القسم السابع: حياتُه في أفيون

القسم السابع

أفـيـون

حياتُه في أفيون

[«أفيون» مدينةٌ تقع غربيَّ الأناضول، في الوسط تمامًا ما بين «أسكي شَهِر» و«إسبارطة»، وهي اليوم مركز ولاية؛ هـ ت]

[كانون الثاني/يناير 1948م – كانون الأول/ديسمبر 1949م]

عريضةٌ جزئيةٌ لكنها مهمةٌ مقدَّمةٌ إلى مجلس الوزراء ورئاسة مجلس الشعب

عريضةٌ جزئيةٌ لكنها مهمةٌ
مقدَّمةٌ إلى مجلس الوزراء ورئاسة مجلس الشعب

أبيِّن هذه المرة وعلى نحوٍ خاص مسألةً راهنةً تتعلق بالوطن والشعب والأمن، رغم انسحابي من الحياة السياسية منذ ثلاثين سنةً؛ وهي أننا بِتنا على قناعةٍ قطعيةٍ مبنيَّةٍ على أماراتٍ كثيرةٍ أن ثمةَ نوايا مبيَّتةً تعمل لصالح الفوضوية، وتستهدفني وتستهدف «أميرداغ»، وتستهدف هذا الوطن بالتالي، إذْ تُضخَّم الأمور ويُجعَل من الحبة قبةٌ بل قباب، وتُصوَّرُ أمورٌ تافهةٌ لا تساوي جناحَ بعوضةٍ كأمثال الجبال، وأُتَّخَذُ ذريعةً للهجوم علينا، أي على تلاميذ النور الذين يسعون لإنقاذ أبناء وطننا المساكين من الإعدام الأبديِّ والشُّبهات الأخروية، وما هو إلا هجومٌ تعسفيٌّ يخالف القانون كليًّا، ويجري بمخططاتٍ أجنبيةٍ خدمةً للفوضوية في هذا الوطن المحتاج إلى الاستقرار.. لقد جُعِلتُ ذريعةً لاستهداف هذا الوطن واستقراره بحقدٍ ظاهرٍ وهواجس باطلةٍ، في عملٍ أشبهَ ما يكون بصبِّ الزيت على النار.

وذلك أنه بالرغم من أن ثلاث محاكم دققت بتمحيصٍ بالغٍ جميعَ كتبي ومراسلاتي وشؤوني على مدار عشرين سنةً، ثم أصدرت قرار البراءة بحقِّنا وبحقِّ كتبنا؛ وبالرغم من أني تركت التأليف منذ ثلاث سنين، ولا أكاد أقدر على كتابة مكتوبٍ واحدٍ في الأسبوع؛ وبالرغم من أني لا أستقبل أحدًا لغير ضرورةٍ سوى بضعةِ فتيانٍ يعملون في الخياطة، ويتناوبون على مساعدتي في شؤوني الضرورية؛ وبالرغم من عدم عودتي إلى بلادي بعد إخلاء سبيل المنفيين.. أجل برغم هذا كلِّه فقد استفزوني بصورةٍ رسميةٍ وبأسلوبٍ لم أرَ مثله في حياتي، متعمِّدين الإساءة والإهانة، كي يفتعلوا حادثةً ما، فداهموا بيتي بحقدٍ وبشكلٍ غير قانوني، وكسروا قفلَه، وأخذوا مصحفي ولوحاتي المكتوبة بالعربية وكأنها منشوراتٌ خطيرة، وفضلًا عن ذلك خاطب مسؤولٌ مهمٌّ في السلك القضائيِّ الموظفين

جزءٌ من التظلُّم المقدَّم إلى وزير الداخلية

جزءٌ من التظلُّم المقدَّم إلى وزير الداخلية

…….لقد تعرضتُ لظلمٍ لم يسبق له مثيل، ولقيتُ صنوفًا من الاضطهاد والقسوة تخالف القانون من عشرة وجوه، وأبيِّن ذلك فأقول:

إن سعيدًا المسكين هذا قد اشتدت عليه وطأة المرض لتسمُّمه في محاولةِ اغتيالٍ آثمة؛ وهو مع هذا ضعيفٌ لا حول له ولا قوة؛ طاعنٌ في السن قد بلغ الحادية والسبعين؛ وحيدٌ في غربةٍ تدعو للرثاء؛ فقيرُ الحال يبيع بعض ثيابه ليؤمِّن معيشته؛ مُنطوٍ عن الناس مستوحشٌ منهم لعزلته عنهم خمسًا وعشرين سنة، فلا يكاد يجد في ألْفٍ منهم شخصًا واحدًا كاملَ الصِّدق؛ وهو فوق ذلك رجلٌ بريء، بَرَّأتْه لجنةُ خبراءِ أنقرة ومِن قبلِها ثلاثُ محاكم بعد أن استعرضوا عشرين سنةً من حياته، ونظروا في مؤلفاته بعينِ التدقيق والتمحيص، فقضَوا ببراءته، واتفقوا على أن مؤلفاته نافعةٌ ليس فيها ما يضر الوطن أو الشعب؛ وهو رجلٌ من أبناء هذا الوطن غيورٌ عليه، وقد سبق أن أسدى إليه خدمةً جليلةً أيام الحرب العالمية الأولى، ويعمل اليوم بكل قوته وعبر مؤلفاته ذات التأثير الظاهر للعِيان ليحمي الوطن وأبناءَه من الفوضوية وإفساد الأجنبي؛ وهو رجلٌ مسالمٌ لم يتأتَّ منه ما يضركم، ولم يتدخل بشيءٍ من أمور دنياكم، بل لم يقرأ صحيفةً ولا اهتم بالأخبار والحوادث منذ خمسٍ وعشرين سنةً كما ثبت ذلك لدى المحكمة بشهادة سبعين شاهدًا، وما التفتَ إلى الحرب العالمية الثانية طَوالَ سِنيها السبع ولا استَخبر عنها ولا

أُخْطِرتْ فجأةً فاضطررتُ لكتابتها

أُخْطِرتْ فجأةً فاضطررتُ لكتابتها

باسمه سبحانه

إخواني.. تبيَّن لي بما لا يدع مجالًا للشك أن ثمة إجراءاتٍ اتُّخِذتْ سِرًّا للقضاء على توُّجه الناس وإقبالهم عليَّ، وذلك بالقدح فيَّ وتشويه سمعتي رسميًّا، كما تبيَّن أن القوم يعملون من وراء الكواليس على تخويف أصحابي وتثبيطهم، والحال أن «سكة التصديق الغيبي» [مجموعٌ لطيفُ مقتبسٌ من رسائل النور، يتحدث عن الإشارات الغيبية إليها؛ هـ ت] تَقلب جميع حملاتهم المغرِضة رأسًا على عقب.

وبالرغم من أن مثل هذه الإجراءات التي تصب في صالح الإلحاد تضايقني بدرجةٍ ما، وتثير بعض نوازع «سعيدٍ القديم» المتبقية، إلا أن فتوحات رسائل النور الرائعة، والحُرمة والرحمة التي يُقابَل بها تلاميذها في نظر أهل الحقيقة ولدى الملائكة والروحانيين، تجعل ذلك القدح والتجريح وتشويه السمعة الموجَّه لشخصي أتفهَ من جناح بعوضة.

رسالةٌ مختصرةٌ من الأستاذ تبيِّن مكائد الذين يريدون إبعاد طلاب النور عن رسائل النور، وبِمَ يُرَدُّ عليهم

رسالةٌ مختصرةٌ من الأستاذ تبيِّن مكائد الذين يريدون
إبعاد طلاب النور عن رسائل النور، وبِمَ يُرَدُّ عليهم

إخواني الأعزاء الأوفياء..

تلقيتُ إخطارًا معنويًّا قويًّا بأن أتحدث إليكم مجدَّدًا في مسألةٍ بالغة الأهمية، وهي نفس المسألة التي سبق أنْ بيَّنتُها لكم بيانًا مجملًا؛ وفحواها أن أعداءنا المنافقين العاملين في الخفاء لما فشلوا في هجومهم الذي شنوه علينا مستخدمين القضاء والسياسة ومؤسسات الدولة أداةً بيدِ الإلحاد كما هو ظاهرٌ حتى اليوم، تخلَّوا عن مخططاتهم القديمة التي عادت بالنفع على فتوحات رسائل النور، وراحوا يدبِّرون مخطَّطًا نِفاقيًّا يَحار منه الشيطان نفسُه، وثمة علائم هنا تدلُّ على ذلك.

وأحدُ أهم أسس هذا المخطط هو تفتير همةِ خواصِّ إخواننا الثابتين وثَنْيُ عزائمهم، بل حملُهم على التخلي عن رسائل النور إن أمكن، وهم يستخدمون في هذه النقطة بالذات أكاذيب وحِيَلًا بالغةَ العَجَب، بحيث لا بد لمقاومتها من ثباتٍ وولاءٍ وصلابةٍ كالفولاذ كما هي حال التلاميذ الأبطال في «إسبارطة» وما حولها.

إن بعض هؤلاء المنافقين يندسُّون في الصفوف مُظهِرين أنفسهم بمظهر الصَّديق الموالي، حتى إذا ما سنحت لهم الفرصة بَثُّوا المخاوف، وضخَّموا الأمور، وأثاروا الهواجس في النفوس، واجتهدوا في صرف الضعفاء وتخذيلهم قائلين لهم: «إياكم ثم إياكم أن تقتربوا من سعيد، فإن الحكومة تراقبه».

حتى إنهم يسلطون الفتيات على بعض طلاب النور الشباب لإثارةِ غرائزهم؛ ويَعمِدون إلى مَن هم أركانُ رسائل النور، فيُظهِرون لهم معايبي ونواقصي، ثم يقدِّمون بعض الشخصيات المشهورة ذات التديُّن الظاهري من أصحاب البدع ويقولون: «نحن

فقرةٌ من رسالةٍ لطلاب النور الذين شاهدوا الحادثة المناوئة للشيوعية باسطنبول

فقرةٌ من رسالةٍ لطلاب النور الذين شاهدوا الحادثة المناوئة للشيوعية باسطنبول

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاء..

شوهد البارحة في اسطنبول فتحٌ معنويٌّ من فتوحاتِ النور بمنتهى العَظَمَة والروعة ولله الحمد والمِنَّة؛ فلقد هوجم مقرُّ منظمةٍ تعمل لتمكين الكفر المطلق في العالَم عامةً وفي العالَم الإسلامي خاصةً، وبُعثِرتْ محتوياتُ مكتبةٍ ومطبعةِ صحيفةٍ تنشران أفكارها وتروِّجان أعمالَها، وتَجَمْهَرَ الشباب والطلاب الذين ظنت تلك المنظمة أنها قد جعلتهم شيوعيين ملحِدين، وتظاهروا ضدها، وهتفوا بأعلى صوتهم: تسقط الشيوعية.

لقد تكبدت هذه المنظمة خسارةً مادية تقدَّر بآلاف الليرات، أما خسارتها المعنوية فتقدَّر بالملايين.

فلا يَحزُنْكم عدمُ توفر الإمكانات المادية الآن، فإن فتوحات النور تنتشر على نطاقٍ واسع، وتحظى بتوفيقٍ شامل، وهذا من فضل ربي.

***

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاء الأوفياء..

إن مكائدهم التي دبَّروها ضدي منذ شهورٍ قد انكشفت، وخفَّف الله بحفظه وطأةَ تلك المصيبة عليَّ من عشرين إلى واحد؛ لقد كنت أذهب إلى المسجد في أوقات الفراغ، وكان الطلاب قد صنعوا لي خُصًّا [الخُصّ: غرفةٌ صغيرةٌ من الخشب أو القصب؛ هـ ت] دون أن يُخبِروني، وجعلوه في زاويةٍ من المسجد ليَقِيَني شدةَ البرد، غير أني اتخذت قرارًا قبل أربعةِ أو خمسةٍ أيامٍ بعدم الذهاب إلى المسجد مرةً أخرى، وقد أُزيل الخُصُّ بسبب تدخُّل ذلك الضابط المعروف، وأُبلِغتُ رسميًّا بمنعي من الذهاب إلى المسجد ثانيةً؛ غير أنهم جعلوا من الحبة قبةً وأثاروا زوبعة.

لا تقلقوا فليس للأمر أيُّة أهمية، أرى في تقديري أنهم يطعنون فيَّ متعلِّلين بمثل هذه الذرائع بغيةَ أن يضعوا حدًّا لإقبال الناس من كلِّ جهة، وهو إقبالٌ يفوق حدي كثيرًا.

إنهم ينظرون إليَّ بالصورة التي كنتُ عليها في سالف عهدي، ويظنون أني لن أتحمل ما يجري، والحال أنه حتى لو نزل بي في كلِّ يومٍ ألفُ تجريحٍ وإيذاءٍ -على ألَّا يصيب رسائلَ النور وانتشارَها أيُّ خلل- لشكرتُ الله تعالى؛ فأنا لا أُولي الأمر أيَّة أهمية، وكذلك هي حال الطلاب هنا فإنهم لم يتزعزعوا؛ وهذه الحادثة التي كنا نتوقعها منذ زمنٍ بعيد قد مرَّتْ خفيفةً بفضل العناية الإلهية.

أُسلِّم على جميع إخواني وأدعو لهم فردًا فردًا.

سعيد النُّورْسِيّ

***

جوابٌ اضطراريٌّ على رسالةٍ مهمةٍ وَرَدَتْ من شخصيةٍ مهمةٍ وضابطٍ رفيع المستوى

جوابٌ اضطراريٌّ على رسالةٍ مهمةٍ وَرَدَتْ من شخصيةٍ مهمةٍ وضابطٍ رفيع المستوى

باسمه سبحانه

السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه

أخي العزيز الوفيّ.. وأنا أهنئكم كذلك بشهر رمضان الكريم.. إن رؤاكم التي رأيتموها مباركةٌ جدًّا، وهي إشارةٌ إلى أن الحق سبحانه سيجعلكم مظهرَ إحساناتٍ جليلةٍ بإذنه تعالى؛ وعندي أن أعظم إحسانٍ وأجلَّ وظيفةٍ في هذا الزمان إنما هو إنقاذ الإيمان وتقويتُه.

كن على حَذَر، واجتنب ما من شأنه أن يكون مبعثًا للأنانية والغرور، فإن التواضع والفناءَ عن الذات وتركَ الأنانية لَمِمَّا يلزَم أهلَ الحقيقة في هذا الزمان، بل هو ألزَمُ ما يلزمهم؛ لأنه لما كانت أعظم المخاطر في هذا العصر آتيةً من الأنانية والعُجب، كان من الضروري لأهل الحق والحقيقة أن يَفْنَوا عن ذواتهم، ويلتفِتوا دائمًا إلى عيوبهم ويتهموا أنفسهم.

وإنه لمقامٌ جليلٌ أن يحافظ مثلكم على إيمانه وعبوديته ببطولةٍ تحت وطأةِ ظروفٍ صعبة؛ وإحدى تعبيرات الرؤى التي رأيتَها هي بشارتك بهذه النقطة تحديدًا.

احصُل على رسالةٍ من رسائل النور تسمَّى «التلويحات التسعة»، وهي رسالةٌ تتناول مسألةَ حقيقةِ الطريقة، وطالعها، وادخل في دائرةِ رسائل النور دخولَ الرجال ذوي القوة والإيمان والحقيقة أمثالك، فإنها لم تُهزَم قطُّ في مواجهةِ هجمات هذا العصر، بل أجبرتْ أعتى أعدائها على السماح رسميًّا بتداولها، حتى إن الجهات الرسمية والقضائية العليا بعد أن قامت بالتدقيق والنظر فيها قبل سنتين صدَّقتْ على السماح بتداولها، وأصدرتْ قرارًا يقضي بردِّ جميع ما صودِرَ من الرسائل والأجزاء -الخصوصية وغير الخصوصية- إلى أصحابها.

عريضةٌ سبق أنْ أُرسِلتْ إلى ثلاثِ جهاتٍ رسمية وقد أُرسِلت لتكون مرجعًا لإخواني هناك

عريضةٌ سبق أنْ أُرسِلتْ إلى ثلاثِ جهاتٍ رسمية

وقد أُرسِلت لتكون مرجعًا لإخواني هناك

[يقصد إخوانه في «إسبارطة»؛ هـ ت]

أريد منكم أن تُصغوا لشكوى مظلومٍ ظلَّ صابرًا ساكتًا طَوالَ عشرين سنة..

ففضلًا عن أني مُنِعتُ من كلِّ حريةٍ في عهد حكومة الجمهورية التي أتاحت الحريات بأوسع أشكالها، تداعى عليَّ خصومي يقمعونني من كل جهةٍ بكلِّ حرية!! وإن الواجب على حكومة الجمهورية التي تكفُل حرية الضمير وحرية الفكر العلمي أن تُوفِّر لي كامل الحماية فتُسكِت خصومي المُغرِضين ذوي الهواجس والظنون، أو تتيحَ لي حرية القلم كما أتاحتها لهم فلا تمنعَني من الدفاع عن نفسي؛ لأنه قد صدر أمرٌ رسميٌّ سريٌّ إلى مكتب البريد يمنعني من إجراء أيِّ مراسلة.

وفي الوقت الذي صدرت فيه تحذيراتٌ تمنع أيَّ شخصٍ من أن يلتقيَ بي إلا صبيًّا يأتيني بالماء والخبز، وبينما كنت أنتظر استرداد مؤلفاتي التي نالت استحسان لجنة الخبراء بعد أن صدَّقت محكمة التمييز براءتَنا التامة، انتهزَ خصومي الفرصة فسلَّموا رسالتَين من رسائلي الخصوصية الممنوعة إلى اثنين من أعضاء لجنة الخبراء يعاديان مسلكنا، وقد سمعت أنهما أعدّا تقريرًا سيئًا ضدي، فلم يَبق لي صبرٌ ولا تحمل، وإنني أُعلنها صريحةً لجميع رجال حكومة الجمهورية، بل للعالَم أجمع:

مصارحةٌ مع وزير العدل وقضاةِ المحاكم المعنيَّة برسائل النور

مصارحةٌ مع وزير العدل وقضاةِ المحاكم المعنيَّة برسائل النور

أيها السادة.. لماذا تنشغلون بنا وبرسائل النور من غير مبرِّر؟!

اعلموا يقينًا أننا ورسائلَ النور نَعُدُّ التفكير بكم -فضلًا عن مواجهتكم- أمرًا خارجَ نطاق وظيفتنا، لأن رسائل النور وتلاميذَها الحقيقيين يعملون لأجل أن يقدِّموا للجيل الآتي بعد خمسين سنة خدمةً عظمى، ويخلِّصوه من ورطةٍ كبرى، وينقذوا البلاد والعباد من خطرٍ محدِق؛ وإن الذين ينشغلون بنا اليوم سيكونون في ذلك الحين رميمًا في القبر، فإذا افترضنا جدلًا أن العملَ لتحقيق هذه السلامة والسعادة مواجهةٌ، فينبغي ألَّا يُقحَم فيها مَن أصبح في القبر ترابًا.

أجل، فإذا كان قدرٌ يسيرٌ من التحلل واللامبالاة التي أظهرها دعاة الحرية في العهد السابق [المقصود بهم أعضاء جمعية الاتحاد والترقي ومَن شايعَهم؛ هـ ت] في مجال الأخلاق الاجتماعية والدين والسجايا الوطنية قد أفضى بعد عشرين أو ثلاثين سنةً إلى هذه الأوضاع الحالية على صعيد الدين والأخلاق والعفة والشرف، فلا شك أنكم تدركون ما سيكون عليه الجيل القادم بعد خمسين سنة من أبناء هذه الأمة البطلة الشريفة المتمسكة بدينها، وكيف سيكون في دينه وأخلاقه الاجتماعية.

بثُّ شكوى مني لنفسي

بثُّ شكوى مني لنفسي

«أُحيل إليكم إبلاغَ هذه الشكوى إلى الجهات العليا بأنقرة -بعد أن تُصلحوها- إن رأيتم ذلك مناسبًا»

إذا كان القاضي نفسُه هو المدعي فليس لمسكينٍ مثلي سوى أن يقول: أشكو مَن لمَن؟ لقد حِرْتُ في أمري!!

أجل، فوضعي اليوم أشدُّ بؤسًا من السجن، بل إن يومًا من وضعي الحالي فيه من المعاناة والأسى بمقدارِ ما في شهرٍ من السجن الانفرادي، وإنني فضلًا عن الغربة والشيخوخة والمرض والفاقة والضعف قد مُنِعتُ من كلِّ شيءٍ تحت وطأة الشتاء الثقيلة، ولا يتسنى لي اللقاء بأحدٍ سوى اثنين، أحدهما صبيٌّ والآخَر مريض؛ على أنني في كلِّ الأحوال أقاسي العذاب في سجنٍ انفراديٍّ مُحكَمٍ منذ عشرين سنة.

ويُخشى إن استمرَّ التضييق عليَّ بالمراقبة والمنع أن تُمَسَّ غَيْرةُ الله فيكونَ ذلك سببًا لنزول بلاء؛ ولقد سبق أن قلتُ في المحكمة: إنه مثلما تَوافَق وقوعُ أربعة زلازل مروِّعة مع الوقت الذي تعرَّضنا فيه للظلم، فإن ثمةَ الكثير من الوقائع على هذه الشاكلة، حتى إني لأحسَب أن الحريق الذي نشب بمحكمة «أفيون» إنما كان من هذا القبيل، فلقد أَوليتُ هذه المحكمة ثقتي لتحميني وتحفظ حقوقي، فإذا بها تتجاهل مراجعتي التي أدليتُ بها في محكمة «دَنِزْلي» بخصوص رسائل النور، وتُهملها مورِّثةً إيايَ خيبةَ أملٍ مريرة، ولعل هذا كان سببًا في الحريق الذي أصابها.

وأنا أقول: إن حمايتي حمايةً تامةً هي أهمُّ وظيفةٍ تقعُ على عاتق مسؤولي الولاية وشرطتها وقضائها ذوي المعاملة الإنسانية المنصفة، لأن الحكومة المركزية ومعها ثلاث محاكم، بعد أن دققتْ في مؤلفاتي ومراسلاتي التي كتبتُها خلال عشرين سنة، واستغرق