رسالة المناجاة

رسالة المناجاة

ألَّفَ الأستاذ رسالةَ المناجاة هذه -وهي «الشعاعُ الثالث»- إضافةً لرسالة «الآية الكبرى» وبضعِ رسائل أخرى حين كان في «قسطمونو»، وهي بمجموعها نماذجُ ساطعةٌ تُبيِّن كيف كانت تمضي حياته هناك، وما القضايا التي أولاها اهتمامَه، وعلى أيِّ المسائل تمحورتْ خدمتُه.

أجل، فقد كان سعيد النُّورْسِيّ -كما تشهد الحقائق التي تضمنتْها هذه الرسائل- يعمل جاهدًا لتقوية الإيمان التي هي أوجبُ خدمةٍ للوطن والدين.

***

مقدمة

مثلما تدل هذه الحجة الإيمانية الثامنة على وجوب وجوده ووحدانيته سبحانه، تدلُّ كذلك على إحاطةِ ربوبيته وعَظَمَةِ قدرته بدلائل قطعية، وتدلُّ أيضًا على إحاطة حاكميته وشُمول رحمته وتُثْبِتُهما، كما تُثْبِت إحاطةَ حكمته وشُمولَ علمه لجميع أجزاء الكون.

والحاصل أن لهذه الحجة الإيمانية الثامنة ثماني مقدِّمات، في كل مقدِّمةٍ ثماني نتائج، وهي تُثْبِتُ هذه النتائج بأدلتها في موضعها، ولهذا كان لها مزايا رفيعةٌ سامية.

سعيد النُّورْسِيّ

***

الآيةُ الكُبْرى

الآيةُ الكُبْرى

مُشاهَداتُ سائحٍ يسألُ الكون عن خالقه

[تُعرَف رسالةُ الآية الكبرى أيضًا بـ«الشعاع السابع»، وتتألف في الأصل من مقدمةٍ ومقامَين، أما «المقام الأول» فقد كتبه الأستاذ بالعربية وبلغةٍ شديدة الإيجاز، وجعله على «مراتب»، وقد قصد به تفسير الآية الكريمة: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..﴾ [الإسراء:44]، ثم شرحَ هذا «المقام الأولَ» بمراتبه، وفصَّله وبيَّن براهينَه في «المقام الثاني»، والنصُّ المُدرَج هنا ليس سوى قسمٍ من «المقام الثاني»؛ هـ ت]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء:44]

لما كانت آياتٌ قرآنيةٌ كثيرةٌ كهذه الآيةِ الجليلة تبدأُ -في تعريفها بخالق الكون- بذكر السماوات التي هي أسطعُ صحائف التوحيد، وأكثرُ ما يطالعُه باستمتاعٍ كلُّ إنسان، وينظر إليه بدهشةٍ في كلِّ آن؛ كان من المناسب أن يُستَهلَّ بها.

نعم، إن كلَّ ضيفٍ يأتي إلى مملكةِ الدنيا ودارِ ضيافتها يشاهِد -كلما فتح عينيه وقَلَّبَ نظَرَه- مَضافةً في غاية الكرم، ومعرِضَ مصنوعاتٍ في غاية الإتقان، ومعسكرًا وميدانَ تدريبٍ في غاية المهابة، ومُتنزَّهًا في غاية الإمتاع والإبهار، ودارَ مطالعةٍ في غاية الحكمة والمعنى؛ فتتحرك لديه الرغبة لمعرفةِ مَنْ صاحبُ دارِ الضيافةِ الجميلة هذه؟

كلمةٌ حول رسالة «الآية الكبرى»

كلمةٌ حول رسالة «الآية الكبرى»

حين كان الأستاذ في «قسطمونو» ألَّفَ رسالةً جليلةً سمَّاها «الآية الكبرى»، وهي رسالةٌ تُثبِت وجود الله تعالى ووحدانيتَه بلسانِ موجودات الكون، وقد وصف الأستاذ هذه الرسالة بأنها حقيقةٌ قرآنيةٌ وسدٌّ عظيمٌ يتصدَّى للتدمير المعنوي الرهيب في هذا الزمان.

وقد كتبَها الأستاذ على عجلٍ كما وردَت على قلبه، واكتفى بمسوَّدتها دون تعديل، وفي ذلك يقول: «وإني لشعوري -وقتَ كتابتها- أنها تُكتَبُ لا بإرادتي واختياري، لم أرَ من المناسب أن أُصلحَها أو أنظِّمها بفكري».

طُبِعتْ هذه الرسالةُ أول مرةٍ سِرًّا، فأدى هذا لسَجن الأستاذ وطلابه، وقامت محكمةُ الجنايات في كلٍّ من «دَنِزْلي» وأنقرة بإجراء مراجعاتٍ وتدقيقاتٍ شاملةٍ في مؤلفات الأستاذ استمرَّت عامَين، ليَصدُر بعد ذلك القرارُ بالإجماع ببراءة الرسائل وردِّ ما صودِر منها.

وقد رأينا من المناسب أن نُدرِج هذه الحقيقة القرآنية هنا، باعتبارها سدًّا عظيمًا يتصدى لتيارات الضلالة، ويواجه مشاريعها الهادفة لتدمير إيمان المسلمين وإفسادهم.

رسالةٌ من طلاب النور النجباء: «محمد فيضي» و«أمين»

رسالةٌ من «محمد فيضي»
الذي خدم الأستاذ بديعَ الزمان ثماني سنواتٍ في «قسطمونو» و«أمين» أحدِ طلاب النور النجباء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد رسائل النور المقروءة والمكتوبة

حضرةَ أستاذنا الحبيب الغالي المشفِق.. نبارك لكم أولًا ليلة المعراج، ونقبِّل يَدَيكم، ونرجو العفو عن تقصيرنا؛ ونقول لمن يسأل عن حال أستاذنا:

لقد بيَّن القرآنُ الحكيم حقيقةَ حالِ أستاذنا وحالِ رسائل النور، وذلك بإشاراتٍ معجزةٍ في ثلاثٍ وثلاثين آيةً منه، كما بيَّنها الإمام علي بكرامةٍ غيبيةٍ منه رضي الله عنه، وبَيَّنها كذلك الغوثُ الأعظم الشيخ الجيلاني قُدِّس سِرُّه بياناتٍ مبشرةٍ، فمن أراد معرفة الشخص المعنوي لأستاذنا فليتتبَّع بدقةٍ رسائل الإشارات القرآنية والكرامات العَلَوية والكرامات الغوثية لرسائل النور، وسائرَ أجزائها الأخرى.

أما ما نعلمه يقينًا عن أستاذنا المتفنِّن بديعِ الزمان، فهو أنه علَّامةٌ يُبيِّن للناس المعارف والحقائق التي نالها من خزينة القرآن الحكيم بمظهريته لاسمَي «النور» و«الحكيم»، وهو يُعلِنها تحدثًا بنعمة الله؛ لقد تخلق بالأخلاق المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام، واجتاز برازخ النفس والهوى، وغدا في هذا العصر أنموذجًا فريدًا لمكارم الأخلاق، وعاش حياته بعلوِّ همةٍ وفناءٍ عن النفس وتعففٍ وسكينةٍ تثير الإعجاب.

لقد ضرب أروعَ الأمثلة في التوكل والقناعة وغنى القلب، فبينما تجده في لباسه وعيشه في منتهى البساطة، تجده في مكارم الأخلاق فردًا لا يجارى؛ ليس له إلى الدنيا مقدار ذرةٍ من ميلٍ أو رغبة.

رسالةٌ إلى إسبارطة

رسالةٌ إلى إسبارطة

إخواني الأعزاء الأوفياء.. مثلما يدخل المرءُ بالتسبيح والذكر والتهليل بعد الصلاة دائرةَ خَتمٍ محمَّديةً عظيمةً، وحَلْقةَ تحميداتٍ أحمديَّةً ذاكرةً مسبِّحةً واسعةً سَعةَ وجه الأرض، يدخلها نيةً وتصوُّرًا فيكون دخولُه هذا مدارًا للفيوضات بسر تسبيحات الصلاة؛ فإننا سعداءُ سعادةً لا توصف لإشراكنا في الدعوات والأعمال الصالحة الصادرة عن آلاف الألسنة البريئة والشيوخ المباركين المتلقِّين دروس رسائل النور في دائرتها الواسعة، والعاملين في حلقة أنوارها؛ وسعداءُ كذلك لكوننا بجوارهم غيبًا بِطَيِّ المكان، بالخيال والنية والتصور، نُؤَمِّنُ على دعواتهم.

تلاميذ رسائل النور الصغار الأبرياء

تلاميذ رسائل النور الصغار الأبرياء

إخواني الأعزاء الأوفياء.. أُرسِلَتْ إلينا أيضًا نُسَخٌ مما كتبه قُرابةُ ستين طالبًا من تلاميذ رسائل النور الصغار الأبرياء، فجمعنا تلك الأجزاء في ثلاثة مجلَّدات، وسجلنا بعض أسماء أولئك التلاميذ الأبرياء، فمنهم على سبيل المثال:

عمر في الخامسة عشرة من عمره، بكر في التاسعة، حسين في الحادية عشرة، حافظ نبي في الرابعة عشرة، مصطفى في الرابعة عشرة، مصطفى في الثالثة عشرة، أحمد زكي في الثالثة عشرة، علي في الثانية عشرة، الحافظ أحمد في الثانية عشرة؛ ويوجد أطفالٌ كُثْرٌ في مثل هذه السن لم يُذكروا خشية الإطالة.

فقد أرسل إلينا هؤلاء الأبرياءُ الصغار بعض ما تَلَقَّوه وكتبوه من دروس رسائل النور، وقد أدرجنا أسماءهم في جدول؛ وإن هذه الجهود الجادَّة منهم في هذا الزمان تُبيِّنُ أن في رسائل النور بهجةً معنوية ونورًا جذابًا، بحيث تمنح من اللذة والسرور والحماس ما يتغلَّب على جميع أنواع الملاهي والمحفِّزات المستخدَمة لحثِّ الأطفال على القراءة بحماسٍ في المدارس.

كما تؤكد هذه الحال أن رسائل النور تضرب بجذورها عميقًا، وليس بمقدور شيءٍ أن يقتلعها بإذن الله، بل هي مستمرة في الأجيال القادمة إن شاء الله.

ومثلما كان الأمر مع هؤلاء الأبرياء الصغار، كان الأمر كذلك مع الشيوخ المسنِّين الأُميِّين الداخلين في دائرة رسائل النور المباركة، فقد شرع هؤلاء في الكتابة بعد أن تجاوزوا سنَّ الأربعين أو الخمسين، لا لشيءٍ إلا لأجل الرسائل، وقد أدرجنا نحو خمسين جزءًا مما كتبوه في مجموعةٍ أو مجموعتين.

وإن ما قام به هؤلاء الشيوخ الأميُّون -وبعضهم رعاة- وكذا ما قام به الشباب الجَلْدُ من أعمالٍ بهذه الصورة، ومن تفضيلٍ لرسائل النور على كل شيءٍ ضمن هذه الظروف الصعبة، إنما يُظهِر أن الحاجة إلى رسائل النور في هذا الزمان أشدُّ من الحاجة إلى الخبز، بحيث بذل لأجلها هؤلاء المزارعون والحَصَدَة والرعاة وشباب العشائر جهودًا أكثر مما بذلوا لحاجاتهم الضرورية، ومما يؤكد حَقَّانية رسائل النور.

ولقد عانيتُ مشقةً كبيرةً في تصحيح ما كتبه هؤلاء في المجلدات الستة الأخيرة، وفي هذا المجلد بدرجةٍ أقل، ولم يكن الوقت يسعفني، فورد على خاطري وقيل لي معنًى: لا تتضايق؛ فإن البطء في قراءة ما كتبه هؤلاء أجبر المستعجلين على القراءة بأناةٍ، فأمكن للعقل والقلب والروح والنفس والمشاعر أن يأخذ كلٌّ منهم حصته من رسائل النورالتي هي بمثابة الغذاء والطعام، ولولا ذلك لأخذ العقلُ وحدَه حصةً جزئيةً، وظلت البقية بغير غذاء.

وما ينبغي لرسائل النور أن تُقرَأ كما تُقرَأ سائر الكتب والعلوم، لأن فيها من علوم الإيمان التحقيقي ما لا يشبه سواها من العلوم والمعارف، فهي قوتٌ وأنوارٌ للطائفَ إنسانيةٍ كثيرةٍ سوى العقل.

والحاصل: إن النقص الذي في كتابات الأبرياء والشيوخ الأميِّين يعود بفائدتين اثنتين:

أُولاهما: الإجبار على القراءة بدقةٍ وأناة.

والثانية: الإصغاءُ بدهشةٍ لذيذةٍ إلى مسائل رسائل النور الجميلة والعميقة، وتعلُّمُ هذه المسائلِ من الدروس والألسنة العذبة الصادقة البريئة المخلصة.

سعيد النُّورْسِيّ

***

رسالةٌ مهمةٌ كتبها الأستاذ بديع الزمان  أثناء الحرب العالمية الثانية

رسالةٌ مهمةٌ كتبها الأستاذ بديع الزمان
أثناء الحرب العالمية الثانية

باسمه سبحانه

لقد آلمني وهزَّ مشاعري لفرطِ الرِّقة والشفقة ما حَلَّ بالمساكين من نكباتٍ وشدائدَ ومجاعاتٍ جَرَّاءَ هذه المصيبة البشرية، فضلًا عن برد الشتاء القارس والبرد المعنوي الشديد؛ ولقد أُخطِرتُ فجأةً بأن في هذه المصائب وأمثالها من الرحمة والمكافأة المعنويَّين -حتى للكفار- ما يُهوِّن من وَقْعِها، وأن أمثال هذه المصيبة السماوية تُعَد نوعًا من أنواع الشهادة بالنسبة إلى الأبرياء.

ومع أني مقطوعُ الصلة بأحوال العالَم وحربه منذ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهر، إلا أني تذكرت بأسًى الأطفالَ والضعفاءَ في أوروبا وروسيا، فبَيَّنَ ذلك الإخطارُ المعنويُّ تقسيماتٍ صارت مرهمًا يداوي هذه الشفقة المؤلمة؛ وأسرد هذه التقسيمات فيما يلي:

فأما الذين قضوا نحبهم أو شُرِّدوا وتقطعت بهم السُّبُل جَرَّاء تلك المصيبة السماوية، أو جَرَّاء تلك النكبة التي حلَّتْ بهم لِـجناية مَنْ ظلموا منهم، فإن كانوا دون سن الخامسة عشرة فهم في عِداد الشهداء مهما يكن دينُهم، والمكافأةُ المعنوية التي تنتظرهم كما هي حال المسلمين تجعل تلك المصيبة بحكم المعدوم.

تنبيهٌ مهمٌّ لإخواني في الآخرة

باسمه سبحانه

تنبيهٌ مهمٌّ لإخواني في الآخرة، وهو مادتان:

الأولى: إن أهم وظيفةٍ للمنتسب إلى رسائل النور: كتابتُها، واستكتابُها، والمساعدةُ على انتشارها، فمن كان لها كاتبًا أو مستكتبًا أو قارئًا نال وصف «طالب رسائل النور»، وكان له سهمٌ من مغانمي المعنوية ودعواتي الخيِّرة التي أدعو بها كلَّ يومٍ مئةَ مرة أو أكثر، كما يكون له سهمٌ من دعواتِ ومغانمِ الآلاف من إخواني الأعزاء وطلاب رسائل النور الداعين مثلي.

ثم إنه يمكن أن يُحصِّل من كتابتها فوائدَ جمة، إذْ تشتمل كتابتُها على أربعةِ أنواعٍ من العبادات المقبولة من أربعةِ أوجه، فمنها: أنه يُقوِّي إيمانه، ويساهم في إنقاذ إيمان الآخرين من الخطر، وينال ويُنيل التفكُّرَ الإيماني الذي يَعدِل عبادةَ سنةٍ كما ورَدَ

القسم الرابع: حياته في قسطمونو

القسم الرابع

قَسْطَمونو

حياته في قَسْطَمونو

[مدينة «قَسْطَمونو» مركزُ ولايةٍ تقع في شَمال غربيِّ تركيا، وتبعد عن ساحل البحر الأسود نحو مئة كيلومتر؛ هـ ت]

[نيسان/أبريل 1936 م – أيلول/سبتمبر 1943م]

بعد أن خرج بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ من سجن «أسكي شَهِر»، نُفي إلى مدينة «قسطمونو» حيث احتُجِز مدةً طويلةً في مخفرٍ للشرطة، ثم وُضِع تحت الإقامة الجبرية الدائمة في منزلٍ يقع مقابلَ ذلك المخفر تمامًا.

ومع أنه أُكره على أن يقضي هناك ثماني سنوات منفيًّا تحت رقابةٍ صارمة واستبدادٍ شديد الوطأة، إلا أنه لم يقف مكتوف اليدين، بل تابع نشر الأنوار القرآنية خُفيةً، فنشأ طلابٌ يتَّقدون نشاطًا وفداءً لا سيما في منطقة «إينه بولو»، [مدينةٌ صغيرةٌ تُطل على البحر الأسود، وتَتْبع إداريًّا لولاية «قسطمونو»؛ هـ ت] شرعوا يعملون بحماسٍ كطلبةِ «إسبارطة» في كتابة رسائل النور ونشرها في النواحي والأطراف سِرًّا، حتى أخذت تلقى إقبالًا كبيرًا في منطقة البحر الأسود.

ورغم طول مدةِ النفي التي قضاها الأستاذ في «قسطمونو»، إلا أنه لم ينقطع عن طلابه في «إسبارطة»، فقد كان يعلم بإلهامٍ ربَّانيٍّ أن هذه المدينة ستُخرِّج القسم الأعظم من الرجال المُضحِّين المتفانين والناشرين الذين سيتولَّون مهمةَ الإعلان عن رسائل النور ونشرها في أنحاء العالم، أو أن هذه المهمة ستؤدى من خلال الخدمة الجليلة القائمة في مركز «إسبارطة».

وكان تلاميذ رسائل النور شديدي الاهتمام بأحوال أستاذهم الحبيب المشفق، شديدي الحرص على راحته، توَّاقين على الدوام لمعرفة أخباره وأخبار خدمات رسائل النور التي يقوم بها إخوانهم النوريُّون.

وقد جَرَت بين بديع الزمان سعيد النُّورْسِيّ وبين طلاب النور مراسلاتٌ كثيرةٌ خلال سبعٍ وعشرين سنةً، فكان يكتب إليهم رسائلَ كثيرةً تتعلق بالخدمة الإيمانية، وتتناول موضوعاتٍ علميةً وإيمانيةً وإسلاميةً، وكانوا يتلقونها ببالغ الشوق، وينشرونها كتابةً بخط اليد.

المكتوب السادس عشر

المكتوب السادس عشر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]

لقد صار هذا المكتوب مَظهَرًا لسرِّ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ [طه:44]، فلم يُكتَب بلهجةٍ شديدة.

وهو جوابٌ على سؤالٍ يَرِد من كثيرين صراحةً أو ضمنًا؛ ولستُ أرغب في تقديم هذا الجواب ولا أُسَرُّ بذلك، فقد فوضتُ جميع أموري إلى الله متوكِّلًا عليه؛ إلا أنهم لما لم يتركوني وشأني، ولم يدَعوني أرتاح في عالمي، وحوَّلوا وجهي نحو الدنيا، فإنني مضطرٌ لأن أبيِّن بلسان «سعيدٍ القديم» لا الجديد خمسَ نقاط عن حقيقة الحال، أبيِّنها لأصحابي من جهةٍ، ولأهل الدنيا وأهل الحُكمِ من جهةٍ أخرى، لا لأنقذ شخصي، بل لأنقذ أصحابي ورسائلي من هواجس أهل الدنيا وأذاهم.

النقطة الأولى: قيل: لِم انسحبتَ من السياسة فلم تَعُد تَقرَبُها؟

الجواب: إنَّ «سعيدًا القديم» الذي كان موجودًا قبل نحو عشر سنوات قد خاض غمارَ السياسة بقدرٍ ما قائلًا: «لَعلِّي أخدِم الدين والعلم بواسطتها»؛ إلا أنه أُرهِق منها دون طائل، ورأى أن هذا الطريق مشكوكٌ فيه، محفوفٌ بالمشاكل والمخاطر، وأنه بالنسبة