فصل في القضايا وأحكامها

فصل في القضايا وأحكامها

ما [1] احتمل [2] الصدقَ [3] لذاته [4] جَرَى [5] بينهُمُ قضية وخبرا

 اعلم أن في العالم اختلافا وتغيرًا ونظامًا شاملًا. فالاختلاف هو الذي أظهرَ الحقائقَ النسبية التي هي أكثر بكثير من الحقائق الحقيقية. والنسبة لها وقع عظيم قد التفت رعايتها بوجود شرور مغمورة. فلولا القبح لانتفى حسن المحاسن الكثيرة.. ثم إن التغير هو الذي كثّر تلك الحقائق النسبية، ثم النظام هو الذي سَلْسَلَهَا وفَنَّنها. وتماثيل تلك النسبيات هي القضايا الكونية التي هي تفاريق القضايا، التي هي «تفاصيل القدر الإلهي»…

ثم اعلم أيضًا أن غاية فكر البشر صيرورة النفس الناطقة خريطة معنوية للكائنات بارتسام حقائقها في النفس. ومعرفة كثير من الحقائق بالنسب. وهي قضايا.. وهي نتائج. وهي بالدلائل.. وهي بأجزائها. وهي أو أجزائها موضوعات أو محمولات. وهي بتصوراتها.. وهي بالتعاريف. وهي بأجزائها.. وهي الكليات الخمس..

[1] أي ملفوظ ومعقول([1])..

[2] أي بسبب تمثاليته لما في نفس الأمر له خاصية قابلية المطابقة وعدمها. لكن بالمطابقة. وإلا فما من تصور إلا ويستلزم تصديقا أو تصديقات.([2])

[3] أي دل على الصدق لفظًا وجاز الكذب عقلًا، بناء على تخلف المدلول.([3])

[4] أي بالنظر إلى المحصل كـ «ج ب»([4])..

[5] مجاز عن «يسمى» مجاز عن «يعرف» مجاز عن «هو هو».([5])


[1] (ملفوظ ومعقول) أي القضية لكونها معقولة (معقول). ولكونها لا تفاد إلا باللفظ (ملفوظ) فـ (ما) ملفوظ ومعقول.

[2] (فما من تصور إلا ويستلزم الخ) نعم، تصورُ زيد مثلا: عبارة عن حصول صورته في الذهن. ولا يخفى أن هذا يستلزم («صورتُه حاصلةٌ» و «هذه الصورة لزيد») وغيرهما من التصديقات. فلو لم يشترط دلالة تلك الخاصية على المطابقة وعدمها بالمطابقة. بل كانت مرسلة لكانت شاملة لغيرها أيضًا ولكانت التصورات باعتبار ذلك الاستلزام داخلةً في شمول احتمال الصدق..

[3] (بناء على تخلف المدلول) إشارة إلى أن الكذب بفقدان المدلول لا بعدم المطابقة، إذ لا واقع للكذب حتى يطابقه.

[4] (أي بالنظر إلى المحصل) أي المفهوم مع قطع النظر عن الخارج والدليل والبداهة كـ (ج ب) أي مثل ج ب في أن لا يقصد به إلا المفهوم.

[5] (مجاز عن هو هو) أي القصد من التعريف الاتحاد بينه وبين المعرف بحمل المواطأة.

فصل في المعرفات

فصل في المعرفات

معرف [1] على ثلثة [2] قسم [3] حد [4] ورسمي [5] ولفظي [6] علم

اعلم أن في بحبوحة فطرة الإنسان احتياجًا ذا ألسنة ضمنية ذات خمسة أسئلة، يقابل بها الحادثات. وينعى بها الواقعات. وينادي بها الكائنات.. المشهور منها «ما» المولد للمبادئ التصورية. و«لِمَه» المدون للمبادئ التصديقية في العلوم.. وتجيبها الحكمة بلسان الكائنات المفسِّر بعضُها بعضا -بالتعريفات- في مقابلةِ سؤالِ «ما». وبالأدلة في جواب سؤال «لِمَه».

[1] هو لتعريف الحدود الوسطى، لإدراج الجزئيات تحت الكليات، فيسرى إليها حكمها فتسهل الصغرى([1])…

[2] اكتفى بما مرّ من التقسيم عن التعريف لأن بيان المصطلحات ليس من أساسي العلم بشيء. وأما التقسيم فمن المسائل.. ثم إنهم رجحوا «على» على «إلى» نظرًا للمبدأ والتحصيل لا المحصل والتعليم. فإن استقراء الجزئيات والأقسام هو الذي يفيد ترتب المقسم على الأقسام.([2])

[3] تقسيم الكلي إلى الجزئيات محصل لحدود الأقسام، إن كان عقليًا. وأما تقسيم الكل إلى الأجزاء فلتحصيل ماهية المقسم في الخارج…

[4] أي ما اشتمل على حدّي الشيء اللذين تضمنهما «من أين إلى أين» في النشر([3])..

[5] هو نظير «برهان الإنّ». كما أن الحد «برهان الِلّم».([4])

[6] هو كالاسمي ناظر إلى الوضع، كما في «القاموس» وتعريفات المصطلحات([5])..


[1] (هو لتعريف الحدود الوسطى) أي القول الشارح لتعريف الأقسام الأربعة، أي الحدين والرسمين، أي يعرّفهما للطالبِين، ليعلموا كيفية تحصيل تلك الأقسام وترتيبها بحيث يجمع تحتها الأفراد ويخرج الأغيار، فينتقلوا بواسطة ذلك الترتيب بسهولة إلى المعرفات المجهولات. قوله (فتسهل الصغرى) إشارة إلى المقدمة الأولى من الدليل الذي هو خلاصة «علم المنطق» وقد مر.. والمراد بقوله (الحدود الوسطى) أقسام التعريف..

[2] (اكتفى بما مر الخ) يعنى تَرَك الناظم التعريفَ اكتفاء بما ذكر من التقسيم لأن التعريف من المصطلحات، وبيانُها ليس من أساسي العلم بشيء أي التصور والتصديق. (ثم إنهم رجحوا «على» الخ) يعني إن نظر إلى أن الجزئيات والأقسام حصلت بالاستقراء. ثم وقع التقسيم على الموجودات الذهنية يترجح «على» على «إلى» لأن «على» يفيد ترتب المقسم على الأقسام الموجودة الحاضرة. وإن نظر إلى أن التقسيم وقع قبل الاستقراء فالأولى «إلى»…

[3] (أي ما اشتمل على حدّي الشيء) أي أوله وآخره ومنشئِهِ ومنتهاه (في النشر) أي الشرح والفصل.. نعم، إذا فصل الحد مثلا: ينفصل إلى الجنس والفصل. والجنسُ إشارة إلى المنشأ والمبدأ، والفصلُ إلى المنتهى والآخر.. فإذا سألت عن الإنسان: «من أين» يُجاب: من الحيوانية و «إلى أين» يجاب: إلى الناطقية أي الإنسانية فالحد لاشتماله على الجواب لسؤال المبدأ والمنتهى سمّي حدًا…

[4] (هو نظير برهان الإنّ) أي الاستدلال من العلة إلى المعلول (برهان لمي). ومن المعلول إلى العلة (إنّي) كالاستدلال بالنار على الدخان ليلا. وبالعكس نهارًا. والتعريف بالحدّ يشبه الأول وبالرسم يشبه الثاني…

[5] (ناظر إلى الوضع) أي لا إلى المعنى (كما في القاموس) أي كل ما في القاموس من بيان اللغات (وتعريفات المصطلحات) لأنها من التعريفات اللفظية التي هي كالأسامي…

فصل في بيان الكل والكلية والجزء والجزئية

فصل في بيان الكل والكلية والجزء والجزئية

الكل [1] حكمنا [2] على المجموع [3] ككل [4] ذاك [5] ليس ذا [6] وقوع

[1] اعلم أن في جملة العالم -بالاختلاط والارتباط- تركيبا متداخلًا متسلسلًا هو مصدر الآثار. وفي الكائنات من الكل نظامًا منبثَّ العروقِ منتشر الفروع، هو مدار الأحكام. فما من كل إلّا ويلمح بثمرة من ثمرات التركيب. وما من كلية إلّا وهي تلوح بقانون من قوانين النظام… فتأمل!.

[1] وهو كالكلية دون الكلي تصديق والكلي شخص بالنسبة إلى الكلية.([1])

[2] في الحمل تسامح.([2])

[3] أي سواء لكل جزء نفس الحكم أيضا، أو في جزء منه دخل فيه، أو في وجوده. أو لا.([3])

[4] حديث بالمعنى. المشهور، لعموم السلب لتأخر النفي -ولسؤال ذي اليدين بـ «أم» رجح سلب العموم لتنزيه كلامه (ﷺ) عن توهم الكذب ولو سهوًا في النسيان. ولأن «ليس كل» مثل «كل ليس» عند بعض.([4])

[5] أي القصر والنسيان. «ذا. ذاك وكذلك» كالمثل لا يتغيرن.([5])

[6] أي عندي أو في ظني..


[1] و(هو) راجع إلى الكل مع تعريفه المحمول عليه. (كالكلية) أي كالقضية الكلية أي في حكمها (دون الكلي) أي ليس الكل هنا بكلي ذي جزئيات حتى يكونَ مع محموله قضية، بل المراد منه المفهوم كالإنسان في «الإنسانُ حيوان ناطق» فهو مع محموله قضية شخصية ذات (تصديق). (والكل) أي بحسب مفهومه (شخص) أي جزئي (بالنسبة إلى الكلية) أي إذا قوبل بها…

[2] (في الحمل تسامح) لأن الكل ليس نفس الحكم حتى يحمل عليه، والمتحد به إنما هو المجموع.

[3] (أي سواء) ثبت الحكم (لكل جزء أيضًا) كما في الحديث، على تقدير أن يكون السلب فيه عموم السلب (أو في جزء منه) كالحديث أيضًا على تقدير كون سلبه سلب العموم…

[4] (حديث بالمعنى) أي لا باللفظ (المشهور) إن السلب في الحديث (لعموم السلب) وهو أعم من سلب العموم (لتأخر النفي) لأن (ليس) بعد (كل) لكن بالنظر لسؤال (ذي اليدين -بأم-) رجح سلب العموم أي لا وقع لا ذا ولا ذاك. (في النسيان) إشارة إلى أن السهو ما وقع من النبي (عليه الصلاة والسلام) إلّا وقت النسيان…

[5] (ذا وذاك وكذلك) هذه الكلمات الثلاث (كالمثل) أي مثل ضروب الأمثال لا يتغيرن. فلا يرد ما قيل: من أن المشار إليه هنا اثنان والمخاطبون كثيرون.

فصل في نسبة الألفاظ للمعاني

فصل في نسبة الألفاظ للمعاني

ونسبة [1] الألفاظ [2] للمعاني [3] خمسة [4] أقسام [5] بلا نقصان

[1] اعلم أن اللسان كالإِنسان عاش أدوارًا وتحول أطوارًا وترقى أعصارًا. فإن نظرت الآن إلى ما تبطن «الآن» من أطلالِ وأنقاضِ اللسان التي تفتت في سيل الزمان لرأيت منها تاريخ حياة اللسان ومنشأه. فالدور الذي نجم اللسان إلى الوجود، إنما هو دور حبات الحروف الضعيفة الانعقادِ، المغمورة في الأصوات، الدال أكثرُها بطبيعة المحاكاة. ثم بتلخص المعاني ارتقى إلى الهجاء. ثم بتكثر الأغراض تدرج إلى التركيبي «ولها آيات في الشرق». ثم بتشعب المقاصد تصاعد إلى التصريفي. ثم بامتزاج الحسيات الرقيقة والأغراض اللطيفة تعارج إلى النحوي، وهو العربي الذي أخصر الاختصارات، الموجز المطنب، القصير الطويل. ثم بسر قلب المجاز بالاستمرار حقيقةً تَوَلَّد الاشتراكُ. وبحكمة نسيان المناسبة وانقلاب الصفة بالجمود تَوَلَّدَ الترادفُ.. وقس.. فالتناسب نتيجة التناسل…

[2] أي اللفظ مع اللفظ واللفظ مع المعنى والمعنى مع الفرد([1])…

[3] والفرد معنى. فيه احتباك: «ذكر في كلٍ ما ترك في كلٍ»([2])..

[4] أي باندراج التساوي في الترادف. والنقل والمجاز في الاشتراك.([3])

[5] أي الخمسة نتيجة خمسة، أو سبعة تقسيمات بالقياس المقسم.


[1] (أي اللفظ مع اللفظ الخ) حاصله: أن الأقسام الخمسة الآتية حاصلة من نسبتين: إحداهما: نسبة اللفظ إلى اللفظ، يحصل من هذا الترادفُ والتشكك. والأخرى: نسبة اللفظ إلى المعنى، يحصل من هذا التواطؤُ والاشتراك والتخالف. لكن الناظم احتبك في العبارة؛ بأنْ حَذَف من الأولى آخرها ومن الثانية أولها. وتقدير العبارة هكذا: ونسبة الألفاظ للألفاظ ونسبة الألفاظ للمعاني. فتَرَكَ من الأول ثانيه ومن الثاني أوله.

    (والمعنى مع الفرد) أي نسبة المعنى المطابقي إلى جزئه أو لازمه. يحصل من هذا قسمان آخران: التباغض والتلازم. تَرَكَ الناظم هذا لسبقه في الدلالة.

[2] (والفرد معنى) أي جزء المعنى المطابقي أو لازمه من المعاني. فنسبته إلى أحدهما من نسبة المعنى إلى المعنى…

[3] (أي باندراج التساوي الخ) وإلّا يكون الأقسام سبعة والتقسيمات المنتجة لها أيضًا سبعة…

فصل في مباحث الألفاظ

فصل في مباحث الألفاظ

مستعمل [1] الألفاظ حيث يوجدُ إما مركب [2] وإما مفرد [3]

[1] مُسَوِّرُ كليةِ هذه القضية الاستغراقُ المكسوب من المضاف إليه، لوصفية المضاف. لأنه حملية. والسور «حيث» من حيث أنها شبيهة المنفصلة.([1])

[2] المركب المركب مع «مع» مفرد ومع «من» مركب من([2])…

[3] أي مع عدم اعتبار الغير لا اعتبار عدم الغير. أخّره مع تقدمه لأن ما فيه من العدم حادث لا أصلي. إذ وضع الألفاظ لا ليفيد معانيها لتعينها أولًا، بل ليفيد ما يعرضها بالتركيب. فالمركب مقدم. كما في دلائل الإعجاز.([3])


[1] (مسور كلية هذه القضية) حاصله: أن تشكل هذا التقسيم في شكل قضية حملية كلية شبيهة بالمنفصلة. موضوعها (مستعمل)، محمولها المردد بين إما و أو.

    كليتها لمحافظة حصر التقسيم وجمعه. إذ لولاها لم يكن جامعا للأقسام.

   وسُورُها الاستغراق المستفاد من اللام في المضاف إليه، إذ لا يكتسب الاستغراقَ من الموضوع المضاف لأنه وصف لا أفراد له لذاته.

وشبهها بالمنفصلة في كون التردد بين جزئي المحمول لا بين قضيتين. ثم إن محمول هذه القضية الحملية لكونه كالمنفصلة لابد أن يكون كلية مسورة كالحملية أيضًا محافظة لحصر التقسيم لكن الاستغراق في الشرطيات باعتبار الأزمان والأوضاع. وسُورُ هذه المنفصلة (حيث) فمعنى تلك القضية: كل لفظ مستعمل في كل زمان وعلى كل وضع إما مفرد أو مركب.

[2] (المركب المركب مع مع مفرد) لأن واحدا من جزئَيِ المركب وقع بعد مع، ولم يبق فيه إلا جزء واحد فهو قبل ذِكر ما وقع بعد «مع» مفرد. (والمركب مع من مركب من..) لأن «مِنْ» بيان وتفسير لما قبله، فلو لم يلاحظ الجزآن في المركب قبل ذِكر (مِنْ) يبقى المفسر بلا مفسر. فقبل ذكر (من) يلاحظ الجزان فيه البتة، فهو مركب من أيّ (من) أجزائه.

[3] (أي مع عدم اعتبار الغير) أي وارداته. سواء كان الغير موجودا أو لا ليدخل عبد المجيد عَلَمًا (لا اعتبار عدم الغير) إذ حينئذ يخرج هذا الفقير عن التعريف (أخّره مع تقدمه) أي على المركب لأنه جزؤه (لأن ما فيه من العدم حادث) لأن وجود عدم وجود دلالة الجزء في مفهوم المفرد، إنما وجد بعد وجودها في شيء آخر، أعني المركب. مع أن الوجودي مقدم على السلبي والأصلي على الحادث.

أنواع الدلالات الوضعية

أنواع الدلالات الوضعية

دلالة [1] اللفظ [2] على ما [3] وافقه [4]  يدعونها [5] دلالة المطابقة [6]

[1] هذه هي الثانية من أحوال اللفظ الأربعة التي يقسمها اللفظ واللغة والمنطق والبيان والاستنباط الأصولي من الوضع والدلالة والاستعمال والفهم.([1])

[2] اعلم!

ما أدق حكمة الله في اللفظ وما أعجب شأنه وما ألطفه نقشا! إن الرابط بين مأخذي جنس الإنسان وفصله هو النَفَس ذو الرأسين، الموظف بوظيفتين، صاحب الثمرتين، الموجه إلى القبلتين، المثمِر أسافلُه لنار حياة الحيوان مع تصفية مائها، والمولِد أعاليه لحركات نطق الناطق.

فبدخوله إلى عالم الغيب يصفى الدم الملوث بأنقاض الحجيرات المحللة، بسر امتزاج (مولد الحموضة الهوائي بكربونه) بسبب العشق الكيميوي. فإذ يمتزج العنصران يتحد كل جزئين منهما. وإذ يتحدان يتحركان بحركة واحدة. فتبقى الحركة الأخرى معلقة باقية. فبسرِّ «تحوّل الحركة حرارة والحرارة حركة» تنقلب تلك الحركة الباقية المعلقة حرارة غريزية، أعني نار حياة الحيوان. فبينما يخرج النَفَس من عالم الغيب إلى عالم الشهادة تعبًا إذ يتداخل في المخارج متكيفا بالصوت، والصوتُ يتفرق على المقاطع متحولا حروفًا «أجدى من تفاريق العصا». بينما هي قطعاتُ صوتٍ لا حَراك لها. إذ صارت أجسامًا لطيفة عجيبة النقوش، غريبةَ الأشكال، حاملةً للأغراض والمقاصد، تتطاير مترنمة من أوكارها، مرسلة إلى ما قَدر لها صانعُها الحكيم سفراء بين العقول. فاللفظ زبد الفكر، صورة التصور، بقاء التأمل، رمز الذهن. فبسبب الخفة والتعاقب وقلة المؤونة وعدم المزاحمة وعدم القرار ترجّح اللفظ لهذه النعمة العظمى: فما أجهل من يكذب أو يسرف بقيمة هذه النعمة!.

[3] «أي المفرد» لأن دلالة المركب على جزء معناه مطابقة. واللفظ أمارة ورمز على ما في الذهن على مذهبٍ، وعلى ما في الخارج على مذهب([2])..

[4] أي مقدار قامات المعاني.. لا يشتكى قصر منها ولا طول.([3])

[5] فيه ما مر في «يدعى» فإن نسبة الحكم لها صور متفاوتة واستحالات متسلسلة.([4])

[6] وإن قارنها دلالة التضمن والالتزام بتسليم بقاء الضعيف مع القوي، ووجود الدلالة بدون الإرادة؛ لأن الحيثية مرادة في «مقول الإضافة» بسر أن الحكم على المشتق وما في معناه يدل على التقييد([5])…


[1] (التي انقسمها اللفظ واللغة الخ) إن قيل: المقسوم أربعة والمقسوم عليه خمسة فكيف يصح التقسيم؟ قلت، نعم، لكن التقسيم أيضًا على أربعة، إذ اللفظ خارج عن المقسوم عليه، إذ الوضع ناظر إلى اللغة والدلالةُ إلى المنطق والاستعمالُ للبيان والفهمُ للأصول. لكن لا تظنن أن اللفظ بقي خارجا عن التقسيم، بل هو كالأم لهذه الأربعة، تأخذ من حصة كل واحد، إذ بيده رأس حصة كل منها، حيث يقول اللغوي: وضع اللفظ لهذا المعنى، والمنطقي: دلالة اللفظ على هذا المعني مطابقة وهكذا..

   فاللفظ داخل في حصة كل. وبهذا الاعتبار تأخذ الأم من حصص الأولاد أربعا..

[2] (أي المفرد) لأن اللام في اللفظ للعهد والإشارة إلى المفرد، فلا يرد على حصر التقسيم وجمعِه دلالةُ المركب على جزئه مطابقة على ما سيجيء، فلا تبقى خارجة عن التقسيم وعن أقسام الدلالة، لأن المقصود من الوضع في الدلالة المطابقية ليس وضعَ اللفظ لعين المعنى بل ما كان للوضع فيه مدخل..

[3] (أي مقدار قامات) اقتباس من شعر الشاعر:

وألفاظ  رقاق  النسج  قدت        على  مقدار  قامات  المعاني

[4] (فإن نسبة الحكم) نعم، إن دلالة اللفظ على المعنى لها صور وعنوانات متخالفة كالتطابق والتضمن والالتزام، وانقلابات متسلسلة بتبدل المواضع والتراكيب. مثلا: إن الناطق يكون تارة مدلولًا تضمنيًا وتارة التزاميًا وهكذا..

[5] (لأن الحيثية مرادة) علة لمقدر: كأنه قيل: بعدَ تسليم المقارنة والبقاءِ لا يصح ولا يخص التسمية بالمطابقة فأجاب: بأن الحيثية مرادة والمجوز لإرادتها ترتبُ الحكم على المشتق كما هنا، أي من حيث وافقه..

فصل في أنواع العلم الحادث

فصل في أنواع العلم الحادث

إدراكُ [1] مفردٍ [2] تصورًا [3] عُلِم ودَرْكُ [4] نسبةٍ [5] بتصديق وُسِمَ

[1] للنفس في الإدراك فعلٌ، يَستتبع إضافةً، تستلزم انفعالًا، يستولد كيفية، تستردف صورة. مع أنها عِلمٌ معلومٌ أيضًا. والأول صفة. والثاني مظروف للذهن.([1])

[2] أي ولو حكما بإجمالية النسبة.

[3] الإطلاق المستفاد من الإطلاق تقييد. أي التصور المطلق لا مطلق التصور.([2])

[4] غُيِّرَ لمغايرة النوعين في التعلق لا في المتعلَّق فقط؛ فإن الأول كالحل، والثاني كالربط والعقد.([3])

[5] أي دَرْكُ أَنَّ النسبة واقعة مفصلة مستردف الإذعان. لا درك نسبة؛ فإنه شرط أو شطر. ولا درك وقوع النسبة؛ فإنه تابع.([4])


[1] (مع أنها علم معلوم أيضًا) أي الإدراك عبارة عن الصورة الحاصلة في الذهن. فتلك الصورة من حيث ينتقش ويتصف بها الذهن تكون علمًا وصفة. ومن حيث حصولها في الذهن تكون مظروفة للذهن ومعلومًا لتعلق ذلك الانتقاش به.

[2] (أي التصور المطلق لا مطلق التصور) دفعٌ لما يوهمه قول الناظم من عدم المطابقة بين التعريف والمعرَّف، إذ المتبادر من قوله (تصورًا علم) مطلق التصور أي سواء كان ذلك التصور مع الحكم أو لا. وهذا عام يشمل التصور مع الحكم أيضًا، لأن محل حصوله الذهن. وبهذا الاعتبار يكون المعرَّف أعم من التعريف.              

وجه الدفع أن المعرف هنا أعني (تصورا) لكونه غير مقيد مقيدٌ بالإطلاق، أي التصور المطلق. وهو خاص لا يشمل التصور مع الحكم. فالمعرف يساوي التعريف فلا إشكال.

[3] (غير لمغايرة الخ) أي بدّل الإدراك بالدرك، لأن التصور والتصديق كما تغايرا في المتعلق لأنه في الأول المفرد وفي الثاني الحكم تَغَايَرا في التعلق أيضًا. لأن التعلق في الأول بطرفي القضية وفي الثاني بالنسبة بينهما. ولا يخفى أن وجود النسبة يتوقف على العقد والربط بين الطرفين، والأول يدل على الانفصال بين الطرفين وانحلالهما عن النسبة.

[4] (أي درك أن النسبة واقعة) يعني أن الظاهر من هذا القول: أن الناظم ذاهب إلى مذهب القدماء من أن التصديق عندهم عبارة عن درك النسبة التامة الخبرية أي درك الثبوت بين الطرفين. بناء على أن أجزاء القضية عندهم ثلاثة: الموضوع والمحمول وثبوت الثاني للأول. لكن عند المتأخرين عبارة عن درك وقوع الثبوت بينهما. فالأجزاء عندهم أربعة إِنْ جعل الثبوت المسمى عندهم بـ«النسبة بينَ بينَ» شطرًا أي جزء أو ثلاثة إن جعل شرطا.          

وَصَفَ الأستاذ ذلك الإدراك بالإذعان في سائر رسائله أي الاطمئنان القلبي إشارة إلى أن القائل «لكلمة التوحيد» من غير إذعان واطمئنان بمفهومها لا يفوز بحقيقة الإيمان.

فصل في جواز الاشتغال به

فصل في جواز الاشتغال به

والخلف [1] في جواز [2] الاشتغال  به على ثلاثةٍ أقوال

[1] ما أعظم ضرر الإطلاق في مقام التقييد، والتعميمِ في مقام التخصيص! ومن هذا تتعادى الاجتهادات المتآخية.([1])

[2] سلب الضرورة الاختيارية.([2])

فابن الصلاح والنواوي [1] حرما  وقال قوم [2] ينبغي [3] أن يُعلما [4]

[1] أي لأدائه إلى ترك الواجب، أو لانجراره إلى الفاسد، أو لاختلاطه بالباطل، أو لانحراف المزاج الذي يأخذ من كل شيء سيئه. وإلّا فتعصبٌ بارد.([3])

[2] عرف في الأول، لأنه نكرة أو معرفة. ونكّر في الثاني لأنه معرف أو منكر.([4])

[3] أي ينطلب أي الانبغاء لزوم طبيعي لا عقلي أي فطرته مسخرة للعلم. فكما أن مقتضى الفطرة في أفعال الجامدات يوجه بالضرورة، كذلك مقتضاها في مظان الاختيار يوجه (بالضرورة أيضًا)، لكن مِن عالَمِ الأمر.([5])

[4] لأنه مقدمة الواجب، ولأنه دليل ترك الشر، وإلّا فتعصبُ الصنعة.([6])


[1] (ما أعظم ضرر الإطلاق الخ) يعني أن جواز الاشتغال بالكلام مقيد بقيد الاستعداد، وخاص بذوي القريحة. فلو اعتبر هذا القيد لم يبق الخلاف والشقاق بين ذوي الاجتهادات؛ إذ لا يخفى أن عدم الجواز إنما هو بدون هذا القيد وجوازه معه. فمن عدم اعتبار هذا القيد هنا وقع بين ذوي الاجتهادات بالمخالفة ما وقع من العداوة.

[2] (سلب الضرورة الخ) أي المراد بالجواز هنا عدم اللزوم العرفي المعبَّر عنه بالانبغاء بين الناس حينما يقول بعضهم لبعض: ينبغي أن يكون الأمر هكذا وهكذا، أي يلزم.

ولا يخفى أن الضرورة الاختيارية إذا انسلبت بقي الجواز الاختياري العرفي فلا مانع للاشتغال به عرفًا.

[3] إن الأستاذ يشير إلى أسباب التحريم. (أي لأدائه إلى ترك الواجب) أي إن لم يجعل مقدمة لعلم التوحيد (أو لانجراره إلى الفاسد) كجامع الحطب بالليل. (أو لاختلاطه بالباطل) إذ المركب من الصحيح والباطلِ باطلٌ والاشتغال بالباطل حرام (أو لانحراف المزاج) أي انحراف فكره وذهنه عن صوب الصحة.

[4] (عرف في الأول) أي القول القائل بالتحريم. حيث ذكره بالكنية والنسبة إلى العلم، (لأنه معرفة) بين الناس.. (أو نكرة) عند السامع فعرفه له.. (ونكر في الثاني) وهو القائل بالجواز.. (لأنه معرف) أي بالبيت الآتي.. (أو منكر) أي لأن السامع لا يعرفهم وليس طالبًا لمعرفتهم.

[5] (أي ينطلب) من باب الانفعال أي طلبُ العلم طبيعي لا يُطلب بقصد بل ينطلب بنفسه..
 (إذ فطرته مسخرة للعلم) أي لا تنفك عن العلم. فكما أن مقتضاها في الجامدات يوجّه بالضرورة مثل النار محرقة بالضرورة كذلك في مظان الاختيار يوجه بها مثل الإنسان عالم بالضرورة. أي بحسب الفطرة.. (لكن هذا من عالم الأمر) أي والأول من عالم الخلق إذ الماديات بالخلق وغيرها من عالم الأمر كالروح.

[6] (لأنه مقدمة الواجب) وهو التوحيد وردّ الكفريات.. (ولأنه دليل ترك الشر) أي دليل على معرفة الشر، لأن من لم يشتغل بالكلام لا يفّرق بين الأقوال السالمة والباطلة. فلزم الاشتغال به ليعرف الباطل ليتوقى منه؛ إذ لا يتحفظ ممن ومما لا يعرف. كما قال من قال:

عرفتُ الشر لا للشر لكن لتوقيه      ومن لا يعرف الشر من الخير يقعْ فيه

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم [1] الله [2] الرحمن [3] الرحيم

[1] الباء للمصاحبة لا للاستعانة، لأن الكسب تابع للخلق، والمصدر شرط للحاصل بالمصدر.([1])

[2] مستجمع لجميع الصفات الكمالية. للّزوم البيّن.([2])

[3] هذا مقام التنبيه لا الامتنان، فتكون صنعةُ التدلي في التعديد امتنانًا صنعةَ الترقي تنبيهًا.([3])


[1] (الباء للمصاحبة لا للاستعانة) إذ يلزم حينئذ أن يكون العبد أصيلا في الفعل، والخالق مُعينًا وتابعًا له في الفعل، والحالُ أن العبد ليس إلا مصدرًا للكسب. والحاصل بالمصدر أي المكسوب ليس إلا بخلق الخالق. فالكسب -أي كسب العبد- ليس إلا مقارِنًا ومصاحبًا وشرطًا في حصول ذلك الفعل، بخلق الخالق. فالعبد تابع، أي وكسبه شرط لا أصيل. كما هو رأي أهل الاعتزال من كون العبد خالقًا في فعله.

فالمناسب في باء البسملة المصاحبة، إذ ليس فيها ما في الاستعانة من ذلك الإيهام، لأنها تدل بمادتها وجوهرها على أن المستعين أصيل، والمستعانَ منه تابع، بخلاف لفظة المصاحبة، إذ ليس فيها تلك الدلالة فلا احتمال لذلك الإيهام.

قد ظهر من هذا أن انتشار كون الباء للاستعانة في تآليف بعض أهل السنة إنما ترشح عن الغفلة من هذا المذهب، أي الاعتزال.

[2] (للزوم البيّن) أي البيّن بالمعنى الأخص بين الذات والصفات. وهو الانتقال بمجرّد تصور الملزوم إلى اللازم. ومنه إلى اللزوم بينهما. فلفظة الجلال دالة على الذات بالمطابقة وعلى الصفات بالالتزام فمن ذكر لفظ الجلال كان ذاكرًا لجميع صفات الكمال.

[3] (هذا مقام التنبيه) حاصله: أن الرحمن إشارة إلى عظام النِعَم، والرحيم إلى صغارها. فالانتقال من الأعظم إلى الأصغر ليس بمناسب، لأنه من صنعة التدلي. وهي ليست مقبولة إلا في مقام تعديد النعم للامتنان. والمقام هنا ليس لتعديدها للامتنان. فأشار بتقديم الرحمن إلى أن هذا المقام مقام التنبيه، لدفع غفلة السامع عن النعم الصغار.

فالتدلي هنا يُعدّ من الترقي. على أن الغفلة عن النعم الصغار أقوى احتمالًا فلا إشكال.

مقدمة الملا عبدالمجيد النُّورْسِيّ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«مقدمة الملا عبدالمجيد النُّورْسِيّ»

أشكر على حمدي لواحد أحد ليس له ثان. كما أثني موحدًا لمن له كل يوم شأن، وأُصلّي كما أُسلّم على مَن لَمَّا كان في ذاته محمودًا كان اسمه محمدًا، وعلى آله وصحبه من بعد.

وبعد: فاعلم أني بعدما نجوت من بين تلاطم أمواج البليات من مخالب سباع المصيبات، ساقني القدر على رأس ألفين إلا خمسين سنة إلى ولاية مولانا جلال الدين الرومي وسكنت في جواره بعيدًا عن الأستاذ؛ لا هو يراني ولا أنا أراه إلّا في غفلات النوم والرقاد، إلى أن قضى الأستاذ نحبه وارتحل إلى دار السعادة شهيدًا، وبقيت أنا في الحسرات غريبًا ووحيدًا.

فأدى بي الوحشة إلى الوحدة وترك التماس بالناس، وترجيحِ التوحش على الاستئناس. ولم أجد لأزيل به كربتي ويكون تسليةً في وحدتي شيئًا إلّا الاشتغال بتحشية «قزل إيجاز» وشرحِ ما فيه من الألغاز، رجاءَ أن يشتغل به البال عما فيه من شدة الحال.

فبعدما أردت أن أكسر صخور ألفاظه بفأس فكري، أبى وامتنع ذلك الفكر الكليل عن أمري؛ فصرت كلما أضربها بذلك الفأس نبا ذلك الفأس من الصخرة إلى الرأس. فبقيت حائرًا ذا يأس في يأس. فأغلظتُ على الفكر شدةَ الأمر، وأجبرته بعد الفر إلى الكر. مشوقًا له قائلًا «هَا بَابَامْ هَا» فاستحيىَ عن غلظة الأمر. فاجتهدَ كل يوم من الصبح إلى العصر، إلى أن صار مظهرًا للتحسين والتقدير، بعدما كان معروضًا للتحقير والتكدير.

فشكرت سعيه وقبلت عذره. لكن لكهولته عَجَزَ عن قلع بعض الصخور، مع أن بعض ما فصّل وحصّل ما كان بريئًا من الخطأ والقصور.

فأحلت فض ما بقي باكرة من مواضع عديدة وإصلاحَ ما وقع من الخطأ والغلط إلى ذوي الأذهان الثاقبة من شبان الاستقبال.

عبدالمجيد

بلدة «قونية»

1385هــ – 1965م