المكتوب الثالث عشر

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

  ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﻊ ﺍﻟﻬﺪﻯ.. ﻭﺍﻟﻤـلاﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﻊ ﺍﻟﻬﻮﻯ

ﺍﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ! 

ﺗﺴﺄﻟﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻲ ﻭﺭﺍﺣﺘﻲ، ﻭﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ (ﻟﻠﻤﻨﻔﻴﻴﻦ) ﻭﻋﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻲ ﺑﺄﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺃﺳﺌﻠﺘﻜﻢ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺴﺄﻝ ﻣﻨﻲ ﻣﻌﻨﻰً، ﺃﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ».

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍلأﻭﻝ:

ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻜﻢ؟ ﺃﺃﻧﺘﻢ ﻓﻲ ﺧﻴﺮ ﻭﻋﺎﻓﻴﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻤﺪﺍً لا ﺃُﺣﺼﻴﻪ، ﺇﺫ ﺣﻮّﻝ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺑﻬﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻭﺇﻟﻴﻜﻢ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ:

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻌﺰلا ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺓ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻗﺪ ﻃﻠّﻘﺖ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔَ ﻭﺗﺠﺮﺩﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻨﺸﻐـلا ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺁﺧﺮﺗﻲ، ﺃﺧﺮﺟﻨﻲ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻧﻔﻮﻧﻲ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً. ﻓﺠﻌﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﻲَ ﻟﻲ ﺭﺣﻤﺔ، ﺇﺫ ﺣﻮّﻝ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧـﺰﻭﺍﺀَ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺮّﺿﺎً ﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺗُﺨﻞ ﺑﺎلإﺧـلاﺹ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ، ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻮﺓ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻝ (ﺑﺎﺭلا) ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﺍلأﻣﻦُ ﻭﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻭﺍلإﺧـلاﺹ. ﻭﻗﺪ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻭﺭﺟﻮﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺃﻧـﺰﻭﻱ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﻋﻤﺮﻱ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺭﺓ. ﻓﺠﻌﻞ ﺃﺭﺣﻢُ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ (ﺑﺎﺭلا) ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﻳﺴّﺮ ﻟﻲ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﻤّﻞ ﻛﺎﻫﻠﻲ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﻣﺘﺎﻋﺐَ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ ﻭﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻬﺎ ﺇﻟّﺎ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻳﻘﺎﺕ ﺑﺴﺒﺐ ﺃﻭﻫﺎﻡ ﻭﺭﻳﻮﺏ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺑﻀﻌﺔُ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻬﺆلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ -ﻭﻗﺪ ﺭﻛﺒﺘﻬﻢ ﺍلأﻭﻫﺎﻡُ ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻟﺼﺎﻟﺤﻲ ﻭﻟﺮﺍﺣﺘﻲ- ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺑﺄﻭﻫﺎﻣﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﻗﺪ ﺟﻠﺒﻮﺍ ﺍﻟﻀﻴﻖَ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﺍﻟﻀﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻄﻮﺍ ﻟﻠﻤﻨﻔﻴﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻭﺃﺧﻠﻮﺍ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﻭﻋﻔﻮﺍ ﻋﻨﻬﻢ، ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻌﻮﺍ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔَ ﻋﻨﻲ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﺟﻮﺭﺍً، ﻭﻟﻜﻦ ﺭﺑﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺷﺎﺀ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻟﻴﺴﺘﺨﺪﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻟﻴﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﻛﺘﺐ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﺘُﻬﺎ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ، ﻓﺄﺑﻘﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺑـلا ﺿﺠﺔ ﻭلا ﺿﻮﺿﺎﺀ، ﻭﺣﻮّﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺳﺎﺑﻐﺔ.

ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻤﺤﻮﺍ ﻟﺬﻭﻱ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﻭﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮ (ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻔﻴﻴﻦ)، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻫﻢ، ﺑﺎﻟﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻭﺳﻤﺤﻮﺍ لأﻗﺎﺭﺑﻬﻢ ﻭﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻌﺎﺭﻓﻬﻢ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻬﻢ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻓﺮﺿﻮﺍ ﻋﻠﻲّ ﺣﻴﺎﺓَ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً ﻭﺃﺭﺳﻠﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ. ﻭﻟﻢ ﻳﺴﻤﺤﻮﺍ لأﻗﺎﺭﺑﻲ ﻭلا لأﻫﻞ ﺑﻠﺪﺗﻲ -ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ- ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻲ. ﻓﻘﻠﺐ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔَ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﻏﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ، ﺇﺫ ﺟﻌﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﺼﻔﺎﺀ ﺫﻫﻨﻲ ﻭﺗﺨﻠﻴﺼﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﺍﻓﻪ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻪ ﻟـلاﺳﺘﻔﺎﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺎﺋﻪ ﻭﻧﻘﺎﺋﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﺳﺘﻜﺜﺮﻭﺍ ﻋﻠﻲّ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺃﻭ ﺭﺳﺎﻟﺘﻴﻦ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﺘﻴﻦ. ﺑﻞ ﺇﻧﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ لا ﻳﺮﺗﺎﺣﻮﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﻀﺮ ﻟﺰﻳﺎﺭﺗﻲ ﺿﻴﻒٌ ﺃﻭ ﺿﻴﻔﺎﻥ ﻣﺮﺓ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻭ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻭ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻏﺮﺽ ﺍﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺛﻮﺍﺏ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻟﻴﺲ ﺇلا. ﻓﺎﺭﺗﻜﺒﻮﺍ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﻘﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﺭﺑﻲ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﺧﺎﻟﻘﻲ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﺪّﻝ ﻟﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻈﻠﻢَ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ، ﺇﺫ ﺃﺩﺧﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺓ ﻣﺮﻏﻮﺑﺔ ﻭﻋﺰﻟﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺴﺐ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺴﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ.

ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﻲ ﻭﻇﺮﻭﻑ ﺭﺍﺣﺘﻲ.

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻟِﻢَ لا ﺗﺮﺍﺟﻊ (ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ) ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎﺩﺓ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻣﺤﻜﻮﻡٌ ﻟﻠﻘﺪَﺭ ﻭﻟﺴﺖ ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً لأﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻟﺬﺍ ﺃﺭﺍﺟﻊ ﺍﻟﻘﺪﺭ. ﻭﺃﺭﺣﻞ ﻣﻦ ﻫﻬﻨﺎ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺳﻤﺢ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻭﻗﻄﻊ ﺭﺯﻗﻲ ﻫﻨﺎ.

ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺳﺒﺒﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﺳﺒﺐٌ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺍلآﺧﺮ: ﺣﻘﻴﻘﻲ.

ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺒﺒﺎً ﻇﺎﻫﺮﺍً ﻭﺃﺗﻮﺍ ﺑﻲ ﺇﻟﻰ ﻫﻬﻨﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﺤَﻜﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺰﻟﺔ. ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻇَﻠَﻢَ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻘﺪ ﻋَﺪﻝَ.

ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻜّﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ: «ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺈﻓﺮﺍﻁ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ». ﻓﻨﻔﻮﻧﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺣﺘﻤﺎﻝ، ﻭﻇﻠﻤﻮﺍ ﻇﻠﻤﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺎً ﺑﺜـلاﺙ ﺟﻬﺎﺕ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺃﻧﻨﻲ لا ﺃﺧﺪﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻓﺤﻜَﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻔﻲ، ﻭﺣﻮّﻝ ﻇﻠﻤَﻬﻢ ﺍﻟﻤﻀﺎﻋَﻒ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﻴﻲ، ﻭﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻋﺎﺩﻝٌ، ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃُﻓﻮﺽ ﺃﻣﺮﻱ ﺇﻟﻴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺣﺠﺞٌ ﻭﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لا ﻳﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻭلا ﻳﺠﺪﻱ ﻧﻔﻌﺎً. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺣﻘﺎً ﺃﻭ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ.

ﺇﻧﻨﻲ ﺗﺮﻛﺖ ﺩﻧﻴﺎﻫﻢ ﺗﺮﻛﺎً ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً -ﺗﺒﺎً ﻟﻬﺎ- ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﺮﺿﺖ ﻋﻦ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ﻛﻠﻴﺎً -ﻭﺗﻌﺴﺎً ﻟﻬﺎ- ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻭﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺷﻜﻮﻙ ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ لا ﺃﺻﻞ ﻟﻬﺎ ﺇﻃـلاﻗﺎً؛ ﻟﺬﺍ لا ﺃﺭﻏﺐ ﻓﻲ ﺃﻥْ ﺃُﺿﻔﻰ ﺻﺒﻐﺔَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻳﻮﺏ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﺑﻤﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺃﻗﻞ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺮﻑ ﺣﺒﺎﻟﻬﺎ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗُﻈﻬﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺭﻏﺐ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻟﻢ ﺍﻗﺮﺃﻫﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻤﻨﺬ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﺃﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ، ﻟﻢ ﺗَﺒﺪُ ﻣﻨﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻭﺍﻟﺮﻓﻌﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﺗﺮﻓّﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺬﺏُ.

ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻌﺪﻡ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﺯﺍﺀ ﻣَﻦ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞَ ﺣﻘﺎً، ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻓـلا ﺃﺭﻳﺪ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﻇﻠﻢ ﻛﻬﺬﺍ.

    سـﺅﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻟِﻢَ لا ﺗﻬﺘﻢ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﺑﻤﺠﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ. ﻧﺮﺍﻙ لا ﺗﻐﻴّﺮ ﻣﻦ ﻃﻮﺭِﻙَ ﺃﺻـلا ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺃﻓﺘﺮﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻡ ﺃﻧﻚ ﺗﺨﺎﻑ ﺧﻮﻓﺎً ﻳﺪﻓﻌُﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﻌَﺘْﻨﻲ ﺑﺸﺪﺓ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻞ ﺃﻧﺴَﺘﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠّﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻟﻢ ﻳﻜﺒّﻠﻨﻲ ﻭلا ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺳﻴﺮﻱ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﺍﻩ ﺣﻘﺎً. ﺛﻢ ﻣِﻢَّ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻮﻓﻲ؟ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﻏﻴﺮ ﺍلأﺟﻞ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﺃﻫﻞٌ ﻭﺃﻭلاﺩ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻬﻢ، ﻭلا ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭلا ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﻑ ﺍلأﺻﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﺐ ﻭﺍﻟﻨﺴﺐ. ﻭﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﻌﺔ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻴﻬﺎ.. ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻟّﺎ ﺃﺟﻠﻲ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺣﺪﻩ. ﻭﻣﻦ ﻳﺠﺮﺅ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻭﺍﻧﻪ. ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻔﻀّﻞ ﺃﺻـلا ﻣﻮﺗﺎً ﻋﺰﻳﺰﺍً ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺫﻟﻴﻠﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻣﺜﻞ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ»؛

   ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻧﺎﺱٌ لا ﺗَﻮَﺳّﻂَ ﺑَﻴْﻨﻨﺎ     ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺼَﺪْﺭُ ﺩﻭﻥَ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦَ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺒﺮُ

    ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﻤﻨﻌُﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺫﻟﻚ:

ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻛﺮﻛﺐٍ ﻭﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﻤﻀﻲ، ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺃﻥَّ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺃﺩّﺕ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺁﺳﻦ، ﻓﺎﻟﺒﺸﺮﻳﺔُ ﺗﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻫﺎ ﻓﻬﻲ لا ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺃﻭﺣﺎﻝ ﻣﻠﻮﺛﺔ ﻣﻨﺘﻨﺔ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺁﻣﻨﺔ.

ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﻭﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺘُﻨﺠﻴﻪ -ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ- ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ.

ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻭﻫﻢ ﺍلأﻏﻠﺒﻴﺔ ﻳﻤﻀﻮﻥ ﻭﺳﻂ ﻇـلاﻡ ﺩﺍﻣﺲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻤُﻮﺣﻞ ﺍﻟﻤﺘﺴﺦ.

ﻓﺎﻟﻌﺸﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﻫﺆلاﺀ ﻳﻠﻄّﺨﻮﻥ ﻭﺟﻮﻫَﻬﻢ ﻭﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﺍﻟﻘﺬﺭ ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤِﺴﻚ ﻭﺍﻟﻌﻨﺒﺮ، ﺑﺴﺒﺐ ﺳُﻜﺮﻫﻢ. ﻓﺘﺎﺭﺓ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻳﻘﻌﻮﻥ ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻀﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺮﻗﻮﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﻭﻳﺘﺤﺴﺴﻮﻥ ﻋﻔﻮﻧﺘﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗﻪ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺣﺎﺋﺮﻭﻥ، ﺇﺫ ﻳﻌﺠﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلآﻣﻨﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋـلاﺟﺎﻥ ﺍﺛﻨﺎﻥ ﺇﺯﺍﺀ ﻫﺆلاﺀ:

   ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﺇﻳﻘﺎﻅ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻤﺨﻤﻮﺭﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ.

   ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﺎ: ﺇﺭﺍﺀﺓ ﻃﺮﻳﻖ ﺍلأﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺨـلاﺹ ﻟﻠﺤﺎﺋﺮﻳﻦ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﻧﻮﺭ ﻟﻬﻢ (ﺃﻱ ﺑﺎلإﺭﺷﺎﺩ).

ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﻩ ﺃﻥ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺭﺟـلا ﻳﻤﺴﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻈﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﻭﻥ ﺍﻟﺒﺎﺋﺴﻮﻥ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺒﺼّﺮﻭﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺃُﺑﺼﺮﻭﺍ ﻓﺈﻥ ﻫﺆلاﺀ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﺼﺎ ﻭﻧﻮﺭﺍً ﻣﻌﺎً ﻓـلا ﻳﻮﺛَﻖ ﺑﻬﻢ. ﻓﻴﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺏ: ﺗُﺮﻯ ﺃﻳُﺮﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺪﺭﺟﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﻟﻴﻀﺮﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﻄﺮﻗﺔ؟. ﺛﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﻄﻢ ﺍﻟﻤﻄﺮﻗﺔُ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً، ﻳﺬﻫﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﺃﻳﻀﺎً ﺃﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺃﻭ ﻳﻨﻄﻔﺊ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﺨﻤﻮﺭﻭﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﺩﻭﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻠﺬﺫﻭﻥ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﻭﻥ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﻤﺌﺰﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺍﻟﺨـلاﺹ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ لا ﻳﻬﺘﺪﻭﻥ ﺳﺒﻴـلا.. ﻓﻬﻢ ﺣﺎﺋﺮﻭﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﻕ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺃﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻓﻬﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺎﻟﻨﻮﺭ لا ﺗﺜﺎﺭ ﺣﻴﺎﻟﻪ ﺍﻟﻀﺠﺔُ ﻭلا ﻳﻘﺎﺑَﻞ ﺑﺎﻟﻌﺪﺍﺀ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭلا ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ.

ﻭﻟﺬﻟﻚ، ﻗﻠﺖ: «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ» ﻟﻜﻲ ﺃﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﺍﻋﺘﺼﻤﺖ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﻳﺪﻱّ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻣﻠﻘﻴﺎً ﻣﻄﺮﻗﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎً.

ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ -ﺳﻮﺍﺀً ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ- ﻋﺸﺎﻗﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ. ﻓﺎﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻠﻘﻰ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻃﺎﻫﺮ ﺯﻛﻲ ﻣﺒﺮﺃٌ ﻣﻦ ﻣﻮﺣﻴﺎﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍلاﻧﺤﻴﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﻤُﻐﺮﺿﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻭﻳُﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﺭﻓﻊ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً، لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﺤﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﺟﻬﺔٌ، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺷﺒﻬﺔ ﻓﺌﺔ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ. ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻟّﺎ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻭﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔً ﻓﻴﻨﺤﺎﺯﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺆلاﺀ ﻫﻢ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﻧﺎﺳﻲ ﺃﻭ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺟﺴﺎﺩ ﺑﺸﺮ.

ﻭﺣﻤﺪﺍً ﻟﻠﻪ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺠﺮﺩﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻢ ﺃﺑﺨﺲ ﻗﻴﻤﺔَ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺛﻤﻦ ﻣﻦ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ ﻭﻟﻢ ﺃﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺘﻔﺎﻫﺔ ﻗﻄﻊ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺑﺘﻬﻤﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﺑﻞ ﺗﺰﻳﺪ ﻗﻴﻤﺔُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻭﺗﺘﺄﻟﻖ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ.

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:43).

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

المكتوب الثاني عشر

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﻓﻘﺎﺋﻜﻢ!

ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ!

ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻟﺘﻤﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺳﺆﺍلا ﻟﻢ ﺃُﺟﺐْ ﻋﻨﻪ، لأﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﻮﺽَ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻏﻴﺮُ ﺟﺎﺋﺰ. ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻗﺪ ﺑﺴﻄﺘﻢ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﺎﻁ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ. ﻭﺍلآﻥ ﺃﻛﺘﺐ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺭ ﻋﻦ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﻧﻘﺎﺷﻜﻢ. ﻭﺗﺠﺪﻭﻥ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺠﻞ ﺃﺳﻤﺎﺀﻫﺎ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﻲ». ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﺮِﺩ ﺑﺒﺎﻟﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﻓﻠﻢ ﺃﺫﻛﺮﻫﺎ، ﺭﺍﺟﻌﻮﻫﺎ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﺗﻘﺮﺃﻭﻫﺎ ﻗﺮﺍﺀﺓَ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﺪ ﻭﺍﻟﺼﺤﻒ. ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻋﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺎﻟﺘﻲ «ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﻲ» ﺇﻟﻰ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮِﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﺍلاﻋﺘﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺗﺜﺒﺖ ﺍلأﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻛﺎﻣـلا.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍلأﻭﻝ: ﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻓﻲ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺟﻬﻨﻢ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺣﻜﻤﺘﻪ: ﺍﻟﺘﻮﻇﻴﻒ.. ﻓﻘﺪ ﺑُﻌﺚَ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻮﻇﻔﺎً، ﻣﻮﻛﻮلا ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻬﻤﺔٌ ﺟﻠﻴﻠﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻫﻲ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻭﺍﻧﻜﺸﺎﻑُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻧﻤﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺓُ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺮﺁﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻠﻬﺎ.

ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻟﺒﻘﻲَ ﻣﻘﺎﻣُﻪ ﺛﺎﺑﺘﺎً ﻛﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ، ﻭَﻟﻤَﺎ ﻧﻤﺖ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺫﻭﻭ ﻣﻘﺎﻡ ﺛﺎﺑﺖ ﻣﻄّﺮﺩ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻓـلا ﺩﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ. ﻓﺎﻗﺘﻀﺖ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺟﻮﺩَ ﺩﺍﺭِ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺗـلاﺋﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ. ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺃُﺧﺮﺝ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﻓﻄﺮﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺧـلاﻑ ﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ.

ﺃﻱ ﺃﻥ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺤﺾُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﺣﻖٌ ﻭﻋﺪﺍﻟﺔ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ «ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ»: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻭﺇﻥْ ﻋﻤِﻞ ﺫﻧﺒﺎً ﻓﻲ ﻋﻤﺮ ﻗﺼﻴﺮ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺎﻳﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺗﺤﻘﻴﺮٌ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﺗﻬﻮﻳﻦٌ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ.. ﻭﺗﻜﺬﻳﺐٌ ﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ.. ﻭﺗﺰﻳﻴﻒٌ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ.. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳُﻠﻘﻲ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭُ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺳﻠﻄﺎﻥُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺍﻟﻜﻔﺎﺭَ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻟﻴﺨﻠﺪﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﺧﺬﺍً ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻨﻬﻢ.

ﻭﺇﻟﻘﺎﺅﻫﻢ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﺃﺑﺪﺍً ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، لأﻥ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻋﺬﺍﺑﺎً ﺑـلا ﻧﻬﺎﻳﺔ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺧُﻠﻘﺖ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ؟ ﻓﻠﻘﺪ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﺭ، ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻴﻪ؟ ﺇﺫ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺸﺮِّ ﺷﺮٌ ﻭﺧﻠﻖُ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻗﺒﻴﺢٌ!.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ.. ﻭﻛـلا.. ﺇﻥَّ ﺧَﻠﻖ ﺍﻟﺸﺮ ﻟﻴﺲ ﺷﺮﺍً، ﺑﻞ ﻛﺴﺐُ ﺍﻟﺸﺮ ﺷﺮٌ، لأﻥَّ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻜﺴﺐُ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ، لأﻧﻪ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓٌ ﺧﺎﺻﺔ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻧـﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺗﺒﻠﻎ ﺍلأﻟﻮﻑ، ﻭﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞُ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﺟﻤﻴﻠﺔٌ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻀﺮﺭ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺑﺴﻮﺀ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻭﻋﻤﻠﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻥْ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﺮ لا ﺭﺣﻤﺔ ﻓﻴﻪ. ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻥْ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺄﻥَّ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺷﺮ، ﺑﻞ ﺻﺎﺭ ﺷﺮﺍً ﻓﻲ ﺣﻘﻪ ﺑﺴﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﻭﺳﻮﺀِ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻭﺑﻜﺴﺒﻪ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻓﻴﻪ ﻓﻮﺍﺋﺪُ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻭﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺧﻴﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺗﺄﺫﻯ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺴﻮﺀ ﻛﺴﺒﻪ ﻭﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﻟﻬﺎ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺷﺮ، ﺇﺫ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻟﻢ ﺗُﺨﻠﻖ لإﺣﺮﺍﻗﻪ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﺧﻞ ﻳﺪَﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﺦ ﻟﻪ ﻃﻌﺎﻣﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﺑﺴﻮﺀ ﻋﻤﻠﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺎﺩﻣﺔ ﺍﻟﻤﻄﻴﻌﺔ ﻋﺪﻭﺓً ﻟﻪ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺷﺮﺍً ﻗﻠﻴـلا ﻳُﻘﺒَﻞ ﺑﻪ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﺗُﺮﻙ ﺷﺮٌ ﻳُﻨﺘﺞ ﺧﻴﺮﺍً ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻟﻠﺤﻴﻠﻮﻟﺔ ﺩﻭﻥ ﺣﺼﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺮ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ، ﻟﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺷﺮٌ ﻛﺜﻴﺮ.

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﻋﻨﺪ ﺳَﻮﻕ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺙ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﻭﺷﺮﻭﺭ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﺑﺪﻧﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺧﻴﺮﺍً ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺠﻮ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻣﻦ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ، ﻓﻠﻮ ﺗُﺮِﻙَ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩُ ﺧﺸﻴﺔ ﺣﺪﻭﺙ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺿﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻟﺤﺼﻞ ﺇﺫﻥ ﺷﺮٌ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ.

ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﺇﻥ ﻗﻄﻊ ﺍلإﺻﺒﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﺕ «ﺍﻟﻐﻨﻐﺮﻳﻨﺎ» ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ ﻭﻫﻮ ﺣﺴﻦ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺷﺮﺍً، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗُﻘﻄَﻊ ﺗﻠﻚ ﺍلإﺻﺒﻊ ﻟﻘُﻄﻌﺖ ﺍﻟﻴﺪُ، ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﺷﺮ ﺃﻛﺒﺮ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥَّ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺍلأﺿﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﻟﻴﺲ ﺷﺮﺍً ﻭلا ﻗﺒﻴﺤﺎً لأﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺧُﻠﻘﺖ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻬﻤﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً. ﻓﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻣﺜـلا لا ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺭﻗﻲٍّ ﻟﻬﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺪﻡ ﺗﺴﻠّﻂ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺎﻣُﻬﻢ ﺛﺎﺑﺘﺎً لا ﻳﺘﺒﺪﻝ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﺈﻥ ﻣﺮﺍﺗﺒَﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻭﻧﺎﻗﺼﺔ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺗﻤﺘﺪ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺮﻗﻲ ﻭﺩﺭﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺪﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﻣﺪﻳﺪﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺟﺪﺍً، ﺇﺫ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﺩﺓ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺪّﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻟﻠﺮﻗﻲ ﻭﺍﻟﺘﺪﻧﻲ؛ ﻟﺬﺍ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ؛ ﻭﺑﺴﺮ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﺑﺈﺭﺳﺎﻝ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ، ﺍﻧﻔﺘﺢ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﺑﻪ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺍلأﺭﻭﺍﺡُ ﺍﻟﺴﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﺎﻟﻔﺤﻢ ﻓﻲ ﺧﺴﺎﺳﺘﻪ ﻋﻦ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﺎلأﻟﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﻧﻔﺎﺳﺘﻪ. ﻓﻠﻮلا ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓُ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔُ ﻟﺒﻘﻴﺖ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕُ ﻛﺎﻣﻨﺔً ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺃﻱ ﻟﺘﺴﺎﻭﻯ ﺍﻟﻔﺤﻢُ ﻭﺍلأﻟﻤﺎﺱ. ﺃﻱ ﻟﺘﺴﺎﻭﺕ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﺃﺑﻰ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﻣﻊ ﺭﻭﺡ ﺃﺑﻲ ﺟﻬﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ!

ﺇﺫﻥ ﻓﺨﻠﻖُ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩُﻫﺎ ﻟﻴﺲ ﺷﺮﺍً ﻭﻟﻴﺲ ﻗﺒﻴﺤﺎً؛ لأﻧﻪ ﻣﺘﻮﺟﻪٌ ﻧﺤﻮ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﻋﻈﻴﻤﺔ. ﺑﻞ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺣﺎﺻﻠﺔٌ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﺍلاﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓٌ ﺧﺎﺻﺔ، ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍلإﻟﻬﻲ.

ﻭﺇﺫﺍ ﺳﺄﻟﺘﻢ:

ﺇﻥَّ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺴﻘﻄﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﻀـلاﻝ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻳﺘﻀﺮﺭﻭﻥ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺜﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺤُﻜﻢ ﺟﺎﺭٍ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﻦ ﻳﺘﻀﺮﺭﻭﻥ، ﻓﺨﻠﻖ ﺍﻟﺸﺮ ﺇﺫﻥ ﺷﺮ، ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﺑﻌﺜﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻟﻴﺴﺖ ﺭﺣﻤﺔ!

ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻪ لا ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻟﻠﻜﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ، ﻓﺎلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺃﺻـلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ، لا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻤﻴﺔ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎﺋﺔ ﻧﻮﺍﺓ ﻟﻠﺘﻤﺮ -ﻣﺜـلا- ﻭﻟﻢ ﺗﻮﺿﻊ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﻟﻢ ﺗُﺴﻖَ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻔﺎﻋـلاﺕ ﻛﻴﻤﻴﺎﻭﻳﺔ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻨَﻞ ﻣﺠﺎﻫﺪﺓ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻈﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔَ ﻧﻮﺍﺓ ﻭﺗﺴﺎﻭﻱ ﻗﻴﻤﺘُﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺩﺭﻫﻢ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺳُﻘﻴَﺖ ﺑﺎﻟﻤﺎﺀ ﻭﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻤﺠﺎﻫﺪﺓ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ ﻓﺘﻔﺴﺨﺖ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻬﺎ، ﻭﺑﺴﻮﺀ ﻃﺒﻌﻬﺎ، ﺛﻤﺎﻧﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻧﻤﺖ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺨـلا ﻣﺜﻤﺮﺍً، ﺃﻓﻴﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥْ ﺗﻘﻮﻝ: ﺇﻥَّ ﺳﻘﻲَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺷﺮٌ، ﺣﻴﺚ ﺃﻓﺴﺪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ! لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺑـلا ﺷﻚ، لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﺍﺓ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻔﻘﺪ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﻭﻳﻜﺴﺐ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻔﺎً لاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻏﺎﻧﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻀﺮﺭ، ﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻘﻲ ﺇﺫﻥ ﺷﺮﺍً.

ﻭﻛﺬﺍ ﻟﻮ ﻭﺟﺪﺕ ﻣﺎﺋﺔٌ ﻣﻦ ﺑﻴﺾ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ -ﻣﺜـلا- ﻓﺜﻤﻨُﻬﺎ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺛﻤﻦَ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﻭﻫﻮ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻗﺮﺵ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺣﻀﻨﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﻭﻓﺮّﺥ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻓﺴﺪﺕ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ، ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻘﺎﻝ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺃﻥ ﺿﺮﺭﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻗﺪ ﺣﺪﺙ، ﺃﻭ ﺃﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺷﺮ، ﺃﻭ ﺃﻥَّ ﺣﻀﺎﻧﺔ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺳﺔ ﺍﻟﺒﻴﺾ ﻋﻤﻞٌ ﻗﺒﻴﺢ.. لاﺷﻚ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ، ﺑﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺧﻴﺮ، لأﻥ ﺍﻟﻄﺎﻭﻭﺱ ﻭﺑﻴﻀَﻪ ﻗﺪ ﻛﺴﺒﺎ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻃﺎﻭﻭﺳﺎً ﺃﺛﻤﺎﻧُﻬﺎ ﺑﺎﻫﻈﺔ ﺑﺪلا ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻴﻮﺽ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺰﻫﻴﺪﺓ ﺍﻟﺜﻤﻦ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻏَﻨِﻢَ ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺷﻤﻮﺱ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺃﻗﻤﺎﺭُﻫﺎ ﻭﻧﺠﻮﻣُﻬﺎ، ﺑﺒﻌﺜﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺑﺴﺮ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺑﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ، ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﺧﺴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ، ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻛﻤﺎً ﻭﺍﻟﺘﺎﻓﻬﻴﻦ ﻧﻮﻋﺎً، ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺿﺮﺏٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﻀﺮﺓ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳُﻨـﺰِﻝ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﻳُﺴَﻠِّﻂ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ، ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﻇﻠﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺍلأﺑﺮﻳﺎﺀ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ؟

    ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ ﻭﻛـلا.. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻣﻠﻜُﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ. ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺻﻨّﺎﻋﺎً ﻣﺎﻫﺮﺍً ﺟﻌﻠﻚ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎً «ﻣﻮﺩﻳـلا» ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺃﺟﺮﺓ، ﻭﺃﻟﺒﺴﻚ ﺛﻮﺑﺎً ﺯﺍﻫﻴﺎً ﺧﺎﻃﻪ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ، ﺛﻢ ﺑﺪﺃ ﻳﻘﺼّﺮﻩ ﻭﻳﻄﻮﻟﻪ ﻭﻳﻘﺼﻪ.. ﺛﻢ ﻳُﻘﻌﺪﻙ ﻭﻳﻨﻬﻀﻚ ﻭﻳﺜﻨﻴﻚ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﻳﺒﻴﻦ ﺣﺬﺍﻗﺘﻪ ﻭﻣﻬﺎﺭﺗﻪ، ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﺃﻥْ ﺗﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﻟﻘﺪ ﺷﻮَّﻫﺖَ ﺟﻤﺎﻝ ﺛﻴﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺯﺍﺩﻧﻲ ﺟﻤﺎلا، ﻭﻗﺪ ﺃﺭﻫﻘﺘﻨﻲ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻟﻲ: ﺍﺟﻠﺲ.. ﺍﻧﻬﺾ! ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻚ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ. ﺑﻞ ﻟﻮ ﻗﻠﺘَﻪ، ﻓﻬﻮ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻏِﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻗﺪ ﺃﻟﺒﺴﻚ ﺟﺴﻤﺎً ﺑﺪﻳﻌﺎً ﻣﺰﻳﻨﺎً ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺫﻥ ﻭﺍلأﻧﻒ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ. ﻭلأﺟﻞ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺁﺛﺎﺭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻳﺒﺘﻠﻴﻚ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻓﻴُﻤﺮﺿﻚ ﺣﻴﻨﺎً ﻭﻳﻤﺘّﻌﻚ ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻳُﺠﻴﻌﻚ ﻣﺮﺓ ﻭﻳﺸﺒﻌﻚ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﻳﻈﻤﺌﻚ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻘﻠّﺒﻚ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻃﻮﺍﺭ ﻭﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻟﺘﺘﻘﻮﻯ ﻣﺎﻫﻴﺔُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺟﻠﻮﺍﺕُ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﺒﻠﻴﻨﻲ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ؟ ﻓﺈﻥّ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺗُﺴﻜﺘﻚ، ﻛﻤﺎ ﺃﺷﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﻬﺪﻭﺀَ ﻭﺍﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻟﺔ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻀﺮﺭ، ﻭﺑﻌﻜﺴﻪ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﻭﺟﻮﺩٌ ﻭﺧﻴﺮ. ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺗﺘﺮﻗﻰ ﺑﺎﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺗﻨﺎﻝ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺗﺘﺼﻔﻰ ﻭﺗﺘﻘﻮﻯ ﻭﺗﻨﻤﻮ ﻭﺗﺘﺴﻊ، ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﻠﻤﺎً ﻣﺘﺤﺮﻛﺎً ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻘﺪﺭﺍﺗﻬﺎ، ﻭﺗﻔﻲ ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ، ﻭﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍلأﺟﺮ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ.

ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺍلأﺟﻮﺑﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺮﺓ لأﺳﺌﻠﺘﻜﻢ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺍﺭﺕ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻜﻢ. ﺃﻣﺎ ﺇﻳﻀﺎﺣﻬﺎ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ».

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ!

ﺍﻗﺮﺃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﻲ، ﻭﻣَﻦْ ﺗﺮﺍﻩ لاﺋﻘﺎً ﻣﻤﻦ ﺳﻤﻌﻮﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻭﺑﻠّﻎ ﺳـلاﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻴﺪﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻃـلاﺑﻲ ﺍﻟﺠﺪﺩ، ﻭﻗﻞ ﻟﻪ:

لا ﻳﺠﻮﺯ ﺑﺤﺚ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ -ﻛﺎﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ- ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﻴﺰﺍﻥ، ﻭلا ﺃﻣﺎﻡ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺇﺫ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺍلأﺩﻭﻳﺔُ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﻮﻡ، لأﻧﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻣﻴﺰﺍﻥ، ﻓﺘﻀﺮ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ﻣﻌﺎً. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺠﻮﺯ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻓﺮﺍﻍ ﺍﻟﺒﺎﻝ ﻭﺳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺗﻮﻓّﺮ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ، ﻭﺗﺪﺍﻭلا ﻓﻜﺮﻳﺎً ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ.

ﻭﻗﻞ ﻟﻪ: ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻚ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻭﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻓﻠﻴﻜﺘﺐ ﺇﻟﻲّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ.

ﻭﻗﻞ ﻟﻠﺼﻴﺪﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎً: ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلآﺗﻲ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺁﻫﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻮﻡ:

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺍﻟﻤﺮﺣﻮﻡ ﻃﺒﻴﺒﺎً، ﻓﻘﺪ ﻧﻔﻊ ﺃﻧﺎﺳﺎً ﺃﺗﻘﻴﺎﺀ ﻭﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﺑﻞ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ. ﻓﺄﺭﻭﺍﺡ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﻴﺎﻣﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻧﺘﻔﻌﻮﺍ ﻣﻨﻪ ﻇﻬﺮﺕ لاﺑﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻪ، ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻃﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻭﻓﺎﺗﻪ. ﻓﺨﻄﺮ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻣﻔﺮﺡ ﻭﺗﺮﺣﻴﺐ ﻣﻔﻌﻢ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎﻋﺔ.

ﺳـلاﻣﻲ ﻭﺩﻋﻮﺍﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

     [ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻋـلاﺝٌ ﻣﻬﻢ، ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺩُﺭﻳﺮﺍﺕ ﺃُﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﻋﻈﻤﻰ لآﻳﺎﺕ ﺃﺭﺑﻊ ﻛﺮﻳﻤﺎﺕ].

   ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ!

ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺩﺭّﺱ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞَ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍلأﺭﺑﻊ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ. ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ ﻟﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺣﻈﺎً ﺃﻭ ﺩﺭﺳﺎً ﻣﻨﻬﺎ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺗﺒﻴﻦ ﺩُﺭﻳﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ لأﺭﺑﻊ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺮﻳﻤﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ، ﻭﻟﻜﻞ ﻣﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻭﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ.

   ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﺇﻥّ ﻛﻴﺪَ ﺍﻟﺸّﻴﻄﺎﻥ ﻛﺎﻥ ﺿَﻌﻴﻔﺎً﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:76)

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلآﻳﺴﺔَ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ!

ﺇﻥَّ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎلاﺕ، ﻭﺗﺨﻄّﺮ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺎﺕ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﺴﺎﻡٍ ﻏﻴﺮ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻱ، ﻭﺍلاﺭﺗﺴﺎﻡ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺁﺗﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ، ﻳﺴﺮﻱ ﺣُﻜﻢُ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ. ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺿﻮﺀُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍلاﺭﺗﺴﺎﻡ ﺻﺎﺩﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ، ﻓـلا ﻳﺴﺮﻯ ﺣﻜﻢُ ﺍلأﺻﻞ ﻭﺧﺎﺻﻴﺘُﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻭلا ﺇﻟﻰ ﻣﺜﺎﻟﻪ. ﻛﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺠﺲ ﻭﺍﻟﻘﺬﺍﺭﺓ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺠﺴﺔً ﻭلا ﻗﺬﺭﺓ. ﻭﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ لا ﺗﻠﺪﻍ.

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ: ﺇﻥ ﺗﺼﻮّﺭ ﺍﻟﻜﻔﺮَ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍً، ﻭﺗﺨﻴّﻞ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎً، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑـلا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ، ﻭﻛﺎﻥ ﺗﺨﻄﺮﺍً ﻓﺮﺿﻴﺎً، ﻓـلا ﺿﺮﺭ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻃـلاﻕ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻗﺒﺢ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﻧﺠﺎﺳﺘَﻪ ﻭﻗﺬﺍﺭﺗَﻪ ﻫﻮ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺣﺴﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلأﻣﺮ ﺧﺎﻃﺮٌ ﻓﺮﺿﻲ، ﻭﺗﺪﺍﻉٍ ﺧﻴﺎﻟﻲ، ﺑـلا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭلا ﺭﺿﻰ، ﻓـلا ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻬﻲُ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻗﺒﻴﺤﺎً ﻭلا ﻗﺬﺭﺍً ﻭلا ﻧﺠﺴﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺻﻮﺭﺓً ﻟﻘﺒﻴﺢٍ ﻭﻗﺬﺭٍ ﻭﻧﺠﺲ.

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺛﻤﺮﺓ ﺃﻳﻨﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﻋﻰ ﺟﺒﻞ ﻓﻲ «ﺑﺎﺭلا»، ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﻭﺍﻟﻘﻄﺮﺍﻥ ﺃُﺩﺭﺟﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ».

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴّﻦ ﻋَﺠﺰ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ». ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺜﺎلاﻥ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍلإﺟﺤﺎﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﴿ﻓﻠﻠﺬﻛﺮ ﻣﺜﻞُ ﺣﻆِّ ﺍلاﻧُﺜﻴﻴﻦ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:176) ﻣﺤﺾُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﺪﺍﻟﺔٌ؛ لأﻥَّ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻜﺢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺘﻜﻔﻞ ﺑﻨﻔﻘﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻬﻲ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺗﺤﻤِّﻞ ﻧﻔﻘﺘَﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺘـلاﻓﻲ ﻧﻘﺼَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺭﺙ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺭﺣﻤﺔٌ؛ لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺷﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔِﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﻭﺭﺃﻓﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺗﺠﺪ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺪّﺭﻫﺎ ﺣﺬﺭ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪُﻫﺎ ﻧﻈﺮﺓ ﻣﻦ لا ﻳﺨﺸﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﺮﺭﺍً، ﻭلا ﻳﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﻧﺼﻒِ ﺛﺮﻭﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻭﺍلأﻏﻴﺎﺭ. ﻓـلا ﻳﺸﻮﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔَ ﻭﺍﻟﻌﻄﻒَ ﺍلأﺑﻮﻱ ﺍﻟﺤﺬﺭُ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖُ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔً ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ لا ﻳﻌﻜّﺮﻫﺎ ﺣﺴﺪٌ ﻭلا ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ، ﺇﺫ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻮﻫﺎ ﻧﻈﺮ ﻣَﻦ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎً ﻟﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﺩ ﻧﺼﻒ ﺛﺮﻭﺓ ﺃﺑﻴﻬﻤﺎ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ. ﻓـلا ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﺪٌ ﻭﻛﺪﺭ.

ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺖُ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻓﻄﺮﺓً، ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔُ ﺍﻟﻨﺤﻴﻔﺔ ﺧﻠﻘﺔً، ﺗﻔﻘﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻗﻠﻴـلا ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍلأﻣﺮ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﺴﺐ -ﺑﺪلا ﻣﻨﻪ- ﺛﺮﻭﺓً لا ﺗﻔﻨﻰ ﻣﻦ ﺷﻔﻘﺔ ﺍلأﻗﺎﺭﺏ ﻭﻋﻄﻔﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺭﺣﻤﺘﻬﻢ ﺑﻬﺎ. ﻭﺇﻟّﺎ ﻓﺈﻥ ﺇﻋﻄﺎﺀﻫﺎ ﻧﺼﻴﺒﺎً ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺑﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺭﺣﻤﺔً ﻓﻲ ﺣﻘﻬﺎ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻟﻴﺲ ﺭﺣﻤﺔ ﺑﻬﺎ ﻗﻂ ﺑﻞ ﻇﻠﻢٌ ﺷﻨﻴﻊ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﺎ، ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﺳﺒﻴـلا ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﺍﻟﻮﺣﺸﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ لاﺭﺗﻜﺎﺏ ﻇﻠﻢ ﺃﺷﻨﻊ، ﻳﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻮﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻭﺃﺩﻫﻢ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ. ﻓﺎلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﺪّﻕ، ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺪّﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ:107).

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻓـلأﻣّﻪ ﺍﻟﺴُﺪُﺱُ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:١١).

ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ (ﻭﻫﻲ ﺑـلا ﻣﻴﻢ) -ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻧﻴّﺔ- ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻠﻢ (ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ) ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺘﺮﻑ ﻇﻠﻤﺎً ﺃﺩﻫﻰ ﻭﺃﻧﻜﻰ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺍﺕ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺤﺮﻣﺎﻧﻬﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﻦ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺷﻔﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﻭﺣﻨﺎﻧَﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻟﻄﻒُ ﺟﻠﻮﺓ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻞ ﺃﻟﺬُّﻫﺎ ﻭﺃﺟﺪﺭﻫﺎ ﺑﺎلاﺣﺘﺮﺍﻡ، ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻭﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺃﻛﺮﻡُ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻋﺰﻳﺰﺓ ﻭﺃﺭﺣﻢُ ﻣﻀﺤﻴﺔ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻀﺤﻲ ﺑﺪﻧﻴﺎﻫﺎ ﻭﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺭﺍﺣﺘﻬﺎ ﻟﻮﻟﺪﻫﺎ، ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﺣﻨﺎﻧﻬﺎ ﻭﻋﻄﻔﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﺑﺴﻂ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍلأﻣﻮﻣﺔ، ﻭﺗﺤﻤﻞ ﺑﺼﻴﺼﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، لا ﺗﺘﺮﺩﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﻭﺍﻟﺼﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺳﺪ ﺩﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ ﻓﺮﺍﺧﻬﺎ، ﺭﻏﻢ ﺧﻮﻓﻬﺎ ﻭﺟﺒﻨﻬﺎ.

ﻓﺤﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﻱ ﺟﻮﺍﻧﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺔ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻇﻠﻢٌ ﻣﺮﻳﻊ ﻭﻋﻤﻞ ﺇﺟﺮﺍﻣﻲ، ﻭﺇﻫﺎﻧﺔٌ ﺑﺤﻘﻬﺎ، ﻭﻛﻔﺮﺍﻥُ ﻧﻌﻤﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻴﺮ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻬﺘﺰ ﻟﻬﺎ ﻋﺮﺵُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻭﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﺩﺱّ ﻟﻠﺴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳُﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ ﻭﺣﻮﺵُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪّﻋﻮﻥ ﺧﺪﻣﺘﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻓـلأﻣّﻪ ﺍﻟﺴُﺪُﺱُ﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:١١). ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻣﺤﺾُ ﺍﻟﻌﺪﻝ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    جـﻭﺍﺏ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﻫﺎﻣﺶ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑـ«ﺃﻧﺎ ﻭﺗﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ»:

ﻟﻘﺪ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: «ﺇِﻣَﺎﻡٍ ﻣُﺒِﻴﻦٍ» ﻭ«ﻛِﺘَﺎﺏٍ ﻣُﺒِﻴﻦٍ» ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ: ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮﻭﻥ: ﻣﻌﻨﺎﻫﻤﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ. ﻭﻓﺴّﺮﻭﺍ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﻤﺎ ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻣﺘﻀﺎﺭﺑﺔ. ﻭﺧـلاﺻﺔُ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮﻩ: ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻋﻨﻮﺍﻧﺎﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻲ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﻔﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻥ:

«ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻋﻨﻮﺍﻥٌ ﻟﻨﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ. ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ: ﺃﻧﻪ ﺳﺠﻞٌ ﻟﻠﻘَﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺇﻟﻰ ﻧﺴﻠﻪ، ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻭﻗﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺑﺬﻭﺭﻩ، ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ. ﻭﻗﺪ ﺃُﺛﺒﺖ ﻭﺟﻮﺩُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﺷﻴﺔ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻋﻨﻮﺍﻥٌ ﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ: ﺃﻥ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﺬﻭﺭِﻫﺎ ﻭﺃﺻﻮﻟِﻬﺎ، ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻟـلأﺷﻴﺎﺀ، ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ، ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻤﺎﻥ ﻭﻓﻖ ﺳﺠﻞ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻧﺴﺎﻟَﻬﺎ ﻭﺑﺬﻭﺭَﻫﺎ، ﺳﺠﻞٌ ﺻﻐﻴﺮ ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻣﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻓﻬﺎﺭﺳﻪ، ﻓﻴﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ -ﻣﺜـلا- ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺠﺴّﻤﺔ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻟﻠﺒﺮﺍﻣﺞ ﻭﺍﻟﻔﻬﺎﺭﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ، ﻭﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴّﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ ﻭﺍﻟﻔﻬﺎﺭﺱ ﻭﺗﺤﺪّﺩﻫﺎ.

ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ: ﺇﻥَّ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻓﻬﺮﺱ ﻭﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻋﺮﻭﻗُﻬﺎ ﻭﺃﻏﺼﺎﻧُﻬﺎ ﻭﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ. ﻓـ«ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺳﺠﻞ ﻟﻠﻘﺪَﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻭﻛﺮﺍﺱُ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻩ. ﻭﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺗُﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺈﻣـلاﺀٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﻭﺑﺤُﻜﻤﻬﺎ. ﺃﻣﺎ «ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻮﺟّﻬﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﺃﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻓﻬﻮ: ﻋﻨﻮﺍﻥٌ ﻟﻠﻘُﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ، ﻭﺳﺠﻞٌ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﻛﺘﺎﺏ، ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺃﻣﺮﻩ. ﻭﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ: ﺇﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺳﺠـلا ﻟﻠﻘَﺪَﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓـ«ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ» ﺳﺠﻞ ﻟﻠﻘُﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺳﻮﺍﺀً ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ، ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻳﺪلاﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳُﻀﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﺗُﻌﻴَّﻦ ﻟﻪ ﺻﻮَﺭُﻩ، ﻭﻳﺸﺨَّﺺ ﻣﻘﺪﺍﺭُﻩ، ﻭﻳﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺷﻜﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﺑﺪﺳﺎﺗﻴﺮَ ﻗﺪﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦَ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻧﺎﻓﺬﺓ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺇﺫﻥ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻭﻋﻤﻮﻣﻴﺔ ﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﻭﺳﺠﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻔﺼَّﻞ ﻭﻳُﺨﺎﻁ ﺛﻮﺏُ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻳُﻠﺒَﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺻﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ، ﻭﻓﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ. ﻭﻗﺪ ﺃُﺛﺒﺖَ ﻭﺟﻮﺩُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻞ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ» ﻛﻤﺎ ﺃُﺛﺒﺖَ ﻓﻴﻬﺎ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ».

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻭﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ! ﻓﻠﻘﺪ ﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮﺓ، ﻭﺃﺣﺴّﻮﺍ ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻟﻤﺴﻮﺍ ﺻُﻮَﺭﻩ ﻭﻧﻤﺎﺫﺟﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢَ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» -ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ- ﻓﺄَﺧﻤَﺪُﻭﺍ ﻧُﻮﺭَﻩُ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺑﺈﻣـلاﺀٍ ﻣﻦ «ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ»، ﺃﻱ ﺑﺤُﻜﻢ ﺍﻟﻘَﺪَﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺩﺳﺘﻮﺭِﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬ، ﺗَﻜﺘُﺐُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞٌ ﻣﻨﻬﺎ ﺁﻳﺔ- ﻭﺗﻮﺟِﺪ ﻭﺗﺤﺮِّﻙ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ «ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ» ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺰﻣﺎﻥ.

ﺃﻱ ﺃﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﺍﺕٌ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻋﺒﻮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﺘﻨﺴﺎﺥ، ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ. ﺃﻣﺎ «ﻟﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ» ﻓﻬﻮ ﺳﺠﻞٌ ﻣﺘﺒﺪﻝ ﻟﻠّﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﻭﻟﻮﺣﺔُ «ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻭﻣﺤﻮ» ﻟﻪ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ، ﺃﻱ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮَّﺿﺔ ﺩﻭﻣﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ. ﻧﻌﻢ! ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺤﻘﻴﻘﺔُ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺮﻱ ﺟﺮﻳﺎﻥَ ﺍﻟﻨﻬﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﻣﺪﺍﺩ ﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻭﺍلإﺛﺒﺎﺕ. ﻭلا ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻳﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ.. ﻭﺇﻥ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻈﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺭﺑﻂ ﺣﻜﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﺑﺸﻲﺀ ﺻﻐﻴﺮ ﺟﺪﺍً، ﺗﺸﻴﺮ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ لا ﺗﺨﻂ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﺒﺜﺎً ﻭﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻫﺪﻯ. ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺷﻲﺀ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺗﺨﻂ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺤﻴﻄﺔً ﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺗﻌﻴّﻦ ﺣﺪﻭﺩَﻩ، ﻭﺗﺠﻮﻝ ﺣﻮﻝ ﻣﺸﻬَﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺗﺴﻠّﻢ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠَﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﻟﺘُﻌﺮَﺽ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﺿﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺸﺮ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺣﺸﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﺳﻴُﺒﺴَﻂ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺎﻡ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ- ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻧﻮﺍﺓ ﺗﻤـلأ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﺤﻴﻄُﻬﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺧﻤﺲ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ.

ﻭﺗُﺮﺳﻞ ﺍلآﻥ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞُ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﻓﺎﺗﺮ ﻭﺃﻟﻮﺍﺡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺏ ﻋﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺳﺘُﻔﺮﻍ ﺍلأﺭﺽ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺄﻫﻠﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺗﻤﻀﻲ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠُﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺰﺭﻋﺔ، ﻭﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﺒﻊ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻜﻴﺎﻝ، ﻗﺪ ﺃﻧﺘﺠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﻣﺎ ﻳﻤـلأ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍلأﻛﺒﺮ، ﻭﺳﺎﻟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ، ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﻤـلأ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻧﻮﺍﺓ، ﻭﺃﻥ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ، ﺷﺠﺮﺓٌ ﻭﺳﻨﺒﻞ ﻭﻣﺨﺰﻥ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻄﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔً ﺗﺨﻂ ﺧﻄﺎً ﺃﻭ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ، ﻓﺎﻟﻜﺮﺓُ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻭﺟﻮﺩٍ، ﺑﺤﺮﻛﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﻣﻊ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺤﻮﺭَ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻛﺒﺮ.. ﴿ﻗﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﻋﻨﺪَ ﺍﻟﻠﻪ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:26).

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

 «ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﺜَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻬﻮﺩ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻠﻤﻴﺬ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ»

    ……..

ﺛﺎﻧﻴﺎً:

ﺇﻥَّ ﺗﻮﻓﻴﻘﻜﻢ ﻭﻧﺠﺎﺣَﻜﻢ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﻧﺸﺎﻃَﻜﻢ ﻭﺷﻮﻗﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﺮﺍﻣﺔٌ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ. ﺃﻫﻨﺌﻜﻢ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ. ﻭﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺳﺄﺫﻛﺮ ﻓﺮﻗﺎً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﻭﻫﻮ ﺍلآﺗﻲ:

ﺇﻥ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻓﻴﻪ ﺿﺮﺭ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺿﺮﻭﺭﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻇﻬﺎﺭُ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺗﺤﺪّﺙٌ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ. ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺘﺸﺮﻑ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺻﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﺃﻣﺮ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺪﻭﺭُ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﺍﺳﺘﺪﺭﺍﺟﺎً ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴُﻪ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻗﻴﺔً، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻋﺠﺎﺑُﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺍلاﻋﺘﻤﺎﺩُ ﻋﻠﻰ ﻛﺸﻔﻪ ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻝُ ﻭﻗﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥْ ﺻﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﺃﻣﺮٌ ﺧﺎﺭﻕ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﺷﻌﻮﺭﻩ، ﻛﻤﻦ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺳﺆﺍلا ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﻓﻴﺠﻴﺐ ﻋﻨﻪ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍلإﻧﻄﺎﻕ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ﺇﺩﺭﺍﻛﻪ ﺍلأﻣﺮ، ﺑﻞ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺛﻘﺘُﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺍﻃﻤﺌﻨﺎﻧُﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻗﺎﺋـلا: ﺇﻥ ﻟﻲ ﺣﻔﻴﻈﺎً ﺭﻗﻴﺒﺎً ﻳﺘﻮلاﻧﻲ ﺑﺎﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻲ. ﻓﻴﺰﻳﺪ ﺗﻮﻛُّﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘِﺴﻢ، ﻛﺮﺍﻣﺔٌ لا ﺧﻄﻮﺭﺓَ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺻﺎﺣﺒُﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﻠﻒ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻟّﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﻗﺼﺪَ ﺇﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﻟﻠﻔﺨﺮ، لأﻧﻪ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻨﺴﺐ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻛﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ.

ﺃﻣﺎ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﻓﻬﻮ ﺃﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻨﻪ ﻭﺃﺳﻤﻰ. ﻓﺈﻇﻬﺎﺭﻩ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ، لأﻥ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻦ ﻛﺴﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺴﻨﺪﻩ ﺇﻟﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ! ﺇﻥ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘُﻪ ﻭﻛﺘﺒﺘُﻪ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻣﻦ ﺇﺣﺴﺎﻧﺎﺕ ﺇﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺼﻚ ﻭﻳﺨﺼﻨﻲ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ، ﺇﻇﻬﺎﺭُﻩ ﺗﺤﺪُّﺙٌ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺃﻛﺘﺐ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﺤﺪّﺙ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ. ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺮّﻙ ﻓﻴﻜﻢ ﻋِﺮﻕ ﺍﻟﺸﻜﺮ لا ﺍﻟﻔﺨﺮ.

ﺛﺎﻟﺜﺎً:

ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﺃﺳﻌﺪ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻀﻴﻒَ ﺟﻨﺪﻳﺔ ﻭﻳﺬﻋﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻜﺬﺍ، ﻭﻳﻌﻤﻞ ﻭﻓﻖ ﺫﻟﻚ. ﻓﻬﻮ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻠﻘﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﺃﻋﻈﻢَ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻭﻳﺤﻈﻰ ﺑﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔُ ﺭﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺇﺫ لا ﻳﻤﻨﺢ ﻗﻴﻤﺔَ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻟﻘِﻄﻊ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ، ﺑﻞ ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗَﻪ ﺗﻤﻀﻲ ﺑﻬﻨﺎﺀ ﻭﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻗﻄﻊ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻜﺴﺮ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻫﻲ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ ﺍﻟﻤﺘﻴﻦ ﺍﻟﺜﻤﻴﻦ.

ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺭﻏﺒﺔ ﻣُﻠﺤَّﺔ ﻭﻣﺤﺒﺔٍ ﺟﻴﺎﺷﺔ ﻭﺣﺮﺹٍ ﺭﻫﻴﺐ ﻭﺳﺆﺍﻝ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﺃﺣﺎﺳﻴﺲ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ، ﻭﻫﻲ ﺃﺣﺎﺳﻴﺲ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﻋﺮﻳﻘﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻭُﻫﺒﺖْ ﻟﻪ ﻟﻴﻐﻨَﻢ ﺑﻬﺎ ﺃﻣﻮﺭﺍً ﺃُﺧﺮﻭﻳﺔ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﺎﺳﻴﺲ ﻭﺑﺬﻟﻬﺎ ﺑﺸﺪﺓ ﻧﺤﻮ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﻗﻴﻤﺔ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ ﻟﻘﻄﻊ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻃﺮﻱ ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﺴﺄﺫﻛﺮﻫﺎ ﻟﻜﻢ، ﻭﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻣﺤﺒﺔٌ ﻗﻮﻳﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﻓﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺇﻣَّﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ ﺃﻟﻴﻢ ﻣﻘﻴﻢ، ﺃﻭ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻟﻴﺘﺤﺮﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺣﻴﺚ لا ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻘﻴﻘﻲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃُﻟﻮﻑٌ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺳﻴﺲ، ﻛﻞٌّ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﺘﺎﻥ، ﻛﺎﻟﻌﺸﻖ، ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﻣﺠﺎﺯﻳﺔ، ﻭﺍلأﺧﺮﻯ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻫﺬﺍ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻠﻖ ﻗﻠﻘﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻠﻚ ﻋﻬﺪﺍً ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺍلأﻣﺪ ﻣﻜﻔﻮﻝ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻣﻦ ﻗﺒَﻞ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ، ﻓﺈﺫﻥ لا ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺼﺮﻑ ﻭﺟﻬَﻪ ﻋﻨﻪ، ﻣﺘﻮﺟﻬﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻣﺪﻳﺪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳُﻜﻔَﻞ ﻟﻠﻐﺎﻓﻠﻴﻦ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳُﺒﺪﻱ ﺣﺮﺻﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺠﺎﻩ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻣﺎﻧﺔ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺆﻗﺘﺎً، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺪﺍﺭُ ﺷﻬﺮﺓ ﺫﺍﺕ ﺑـلاﺀ، ﻭﻣﺼﺪﺭُ ﺭﻳﺎﺀ ﻣﻬﻠﻚ، لا ﻳﺴﺘﺤﻘﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ. ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺎﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻘُﺮﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺯﺍﺩ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ. ﻓﻴﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧـلاﻕٌ ﺫﻣﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﺹ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺧـلاﻕ ﺣﻤﻴﺪﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ.

ﻭﻣﺜـلا: ﻳﻌﺎﻧﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﺜﺒﺖ ﻭﻳﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﺛﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻳﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﺳَﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ لا ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺇﺻﺮﺍﺭ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﻠﻴﺲ ﺇﻟَّﺎ ﺍلإﺻﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻣُﻬﻠﻜﺔ ﻭﻣﻀﺮﺓ ﺑﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺲ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﻮﻫﺐ ﻟﻪ ﻟﻴﺒﺬﻝ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ، ﻭﺇﻥ ﺻﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻣﻨﺎﻑ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﺗﺮﺍﻩ ﻳﻮﺟﻪ ﺛﺒﺎﺗﻪ ﻭﺇﺻﺮﺍﺭَﻩ ﻭﻋﻨﺎﺩﻩ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻭﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﺭﻓﻴﻌﺔ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﺳﺲ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻭﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﺤﺲُّ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻠﻌﻨﺎﺩ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﺮﺫﻭﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺧﺼﻠﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﺳﺠﻴﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺜﺒﺎﺕ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻏِﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﻓﺈﻥ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻏﺎﻓـلا ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻣُﺨﻠَّﺪ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﺗﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﺃﺧـلاﻕ ﺩﻧﻴﺌﺔ ﻭﻣﺼﺎﺩﺭ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﻣﻨﺸﺄَ ﻋﺒﺜﻴﺔٍ لا ﻃﺎﺋﻞ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﺟّﻪ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻪ ﺗﻠﻚ، ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔَ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓَ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﺒﻰ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺸﺄ ﻟـلأﺧـلاﻕ ﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻭﺳﺒﻴـلا ﻣﻤﻬﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ ﻭﻣﻨﺴﺠﻤﺎً ﺍﻧﺴﺠﺎﻣﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺧﺎﻝ ﺃﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻋﺪﻡ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻧﺼﻴﺤﺔ ﺍﻟﻨﺎﺻﺤﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻫﻮ: ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﺴﻴﺌﻲ ﺍﻟﺨُﻠﻖ: لا ﺗﺤﺴُﺪﻭﺍ. لا ﺗﺤﺮﺻﻮﺍ. لا ﺗﻌﺎﺩﻭﺍ. لا ﺗﻌﺎﻧﺪﻭﺍ. لا ﺗﺤﺒُّﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻏﻴّﺮﻭﺍ ﻓﻄﺮﺗﻜﻢ. ﻭﻫﻮ ﺗﻜﻠﻴﻒ لا ﻳﻄﻴﻘﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻬﻢ: ﺍﺻﺮﻓﻮﺍ ﻭُﺟُﻮﻩَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻏﻴّﺮﻭﺍ ﻣﺠﺮﺍﻫﺎ، ﻓﻌﻨﺪﺋﺬ ﺗﺠﺪﻱ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻭﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ.

ﺭﺍﺑﻌﺎً:

ﻟﻘﺪ ﺩﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﺤﺚٌ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ. ﻓﻘﺎﻝ ﻗﺴﻢ: ﻛـلاﻫﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﺁﺧﺮﻭﻥ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻬﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍً، ﺑﻞ لا ﻳﻨﻔﻚ ﺃﺣﺪُﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﺍلآﺧﺮ. ﻭﺃﻭﺭﺩﻭﺍ ﺁﺭﺍﺀً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻬﺬﺍ. ﻭﻗﺪ ﻓﻬﻤﺖ ﻓﺮﻗﺎً ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﻬﺬﺍ:

ﺇﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡٌ، ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﺫﻋﺎﻥ. ﺃﻭ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ: ﺍلإﺳـلاﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﻮلاﺀ ﻟﻠﺤﻖ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻭﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ ﻟﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻓﻬﻮ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺼﺪﻳﻘﻪ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ -ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ- ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻤﻦ لا ﺩﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﻭلاﺀً ﺷﺪﻳﺪﺍً لأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪ ﻗﺪ ﻧﺎﻝ ﺇﺳـلاﻣﺎً ﺑﺠﻬﺔ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ﺍﻟﺤﻖَ، ﻓﻴُﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻣﺴﻠﻢ ﺑـلا ﺩﻳﻦ. ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ لا ﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﻭلاﺀً لأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭلا ﻳﻠﺘﺰﻣﻮﻥ ﺑﻬﺎ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ: ﻣﺆﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻠﻢ.

ﺗُﺮﻯ ﺃﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻳﻤﺎﻥٌ ﺑـلا ﺇﺳـلاﻡ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺑـلا ﺇﻳﻤﺎﻥ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺐَ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑـلا ﺇﺳـلاﻡ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ.

ﻓﻠﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﻤﻨﺔ، ﺃﻥ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻗﺪ ﺑﻴّﻨﺖ ﺛﻤﺮﺍﺕِ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﻤﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً ﻭﺍﻓﻴﺎً -ﺑﻔﻴﺾ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ- ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ لا ﺩﻳﻦ ﻟﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮَ ﻣﻮﺍﻝٍ ﻟﻬﺎ.

ﻭﻗﺪ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺩلاﺋﻞَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺑﺮﺍﻫﻴﻨَﻬﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻳﺔً ﺭﺍﺳﺨﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻳﺼﺪّﻕ ﺑﻬﺎ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ، ﻭﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺍلإﺳـلاﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻗﺪ ﻭﺿّﺤﺖ ﺛﻤﺎﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎً ﺟﻤﻴـلا ﺣﻠﻮﺍً، ﻛﺠﻤﺎﻝ ﺛﻤﺎﺭ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻟﺬﺗﻬﺎ، ﻭﺃﻭﺿﺤﺖ ﻧﺘﺎﺋﺠَﻬﻤﺎ ﺍﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻛﺄﻃﺎﻳﺐ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻤﻨﺢ ﻛﻞَّ ﻣﻦ ﺭﺁﻫﺎ ﻭﺍﻃَّﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﺮﻓﻬﺎ ﺷﻌﻮﺭَ ﺍﻟﻮلاﺀ ﻭﺍلاﻧﺤﻴﺎﺯ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ. ﺑﻞ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﻗﻮﻳﺔً ﺭﺍﺳﺨﺔ ﺭﺳﻮﺥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻓﻴﻌﻄﻲ ﻣﻦ ﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﺥ ﻣﺎ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺃﻗﺮﺃ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﺍﺩ ﺍﻟﺸﺎﻩ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪ، ﻭﺃﻗﻮﻝ: «ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻧﺤﻴﺎ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻧﻤﻮﺕ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻧُﺒﻌﺚ ﻏﺪﺍً» ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ ﺍلاﻟﺘﺰﺍﻡ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﺃﺿﺤﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﻮ ﺃُﻋﻄﻴﺖُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ. لأﻥ ﺍﻓﺘﺮﺍﺽ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻟﻴﻢ ﻋﻠﻲّ ﺃﻟﻤﺎً لا ﻳﻄﺎﻕ. ﺑﻞ ﺗﺮﺿﺦ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﺘﻌﻄﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ -ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ- ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺃﻗﻮﻝ: «ﻭﺁﻣﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﺭﺳﻠﺖَ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ، ﻭﺁﻣﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﻧـﺰﻟﺖَ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ، ﻭﺻﺪّﻗﻨﺎ» ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻘﻮﺓ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ، ﻭﺃَﻋُﺪُّ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺃﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﺤﺎلا ﻋﻘﻠﻴﺎً، ﻭﺃﺭﻯ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺒـلاﻫﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﻥ.

ﺑﻠّﻎ ﺳـلاﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﻟﺪﻳﻚ ﻣﻊ ﻭﺍﻓﺮ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﺭﺝُ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻲ، ﻭﻟﻜﻮﻧﻚ ﺃﺧﻲ ﻓﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻭﺍﻟﺪﻱّ ﺃﻳﻀﺎً. ﺑﻠّﻎ ﺳـلاﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻜﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً. ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻟـ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻣﻨﻚ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    ﺇﻥ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﺳﻤَﻲ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﻤﻠﺔ ﻭﺫِﻛْﺮُﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺀ ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﺫﻱ ﺑﺎﻝ، ﺣِﻜَﻤﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﺃُﻋﻠِّﻖُ ﺑﻴﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺁﺧﺮ، ﺫﺍﻛﺮﺍً ﻫﻨﺎ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻲ.

ﺃﺧﻲ!

ﺇﻧﻲ ﺃﺭﻯ ﺍﺳﻤَﻲ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻧﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻛﺒﻴﺮ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﻴﻂ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﺎﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ، ﻭﺃﺭﻯ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺴُّﻄﻮﻉ ﻟﻜﻞ ﺭﻭﺡ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﻘﻘﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﻳﻨﺠﻴﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳُﺤَﺪُّﻭﻥ.

ﻓﻠﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕُ ﺃﻥ ﺃﻫﻢ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﻴﻦ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ «ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻜﺮ» ﻭ«ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ  ﺃﻱ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ: ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍلاﻓﺘﻘﺎﺭ.

ﻭﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﻗﻮﻝ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺎً لأﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺎً لأﺳﺘﺎﺫﻱ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍلأﺣﺎﺳﻴﺲَ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﺗﺠﺎﻩ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮَ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ. ﺑﻞ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، لأﻥ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺃَﻧﻔﺬُ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ، ﻭﺃﺳﻄﻊ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﻧـﺰﻩ، ﻓﻬﻲ ﺍلأﻟﻴَﻖ ﺑﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺷﺪﻳﺪﺗﻴﻦ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓـلا ﺗﻠﻴﻘﺎﻥ ﺑﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻭﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻪ ﺗﺠﺎﻩ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻓﻲ ﺃﺳﻄﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ  ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺩﺭﺟﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺸﻔﻘﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ» ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺔ «ﺯﻟﻴﺨﺎ» (ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ) ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺄﻱّ ﻣﺪﻯ ﺑﻴّﻦَ ﺳﻤﻮَّ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻭﺭﻓﻌﺘَﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺎﺳﻴﺲ (ﺯﻟﻴﺨﺎ)، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﺒﺪﻭ ﺃﺭﻓﻊ ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺃﺳﺘﺎﺫﻱ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ: ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻨﻘﺺُ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ. ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ لا ﻳﻠﻴﻖ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺑﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ.

ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ:

ﻳﺎ ﺃﺳﺘﺎﺫﻱ ﺍﻟﻤﺤﺘﺮﻡ! ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻣﺘﻜﻠّﻒ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻜﺬﺍ:

ﺇﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍلأﺣﺎﺳﻴﺲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﺒﺔ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﺃﻭﺳﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺃﺳﻤﻰ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻟﻄﻴﻔﺔ، ﻧـﺰﻳﻬﺔ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓـلا ﻳُﺘﻨﺎﺯَﻝ ﺇﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﻤﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﻭلاﺩﻩ ﻳﺸﻔﻖ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻐﺎﺭ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓﻴﺒﻴﻦ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻳﺤﺼﺮ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ ﻭﺣﺪﻩ. ﻭﻳﻀﺤﻲ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ. ﺃﻭ ﻳﺬﻡ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺿﻤﻨﺎً ﻭﻳﻬﻮّﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﻢ ﺇﻋـلاﺀً ﻟﻘﺪﺭ ﻣﺤﺒﻮﺑﻪ ﻭﺛﻨﺎﺀً ﻋﻠﻴﻪ.

ﻓﻤﺜـلا ﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ:

«ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻟﺘﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ، ﻓﺘﺘﺴﺘﺮ ﺑﺤﺠﺎﺏ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻟﺌـلا ﺗﺮﺍﻫﺎ».

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ! ﺑﺄﻱ ﺣﻖ ﺗُﺨﺠﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻋﻈﻤﻰ؟

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔٌ، لا ﺗﻄﻠﺐ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻔَﻖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻬﻲ ﺻﺎﻓﻴﺔ لا ﺗﻄﻠﺐ ﻋﻮﺿﺎً. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﺍﻟﺸﻔﻘﺔُ ﺍﻟﻤﻘﺮﻭﻧﺔ ﺑﺎﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، ﻓﻬﻲ لا ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻘﺎﺑﻞَ ﺷﻔﻘﺘﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻳﻄﻠﺐ ﺍلأﺟﺮﺓ ﻭﺍﻟﻌﻮﺽ. ﻭﻣﺎ ﻧُﻮﺍﺡُ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦَ ﺇﻟّﺎ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺐ، ﻭﺳﺆﺍﻝ ﻟﻸﺟﺮﺓ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺈﻥ ﺷﻔﻘﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﻄﻊُ ﻧﻮﺭٍ ﻳﺘﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﺃﺳﻄﻊ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ، ﺗﻈﻬﺮ ﺍﺳﻤَﻲ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻭﺗﻌﻠﻦ: ﺃﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻫﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﺃﻥَّ ﺿﻤﺎﺩ ﺃَﻟﻢ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺫﺍﻙ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:64).

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﺃﺑﺪﺍً ﺩﺍﺋﻤﺎً.

ﺇﺧﻮﺗﻲ ﺍلأﻋﺰﺍﺀ!

ﻟﻘﺪ ﺃَﺑﻠﻐﺘﻢ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆَ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﻟﻲ ﻣﺴﺄﻟﺘﻴﻦ ﻫﻤﺎ:

ﺃﻭلا: ﺇﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻴﻦ، ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺯﻭﺍﺝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺑﺰﻳﻨﺐ ﻣﻮﺿﻊَ ﻧﻘﺪ ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﺽ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺩَﺃْﺏُ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﻟﻒ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ. ﺇﺫ ﻳﻌﺪُّﻭﻧﻪ ﺯﻭﺍﺟﺎً ﻣﺒﻨﻴّﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺓ ﻭﺩﻭﺍﻓﻊ ﻧﻔﺴﺎﻧﻴﺔ

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ ﻭﻛـلا! ﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﻛـلا! ﺇﻥَّ ﻳﺪ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻓﻠﺔ ﺃَﺣﻂُّ ﻣﻦ ﺃَﻥْ ﺗﺒﻠﻎ ﻃﺮﻓﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺎﻟﻜﺎً ﻟﺬﺭﺓ ﻣﻦ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧَّﻪ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻐﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﻭﺗﻠﺘﻬﺐ ﺍﻟﻬَﻮَﺳَﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻗﺪ ﺍﻟﺘﺰﻡ ﺑﺎﻟﻌﺼﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ، ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﻭﺍلأﺻﺪﻗﺎﺀ، ﻭﺍﻛﺘﻔﻰ ﺑﺰﻭﺟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺷُﺒﻪ ﻋﺠﻮﺯ، ﻭﻫﻲ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺭﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﻛﺜﺮﺓ ﺯﻭﺍﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻌﻔﻴﻒ صلى الله عليه وسلم ﺑﻌﺪ ﺍلأﺭﺑﻌﻴﻦ -ﺃﻱ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﻭﺳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬَﻮَﺳَﺎﺕ- ﻟﻴﺴﺖ ﻧﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣِﻜﻢ ﻣﻬﻤَّﺔ، ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻭﺃﻓﻌﺎﻟَﻪ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻭﺃَﻃﻮﺍﺭﻩ ﻭﺣﺮﻛﺎﺗِﻪ ﻭﺳﻜﻨﺎﺗِﻪ، ﻫﻲ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺪِّﻳﻦ ﻭﻣﺼﺪﺭ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻭﺣﻤﻠﻮﺍ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﺒﻠﻴﻎ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ صلى الله عليه وسلم. ﺃﻣﺎ ﺃَﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪِّﻳﻦ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺃَﺣﻮﺍﻟﻪ ﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﻋﻨﻬﻢ، ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺃﻣﻮﺭﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ، ﻓﺈﻥ ﺭﻭﺍﺗﻬﺎ ﻭﺣﺎﻣﻠﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺯﻭﺟﺎﺗُﻪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺍﺕ، ﻓﻘﺪ ﺃﺩَّﻳْﻦَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺣﻖ ﺍلأﺩﺍﺀ. ﺑﻞ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻦ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻳﻠﺰﻡ ﻟﻬﺎ ﺯﻭﺟﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺍﺕ، ﻭﺫﻭﺍﺕ ﻣﺸﺎﺭﺏ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺬﻟﻚ.

ﺃﻣﺎ ﺯﻭﺍﺟﻪ صلى الله عليه وسلم ﺑﺰﻳﻨﺐ، ﻓﻘﺪ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻠﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (ﺍلأﺣﺰﺍﺏ:40)، ﺃﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺗﻔﻴﺪ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﺑﻮﺟﻮﻩ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﺣﺴﺐ ﻓﻬﻢ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻓﺤﺼﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

ﺃﻥَّ ﺯﻳﺪﺍً ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣَﻮْﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻭﻳَﺤﻈﻰ ﺑﺨﻄﺎﺑﻪ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ! ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻔﻮﺍً ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻄﻠﻘﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ، ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩﺕ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺮﺍﻓﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺯﻳﻨﺐ ﺭﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺪ ﺧُﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺧـلاﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺯﻳﺪ ﺑﻔﺮﺍﺳﺘﻪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻄﺮﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺗﻠﻴﻖ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺯﻭﺟﺔ ﻧﺒﻲ. ﺣﻴﺚ ﻭﺟﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﻏﻴﺮ ﻛﻔﺆ ﻟﻬﺎ ﻓﻄﺮﺓ، ﻣﻤﺎ ﺳﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺍلاﻣﺘﺰﺍﺝ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍلاﻧﺴﺠﺎﻡ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻓﻄﻠّﻘﻬﺎ، ﻭﺗﺰﻭﺟﻬﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺑﺄﻣﺮ ﺇﻟﻬﻲ.

ﻓﺎلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ (ﺍلأﺣﺰﺍﺏ:37) ﺗﺪﻝ ﺑﺈﺷﺎﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻗﺪ ﻋُﻘﺪ ﺑﻌﻘﺪ ﺳﻤﺎﻭﻱ، ﻓﻬﻮ ﻋﻘﺪ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻓﻮﻕ ﺍﻟﻌُﺮﻑ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻋﻘﺪٌ ﻋُﻘِﺪ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍﻟﻤﺤﺾ، ﺣﺘﻰ ﺍﻧﻘﺎﺩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻣﻀﻄﺮﺍً ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺪَﺭﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺣُﻜﻤﺎً ﺷﺮﻋﻴﺎً ﻣﻬﻤﺎً ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ.

ﻓﺒﺈﺷﺎﺭﺓ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ (ﺍلأﺣﺰﺍﺏ:37). ﺃﻥ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻟﻠﺼﻐﺎﺭ ﺑـ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ! ﻟﻴﺲ ﺣﺮﺍﻣﺎً، ﺇﺫ لا ﻳﻐﻴﺮ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﻛﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫِﺮ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ (ﺃﻱ ﻗﻮﻟﻪ: ﺃﻧﺖِ ﻋﻠﻲّ ﻛﻈﻬﺮ ﺃﻣﻲ).

ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺒﺎﺭ ﻟﺪﻯ ﺧﻄﺎﺑﻬﻢ لأﻣﺘﻬﻢ ﻭﻟﺮﻋﺎﻳﺎﻫﻢ، ﻭﻟﺪﻯ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻧﻈﺮ ﺍلأﺑﻮﺓ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺮﻡ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﻨﻬﻢ.

ﻭﻃﺒﻘﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﻫﻜﺬﺍ:

ﺇﻥَّ ﺳﻴﺪﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻭﺁﻣﺮﺍً ﺣﺎﻛﻤﺎً ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ ﻧﻈﺮ ﺍلأﺑﻮﺓ. ﺃﻱ ﻳﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﻔﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍلآﻣﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎً ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎً، ﻇﺎﻫﺮﺍً ﻭﺑﺎﻃﻨﺎً، ﻓﺮﺣﻤﺘُﻪ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻋﻦ ﺷﻔﻘﺔ ﺍلأﺏ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ. ﻭﺍلأﻓﺮﺍﺩ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ، ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺃﻭلاﺩ ﺣﻘﻴﻘﻴﻮﻥ ﻟﻪ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻧﻈﺮ ﺍلأﺑﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺍﻧﻘـلاﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺰﻭﺝ، ﻭﻧﻈﺮ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﺃﻳﻀﺎً لا ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔُ ﺣﺮﺟﺎً ﻓﻲ ﺗﺰﻭﺝ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺑﺒﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺼﺤﺢ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻬﻢ ﻗﺎﺋـلا:

ﺇﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻳﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﻳﻌﺎﻣﻠﻜﻢ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍلأﺏ، ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻛﺎلأﺑﻨﺎﺀ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺃﺑﺎﻛﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻟﻜﻲ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﺤﺮﺝُ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ: ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ. ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺧﺎﻃﺒﻜﻢ ﺑﻴﺎ ﺃﺑﻨﺎﺋﻲ ﻭﺃﻭلاﺩﻱ ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻟﺴﺘﻢ ﺃﻭلاﺩَﻩ ﻭﻓﻖ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻓـلا ﺗﻜﻮﻧﻮﻥ ﺃﻭلاﺩﻩ ﻓﻌـلا.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ

   ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    ﺳـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﻋﻠﻴﻜﻤﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻜﻤﺎ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻤﻠَﻮﺍﻥِ ﻭﺗﻌﺎﻗﺐ ﺍﻟﻌَﺼﺮﺍﻥِ ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻘﻤﺮﺍﻥِ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻔﺮﻗﺪﺍﻥِ.

ﺃَﺧَﻮﻱَّ ﺍﻟﻐﻴﻮﺭَﻳﻦِ، ﺯﻣﻴﻠَﻲَّ ﺍﻟﺸﻬﻤﻴﻦِ، ﻳﺎ ﻣﺒﻌﺜَﻲ ﺳُﻠﻮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ، ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻜﻤﺎ ﻣﺸﺎﺭﻛَﻴﻦ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃَﻧﻌﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮﻱ، ﻓﻤﻦ ﺣﻘﻜﻤﺎ ﺇﺫﻥ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮﻱ ﻭﺃَﺣﺎﺳﻴﺴﻲ.

ﺳﺄَﺣﻜﻲ ﻟﻜﻤﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃُﻗﺎﺳﻴﻪ ﻣﻦ ﺃَﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻓﻲ ﻏﺮﺑﺘﻲ ﻫﺬﻩ، ﻃﺎﻭﻳﺎً ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃَﻛﺜﺮُ ﺇﻳـلاﻣﺎً ﻣﻨﻪ ﻟﺌـلا ﺃَﺟﻌﻠﻜﻤﺎ ﺗﺘﺄَﻟَّﻤﺎﻥِ ﻛﺜﻴﺮﺍً.

ﻟﻘﺪ ﺑﻘﻴﺖُ ﻣﻨﺬ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﺃَﻭ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﺮﻳﺪﺍً، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺿﻴﻒٌ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﺄَﻇﻞُّ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻭﻗﺎﺕ. ﻭﻣﻨﺬ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻟﻴﺲ ﺣﻮﻟﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﺒﻞ، ﻓﻠﻘﺪ ﺗﻔﺮَّﻗﻮﺍ.

ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﻤُﻮﺣِﻴَﺔِ ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﺧﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞُ ﺳﺪُﻭﻟَﻪ، ﻓـلا ﺻﻮﺕَ ﻭلا ﺻﺪﻯ، ﺇﻟَّﺎ ﺣﻔﻴﻒ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ.. ﺭﺃَﻳﺘُﻨﻲ ﻭﻗﺪ ﻏﻤﺮَﺗﻨﻲ ﺧﻤﺴﺔُ ﺃَﻟﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ.

ﺃﻭﻟﻬﺎ: ﺃﻧﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻏﺮﻳﺒﺎً ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺃَﻗﺮﺍﻧﻲ ﻭﺃَﺣﺒﺎﺑﻲ ﻭﺃَﻗﺎﺭﺑﻲ، ﻓﻴﻤﺎ ﺃَﺧﺬﺕِ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔُ ﻣﻨﻲ ﻣﺄﺧﺬﺍً، ﻓﺸﻌﺮﺕُ ﺑﻐﺮﺑﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﺮَّﺍﺀ ﺗﺮﻛﻬﻢ ﻟﻲ ﻭﺭﺣﻴﻠﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺍﻧﻔﺘﺤﺖ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻏﺮﺑﺔ ﺃُﺧﺮﻯ، ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮﺕ ﺑﻐﺮﺑﺔ ﻣﺸﻮﺑﺔٍ ﺑﺄَﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﺃﻛﺜﺮُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﻌﻠَّﻖ ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ.

ﻭﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺍﻧﻔﺘﺤﺖ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻏﺮﺑﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﻃﻨﻲ ﻭﺃَﻗﺎﺭﺑﻲ، ﻓﺸﻌﺮﺕ ﺑﻐﺮﺑﺔ ﻣﻔﻌﻤﺔ ﺑﺄﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﺇﺫ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻨﻬﻢ.

ﻭﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺃَﻟﻘﺖْ ﻋﻠﻲَّ ﺃَﻭﺿﺎﻉُ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﺒﻬﻴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝُ ﺍﻟﺸﺎﺧﺼﺔ ﺃﻣﺎﻣﻲ، ﻏﺮﺑﺔً ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﺍﻟﻤﺸﻮﺏ ﺑﺎﻟﻌﻄﻒ ﻣﺎ ﺃَﺷﻌﺮﻧﻲ ﺃَﻥَّ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻏﺮﺑﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﻧﻔﺘﺤﺖ ﺃَﻣﺎﻡ ﺭﻭﺣﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻴﻒ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔً ﻧﺤﻮ ﺃَﺑﺪ ﺍلآﺑﺎﺩ، ﻓﻀﻤَّﺘﻨﻲ ﻏﺮﺑﺔٌ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺎﺩﺓ، ﻭﺃَﺧﺬﻧﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، ﻓﻘﻠﺖ ﻓَﺠﺄﺓً: ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ! ﻭﻓﻜﺮﺕ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃَﻥْ ﺗُﻘﺎﻭَﻡ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﺒﺔ ﻭﺃَﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻠﺔ!.

ﻓﺎﺳﺘﻐﺎﺙ ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺎﺋـلا:

ﻳﺎ ﺭﺏُّ! ﺃَﻧﺎ ﻏﺮﻳﺐ ﻭﺣﻴﺪ، ﺿﻌﻴﻒ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺩﺭ، ﻋﻠﻴﻞ ﻋﺎﺟﺰ، ﺷﻴﺦ لا ﺧﻴﺎﺭ ﻟﻲ.

   ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺍﻟﻐﻮﺙَ ﺍﻟﻐﻮﺙَ. ﺃَﺭﺟﻮ ﺍﻟﻌﻔﻮ، ﻭﺃﺳﺘﻤﺪُّ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﻦ ﺑﺎﺑﻚ ﻳﺎ ﺇﻟﻬﻲ!.

ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻄﻒ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳﻤﺪّﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﺎ ﻳُﺤﻮِّﻝُ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ، ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺲ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍلأﻧﺲ ﻭﺍﻟﺴُّﺮﻭﺭ. ﻓﺒﺪﺃَ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻳُﺮﺩِّﺩُ: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:173) ﻭﺗـلا ﻗﻠﺒﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ: 129).

ﻭﺧﺎﻃﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻘﻠﻘﺔَ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻴﺜﺔ ﻗﺎﺋـلا:

    ﺩَﻉِ ﺍﻟﺼُﺮﺍﺥَ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ، ﻭﺗﻮﻛَّﻞْ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠّﻪ ﻓﻲ ﺑﻠﻮﺍﻙ.

   ﺇﻧَّﻤﺎ ﺍﻟﺸَّـﻜﻮﻯ ﺑَـلاﺀ.

   ﺑﻞ ﺑَـلاﺀٌ ﻓﻲ ﺑَـلاﺀ، ﻭﺃَﺛﺎﻡ ﻓﻲ ﺃَﺛﺎﻡ ﻓﻲ ﺑـلاﺀ.

   ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪﺕَ ﻣَﻦ ﺍﺑﺘـلاﻙ،

   ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺒـلاﺀُ ﻋﻄﺎﺀً ﻓﻲ ﻋﻄﺎﺀ، ﻭﺻﻔﺎﺀً ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺀ، ﻭﻭﻓﺎﺀً ﻓﻲ ﺑـلاﺀ.

   ﺩَﻉِ ﺍﻟﺸَّﻜﻮﻯ، ﻭﺍﻏْﻨَﻢْ ﺍﻟﺸُّﻜﺮ ﻛﺎﻟﺒـلاﺑﻞِ؛ ﻓﺎلأﺯﻫﺎﺭُ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻣﻦ ﺑﻬﺠﺔ ﻋﺎﺷﻘﻬﺎ ﺍﻟﺒﻠﺒﻞ.

   ﻓﺒﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠّﻪ ﺩﻧﻴﺎﻙَ ﺁلاﻡ ﻭﻋﺬﺍﺏ، ﻭﻓﻨﺎﺀ ﻭﺯﻭﺍﻝ، ﻭﻫﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﺑـلاﺀ.

   ﻓﺘﻌﺎﻝَ، ﺗﻮﻛَّﻞْ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﻠﻮﺍﻙ!

   ﻣﺎ ﻟﻚَ ﺗﺼﺮﺥ ﻣﻦ ﺑَﻠﻴَّﺔٍ ﺻﻐﻴﺮﺓٍ، ﻭﺃَﻧﺖَ ﻣُﺜﻘﻞٌ ﺑﺒـلاﻳﺎ ﺗَﺴَﻊُ ﺍﻟﺪُّﻧﻴﺎ.

   ﺗَﺒﺴَّﻢْ ﺑﺎﻟﺘﻮﻛُّﻞِ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺒـلاﺀ، ﻟﻴﺒﺘﺴﻢَ ﺍﻟﺒـلاﺀ.

   ﻓﻜُﻠَّﻤﺎ ﺗﺒﺴّﻢ ﺻَﻐُﺮ ﻭﺗَﻀَﺎﺀَﻝَ ﺣﺘﻰ ﻳَﺰﻭﻝ.

    ﻭﻗﻠﺖ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃَﺣﺪُ ﺃﺳﺎﺗﺬﺗﻲ ﻣﻮلاﻧﺎ ﺟـلاﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎً ﻧﻔﺴﻪ:

   ﺍُﻭ ﮔُﻔْﺖِ : «ﺃَﻟَﺴْﺖُ» ﻭَﺗُﻮﮔُﻔْﺘِﻰ: «ﺑَﻠﻰ»

   ﺷُﻜْﺮِ «ﺑَﻠﻰ» ﭼِﻴﺴْﺖْ؟ ﻛَﺸِﻴﺪَﻥْ ﺑَﻠَﺎ

   ﺳِﺮِّ ﺑَﻠَﺎ ﭼِﻴﺴْﺖْ ﻛِﻪ ﻳَﻌْﻨِﻰ

   ﻣَﻨَﻢْ ﺣَﻠْﻘَﻪ ﺯَﻥِ ﺩَﺭْﮔَﻪِ ﻓَﻘْﺮُ ﻭﻓَﻨَﺎ

 (حاشية) ﻳﻌﻨﻲ: ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: «ﺃﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ» ﻗﻠﺖَ: «ﺑﻠﻰ». ﻓﺄﻳﻦ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻚ ﺑﻠﻰ؟ ﺇﻧﻪ ﻣﻘﺎﺳﺎﺓ ﺍﻟﺒـلاﺀ! ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﺎ ﺳﺮ ﺍﻟﺒـلاﺀ؟ ﺇﻧﻪ ﻃﺮﻕ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ. المترجم

    «ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻣﺎ ﺳﺮ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺒـلاﺀ؟.. ﺇﻧﻪ ﻃَﺮﻕُ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍلاﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ».

    ﻭﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻗﺎﻟﺖ ﻧﻔﺴﻲ: ﺃﺟﻞ! ﺃﺟﻞ!. ﺇﻥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ ﻟﺘﺘﺒﺪﺩُ ﻭﺑﺎﺏَ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻟﻴﻨﻔﺘﺢ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍلاﻟﺘﺠﺎﺀ. ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ.

ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻌﻄﺎﺋﻴﺔ» ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻫﻲ ﻗﻮﻟﻪ:

(ﻣﺎﺫﺍ ﻭﺟَﺪَ ﻣﻦ ﻓَﻘَﺪَﻩُ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻓَﻘَﺪَ ﻣَﻦ ﻭَﺟَﺪَﻩُ)؟

    ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺟﺪﻩ ﻓﻘﺪ ﻭﺟﺪَ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻣﻦ ﻓﻘﺪَﻩ لا ﻳﺠﺪ ﺷﻴﺌﺎً ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺒـلاﺀ.

ﻭﻓﻬﻤﺖ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ «… ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﻐﺮﺑﺎﺀ…» ﻓﺸﻜﺮﺕ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻓﻴﺎ ﺃَﺧﻮﻱَّ!

ﺇﻥَّ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺃَﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻫﺬﻩ، ﻭﺇﻥْ ﺗﺒﺪﺩﺕ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﻓﻲَّ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺑﺼﻤﺎﺕ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﺎ، ﻭﺃَﻭﺣﺖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ:

ﻣﺎ ﺩﻣﺖُ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﻭﺃﻋﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻭﺭﺍﺣـلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ، ﻓﻬﻞ ﺍﻧﺘﻬﺖْ ﻣﻬﻤﺘﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻴﻒ، ﻛﻲ ﺃﻭﻛِّﻠَﻜﻢ ﻭ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻋﻨﻲ. ﻭﺃﻗﻄﻊ ﺣﺒﺎﻝَ ﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﻄﻌﺎً ﻛﻠﻴﺎً؟

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﺭﺩﺕْ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃَﺳﺄَﻟﻜﻢ:

ﻫﻞ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ؟ ﻭﻫﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻘﺺ؟ ﻭﺃﻋﻨﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ: ﻫﻞ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﻬﻤّﺘﻰ ﻛﻲ ﺃَﻧﺴﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃُﻟﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﻏﺮﺑﺔٍ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﺎﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻗﻠﺐ. ﻭﺃﻗﻮﻝ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﻮلاﻧﺎ ﺟـلاﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ:

   ﺩَﺍﻧِﻰ ﺳَﻤَﺎﻉ ﭼِﻪ ﺑُﻮﺩْ؟ ﺑِﻰ ﺧُﻮﺩْ ﺷُﺪَﻥْ ﺯِ ﻫَﺴْﺘِﻰ

   ﺃَﻧْﺪَﺭْ ﻓَﻨَﺎﻯْ ﻣُﻄْﻠَﻖْ ﺫَﻭْﻕِ ﺑَﻘَﺎ ﭼِﺸﻴﺪﻥْ

 (حاشية) ﺃﻱ ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺍﻟﺴّﻤﺎﻉ؟ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﻔﻨﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺗﺬﻭﻕ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ. مترجم

ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﻫﻞ ﻟﻲ ﺃَﻥْ ﺃَﺑﺤﺚَ ﻋﻦ ﻏﺮﺑﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ!.

ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻛﻨﺖ ﺃﺟﺎﺑﻬﻜﻢ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

   ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

      ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﺭﺍﺋﺪ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﻭﺷﻤﺴﻬﺎ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ «ﻣﻜﺘﻮﺑﺎﺕ»:

«ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﺟّﺢ ﻭﺿﻮﺡ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻧﻜﺸﺎﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺁلاﻑ ﻣﻦ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻴﺪ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺎﺕ».

ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎً: «ﺇﻥ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻫﻮ ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻧﺠـلاﺅﻫﺎ».

ﻭﻗﺎﻝ ﻛﺬﻟﻚ: «ﺇﻥ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ: ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ. ﻭﻗﺴﻢ ﺛﺎﻥ: ﻫﻮ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ. ﻭﻗﺴﻢ ﺛﺎﻟﺚ: ﻫﻮ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻫﻮ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺑﺮﺯﺥ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻭﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ».

ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎً: «ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺎﺣﻴﻦ، ﺃﻱ ﺍلاﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺧﻠﻞ ﻭﻗﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻱٍّ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺠﻨﺎﺣﻴﻦ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ».

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﺸﺎﻫﺪ:

ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻭﺃﺳﺒﻘﻬﺎ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ: ﻫﻮ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﻬﺎ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻳﺎﺕ ﺃﻳﺎﻣﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺍﻟﺴﻌﻲ لإﺯﺍﻟﺔ ﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻭﺍﻟﺴﻴﺮ ﺑﺨﻄﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ.

ﻓﺎلأﻭﻝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻫﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻔﺮﺽ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻜﺬﺍ؛ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺧﺎﻝ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﻜﻴـلاﻧﻲ ﻭﺍﻟﺸﺎﻩ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪ ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻗﻄﺎﺏ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬﺍ، ﻟﺒﺬﻟﻮﺍ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﺳﻌﻬﻢ ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻬﻤﺎ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺃﻥ ﺃﻱ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺸﻘﺎﺀ ﺍلأﺑﺪﻱ.

ﻧﻌﻢ، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺇﻳﻤﺎﻥ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺟﺪﺍً ﺩﻭﻥ ﺗﺼﻮﻑ. ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﺩﻭﻥ ﺧﺒﺰ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺩﻭﻥ ﻓﺎﻛﻬﺔ. ﻓﺎﻟﺘﺼﻮﻑ ﻓﺎﻛﻬﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺧﺒﺰ.

ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾٍ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً، ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ، ﻭﻗﺪ ﻳﻄﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ. ﻭﻟﻮ ﻫﻴﺄﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻟﻠﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ لا ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﻗﻴﻘﺔ! ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻥ لا ﻳُﺒﺎﻟﻰ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ؟!

ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻗﺮﺃﻭﺍ ﺑﺈﻧﻌﺎﻡ ﺛـلاﺛﺎً ﻭﺛـلاﺛﻴﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻳﻘﺮّﻭﻥ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻗﺮﺁﻧﻴﺎً ﻗﺼﻴﺮﺍً ﻛﻬﺬﺍ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻜﺬﺍ. ﻓﺈﻧﻲ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥَّ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﻛُﺘﺒﺖ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻲ ﺃﻧﺠﻊُ ﺩﻭﺍﺀ لأﻣﺮﺍﺽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺃﻓﻀﻞُ ﻣﺮﻫﻢ ﻳﻤﺮّﺭ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻭﺣﻪ، ﻭﺃﻧﻔﻊُ ﻧﻮﺭ ﻳﺒﺪﺩ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺧﻴﻮﻝ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﺍﻟﺤﺎﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ، ﻭﺃﺻﺪﻕ ﻣﺮﺷﺪ ﻭﺩﻟﻴﻞ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺭﻯ ﺍﻟﻬﺎﺋﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻭﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﺧﻲ! ﺇﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﺟﻴﺪﺍً ﺃﻥ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﺟﻤﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻓﺈﺯﺍﻟﺘُﻬﺎ ﻳﺴﻴﺮ ﻭﺳﻬﻞ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﺈﺯﺍﻟﺘﻬﺎ ﻋﺴﻴﺮ ﻭﻣﻌﻀﻞ. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺭﺑﻤﺎ لا ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺍلأﻟﻒ ﺇﻟّﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻳﻀﻞ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻭُﺟﺪ ﺿﺎﻟﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﺮﺷﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺍﺣﺪٌ ﻣﻦ ﺍلأﻟﻒ. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆلاﺀ ﻳﻌﺠﺒﻮﻥ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻓﻤﻊ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺠﻬﻠﻮﻥ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ.

ﻭﺇﻧﻲ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﻣﻨﺢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺧﺎﺻﻴﺔَ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﺘﺮﻳﺎﻕ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩ ﻟﺴﻤﻮﻡ ﺯﻧﺪﻗﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ