﻭﺇلا ﻓﺴﺘﻈﻬﺮ ﻣﺸﻮﻫﺔ ﺗﻀﺨﻢ ﺃﺗﻔﻪ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﺻﻐﺮﻩ. ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻧﺖ، ﻓﺒﻘﻠﺒﻚ ﻭﺑﻌﻘﻠﻚ ﻭﺑﻌﻤﻠﻚ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻐﻴﺮﻱ ﺻﻮﺭَ ﻋﺎﻟﻤﻚِ، ﻭﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻙ ﻭﻃﻮﻉ ﺇﺭﺍﺩﺗﻚ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻠﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻚ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻚ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺇﻥ ﺃﺩّﻳﺖَ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺗﻮﺟﻬﺖ ﺑﺼـلاﺗﻚ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻟﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻓﺴﻴﺘﻨﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺎلا، ﻭﻛﺄﻧّﻚ ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ ﺑﻨﻴّﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﺄﺿﺎﺀَﻩ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﺻـلاﺗﻚ، ﻭﺑﺪّﺩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻓﻴﻪ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلاﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﺍلأﺣﺰﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺘﺮﺍﻫﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ، ﻭﻛﺘﺎﺑﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻌﻨﻰ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻴﻨﺴﺎﺏ ﻧﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻚ، ﻓﻴﺘﻨﻮﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﻮﻣﻚ ﺫﺍﻙ، ﻭﺳﻴﺸﻬﺪ ﺑﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺘﻪ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻓﻴﺎ ﺃﺧﻲ! ﺣﺬﺍﺭِ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ «ﺃﻳﻦ ﺻـلاﺗﻲ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼـلاﺓ؟» ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻧﻮﺍﺓُ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻨﺨﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﺳﻘﺔ، ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻭﺍلإﺟﻤﺎﻝ. ﻛﺬﻟﻚ ﺻـلاﺓ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ -ﻣﻦ ﻫﻢ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻚ- ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻆ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺳﺮ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ ﻭﻟﻲّ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺬﻟﻚ ﺷﻌﻮﺭﻩ. ﺃﻣَّﺎ ﺗَﻨﻮُّﺭﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ، ﻛﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺨﻠﺔ. ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻥّ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺈﻥّ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ.

ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﻗَﺎﻝَ: «ﺍﻟﺼَّـلاﺓُ ﻋِﻤَﺎﺩُ ﺍﻟﺪِّﻳﻦِ» ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺻَﺤْﺒِﻪِ ﺃﺟْﻤَﻌِﻴﻦَ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﻭﻫﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﻥ

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:34)

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:67)

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:74)

    ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻠﻮ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻮﻣﺎ، ﻓﻮﺭﺩ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻧﻜﺎﺕ ﺛـلاﺙ ﻟﻴﺼﺪّ ﺇﻟﻘﺎﺀﺍﺕ ﺇﺑﻠﻴﺲ!. ﻭﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻫﻲ:

ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻜﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺠِﺰ، ﻭﻓﻲ ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ، ﻭﺇِﻧّﻪ ﻫﺪﻯً ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺁﻥ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻛﺮ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﺳﺮﺩﻫﺎ ﺳﺮﺩﺍ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ﻭﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﻜﺮﺍﺭﻫﺎ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻛﺬﺑﺢ ﺑﻘﺮﺓٍ ﺿﻤﻦ ﻫﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻭﺻﺎﻑ، ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻤّﺖ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ»؟. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺮﺷﺪ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺿﻌﻪ «ﺃﻓـلا ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ» ﺃﻱ ﻳﺤﻴﻞ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥّ ﺣﺎﺩﺛﺔَ ﺳﺠﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ لآﺩﻡ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺒﻲ ﻣﺤﺾ لا ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴـلا، ﺇلا ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺃﻭ ﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﻱ ﺍﻟﺮﺍﺳﺦ.. ﺛﻢ ﺃﻳﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﺎلاﺕ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﺤﺪﺙ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔً ﻟـلأﺣﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﺇﺿﻔﺎﺀ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ؟

    ﻭﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨُﻜَﺖ ﺍﻟﻤﻠﻬَﻤﺔ ﻫﻲ ﺍلآﺗﻴﺔ: 

   ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

    ﺇﻥّ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺣﻮﺍﺩﺙَ ﺟﺰﺋﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻭﺭﺍﺀَ ﻛﻞ ﺣﺎﺩﺙ ﻳﻜﻤﻦ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻛﻠﻲ ﻋﻈﻴﻢ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ لأﻧّﻬﺎ ﻃﺮﻑ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻡ ﺷﺎﻣﻞ ﻛﻠﻲ ﻭﺟﺰﺀ ﻣﻨﻪ.

ﻓﺎلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:31) ﺗﺒﻴّﻦ ﺃﻥّ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ لاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻟﻠﺨـلاﻓﺔ. ﻭﻫﻲ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺇلا ﺃﻧَﻬﺎ ﻃﺮﻑ ﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻛﻠﻲ ﻫﻮ: ﺃﻥّ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لاﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺟﺎﻣﻊ- ﻋﻠﻮﻣﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ لا ﺗﺤﺪ، ﻭﻓﻨﻮﻧﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ لا ﺗﺤﺼﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻐﺮﻕ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ.. ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻫّﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻟﻴﻨﺎﻝ ﺃﻓﻀﻠﻴﺔ، ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺣﺪﻫﻢ، ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻓﻲ ﺣﻤﻞ ﺍلأﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ.

ﻭﺇﺫ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺧـلاﻓﺔَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺧـلاﻓﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻳﺒﻴﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ لآﺩﻡ ﻭﻋﺪﻡ ﺳﺠﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﻪ -ﻭﻫﻲ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻏﻴﺒﻴﺔ- ﻃﺮﻓﺎ ﻟﺪﺳﺘﻮﺭٍ ﻣﺸﻬﻮﺩ ﻛﻠﻲ ﻭﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺒﻴﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻫﻲ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺬﻛﺮﻩ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻧﻘﻴﺎﺩﻫﻢ ﻟﺸﺨﺺ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺗﻜﺒُّﺮَ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻔﻬّﻢ ﺃﻥّ ﺃﻏﻠﺐَ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻣﻤﺜﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﻛّﻠﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻣﺴﺨﺮﺓ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻭﻣﻬﻴّﺄﺓ لإﻓﺎﺩﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻮﺍﺱ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻓﺎﺩﺓ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﻨﻘﺎﺩﺓ ﻟﻪ.. ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺴﺪ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﻭﻳﺴﻮﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﺓ ﻭﻣﻤﺜـلاﺗﻬﺎ ﻭﺳﻜﻨﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻋﺪﺍﺀً ﺭﻫﻴﺒﻴﻦ، ﻭﻋﻮﺍﺋﻖ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺻﻌﻮﺩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ.

ﻭﺇﺫ ﻳﺪﻳﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺓ ﻣﻊ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﻫﻮ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ ﺿﻤﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ، ﻓﺈﻧّﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺪﻳﺮ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻗﺎﻃﺒﺔ.

   ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

    ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥّ ﺃﺭﺍﺿﻲ ﻣﺼﺮ ﺟﺮﺩﺍﺀ ﻗﺎﺣﻠﺔ، ﺇﺫ ﻫﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺪﺭّ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﻭﻓﻴﺮﺓ ﺑﺒﺮﻛﺔ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻨﻴﻞ، ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺕ ﻛﺄﻧّﻬﺎ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺗﺠﻮﺩ ﺑﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﻓﺔ ﺑﺠﻨﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﺮ ﻧﺎﺭﺍ، ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔَ ﻭﺍﻟﻔـلاﺣﺔ ﻣﺮﻏﻮﺑﺔً ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﻣﺼﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻏﻠﺖ ﻓﻲ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ. ﺑﻞ ﺃﺿﻔﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔُ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻭﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﺿﻔﺖ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻣﻦ ﺛﻮﺭ ﻭﺑﻘﺮ، ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺍلأﻣﺮ ﺃﻥْ ﻣَﻨﺢ ﺃﻫﻞُ ﻣﺼﺮ -ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ- ﻗﺪﺳﻴﺔً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻘﺮ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺣﺪِّ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﻗﺪ ﺗﺮﻋﺮﻉ ﺑﻨﻮ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻭﺑﻴﻦ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻭﺍلأﺟﻮﺍﺀ ﻓﺄﺧﺬﻭﺍ ﻣﻦ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ ﺣﻈﺎ، ﻛﻤﺎ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ «ﺍﻟﻌﺠﻞ» ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻌﻠّﻤﻨﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺬﺑﺢ ﺑﻘﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺃﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻗﺪ ﺫَﺑﺢ ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻪ ﻣﻔﻬﻮﻡَ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺮﻯ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﺔ، ﻭﺗﻨﺎﻣﻰ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﻢ.

ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻧّﻤﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻣﻌﺠﺰﺍ، ﺩﺳﺘﻮﺭﺍ ﻛﻠﻴﺎ، ﻭﺩﺭﺳﺎ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻛﻞّ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ.

ﻓﺎﻓﻬﻢ -ﻗﻴﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ-: ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲ ﻃﺮﻑ ﻭﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﻛﻠﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻳﻨﺒﺊ ﻋﻨﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻟﻘﺼﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺩﺳﺘﻮﺭﺍ ﻛﻠﻴﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ «ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ» ﺭﺍﺟﻌﻪ ﺇﻥ ﺷﺌْﺖَ.

   ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

    ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:74).

ﻋﻨﺪ ﻗﺮﺍﺀﺗﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﻴﻨﺎﺕ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮَﺳﻮﺱ: ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺫﻛﺮ ﺣﺎلاﺕ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻓﻄﺮﻳﺔ ﻟـلأﺣﺠﺎﺭ ﺍلاﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻭﺑﻴﺎﻧُﻬﺎ ﻛﺄﻧّﻬﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻣﻊ ﺃﻧّﻬﺎ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ؟ ﻭﻣﺎ ﻭﺟﻪُ ﺍﻟﻌـلاﻗﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ؟ ﻭﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺩﺍﻉٍ ﺃﻭ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ؟

ﻓﺄﻟﻬﻢ ﻗﻠﺒﻲ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ ﺍلآﺗﻲ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﺼﺪّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ: ﻧﻌﻢ، ﻫﻨﺎﻙ ﻋـلاﻗﺔ ﻭﺳﺒﺐ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺩﺍﻉٍ ﻭﺣﺎﺟﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻌـلاﻗﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﺘﻴﺴﺮ ﺇلا لإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺇﻳﺠﺎﺯﻩ ﻭﻟﻄﻒ ﺇﺭﺷﺎﺩﻩ ﺃﻥ ﻳﺴﻬّﻠﻬﺎ ﻭﻳﻴﺴّﺮﻫﺎ ﻟﻠﻔﻬﻢ.

ﺇﻥّ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺳﺎﺱ ﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﺲ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ، ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻄﻒ ﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﻭﺣﺴﻦ ﺍلإﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﻮﺭ ﻣﻦ ﻫﺪﻱ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺃﻥ ﺗُﺒﻴَّﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖُ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮُ ﺍﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺜﻠﻮﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺨﺎﻃﺒﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﻥ لا ﺗﺒﻴّﻦ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺒﺴﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ ﺇلا ﻃﺮﻑ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻌﻈﻤﺔ ﻭﺻﻮﺭ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻨﻬﺎ.. ﺯِﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ: ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺮﺕ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍلإﻟﻔﺔ، ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺠﻤﻠﺔ.

ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ: ﻳﺎ ﺑَﻨﻰ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻭﻳﺎ ﺑَﻨﻰ ﺁﺩﻡ! ﻣﺎﺫﺍ ﺩﻫﺎﻛﻢ ﺣﺘﻰ ﻏﻠﻈﺖ ﻗﻠﻮﺑُﻜﻢ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﺻﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺃﻗﺴﻰ ﻣﻨﻬﺎ! ﺃلا ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻥّ ﺃﺻﻠﺐ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﺃﺻﻤَّﻬﺎ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﻜِّﻞ ﻃﺒﻘﺔً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﺍﻟﺼﻠﺪﺓ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻣﻄﻴﻌﺔً ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻃﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﻣﻨﻘﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩﺍ ﻛﺎﻣـلا. ﻓﻜﻤﺎ ﺗﺠﺮﻱ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ، ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼَّﻤﺎﺀ ﺍﻟﺼَّﻠﺪﺓ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥّ ﺟﺪﺍﻭﻝ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﻋﺮﻭﻗﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺗﺠﺮﻱ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺑﺤﻜﻤﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﻋﺎﺋﻘﺎ ﺃﻭ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗُﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ، ﻓﻴﻨﺴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺴﻴﺎﺏ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺟﺮﻳﺎﻧﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺃﻭ ﺻﺪﻭﺩ.(حاشية) ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻟﻘﺼﺮ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭ، ﻫﻮ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ، ﻓﻘﺪ ﺃﻭﻛﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺛـلاﺙ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﻣﻬﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﻘﻤﻴﻦ ﺑﺄﻥ ﻳﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، لا ﻏﻴﺮﻩ.

 ﻓﻮﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﺆﺩﻱ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍلأﻣﻮﻣﺔ ﻟﻠﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ.. ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺟﺮﻳﺎﻧﺎ ﻣﻨﺘﻈﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺒﻪ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺪﻡ ﻭﺩﻭﺭﺍﻧﻪ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.. ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺨﺰﺍﻥ ﻟـلأﻧﻬﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻭﺍﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺩﻗﻴﻖ ﻣﻨﺘﻈﻢ.

 ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﻭﺑﻤﻞﺀ ﻓﻤﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺴﻜﺐ ﻣﻦ ﺃﻓﻮﺍﻫﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﺀ ﺑﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻨﺸﺮ ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﺴﻄﺮﻫﺎ ﻓﻮﻗﻬﺎ. (ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ)

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﺗﻨﺒﺖ ﻭﺗﺘﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺑﺄﻣﺮ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﻒ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺣﺎﺋﻞ ﺃﻭ ﻣﺎﻧﻊ، ﻓﺘﻨﺘﺸﺮ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ.

ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍ، ﻭﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻣﺮﻣﺰﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ:

ﻳﺎ ﺑَﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻭﻳﺎ ﺑَﻨﻲ ﺁﺩﻡ! ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻏﺎﺭﻗﻮﻥ ﻓﻲ ﻓﻘﺮﻛﻢ ﻭﻋﺠﺰﻛﻢ! ﺇﻧّﻬﺎ ﺗﻘﺎﻭﻡ ﺑﻐﻠﻈﺔ ﻭﺑﻘﺴﺎﻭﺓ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﻣﻮﻟﻰً ﺟﻠﻴﻞ ﻋﻈﻴﻢ، ﺗﻨﻘﺎﺩ ﻟﻪ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼَّﻠﺪﺓ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﻭلا ﺗﻌﺼﻲ ﻟﻪ ﺃﻣﺮﺍ، ﺑﻞ ﺗﺆﺩِّﻱ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻧﻘﻴﺎﺩ ﺗﺎﻡ؛ ﻭﻫﻲ ﻣﻐﻤﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ. ﺑﻞ ﺗﻘﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺩﻉ ﻭﺍﻟﻤﺨﺰﻥ ﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟـلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺏ ﺍلأﺭﺽ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧّﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻴﻨﺔ ﻃﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﻃﺮﺍﻭﺓ ﺷﻤﻊ ﺍﻟﻌﺴﻞ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻟﺘﻘﺴﻴﻤﺎﺕ ﺗﺘﻢ ﺑﻌﺪﺍﻟﺔ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻟﺘﻮﺯﻳﻌﺎﺕ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺤﻜﻤﺔ، ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﺭﻗﻴﻘﺔ ﺭﻗﺔَ ﻫﻮﺍﺀ ﺍﻟﻨﺴﻴﻢ، ﻧﻌﻢ، ﺇﻧّﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺠﺪﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺍﻟﻤﺎﺛﻠﺔ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻮﻕ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﺗﺠﺮﻱ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻞ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺑﺄﻋﺠﺐَ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔً ﻭﺃﻏﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﺎ.

ﺗﺄﻣّﻠﻮﺍ ﺟﻴﺪﺍ! ﺇﻥّ ﺃﺻﻠﺐ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﺃﺿﺨﻤﻬﺎ ﻭﺃﺻﻤّﻬﺎ ﺗﻠﻴﻦ ﻟﻴﻮﻧﺔَ ﺍﻟﺸﻤﻊ ﺗﺠﺎﻩ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ، ﻭلا ﺗﺒﺪﻱ ﺃﻳﺔ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺃﻭ ﻗﺴﺎﻭﺓ ﺗُﺬﻛﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺠﺬﻭﺭ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻟﻄﺎﻓﺔ ﺍﻟﺤﺮﻳﺮ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎﺷﻖ ﻳﺸﻖ ﻗﻠﺒَﻪ ﺑﻤﺲٍّ ﻣﻦ ﺃﻧﺎﻣﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﻤﻴـلاﺕ، ﻓﺘﺘﺤﻮﻝ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻦ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﻭﺇﻥَّ ﻣﻨﻬﺎ ﻟَﻤَﺎ ﻳﻬﺒﻂ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﻴّﻦ ﻃﺮﻓﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍ ﻫﻲ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤّﺪﺕ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎﺋﻌﺔ ﻭﺳﺎﺋﻠﺔ. ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻛﺘـلا ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼَّﻠﺪﺓ، ﺗﺘﻔﺘﺖ ﻭﺗﺘﺼﺪﻉ، ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟـلاﻟﻴﺔ، ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺯلاﺯﻝ ﻭﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﺃﺭﺿﻴﺔ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻨﺎﺛﺮ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺩﻛﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺠﻠّﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺮﺏ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟﻪ.

ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺗﻬﺒﻂ ﻣﻦ ﺫُﺭﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ ﻇﻬﻮﺭ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟـلاﻟﻴﺔ ﻭﺭﻫﺒﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺘﺘﻨﺎﺛﺮ ﺃﺟﺰﺍﺅﻫﺎ. ﻓﻘﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﺗﻨﺸﺄ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ.. ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌَﺔ ﺻﺨﻮﺭ ﺗﺘﺪﺣﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻭﺗﻜﺘﺴﺢ ﺍﻟﺴﻬﻮﻝ ﻓﻴﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺃﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ -ﻛﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻦ ﻣﺜـلا- ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻣﻮﺭٍ ﻭﺣﻜﻢ ﻣﺨﻔﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊ ﺷﺘﻰ، ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﺪﺓ ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻧﻘﻴﺎﺩ ﺗﺎﻡ ﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ.

ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻥّ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻟﻤﻮﺍﺿﻌﻬﺎ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻫﺎ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻮﺍﻃﺌﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﺍﺿﻊ ﺟﻢ، ﻣﺴﺒﺒﺔ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺷﺘﻰ، ﺃﻣﺮ لا ﻳﺤﺪﺙ ﻋﺒﺜﺎ ﻭلا ﺳﺪﻯً ﻭﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ ﻋﻤﻴﺎﺀ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺭﺏ ﻗﺪﻳﺮ ﺣﻜﻴﻢ ﻳُﺤﺪﺛﻪ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﺇﻥ ﺑَﺪﺍ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺠﻨﻰ ﻣﻦ ﺗﻔﺘﺖ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻬﺎﺩﺓ لا ﺭﻳﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻟﻠﺤُﻠﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﺣﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﺩﺍﻥ ﺑﺎلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺭﺃﻳﺘﻢ ﻛﻴﻒ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻟﻬﺎ ﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﺗﺪﺑﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻟﻄﺎﻓﺔ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺑـلاﻏﺘﻪ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ، ﻛﻴﻒ ﻳﺒﻴﻦ ﻃﺮﻓﺎ ﻭﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ، ﻭﻫﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍ، ﻳﺒﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺛـلاﺙ ﻓﻘﺮﺍﺕ ﻭﻓﻲ ﺛـلاﺙ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﻣﺸﻬﻮﺩﺓ، ﻭﻳﻨﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺙ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﻋﺒﺮﺓ لأﻭﻟﻰ ﺍلأﻟﺒﺎﺏ ﻭﻳﺰﺟﺮﻫﻢ ﺯﺟﺮﺍ لا ﻳﻘﺎﻭﻡ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻳﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺸﻘَّﺖ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺗﺤﺖ ﺿﺮﺏ ﻋﺼﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﺎﻧﺒﺠﺴﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺛﻨﺘﺎ ﻋَﺸْﺮﺓَ ﻋﻴﻨﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ ﻳﻮﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺑَﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ! ﺇﻥّ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺗﺘﺸﺘﺖ ﻭﺗﺘﺸﻘﻖ ﻭﺗﻠﻴﻦ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺗﺬﺭﻑ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉَ ﻛﺎﻟﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺳﺮﻭﺭﻫﺎ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺘﻤﺮﺩﻭﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻭلا ﺗﺪﻣﻊ ﺃﻋﻴﻨﻜﻢ ﺑﻞ ﺗﺠﻤُﺪ ﻭﺗﻐﻠﻆ ﻗﻠﻮﺑُﻜﻢ ﻭﺗﻘﺴﻮ.

ﻭﻳﺬﻛّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﻃﻮﺭ ﺳﻴﻨﺎﺀ، ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻣﻨﺎﺟﺎﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﺠﻠّﻲِ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻭﺟﻌﻠﻪ ﺩﻛّﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺘﺖَ ﻭﺗﻨﺎﺛﺮ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﻳُﺮﺷﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻬﺬﺍ: ﻳﺎ ﻗﻮﻡ ﻣﻮﺳﻰ -ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ- ﻛﻴﻒ لا ﺗﺘﻘﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭلا ﺗﺨﺸﻮﻧﻪ، ﻓﺎﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺻﺨﻮﺭ ﺻﻠﺪﺓ ﺗﺘﺼﺪﻉ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺘﻪ ﻭﺗﺘﺒﻌﺜﺮ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻧّﻪ ﻗﺪ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻤﻴﺜﺎﻕَ ﻣﻨﻜﻢ ﺑﺮﻓﻊ ﺟﺒﻞ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﻓﻮﻗﻜﻢ، ﻣﻊ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻜﻢ ﻭﻋﻠﻤِﻜﻢ ﺗﺸﻘﻖَ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺠﺮﺃﻭﻥ ﻭلا ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻓﺮﺍﺋﺼُﻜﻢ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺑﻞ ﺗﻐﻠﻆ ﻗﻠﻮﺑُﻜﻢ؟.

ﻭﻳﺬﻛّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ ﻣﺸﻴﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎﺭ ﻛﺎﻟﻨﻴﻞ ﻭﺩﺟﻠﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﻳﻌﻠِّﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺪﻯ ﻧﻴﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﻟﻠﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻭﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﺗﺠﺎﻩ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﻭﻣﺪﻯ ﻛﻮﻧِﻬﺎ ﻣﺴﺨّﺮﺓ ﻟﻬﺎ. ﻓﻴﻮﺭﺙ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏَ ﺍﻟﻤﺘﻴﻘﻈﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ:

ﺇﻧّﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻨﺎﺑﻊَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ لأﻧّﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺑﺤﺠﻤﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻤﻠﻮﺀﺓً ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ، ﺃﻱ ﻟﻮ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﺣﻮﺍﺿﺎ ﻣﺨﺮﻭﻃﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ، ﻓﺈﻧّﻬﺎ لا ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﺇلا ﻟﺒﻀﻌﺔ ﺷﻬﻮﺭ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺴﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﻭﺟﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥّ ﺍلأﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ لأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﺮ، لا ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻭﺍﺭﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﺗﻔﺠّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﻟﻴﺲ ﺃﻣﺮﺍ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴﺎ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ، ﺑﻞ ﺇﻥّ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳُﺴﻴّﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺣﺪَﻫﺎ، ﻭﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺮﻳﺎﻧﺎ ﺧﺎﺭﻗﺎ. ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺃﻓﺎﺩﺕ ﺭﻭﺍﻳﺔُ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻥّ ﻛُـلا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺗﻘﻄﺮُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻗﻄﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻟﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ. ﻭﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ: ﺇﻥّ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ. ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﻫﻲ:

ﺇﻥّ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ لا ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺘﻔﺠّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﻭﺗﺪﻓّﻘﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺎﺑﻌُﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻏﻴﺐ، ﻭﺃﻧّﻬﺎ ﺗﺮِﺩ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺭﺣﻤﺔ ﻏﻴﺒﻴﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﺘﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﻓﻴﺎﺕ ﻭﺗﺪﻭﻡ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻌﻠّﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺩﺭﺳﺎ ﺑﻠﻴﻐﺎ ﻭﻳﻨﺒّﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ:

ﻳﺎ ﺑَﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﻭﻳﺎ ﺑَﻨﻲ ﺁﺩﻡ  ﺇﻧّﻜﻢ ﺑﻘﺴﺎﻭﺓ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﺗﻌﺼﻮﻥ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﺭﺏٍّ ﺟﻠﻴﻞ، ﻭﺑﻐﻔﻠﺘﻜﻢ ﻋﻨﻪ ﺗﻐﻤﻀﻮﻥ ﻋﻴﻮﻧَﻜﻢ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻤﺼﻮِّﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻮّﻝ ﺃﺭﺽَ ﻣﺼﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺔ ﻭﺍﺭﻓﺔ ﺍﻟﻈـلاﻝ ﻭﺃﺟﺮﻯ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﻓﻮﺍﻩ ﺃﺣﺠﺎﺭ ﺻﻠﺪﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣُﻈﻬﺮﺍ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺷﻮﺍﻫﺪ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﻘﻮﺓ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﻧﻴّﺮﺓ ﺑﺸﺪﺓ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﻭﺇﻓﺎﺿﺎﺗﻬﺎ. ﻓﻴﻀﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻮﺍﻫﺪ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻳﺴﻠّﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﻣﺎﻍ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﻳﺴﻴّﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ.

ﺛﻢ ﺇﻧّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺠﻌﻞ ﺻﺨﻮﺭﺍ ﺟﺎﻣﺪﺓ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﻗﻂ (حاشية) ﻳﻨﺒﻊ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻳﻨﺒﻊ ﺃﻫﻢ ﺭﺍﻓﺪ ﻟﺪﺟﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﻬﻒ ﺻﺨﺮﺓ ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ «ﻣﻜﺲ» ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ «ﻭﺍﻥ» ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺭﺍﻓﺪ ﻟﻨﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ «ﺩﻳﺎﺩﻳﻦ». ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ -ﺣﻘﻴﻘﺔ- ﻣﺘﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﺓ ﻣﺎﺋﻌﺔ ﺗﺠﻤﺪﺕ ﺃﺣﺠﺎﺭﺍ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﻓﻲ: «ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﺴﻂ ﺍلأﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺀ ﺟَﻤَﺪْ» ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﺻﻞ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلآﺗﻲ: ﺇﻥ ﻣﺎﺩﺓ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻗﺪ ﺍﻧﺠﻤﺪﺕ ﺑﺎلأﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺣﺠﺮﺍ، ﻭﺍﻟﺤﺠﺮُ ﺃﺻﺒﺢ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ، ﺇﺫ ﻟﻔﻆ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﺀ (ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺋﻌﺔ) ﻟﻴﻦ ﻟﻄﻴﻒ ﺟﺪﺍ ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﺻﻠﺐ ﺟﺪﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍلاﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻨﻪ، ﻟﺬﺍ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﻘﺮﺍ ﻟﺬﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.  ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ. ﺗﻨﺎﻝ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﺇﻧّﻬﺎ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻛﺪلاﻟﺔ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻓﻜﻴﻒ لا ﺗﺮﻭﻥ ﻭﺗﻌﻤﻰ ﺃﺑﺼﺎﺭﻛﻢ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ؟

ﻓﺎﻧﻈﺮ! ﻛﻴﻒ ﻟَﺒِﺴَﺖْ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺣﻠﻞ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺩﻗِّﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻲ ﺑـلاﻏﺔ ﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﻟﺘﺮﻯ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﻭﺍﻟﻐﻠﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭلا ﺗﻨﺴﺤﻖ ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺫﻟﻚ ﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﻦ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ، ﻓﺸﺎﻫﺪ ﻟﻤﻌﺔَ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺍﺷﻜﺮ ﺭﺑﻚ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﻓَﻬِّﻤْﻨَﺎ ﺃﺳْﺮَﺍﺭَ ﺍﻟْﻘُﺮﺁﻥِ ﻛَﻤَﺎ ﺗُﺤِﺐُّ ﻭَﺗَﺮْﺿَﻰ ﻭَﻭَﻓِّﻘْﻨَﺎ ﻟِﺨِﺪْﻣَﺘِﻪِ.. ﺁﻣِﻴﻦَ ﺑِﺮَﺣْﻤَﺘِﻚَ ﻳَﺎ ﺍَﺭْﺣَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺍﺣِﻤِﻴﻦَ.

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﺃﻧﺰِﻝَ ﻋَﻠَﻴﻪِ ﺍﻟْﻘُﺮﺁﻥُ ﺍﻟْﺤَﻜِﻴﻢ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺻَﺤْﺒِﻪِ ﺃﺟْﻤَﻌِﻴﻦَ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ

   ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ

   ﻭﻣﺎ ﻣﺪﺣﺖُ ﻣﺤﻤﺪﺍ ﺑﻤﻘﺎﻟﺘﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺪﺣﺖُ ﻣﻘﺎﻟﺘﻲ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻤﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮﻕ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻤّﻠﺘﻬﺎ.

 ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻠﻤﻌﺔُ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ) ﺃﺭﺑﻊَ ﻋﺸﺮﺓَ ﺭﺷﺤﺔ:

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻳُﻌﺮِّﻑ ﻟﻨﺎ ﺭﺑَّﻨﺎ ﻫﻮ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻌﺮّﻓﻴﻦ ﺃﺩلاﺀ ﻋﻈﺎﻡ:

ﺃﻭﻟﻪ: ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺷﻬﺎﺩﺗﻪ ﻓﻲ ﺛـلاﺙَ ﻋﺸﺮﺓَ ﻟﻤﻌﺔ «ﻣﻦ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺜﻨﻮﻱ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻨﻮﺭﻱ».

ﺛﺎﻧﻴﻪ: ﻫﻮ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ صلى الله عليه وسلم.

ﺛﺎﻟﺜﻪ: ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ.

ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ ﺍلآﻥ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ صلى الله عليه وسلم ﻭﻧﻨﺼﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺧﺎﺷﻌﻴﻦ.

ﺍﻋﻠَﻢْ ﺃﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﻟﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖَ: ﻣﺎ ﻫﻮ؟ ﻭﻣﺎ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ؟

ﻗﻴﻞ ﻟﻚ: ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻌﻈﻤﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺻﺎﺭ ﺳﻄﺢُ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺴﺠﺪَﻩ، ﻭﻣﻜﺔُ ﻣﺤﺮﺍﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﺒﺮﻩ.. ﻭﻫﻮ ﺇﻣﺎﻡ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﺄﺗﻤّﻮﻥ ﺑﻪ ﺻﺎﻓّﻴﻦ ﺧﻠﻔﻪ.. ﻭﺧﻄﻴﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻬﻢ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺳﻌﺎﺩﺍﺗﻬﻢ.. ﻭﺭﺋﻴﺲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻳﺰﻛّﻴﻬﻢ ﻭﻳﺼﺪّﻗﻬﻢ ﺑﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﺩﻳﻨﻪ لأﺳﺎﺳﺎﺕ ﺃﺩﻳﺎﻧﻬﻢ.. ﻭﺳﻴﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻳُﺮﺷﺪﻫﻢ ﻭﻳُﺮﺑّﻴﻬﻢ ﺑﺸﻤﺲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ.. ﻭﻗﻄﺐ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺣﻠﻘﺔِ ﺫﻛﺮٍ ﺗﺮﻛّﺒﺖ ﻣﻦ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﺧﻴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍلأﺑﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺘﻔﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻤﺘﻪ، ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﻬﺎ.. ﻭﺷﺠﺮﺓ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻋﺮﻭﻗُﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ﻫﻲ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺑﺄﺳﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻭﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﺨَﻀِﺮﺓ ﺍﻟﻄﺮﻳﺔ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻴّﺮﺓ ﻫﻲ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﻤﻌﺎﺭﻓﻬﻢ ﺍلإﻟﻬﺎﻣﻴﺔ. ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺩﻋﻮﻯ ﻳﺪّﻋﻴﻬﺎ ﺇلا ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺗﻬﻢ، ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺑﻜﺮﺍﻣﺎﺗﻬﻢ؛ ﻓﻜﺄﻥّ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺩﻋﻮﻯً ﻣﻦ ﺩﻋﺎﻭﻳﻪ ﺧﻮﺍﺗﻢَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻗﺎﻝ: «لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ» ﻭﺍﺩّﻋﻰ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻧﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔّﻴﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﻴﻦ -ﺃﻱْ ﺷﻤﻮﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻧﺠﻮﻣﻪ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺬﻛﺮ- ﻋﻴﻦَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ، ﻓﻴﻜﺮﺭﻭﻧﻬﺎ ﻭﻳﺘﻔﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻣﻊ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﻣﺴﺎﻟﻜﻬﻢ ﻭﺗﺒﺎﻳﻦ ﻣﺸﺎﺭﺑﻬﻢ. ﻓﻜﺄﻧّﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺑﺎلإﺟﻤﺎﻉ: «ﺻﺪﻗﺖَ ﻭﺑﺎﻟﺤﻖ ﻧﻄﻘﺖ». ﻓﺄﻧَّﻰ ﻟﻮﻫﻢٍ ﺃﻥ ﻳَﻤﺪَّ ﻳﺪﻩ ﻟﺮﺩِّ ﺩﻋﻮﻯً ﺗﺄﻳّﺪﺕْ ﺑﺸﻬﺎﺩﺍﺕِ ﻣَﻦ لا ﻳُﺤَﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺰﻛّﻴﻬﻢ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗُﻬﻢ ﻭﻛﺮﺍﻣﺎﺗُﻬﻢ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒُﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻝَّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺃﺭﺷﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﻟﻴﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﻳﺘﺄﻳﺪ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺣَﻴﻪ ﻧﺒﻮﺓً ﻭﻭلاﻳﺔً ﻣﻦ ﺍلإﺟﻤﺎﻉ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺗﺮ.. ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺼﺪّﻗُﻪ ﻣﺌﺎﺕُ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﺸﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻭﺍلإﻧﺠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺰﺑﻮﺭ ﻭﺯُﺑُﺮِ ﺍلأﻭﻟﻴﻦ.. (حاشية) ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﺨﺮﺝ «ﺣﺴﻴﻦ ﺍﻟﺠﺴﺮ» ﻣﺎﺋﺔ ﻭﺃﺭﺑﻊ ﻋﺸﺮﺓ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺑﻄﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻭﺿﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ  ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﻳﺔ. ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺍﺕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺻﺮﺍﺣﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻗﺒﻠﻪ. ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗُﺼﺪِّﻗﻪ ﺭﻣﻮﺯ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلإﺭﻫﺎﺻﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ، ﻭﻛﺬﺍ ﺗﺼﺪﻗﻪ ﺩلالاﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺷﻖ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻧﺒﻌﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺍلأﺻﺎﺑﻊ ﻛﺎﻟﻜﻮﺛﺮ، ﻭﻣﺠﻲﺀ ﺍﻟﺸﺠﺮ ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ، ﻭﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻓﻲ ﺁﻥ ﺩﻋﺎﺋﻪ، ﻭﺷﺒﻊ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ، ﻭﺗﻜﻠّﻢ ﺍﻟﻀﺐ ﻭﺍﻟﺬﺋﺐ ﻭﺍﻟﻈﺒﻲ ﻭﺍﻟﺠﻤﻞ ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ… ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻒٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺍﺓ ﻭﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺗﺼﺪﻗﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﺴﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ.

ﻭﺍﻋﻠﻢْ ﺃﻧّﻪ ﻛﻤﺎ ﺗُﺼﺪِّﻗﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﺍلآﻓﺎﻗﻴﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﻓﺘﺼﺪﻗّﻪ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﺍلأﻧﻔﺴﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺧـلاﻕ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﺎلاﺗﻔﺎﻕ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺟﻤﻊُ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﺃﻓﺎﺿﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺴﺠﺎﻳﺎ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺼﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﺰﻳﻬﺔ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﺓ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﻗﻮﺓ ﺯﻫﺪﻩ ﻭﻗﻮﺓ ﺗﻘﻮﺍﻩ ﻭﻗﻮﺓ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻛﻤﺎﻝ ﻭﺛﻮﻗﻪ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺳﻴﺮﻩ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺟﺪّﻳﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻣﺘﺎﻧﺘﻪ، ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﺓ ﺃﻣﻨﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﻗﻮﺓ ﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻪ.. ﺗُﺼﺪِّﻗﻪ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﻯ ﺗﻤﺴُّﻜﻪ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﻟﻠﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺰﻣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻧﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻛﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖَ ﻓﺘﻌﺎﻝَ ﻧﺬﻫﺐْ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﻭﻋﺼﺮ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻟﻨﺤﻈﻰ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ صلى الله عليه وسلم -ﻭﻟﻮ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻝ- ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﻳﻌﻤﻞ. ﻓﺎﻓﺘﺢْ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻭﺍﻧﻈﺮ، ﻓﺈﻥّ ﺃﻭﻝَ ﻣﺎ ﻳﺘﻈﺎﻫﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ: ﺷﺨﺺ ﺧﺎﺭﻕ، ﻟﻪ ﺣﺴﻦُ ﺻﻮﺭﺓ ﻓﺎﺋﻘﺔ، ﻓﻲ ﺣُﺴﻦ ﺳﻴﺮﺓ ﺭﺍﺋﻘﺔ. ﻓﻬﺎ ﻫﻮ ﺁﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻣﻌﺠِﺰﺍ ﻛﺮﻳﻤﺎ، ﻭﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺧﻄﺎﺑﺎ ﻣﻮﺟﺰﺍ ﺣﻜﻴﻤﺎ، ﻳﺒﻠّﻎ ﺧﻄﺒﺔً ﺃﺯﻟﻴﺔً ﻭﻳﺘﻠﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ، ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ، ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ.

ﻓﻴﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ! ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ؟.. ﻧﻌﻢ، ﺇﻧّﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﺃﻣﺮٍ ﺟﺴﻴﻢ، ﻭﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﺒﺄٍ ﻋﻈﻴﻢ، ﺇﺫ ﻳﺸﺮﺡ ﻭﻳﺤﻞ ﺍﻟﻠﻐﺰ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻓﻲ ﺳﺮِّ ﺧِﻠْﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﻄﻠﺴﻢ ﺍﻟﻤﻐﻠﻖ ﻓﻲ ﺳﺮِّ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﻳﻮﺿِّﺢ ﻭﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺷَﻐﻠﺖ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝَ ﻭﺃﻭﻗﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺮﺓ، ﺇﺫ ﻫﻲ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳَﺴﺄﻝ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻞُّ ﻣﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻫﻲ: ﻣَﻦ ﺃﻧﺖَ؟ ﻭﻣِﻦ ﺃﻳﻦ؟ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ؟.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺿﻴﺎﺀً ﻧﻮّﺍﺭﺍ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻧﻮﺭﺍ ﻣﻀﻴﺌﺎ، ﺣﺘﻰ ﺻﻴَّﺮ ﻟﻴﻞَ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻧﻬﺎﺭﺍ ﻭﺷﺘﺎﺀﻩ ﺭﺑﻴﻌﺎ؛ ﻓﻜﺄﻥّ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺗﺒﺪَّﻝ ﺷﻜﻠُﻬﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺿﺎﺣﻜﺎ ﻣﺴﺮﻭﺭﺍ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﺒﻮﺳﺎ ﻗﻤﻄﺮﻳﺮﺍ.. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻧﻈﺮﺕَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺧﺎﺭﺝَ ﻧﻮﺭ ﺇﺭﺷﺎﺩﻩ؛ ﺗﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﺄﺗﻤﺎ ﻋﻤﻮﻣﻴﺎ، ﻭﺗﺮﻯ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻬﺎ ﻛﺎلأﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﻭﺍلأﻋﺪﺍﺀ، لا ﻳﻌﺮﻑ ﺑﻌﺾ ﺑﻌﻀﺎ، ﺑﻞ ﻳﻌﺎﺩﻳﻪ، ﻭﺗﺮﻯ ﺟﺎﻣﺪﺍﺗﻬﺎ ﺟﻨﺎﺋﺰ ﺩﻫّﺎﺷﺔ، ﻭﺗﺮﻯ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﻧﺎﺳﻴّﻬﺎ ﺃﻳﺘﺎﻣﺎ ﺑﺎﻛﻴﻦ ﺗﺤﺖ ﺿﺮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.

ﻓﻬﺬﻩ ﻫﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻋﻨﺪ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻧﻮﺭﻩ. ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺍلآﻥ ﺑﻨﻮﺭﻩ، ﻭﺑﻤﺮﺻﺎﺩ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ. ﻛﻴﻒ ﺗﺮﺍﻫﺎ؟.. ﻓﺎﻧﻈﺮ! ﻗﺪ ﺗﺒﺪّﻝ ﺷﻜﻞُ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﺘﺤﻮّﻝ ﺑﻴﺖُ ﺍﻟﻤﺄﺗﻢ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪٍ ﻟﻠﺬﻛﺮِ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻣﺠﻠﺲٍ ﻟﻠﺠﺬﺑﺔ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ، ﻭﺗﺤﻮّﻝ ﺍلأﻋﺪﺍﺀُ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺒﺎﺏٍ ﻭﺇﺧﻮﺍﻥٍ، ﻭﺗﺤﻮّﻝ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﺪﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺍ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎ ﺣﻴّﺎ ﻣﺆﻧﺴﺎ ﻣﺄﻣﻮﺭﺍ ﻣﺴﺨَّﺮﺍ ﺗﺎﻟﻴﺎ ﻟﺴﺎﻥُ ﺣﺎﻟﻪ ﺁﻳﺎﺕِ ﺧﺎﻟﻘﻪ، ﻭﺗﺤﻮّﻝ ﺫﻭﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻨﻬﺎ (ﺍلأﻳﺘﺎﻡ ﺍﻟﺒﺎﻛﻮﻥ ﺍﻟﺸﺎﻛﻮﻥ) ﺫﺍﻛﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗﻬﻢ، ﺷﺎﻛﺮﻳﻦ ﻟﺘﺴﺮﻳﺤﻬﻢ ﻋﻦ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻮّﻟﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺣﺮﻛﺎﺕُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺗﻨﻮﻋﺎﺗُﻬﺎ ﻭﺗﻐﻴﺮﺍﺗُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻫﺔ ﻭﻣﻠﻌﺒﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﺤﺎﺋﻒ ﺁﻳﺎﺕٍ ﺗﻜﻮﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺇﻟﻬﻴﺔ. ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻗّﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢُ ﻭﺻﺎﺭ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ.

ﻭﺍﻧﻈﺮْ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻗَّﻰ ﻣﻦ ﺣﻀﻴﺾ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮﻯ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺠﺰﻩ ﻭﻓﻘﺮﻩ ﻭﺑﻌﻘﻠﻪ ﺍﻟﻨﺎﻗﻞ لأﺣﺰﺍﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﻣﺨﺎﻭﻑ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺗﺮﻗّﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺝ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﺑﺘﻨﻮّﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ. ﻓﺎﻧﻈﺮْ ﻛﻴﻒ ﺻﺎﺭﺕْ ﺃﺳﺒﺎﺏُ ﺳﻘﻮﻃﻪ -ﻣﻦ ﻋﺠﺰ ﻭﻓﻘﺮ ﻭﻋﻘﻞ- ﺃﺳﺒﺎﺏَ ﺻﻌﻮﺩﻩ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻨﻮّﺭﻫﺎ ﺑﻨﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ.

ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻟﺴﻘﻄﺖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻌﺪﻡ؛ لا ﻗﻴﻤﺔ ﻭلا ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻬﺎ. ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﺍﻟﻔﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮِّﻑ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ، ﻓﺈﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻓـلا ﺗﻜﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﺇﺫ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻨﺎ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻣَﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺮﺍﻩ ﻗﺪ ﺻﺎﺭ ﺷﻤﺴﺎ ﻟﻠﻜﻮﻥ، ﻛﺎﺷﻔﺎ ﺑﺪﻳﻨﻪ ﻋﻦ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ؟ ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ؟.

ﻗﻴﻞ ﻟﻚ: ﺍﻧﻈﺮ ﻭﺍﺳﺘﻤﻊْ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ: ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﻭﻳﺒﺸّﺮ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ، ﻭﻳﻌﻠﻨﻬﺎ ﻭﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻮ ﺩلاﻝ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﻧَﻈَّﺎﺭُﻫﺎ، ﻭﻛﺸّﺎﻑُ ﻣﺨﻔﻴّﺎﺕ ﻛﻨﻮﺯ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﻌﺮِّﻓُﻬﺎ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ «ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ»؛ ﺗَﺮﻩُ ﺑﺮﻫﺎﻥَ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺳﺮﺍﺝَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺷﻤﺲ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ «ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ»؛ ﺗَﺮَﻩُ ﻣﺜﺎﻝَ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺗﻤﺜﺎﻝَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺷﺮﻑَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻧﻮﺭَ ﺃﺯﻫﺮِ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ.

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ! ﻛﻴﻒ ﺃﺣﺎﻁ ﻧﻮﺭُﻩُ ﻭﺩﻳﻨُﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮﻕ ﻭﺍﻟﻐﺮﺏ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺒﺮﻕ ﺍﻟﺸﺎﺭﻕ، ﻭﻗﺪ ﻗَﺒِﻞ ﺑﺈﺫﻋﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﺮُﺏ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﺧُﻤﺲ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻫﺪﻳﺔَ ﻫﺪﺍﻳﺘﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗُﻔﺪﻱ ﻟﻬﺎ ﺃﺭﻭﺍﺣَﻬﺎ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻗﺸﺎ ﺑـلا ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ ﻓﻲ ﻣﺪّﻋﻴﺎﺕ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ، لاﺳﻴّﻤﺎ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﻯً ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﻛﻞ ﻣﺪّﻋﻴﺎﺗﻪ، ﻭﻫﻮ: «لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ» ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﺮﺍﺗﺒﻬﺎ؟..

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖَ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﻥّ ﻣﺎ ﻳﺤﺮّﻛﻪ ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻮ ﻗﻮﺓ ﻗﺪﺳﻴﺔ، ﻓﺎﻧﻈﺮْ ﺇﻟﻰ ﺇﺟﺮﺍﺁﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ. ﺃلا ﺗﺮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻗﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ، ﺍﻟﻤﺘﻌﺼﺒﻴﻦ ﻟﻌﺎﺩﺍﺗﻬﻢ، ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﻢ ﻭﺧﺼﺎﻣﻬﻢ، ﻛﻴﻒ ﺭﻓﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﺧـلاﻗﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻴﺔ ﻭﻗﻠﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻗﻠﻴﻞ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ؟ ﻭﺟﻬّﺰﻫﻢ ﺑﺄﺧـلاﻕ ﺣﺴﻨﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ؛ ﻓﺼﻴّﺮﻫﻢ ﻣﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﺃﺳﺎﺗﻴﺬ ﺍلأﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﻤﺪﻧﺔ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ، ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻠﻄﻨﺘُﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻘﻂ؛ ﺑﻞ ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﻔﺘﺢ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻭﻳﺴﺨِّﺮ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ، ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭ ﻣﺤﺒﻮﺏَ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﻣﻌﻠّﻢَ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﻣﺮﺑﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ

ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥّ ﺭﻓﻊَ ﻋﺎﺩﺓٍ ﺻﻐﻴﺮﺓ -ﻛﺎﻟﺘﺪﺧﻴﻦ ﻣﺜـلا- ﻣﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻗﺪ ﻳَﻌْﺴَﺮُ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻛﻢ ﻋﻈﻴﻢ، ﺑﻬﻤّﺔٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻣﻊ ﺃﻧّﺎ ﻧﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﺭَﻓَﻊَ -ﺑﺎﻟﻜﻠّﻴﺔ- ﻋﺎﺩﺍﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻣﻦ ﺃﻗﻮﺍﻡ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﺘﻌﺼﺒﻴﻦ ﻟﻌﺎﺩﺍﺗﻬﻢ، ﻣﻌﺎﻧﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺣﺴﻴّﺎﺗﻬﻢ.. ﺭﻓﻌﻬﺎ ﺑﻘﻮﺓٍ ﺟﺰﺋﻴﺔ، ﻭﻫﻤّﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻗﺼﻴﺮ، ﻭﻏَﺮَﺱَ ﺑﺪَﻟَﻬﺎ ﺑﺮﺳﻮﺥ ﺗﺎﻡ ﻓﻲ ﺳﺠﻴﺘﻬﻢ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺧﺼﺎﺋﻞَ ﻏﺎﻟﻴﺔ. ﻓﻴﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺇﺟﺮﺍﺁﺗﻪ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ ﺃﻟﻮﻑَ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ، ﻓﻤَﻦ ﻟﻢ ﻳَﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﻧُﺪﺧﻞْ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﻭﻧﺘﺤﺪﺍﻩ. ﻓﻠﻴﺠﺮّﺏْ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻴﻬﺎ. ﻓﻠﻴﺄﺧﺬﻭﺍ ﻣﺎﺋﺔً ﻣﻦ ﻓـلاﺳﻔﺘﻬﻢ ﻭﻟﻴﺬﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭَﻟﻴﻌﻤﻠﻮﺍ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻫﻞ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻠﻮﺍ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺰﺀ ﻣﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ صلى الله عليه وسلم  ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ؟!

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ

ﺍﻋﻠﻢ -ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺭﻓﺎ ﺑﺴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ- ﺃﻧّﻪ لا ﻳﺘﻴﺴّﺮ ﻟﻌﺎﻗﻞ ﺃﻥ ﻳﺪَّﻋﻲ -ﻓﻲ ﺩﻋﻮﻯً ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮﺓ- ﻛﺬﺑﺎ ﻳﺨﺠﻞ ﺑﻈﻬﻮﺭﻩ، ﻭﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺑـلا ﺣﺮﺝ ﻭﺑـلا ﺗﺮﺩﺩ ﻭﺑـلا ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﻠﺘﻪ، ﻭﺑـلا ﺗﺼﻨﻊ ﻭﺗﻬﻴﺞ ﻳُﻮﻣِﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻛﺬﺑﻪ، ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﺍﻟﻨﻘّﺎﺩﺓ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺷﺨﺼﺎ ﺻﻐﻴﺮﺍ، ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﺣﻘﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻘﻴﺮﺓ. ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺨـلاﻑ ﻓﻲ ﻣﺪَّﻋﻴﺎﺕ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻮﻇﻒ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻲ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﺑﺤﻴﺜﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻣﻊ ﺃﻧّﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻓﻲ ﺩﻋﻮﻯً ﻋﻈﻴﻤﺔ؟

ﻭﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺑـلا ﻣﺒﺎلاﺓ ﺑﻤﻌﺘﺮﺽ، ﻭﺑـلا ﺗﺮﺩّﺩ ﻭﺑـلا ﺗﺤﺮﺝ ﻭﺑـلا ﺗﺨﻮّﻑ ﻭﺑـلا ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ، ﻭﺑﺼﻔﻮﺓ ﺻﻤﻴﻤﻴﺔ، ﻭﺑﺠﺪّﻳﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ، ﻭﺑﻄﺮﺯ ﻳﺜﻴﺮ ﺃﻋﺼﺎﺏ ﺧﺼﻮﻣﻪ، ﺑﺘﺰﻳﻴﻒ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﻛﺴﺮ ﻋﺰﺗﻬﻢ، ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻮﻱّ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ؟ ﻛـلا! ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻏْﻨﻰ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳَﺪﻟَّﺲَ، ﻭﻧﻈﺮُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳُﺪﻟّﺲَ ﻋﻠﻴﻪ.. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻣﺴﻠﻜﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﺴﺘﻐﻦٍ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﺲ، ﻭﻧﻈﺮَﻩ ﺍﻟﻨﻔّﺎﺫ ﻣﻨﺰّﻩ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝُ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ..

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ

ﺍﻧﻈﺮ ﻭﺍﺳﺘﻤﻊْ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ! ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺟﺎﺫﺑﺔ ﻟﻠﻘﻠﻮﺏ، ﺟﺎﻟﺒﺔ ﻟﻠﻌﻘﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ؛ ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥّ ﺷﻮﻕ ﻛﺸﻒ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻗﺪ ﺳﺎﻕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺣﺐ ﺍلاﺳﺘﻄـلاﻉ ﻭﺍﻟﻠﻬﻔﺔ ﻭﺍلاﻫﺘﻤﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﻓﺪﺍﺀ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ. ﺃلا ﺗﺮﻯ ﺃﻧّﻪ ﻟﻮ ﻗﻴﻞ ﻟﻚ: ﺇﻥ ﻓﺪﻳﺖَ ﻧﺼﻒَ ﻋﻤﺮﻙ، ﺃﻭ ﻧﺼﻒَ ﻣﺎﻟﻚ؛ ﻟﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻱ ﺷﺨﺺ ﻳﺨﺒﺮﻙ ﺑﻐﺮﺍﺋﺐ ﺃﺣﻮﺍﻟﻬﻤﺎ، ﻭﻳﺨﺒﺮﻙ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻳﺎﻣﻚ؟ ﺃﻇﻨﻚ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﺎﻟﻔﺪﺍﺀ. ﻓﻴﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ! ﺗﺮﺿﻰ ﻟﺪﻓﻊ ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻬﻒ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻨﺼﻒ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻭلا ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻭﻳﺼﺪِّﻗﻪ ﺇﺟﻤﺎﻉُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻭﺗﻮﺍﺗﺮ ﺃﻫﻞ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺹ ﻣﻦ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ! ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﺆﻭﻥ ﺳﻠﻄﺎﻥٍ، ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﺇلا ﻛﺬﺑﺎﺏ ﻳﻄﻴﺮ ﺣﻮﻝ ﻓﺮﺍﺵ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺤﻮﻡ ﺣﻮﻝ ﺳﺮﺍﺝ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻟﻮﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﺮﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻟﻮﻑِ ﻣﻨﺎﺯﻟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﺪَّﻩ ﻟﻀﻴﻮﻓﻪ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻳﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢٍ ﻫﻮ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﻭﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺐ، ﻭﻋﻦ ﺍﻧﻘـلاﺏ ﻋﺠﻴﺐ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﺍﻧﻔﻠﻘﺖ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﻄﺎﻳﺮﺕ ﺟﺒﺎﻟُﻬﺎ ﻛﺎﻟﺴﺤﺎﺏ ﻣﺎ ﺳﺎﻭﺕ ﻋُﺸﺮَ ﻣِﻌْﺸﺎﺭِ ﻏﺮﺍﺋﺐ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﻘـلاﺏ. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ:

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ ﻭ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ ﻭ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ ﻭ﴿الْقَارِعَةُ﴾.

ﻭﻛﺬﺍ ﻳﺨﺒﺮ ﺑﺼﺪﻕ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﺇلا ﻛﻘﻄﺮﺓ ﺳﺮﺍﺏ ﺑـلا ﻃﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮ ﺑـلا ﺳﺎﺣﻞ. ﻭﻛﺬﺍ ﻳﺒﺸّﺮ ﻋﻦ ﺷﻬﻮﺩ ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺇلا ﻛﺒﺮﻕٍ ﺯﺍﺋﻞٍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ

ﺇﻥّ ﺗﺤﺖ ﺣﺠﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ -ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻭﺍلأﺳﺮﺍﺭ- ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﺃﻣﻮﺭ ﺃﻋﺠﺐ. ﻭلاﺑﺪَّ ﻟـلإﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﻣﻦ ﺷﺨﺺٍ ﻋﺠﻴﺐٍ ﺧﺎﺭﻕٍ ﻳُﺴﺘَﺸﻒّ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﺃﻧّﻪ ﻳﺸﺎﻫِﺪ ﺛﻢ ﻳَﺸﻬﺪ، ﻭﻳﺒﺼﺮ ﺛﻢ ﻳُﺨﺒﺮ.

ﻧﻌﻢ، ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻩ ﺃﻧّﻪ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﺛﻢ ﻳﺸﻬَﺪ ﻓﻴُﻨﺬﺭ ﻭﻳﺒﺸﺮ. ﻭﻛﺬﺍ ﻳُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﻣﺮﺿﻴﺎﺕ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ -ﺍﻟﺬﻱ ﻏﻤﺮﻧﺎ ﺑﻨﻌﻤﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ- ﻭﻣﻄﺎﻟﺒﻪ ﻣﻨﺎ ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﻓﻴﺎ ﺣﺴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ! ﻭﻳﺎ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ! ﻭﻳﺎ ﻋﺠﺒﺎ ﻣﻦ ﺑـلاﻫﺔ ﺃﻛﺜﺮِ ﺍﻟﻨّﺎﺱ! ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺎﻣَﻮﺍ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺼﺎﻣّﻮﺍ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟ لا ﻳﻬﺘﻤﻮﻥ ﺑﻜـلاﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻣﻊ ﺃﻥّ ﻣﻦ ﺷَﺄْﻥِ ﻣِﺜﻠﻪِ ﺃﻥ ﺗُﻔْﺪﻯ ﻟﻪ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻳُﺴﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺘﺮﻙ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ

ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩ ﻟﻨﺎ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺸﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻧﺎﻃﻖ ﺻﺎﺩﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺩﻟﻴﻞ ﺣﻖ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺣﻘﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻗﺎﻃﻊ ﻭﺩﻟﻴﻞ ﺳﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ؛ ﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ ﻭﺑﻬﺪﺍﻳﺘﻪ ﺳﺒﺐ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﻭﺻﻮﻟﻬﺎ، ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺪﻋﺎﺋﻪ ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﺳﺒﺐ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ. ﻭﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻧﻜﺮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻣﺒﺤﺚ ﺍﻟﺤﺸﺮ. (حاشية) ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ، ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ.

ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﻧﻈﺮْ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻭِﺳْﻌَﺘِﻬﺎ ﺻﻴّﺮﺕْ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺑﻞ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺼﻠﻴﻦ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ.. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮْ ﺃﻧّﻪ ﻳﺼﻠﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻛﺄﻧّﻪ ﻫﻮ ﺇﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﻣﺤﺮﺍﺏ ﻋﺼﺮﻩ ﻭﺍﺻﻄَﻒَّ ﺧﻠﻔَﻪ، ﻣﻘﺘﺪﻳﻦ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻓﺎﺿﻞ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ، ﻣﻦ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍلأﻋﺼﺎﺭ ﻣﺆﺗﻤﻴّﻦ ﺑﻪ ﻭﻣﺆﻣِّﻨﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺩﻋﺎﺋﻪ. ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.. ﻓﻬﺎ ﻫﻮ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﺤﺎﺟﺔٍ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺸﺘﺮﻙ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ: ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺭﺑﻨﺎ ﺗﻘﺒّﻞ ﺩﻋﺎﺀﻩ؛ ﻓﻨﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻞ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺠﻠّﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻚ ﻧﻄﻠﺐ ﺣﺼﻮﻝَ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ ﻫﻮ.. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻃﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﻃﺮﺯ ﺗﻀﺮﻋﺎﺗﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻀﺮﻉ؛ ﺑﺎﻓﺘﻘﺎﺭ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻲ ﺍﺷﺘﻴﺎﻕ ﺷﺪﻳﺪ، ﻭﺑﺤﺰﻥ ﻋﻤﻴﻖ، ﻓﻲ ﻣﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻬﻴّﺞ ﺑﻜﺎﺀ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻴﺒﻜﻴﻬﺎ ﻓﻴُﺸﺮﻛﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻪ. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ لأﻱْ ﻣﻘﺼﺪ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﻳﺘﻀﺮﻉ؟ ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻤﻘﺼﺪ ﻟﻮلا ﺣﺼﻮﻝ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﻟﺴﻘﻂ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺑﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ لا ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﻣﻌﻨﻰ. ﻭﺑﻤﻄﻠﻮﺑﻪ ﺗﺘﺮﻗّﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﻛﻤﺎلاﺗﻬﺎ..

ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮْ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻀﺮﻉ ﺑﺎﺳﺘﻤﺪﺍﺩ ﻣﺪﻳﺪ، ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺙ ﺷﺪﻳﺪ، ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺮﺣﺎﻡ ﺑﺘﻮﺩﺩ ﺣﺰﻳﻦ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﺴﻤﻊ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻭﻳﻬﻴّﺞ ﻭَﺟْﺪﻫﺎ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﻌﺮﺵَ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻳﻘﻮﻝ: ﺁﻣﻴﻦ ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺁﻣﻴﻦ.. ﺛﻢ ﺍﻧﻈﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﺴﺆﻟَﻪ؛ ﻧﻌﻢ، ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳَﺴﻤَﻊ ﺃﺧﻔﻰ ﺩﻋﺎﺀ ﻣﻦ ﺃﺧﻔﻰ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﺃﺧﻔﻰ ﺣﺎﺟﺔ؛ ﺇﺫ ﻳﺠﻴﺒﻪ ﺑﻘﻀﺎﺀ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ، ﻭﻛﺬﺍ ﻳﺒﺼﺮ ﺃﺩﻧﻰ ﺃﻣَﻞٍ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﻏﺎﻳﺔٍ، ﺇﺫ ﻳﻮﺻﻠﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻳﺤﺘﺴﺐ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ، ﻭﻳﻜﺮﻡ ﻭﻳﺮﺣﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺣﻜﻴﻤﺔ، ﻭﺑﻄﺮﺯ ﻣﻨﺘﻈﻢ. لا ﻳﺒﻘﻰ ﺭﻳﺐ ﻓﻲ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻤﻴﻊ ﻋﻠﻴﻢ ﻭﻣﻦ ﺑﺼﻴﺮ ﺣﻜﻴﻢ.

   ﺍﻟﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮﺓ

ﻓﻴﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ!.. ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺟَﻤَﻊ ﺧﻠﻔﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻓﺎﺿﻞ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻭﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﺘﻮﺟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻳﺪﻋﻮ ﺩﻋﺎﺀً ﻳﺆَﻣّﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺜﻘـلاﻥ. ﻭﻳُﻌﻠَﻢ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺃﻧّﻪ ﺷﺮﻑُ ﻧﻮﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻓﺮﻳﺪُ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﻓﺨﺮُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ، ﻭﻳﺴﺘﺸﻔﻊ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺑﻞ ﺗﺪﻋﻮ ﻭﺗﻄﻠﺐ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻋﻴﻦَ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺐ ﻫﻮ؛ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ! ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﻄﻠﺐ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ. ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎلا ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻮﺟﺒﺔ لإﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﻤﺘﻮﻗﻒ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﻋﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلآﺧﺮﺓ- ﻭﻛﺬﺍ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺳﻴﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻣﻘﺘﻀﻴﺔ- ﺃﺳﺒﺎﺑﺎ ﻣﻘﺘﻀﻴﺔ ﻟﻬﺎ، ﻟﻜﻔﻰ ﺩﻋﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ لأﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﺭﺑُّﻪ ﻟﻪ ﻭلأﺑﻨﺎﺀ ﺟﻨﺴﻪ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳُﻨﺸﺊ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﺟﻨﺎﻧﺎ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ. ﻓﻜﻤﺎ ﺻﺎﺭﺕ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻔﺘﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟـلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﺻﺎﺭ ﺩﻋﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻔﺘﺢ ﺩﺍﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻟﻠﻤﻜﺎﻓﺂﺕ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﺯﺍﺓ.

ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺬﺍ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻔﺎﺋﻖ، ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑـلا ﻗﺼﻮﺭ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺑـلا ﻗﺒﺢ -ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺃﻧﻄﻖَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑـ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺃﺑﺪﻉ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻥ– ﺃﻥ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﺢ ﺧﺸﻴﻦ، ﻭﻇﻠﻢ ﻣﻮﺣﺶ، ﻭﺗﺸﻮﺵ ﻋﻈﻴﻢ. ﺃﻱْ ﺑﻌﺪﻡ ﻣﺠﻲﺀ ﺍلآﺧﺮﺓ؟ ﺇﺫ ﺳﻤﺎﻉ ﺃﺩﻧﻰ ﺻﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﺩﻧﻰ ﺧﻠﻖ ﻓﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺳﻤﺎﻉ ﺃﺭﻓﻊ ﺻﻮﺕ ﻭﺩﻋﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﺷﺪ ﺣﺎﺟﺔ، ﻭﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻝ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺴﺆﻭﻝ، ﻓﻲ ﺃﺟﻤﻞ ﺃﻣﻞ ﻭﺭﺟﺎﺀ؛ ﻗﺒﺢ ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻠﻪ ﻗﺒﺢ ﻭﻗﺼﻮﺭ لا ﻳﺴﺎﻭﻳﻪ ﻗﺼﻮﺭ، ﺣﺎﺷﺎ ﺛﻢ ﺣﺎﺷﺎ ﻭﻛـلا.. لا ﻳﻘﺒﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩ ﺑـلا ﻗﺼﻮﺭ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﺍﻟﻤﺤﺾ.

ﻓﻴﺎ ﺭﻓﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ، ﺃلا ﻳﻜﻔﻴﻚ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖَ؟ ﻓﺈﻥ ﺃﺭﺩﺕَ ﺍلإﺣﺎﻃﺔ ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ، ﺑﻞ ﻟﻮ ﺑﻘﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﺎ ﺃﺣﻄﻨﺎ ﻭلا ﻣﻠﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺠﺰﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ، ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ ﺇﺟﺮﺍﺁﺗﻪ..

ﻓَﻠْﻨﺮﺟﻊ ﺍﻟﻘﻬﻘﺮﻯ، ﻭﻟْﻨَﻨﻈﺮْ ﻋﺼﺮﺍ ﻋﺼﺮﺍ، ﻛﻴﻒ ﺍﺧﻀﺮَّﺕْ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﺍﺳﺘﻔﺎﺿﺖ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ؟ ﻧﻌﻢ، ﺗﺮﻯ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺪ ﺍﻧﻔﺘﺤﺖْ ﺃﺯﺍﻫﻴﺮُﻩ ﺑﺸﻤﺲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺃﺛﻤﺮ ﻛﻞُّ ﻋﺼﺮ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻭﺃﺑﻲ ﻳﺰﻳﺪ ﺍﻟﺒﺴﻄﺎﻣﻲ ﻭﺍﻟﺠﻨﻴﺪ ﻭﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺍﻟﻜﻴـلاﻧﻲ.. ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﺍﻟﺸﺎﻩ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪ ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﻧﻈﺎﺋﺮﻫﻢ ﺃﻟﻮﻑُ ﺛﻤﺮﺍﺕٍ ﻣﻨﻮﺭﺍﺕٍ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ ﻫﺪﺍﻳﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ. ﻓﻠﻨﺆﺧﺮ ﺗﻔﺼﻴـلاﺕ ﻣﺸﻬﻮﺩﺍﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺭﺟﻮﻋﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ، ﻭﻧﺼﻠِّﻲ ﻭﻧﺴﻠِّﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ، ﺫﻱ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺑﺼﻠﻮﺍﺕ ﻭﺳـلاﻡ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ:

 ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﺃﻧﺰِﻝَ ﻋَﻠَﻴﻪِ ﺍﻟْﻘُﺮﺁﻥُ ﺍﻟْﺤَﻜِﻴﻢُ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺮَّﺣْﻤﻦِ ﺍﻟﺮَّﺣِﻴﻢِ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻌَﺮْﺵِ ﺍﻟْﻌَﻈِﻴﻢِ ﺳَﻴِّﺪِﻧَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺃﻟﻒُ ﺃﻟﻒِ ﺻَـلاﺓٍ ﻭَﺳَـلاﻡٍ ﺑِﻌَﺪَﺩِ ﺃﻧﻔَﺎﺱِ ﺃﻣَّﺘِﻪِ.

 ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﺑَﺸَّﺮَ ﺑِﺮِﺳَﺎﻟَﺘِﻪِ ﺍﻟﺘَّﻮْﺭَﺍﺓُ ﻭَﺍﻟْﺈﻧﺠِﻴﻞُ ﻭَﺍﻟﺰَّﺑُﻮﺭُ ﻭَﺍﻟﺰُّﺑُﺮُ، ﻭَﺑَﺸَّﺮَ ﺑِﻨُﺒُﻮَّﺗِﻪِ ﺍﻟْﺈِﺭْﻫَﺎﺻَﺎﺕُ ﻭَﻫَﻮَﺍﺗِﻒُ ﺍﻟْﺠِﻦِّ ﻭَﻛَﻮَﺍﻫِﻦُ ﺍﻟْﺒَﺸَﺮِ ﻭَﺍﻧﺸَﻖَّ ﺑِﺈِﺷَﺎﺭَﺗِﻪِ ﺍﻟْﻘَﻤَﺮُ.. ﺳَﻴِﺪِﻧَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺃﻟﻒُ ﺃﻟﻒ ﺻَـلاﺓٍ ﻭَﺳَـلاﻡٍ ﺑِﻌَﺪَﺩِ ﺣَﺴَﻨَﺎﺕِ ﺃﻣَّﺘِﻪِ.

 ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦ ﺟَﺎﺀَﺕْ ﻟِﺪَﻋْﻮَﺗِﻪِ ﺍﻟﺸَّﺠَﺮُ، ﻭَﻧَﺰَﻝَ ﺳُﺮﻋَﺔً ﺑِﺪُﻋَﺎﺋِﻪِ ﺍﻟْﻤَﻄَﺮُ، ﻭَﺃﻇَﻠَّﺘﻪُ ﺍﻟْﻐَﻤَﺎﻣَﺔُ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﺤَﺮِّ، ﻭَﺷَﺒَﻊَ ﻣِﻦ ﺻَﺎﻉٍ ﻣِﻦ ﻃَﻌَﺎﻣِﻪِ ﻣِﺂﺕ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﺒَﺸَﺮِ، ﻭَﻧَﺒَﻊَ ﺍﻟْﻤَﺎﺀُ ﻣِﻦ ﺑَﻴﻦِ ﺃﺻَﺎﺑِﻌِﻪِ ﺛَـلاﺙَ ﻣَﺮَّﺍﺕٍ ﻛَﺎﻟْﻜَﻮْﺛَﺮِ، ﻭَﺃﻧﻄَﻖَ ﺍﻟﻠﻪ ﻟَﻪُ ﺍﻟﻀَّﺐَّ ﻭَﺍﻟﻈَّﺒْﻲَ ﻭَﺍﻟﺬِّﺋْﺐَ ﻭَﺍﻟْﺠِﺬْﻉَ ﻭَﺍﻟﺬِّﺭَﺍﻉَ ﻭَﺍﻟْﺠَﻤَﻞَ ﻭَﺍﻟْﺠَﺒَﻞَ ﻭَﺍﻟْﺤَﺠَﺮَ ﻭَﺍﻟْﻤَﺪَﺭَ ﻭَﺍﻟﺸَّﺠَﺮَ.. ﺻَﺎﺣِﺐ ﺍﻟْﻤِﻌْﺮَﺍﺝ ﻭَﻣَﺎ ﺯَﺍﻍَ ﺍﻟْﺒَﺼَﺮ..

 ﺳَﻴِّﺪِﻧَﺎ ﻭَﺷَﻔِﻴﻌِﻨَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﺃﻟﻒُ ﺃﻟﻒِ ﺻَـلاﺓٍ ﻭَﺳَـلاﻡٍ ﺑِﻌَﺪَﺩِ ﻛُﻞِّ ﺍﻟْﺤُﺮُﻭﻑِ ﺍﻟْﻤُﺘَﺸَﻜِّﻠَﺔِ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻜَﻠِﻤَﺎﺕِ ﺍﻟْﻤُﺘَﻤَﺜِّﻠَﺔِ ﺑِﺈِﺫْﻥِ ﺍﻟﺮَّﺣْﻤﻦِ ﻓِﻲ ﻣَﺮَﺍﻳَﺎ ﺗَﻤَﻮُّﺟَﺎﺕِ ﺍﻟْﻬَﻮَﺍﺀِ ﻋِﻨﺪَ ﻗِﺮَﺍﺀَﺓِ ﻛُﻞِّ ﻛَﻠِﻤَﺔٍ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻘُﺮﺁﻥِ ﻣِﻦ ﻛُﻞِّ ﻗَﺎﺭِﺉٍ ﻣِﻦ ﺃﻭَّﻝِ ﺍﻟﻨُّﺰُﻭﻝِ ﺇﻟَﻰ ﺁﺧِﺮِ ﺍﻟﺰَّﻣَﺎﻥِ ﻭَﺍﻏﻔِﺮْ ﻟَﻨَﺎ ﻭَﺍﺭْﺣَﻤﻨَﺎ ﻳَﺎ ﺇِﻟَﻬَﻨَﺎ ﺑِﻜُﻞِّ ﺻَـلاﺓٍ ﻣِﻨﻬَﺎ.. ﺁﻣِﻴﻦَ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮﺓ

ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎﻥ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪُ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ.

ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺛـلاﺙ ﻧﻘﺎﻁ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:188)

   ﻟﻄﻤﺔُ ﺗﺄْﺩﻳﺐ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺍلأﻣَّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ!

     ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ، ﺍﻟﻤﻌﺠﺒﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﺮﺓ، ﺍﻟﻬﺎﺋﻤﺔ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ! ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻐﻮﻳّﺔ!

ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺑُﺬﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻨﺸﺄ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ، ﻭﺍﻟﺴﺎﻕ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪ.. ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺓ ﻭﺍﻟﺴﺎﻕ ﻭﻣﻦ ﻣﻬﺎﺭﺗﻬﻤﺎ ﻟﺰﻡ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻥ ﻳﺒﺪﻱ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻬﻤﺎ! ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﺣﻘﺎ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻚِ -ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ- ﺣﻖ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻟﻤﺎ ﺣُﻤّﻠﺖِ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻌﻢ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺖِ لا ﺗﺴﺘﺤﻘﻴﻦ ﺇلا ﺍﻟﺬﻡ، لأﻧّﻚ ﻟﺴﺖِ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻳﺮﺓ ﻭلا ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﺰﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻱ. ﻓﺘﻨﺘﻘﺼﻴﻦ ﺑﻔﺨﺮﻙِ ﻭﻏﺮﻭﺭﻙِ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﺗﺒﺨﺴﻴﻦ ﺣﻘﻬﺎ، ﻭﺗﺒﻄﻠﻴﻨﻬﺎ ﺑﻜﻔﺮﺍﻧﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ، ﻭﺗﻐﺘﺼﺒﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﻠﻚ. ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻚِ ﺍﻟﻔﺨﺮ، ﺑﻞ ﺍﻟﺸﻜﺮ. ﻭلا ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻚِ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ، ﺑﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀ. ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚِ ﺇلا ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ، ﻭﻣـلاﺯﻣﺔ ﺍﻟﻨﺪﻡ، لا ﺍﻟﻤﺪﺡ، ﻓﻠﻴﺲ ﻛﻤﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔِ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍلاﺳﺘﻬﺪﺍﺀ.

ﻧﻌﻢ، ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺃﻧﺖِ ﻓﻲ ﺟﺴﻤﻲ ﺗﺸﺒﻬﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﺄﻧﺘﻤﺎ (ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ) ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺘﻤﺎ ﻗﺎﺑﻠﻴﻦ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻣﺮﺟﻌَﻴﻦ ﻟﻠﺸﺮ. ﺃﻱْ ﺃﻧﺘﻤﺎ ﻟﺴﺘﻤﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭلا ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻞ ﻭﻣﺤﻞ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﺇلا ﺃﻥّ ﻟﻜﻤﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻮ ﺗﺴﺒﺒﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮ، ﻋﻨﺪ ﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻟﻜﻤﺎ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻗﺒﻮلا ﺣﺴﻨﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻧّﻜﻤﺎ ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺘﻤﺎ ﺳﺘﺎﺭَﻳﻦ، ﻛﻲ ﺗُﺴﻨَﺪ ﺇﻟﻴﻜﻤﺎ ﺍﻟﻤﻔﺎﺳﺪ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﺟﻤﺎﻟُﻬﺎ، ﻟﺘﻜﻮﻧﺎ ﻭﺳﻴﻠﺘﻴﻦ ﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻟﻜﻨﻜﻤﺎ ﻗﺪ ﻟﺒﺴﺘﻤﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﻭﻇﻴﻔﺘﻜﻤﺎ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ، ﺇﺫ ﺗﻘﻠﺒﺎﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮَ ﺇﻟﻰ ﺷﺮ لاﻓﺘﻘﺎﺭﻛﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ، ﻓﻜﺄﻧﻜﻤﺎ ﺗﺸﺎﺭﻛﺎﻥ ﺧﺎﻟﻘﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻌﻞ!

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻈﻠﻢ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! لا ﺗﻘﻮﻟﻲ: ﺇﻧّﻨﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴـلا.. ﻛـلا، ﺇﻧّﻚِ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺜﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻤﺜـلا ﺗﺎﻣﺎ، ﻓـلا ﺗﻜﻮﻧﻴﻦ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻪ ﺑﻞ ﻣﻤﺮﺍ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭلا ﺗﻘﻮﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎ: ﺇﻧّﻨﻲ ﻗﺪ ﺍُﻧﺘُﺨﺒﺖُ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠِّﻬﻢ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻲ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﻟﻲ ﻓﻀـلا ﻭﻣﺰﻳّﺔ! ﻛـلا.. ﻭﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ.. ﺑﻞ ﻗﺪ ﺃﻋﻄﻴﺖِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ لأﻧّﻚِ ﺃﺣﻮﺝُ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﻢ ﺇﻓـلاﺳﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﻢ ﺗﺄﻟﻤﺎ. (حاشية) ﺣﻘﺎ ﺇﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓ، ﺃﻋﺠﺒﺖ ﺃﻳﻤﺎ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺑﺈﻟﺰﺍﻡ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺍلإﻟﺰﺍﻡ ﻓﺒﺎﺭﻛﺘﻪ ﻭﻫﻨﺄﺗﻪ ﻗﺎﺋﻼ: ﺑﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ. ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ

 

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻧﻮﺿﺢ ﺳﺮًﺍ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﺃﺣْﺴَﻦَ ﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺧَﻠَﻘَﻪُ﴾ (ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ:8)

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧّﻪ ﺃﻗﺒﺢُ ﺷﻲﺀ، ﻓﻴﻪ ﺟﻬﺔ ﺣُﺴﻦٍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﺩﺙ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ ﺇلا ﻭﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﺃﻭ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻐﻴﺮﻩ، ﺃﻱْ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻨﺘﺎﺋﺠﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ.. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻗﺒﻴﺤﺔً ﻣﻀﻄﺮﺑﺔً ﻭﻣﺸﻮﺷﺔً، ﺇلا ﺃﻥّ ﺗﺤﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺭﺍﺋﻖ، ﻭﺃﻧﻤﺎﻃﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ ﺩﻗﻴﻘﺔ.

ﻓَﺘَﺤْﺖَ ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻟﻄﻴﻦ ﻭﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﻭﺍلأﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﺑﺮﻭﻋﺘﻬﺎ، ﻭﺗﺤﺘﺠﺐ ﺭﺷﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻬﻴﻔﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺣﺮﺓ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.. ﻭﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺍﻟﺨﺮﻳﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻣﺮﺓ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺤﺔ ﻟـلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻬﺎﺯﺓ ﻟـلأﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﺍلأﻓﻨﺎﻥ، ﺣﺎﻣﻠﺔً ﻧﺬﺭ ﺍﻟﺒﻴﻦ، ﻭﻋﺎﺯﻓﺔً ﻟﺤﻦ ﺍﻟﺸﺠﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍلاﻧﺪﺛﺎﺭ، ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﺍلاﻧﻄـلاﻕ ﻣﻦ ﺃﺳْﺮِ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻔﺘﺢ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻥ ﺗﻔﺘﺢ ﺍلأﺯﻫﺎﺭ، ﻓﺘﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗَﺮّ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﺿﻐﻮﻁ ﻃﻘﺴﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥّ ﺃﻧﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﺗُﻬﻲﺀُ ﺍلأﺭﺽ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻤﻘﺪﻡ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻤﻮﺍﻛﺒﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻔﺘﺤﺎ لأﺯﻫﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﺨﺘﺒﺊُ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﻋﺼﻒ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﺇﺫﺍ ﻋﺼﻔﺖ ﻭﺯﻟﺰﻟﺔ ﺍلأﺭﺽ ﺇﺫﺍ ﺗﺰﻟﺰﻟﺖ، ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﻭﺍلأﻭﺑﺌﺔ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ. ﻓﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ، ﻭﻧﻮﻯ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻨﺒﺖ ﺑﻌﺪُ- ﺗﺘﺴﻨﺒﻞ ﻭﺗﺘﺠﻤﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺗﺒﺪﻭ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺷﺄْﻧﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺇﻥ ﻫﻲ ﺇلا ﺃﻣﻄﺎﺭ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻟﺘﺴﺘﻨﺒﺘﻬﺎ.

ﺑَﻴْﺪَ ﺃﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﻤﺘﺸﺒﺚ ﺑﻬﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﺇلا ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻪ ﻭﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺗﺮﺍﻩ ﺗﺘﻮﺟَّﻪ ﺃﻧﻈﺎﺭُﻩ ﺇﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻴﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﺢ!.. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧّﻪ ﻳﺰﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺤﺴﺐ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮ! ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔُ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓً، ﻓﺎﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺗﻌﺪُّ ﺑﺎلأﻟﻮﻑ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﺫﺍﺕ ﺍلأﺷﻮﺍﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻣﻲ ﻳﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻳﺘﻀﺎﻳﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﺮﺍﻫﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﺿﺎﺭﺍ لا ﺟﺪﻭﻯ ﻣﻨﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍلأﻋﺸﺎﺏ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلأﻫﻤﻴّﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺤﺮﺳﻬﺎ ﻭﺗﺤﻔﻈﻬﺎ ﻣِﻤّﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺴَّﻬﺎ ﺑﺴﻮﺀ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺍﻧﻘﻀﺎﺽ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﻭﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻭﺗﺤﻔﻴﺰﻫﺎ ﻟﻠﻈﻬﻮﺭ لا ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺇلا ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺴَّﺖْ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻕ ﺑﻬﺎ، ﻭﺷﻌﺮﺕ ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠّﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ..

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥّ ﻫﻄﻮﻝ ﺍﻟﺜﻠﻮﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﻤﺮ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻟﺪﻯ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، لأﻧّﻪ ﻳﺤﺮﻣﻪ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻭﻣﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺨُﻀﺮﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺩﺍﻓﺌﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﻠﻮﺓ ﻳﻌﺠﺰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﻭﺻﻔﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻟﺬﺍ ﻳﻈﻦ ﺃﻥّ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍلآﺩﺍﺏ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﺃﻧّﻬﺎ ﻣﺠﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺎ، ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻨﻬﺎ.. ﻓﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻋﻀﻮ ﺗﻨﺎﺳﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﻣﺜـلا- ﻣﺨﺠﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺒﺎﺩﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻣﻊ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺠﻞ ﻣﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ، ﺇلا ﺃﻥّ ﺃﻭْﺟﻬَﻪُ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺃﻱْ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪ لأﺟﻠﻬﺎ، ﻣﻮﺿﻊ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﻭﺗﺪﺑﺮ.. ﻓﻜﻞّ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻭﺟﻪِ ﺍﻟﺘﻲ ﻓُﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺟﻪ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻲ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺎﺭ- ﻣﺤﺾ ﺃﺩﺏٍ لا ﻳُﺨﺪﺵُ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚُ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﻭﻕَ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀَ..

ﺣﺘﻰ ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻨﺒﻊ ﺍلأﺩﺏ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ- ﻳﻀﻢ ﺑﻴﻦ ﺳﻮﺭﻩ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻓﻤﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻗُﺒﺤﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﺍلآلاﻡ ﻭﺍلأﺣﺰﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠِّﻔﻬﺎ ﺑﻌﺾُ ﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﻭﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ لا ﺗﺨﻠﻮ ﺃﻋﻤﺎﻗُﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﺟﻪ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﺧﻴﺮﺓ، ﻭﻏﺎﻳﺎﺕ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﺣِﻜَﻢ ﺧﺒﻴﺌﺔ، ﺗَﺘَﻮﺟّﻪ ﺑﻜﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﻤﺎ ﻗَﺪَّﺭ ﻭﻫَﺪَﻯ ﻭﺃﺭﺍﺩ. ﻓﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﻭ -ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ- ﻣﺸﻮﺷﺔً ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻭﻣﺨﺘﻠﻄﺔ، ﺇﻥ ﺃﻧﻌَﻤْﺖَ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﺍﺧﻠﻬﺎ ﻃَﺎﻟَﻌَﺘْﻚَ -ﻣﻦ ﺧـلاﻟﻬﺎ- ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ، ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

 

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31)

ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻗﻄﻌﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ، ﻳﻠﺰﻡ ﺇﺫﻥ ﺛﺒﻮﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﺑﻘﻄﻌﻴﺔ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ؛ لأﻥّ ﺣُﺴﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﻭﻃﻠﺐ ﺗﺰﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﻭﺃﻥّ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻦ ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ﻣﺤﺒﺔً ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻭﺭﻏﺒﺔً ﻗﺪﺳﻴﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﻭﺃﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎ ﺗﻤﺮﻛﺰﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺃﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻭﺃﺑﺪﻋﻬﺎ، ﺃلا ﻭﻫﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓُ ﺍﻟﻤﺠﻬّﺰﺓ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﺟﻤﻊُ ﺟﺰﺀ ﻭﺃﺑﻌﺪُﻩ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻟﻪ ﻧﻈﺮ ﻋﺎﻡ ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻛﻠﻲ.

ﻓﺎﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﻧﻈﺮ ﻋﺎﻡ، ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻛﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﺣﻀﻮﺭﻩ، ﺫﻟﻚ لأﻧّﻪ ﻳﺼﺮﻑ ﻛﻞ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﻋﻤﻮﻡ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﺒﺪ ﻟﺼﺎﻧﻌﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺷﻜﺮ ﺁلاﺋﻪ ﻭﻧﻌﻤﺎﺋﻪ.. ﻓﺒﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﺍﻟﻤﻘﺮﺏ ﻭﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ.

ﻭﺍلآﻥ ﺗﺸﺎﻫَﺪ ﻟﻮﺣﺘﺎﻥ ﻭﺩﺍﺋﺮﺗﺎﻥ:

ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ: ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻭﻟﻮﺣﺔ ﺻﻨﻌﺔ ﺑﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ.

ﻭﺍلأﺧﺮﻯ: ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻣﻨﻮّﺭﺓ ﻣﺰﻫّﺮﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻟﻮﺣﺔ ﺗﻔﻜﺮ ﻭﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﻭﺷﻜﺮ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﻝ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥّ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻗﻮﺗﻬﺎ ﻟﺤﺴﺎﺑﻬﺎ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻔﻬﻢ ﺑﺪﺍﻫﺔ ﺃﻥّ ﺭﺋﻴﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺪﻡ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺗﻜﻮﻥ ﻋـلاﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎ ﻣﺮﺿﻴﺎ ﻋﻨﺪﻩ.

ﻓﻬﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻘﻞ ﺃلا ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻭلا ﻳﻬﺘﻢ ﺻﺎﻧﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﻣﻨﻌﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻌﻢ، ﺍﻟﻤﺮﺍﻋﻲ ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻓﻮﺍﻩ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞ ﺃلا ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉ ﺍلأﺟﻤﻞِ ﺍلأﻛﻤﻞِ، ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪِ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﺪ، ﻭﺃلا ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﺰّ ﺍﻟﻌﺮﺵَ ﻭﺍﻟﻔﺮﺵَ ﺑﺘﻬﻠﻴـلاﺕ ﺍﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻪ ﻭﺗﻜﺒﻴﺮﺍﺕ ﺗﻘﺪﻳﺮﺍﺗﻪ ﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺻﻨﻌﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ، ﻓﺎﻫﺘﺰّ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻧﺘﺸﺎﺀً ﻣﻦ ﻧﻐﻤﺎﺕ ﺣﻤﺪﻩ ﻭﺷﻜﺮﻩ ﻭﺗﻜﺒﻴﺮﺍﺗﻪ ﻟﻨﻌﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﺘﻮﺟَّﻪ ﺇﻟﻴﻪ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳُﻮﺣﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻜـلاﻣﻪ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮلا؟ ﻭﺃلا ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳَﺴْﺮِﻱ ﺧُﻠُﻘُﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦُ ﻭﺣﺎلاﺗُﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨَﻠْﻖِ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ؟

ﻛـلا  ﺑﻞ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃلا ﻳﻤﻨﺤﻪ ﻛـلاﻣُﻪ ﻭﺃلا ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮلا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ.

﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:19)

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:29)

     ﺃﻧّﺎﺕ ﺑﻜﺎﺀٍ ﻟﻘﻠﺐ ﺁﺱٍ، ﻓَﺠْﺮَ ﺃﻳﺎﻡِ ﺃﺳْﺮٍ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍلاﻏﺘﺮﺍﺏ

ﻧﺴﻴﻢ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻳَﻬُﺐُّ ﻭﻗﺖ ﺍلأﺳﺤﺎﺭ، ﻓﺎﻧﺘﺒﻬﻲ ﻳﺎ ﻋﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴَّﺤَﺮ، ﻭﺍﺳﺄﻟﻲ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔَ، ﻓﺎﻟﺴَّﺤَﺮُ ﻣَﺘَﺎﺑﺔُ ﺍﻟﻤﺬﻧﺒﻴﻦ، ﻓَﻬﺐَّ ﻳﺎ ﻗﻠﺒﻲ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮﺍ ﻟﺪﻯ ﺑﺎﺏِ ﻣﻮلاﻙ.

    ﺳَﺤَﺮْ ﺣَﺸْﺮِﻳﺴْﺖ، ﺩَﺭُﻭ ﻫُﺸْﻴَﺎﺭْ ﺩَﺭْ ﺗَﺴْﺒِﻴﺢْ ﻫَﻤَﻪ ﺷَﻰْ

    ﺑَﺨَﻮﺍﺏِ ﻏَﻔْﻠَﺖْ ﺳَﺮْﺳَﻢْ ﻧَﻔْﺴَﻢْ ﺣَﺘَﻰ ﻛَﻰْ؟

    ﻋُﻤُﺮْ ﻋَﺼْﺮِﻳﺴْﺖ ﺳَﻔَﺮْ ﺑَﺎ ﻗَﺒِﺮْ ﻣِﻰ ﺑَﺎﻳَﺪْ ﺯِ ﻫَﺮْ ﺣَﻰْ

    ﺑِﺒَﺮْﺧِﻴﺰْ ﻧَﻤَﺎﺯِﻯ ﭼُﻮ ﻧِﻴَﺎﺯِﻯ ﮔُﻮ؛ ﺑِﻜُﻦْ ﺁﻭَﺍﺯِﻯ ﭼُﻮﻥْ ﻧَﻰْ

    ﺑِﮕُﻮ: ﻳَﺎﺭَﺏْ! ﭘَﺸِﻴﻤَﺎﻧَﻢْ، ﺧَﺠِﻴﻠَﻢْ، ﺷَﺮْﻣَﺴَﺎﺭَﻡْ ﺍَﺯْ ﮔُﻨَﺎﻩ ﺑِﻰ ﺷُﻤَﺎﺭَﻡْ، ﭘَﺮِﻳﺸَﺎﻧَﻢْ، ﺫَﻟِﻴﻠَﻢْ، ﺍَﺷْﻚ ﺑَﺎﺭَﻡْ ﺍَﺯْ ﺣَﻴَﺎﺕْ ﺑِﻰ ﻗَﺮَﺍﺭَﻡْ، ﻏَﺮِﻳﺒَﻢْ، ﺑِﻰ ﻛَﺴَﻢْ، ﺿَﻌِﻴﻔَﻢْ،

    ﻧَﺎ ﺗُﻮَﺍﻧَﻢْ، ﻋَﻠِﻴﻠَﻢْ، ﻋَﺎﺟِﺰَﻡْ، ﺍِﺧْﺘِﻴَﺎﺭَﻡْ، ﺑِﻰ ﺍِﺧْﺘِﻴَﺎﺭَﻡْ، ﺍَلاﻣَﺎﻥ ﮔُﻮﻳَﻢْ،

    ﻋَﻔﻮ ﺟُﻮﻳَﻢْ، ﻣَﺪَﺩْ ﺧَﻮﺍﻫَﻢْ ﺯِ ﺩَﺭْ ﻛَﺎﻫَﺖْ ﺍِﻟَﻬِﻰ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ (ﺍﻟﻜﻬﻒ:٧-٨)

 ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:32)

   ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ ﻋﺎﻟﻴﻴﻦ ﻭﺫﻳﻞ ﺳﺎﻃﻊ.

    ﺇﻥّ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﺪ ﺑﻬﻴﺞ ﻭﺍﺣﺘﻔﺎﻝ ﻣﻬﻴﺐ ﻭﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ، ﻭﺯﻳّﻨﻬﺎ ﺑﺎلآﺛﺎﺭ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ لأﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺧﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺭﻭﺡ -ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﻛﺒﻴﺮﺍ، ﻋﺎﻟﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﺳﺎﻓـلا-، ﺟﺴﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﺪّﻩ ﻭﻗﺪﺭﻩ، ﻭﺟﻬّﺰﻩ ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻮﺍﻓﻘﻪ ﻟـلاﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍلآلاﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﻭﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﺒﻬﻴﺞ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﺿﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻭﻣﻨﺢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻜﻞ ﺭﻭﺡ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺎ (ﻣﺎﺩﻳﺎ) ﻭﺃﺭﺳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻭﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻥ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺛﻢ ﻗﺴّﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍ ﺯﻣﺎﻧﺎ ﻭﻣﻜﺎﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺼﻮﺭ ﻭﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﻣﻮﺍﺳﻢ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﺎﻡ ﻭﺃﺟﺰﺍﺀ ﺃﻳﺎﻡ، ﺟﺎﻋـلا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ، ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ، ﻣﻦ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ، ﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎ ﺳﺎﻣﻴﺎ ﻭﻋﻴﺪﺍ ﺭﻓﻴﻌﺎ ﻭﺍﺳﺘﻌﺮﺍﺿﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﺫﻭﺍﺕ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﻭﻣﻦ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺳﻄﺢُ ﺍلأﺭﺽ، ﻭلاﺳﻴّﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺍﻟﺼﻴﻒ، ﺟﺎﻋـلا ﺃﻋﻴﺎﺩﺍ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺗﻠﻮ ﺍلآﺧﺮ، ﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺍ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻋﻴﺪﺍ ﺭﺍﺋﻌﺎ ﺟﺬﺍﺑﺎ ﻟَﻔَﺖَ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ  ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻪ، ﻭﺟﻠﺐ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻪ ﺑﻤﺘﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻌﺠﺰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻜﻨﺎﻩ ﻣﺘﻌﺘﻬﺎ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﺳﻢ (ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ) ﻭ(ﺍﻟﻤﺤﻴﻲ) ﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺮﺯ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ (ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ) ﻭ(ﺍﻟﻤﻤﻴﺖ) ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﻫﺬﺍ لا ﻳﻮﺍﻓﻖ -ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ- ﺷﻤﻮﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:156). ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﻬﺎﺕ ﻋﺪﺓ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻬﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ:

ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍلاﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻟﻜﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺤﺼﺎﻝ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺮﺽ، ﻳﺘﻔﻀﻞ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ، ﻓﻴﻤﻨﺤﻬﻢ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﺷﺘﻴﺎﻗﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻣﻴـلا ﺇﻟﻰ ﺍلاﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢٍ ﺁﺧﺮ، ﻭﻳُﺴﺌﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻮﺭ ﻭﺍﻟﺴﺄﻡ ﺭﺣﻤﺔً ﺑﻬﻢ.

ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﺮﺧّﺼﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻳُﺴﺮّﺣﻮﻥ ﻣﻦ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ، ﻳُﻨﺒّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﺭﻏﺒﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﺣﻨﻴﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻃﻨﻬﻢ ﺍلأﺻﻠﻲ. ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻟﺠﻨﺪﻱ ﺑﺴﻴﻂ ﻳُﻘﺘﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﻳﻬﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺸﺎﺓ ﺍلأﺿﺤﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﻣﺎﺩﻳﺎ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻳﻜﺎﻓﺆﻫﺎ ﺑﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻄﻴﺔ ﻛﺎﻟﺒﺮﺍﻕ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﺎﺭﺓ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﺢ ﻟﺬﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺛﻮﺍﺑﺎ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎ ﻳـلاﺋﻤﻬﻢ ﻭﺃﺟﺮﺍ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ، ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻗﺎﺳﻮﺍ ﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻭﻫﻠﻜﻮﺍ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ، ﻭﻋﺎﻧﻮﺍ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺴﺒﺤﺎﻧﻴﺔ. ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺌـلا ﻳﺘﺄﻟﻤﻮﺍ ﺃﻟﻤﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﻟﺪﻯ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺭﺍﺿﻴﻦ ﻣﺮﺿﻴﻴﻦ.. ﻭلا ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ.

ﺑَﻴْﺪَ ﺃﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺷﺮﻑ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻴﺪ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ- ﻳﻮﻫﺐ ﻟﻪ ﺑﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻄﻒ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﻟﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﺗﻨﻔّﺮﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺑﺘﻠﻲ ﺑﻬﺎ، ﻛﻲ ﻳﻌﺒﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺑﺄﻣﺎﻥ. ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﻐﺮﻕ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻓﻴﺮﺣﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻣﻄﻤﺌﻦ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ.

ﻧﺒﻴﻦ ﻫﻨﺎ ﺧﻤﺴﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺭﺙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ:

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻧّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﻈﻬﺮ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ -ﺑﺤﻠﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ- ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻔﺘﺎﻧﺔ، ﻭﻳﻔﻬّﻤﻪ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮﺓ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﺴﺮﻉ ﻟﻠﺘﺤﺮﻱ ﻋﻦ ﻣﻄﻠﻮﺏ ﺑﺎﻕ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﺸﻌﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺷﻮﻗﺎ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺭﺣﻞ ﺗﺴﻊ ﻭﺗﺴﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺘﻪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘﻘﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ، ﻓﺘﺪﻓﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍلأﺟﻞَ ﺑﺴﺮﻭﺭ ﻭﻓﺮﺡ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺪﻓﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺴﺘﺸﻌﺮ ﺿﻌﻔﻪ ﻭﻋﺠﺰﻩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﻴﻦ، ﺳﻮﺍﺀ ﺑﻤﺪﻯ ﺛﻘﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻭ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺭ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﻴﻮﻟﺪ ﻟﺪﻳﻪ ﺭﻏﺒﺔ ﺟﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺷﻮﻗﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻟﻠﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﺎﺭ ﺃﺧﺮﻯ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ -ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻴﺲ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎ ﺑﻞ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻫﺔ ﺑﺌﺮ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺑﻞ ﺑﺎﺏ ﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺒﺎﻫﺠﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺳﺠﻦ ﺿﻴﻖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺴﻌﺔ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺟﻤﺎﻟﻬﺎ. ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥّ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺿﻴﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ، ﻭﺍلاﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﻣﻨﻐﺼﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﺰﻋﺠﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻭﻃﻴﺮﺍﻥ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻭﺍلاﻧﺴـلاﺥ ﻣﻦ ﺿﺠﻴﺞ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺻﺨﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻬﺎﺩﺋﺔ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ﺍﻟﺮﺍﺿﻴﺔ، ﺳﻴﺎﺣﺔ ﺑﻞ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﺑﺄﻟﻒِ ﻓﺪﺍﺀ ﻭﻓﺪﺍﺀ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﺇﻧّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﻔﻬّﻢ ﺍﻟﻤﻨﺼﺖَ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻳﻌﻠّﻤﻪ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺪﻭ ﻋﺸﻘﻬﺎ ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺗﺎﻓﻬﺎ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ.. ﺃﻱْ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﻭﻳُﺜﺒﺖ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﺻﻤﺪﺍﻧﻲ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﻟـلأﻧﻈﺎﺭ، ﺣﺮﻭﻓﻪ ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻪ لا ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻔﺴَﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺕ ﺑﺎﺭﺋﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻟﻬﺬﺍ، ﺍﻓﻬﻢ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭﺧﺬ ﺑﻬﺎ، ﻭﺩَﻉ ﻋﻨﻚ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺍﻣﺾِ ﺇﻟﻰ ﺷﺎﻧﻚ..

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻟﻶ ﺧﺮﺓ، ﻓﺎﺯﺭﻉ ﻭﺍﺟﻦِ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﺍﺣﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ، ﻭﺃﻫﻤﻞ ﻗﺬﺍﺭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ.. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ، ﻓﺘﻌﺮّﻑ ﺇﻟﻰ ﻣَﻦ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﺎﻳﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭﻩ، ﻭﺃﺩﺭﻙ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺍﺣﺒﺐ ﻣﺴﻤّﺎﻫﺎ، ﻭﺍﻗﻄﻊ ﻋـلاﻗﺘﻚ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﺍﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻜﺴﺮ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ..

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺳﻴّﺎﺭ، ﻓﻘﻢ ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻣﻨﻚ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻠﻬﺚَ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻫﻤﻠﺘﻚ ﻭﺟﺎﻭﺯﺗﻚ، ﻓﺘﺘﻌﺐ..

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺘﻨﺰﻩ ﻣﺆﻗﺖ ﻓﺎﺳﺮﺡ ﺑﺒﺼﺮﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﻌﺒﺮﺓ، ﻭﺩﻗﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻤﺘﺴﺘﺮ، ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ، ﻭﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﺍﻟﺪﻣﻴﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭلا ﺗﺒﻚ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺴﺪﺍﻝ ﺍﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ..

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺩﺍﺭ ﺿﻴﺎﻓﺔ، ﻭﺃﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﻴﻒ ﻣﻜﺮﻡ، ﻓﻜُﻞْ ﻭﺍﺷﺮﺏْ ﺑﺈﺫﻥِ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﻡ، ﻭﻗﺪّﻡ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﻜﺮ، ﻭلا ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺇلا ﻭﻓﻖ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﺣﺪﻭﺩﻩ، ﻭﺍﺭﺣﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺋﻚ.. ﻭﺇﻳّﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﺑﻔﻀﻮﻝ ﺑﺄﻣﻮﺭ لا ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻚ ﻭلا ﺗﻔﻴﺪﻙ ﺑﺸﻲﺀ، ﻓـلا ﺗﻐﺮﻕ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺸﺆﻭﻧﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺎﺭﻗﻚ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻳﺨﻔﻒ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺁلاﻡ ﻓﺮﺍﻕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺤﺒﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺑﻬﻴﻦ ﺍﻟﻴﻘﻈﻴﻦ، ﺑﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺇﻧﻪ ﺃﺛﺮٍ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺄْﻥ. ﻭﺇﺫْ ﻳﺸﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ، ﻓﺈﻥّ ﺁﻳﺎﺕٍ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﻩ ﺧﺎﺻﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺬﻟﻚ.

   ﻓﻴﺎ ﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻆ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:82-83)

ﻛﺘﺒﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﺘﻤﻨﺢ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀَ ﺑﺼﻴﺮﺓً، ﻭﻟﺘﺒﺪﺩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﻭﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺒﻌﺜﺎ لاﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﺭﺍﺀﺗﻬﺎ ﺃﺭﺑﻊ ﺃﺷﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍلأﻭﻝ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ! ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥّ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺫﺍﺕِ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻣﻊ ﻛﻠﻴﺔ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ، ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻊ ﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺩﻭﻥ ﻣﻌِﻴﻦ، ﻭﻓﺮﺩﻳﺘﻪ ﻣﻊ ﺷﻤﻮﻝ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﺩﻭﻥ ﺷﺮﻳﻚ، ﻭﺣﻀﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻊ ﺗﻨﺰﻫﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺭﻓﻌﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻊ ﻗﺮﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻣﻊ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ.. ﻭﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻴﻢ لا ﻳﺤﻤّﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎ لا ﻳﻘﺒﻠﻪ. ﺑَﻴْﺪَ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻳﺮﻯ ﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ. ﻟﺬﺍ ﺃﻃﻠﺐُ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎ ﻳﺴﻮﻕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ.

   ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﺗﻄﻠﺒﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ﺇﻥ ﺍﺳﻢ (ﺍﻟﻨﻮﺭ) -ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ- ﻗﺪ ﺣﻞّ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﻣﺸﻜـلاﺗﻨﺎ، ﻭﻳﺤﻞّ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎ.

ﻧﻘﻮﻝ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺭﻭﻗﻲ ﺍﻟﺴﺮﻫﻨﺪﻱ، ﻣﻨﺘﻘﻴﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻮﺭ ﻟﻠﻘﻠﺐ:

     ﻧَﻪ ﺷَﺒَﻢْ ﻧَﻪ ﺷَﺐْ ﭘَﺮَﺳْﺘَﻢْ ﻣَﻦْ     ﻏُـلاﻡِ ﺷَﻤْﺴَﻢْ ﺍَﺯْ ﺷَﻤْﺲِ ﻣِﻰ ﮔُﻮﻳَﻢْ ﺧَﺒَﺮْ

 (حاشية) ﻳﻌﻨﻲ: ﻭﺇﻧﻲ ﻏـلاﻡ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻬﺎ ﻓﻤﺎ ﻟﻲ ﻭﻟﻠّﻴﻞ ﻓﺄﺭﻭﻱ ﺣﺪﻳﺜَﻪ.

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﺮﺁﺓ ﻋﺎﻛﺴﺔ لإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻨﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﺳﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ. ﻭﺫﻟﻚ: ﺃﻥ ﺷﺨﺼﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻳﻜﺴﺐ ﺻﻔﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﻠﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﺸﺆﻭﻥ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﺎﻣﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻫﻲ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﺸﺨّﺺ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻤﻸ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺼﻮﺭﻫﺎ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻠﻮﺍﺕ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ. ﻭﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺿﻴﺎﺅﻫﺎ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ، ﻳﺤﻴﻂ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﻭﻳﺸﻤﻠﻬﺎ ﻭﻳﻌﻤّﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ ﻓﺎﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺷﻔﺎﻑ ﻳﺨﺒﺊ ﻓﻲ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻪ -ﻣﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ- ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺃﻳﻀﺎ، ﺟﺎﻋـلا ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ ﻋﺮﺷﺎ ﻟﻬﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺼﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﻳﺘﻬﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﺣﺪﻳﺘﻬﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻊ (ﺧﺎﺻﻴﺘﻬﺎ) ﻭﺃﻭﺻﺎﻓﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺜّﻞ، ﻓﺴﻨﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﺤﻮﺭ ﻣﺴﺄﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ.

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻸ ﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ، ﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻋﻴﻨﺎ، ﻭﻫﻲ ﻣﻮﺍﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔ لأﻳﺔ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻠﺖَ -ﻳﺎ ﺳﻌﻴﺪ- ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺰﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻟﻒ ﺳﻌﻴﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻟﻮﻑ، ﻫﻮ ﺃﻧﺖ ﻓﻘﻂ لا ﻏﻴﺮ، ﻭﺍﻟﺒﻘﻴﺔ ﺃﻣﻮﺍﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﻢ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ثانيها: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻠﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻴﻨﺎ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻏﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ، ﺇﺫ لا ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ؛ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎﻟﻜﺔ لأﻛﺜﺮ ﺧﻮﺍﺹ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ؛ ﻓﺘﻌﺘﺒﺮ ﺫﺍﺕ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺜﻠﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺸﺮ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺃﺷﻌﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ، ﻓﻜﻞ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﻭﺃﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ. ﻓﻠﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺫﺍﺕ ﺷﻌﻮﺭ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﻋﻴﻦ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ، ﻭﺿﻴﺎﺅﻫﺎ ﻋﻴﻦ ﻋﻠﻤﻬﺎ، ﻭﺃﻟﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ، ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ، ﻭلاﺗﺨﺬﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺮﺷﺎ ﻟﻬﺎ ﻳﺨﺼﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻒ؛ ﻓـلا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ؛ ﻭلأﻣﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻛـلا ﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻭﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﺑﻌﻴﺪﻭﻥ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ.

ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ: ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻸﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺣﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻋﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴِﻪ، ﻭﻟﻜﻦ لأﻥّ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻓﻖ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺁﺓ لا ﺗﺴﻊ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻓﻤﺜـلا: ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺩﺣﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﺒﻲ؛ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺑﺄﺟﻨﺤﺘﻪ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ لا ﺗﻌﺪّ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻠّﻎ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﻞ ﻳﻤﻨﻊ ﻓﻌـلا.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﺻﻠﻮﺍﺕِ ﺃﻣّﺘﻪ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻓﻲ ﺍلأﻧﺤﺎﺀ ﻛﺎﻓﺔ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻧﻮﺭ ﻭﻫﻮﻳﺘﻪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ.. ﻭﻧﻔﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ، ﻓـلا ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪُ ﺍلآﺧﺮ.. ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻛﺘﺴﺒﻮﺍ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺳﻢ (ﺍلأﺑﺪﺍﻝ) ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺸﺎﻫَﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ. ﻭﻳُﺮﻭﻯ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻧﻔﺴَﻪ ﻳﻨﺠﺰ ﺃﻋﻤﺎلا ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ. ﺇﺫ  ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻸﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻠﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂ ﺳﻴﺮ ﻭﺗﺠﻮﺍﻝ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺒﺮﻕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ. ﻓﺘﺘﺠﻮﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺗﺴﻴﺢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻨﻈﻴﻔﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻓﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻭﻣﺴﺨﺮﺓ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺷﺒﻪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﻴﺪﺓ ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﺎﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻘﻴّﺪ ﻳﻜﺴﺐ ﺣُﻜﻤﺎ ﻛﻠﻴﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻳﻔﻌﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﺟﺰﺋﻲ ﺃﻋﻤﺎلا ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻣﻘﺪﺱ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺪ ﻭﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﻭﻣُﺒﺮّﺃ ﻋﻨﻬﺎ.. ﺑﻞ ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺇلا ﻇـلاﻝ ﻛﺜﻴﻔﺔ لأﻧﻮﺍﺭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺑﻞ ﻣﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇلا ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺷﺒﻪ ﺷﻔﺎﻓﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.. ﺗُﺮﻯ ﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﺘﺮ ﻋﻦ ﺗﻮﺟﻪ ﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻭﺗﺠﻠﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ.. ﻭﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻔَّﻰ ﻋﻨﻪ.. ﻭﺃﻱُّ ﻓﺮﺩ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻈﻞ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻨﻪ.. ﻭﺃﻳﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﺮﺏَ ﻣﻨﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺴﺐَ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ؟

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻧﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻄﻠﻴﻖ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ، ﻭﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻚ، ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻓﺄﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ، لأﻧﻚ ﻣﻘﻴﺪ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﻭﻗﻄﻊ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ ﻛﻲ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﺒﺮ ﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺗﻌﻠﻮ ﻋُﻠﻮّ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﻭﺗﺘﻘﺎﺑﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ-، ﻓﻬﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻌﺪﺍ لا ﺣَﺪَّ ﻟﻪ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻭﻋﻠﻮّ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﺤﺎﻭﻝْ ﺃﻥ ﺗﻄﺒﻖ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

    ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (ﻳﺲ:82) ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ (ﻳﺲ:53)

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ! ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬَﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺧُﻠﻘﺖ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺃﻣﺮ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﻇَﻬَﺮﺕ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (ﺍﻟﻨﻤﻞ:٨٨) ﻭ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ:٧) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭُﺟﺪﺕْ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ، ﺑﻘﺪﺭﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻋﻠﻢ ﻣﺤﻴﻂ، ﻭﺇﺗﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼُّﻨﻊ ﺿﻤﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ. ﻓﺄﻳﻦَ ﻭﺟﻪُ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻘﻮﻝ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ:

ﺃﻭلا: لا ﻣﻨﺎﻓﺎﺓَ ﺑﻴﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ، ﺇﺫ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻳُﺨﻠﻖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍلأﻭﻟﻰ، ﻛﺎلإﻳﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ، ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻛﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺜﻞ.

ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ، ﺿﻤﻦ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﺳﺮﻋﺔ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﻭﺳﻌﺔ، ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ. ﻟﺬﺍ لا ﺩﺍﻋﻲ لأﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﺳﺮُّ ﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ؟.. ﻟﺬﺍ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﻘﻴﺎﺱ ﺗﻤﺜﻴﻠﻲ؛ ﻓﻨﻘﻮﻝ ﻣﺜـلا:

ﺇﻥّ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻣﺎﻫﺮﺍ -ﻛﺎﻟﺨﻴّﺎﻁ ﻣﺜـلا- ﻳﺼﺮﻑ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻭﻳﺒﺬﻝ ﺟﻬﺪﺍ ﻭﻳﺰﺍﻭﻝ ﻣﻬﺎﺭﺓً ﻭﻓﻨﺎ، ﻟﻜﻲ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺟﻤﻴـلا ﻳﺨﺺ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﻓﻴﻌﻤﻞ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ (ﻣﻮﺩﻳـلا) ﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﺇﺫ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺑـلا ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﻭلا ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺳﻬـلا ﻭﻳﺴﻴﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳُﻨﺠَﺰ، ﻭﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺴﺐ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﺎ ﻭﺍﻃﺮﺍﺩﺍ ﺩﻗﻴﻘﺎ ﻛﺎﻟﺴﺎﻋﺔ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺘﻢ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍلأﻣﺮ ﻟﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻗﺪ ﺃﺑﺪﻉ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ، ﺛﻢ ﺃﻭﺩﻉ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻪ، ﺟﺰﺋﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﻛﻠﻴﺎ، ﺟﺰﺀﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﻛـلا، ﻣﻘﺪﺍﺭﺍ ﻣﻌﻴﻨﺎ، ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻗﺪﺭﻱ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻨﻤﻮﺫﺝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ.

ﻓﺈﻥ ﺗﺄﻣﻠﺖَ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﻮﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ (ﻣﻮﺩﻳـلا) ﻳُﻠﺒﺴﻪ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﻜﺮﺍ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻟﻄﻴﻔﺎ ﻣﺰﻳﻨﺎ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﻳﻨﺴﺞ -ﺑﺨﻮﺍﺭﻕ ﺭﺣﻤﺘﻪ- ﻛﺎﺋﻨﺎﺕٍ ﺑِﻜﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﺪِّﻩ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺳﻄﺮﺍ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ ﺑِﻜﺮﺍ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﺣﻜﻤﺘﻪ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﻭﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻭﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺟﺒﻞ ﻭﺻﺤﺮﺍﺀ، ﻭﻛﻞ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻭﺑﺴﺘﺎﻥ ﻭﻛﻞ ﺷﺠﺮ ﻭﺯﻫﺮ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻭﻳُﻨﺸﺊ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕٍ ﺟﺪﻳﺪﺓً ﻏﻀّﺔً ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ ﻣﺘﺮﺍﺩﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻴﺨﻠﻖ ﺩﻧﻴﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺴَّﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﺤﺐ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳُﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕٍ ﺑﻜﺮٍ ﻟﻘﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳُﺒﺮﺯ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﻣﺠﺪﺩﺓ ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻭﺑﺴﺘﺎﻥ، ﻓﻴﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺏ ﺣﻜﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑِﻜﺮ، ﻭﻳﻨﺼﺐ ﻣﻄﺒﺦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻣﺘﺠﺪﺩﺍ ﻭﻳُﻠﺒﺲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺣُﻠّﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﺠﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﻭﺷﺎﺡ ﺍﻟﺴﻨﺪﺱ ﻭﻳﺰﻳّﻨﻪ ﺑﻤﺮﺻﻌﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﻜﺮ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﻸ ﻟﺌﺔ، ﻭﻳﻤﻸ  ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ ﺑﻬﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ..

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻳﻌﻘﺐ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ، لا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺣﻜﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﺑﺼﻴﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﻭﻋﻠﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻗﻄﻌﺎ، ﻓﺬﻟﻜﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻘﻮﻝ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (ﻳﺲ:83) ﻭ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ (ﺍﻟﻨﺤﻞ:٧٧) ﻓﻴﻌﻠﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ، ﻭﺍﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﺴﺨّﺮﺓ لأﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻣﻨﻘﺎﺩﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ، ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺩﻭﻥ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭلا ﻣﺰﺍﻭﻟﺔ ﻭلا ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭلأﺟﻞ ﺍلإﻓﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻋﺒّﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺃﻥّ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻌﻠﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺨﻠﻖ. ﻭﻗﺴﻤﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﺒﻴﻦ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ ﻭﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺳﺔ! ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﺕِ ﺣﺪّﻙِ   ﺇﻧﻚ ﺗﻘﻮﻟﻴﻦ: ﺇﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ (ﻫﻮﺩ:56) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (ﻳﺲ:83) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ﻕ:16).. ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺁﻳﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:83) ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺝ:٤) ﻭﻛﺬﺍ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ (..ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺠﺎﺏ) ﻭﻛﺬﺍ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ.. ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺑُﻌْﺪِﻧﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﺄﺭﻳﺪُ ﺇﻳﻀﺎﺣﺎ ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﺳﺘﻤﻊ:

  ﺃﻭلا: ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍلأﻭﻝ؛ ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻨﻮﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﻘﻴّﺪ، ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺑﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻚ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺭﻭﺣﻚ- ﺇلا ﺃﻧﻚ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ، لأﻧﻚ ﻣﻘﻴﺪ ﻭﻣﺤﺒﻮﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ. ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻤﺲ ﺇلا ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻭﻇـلاﻟﻬﺎ ﻭلا ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺇلا ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ، ﻭلا ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇلا لأﻟﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ، ﻭﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﺷﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ.

ﻭﻟﻮ ﺃﺭﺩﺕَ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ، ﻭﺃﺭﺩﺕَ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻟَﺰِﻡَ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩُ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﻭﺍﻟﻤﻀﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﻠﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗَﻜْﺒُﺮُ ﻣﻌﻨﻰً -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺘﺠﺮﺩ- ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻭﺗﻨﺒﺴﻂ ﺭﻭﺣﺎ ﻛﺎﻟﻬﻮﺍﺀ، ﻭﺗﺮﺗﻔﻊ ﻋﺎﻟﻴﺎ ﻛﺎﻟﻘﻤﺮ، ﻭﺗﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻛﺎﻟﺒﺪﺭ. ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺎﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻤﻮﺟﺪ  ﻟﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪ، ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ، ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﺃﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﻗﻮﺓ ﺍلاﺳﺘﻨﺒﺎﻁ، ﻓﻄﺒّﻖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.

ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ -ﻣﺜـلا- ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺘﻪ، ﻓﺎﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻭﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤـلاﺯﻡ ﻭﺍﻟﻌﺮﻳﻒ. ﺃﻱ ﺃﻥّ ﺗﺠﻠِّﻲ ﻇﻬﻮﺭِﻩِ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺿﻴﻘﺔ ﻭﺑﺸﻜﻞ ﻛﻠﻲ ﻭﺟﺰﺋﻲ.

ﻓﺎﻟﺠﻨﺪﻱ، ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ ﻣﺮﺟﻌﺎ ﻟﻪ، ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﺰﺋﻲ ﺟﺪﺍ ﻟﻠﻘﻴﺎﺩﺓ. ﻭﻳﺘﺼﻞ ﺑﻘﺎﺋﺪﻩ ﺍلأﻋﻠﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ لاﺳﻤﻪ، ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﺑﻌـلاﻗﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺃﺭﺍﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍلأﻋﻠﻰ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺍلأﺻﻠﻲ، ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻪ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﻫﺎﺗﻔﻪ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ، ﻭﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍلأﺑﺪﺍﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺤﻀﻮﺭﻩ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺇﺫ لا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭلا ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻧﻪ ﺷﻲﺀ. ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﺗﻔﺼﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺸﻔﻖ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻮﺭ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ  ﺧـلاﻑ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ  ﻭﻳﺴﺒﻎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﺎﻟﻪ ﻭﺃﻟﻄﺎﻓﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﺎﻟﻤﺎﻟﻚ لأﻣﺮ (ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ) ﺍﻟﻤﺴﺨّﺮ ﻟﻠﺸﻤﻮﺱ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻛﺎﻟﺠﻨﻮﺩ ﺍﻟﻤﻨﻘﺎﺩﺓ؛ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻛﺎﻥ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﺍ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻪ. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﻗﺮﺑﻪ ﻭﺣﻀﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑـلا ﺣﺠﺎﺏ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺣﺠﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺗﻴﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺃﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺛﻢ ﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻈﻲ ﺑﺎلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ؛ ﻓﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﺬﺏ ﻭﻟﻄﻒ ﺇﻟﻬﻲ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻟﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﻲّ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ.

ﻣﺜﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ) ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺍلاﺭﺗﺒﺎﻁ ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋـلاﻗﺔ ﺃﻭلا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺧﺎﻟﻘﻚ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺛﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺧﺎﻟﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺛﻢ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﻟﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ، ﺛﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﺪﺭﺝ ﻫﻜﺬﺍ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻞ ﻭلا ﺗﺠﺪ ﺇلا ﺟﻠﻮﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ.

ﺗﻨﺒﻴﻪ: ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻛﺎﻟﻤﺸﻴﺮ ﻭﺍﻟﻔﺮﻳﻖ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎلأﻋﻤﺎﻝ ﺑﻨﻔﺴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻓﻬﻮ ﻣﺴﺘﻐﻦٍ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ، ﺑﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺇلا ﺃﻣﻮﺭﺍ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﺗﻤﺜﻞ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻌﺰﺓ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺩلاﺋﻞ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﻋﺠﺰ ﻭﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻧﺒﻬﺎﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﻣُﻌﻴﻨﺔ ﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﺮﻳﻜﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻗﻄﻌﺎ لأﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﺝ.

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

    ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻜﺴﻮﻟﺔ!. ﺇﻥّ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻘﺒﻮﻝ ﺩﺧﻮﻝ ﺟﻨﺪﻱ ﺑﺴﻴﻂ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺑﻤﺤﺾ ﻟﻄﻔﻪ -ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ- ﻓﻘﺒﻮﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺜﻮﻝ ﺃﻣﺎﻡ ﺟـلاﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻤﺤﺾ ﻟﻄﻒ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ. ﻓﺄﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ: ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ. ﺗﻤﻀﻲ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﺗﻘﻄﻊ ﺧﻴﺎلا ﺃﻭ ﻧﻴّﺔً ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺠﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﺘﺼﻌﺪ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﻇـلا ﻣﻦ ﻇـلاﻝ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﻫﺎ، ﻭﺗﺘﺸﺮﻑ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺍﻟﻤﺜﻮﻝ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺘﻨﺎﻝ ﺣﻈﻮﺓ ﻋﻈﻤﻰ ﺑﺨﻄﺎﺏ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ﻛﻞّ ﺣﺴﺐَ ﺩﺭﺟﺘﻪ.

ﺣﻘﺎ ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ.. ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﻭﺗﻜﺮﺍﺭَﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟِﻬﺎ ﻫﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻤﺠﻤﻞ ﻛﻤﺎلاﺕ ﻛﺒﺮﻳﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﺎﺭﺝ ﻧﻄﺎﻕ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ، ﻭﻛﺄﻥّ ﻛﻞَّ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺇﻟﻰ ﻇﻞ ﺃﻭ ﺷﻌﺎﻉ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻫﺬﻩ، ﻣﻌﻨﻰً ﺃﻭ ﻧﻴﺔً ﺃﻭ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﺃﻭ ﺧﻴﺎلا ﻟﻬﻮ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﻛﺒﺮﻯ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻳُﺮﺩﺩ ﺫﻛﺮ (ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ) ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺞ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﻫﺎﺋﻠﺔ. لأﻥ ﺍﻟﺤﺞ؛ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﺣﺎﺝ ﺑﺎلأﺻﺎﻟﺔ.

ﻓﺎﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺧﺎﺹ -ﻛﺎﻟﻌﻴﺪ- ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﻓﻴﻨﺎﻝُ ﻟﻄﻒَ ﻣﻠﻴﻜﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﺝ -ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ- ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻮﺟِّﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻛﺎﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻓﻬﻮ ﻣﺸﺮّﻑ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ، ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺢ ﺑﻤﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﺁﻓﺎﻕ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﻭﺧﻴﺎﻟﻪ، ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﻭﺃﺩّﻯ ﻣﻨﺎﺳﻚ ﺍﻟﺤﺞ، ﻭﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺃﻓﻖ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻮﻕ، ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ ﻭﺍلاﻧﺒﻬﺎﺭ، ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﻫﻴﺒﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، لا ﻳﺴﻜّﻦ ﺇلا ﺑـ(ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ.. ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ)! ﻭﺑﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻨﻜﺸﻔﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮﺭﺓ.

ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ ﺍﻟﻌﻴﺪ، ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻭﻛﻠﻴﺔ ﻭﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ ﺍلاﺳﺘﺴﻘﺎﺀ ﻭﺻـلاﺓ ﺍﻟﻜﺴﻮﻑ ﻭﺍﻟﺨﺴﻮﻑ ﻭﺻـلاﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ.

ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻌﻞ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﻑ ﻭﺍﻟﻨﻮﻥ.

 ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:83)

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

ﻭَﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﺭَﺳُﻮﻟِﻚَ ﺍْلأﻛْﺮَﻡِ، ﻣَﻈْﻬَﺮِ ﺍﺳْﻤِﻚَ ﺍْلأﻋْﻈَﻢِ، ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺃﺻْﺤَﺎﺑِﻪِ ﻭَﺇﺧْﻮَﺍﻧِﻪِ ﻭَﺃﺗْﺒَﺎﻋِﻪِ ﺁﻣِﻴﻦَ ﻳَﺎ ﺃﺭْﺣَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺍﺣِﻤِﻴﻦَ.

   ﺫﻳﻞ ﺻﻐﻴﺮ

    ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻳُﻈﻬﺮ ﻗﺪﺭﺗَﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻋﺪﻡَ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻗﻄﻌﺎ، ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﻬﺮﻩ ﻋﺎﺩﺍﺗُﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ.. ﻭﻛﺬﺍ ﻳُﻈﻬﺮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺸﻮﺍﺫ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ، ﻭﺑﺨﻮﺍﺭﻕ ﻋﺎﺩﺍﺗﻪ، ﻭﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ، ﻭﺑﺎﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﺘﺸﺨﺼﺎﺕ، ﻭﺑﺘﺒﺪﻝ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ ﻭﺍﻟﻈﻬﻮﺭ.. ﻳُﻈﻬﺮ ﻣﺸﻴﺌﺘَﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗَﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ، ﻭﺃﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ لا ﻳﺮﺿﺦ لأﻱ ﻗﻴﺪ ﻛﺎﻥ، ﻣﻤﺰّﻗﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ﻭﺍلاﻃﺮﺍﺩ، ﻓﻴُﻌﻠﻢ: ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺁﻥ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺄﻥ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺼﻪ ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻣﻨﻘﺎﺩ ﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻪ.. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳُﺸﺘﺖ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔَ، ﻭﻳﺼﺮﻑُ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ، ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻋﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺒﺐ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ، ﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ، ﺗﺜﻤﺮ ﺳﻨﺔ، ﺃﻱ ﺗُﻌﻄﻰ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﻫﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺗﺴﻠّﻤﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺗﺘﺴﻠﻢ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ لا ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ، ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻟﻸﺛﻤﺎﺭ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺃﻭﻗﺎﺕَ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮ -ﺑﺨـلاﻑ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟـلاﺯﻣﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ- ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ ﻭﻣﺘﻐﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺩﺧﻠﺖ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴّﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺇﺫ ﺇﻥ ﺃﻫﻢَّ ﻣﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻄﺮ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، لا ﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺗﻮﺭﺙ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ، ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺣﺠﺎﺏ ﻭﺿﻤﻦ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻲ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ. ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﺗﺒﻘﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏُ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔً ﺩﺍﺋﻤﺎ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻭﺗﺸﺨﻴﺺَ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣـلاﻣِﺤﻪ ﻭﺻﻮﺭﺗِﻪ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﻳﻮﻫﺒﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻳُﺤﺘﺴﺐ، ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﺑﺠـلاﺀ ﻃـلاﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ.

ﻭﻗﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻭﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٥)

    ﻳﺎ ﻣَﻦ ﺗَﻌﻠَّﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﺴﺎﺋﻞَ ﻓﺎﻗﺪﺓً ﻟﻠﺮﻭﺡ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ، ﻓﻀﺎﻕ ﺫﻫﻨُﻪ، ﻭﺍﻧﺤﺪﺭ ﻋﻘﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﺳﺘﻌﺼﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ. ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﻟﻠﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺳُﻠّﻤﺎ ﺫﺍ ﺳَﺒْﻊِ ﺩﺭﺟﺎﺕٍ ﻭﻣﺮﺍﺗﺐَ، ﻫﻴّﺎ ﻧﺼﻌﺪْ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻌﺎ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

    ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻤﺎﺀ ﺃﻫﻠﻮﻥ ﻳﻨﺎﺳﺒﻮﻧﻬﺎ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ- ﻭﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ.

ﻧﻌﻢ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻫﻜﺬﺍ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻣَﻞﺀ ﺍلأﺭﺽ، ﻣﻊ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﻭﺣﻘﺎﺭﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﺑﺬﻭﻱ ﺣﻴﺎﺓ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ، ﻭﺇﻋﻤﺎﺭﻫﺎ ﺣﻴﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ ﺑﺬﻭﻱ ﺇﺩﺍﺭﻙ ﺁﺧﺮﻳﻦ ﺑﻌﺪ ﺇﺧـلاﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻳﺸﻴﺮ -ﺑﻞ ﻳﺼﺮّﺡ- ﺑﺎﻣﺘـلاﺀ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺫﺍﺕِ ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺸﻴﺪﺓ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﺰﻳﻨﺔ، ﺑﺬﻭﻱ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﺷﻌﻮﺭ. ﻓﻬﺆلاﺀ ﻛﺎﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ، ﻣُﺸﺎﻫﺪﻭ ﻗﺼﺮِ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻣُﻄﺎﻟﻌﻮ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺃﺩلاﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﺩﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ؛ لأﻥ ﺗﺰﻳﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺗﺠﻤﻴﻠَﻪ ﺑﻤﺎ لا ﻳُﻌﺪ ﻭلا ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻳﻘﺘﻀﻲ -ﺑﺪﺍﻫﺔً- ﺟﻠﺐَ ﺃﻧﻈﺎﺭٍ ﻣﺘﻔﻜﺮﻳﻦ ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﻴﻦ ﻭﻣﻘﺪّﺭﻳﻦ ﻣﻌﺠﺒﻴﻦ، ﺇﺫ لا ﻳُﻈْﻬَﺮ ﺍﻟﺤﺴﻦُ ﺇلا ﻟﻌﺎﺷﻖ، ﻛﻤﺎ لا ﻳُﻌﻄﻰ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺇلا ﻟﺠﺎﺋﻊ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺇلا ﺑﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺍلإﺷﺮﺍﻑ  ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ ﻭﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ لا ﻳﻌﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺃﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ. ﻭﻛﺬﺍ، ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻭﺍلآﺛﺎﺭ، ﻭﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ:

ﺇﻥّ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴّﺎﺭﺓ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﻣﺮﺍﻛﺐ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻛﺒﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ  ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲ  ﻭﻳﺘﺠﻮﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﻳﺘﻔﺮﺟﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻭﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻳﻀﺎ: ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﻃﻴﻮﺭ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑـ (ﻃﻴﺮ ﺧﻀﺮ) -ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ- ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﺬﺑﺎﺏ ﻭﺍﻟﺒﻌﻮﺽ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ، ﻃﻴﺎﺭﺍﺕ ﻟﺠﻨﺲ ﻣﻦ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﺗﺪﺧﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻓﻲ ﺃﺟﻮﺍﻓﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ (ﺍﻟﺤﻖ) ﻭﺗﺸﺎﻫﺪُ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺎﺕ، ﻭﺗُﻄﻞُّ ﻣﻦ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺣﻮﺍﺱِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓَ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕِ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ.

ﻓﺎﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻜﺮ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﺫﻭﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﻨﻮﺭﺓ، ﻭﺣﻴﺎﺓ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ، لا ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﺫﻭﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ، ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻟﻴﻖ ﻟﻠﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﻧﺴﺐ ﻟﻬﻤﺎ. ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﻫﺎﺋﻠﺔ.

ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺮﺍﺟﻊ ﺭﺳﺎﻟﺔ (ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟﻪ) ﻭ(ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ) ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺُّ ﺇﺛﺒﺎﺕَ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ. ﻓﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﺟﺎﺯﻣﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

    ﺇﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺫﺍﺕُ ﻋـلاﻗﺔٍ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ، ﻛﻌـلاﻗﺔ ﻣﻤﻠﻜﺘﻴﻦ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﻭﺛﻴﻖ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺕ ﻣﻬﻤﺔ، ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟـلأﺭﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ، ﺃﻱ ﺗُﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ.

ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺒﺈﺟﻤﺎﻉ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﻣﻦ ﺷﻬﻮﺩ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﺇﻥّ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕِ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ. ﻓﺒﺎﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﻘﻄﻌﻲ -ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍلاﺳﺘﺸﻌﺎﺭ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﺱ- ﺇﻥّ ﻟﺴﻜﻨﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻳﺼﻌﺪﻭﻥ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻧﻮ ﻋﻘﻞ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻭﺧﻴﺎﻟﻪ ﻭﻧﻈﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧﻔّﻮﺍ ﺑﻮﺿﻊ ﺃﺛﻘﺎﻟﻬﻢ، ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍلأﻣﻮﺍﺕ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧﻠﻌﻮﺍ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﻳﺼﻌﺪﻭﻥ ﺑﺈﺫﻥ ﺇﻟﻬﻲّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺧﻔّﻮﺍ ﻭﻟﻄﻔﻮﺍ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ، ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﺒﺴﻮﻥ ﺟﺴﺪﺍ ﻣﺜﺎﻟﻴﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻄﻴﻔﻴﻦ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﻴﻦ ﻟﻄﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺧﻔﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﻨﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

    ﺇﻥ ﺳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺳﻜﻮﺗَﻬﺎ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻣَﻬﺎ ﻭﺍﻃﺮﺍﺩَﻫﺎ ﻭﻭﺳﻌَﺘﻬﺎ ﻭﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺘَﻬﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻛﺄﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ، ﺑﻞ ﻛﻞُّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻄﻴﻌﻮﻥ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﺆﻣَﺮﻭﻥ، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺰﺍﺣﻤﺔ ﻭﺍلاﺧﺘـلاﻓﺎﺕ، لأﻥّ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﺟﺪﺍ، ﻭﻫﻢ ﻣﻔﻄﻮﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻔﺎﺀ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺀ، ﻣﻌﺼﻮﻣﻮﻥ لا ﺫﻧﺐ ﻟﻬﻢ، ﻭﻣﻘﺎﻣﻬﻢ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺨـلاﻑ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍلأﺿﺪﺍﺩ ﻭﺍﺧﺘـلاﻁ ﺍلأﺷﺮﺍﺭ ﺑﺎلأﺑﺮﺍﺭ، ﻣﻤﺎ ﻭﻟّﺪ ﺍلاﺧﺘـلاﻓﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلاﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘـلاﻗﻞ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺟﺮﺍﺕ. ﻭﺍﻧﻔﺘﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺎﺏ ﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻇﻬﺮﺕ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺮُّﻗﻲ ﻭﺩﺭﻛﺎﺕِ ﺍﻟﺘﺪﻧﻲ.

ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨِﻠْﻘﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﺑﻌﺪُ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺃﺟﻤﻌﻬﺎ ﻭﺃﻟﻄﻔﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺃﺟﻤﻊ ﻭﺃﺑﺪﻉ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﻋﺠﺰﺍ ﻭﺿﻌﻔﺎ ﻭﻟﻄﻔﺎ.

ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﻣﻬﺪ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺴﻜﻨﻪ -ﻭﻫﻮ ﺍلأﺭﺽ- ﻛﻒﺀ ﻟﻠﺴﻤﺎﺀ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﺻﻨﻌﺔً. ﻭﻣﻊ ﺻِﻐﺮ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺣﻘﺎﺭﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻬﻲ ﻗﻠﺐُ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺮﻛﺰﻩ.. ﻭﻣﺸﻬﺮُ ﺟﻤﻴﻊِ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ.. ﻭﻣﻈﻬﺮُ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺑﺆﺭﺗﻬﺎ.. ﻭﻣﻌﻜﺲ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﺤﺸﺮﻫﺎ.. ﻭﺳﻮﻕ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﺠﻮﺩ ﻣﻄﻠﻖ، ﻭلاﺳﻴّﻤﺎ ﻋﺮﺿُﻬﺎ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﻛﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ.. ﻭﻫﻲ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻣﺼﻐّﺮ ﻟﻤﺎ ﻳﻌﺮﺽ  ﻓﻲ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕ.. ﻭ ﻣﺼﻨﻊ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ لإﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺪﻟﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ.. ﻭﻫﻲ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ لاﺳﺘﻨﺒﺎﺕ ﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟـلأﺭﺽ (حاشية) ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻊ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﺪﻝ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، لأﻧﻪ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻧﺒﻌﺎ ﺩﺍﺋﻢ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻫﻮ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺑﺤﻴﺮﺓ لا ﻳﺠﻨﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻲﺀ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﻴﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﺑﻤﻜﻴﺎﻝ، ﻭﻭﺿﻊ ﺟﺎﻧﺒﺎ، ﺛﻢ ﻛﻴﻠﺖ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﻜﻴﺎﻝ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻭﺿﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺁﺧﺮ، ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺃﺿﺨﻢ ﻭﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﻴﺎﻝ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻟﻮ ﺑﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻇﺎﻫﺮﺍ، ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻜﻴﺎﻝ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﻳﻘﺎﺭﻥ ﻣﻌﻪ.

 ﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﻘﺪ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: ﻣﺸﻬﺮ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﻣﺤﺸﺮ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ، ﻣﺪﺍﺭ ﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻣﻈﻬﺮ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻣﺰﻫﺮ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺟﻨﺘﻪ، ﻣﻜﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ  ﺃﻱ ﻭﺣﺪﺓ ﻗﻴﺎﺱ ﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ  ﻭﺧﻠﻘﻬﺎ ﻧﺒﻌﺎ ﻓﻴﺎﺿﺎ ﺗﺴﻴﻞ ﻣﻨﻪ  ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ  ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ. ﻭﺧﻠﻘﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﺪّﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻨﻮﻳﺎ ﺃﺛﻮﺍﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺔ ﺑﺒﺪﺍﺋﻊ ﺻﻨﻌﻪ، ﻳﺒﺪﻟﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺗﻠﻮ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻭﺍلأﺷﻜﺎﻝ.

 ﻭﺍلآﻥ ﺧﺬ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮﻙ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺐ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍلأﺛﻮﺍﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺴﻬﺎ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﻨﺰﻋﻬﺎ، ﺃﻱ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺣﺎﺿﺮﺍ، ﺛﻢ ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﺗﻴﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺑﺴﺎﻃﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﺪﺓ، ﻭﻭﺍﺯﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺗﺮ ﺃﻥ ﺍلأﺭﺽ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺜﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺔ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻓـلا ﺗﺒﻘﻰ ﻗﺎﺻﺮﺓ ﻋﻨﻬﺎ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻔﻬﻢ ﺳﺮ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

 ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ .ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ. ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛُﻔﺆﺍ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻋﺪلا ﻟﻬﺎ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻛﺎﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺑﺸﺠﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ، ﻓﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻔﺔٍ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻓﻲ ﻛﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﻴﻜﺮﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺗﺤﻮﻝ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ، ﻭﺗﻐﻴّﺮﻫﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ -ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ- ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻄﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﺤﻮلاﺕ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻬﺎ. ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻊ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺘﻬﺎ، ﻧﺎﻟﺖْ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻌﺪﻡ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻗﻮﻯ ﺃﻫﻠﻴﻬﺎ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﻭﻫﻤﺎ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ؛ ﺑﺤﺪّ ﻓﻄﺮﻱ ﺃﻭ ﻗﻴﺪٍ ﺧﻠﻘﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻟﺬﺍ ﻏﺪﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﺮﻗﻲٍّ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻭﻟﺘﺪﻥٍ لا ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻪ. ﻓﺎﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﻨﻤﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻭﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍ ﻟـلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍلاﺧﺘﺒﺎﺭ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻋﻨﺔ ﺳﺘﻘﺬﻑ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﺑﺸﺮﺍﺭﺍﺗﻬﺎ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

    ﺇﻥّ ﻟﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺧﺎﻟِﻘﻬﺎ ﻭﻣﺪﺑِّﺮ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ، ﺃﺳﻤﺎﺀً ﺣﺴﻨﻰ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻣﺘﻐﺎﻳﺮﺓً ﺃﺣﻜﺎﻣُﻬﺎ، ﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔً ﻋﻨﺎﻭﻳﻨُﻬﺎ. ﻓﺎلاﺳﻢ ﻭﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺻﻒ ﺍﻟﺼّﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم  ﻟﺪﻯ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ، ﻫﻮ ﺍلاﺳﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻧﻔﺴُﻪ ﻭﺍﻟﺼﻔﺔ ﻧﻔﺴُﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﻭﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺒﺎﺭﺯﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﻴﻦ ﺍلأﺧﻴﺎﺭ ﻭﺍلأﺭﺿﻴﻴﻦ ﺍلأﺷﺮﺍﺭ.

ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ لأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻭﺃﻧﻔﺎﺳﻬﻢ ﻭﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ لا ﻳُﻔﻨﻴﻬﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻨﻪ، ﻭلا ﺑﺼﻴﺤﺔ، ﺑﻞ ﻳَﻔﺘﺢ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﻣﺒﺎﺭﺯﺓ، ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ  ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ،  ﺍﻟﻤﺪﺑّﺮ .

ﻓﻤﺜـلا -ﻭلا ﻣﺸﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ-: ﻧﺮﻯ ﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻟﻪ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦُ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺣﺴﺐَ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ، ﻓﺎﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻟﻴﺔ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ)، ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ)، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻴﺨﺔ ﺗﺬﻛﺮﻩ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ)، ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ)، ﻭﺍلأﻫﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﻄﻴﻌﻮﻥ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺬﻛﺮﻭﻧﻪ ﺑﺎﺳﻢ (ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ)، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﺼﺎﺓ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻧﻪ (ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ). ﻭﻗِﺲْ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﻨﺎﺻﻴﺔ ﺍلأﻫﻠﻴﻦ ﻛﺎﻓﺔً، لا ﻳﻌﺪﻡ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻣﻨﻪ ﺷﺨﺼﺎ ﻋﺎﺟﺰﺍ ﻋﺎﺻﻴﺎ ﺫﻟﻴـلا، ﺑﻞ ﻳﺴﻮﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ، ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ لا ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﺔَ ﺗﻜﺮﻳﻢٍ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻦ ﻣﻮﻇﻔﻴﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﺣَﺴَﺐَ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻪ ﻭلا ﻳﻜﺮﻣﻪ ﺑﻬﺎﺗﻔﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ. ﺑﻞ ﻳﻔﺘﺢ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﻳُﻬﻴﺊ ﻟﻪ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎلا ﺭﺳﻤﻴﺎ، ﻳﺄﻣﺮ ﻭﺯﻳﺮﻩ ﻭﻳﺪﻋﻮ ﺍلأﻫﻠﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ، ﺛﻢ ﻳﻜﺎﻓﺊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﻇﻒَ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، ﻓﻴﻌﻠﻦ ﻣﻜﺎﻓﺄﺗَﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻧﻈﻴﺮَ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺘﻪ، ﺃﻱ ﻳﻜﺮﻣﻪ ﻭﻳﺘﻔﻀﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺟﻤﻮﻉ ﻏﻔﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺳﺎﻣﻴﻦ، ﺑﻌﺪ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﻣﻬﻴﺐ، لإﺛﺒﺎﺕ ﺟَﺪﺍﺭﺗﻪ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ -ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ- ﻓﻠﻠّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﺴﻨﻰ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻟﻪ ﺷﺆﻭﻥ ﻭﻋﻨﺎﻭﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ، ﻭﻟﻪ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟـلاﻟﻴﺔ ﻭﻇﻮﺍﻫﺮ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ. ﻓﺎلاﺳﻢ ﻭﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻈـلاﻡ، ﻭﺍﻟﺼﻴﻒ ﻭﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺷﻤﻮﻝ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﺎ ﻭﺗﻌﻤﻴﻤﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻛﺄﻣﺜﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺃﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺷﻤﻮﻝ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻟﻬﺎﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

    ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺫﻫﺎﺏ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻨﺰﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭَﺍﺭِﺩ ﺃﻳﻀﺎ، ﺑﻞ ﺍﻟﻠﻮﺍﺯﻡ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺗُﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ، ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﺗﺘﺸﺒﺚ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻭﺗﺤﺎﻭﻝ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻠﻄﺎﻓﺘﻬﺎ ﻭﺧﻔﺘﻬﺎ، ﻭلاﺑﺪ ﺃلا ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﺑﻞ ﻳﻄﺮﺩﻭﻧﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﻃﺒﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺆﻡ ﻭﺷﺮ.

ﺛﻢ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻋـلاﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، لأﻥ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻀﻊ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻭﻋـلاﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻴﺒﺼﺮﻫﺎ ﺫﻭﻭ ﺍلإﺩﺭﺍﻙ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭلاﺳﻴّﻤﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ لأﺟﻞِّ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻭﺍلإﺷﺮﺍﻑ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺳﺒُﺤﺎﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻭﺟﻌﻞ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻋـلاﻣﺔً ﻋﻠﻰ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﺟﺎﻋـلا ﺃﻫﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺷﺎﻫﺪﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻠﺐ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺃﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ، ﻓﻴﻈﻬﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻛﺎﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺯﻳﻨﺖ ﺑﺮﻭﺟﻬﺎ ﺑﺤﺮﺍﺱ ﻣﺼﻄﻔﻴﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، ﺃﻭ ﻛﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﻮِّﻕُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻓﻤﺎﺩﺍﻡ ﺇﻋـلاﻥُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺃﻳَّﺔ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕ ﺍﻟﺠﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺗـلاﺋﻢ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻋـلاﻥ ﻭﺗﻨﺎﺳﺒﻪ. ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﺃﻧﺴﺐ ﻋـلاﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ، لأﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕ ﺍﻟﻨﺠﻤﻴﺔ، ﻣﻦ ﺭﻣﻲ ﺍﻟﺸﻬﺐ ﺍﻟﺸَّﺒِﻴﻪِ ﺑﺮﻣﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻖ، ﻭﺇﻃـلاﻕ ﻃﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘـلاﻉ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺑﺮﻭﺟﻬﺎ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻔﻬﻢ ﺑﺪﺍﻫﺔً ﻣﺪﻯ ﻣﻨﺎﺳﺒﺘﻬﺎ ﻭﻣـلاﺀﻣﺘﻬﺎ ﺑﺮﺟﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺑﺎﻟﺸﻬﺐ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ لا ﺗﻌﺮﻑ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ (ﺭﺟﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ) ﻏﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭلا ﺗﻌﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺗﻨﺎﺳﺒﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺭﺟﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﻣﺸﻬﻮﺩﺓ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺧـلاﻑ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

    ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻳﺤﻤـلاﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻟﻠﺸﺮ ﻭﺍﻟﺠﺤﻮﺩ، ﻓﻬﻤﺎ ﻗﺎﺩﺭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺮﺩ ﻭﻃﻐﻴﺎﻥ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﻤﺎ، ﻟﺬﺍ ﻳﺰﺟﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺒـلاﻏﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ، ﻭﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﻳﻀﺮﺏ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺩﻗﻴﻘﺔ، ﻳﺰﺟﺮ ﺑﻬﺎ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﺯﺟﺮﺍ ﻋﻨﻴﻔﺎ ﻳﻬﺰّ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠَّﻪ.

ﻓﻤﺜـلا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:  ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾ (ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ:33-35).

ﺗﺄﻣَّﻞْ ﺍﻟﻨﺬﻳﺮَ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺮﻳﻊ ﻭﺍﻟﺰﺟﺮ ﺍﻟﻌﻨﻴﻒ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻜﺴﺮ ﺗﻤﺮﺩ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﺑﺒـلاﻏﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓ، ﻣﻌﻠﻨﺔً ﻋﺠﺰﻫﻤﺎ، ﻣﺒﻴﻨﺔً ﻣﺪﻯ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻭﺳﻌﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا. ﻓﻜﺄﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ، ﻭﻛﺬﺍ ﺍلآﻳﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٥) ﺗﺨﺎﻃﺒﺎﻥ ﻫﻜﺬﺍ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﺎﻥ، ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺭﻭﻥ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﺩﻭﻥ، ﺍﻟﻤﺘﻮﺣﻠﻮﻥ ﺑﻌﺠﺰﻫﻢ ﻭﺿﻌﻔﻬﻢ! ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺪﻭﻥ ﺍﻟﺠﺎﻣﺤﻮﻥ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﻏﻮﻥ ﻓﻲ ﻓﻘﺮﻫﻢ ﻭﺿﻌﻔﻬﻢ ﺇﻧﻜﻢ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻴﻌﻮﺍ ﺃﻭﺍﻣﺮﻱ، ﻓﻬﻴّﺎ ﺍﺧﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﻠﻜﻲ ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﻲ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻄﻌﺘﻢ! ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺘﺠﺮﺅﻭﻥ ﺇﺫَﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﻴﺎﻥ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ؛ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍلأﻗﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ، ﺗﺄﺗﻤﺮ ﺑﺄﻭﺍﻣﺮﻩ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺟﻨﻮﺩ ﻣﺘﺄﻫﺒﻮﻥ.. ﻓﺄﻧﺘﻢ ﺑﻄﻐﻴﺎﻧﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺒﺎﺭﺯﻭﻥ ﺣﺎﻛﻤﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺟﻠﻴـلا ﻟﻪ ﺟﻨﻮﺩ ﻣﻄﻴﻌﻮﻥ ﻣﻬﻴﺒﻮﻥ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺮﺟﻤﻮﺍ ﺑﻘﺬﺍﺋﻒ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﻝ، ﺣﺘﻰ ﺷﻴﺎﻃﻴﻨﻜﻢ ﻟﻮ ﺗﺤﻤﻠﺖ.. ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺑﻜﻔﺮﺍﻧﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﻤﺮﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﻠﻴﻞ، ﻟﻪ ﺟﻨﻮﺩ ﻋﻈﺎﻡ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﺼﻔﻮﺍ ﺃﻋﺪﺍﺀً ﻛﻔﺮﺓً -ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ- ﺑﻘﺬﺍﺋﻒ ﻣﻠﺘﻬﺒﺔ ﻭﺷﻈﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﻟﻬﻴﺐ ﻛﺄﻣﺜﺎﻝ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻓﻴﻤﺰﻗﻮﻧﻜﻢ  ﻭﻳﺸﺘﺘﻮﻧﻜﻢ!. ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺃﻣﺜﺎﻟﻜﻢ؟.. ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﻗﺎﻧﻮﻧﺎ ﺻﺎﺭﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ -ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ- ﺃﻥ ﻳﻤﻄﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻗﺬﺍﺋﻒ ﻭﺭﺍﺟﻤﺎﺕٍ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ.

ﻧﻌﻢ ﺇﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﺤﺸﻴﺪﺍﺕٍ ﺫﺍﺕَ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ، ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺈﻇﻬﺎﺭ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﻓﻀﺢ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻭﺷﻨﺎﻋﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﺤﺸّﺪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺃﻗﻮﺍﻫﺎ لأﺻﻐﺮ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﺿﻌﻔﻪ، ﻭﺗﻘﺮﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﺠﺎﻭﺯٍ ﻟﻠﻀﻌﻴﻒ، ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻗﻮﺓ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ. ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻢ:٤) ﻳﺒﻴﻦ ﻣﺪﻯ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟـلاﺋﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻈﻲ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ  صلى الله عليه وسلم، ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻤﻞ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺰﻭﺟﺎﺕ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺇﻓﺎﺩﺓ ﺭﺣﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻭﻋﻠﻮ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺷﻜﻮﻯ ﺯﻭﺟﺘﻴﻦ ﺿﻌﻴﻔﺘﻴﻦ ﻭﻣﺪﻯ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻟﺤﻘﻮﻗﻬﻤﺎ.

   ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

    ﺗﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺗﺒﺎﻳﻨﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﻙ، ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮ، ﺣﺘﻰ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻨﺠﻢ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻫﻮ ﻟﺘﺰﻳﻴﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮَ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻗﺪ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﻛﺎﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﻨﻴﺮﺓ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﺃﻭ ﻛﺎلأﺳﻤﺎﻙ ﺍﻟﻤﺴﺒّﺤﺔ ﻟﻠﻪ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ. ﻭﻛﺎلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻟﻤـلاﺋﻜﺘﻪ، ﻭﺧﻠﻖ ﺃﻳﻀﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﺻﻐﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺃﺩﺍﺓً ﻟﺮﺟﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ.

ﻓﺎﻟﺸﻬﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺳﻞ ﻟﺮﺟﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻌﺎﻥٍ:

ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلأﻭﻝ: ﺃﻧّﻪ ﺭﻣﺰ ﻭﻋـلاﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺯﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﺳﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺣﺮﺍﺳﺎ ﻳﻘﻈﻴﻦ ﻭﺃﻫﻠﻴﻦ ﻣﻄﻴﻌﻴﻦ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺐ ﺇﺷﺎﺭﺓ  ﻭﺇﻋـلاﻥ ﻋﻦ ﺍﻣﺘﻌﺎﺽ ﺟﻨﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﺧﺘـلاﻁ ﺍلأﺭﺿﻴﻴﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﻳﻦ ﺑﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﺇﻟﻴﻬﻢ.

ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺐ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺠﺎﻧﻴﻖ ﻭﻗﺬﺍﺋﻒ ﺗﻨﻮﻳﺮٍ ﻫﻲ لإﺭﻫﺎﺏ ﺟﻮﺍﺳﻴﺲِ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺮﻗﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺜﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺉ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺃﺳﻮﺃ ﺗﻤﺜﻴﻞ، ﻭﻃﺮﺩﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺌَـلا ﻳﻠﻮﺛﻮﺍ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﻜﻨﻰ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﻳﻦ، ﻭﻟﻴﺤﻮﻟﻮﺍ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺘﺠﺴﺲ ﻟﺤﺴﺎﺏ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻔﻠﻜﻲ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻪ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ، ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻧﻮﺭُﻩ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﻴﺮﺍﻋﺔ  ﻭﻳﺎ ﻣﻦ ﻳُﻐﻤﺾُ ﻋﻴﻨَﻪ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ! ﺗﺄﻣَّﻞْ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﺗﺄﻣﻠﻬﺎ ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺃﺑْﺼِﺮْ، ﺩَﻉْ ﻋﻨﻚ ﺑﺼﻴﺺَ ﻋﻘﻠﻚ، ﻭﺷﺎﻫﺪْ ﻣﻌﻨﻰ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﻮﺭ ﺇﻋﺠﺎﺯﻫﺎ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻭﺿﻮﺡَ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺧُﺬْ ﻧﺠﻢَ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻭﺍﻗﺬﻑْ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﺑﻊَ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻚ ﻭﺍﺭﺟﻤﻪ ﺑﻬﺎ! ﻭﻧﺤﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ. ﻭﻟﻨَﻘُﻞْ ﻣﻌﺎ: ﴿رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ (ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ:97).

   .. ﻓﻠﻠّﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

 (حاشية) ﻣـلاﺣﻈﺔ: ﺫﻳﻞ ﻫﺬﻩ (ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ) ﻫﻮ (ﺣﺠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺣﺰﺑﻪ) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. ﻓﻠﻴﺮﺍﺟﻊ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺭﺟﺎﺀً.