المكتوب الرابع والعشرون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:27) ﻭ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:١)

  ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺷﻔﻴﻘﺔ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» ﻣﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻭِﻓﻖ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ، ﻭﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﻮﺩﻭﺩ» ﻣﻦ ﻟُﻄﻒ ﻭﻣﺤﺒﺔ.. ﻛﻴﻒ ﺗﺘـلاﺋﻢ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣُﺮﻋﺐ ﻭﻣﻮﺣﺶ ﻛﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ؟

ﻭﻟﻨﺴﻠّﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ لا ﺑﺄﺱ ﺑﻪ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﺮٌ ﻭﺣَﺴﻦٌ ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﺔُ ﺭﺣﻤﺔٍ ﻭﺷﻔﻘﺔ ﺗَﺴﻊ، ﻭﺃﻳﺔُ ﺣﻜﻤﺔٍ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻮﺟَﺪ، ﻭﺃﻱُّ ﻟﻄﻒ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﻓﻨﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺆﻫَّﻠﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺸﻐﻮﻓﺔِ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮّﺍﻗﺔ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ، ﻭﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻭﺇﻋﺪﺍﻣِﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺇﻣﻬﺎﻝِ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ؟ ﻭﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ لأﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪَﻋَﺔ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ؟ ﻭﻓﻲ ﺇﻣﺎﺗﺘﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﺑـلا ﺗﻮﻗّﻒ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﺴﻤﺢ لأﺣﺪٍ ﺑﺎﻟﻤﻜﻮﺙ ﻗﻠﻴـلا ﻭﺩﻭﻥ ﺭﺿﻰً ﻣﻦ ﺃﺣﺪ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻜﻲ ﻧﺤﻞّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻓﻬﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﻋﻤﻴﻘﺔ ﺟﺪﺍً ﻭﺭﻓﻴﻌﺔ ﺟﺪﺍً، ﻟﻨﺮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ. ﻓﻨﺒﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﻧﺒﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺲ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ.

  ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

  ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﺭﻣﻮﺯ

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍلأﻭﻝ

ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﻮﺍﺗﻴﻢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»: ﺇﻥَّ ﺻﻨّﺎﻋﺎً ﻣﺎﻫﺮﺍً، ﻳﻜﻠّﻒ ﺭﺟـلا ﻓﻘﻴﺮﺍً ﻟﻘﺎﺀ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻳﺴﺘﺤﻘُّﻬﺎ، ﻟﻴﻘﻮﻡَ ﻟﻪ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ «ﺍﻟﻤﻮﺩﻳﻞ» ﻟﻴَﺨﻴﻂ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﺭﺍﻗﻴﺎً، ﻓﺎﺧﺮﺍً ﻓﻲ ﺃﺟﻤﻞ ﺯﻳﻨﺔ ﻭﺃﻛﺜﺮِﻫﺎ ﺑﻬﺎﺀً، ﺇﻇﻬﺎﺭﺍً ﻟﻤﻬﺎﺭﺗﻪ ﻭﺻﻨﻌﺘﻪ. ﻟﺬﺍ ﻳﻔﺼّﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞِ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱَ ﻭﻳﻘُﺼّﻪ ﻭﻳﻘﺼِّﺮﻩ ﻭﻳﻄﻮِّﻟﻪ، ﻭﻳُﻘﻌِﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞَ ﻭﻳُﻨﻬِﻀَﻪ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.. ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻠﺼﻨّﺎﻉ: ﻟِﻢَ ﺗﺒﺪّﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺒﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤّﻠﻨﻲ؟ ﻭﻟِﻢَ ﺗﻐﻴّﺮﻩ؟ ﻓﺘُﻘﻌﺪﻧﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺗُﻨﻬﻀﻨﻲ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺘﻔﺴﺪ ﺭﺍﺣﺘﻲ؟!

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ (ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍلأﻋﻠﻰ) ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﻣﺎﻫﻴﺔَ ﻛﻞِّ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻘﻴﺎﺳﺎً ﻭﻧﻤﻮﺫﺟﺎً «ﻣﻮﺩﻳـلا» ﻓﺄﻟﺒﺲ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﻣﺮﺻّﻌﺎً ﺑﺎﻟﺤﻮﺍﺱ، ﻭﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻘﻮﺷﺎً ﺑﻘﻠﻢ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗَﺪَﺭﻩ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺇﺑﺮﺍﺯﺍً ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺑﻨﻘﻮﺵ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻤﻨﺢ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﻤﺎلا ﻭﻟﺬﺓ ﻭﻓﻴﻀﺎً ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﺟﺮﺓٍ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻪ.

ﻓﻬﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﺸﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻚُ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻳﺘﺼﺮّﻑ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻧﻚ ﺗﺘﻌﺒﻨﻲ ﻭﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻲّ ﺭﺍﺣﺘﻲ»؟ ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ ﻭﻛـلا!

ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺣﻖ ﺑﺄﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺯﺍﺀ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺪّﻋﻲ ﺑﺄﻱ ﺣﻖٍ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ، ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ، ﺃﺩﺍﺀً ﻟﺤﻖ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺇﻳﺎﻫﺎ. لأﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﻗﻮﻋﺎﺕ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠّﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗُﻤﻨﺢ ﻫﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺕٌ، ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕُ ﻋﺪﻡٌ، ﻭﻫﻲ لا ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ لا ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﺔ، ﻓﻤﺎ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ لا ﻋﻠﺔ ﻟﻪ.

 ﻣﺜـلا: لا ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻤﻌﺎﺩﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﻮ ﻗﺎﺋﻠﺔً: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﻧﺼﺒﺢ ﻧﺒﺎﺗﺎﺕٍ؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺸﻜﺮ ﻓﺎﻃﺮَﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃُﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻤﻌﺎﺩﻥ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﺻﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﺣﻘُّﻪ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻌﺎً. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً؟ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺟﻮﻫﺮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺮﺍﻗﻲ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘِﺲ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ! ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺒﻖَ ﻣﻌﺪﻭﻣﺎً، ﺑﻞ ﻟﺒﺴﺖَ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﺫُﻗﺖ ﻃﻌﻢَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﺟﻤﺎﺩﺍً ﻭﻟﻢ ﺗﺼﺒﺢ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً، ﻓﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻌﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻭﺗﻨﻌّﻤﺖ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮﺍﻥ! ﺃﻓَﺒَﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺪﻋّﻲ ﺣﻘﺎً ﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻚ، ﺇﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﻜﺮ ﺭﺑَّﻚ ﺑﻌﺪُ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧِﻌﻢٌ ﺧﺎﻟﺼﺔ. ﺑﻞ ﺗﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻧِﻌﻢ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلإﻣﻜﺎﻧﺎﺕ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﻣﻤﺎ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻭلا ﺗﺴﺘﺤﻘﻪ، ﻓﺘﺸﻜﻮ ﺑﺤﺮﺹ ﺑﺎﻃﻞ ﻭﺗﻜﻔﺮ ﺑﻨﻌَﻤِﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺃﻥ ﺭﺟـلا ﺃُﺻﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻣﻨﺎﺭﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻭﺗﺴﻠَّﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﺛﻢ ﻭﺟﺪ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺭﻓﻴﻊ، ﺃﻳﺤﻖُّ ﻟﻪ ﺃﻥ لا ﻳﺸﻜﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﺘﺄﻓﻒ ﻭﻳﺘﺤﺴﺮ ﻗﺎﺋـلا: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﺃﻗﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺩ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ..

ﺗﺮﻯ ﻛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﻠُﻪ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃـلا ﻟﻮ ﺗﺼﺮّﻑ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﻛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﻛﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﻣﻘﻴﺘﺔ!. ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺒُﻠﻬﺎﺀ ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻫﺬﺍ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺺ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﻧﻊ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺮﻑ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺘﺼﺪ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ! ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ!

ﺍﻋﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺷﻜﺮﺍﻥ ﺭﺍﺑﺢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺧﺎﺳﺮ، ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﺗﻮﻗﻴﺮٌ ﻟﻠﻨﻌﻤﺔ ﺟﻤﻴﻞ ﻭﻧﺎﻓﻊ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻀﺮّ ﻭﻣﺸﻴﻦ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺭﺍﺷﺪﺍً، ﻋﻮّﺩ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﺮﺿﻰ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻄﻖ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻞ: ﻳﺎ ﺻﺒﻮﺭ ﻭﺗﺠﻤّﻞ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ. ﻭﺃﺭﺽ ﺑﺤﻘﻚ ﻭلا ﺗﺸﻚُ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﻣﻤﻦ ﻭﺇﻟﻰ ﻣَﻦ ﺗﺸﻜﻮ ﺇﻟﺰَﻡ ﺍﻟﺼﻤﺖ. ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﺎﺷﻚُ ﻧﻔﺴَﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻣﻨﻬﺎ.

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﻟﻠﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ» ﺃﻧﻪ:

ﺇﻥَّ ﺣﻜﻤﺔً ﻣﻦ ﺣِﻜﻢ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺩﻭﻣﺎً ﻭﺗﺠﺪﻳﺪِﻩ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﺠﺪﻳﺪﺍً ﻣﺤﻴّﺮﺍً ﻣﺬﻫـلا ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﺷﻬﻴﺔ، ﻣﻦ ﺍﺷﺘﻴﺎﻕ، ﻣﻦ ﻟﺬﺓ، ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻝ، ﺇﻟﻰ ﻟﺬﺓ، ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺟﺎﻣﻊٌ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺷﻔﻘﺔً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺤﺒﺔً ﻣﻨﺰّﻫﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻗﺪﺳﻴﺘﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﻏﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺎﺳﺐ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻨﺰُّﻫﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺷﻮﻗﺎً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ، ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰَّﻫﺔ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﺳﺮﻭﺭﺍً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻭﺃﻥ ﻟﻪ ﻟﺬﺓً ﻣﻘﺪﺳﺔ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌﺔٌ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ. ﻭلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺭﺿﻰً ﻣﻘﺪﺳﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻪ ﻭﺍﻓﺘﺨﺎﺭﺍً ﻣﻘﺪّﺳﺎً لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ -ﺇﻥ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺭﺿﻰً ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻄـلاﻕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻭﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺿﻤﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﺿﻰ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍلاﻓﺘﺨﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺒﺪﻳـلا ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﺍً ﻭﺗﺤﻮﻳـلا ﻭﺗﺨﺮﻳﺒﺎً لا ﺣﺪّ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩَﻳﻦ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ -ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﺎ- ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻴِّﻨُﻪ ﺣﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺒﺸﺮ (ﻓﻠﺴﻔﺘُﻪ ﻭﻋﻠﻮﻣُﻪ) ﻣﻦ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﺗﺨﺺ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺗﺎﻓﻬﺔٌ لا ﻗﻴﻤﺔَ ﻟﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﺜﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺮﺍﺳﺦ ﻗﺪﻣُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻀﻞ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻴﺎً، ﺃﻭ ﻳﻨﻜﺮ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﺃﻭ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ: «ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ».

ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺜَﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻪ «ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ» لإﻏﺎﺛﺘﻲ، ﻓﺄﻇﻬﺮ ﻟﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ، ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉٍ ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﺣﻜﻴﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻄﺎﻟﻌﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.

ﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺪﺓَ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﺛﻢ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕُ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، ﻓﻠﻢ ﺗﻌُﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻛﺎﻓﻴﺔً ﻭﺍﻓﻴﺔ. ﻭﺃُﻇﻬﺮﺕْ ﻟﻲ ﻏﺎﻳﺔٌ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻋﻈﻢُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻰ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺃﻫﻢ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻠﻤﺼﻨﻮﻉ ﻫﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺃﻱ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉُ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺻﻨﻌﺔِ ﺻﺎﻧﻌﻪ، ﻭﻧﻘﻮﺵَ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﺮﺻَّﻌﺎﺕ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﻫﺪﺍﻳﺎ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺮﺁﺓً ﻟﺠﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا. ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﻤﺖُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻛﻔَﺘﻨﻲ ﻣﺪﺓً ﻣﺪﻳﺪﺓ.

ﺛﻢ ﻇﻬﺮﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺟﺪﺍً، ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺤﻴّﺮﺓ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺇﺗﻘﺎﻧﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﻓﻴﺔً، ﻭﻋﻠﻤﺖُ ﺃﻥ لاﺑﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﻉٍ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣﻘﺘﻀﻰ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻌﺎﺩﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺃُﻇﻬﺮﺕ ﻟﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ.

ﻭﺃُﻋﻠﻤﺖ ﻳﻘﻴﻨﺎً: ﺃﻥ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﺮَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺳﻴـلاﻧﻬﺎ، ﺗﺤﻤِﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻨﻄِﻖ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨُﻄﻖ ﻭﺃﻥ ﺳﻴﺮَﻫﺎ ﻭﺩﻭﺭﺍﻧَﻬﺎ ﺗﻜﻠّﻢ ﻭﻧﻄﻖ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌَﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻛﻠﻤﺎﺕٌ ﺗﺴﺒﻴﺤﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﻧﻄﻖٌ ﻭﺇﻧﻄﺎﻕٌ ﺻﺎﻣﺖٌ ﻟﻠﻜﻮﻥ ﻭﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ.

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ لا ﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭلا ﺗﺼﻴﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﻤﻀﻲ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌِﻠﻢ، ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺗﺘﻮﺟّﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺘﻐﻴّﺮ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺟﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻭﺗﺘﺠﻤّﻞ ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ، ﻓـلا ﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﺘﺒﺪﻝ ﺗﻌﻴّﻨﺎﺗﻬﺎ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ. ﺃﻣﺎ ﺣﻘﺎﺋﻘُﻬﺎ ﻭﻣﺎﻫﻴﺎﺗُﻬﺎ ﻭﻫﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭُ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﻣﻈﻬﺮُ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔٌ ﻓﺎﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺭﻭﺣﺎً ﻳﻌﻮﺩﺍﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﺎﻟﺸﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻬﺎ. ﺇﺫ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺣﺴﻨُﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭلا ﻳﻮﺭﺙ ﺗﺒﺪﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺿﺮﺭﺍً ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﺎ ﻭﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﻋﺪﻣﺎً ﺑﻞ ﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﺸﻲﺀُ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ ﻭﻣﻦ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻣﻮﺩﻋﺎً ﺛﻤﺮﺍﺕ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺴﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﻭﺣﻪ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ. ﻓﺄﺭﻭﺍﺡُ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺣﺴﻨﻰ. ﻓﺘﺪﻭﻡ ﻭﺗﺴﺘﻤﺮ، ﻭﺗﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣـلاﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀُ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺃﺻـلا ﻳﻤﻀﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎلاﺕ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺔ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﻬﻢ ﻭﺯﻭﺍﻟَﻬﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﺗﺎً ﻭﻋﺪﻣﺎً ﻭلا ﺯﻭﺍلا ﻭﻓﺮﺍﻗﺎً ﺣﻘﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻭِﺻﺎﻝٌ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﻫﻮ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﻣُﻤﺘﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺃﺟﻤﻞَ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺯﻫﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﻟﻜﻪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻭﺑﺎﻕٍ، ﻭﺇﻥ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔٌ ﻭﺃﺳﻤﺎﺀﻩ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﺇﺫﻥ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺀٍ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻓﻠﻴﺲ ﺗﺨﺮﻳﺒﺎً ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً ﻭلا ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً ﻭﺯﻭﺍلا. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ- ﻣﻊ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﻴﺘﻠﺬﺫ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ ﺑﻤﺼﺎﺋﺒﻬﺎ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻣﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺑﺎلأﺧﺺ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻬﻢ ﻭﻳﻌﺠﺐ ﺑﻬﻢ ﻭﻳﺤﺘﺮﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪُّ ﺗﺄﻟﻤﺎً ﺑﺂلاﻣﻬﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻀﺤّﻲ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﺳﻌﺎﺩﻫﻢ ﻛﺘﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺍﻟﺸﻔﻴﻘﺔ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﺭﺍﺣﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻭﻟﺪﻫﺎ.

ﻓﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﻭﻧﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐَ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻐﻨﻢ ﻧﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﺑﻌِﻈَﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﻜﻞٌّ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺁلاﻣﻪ ﺑﻬـلاﻙ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺑﻔﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﺑﺈﻋﺪﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﻭﺑﺂلاﻡ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻔﺮﻩ ﻳﻤـلأ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﻭﻳﻔﺮﻏﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ) ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ (ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ).

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺫُﻛﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻋﺪﺓ: ﺇﻥ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻧﺎﺷﺌﺔً ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻭﻳﻨﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﻠﻪ ﺍﺳﻢُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ، ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ لا ﺗُﺤﺪ، ﻓﺘﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻧﺎﺷﺊٌ ﻋﻦ ﺗﻨﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺻﺎﺣﺐَ ﻛﻞِّ ﺟﻤﺎﻝ ﻭﻛﻞ ﻛﻤﺎﻝ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ ﻭﺇﺷﻬﺎﺩِﻫﻤﺎ. ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ -ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﻴﺔً ﻭﺳﺮﻣﺪﻳﺔ- ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺩﺍﺋﻤﻴﺎً ﺳﺮﻣﺪﻳﺎً ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺭﺅﻳﺔَ ﻭﺇﺭﺍﺀﺓَ ﺟﻠﻮﺓِ ﺟﻤﺎﻟِﻬﺎ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪَ ﻛﺘﺎﺏِ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺁﻧﺎً ﻓﺂﻧﺎً. ﺃﻱ ﻛﺘﺎﺑﺘُﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔً ﻣﺠﺪﺩﺓ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ. ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺃﻟﻮﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻛﻞِّ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻟﻨﻈﺮ ﺷﻬﻮﺩِ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤّﻰ ﺍلأﻗﺪﺱ ﻣﻊ ﻋﺮﺿِﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺋﻬﻢ. ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ:

  ﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ..  ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﺩﺓ

  ﺣﺮﻭﻓُﻪ ﻭﻛﻠﻤﺎﺗﻪ..   ﻫﺬﻩ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ

  ﻟﻘﺪ ﺳُﻄّﺮ ﻓﻲ ﻟﻮﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻅ:

  ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻔﻆٌ ﺑﻠﻴﻎ ﻣﺠﺴّﻢ

  ﺗَﺄَﻣَّﻞْ ﺳُﻄُﻮﺭَ ﺍﻟْﻜَﺎﺋِﻨَﺎﺕِ ﻓَﺈﻧَّﻬَﺎ   ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻤَـلإ ﺍلاﻋْﻠَﻰ ﺇﻟَﻴْﻚَ ﺭَﺳَﺎﺋِﻞُ

  ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

  ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:  ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ، ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﺫﻥ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﺎً ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﻜﻞ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﺫﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ، لأﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺑﺴﺮّ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳَﻌﺮﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﻳُﻌﺮَﻑ ﺍﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﻳﻨﺎﻝ ﺃﻧﻮﺍﺭَ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺑﺤﺪﻭﺩ، ﻓـلا ﻓﺮﺍﻕَ ﻭلا ﺯﻭﺍﻝ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ.. ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻴﺶُ ﻓﻲ ﺁﻥ ﺳﻴﺎﻝ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺒﻌﺚَ ﺃﻧﻮﺍﺭِ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ، ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺮﻑ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺻﻨﻮﻑ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﻌﺪﻡ، لأﻥ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻪ ﻓﺮﺍﻕ ﻭﺍﻓﺘﺮﺍﻕ ﻭﺯﻭﺍﻝ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ. ﺃﻱ ﻳَﺤﻤﻞُ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً لا ﺗﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺻﻨﻮﻓﺎً لا ﺗﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻓﻠﻮ ﻇﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻟﻤﺎ ﻋَﺪﻝَ ﻗﻄﻌﺎً ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ: ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﺳﻴﺎلا ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﻮّﺭ ﻳﻔﻀُﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺑﺘﺮ. ﺃﻱ ﺇﻥَّ ﺁﻧﺎً ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣُﺮﺟّﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ لا ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﻓﻴﻪ. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ: ﺇﻥ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻭﻫﻲ ﺗَﻨﻌﻢ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻤﻠﻮﺀﺓً ﺑﺎﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ. ﻭﺑﺨـلاﻑ ﺫﻟﻚ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺈﻥ ﻇﻠﻤﺎﺕِ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺁلاﻡَ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺃﻭﺟﺎﻉَ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺣﺸﺔً ﺧﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ.

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﻟﻜﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭ ﺷﺠﺮﺓ، ﻋـلاﻗﺔً ﻣﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺗﻜﻮّﻥ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍلأﺧﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ.. ﻓﻠﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﻭﺟﻮﺩﺍﺕٌ ﻋﺮَﺿﻴﺔ ﺑﻌﺪﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻗُﻄﻔَﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﻗﺎً ﻭﺯﻭﺍلا ﻳﺤﺼـلاﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ. ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕُ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻘﻄﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻓﻴﻌﻤّﻬﺎ ﺍﻟﻈـلاﻡُ، ﻇـلاﻡ ﻋﺪﻡ ﺧﺎﺭﺟﻲ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻪ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ، ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏٌ ﻓﺈﻥ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﻴﺐ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺷﺎﻫِﺪ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔَ ﺍﻟﻤﺨﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻝ.

ﻓﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑُﻴّﻨﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻣﺰ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺍلاﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻟّﺎ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻟـلأﻋﻤﻰ ﻭﺍلأﺻﻢ ﻭﺍلأﺑﻜﻢ ﻭﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻥ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻣﻈﻠﻢ ﺑﺎﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻭﻟـلأﺷﻴﺎﺀ ﺛـلاﺛﺔَ ﻭﺟﻮﻩ:

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺁﺓٌ ﻟﻬﺎ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِﺽ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝُ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﺑﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺠﺪّﺩ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻳﺮﻧﻮ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻣﺰﺭﻋﺘﻬﺎ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺗﻨﻀﺞ ﺛﻤﺮﺍﺕٌ ﺑﺎﻗﻴﺎﺕ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، لأﻧﻪ ﻳﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺎﺕ، ﻭﻓﻴﻪ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ لا ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ.

  ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ، ﺃﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻭﺟﻪٌ ﻳﻌﺸﻘﻪ ﺍﻟﻔﺎﻧﻮﻥ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻬﻮﻯ، ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊُ ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻔﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺟﻠﻮﺍﺕُ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﻫﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺍﺣﺎﺕ ﺁلاﻡ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ، ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﺒﺪّﻟﺔ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ .

المكتوب الثالث والعشرون

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩُِ﴾

  ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﺃﺑﺪﺍً ﺑﻌﺪﺩ ﻋﺎﺷﺮﺍﺕ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮﻙ ﻭﺫﺭﺍﺕ ﻭﺟﻮﺩﻙ.

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻐﻴﻮﺭ ﺍﻟﺠﺎﺩ ﺫﺍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﺍﻟﻔﻄِﻦ!

ﺇﻥَّ ﺃﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ لا ﻳﻤﻨﻊ ﺍﺧﺘـلاﻑُ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻣﺤﺎﻭﺭﺗَﻬﻢ ﻭﻣﺆﺍﻧﺴﺘﻬﻢ، ﻓﺤﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺁﺧﺮ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻌﺪّﻭﺍ ﻣﻌﺎً، ﻭﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥْ ﻳﺘﺤﺎﻭﺭ ﺑﻌﻀﻬُﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻭﺍﺟﺐ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻋﻴﻦ ﺍلآﺧﺮ.

ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺗﺼﻮﺭﻛﻢ ﻣﻌﻲ ﺻﺒﺎﺡَ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻭﺃﻫَﺐ ﻟﻜﻢ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺳﺒﻲ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺜﻠﺚ (ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ) ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻣﻊ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ» ﻭ«ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ»، ﻓﺘﻨﺎﻟﻮﻥ ﺣﻈﻜﻢ ﺩﻭﻣﺎً ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺛّﺮ ﻓﻲّ ﺑﻌﺾُ ﻣﺸﺎﻛﻠﻜﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﺘﺄﻟﻤﺖُ لأﻟَﻤِﻜﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﻭﺃﻥَّ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﺋﺒﻬﺎ ﺧﻴﺮﺍً، ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ -ﺑﺪلا ﻋﻨﻚ- ﻋﺒﺎﺭﺓ «ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻳﺰﻭﻝ» ﻭﺗﺪﺑّﺮﺕ ﻓﻲ: «لا ﻋﻴﺶَ ﺇلا ﻋﻴﺶُ ﺍلآﺧﺮﺓ» ﻭﺗﻠﻮﺕ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:153) ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:156) ﻓﻮﺟﺪﺕ ﺳﻠﻮﺍﻧﺎً ﻭﻋﺰﺍﺀً ﺑﺪلا ﻋﻨﻚ.

ﻳﺎ ﺃﺧﻲ! ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺐّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺒﺪﺍً ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻌﺮِﺽ ﻋﻨﻪ ﻭﺗُﺠﺎﻓﻴﻪ، ﻭﻳُﺮﻳﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﺒﻴﺤﺔً ﺑﻐﻴﻀﺔً، ﻭﺇﻧﻚ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ. لا ﺗﺘﺄﻟﻢ ﻣﻦ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ». ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﺸﺮٍ ﻟﻠﺮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺤﺪ ﺍلآﻥ، ﺇﺫﺍ ﺣﻈﻲَ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺗﺘﻔﺘﺢ -ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ- ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺟﺪﺍً ﺃﺯﺍﻫﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﺇﻧﻚ ﺗﺴﺄﻝ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻦ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺇﻥ ﻣﻌﻈﻢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻭﻛﺬﺍ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ» ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮِﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺁﻧﻴﺎً ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﻲ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺗﺼﺒﺢ ﺟﻤﻴﻠﺔً ﻟﻄﻴﻔﺔ. ﻭﻟﻮ ﻛﻨﺖُ ﺃﺟﻴﺐ ﻋﻦ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻭﺑﻌﺪ ﺗﺄﻣﻞ ﻭﺗﻔﻜّﺮ ﻭﺑﻘﻮﺓ ﻋﻠﻢ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻳﺮﺩ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏُ ﺧﺎﻓﺘﺎً ﺧﺎﻣﺪﺍً ﻧﺎﻗﺼﺎً. ﻭﻟﻘﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﺗﻄﻠّﻊ ﺍﻟﻘﻠﺐ -ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮﺓ- ﻭﺧﺒَﺖْ ﺟﺬﻭﺓُ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻨﻜﺘﺐ ﺟﻮﺍﺑﺎً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺭ ﻟﺌـلا ﺗﺒﻘﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺌﻠﺔ ﺩﻭﻥ ﺟﻮﺍﺏ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍلأﻭﻝ: ﻛﻴﻒ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ لأﺧﻴﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ؛ لأﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﺠﺎﺑﺎً ﻭﻣﻘﺒﻮلا ﺿﻤﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ، ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ ﺍلاﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻛﻠّﻤﺎ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ. ﻓﻤﻨﻬﺎ؛ ﺍﻟﻄﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ؛ ﺃﻱ ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﺮﻭﻉ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺀ، ﺛﻢ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺎﺏ، ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺷﻔﻴﻌﺔً ﻟﻠﺪﻋﺎﺀ، ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺘﺎﻡ، لأﻥ ﺩﻋﺎﺀً ﻭﺳﻂ ﺩﻋﺎﺀﻳﻦ ﻣﺴﺘَﺠﺎﺑﻴﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﺠﺎﺑﺎً.

ﻭﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﻈﻬﺮ ﺍﻟﻐﻴﺐ.

ﻭﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﺎﻟﻤﺄﺛﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ، ﻭﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺃﺩﻋﻴﺔ.

  مـﺛﺎﻝ ﺫﻟﻚ:

﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:201)

   (ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﺳﺄﻟﻚ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻭﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻟﻲ ﻭﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ).. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ.

ﻭﺃﻥْ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﺨﻠﻮﺹ ﺍﻟﻨﻴّﺔ ﻭﺧﺸﻮﻉ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺣﻀﻮﺭﻩ.

ﻭﺃﻥْ ﻳﺪﻋﻮ ﺩُﺑُﺮ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺩﺑﺮ ﺻـلاﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ.

ﻭﺃﻥْ ﻳﺪﻋﻮ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، ﻭﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺠُﻤَﻊ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍلأﺷﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ   ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ. ﻭﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ.

ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻳُﺮﺟﻰ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺮﻭﻧﺎً ﺑﺎلاﺳﺘﺠﺎﺑﺔ.

ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺎﺏ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳُﺮﻯ ﺃﺛﺮُﻩ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻭ ﻳُﺴﺘﺠﺎﺏ لآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﻭﻟﺤﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳُﺮَ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺑﺬﺍﺗﻪ، ﻓـلا ﻳُﻘﺎﻝ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻢ ﻳُﺴﺘَﺠﺐ ﺑﻞ ﻳُﻘﺎﻝ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﺳﺘﺠﻴﺐ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻞ ﻳﺠﻮﺯ ﺇﻃـلاﻕ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ.. لأﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻴﺲ ﺷﻌﺎﺭﺍً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ (ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ) ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم.

ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻖ (ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ) ﻋﻠﻰ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﻴـلاﻧﻲ، ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻭﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻣﻤﻦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻭﺭﺛﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﻧﺎﻟﻮﺍ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺮﺿﻰ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺟﺮﻯ ﻋُﺮﻑ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻠﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ؛ (ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ) ﻭﻟﻠﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺗﺎﺑﻌﻲ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ؛ (ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ) ﻭﻣﻦ ﻳﻠﻴﻬﻢ (ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ) ﻟﻬﻢ ﻭﻟـلأﻭﻟﻴﺎﺀ؛ (ﻗُﺪﺱ ﺳﺮّﻫﻢ).

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻳَّﻤﺎ ﺃﻓﻀﻞ؛ ﺃﺋﻤﺔُ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺃﻡ ﺷﻴﻮﺥُ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺤﻘﺔ ﻭﺃﻗﻄﺎﺑﻬﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻭﻥ ﻛﻠُّﻬﻢ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻭﻥ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ -ﻭﻫﻢ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ- ﻫﻢ ﺍلأﻓﻀﻞ، ﻓﻬﻢ ﻳﻔﻮﻗﻮﻥ ﺍلأﻗﻄﺎﺏ ﻭﺳﺎﺩﺓَ ﺍﻟﻄﺮﻕ. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﺍلأﻗﻄﺎﺏ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻛﺎﻟﻜﻴـلاﻧﻲ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﻡ ﺃﺳﻄﻊ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﻟـلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﻟﻬﺬﺍ لا ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻋﺎﻣﺔ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍلأﻗﻄﺎﺏ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ.

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:153) ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﺪﺭﻳﺠﺎً ﻭﺗﺮﺗﻴﺒﺎً ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺴُّﻠَﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻓﺎﻟﺬﻱ لا ﻳﺘﺄﻧّﻰ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ، ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻄﻔﺮ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕِ ﻓﻴﺴﻘﻂ ﺃﻭ ﻳﺘﺮﻛﻬﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﻓـلا ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﻟﺤﺮﺹُ ﺳﺒﺐُ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻳﺤﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ، ﺣﺘﻰ ﻏﺪﺍ ﻣﻦ ﻣﻀﺮﺏ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﺤﺮﻳﺺ ﺧﺎﺋﺐ ﺧﺎﺳﺮ» ﻭ«ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻔﺮﺝ». ﺑﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻥ ﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻮﻓﻴﻘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ. ﺇﺫ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺛـلاﺛﺔ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﺗﺠﻨُّﺒﻬﺎ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﻣﺤﻈﻴﺎً ﺑﺴﺮّ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:194).

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻭﺗﺴﻠﻴﻢُ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺸﺮﻑ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:159) ﻭ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:146).

ﺃﻣﺎ ﻋﺪﻡُ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﺞ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﺍﺗﻬﺎﻡ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺭﻓﺾ ﺣﻜﻤﺘﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻭﻳﺒﻜﻲ ﻣﻦ ﺿﺮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﻭﻳﺸﻜﻮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺇﻟﻴﻪ لا ﻣﻨﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:86) ﺃﻱ ﺷﻜﻮﻯ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﺘﺄﻓﻒ ﻭﺍﻟﺘﺤﺴّﺮ ﻭﻗﻮﻟﻪ: «ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻤﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﺟﻮﺯﻳﺖُ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ» لإﺛﺎﺭﺓ ﺭﻗﺔَ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ. ﻓﻬﺬﺍ ﺿﺮﺭٌ ﻭلا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ.

  ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﺔ، ﻓﻴﺴﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻡ.

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﻌﺪّ ﺳﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻓﻜﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻳﺘﻌﺒّﺪ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻌﺒّﺪ ﺑﺎﻟﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﺩﻳﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞ ﺟﺎﺭﻳﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺣُﺠﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺘﻌﺒﺪ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﺽ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺗﻌﺒﺪﺍً ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺎً ﻳُﺆﺩّﻯ ﻧَﺪﺑﺎً.

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻟﺘﻈﻞ ﺍلآﻥ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔُ ﺑﻌﺜﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺳﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻫﻮ ﺍلأﺭﺑﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ. ﻭﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔُ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤـلأ ﺍلأﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺣِﻜَﻤُﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺛﻘﻴﻞ، ﻭﻋﺐﺀٌ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪﺍً، لا ﻳُﺤﻤﻞ ﺇﻟّﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﻤَﻠَﻜﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﻧﻀﻮﺟﻬﺎ ﻭﺗﻜﺎﻣﻞ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ. ﺃﻣﺎ ﺯﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻬﻮ ﺍلأﺭﺑﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ.

ﺃﻣﺎ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﻔﺘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺗﻬﻴﺞ ﺍﻟﻨﻮﺍﺯﻉ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻭﻗﺖ ﻏﻠﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﻭﺃﻭﺍﻥ ﻓﻮﺭﺍﻥ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﻲ لا ﺗـلاﺋﻢ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻘﺪّﺳﺔ ﻭﺃﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ. ﺇﺫ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺟﺎﺩﺍً ﻭﺧﺎﻟﺼﺎً ﻗﺒﻞ ﺍلأﺭﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺮِﺩُ ﺇﻟﻰ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻄﻠﻌﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﻇﻦٌ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﺠﺎﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻧﻴﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓـلا ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺍﺗﻬﺎﻣﺎﺗﻬﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ. ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍلأﺭﺑﻌﻴﻦ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﻨﺤﺪﺭ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻭﺗﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻪ ﺍلآﺧﺮﺓُ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻴﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺗﻬﺎﻡ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﻮﻓّﻖ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﻳﻨﺠﻮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﻈﻦ ﻭﻳُﻨﻘَﺬﻭﻥ.

ﺃﻣﺎ ﻛﻮﻥ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻗﻀﻲ ﻓﻲ ﺛـلاﺙ ﻭﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ﻓﻤﻦ ﺣِﻜَﻤِﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻧﺬﻛﺮ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ:

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﻜﻠﻔﻮﻥ ﺷﺮﻋﺎً ﺑﺤﺐّ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻏﺎﻳﺔَ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺑﺘﻮﻗﻴﺮﻩ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺁﺧﺮ، ﻭﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﻨﻔﻮﺭ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻳﺨﺼّﻪ، ﺑﻞ ﺭﺅﻳﺔ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﺟﻤﻴﻠﺔً ﻧﺰﻳﻬﺔ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ لا ﻳﺪﻉ ﺣﺒﻴﺒَﻪ ﺍلأﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﻡ، ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﻋﺐ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺜﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ، ﺑﻞ ﻳﺮﺳﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤـلأ ﺍلأﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺃﻋﻤﺎﺭ ﺃﻣﺘﻪ صلى الله عليه وسلم ﻭﻳﺮﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻗُﺮﺑﻪ، ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﺇﻣﺎﻡٌ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: «ﺧَﻴْﺮُ ﺷَﺒَﺎﺑِﻜُﻢْ ﻣَﻦْ ﺗَﺸَﺒَّﻪَ ﺑِﻜُﻬُﻮﻟِﻜُﻢْ ﻭَﺷَﺮُّ ﻛُﻬُﻮﻟِﻜُﻢْ ﻣَﻦْ ﺗَﺸَﺒَّﻪَ ﺑِﺸَﺒَﺎﺑِﻜُﻢْ». ﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﺣﺪﻳﺚ ﻧﺒﻮﻱ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺣﺪﻳﺜﺎً ﺷﺮﻳﻔﺎً ﻓﻤﺎ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻨﻪ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺘُﻪ ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻧﺒﻮﻳﺎً ﺷﺮﻳﻔﺎً. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻨﻪ ﻓﻬﻮ:

«ﺇﻥ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻫﻢ ﺃﻭلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﺎﺩَﻭﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻳﺘﺬﻛّﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﺘﺬﻛّﺮ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﻟﻪ، ﻓﻴﺠﺪّﻭﻥ لإﻋﻤﺎﺭ ﺁﺧﺮﺗﻬﻢ ﻣﺘﺤﺮﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩ ﺃﻫﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﻧﺰﻭﺍﺗﻪ. ﻭﺷﺮّ ﺷﻴﻮﺧﻜﻢ ﻫﻢ ﺃﻭلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻏﻔﻠﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺎﺳﺘﻬﻮﺗﻬﻢ ﻏﻔـلاﺕُ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ، ﻓﻘﻠّﺪﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺃﻫﻮﺍﺋﻬﻢ ﺗﻘﻠﻴﺪَ ﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ».

ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻟﻤﺎ ﺭﺃﻳﺘُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺘﻚ ﻫﻲ:

ﺇﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻋﻠﻘﺖُ ﻓﻮﻕ ﺭﺃﺳﻲ ﻟﻮﺣﺔً ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺣﻜﻤﺔً ﺑﻠﻴﻐﺔ، ﺃﻧﻈﺮُ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺻﺒﺎﺡَ ﻣﺴﺎﺀ، ﻭﺃﺗﻠﻘﻰ ﺩﺭﺳﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻫﻲ:

  «ﺇﻥْ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﻭﻟﻴﺎً، ﻓﻜﻔﻰ ﺑﺎﻟﻠّﻪ ﻭﻟﻴﺎً».

  ﻧﻌﻢ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﻭﻟﻴُّﻚ ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻚ ﺻﺪﻳﻖ.

  «ﺇﻥْ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻧﻴﺴﺎً، ﻓﻜﻔﻰ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃﻧﻴﺴﺎً».

  ﺇﺫ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺣَﺴُﻦَ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺭﻓﻴﻘﺎً.

 «ﺇﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﻣﺎلا، ﻓﻜﻔﻰ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻛﻨﺰﺍً».

  ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻊ ﻳﻘﺘﺼﺪ، ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﺼﺪ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ.

«ﺇﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﻋﺪﻭﺍً، ﻓﻜﻔﻰ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻋﺪﻭﺍً».

  ﺇﺫ ﺍﻟﻤُﻌﺠَﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﺼﺎﻋﺐ ﻭﻳﺒﺘﻠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻌﺠﺐ ﺑﻬﺎ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.

  «ﺇﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﻭﺍﻋﻈﺎً، ﻓﻜﻔﻰ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻋﻈﺎً».

  ﺣﻘﺎً ﻣﻦ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﺴﻌﻰ لآﺧﺮﺗﻪ ﺳﻌﻴﺎً ﺣﺜﻴﺜﺎً.

ﻭﺍلآﻥ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﺴﺄﻟﺔً ﺛﺎﻣﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺋﻠﻜﻢ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻓﺄﻗﻮﻝ:

ﻗﺒﻞ ﻳﻮﻣﻴﻦ، ﺗـلا ﺃﺣﺪُ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺁﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎَ ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ (ﻳﻮﺳﻒ:١٠١) ﻓﻮﺭﺩﺕْ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ -ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓ- ﻧﻜﺘﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ.

ﺇﻥَّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺛﻤﻴﻦٌ ﺟﺪﺍً ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺻﻐﻴﺮﺍً، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺛﻤﻴﻦ ﻭﻋﻈﻴﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﻟﻴﺲ ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳُﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻓـلا ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ لا ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ.

ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺇﻥ «ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺧﻠﻮﺻﻲ» ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺍلاﺳﺘﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺍلأﻭﻝ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻃَﺐ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺪّﺭ ﺍﻟﻨﻜﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻫﺎ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ!

  ﺇﻧﻬﺎ ﻧﻜﺘﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ لأﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﺼﺺ

  ﺇﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺧﺘﺎﻡ ﺃﺣﺴَﻦ ﺍﻟﻘﺼﺺ، ﻗﺼﺔ ﻳﻮﺳﻒ، ﻭﻫﻲ: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻧﻜﺘﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺗﺒﺸّﺮ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﻭﻫﻲ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﻭﺫﻟﻚ:

ﺇﻥَّ ﺍلآلاﻡ ﻭﺍلأﺣﺰﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺮﻛﻬﺎ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝُ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﻘﺼﺺُ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺍﻟﻤﻔﺮﺣﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﻴﺪﺓ، ﺗﻨﻐّﺺ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﺘﻌﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻭﺗﻜﺪّﺭﻫﺎ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻬﻴﺠﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍلأﻟﻢُ ﺃﺷﺪّ ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﻮﺭﺙ ﺍلأﺳﻒ ﻭﺍلأﺳﻰ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﺎﻣﻌﻴﻦ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺨﺘﻢ ﺃﺳﻄﻊَ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﻳﻮﺳﻒ، ﻭﻫﻮ ﻋﺰﻳﺰُ ﻣﺼﺮ ﻭﺃﻗﺮّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻴﻨَﻪ ﻭﻟﻘﻲ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ ﻭﺗﻌﺎﺭﻑ ﻭﺗﺤﺎﺏّ ﻫﻮ ﻭﺇﺧﻮﺗﻪ. ﻭﺇﺫ ﺗﺨﺒﺮ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺕ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻓﻲ ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺗُﺨﺒﺮ ﺃﻥ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺄﻝ ﺭﺑَّﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻓﺎﺗَﻪ ﻟﻴﻨﺎﻝ ﺳﻌﺎﺩﺓً ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻓﻞ ﺑﻬﺎ. ﻭﺗﻮﻓﻲ ﻓﻨﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺳﻌﺎﺩﺓً ﺃﻛﺒﺮ ﻭﻓﺮﺣﺎً ﺃﻋﻈﻢَ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ ﻳﻮﺳﻒُ ﻭﻫﻮ ﺍلأﻧﻴﺲ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﺇﺫ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﺍﻟﻤﺮّ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ ﺍﻟﻤُﻔﺮﺡ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﻛﻲ ﻳﻨﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻫﻨﺎﻙ.

ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻓﻲ ﺑـلاﻏﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﺬﻩ، ﻛﻴﻒ ﺃﺧﺒﺮ ﻋﻦ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻗﺼﺔ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳُﺜِﺮ ﺍلأﻟﻢَ ﻭﺍلأﺳﻒ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﺎﻣﻌﻴﻦ، ﺑﻞ ﺯﺍﺩﻫﻢ ﺑﺸﺎﺭﺓ ﻭﺳﺮﻭﺭﺍً. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺗﻲ:

ﺍﻋﻤﻠﻮﺍ ﻟﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻘﺔ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ، ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﻴَّﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ:

ﺇﻥَّ ﺃﺳﻄﻊ ﺣﺎﻟﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻛﺜﺮَﻫﺎ ﻓﺮﺣﺎً ﻭﺑﻬﺠﺔ ﻭﺳﺮﻭﺭﺍً ﻟﻢ ﺗﻮﺭﺛﻪ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔَ ﻗﻄﻌﺎً ﻭﻟﻢ ﺗﻔﺘﺮﻩ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﻢ ﺍﻟﻄﻠﺐ ﻟـلآﺧﺮﺓ.

 ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

المكتوب الثاني والعشرون

ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩُِ﴾

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺒﺤﺜﻴﻦ:

ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ ﻳﺪﻋﻮ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺧﻮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ.

  ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿ﺍِﻧَّﻤَﺎ ﺍﻟﻤُﺆْﻣِﻨُﻮﻥَ ﺍِﺧْﻮَﺓٌ ﻓَﺎَﺻْﻠِﺤُﻮﺍ ﺑَﻴْﻦَ ﺍَﺧَﻮَﻳْﻜُﻢ﴾ (ﺍﻟﺤﺠﺮﺍﺕ: 10)

 ﴿ﺍِﺩْﻓَﻊْ ﺑِﺎﻟّﺘﻲ ﻫِﻲَ ﺍَﺣْﺴَﻦُ ﻓَﺎِﺫَﺍ ﺍﻟَّﺬﻱ ﺑَﻴْﻨَﻚَ ﻭَﺑَﻴْﻨَﻪُ ﻋَﺪَﺍﻭَﺓٌ ﻛَﺎَﻧَّﻪُ ﻭَﻟِﻲٌّ ﺣَﻤﻴﻢٌ﴾ (ﻓﺼﻠﺖ:34)

 ﴿ﻭَﺍﻟْﻜَﺎﻇِﻤﻴﻦَ ﺍﻟْﻐَﻴْﻆَ ﻭَﺍﻟْﻌَﺎﻓِﻴﻦَ ﻋَﻦِ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳُﺤِﺐُّ ﺍﻟْﻤُﺤْﺴِﻨﻴﻦَ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:134)

  ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺴﺒﺒﻪ ﺍﻟﺘﺤﻴّﺰ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻭﺍﻟﺤﺴﺪ ﻣﻦ ﻧﻔﺎﻕ ﻭﺷﻘﺎﻕ ﻓﻲ ﺃﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻣﺎ ﻳﻮﻏﺮ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺣﻘﺪٍ ﻭﻏﻞٍ ﻭﻋﺪﺍﺀ، ﻣﺮﻓﻮﺽٌ ﺃﺻـلا. ﺗﺮﻓﻀﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﻳﺮﻓﻀﻪ ﺍلإﺳـلاﻡُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺭﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻇﻠﻢٌ ﺷﻨﻴﻊ ﻳﻔﺴﺪ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ: ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔَ ﻭﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺳﻢٌ ﺯﻋﺎﻑ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ.

ﺳﻨﺒﻴﻦ «ﺳﺘﺔ ﺃﻭﺟﻪ» ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

  الوجه ﺍلأﻭﻝ:

ﺇﻥَّ ﻋﺪﺍﺀ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ لأﺧﻴﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻇﻠﻢٌ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻓﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻣﺘـلأ ﺻﺪﺭُﻩ ﻏِـلا ﻭﻋﺪﺍﺀً لأﺧﻴﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻭﻳﺎ ﻋﺪﻳﻢ ﺍﻟﻤﺮﻭﺀﺓ! ﻫﺐ ﺃﻧﻚ ﻓﻲ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﻭﻣﻌﻚ ﺗﺴﻌﺔُ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺃﺑﺮﻳﺎﺀ ﻭﻣﺠﺮﻡ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺇﻏﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺃﻭ ﻫﺪﻡ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻓـلا ﻣﺮﺍﺀ ﺃﻧﻚ -ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ- ﺳﺘﺼﺮﺥ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻚ ﻣﺤﺘﺠّﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﺗﻜﺒﻪ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻗﺒﻴﺢ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻳﺴﻮّﻍ ﺇﻏﺮﺍﻕ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻢ ﻣﺠﺮﻣﻴﻦ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮﻱﺀ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﻇﻠﻢ ﺷﻨﻴﻊ ﻭﻏﺪﺭٌ ﻓﺎﺿﺢ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻧﻄﻮﺍﺅﻙ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺍﺀ ﻭﺣﻘﺪ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻨﺎﺀ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﻭﺳﻔﻴﻨﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ، ﻟﻤﺠﺮﺩ ﺻﻔﺔٍ ﻣﺠﺮﻣﺔ ﻓﻴﻪ، ﺗﺴﺘﺎﺀُ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﺘﻀﺮﺭ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﺘﺴﻊ ﺻﻔﺎﺕ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﺑﻞ ﺑﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﺎ: ﻛﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭ.. ﺍﻟﺦ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﺤﻘﺪ ﻳﺴﻮﻗُﻚ ﺣﺘﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺿﻤﻨﺎً ﻓﻲ ﺇﻏﺮﺍﻕ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﺃﻭ ﺣﺮﻕ ﺑﻨﺎﺀ ﻛﻴﺎﻧﻪ. ﻭﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻟّﺎ ﻇﻠﻢ ﺷﻨﻴﻊ ﻭﻏﺪﺭٌ ﻓﺎﺿﺢ.

  الوجه ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻇﻠﻢ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻧﻘﻴﻀﺎﻥ. ﻓﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻈـلاﻡ لا ﻳﺠﺘﻤﻌﺎﻥ ﻣﻌﺎً ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﻤﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺃﺑﺪﺍً. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﺩﻭﺍﻋﻲ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺗﺮﺟّﺤﺖ ﺃﺳﺒﺎﺑُﻬﺎ ﻓﺄﺭﺳﺖ ﺃُﺳﺴَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓُ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺍﺀ ﺻﻮﺭﻱ، ﺑﻞ ﺍﻧﻘﻠﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﻄﻒ ﻭﺍلإﺷﻔﺎﻕ، ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺤﺐ ﺃﺧﺎﻩ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﺩّﻩ، ﻓﺄﻳّﻤﺎ ﺗﺼﺮّﻑ ﻣﺸﻴﻦ ﻳﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻳﺤﻤِﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلإﺷﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﺻـلاﺣﻪ ﺑﺎﻟﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﻓﻖ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ  ﺍﻟﺘﺤﻜﻢ. ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: (لا ﻳﺤﻞ ﻟﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻬﺠﺮ ﺃﺧﺎﻩ ﻓﻮﻕ ﺛـلاﺙ ﻟﻴﺎﻝ، ﻳﻠﺘﻘﻴﺎﻥ ﻓﻴﻌﺮﺽ ﻫﺬﺍ ﻭﻳﻌﺮﺽ ﻫﺬﺍ، ﻭﺧﻴﺮﻫﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺴـلاﻡ).

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﻐﻠﺒﺖ ﺃﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻭﺍﻟﺒﻐﻀﺎﺀ ﻭﺗﻤﻜّﻨﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺔ ﺷﻜﻠﻴﺔ ﺗﻠﺒﺲ ﻟﺒﻮﺱ ﺍﻟﺘﺼﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﻤﻠﻖ.

ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺇﺫﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ! ﻣﺎ ﺃﺷﺪَّﻩ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﺪﺍﺀً ﻭﺣﻘﺪﺍً لأﺧﻴﻪ! ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻌﻈﻤﺖَ ﺣﺼﻴّﺎﺕ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻭﻭﺻﻔﺘَﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺃﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮّﻓﺔ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﺃُﺣﺪ، ﻓﺈﻧﻚ ﺑـلا ﺷﻚ ﺗﺮﺗﻜﺐ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻣﺸﻴﻨﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺣﻤﺎﻗﺔٌ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻌﻈﻤﺖ ﺯﻟّﺎﺕ ﺻﺪﺭﺕْ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻚ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺍﺳﺘﻬﻮﻟﺖَ ﻫﻔﻮﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﺎﺕ، ﻭﻓﻀﻠﺖَ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻮ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﺴﻤﻮ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ، ﻭﺭﺟّﺤﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﺃُﺣﺪ. ﻓﺘﻔﻀﻴﻠُﻚ ﻣﺎ ﺑﺪﺭ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ ﻇﻠﻢٌ ﻭﺃﻱ ﻇﻠﻢ ﻳﺪﺭﻛﻪ ﻛﻞُّ ﻣﻦ ﻟﻪ ﻣﺴﻜﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ!

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺣﺘﻤﺎً ﺗﻮﺣﻴﺪَ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻭﺣﺪﺓُ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻫﺬﻩ، ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻭﺣﺪﺓَ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﺸﻌﺮ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﻃﺎﺑﻮﺭ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺑﻌـلاﻗﺔ ﺻﺪﺍﻗﺔ ﻣﻌﻪ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺮﺓ ﻗﺎﺋﺪ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﻞ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻌـلاﻗﺔ ﺃﺧﻮﺓ ﻣﻌﻪ ﻟﻮﺟﻮﺩﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺎلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺐ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﻚ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺭﻭﺍﺑﻂ ﺍلاﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻭﺷﺎﺋﺞ ﺍلأﺧﻮﺓ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﻣﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﻋﺪﺩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ. ﻓﻴﺮﺷﺪﻙ ﻣﺜـلا ﺇﻟﻰ: ﺃﻥ ﺧﺎﻟﻘﻜُﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ، ﻣﺎﻟﻜﻜُﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ، ﻣﻌﺒﻮﺩﻛﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ، ﺭﺍﺯﻗﻜﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﺍلأﻟﻒ. ﺛﻢ، ﺇﻥ ﻧﺒﻴَّﻜﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ، ﺩﻳﻨﻜﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪ، ﻗﺒﻠﺘﻜﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ. ﺛﻢ، ﺇﻧﻜﻤﺎ ﺗﻌﻴﺸﺎﻥ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺗﺤﺖ ﻇﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻲ ﺑـلاﺩ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ.

ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍﻟﻮﻓﺎﻕ ﻭﺍلاﺗﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍلأﺧﻮﺓ، ﻭﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻂ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﻓﻤﺎ ﺃﻇﻠﻢَ ﻣﻦ ﻳﻌﺮِﺽ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﻳﻔﻀّﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻭﺍﻫﻴﺔ ﺃﻭﻫﻦَ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺪ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﻭﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﺤﻘﺪ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﺀ. ﻓﻴﻮﻏﺮ ﺻﺪﺭَﻩ ﻋﺪﺍﺀً ﻭﻏِـلا ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً لأﺧﻴﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺃﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣّﺪ؟ ﻭﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻓﺎً ﺑﺘﻠﻚ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ؟ ﻭﺍﻋﺘﺴﺎﻓﺎً ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺽ ﺍلاﺧﻮﺓ؟ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻠﺒُﻚ ﻣﻴﺘﺎً ﻭﻟﻢ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﺑﻌﺪُ ﺟﺬﻭﺓ ﻋﻘﻠﻚ ﻓﺴﺘﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ ﺟﻴﺪﺍً.

  الوجه ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﺇﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭَلا ﺗَﺰِﺭُ ﻭَﺍﺯِﺭَﺓٌ ﻭِﺯْﺭَ ﺍُﺧْﺮﻯ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:164) ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤَﺤﻀﺔ، ﺃﻱ لا ﻳﺠﻮﺯ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﻏﻴﺮﻩ. ﻓﺘﺮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﺁﺩﺍﺏ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻨﺒّﻬﻚ ﺇﻟﻰ: ﺃﻥ ﺇﺿﻤﺎﺭ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﻭﺍﻟﺤﻘﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻇﻠﻢ ﻋﻈﻴﻢ، لأﻧﻪ ﺇﺩﺍﻧﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﺻﻔﺔ ﺟﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻪ. ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ﻭﺫﻭﻳﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﺻﻔﺔٍ ﺗﻤﺘﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻇﻠﻢٌ ﺃﻋﻈﻢ، ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻔﻪ  ﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﺼﻴﻐﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ:﴿ﺍِﻥَّ ﺍلاﻧْﺴَﺎﻥَ ﻟَﻈَﻠُﻮﻡٌ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:34) ﺃﻓﺒﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺠﺪ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﻭﺗﺪّﻋﻲ ﺃﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ؟

ﻓﺎﻋﻠﻢ! ﺃَﻥّ ﺍﻟﻤﻔﺎﺳﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﺒﻐﻀﺎﺀ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻛﺎﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺷﺄﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﻒ ﺃﻧﻪ لا ﻳﺴﺮﻯ ﻭلا ﻳﻨﻌﻜﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺮ -ﺇﻟّﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻤﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺮ ﻣﻦ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ- ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺒﺮّ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓﻬﻲ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻛﺎﻟﻨﻮﺭ ﻭﻛﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍلاﻧﻌﻜﺎﺱ ﻭﺍﻟﺴﺮَﻳﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺮ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﺍلأﻣﺜﺎﻝ: «ﺻﺪﻳﻖُ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺻﺪﻳﻖٌ». ﻭﺗﺠﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ: «لأﺟﻞ ﻋﻴﻦٍ ﺃَﻟﻒُ ﻋﻴﻦ ﺗُﻜﺮَﻡ».

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤُﺠﺤﻒ! ﺇﻥْ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻭﻡ ﺍﻟﺤﻖَّ، ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺣﻤﻠَﻚ ﻋﺪﺍﺀً ﻣﻊ ﺃﻗﺎﺭﺏ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺗَﻜﺮﻩ ﺻﻔﺔً ﻓﻴﻪ، ﻭﺣﻘﺪَﻙ ﻋﻠﻰ ﺫﻭﻳﻪ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﻦ ﻟﺪﻳﻪ، ﺧـلاﻑٌ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺃﻱ ﺧـلاﻑ!

  الوجه ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺇﻥ ﻋﺪﺍﺀﻙ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﻇﻠﻢٌ ﻣﺒﻴﻦ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﻀﻌﺔ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:

ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍلأﻭﻝ: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﻓﻲ ﺳﻠﻮﻛﻚ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻙ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ ﻣﺴﻠﻜﻲ ﺣﻖ ﺃﻭ ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ» ﻭﻟﻜﻦ لا ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻫﻮ ﻣﺴﻠﻜﻲ ﺃﻧﺎ ﻓﺤﺴﺐ». لأﻥ ﻧﻈﺮﻙ ﺍﻟﺴﺎﺧﻂ ﻭﻓﻜﺮَﻙ ﺍﻟﻜﻠﻴﻞ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻣﺤﻜّﺎً ﻭلا ﺣَﻜَﻤﺎً ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻄـلاﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻚ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺪﻳﻤﺎً ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ:

ﻭَﻋَﻴْﻦُ ﺍﻟﺮِّﺿَﺎ ﻋَﻦْ ﻛُﻞِّ ﻋَﻴْﺐٍ ﻛَﻠِﻴﻠَﺔٌ    ﻭَﻟﻜِﻦَّ ﻋَﻴْﻦَ ﺍﻟﺴُّﺨْﻂِ ﺗُﺒْﺪِﻯ ﺍﻟْﻤَﺴَﺎﻭِﻳَﺎ

  ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: «ﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﺤﻖَّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﺬﻳﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ. ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﺼﺪﻕ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺘﻜﻠﻤﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺻﻮﺍﺑﺎً ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ ﻛﻞ ﺻﺪﻕ».

لأﻥ ﻣَﻦْ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﻟﺼﺔ -ﻣﺜﻠﻚ- ﻳُﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞَ ﺑﻨﺼﺎﺋﺤﻪ ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻋﻜﺲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ.

  ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﺩﻱ ﺃﺣﺪﺍً ﻓﻌﺎﺩِ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ، ﻭﺍﺟﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﺇﻃﻔﺎﺀ ﻧﺎﺭﻫﺎ ﻭﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻝ ﺷﺄﻓﺘﻬﺎ. ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗُﻌﺎﺩﻱ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺃﻋﺪﻯ ﻋﺪﻭﻙ ﻭﺃﺷﺪّ ﺿﺮﺭﺍً ﻋﻠﻴﻚ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻧﻔﺴُﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﻴﻚ. ﻓﻘﺎﻭﻡ ﻫﻮﺍﻫﺎ، ﻭﺍﺳﻊَ ﺇﻟﻰ ﺇﺻـلاﺣﻬﺎ، ﻭلا ﺗﻌﺎﺩِ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ لأﺟﻠﻬﺎ. ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖَ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻌﺎﺩِ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻭﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ، ﻓﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔٌ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺧﺼﻠﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻗﺒﻞ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ.

ﻭﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻐﻠﺐ ﺧﺼﻤَﻚ ﻓﺎﺩﻓﻊ ﺳﻴﺌَﺘَﻪ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﺔ، ﻓﺒﻪ ﺗﺨﻤﺪ ﻧﺎﺭُ ﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺔ. ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺇﺳﺎﺀﺗﻪ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻓﺎﻟﺨﺼﻮﻣﺔُ ﺗﺰﺩﺍﺩ. ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻐﻠﻮﺑﺎً -ﻇﺎﻫﺮﺍً- ﻓﻘﻠﺒﻪ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﻏﻴﻈﺎً ﻋﻠﻴﻚ، ﻓﺎﻟﻌﺪﺍﺀُ ﻳﺪﻭﻡ ﻭﺍﻟﺸﺤﻨﺎﺀ ﺗﺴﺘﻤﺮ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﺑﺎلإﺣﺴﺎﻥ ﺗﺴﻮﻗُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺪﻡ، ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﺣﻤﻴﻤﺎً ﻟﻚ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺮﻳﻤﺎً، ﻓﺈﻥ ﺃﻛﺮﻣﺘَﻪ ﻓﻘﺪ ﻣﻠﻜﺘَﻪ ﻭﺟﻌﻠﺘﻪ ﺃﺧﺎً ﻟﻚ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﺌﻴﻤﺎً -ﻇﺎﻫﺮﺍً- ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ:

  ﺍﺫَﺍ ﺍَﻧْﺖَ ﺍَﻛْﺮَﻣْﺖَ ﺍﻟْﻜَﺮِﻳﻢَ ﻣَﻠَﻜْﺘَﻪُ     ﻭَﺍِﻥْ ﺍَﻧْﺖَ ﺍَﻛْﺮَﻣْﺖَ ﺍﻟﻠَّﺌِﻴﻢَ ﺗَﻤَﺮَّﺩًﺍ

  ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻳﺸﻬﺪ: ﺃﻥ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ ﺑﻘﻮﻟﻚ ﻟﻪ: «ﺇﻧﻚ ﺻﺎﻟﺢ، ﺇﻧﻚ ﻓﺎﺿﻞ..». ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼـلاﺡ، ﻭﻛﺬﺍ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ: «ﺇﻧﻚ ﻃﺎﻟﺢ، ﺇﻧﻚ ﻓﺎﺳﺪ..». ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺴﻮﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻟﺬﺍ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺑﺄﺫﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻭَﺍِﺫَﺍ ﻣَﺮّﻭُﺍ ﺑِﺎﻟﻠَّﻐْﻮِ ﻣَﺮُّﻭﺍ ﻛِﺮَﺍﻣﺎً﴾ (ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ:72)، ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﺗَﻌْﻔُﻮﺍ ﻭَﺗَﺼْﻔَﺤُﻮﺍ ﻭَﺗﻐْﻔِﺮﻭُﺍ ﻓَﺎِﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻏَﻔُﻮﺭٌ ﺭَﺣﻴﻢٌ﴾ (ﺍﻟﺘﻐﺎﺑﻦ:14) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍلأﻣﺎﻥ.

ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤـلأ ﻗﻠﺒَﻪ ﺍﻟﺤﻘﺪ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺗﺠﺎﻩ ﺇﺧﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻭلا، ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻇﻠﻤﻪ لإﺧﻮﺍﻧﻪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ ﺣﺪﻭﺩَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻮﻗﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺤﻘﺪ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ ﺃﻟﻴﻢ، ﻓﻴﻘﺎﺳﻴﻬﺎ ﻋﺬﺍﺑﺎً ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻧﻌﻤﺔً ﺣﻠّﺖ ﺑﺨﺼﻤﻪ، ﻭﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺃﻟﻤﺎً ﻣﻦ ﺧﻮﻓﻪ. ﻭﺇﻥ ﻧﺸﺄﺕ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓُ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﻓﺪﻭﻧﻪ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍلأﻟﻴﻢ، لأﻥَّ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﺃﺷﺪُّ ﺇﻳـلاﻣﺎً ﻟﻠﺤﺎﺳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺩ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺮﻕ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺑﻠﻬﻴﺒﻪ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺩ ﻓـلا ﻳﻤﺴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﺷﻲﺀ، ﺃﻭ ﻳﺘﻀﺮﺭ ﻃﻔﻴﻔﺎً.

ﻭﻋـلاﺝ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﻫﻮ: ﺃﻥ ﻳـلاﺣﻆ ﺍﻟﺤﺎﺳﺪ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﺪﻩ، ﻭﻳﺘﺄﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ، ﻟﻴﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻪ ﻣﺤﺴﻮﺩُﻩ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ -ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻭﻗﻮﺓ ﻭﻣﻨﺼﺐ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﻓﺎﻧﻴﺔ. ﻓﺎﺋﺪﺗُﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﻣﺸﻘﺘﻬﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﻧﺎﺷﺌﺎً ﻣﻦ ﺩﻭﺍﻓﻊ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ، ﻓـلا ﺣﺴﺪ ﺃﺻـلا. ﻭﻟﻮ ﺗﺤﺮﻙ ﻋﺮﻕُ ﺍﻟﺤﺴﺪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻓﺎﻟﺤﺎﺳﺪ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻣُﺮﺍﺀ، ﻳُﺤﺒﻂ ﺣﺴﻨﺎﺗِﻪ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﻳﺴﻲﺀ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﻤﺤﺴﻮﺩﻩ ﻓﻴﻈﻠﻤﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺎﺳﺪ ﻓﻲ ﺣﺴﺪﻩ ﻳﺴﺨﻂ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻠﻪ، لأﻧﻪ ﻳﺤﺰﻥ ﻣﻦ ﻣﺠﻲﺀ ﻓﻀﻞٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺴﻮﺩﻩ، ﻭﻳﺮﺗﺎﺡ ﻣﻦ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻋﻠﻴﻪ، ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻨﺘﻘﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ. ﻭﻣﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭَ ﻛﻤﻦ ﻳﻨﺎﻃﺢ ﺍﻟﺠﺒﻞ، ﻭﻣﻦ ﻳﻌﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻳُﺤﺮﻡ ﻣﻨﻬﺎ.

ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﻣﻦ ﺇﻧﺼﺎﻑٍ ﻳﺮﺿﻰ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺻﺪﺭُ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﺴﻨﺔٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻏﻴﻈﺎً ﻭﺣﻘﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻴﻪ ﻟﺸﻲﺀ ﺟﺰﺋﻲ ﺗﺎﻓﻪ لا ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀَ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ؟! ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻨﺴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺗﺘﻚ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻚ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻭﺗﺪﻳﻨﻪ ﺑﻬﺎ لأﻥ:

ﺃﻭلا: ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻟﻪ ﺣﻈُّﻪ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ، ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ ﺣﻆَّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﺮﺿﻰ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ.

  ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺇﻥ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﺣﻈَّﻬﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺧﺮﺟﺖَ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺼﺘﻴﻦ لا ﻳﺒﻘﻰ ﺃﻣﺎﻣَﻚ ﺇلا ﺍلإﺷﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻴﻚ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﻋﺪﺍﺋﻪ. لأﻧﻚ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﻐﻠﻮﺑﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻩ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺷﻴﻄﺎﻧﻪ. ﻓﺘﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺪﻡَ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻭﺗﺄﻣَﻞْ ﻋﻮﺩﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺍﺑﻪ.

  ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗـلاﺣﻆ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﺗﻘﺼﻴﺮﺍﺕ ﻧﻔﺴﻚ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺮﺍﻫﺎ ﺃﻭ لا ﺗﺮﻏﺐ ﺃﻥ ﺗﺮﺍﻫﺎ.

ﻓﺎﻋﺰِﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺤﺼﺘﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺘﻴﻦ، ﺗَﺮَ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﺣﺼﺔً ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺘَﻬﺎ ﺑﻬﻤّﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻭﺷﻬﺎﻣﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺃﻱ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻭﺍﻟﺼﻔﺢ، ﺗﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﻇﻠﻢ ﻭﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺇﻳﺬﺍﺀ ﺃﺣﺪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺇﺳﺎﺀﺗﻪ ﺑﺤﺮﺹ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺍﻓﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ -ﻛﺄﻧﻚ ﺗﺨﻠﺪ ﻓﻴﻬﺎ- ﻭﺑﺤﻘﺪ ﻣﺴﺘﺪﻳﻢ ﻭﻋﺪﺍﺀ لا ﻳﻔﺘﺮ، ﻓـلا ﺟﺮﻡ ﺃﻥ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻚ ﺻﻔﺔ ﴿ﻇَﻠُﻮﻣًا ﺟَﻬُﻮلَا﴾ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺍلأﺣﻤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﺮﻑ ﺃﻣﻮﺍلا ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻟﻘﻄﻊٍ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ لا ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺷﻴﺌﺎً ﻭﺑﻠﻮﺭﺍﺕ ﺛﻠﺠﻴﺔ لا ﺗﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﺗﺰﻭﻝ، ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺑﺴﻄﻨﺎ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻣﺎ ﻳﺴﺒﺒﻪ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀُ ﻣﻦ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﺎً ﺗﺤﺐ ﻧﻔﺴﻚ ﻓـلا ﺗﻔﺴﺢ ﻟﻪ ﻣﺠﺎلا ﻟﻴﺪﺧﻞ ﻗﻠﺒَﻚ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺩﺧﻞ ﻓﻌـلا ﻭﺍﺳﺘﻘﺮ ﻓـلا ﺗﺼﻎ ﺇﻟﻴﻪ، ﺑﻞ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻓﻆ ﺍﻟﺸﻴﺮﺍﺯﻱ ﺫﻱ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﺇﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ:

  ﺩُﻧْﻴَﺎ ﻧَﻪ ﻣَﺘَﺎﻋِﻴﺴْﺘِﻰ ﻛِﻪ ﺍَﺭْﺯَﺩْ ﺑَﻨِﺰَﺍﻋِﻰ

  ﺃﻱ «ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ لا ﺗﺴﺎﻭﻱ ﻣﺘﺎﻋﺎً ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻋﻠﻴﻪ».

ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺠﺰﺀ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ. ﻭﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ:

  ﺁﺳَﺎﻳِﺶِ ﺩُﻭﮔِﻴﺘِﻰ ﺗَﻔْﺴِﻴﺮِ ﺍِﻳﻦْ ﺩُﻭ ﺣَﺮْﻓَﺴْﺖْ ﺑﺎ ﺩُﻭﺳِﺘَﺎﻥْ ﻣُﺮُﻭَّﺕْ ﺑﺎ ﺩُﺷْﻤَﻨَﺎﻥْ ﻣُﺪَﺍﺭَﺍ

  ﺃﻱ «ﻧﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺴـلاﻣﺔ ﻓﻲ ﻛـلا ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦ ﺗﻮﺿّﺤﻪ ﻛﻠﻤﺘﺎﻥ: ﻣﻌﺎﺷﺮﺓُ ﺍلأﺻﺪﻗﺎﺀ ﺑﺎﻟﻤﺮﻭﺀﺓ ﻭﺍلإﻧﺼﺎﻑ. ﻭﻣﻌﺎﻣﻠﺔُ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺑﺎﻟﺼﻔﺢ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺀ».

  ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﺇﻥَّ ﺍلأﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻃﻮﻗﻲ، ﻓﺎﻟﻌﺪﺍﺀُ ﻣﻐﺮﻭﺯ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻧﻲ، ﻣﻐﻤﻮﺭ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺗﻲ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻲ ﺧﻴﺎﺭ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺟﺮﺣﻮﺍ ﻣﺸﺎﻋﺮﻱ ﻭﺁﺫﻭﻧﻲ، ﻓـلا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻨﻬﻢ.

 ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﻟﺨُﻠﻖ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳُﺠﺮِ ﺃﺛﺮَﻩ ﻭﺣُﻜﻤَﻪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳُﻌﻤَﻞ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻩ ﻛﺎﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﺜـلا، ﻭﻋَﺮﻑ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﺗﻘﺼﻴﺮﻩ، ﻓـلا ﺿﻴﺮ، ﻭلا ﻳﻨﺠﻢ ﻣﻨﻪ ﺿﺮﺭ. ﻓﻤﺎ ﺩﻣﺖَ لا ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻙ، ﻭلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ، ﻓﺈﻥ ﺷﻌﻮﺭﻙ ﺑﺄﻧﻚ ﻣﻘﺼّﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﻠﺔ، ﻭﺇﺩﺭﺍﻛَﻚ ﺃﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﻓﻴﻬﺎ، ﻳﻨﺠﻴﺎﻧﻚ -ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ- ﻣﻦ ﺷﺮﻭﺭ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﺍﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻴﻚ، لأﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻌﺪّ ﻧﺪﻣﺎً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً، ﻭﺗﻮﺑﺔ ﺧﻔﻴﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺎﺭﺍً ﺿﻤﻨﻴﺎً. ﻭﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺇلا ﻟﻴﻀﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻓـلا ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻭلا ﻳﻮﺻِﻢ ﺧﺼﻤَﻪ ﺍﻟﻤُﺤﻖّ ﺑﺎﻟﻈﻠﻢ.

  ﻭﻗﺪ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻲَّ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻟﻤـلاﺣﻈﺔ:

ﺭﺃﻳﺖ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺭﺟـلا ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﻘﺪﺡ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﻓﺎﺿﻞ، ﺑﺎﻧﺤﻴﺎﺯ ﻣُﻐﺮﺽ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﻪ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺗﻜﻔﻴﺮﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺨـلاﻑٍ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﻮﻝ ﺃﻣﻮﺭ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻗﺪ ﺃﺛﻨﻰ -ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ- ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻓﻖ ﻳﻮﺍﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ!. ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺭِﻋﺪﺓٌ ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺍﺳﺘﻌﺬﺕ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻤﺎ ﺁﻟﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔُ ﻭﻗﻠﺖ: «ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ».

ﻭﻣﻨﺬﺋﺬٍ ﺍﻧﺴﺤﺒﺖُ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.

الوجه ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ:

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺒﻴﻦ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻴﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻗﺔ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺷﺮﻳﻒ: (إِﺧْﺘِـلاﻑُ ﺃُﻣَّﺘِﻲ ﺭَﺣْﻤَﺔٌّ) ﻭﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﻭﺍﻟﺘﺤﺰﺏ ﻭﺍلإﻋﺘﺪﺍﺩ ﺑﺎﻟﺮﺃﻱ. ﻭﻟﻜﻦ ﺩﺍﺀ ﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﻭﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻫﺬﺍ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻪٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﺇﺫ ﻳﻨﻘﺬﻫﻢ ﻣﻦ ﺗﺴﻠّﻂ ﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﺣﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺍﺗﻔﺎﻕٌ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻗَﺼﺒﺔ ﺍﺿﻄﻬﺪﻭﺍ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ ﺗﻔﺮﻗﺔٌ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﺴﻴﺠﺪ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻡ ﻣﻠﺠﺄً ﻓﻲ ﺟﻬﺔ، ﻓﻴﻨﻘﺬ ﻧﻔﺴﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺟﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﺎﺩﻡ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍلآﺭﺍﺀ ﻭﺗﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ.

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:

ﻧﻘﻮﻝ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ:

ﺇﻥ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﺍلإﻳﺠﺎﺑﻲ ﺍﻟﺒﻨّﺎﺀ. ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ: ﺃﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﻛﻞُّ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﻣﺴﻠﻜِﻪ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭِ ﺻﺤﺔ ﻭﺟْﻬﺘِﻪ ﻭﺻﻮﺍﺏ ﻧﻈﺮﺗﻪ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻫﺪﻡَ ﻣﺴﺎﻟﻚ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﻭﺇﺑﻄﺎﻝ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴُﻪ لإﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻭﺭﺃﺏ ﺍﻟﺼﺪﻉ ﻭﺍلإﺻـلاﺡ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴـلا. ﺃﻣﺎ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔُ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻣﺴﻠﻚ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻭﻫﺪﻣﻪ، ﻭﻣﺒﻌﺜُﻪ ﺍﻟﺤﻘﺪُ ﻭﺍﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻣﺮﺩﻭﺩ ﺃﺻـلا ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺯﻋﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﻳﻌﺠﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄﻱ ﻋﻤﻞ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﺑﻨّﺎﺀ.

ﻭﺟﻮﺍﺑﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻧﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﻭﺍﻟﺘﺤﺰﺏ لأﺟﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺑﺎﺳﻤﻪ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣـلاﺫَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺎﻫﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ لأﻏﺮﺍﺽ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻭﻟﻬﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ. ﻓﻬﻮ ﻣﻠﺠﺄ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻨﻴَّﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺑﻞ ﻣﺘﻜﺄُ ﺍﻟﻈَﻠﻤﺔ ﻭﻣﺮﺗﻜﺰُﻫﻢ، ﻓﺎﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ. ﻓﻠﻮ ﺃﺗﻰ ﺷﻴﻄﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻣﻌﺎﻭﻧﺎً ﻟﻪ ﻣﻮﺍﻓﻘﺎً ﻟﺮﺃﻳﻪ ﺗﺮﺍﻩ ﻳُﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﺘﺮﺣّﻢ ﻋﻠﻴﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥٌ ﻛﺎﻟﻤﻠَﻚ ﺗﺮﺍﻩ ﻳﻠﻌﻨﻪ ﻭﻳﻘﺬﻓﻪ.

ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻨﻘﻮﻝ:

ﺇﻥ ﺗﺼﺎﺩﻡ ﺍلآﺭﺍﺀ ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ لأﺟﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻊ ﺍلاﺗﻔﺎﻕ ﻓﻲ ﺍلأﺳﺲ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻘﺪّﻡ ﺧﺪﻣﺔً ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﻛﻞ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎﻫﺎ ﺑﺄﺟﻠﻰ ﺻﻮَﺭ ﺍﻟﻮﺿﻮﺡ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚُ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ لأﺟﻞ ﺃﻏﺮﺍﺽ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻭﻟﻠﺘﺴﻠﻂ ﻭﺍلاﺳﺘﻌـلاﺀ ﻭﺇﺷﺒﺎﻉ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﻧﻔﻮﺱ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻭﻧﻴﻞ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭﺣﺐ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ، ﻓـلا ﺗﺘﻠﻤﻊ ﺑﺎﺭﻗﺔُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺑﺴﻂ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ، ﺑﻞ ﺗﺘﻮﻟﺪ ﺷﺮﺍﺭﺓُ ﺍﻟﻔﺘﻦ. ﻓـلا ﺗﺠﺪ ﺑﻴﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆلاﺀ ﺍﺗﻔﺎﻗﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﺑﻞ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻧﻘﻄﺔُ ﺗـلاﻕٍ لأﻓﻜﺎﺭﻫﻢ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻴﺲ لأﺟﻞ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﺘﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺍلإﻓﺮﺍﻁ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺩﻭﻥ ﺣﺪﻭﺩ، ﻣﻤﺎ ﻳُﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺸﻘﺎﻗﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟـلإﻟﺘﺌﺎﻡ. ﻭﺣﺎﺿﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ..

  ﻭﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕُ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺣﺮﻛﺎﺗُﻪ ﻭﻓﻖَ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: (ﺍﻟﺤﺐُ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺒُﻐﺾُ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ) ﻭﺍلاﺣﺘﻜﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻨﻔﺎﻕ ﻭﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﻳﺴﻮﺩﺍﻥ.. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺴﺘﻬﺪﻱ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺘﺮﻓﺎً ﻇﻠﻤﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻭﻡ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ.

  ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮﺓ:

ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻐﺰﻭﺍﺕ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﻛﺎﻥ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻳﺒﺎﺭﺯ ﺃﺣﺪ ﻓﺮﺳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻓﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻭﺻﺮﻋﻪ. ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺃﻥ ﻳُﺠﻬِﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻔﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلإﻣﺎﻡ. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺃﺧﻠﻰ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﻭﺍﻧﺼﺮﻑ ﻋﻨﻪ، ﻓﺎﺳﺘﻐﺮﺏ ﺍﻟﻤﺸﺮﻙ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ.

ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ؟

ﻗﺎﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ: ﻛﻨﺖ ﺃﻗﺎﺗﻠﻚ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖَ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺧﺸﻴﺖ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺘﻠﻲ ﺇﻳﺎﻙ ﻓﻴﻪ ﺛﺄﺭ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﺄﻃﻠﻘﺘُﻚ ﻟﻠﻪ.

ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ: ﻛﺎﻥ ﺍلأﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﺜﻴﺮَﻙ ﻓﻌﻠﺘﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺘﺴﺮﻉ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻲ!. ﻭﻣﺎ ﺩﻣﺘﻢ ﺗﺪﻳﻨﻮﻥ ﺑﺪﻳﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺣﺔ ﻓﻬﻮ ﺑـلا ﺷﻚ ﺩﻳﻦ ﺣﻖ.

  ﻭﺣﺎﺩﺛﺔ ﺃﺧﺮﻯ:

ﻋﺰﻝ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ ﻗﺎﺿﻴﻪ، ﻟﻤّﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﺓ ﻭﺍﻟﻐﻀﺐ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻗﻄﻌﻪ ﻳﺪَ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ. ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻤﻦ ﻳﻨﻔﺬ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺣﻆ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﻜﻮﻡ، ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺸﻔﻖ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﻔﺲ- ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺄﺧﺬﻩ ﺭﺃﻓﺔٌ ﻓﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺣﻆ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻗﺪ ﺍﺧﺘﻠﻂ ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ ﻭﻫﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻓﻘﺪ ﻋُﺰﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ.

  ﻣﺮﺽ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺧﻄﺮ ﻭﺣﺎﻟﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺆﺳﻔﺔ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍلأﻣﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻳَﺪْﻣَﻰ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ:

ﺇﻥَّ ﺍﺷﺪ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺗﺄﺧﺮﺍً ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺍﻟﺪﺍﻫﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺘﺮﺍﻫﻢ ﻳﻨﺒﺬﻭﻥ ﺍﻟﺨـلاﻓﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ، ﻭﻳﻨﺴﻮﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺍﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺇﻏﺎﺭﺓ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ.

ﻭﺇﺫ ﺗﻘﺪّﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞُ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮﺓ ﻣﺼﻠﺤﺘَﻬﻢ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺣﻖَّ ﻗﺪﺭِﻫﺎ، ﻓﻤﺎ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻟﻮﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﻳﺪﻋﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ لا ﻳﻨﺴﻮﻥ ﻋﺪﺍﻭﺗﻬﻢ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﻄﻔﻴﻔﺔ ﻓﻴﻤﻬّﺪﻭﻥ ﺑﻬﺎ ﺳﺒﻞَ ﺇﻏﺎﺭﺓ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺤﺼﺮﻫﻢ ﺍﻟﻌﺪّ ﻋﻠﻴﻬﻢ؟! ﻓﻠﻘﺪ ﺗﺮﺍﺻﻒ ﺍلأﻋﺪﺍﺀُ ﺣﻮﻟَﻬﻢ ﻭﺃﻃﺒﻘﻮﺍ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ.. ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺗﺪﻫﻮﺭٌ ﻣﺨﻴﻒ، ﻭﺍﻧﺤﻄﺎﻁ ﻣﻔﺠﻊ، ﻭﺧﻴﺎﻧﺔ ﺑﺤﻖ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.

 ﻭﺃﺫﻛﺮُ ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮﺓ:

ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺒﻴﻠﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺸﻴﺮﺓ «ﺣَﺴﻨﺎﻥ» ﻭ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺛﺎﺭﺍﺕ ﺩﻣﻮﻳﺔ، ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺿﺤﻴﺘَﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮُ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺭﺟـلا، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺇﻥ ﻳﺪﺍﻫﻤﻬﻤﺎ ﺧﻄﺮٌ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ «ﺳﺒﻜﺎﻥ» ﺃﻭ «ﺣﻴﺪﺭﺍﻥ» ﺇﻟّﺎ ﺗﺘﻜﺎﺗﻔﺎﻥ ﻭﺗﺘﻌﺎﻭﻧﺎﻥ ﻭﺗﻨﺴﻴﺎﻥ ﻛﻠﻴﺎً ﺍﻟﺨـلاﻓﺎﺕ ﻟﺤﻴﻦ ﺻﺪّ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ.

ﻓﻴﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﺃﺗﺪﺭﻭﻥ ﻛﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪﺩُ ﻋﺸﺎﺋﺮ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﺄﻫﺒﻴﻦ ﻟـلإﻏﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﻴﺮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ؟ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻭﻫﻢ ﻳﺤﻴﻄﻮﻥ ﺑﺎلإﺳـلاﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻛﺎﻟﺤﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻠﺔ. ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻜﺎﺗﻒ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﺼﺪ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﺌﻚ، ﻳﻌﺎﻧﺪ ﻛﻞُّ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻳﻨﺤﺎﺯ ﺟﺎﻧﺒﺎً ﺳﺎﺋﺮﺍً ﻭﻓﻖ ﺃﻏﺮﺍﺿﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻤﻬّﺪ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﻔﺘﺢ ﺍلأﺑﻮﺍﺏ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﻟﻴﺪﺧﻠﻮﺍ ﺣَﺮﻡ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍلآﻣﻦ.. ﻓﻬﻞ ﻳﻠﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺑﺄﻣﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ؟

ﻭﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗُﻌﺪّﺩ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎلإﺳـلاﻡ، ﻓﻬﻢ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﻣﺼﺎﺋﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﺩﻭﺍﺋﺮٌ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔٌ ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ، ﻛﻠُّﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺒَﻜﻢ ﺑﺴﻮﺀ، ﻭﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺣﺎﻧﻘﺔٌ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلاﻧﺘﻘﺎﻡ ﻣﻨﻜﻢ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻜﻢ ﺃﻣﺎﻡ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﺍلأﻟﺪّﺍﺀ ﺇﻟّﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴـلاﺡ ﺍﻟﺒﺘّﺎﺭ ﻭﺍﻟﺨﻨﺪﻕ ﺍلأﻣﻴﻦ ﻭﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ، ﺃلا ﻭﻫﻲ ﺍلأﺧﻮﺓ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ. ﻓﺄﻓِﻖ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﻗﻠﻌﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﺑﺤُﺠﺞ ﺗﺎﻓﻬﺔٍ ﻭﺃﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻫﻴﺔ، ﺧـلاﻑٌ ﻟﻠﻮﺟﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﺃﻱُّ ﺧـلاﻑ ﻭﻣﻨﺎﻑ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻛﻠﻴﺎً.. ﻓﺎﻧﺘﺒﻪ!

ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻣﺎ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ: ﺃﻥ ﺍﻟﺪﺟﺎﻝ ﻭ ﺍﻟﺴﻔﻴﺎﻧﻲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻥ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻳﺴﺘﻔﻴﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻄﺎﻡ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻴُﻬﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﻘﻮﺓ ﺿﺌﻴﻠﺔ، ﻭﻳﻨﺸﺮﻭﻥ ﺍﻟﻬﺮﺝَ ﻭﺍﻟﻤﺮﺝ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﻳﺴﻴﻄﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﻳﺄﺳﺮﻭﻧﻬﺎ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ!

ﺇﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺮﻳﺪﻭﻥ ﺣﻘﺎً ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﺓ، ﻭﺗﺮﻓﻀﻮﻥ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ لأﻏـلاﻝ ﺍﻟﺬﻝ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﻥ، ﻓﺄﻓﻴﻘﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﻗﺪَﺗِﻜﻢ، ﻭﻋﻮﺩﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺭﺷﺪﻛﻢ، ﻭﺍﺩﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔ ﺍﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ:﴿ﺍِﻧَّﻤَﺎ ﺍﻟْﻤُﺆْﻣِﻨُﻮﻥَ ﺍِﺧْﻮَﺓٌ﴾ (ﺍﻟﺤﺠﺮﺍﺕ:10) ﻭﺣﺼّﻨﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻳﺪﻱ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻥ ﺧـلاﻓﺎﺗﻜﻢ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ.. ﻭﺇﻟّﺎ ﺗﻌﺠﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺣﻘﻮﻗﻜﻢ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ، ﺇﺫ لا ﻳﺨﻔﻰ ﺃﻥ ﻃﻔـلا ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻀﺮﺏ ﺑَﻄَﻠﻴﻦ ﻳﺘﺼﺎﺭﻋﺎﻥ، ﻭﺃﻥ ﺣﺼﺎﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻠﻌﺐ ﺩﻭﺭﺍً ﻓﻲ ﺭﻓﻊ ﻛﻔﺔ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﻭﺧﻔﺾ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺟﺒـلاﻥ ﻣﺘﻮﺍﺯﻧﺎﻥ.

ﻓﻴﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ!

ﺇﻥَّ ﻗﻮﺗﻜﻢ ﺗﺬﻫﺐ ﺃﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺃﻏﺮﺍﺿﻜﻢ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺃﻧﺎﻧﻴﺘﻜﻢ ﻭﺗﺤﺰﺑﻜﻢ، ﻓﻘﻮﺓٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍً ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺬﻳﻘﻜﻢ ﺍﻟﺬﻝَّ ﻭﺍﻟﻬـلاﻙ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﺣﻘﺎً ﻣﺮﺗﺒﻄﻴﻦ ﺑﻤﻠﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻓﺎﺳﺘﻬﺪُﻭﺍ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ:

(ﺍﻟﻤُﺆْﻣِﻦُ ﻟِﻠْﻤُﺆْﻣِﻦِ ﻛَﺎﻟْﺒُﻨﻴَﺎﻥِ ﻳَﺸُﺪُّ ﺑَﻌْﻀُﻪُ ﺑَﻌْﻀَﺎً) ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻘﻂ ﺗﺴﻠَﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻝ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻨﺠﻮﻥ ﻣﻦ ﺷﻘﺎﺀ ﺍلآﺧﺮﺓ.

  الوجه ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ:

ﺇﻥ ﺍلإﺧـلاﺹ ﻭﺍﺳﻄﺔُ ﺍﻟﺨـلاﺹ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ، ﻓﺎﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻳﺰﻋﺰﻋﺎﻥ ﺣﻴﺎﺓَ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﺘﺘﺄﺫﻯ ﺳـلاﻣﺔُ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﻟﻠﻪ، ﺇﺫ ﻳﻀﻴﻊ ﺍلإﺧـلاﺹ!. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺤﺎﺯ ﺇﻟﻰ ﺭﺃﻳﻪ ﻭﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﻳﺮﻭﻡ ﺍﻟﺘﻔﻮﻕَ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻤﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺰﺍﻭﻟﻬﺎ. ﻓـلا ﻳﻮﻓَّﻖ ﺗﻮﻓﻴﻘﺎً ﻛﺎﻣـلا ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﺧﺎﻟﺺ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ لا ﻳﻮﻓَّﻖ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، ﺇﺫ ﻳﺮﺟِّﺢ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ ﻟﺮﺃﻳﻪ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﻴﻦ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﻴﻊ ﺃﺳﺎﺳﺎﻥ ﻣﻬﻤﺎﻥ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒِﺮّ «ﺍلإﺧـلاﺹ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ» ﺑﺎﻟﺨﺼﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﺀ.

ﺇﻥَّ ﺑﺤﺚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﻄﻮﻝ، ﻓـلا ﻳﺘﺴﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻓﻨﻜﺘﻔﻲ ﺑﻪ.

المكتوب الحادي والعشرون

 ﴿ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ﴾

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩُِ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:23-25)

  ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ، ﻭﻳﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﺃﺏٌ ﺷﻴﺦ، ﺃﻭ ﺃﻡٌ ﻋﺠﻮﺯ، ﺃﻭ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻦ ﺫﻭﻯ ﻗﺮﺑﺎﻩ، ﺃﻭ ﺃﺥ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣُﻘﻌَﺪ، ﺃﻭ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻠﻴﻞ.. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺪﻗﺔ ﻭﺇﻣﻌﺎﻥ، ﺍﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺃﻥَّ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﺠﻠﺐ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯﻳﻦ ﺧﻤﺴﺔَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺼﻮﺭ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ؟ ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺃﺳﻤﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻲ ﺷﻔﻘﺔُ ﺍلأﻣﻬﺎﺕ ﻭﺍلآﺑﺎﺀ ﺣﻴﺎﻝ ﺃﻭلاﺩﻫﻢ، ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﺣﻖُّ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻬﻢ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺃﻓﺔ؛ ﺫﻟﻚ لأﻧﻬﻢ ﻳﻀﺤّﻮﻥ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﺪﻯً ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻭلاﺩﻫﻢ ﺑﻜﻞ ﻟﺬﺓ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ. ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻭﻟﺪ -ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗﺴﻘﻂ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘُﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺑﻌﺪُ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺶ- لا ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻮﻗّﺮ ﺑﺈﺧـلاﺹ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺣﺒﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﺮﻣﻴﻦ، ﺍﻟﻤُﻀﺤّﻴﻦ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ ﻭﻳﻘﻮﻡ ﺑﺨﺪﻣﺘﻬﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﺻﺎﺩﻗﺔ، ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻟﻨﻴﻞ ﺭﺿﺎﻫﻢ ﻭﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﺒﻬﺠﺔَ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ. ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻢّ ﻭﺍﻟﻌﻤﺔ ﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍلأﺏ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﻝ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺍلأﻡ. ﻓﺎﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺷﺪ ﺍﻧﻌﺪﺍﻣﺎً ﻟﻠﻀﻤﻴﺮ ﺍﺳﺘﺜﻘﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﺍﻟﻤﻴﺎﻣﻴﻦ ﻭﺍﺳﺘﺮﻏﺎﺏ ﻣﻮﺗﻬﻢ ﺑﻞ ﻣﺎ ﺃﺷﺪَّﻩ ﻣﻦ ﺩﻧﺎﺀﺓ ﻭﻭﺿﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮّﺓ. ﺍﻋﻠﻢ ﻫﺬﺍ.. ﻭﺍﺻﺢُ!

ﺃﺟﻞ ﺍﻓﻬﻢ، ﻣﺎ ﺃﻗﺬﺭَﻩ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻭﻣﺎ ﺃﻓﻈﻌَﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﻟﻠﻀﻤﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﻤﻨّﻰ ﻣﺘﻤﻦٍّ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺤّﻰ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻫﻮ!

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤُﺒﺘﻠﻰ ﺑﻬﻤﻮﻡ ﺍﻟﻌﻴﺶ! ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﻤﻮﺩ ﺑﺮﻛﺔِ ﺑﻴﺘﻚ ﻭﻭﺳﻴﻠﺔَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﺩﻓﻊَ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﻋﻨﻪ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻴﺦ، ﺃﻭ ﺫﻟﻚ ﺍلأﻋﻤﻰ ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺘﺜﻘﻠﻪ. لا ﺗﻘﻞ ﺃﺑﺪﺍً: ﺇﻥ ﻣﻌﻴﺸﺘﻲ ﺿﻨﻚ، لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺍﺓ ﻓﻴﻬﺎ!.. ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔُ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺃﻭﻟﺌﻚ، ﻟﻜﺎﻥ ﺿﻨﻚُ ﻣﻌﻴﺸﺘﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﻄﻌﺎً. ﻓَﺨُﺬْ ﻣﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺻﺪّﻗﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺃﻋﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍلأﺩﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ، ﻭﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺣﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ. ﻭﻟﻜﻦ، ﻟﺌـلا ﻳﻄﻮﻝ ﺍلأﻣﺮ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﺃُﻭﺟﺰﻫﺎ. ﻛﻦ ﻭﺍﺛﻘﺎً ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﻛـلاﻣﻲ ﻫﺬﺍ. ﺃﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﻄﻌﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺷﻴﻄﺎﻧﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺴﻠﻤﺎ ﺃﻣﺎﻣَﻬﺎ. ﻓـلا ﻏﺮﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻏﺎﻇﺖ ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ ﻭﺃﺳﻜﺘﺘﻪ ﻭﺣﻄﻤﺖ ﻋﻨﺎﺩ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣّﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ لا ﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗُﻘﻨﻌﻚ ﺃﻳﻀﺎً.

ﺃﺟﻞ؛ ﺇﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺃﺟﻤﻊ- ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﺮﺳﻞ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮﺳﻞ ﺃﺭﺯﺍﻗَﻬﻢ ﻋَﻘِﺒَﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻠﻄﻒ؛ ﻛﺎﻧﻘﺬﺍﻑ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍلأﺛﺪﺍﺀ ﻭﺗﻔﺠﻴﺮﻩ ﻛﺎﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻮﺍﻫﻬﻢ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺃﺭﺯﺍﻕ ﺍﻟﻌَﺠَﺰﺓ -ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﺧﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﻋﺪﺍﺩ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﺑﻞ ﻫﻢ ﺃﺣﻖُّ ﺑﺎﻟﻤﺮﺣﻤﺔ ﻭﺃﺣﻮﺝُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺃﻓﺔ- ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺑَﺮَﻛَﺔ، ﻭلا ﻳﺤﻤّﻞ ﺍلأﺷﺤّﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻋﺎﺷﺔ ﻫﺆلاﺀ ﻭلا ﻳﺪَﻋﻬﺎ ﻟﻬﻢ. ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻴﺪﻫﺎ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (ﺍﻟﺬﺍﺭﻳﺎﺕ:58) ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ:60) ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺫﺍﺕُ ﻛﺮﻡٍ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻨﺎﺩﻯ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ. ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﺍلأﻗﺮﺑﺎﺀ ﻭﺣﺪَﻫﻢ ﻳﺄﺗﻴﻬﻢ ﺭﺯﻗُﻬﻢ ﺭﻏﺪﺍً ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺑَﺮﻛﺔ ﺑﻞ ﺭﺯﻕُ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻫِﺒﺖ ﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺻﺪﺍﻗﺘﻪ ﻛﺄﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻘﻄﻂ. ﻓﺈﻥ ﺃﺭﺯﺍﻗﻬﺎ ﺗُﺮﺳﻞ ﺿﻤﻦ ﺭﺯﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺗﺄﺗﻲ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺑَﺮﻛﺔ ﺃﻳﻀﺎً. ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬﺍ، ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﺗُﻪ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻣﺜﺎﻝ، ﻭﻫﻮ: ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺣﺼﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ -ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺒّﺎﺋﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﻮﻥ- ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺙ ﻭﻫﻲ ﻧﺼﻒ ﺭﻏﻴﻒ، ﻭﻛﺎﻥ ﺭﻏﻴﻒ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺍً، ﻭﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻛﺎﻥ لا ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ.. ﺛﻢ ﺟﺎﺀﻧﻲ ﺃﺭﺑﻊُ ﻗﻄﻂ ﺿﻴﻮﻓﺎً، ﻭﻗﺪ ﻛﻔﺎﻧﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﻭﻛﻔﺎﻫﻢ. ﺑﻞ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﻓﻀﻠﺔٌ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ.

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﺮﺭﺕ ﻋﻨﺪﻱ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻋﻄﺘﻨﻲ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺍﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺑﺮﻛﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻄﻂ! ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻦ ﺇﻋـلاﻧﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﺍلآﻥ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻄﻂ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣِﻤـلا ﻭلا ﻋﺒﺌﺎً ﻋﻠﻲّ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﺗﺤﺖ ﻣﻨّﺘﻲ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺃﺑﻘﻰ ﺗﺤﺖ ﻣﻨّﺘﻬﺎ.

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﺇﻥَّ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎً ﺷﺒﻪ ﻣﻔﺘﺮﺱ ﻳﺄﺗﻲ ﺿﻴﻔﺎً ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﻮﺭﺍً ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﺣﻞّ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻛﺮﻡُ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﻫﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ؟ ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻛﻤﻠُﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ؟ ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﺰﺓ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻟﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﻤّﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ؟ ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫـلا ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻟﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻌﻤّﺮﻳﻦ ﻭﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻧﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﺍلأﻗﺮﺑﻮﻥ؟ ﻭﻣﻦ ﻫﻢ ﺃﺧﻠﺺ ﺻﺪﻳﻖ ﻭﺃﺻﺪﻕ ﻣﺤﺐ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻗﺮﺑﻴﻦ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺍﻥ؟! ﻛﻴﻒ ﺑﻬﻢ ﺇﺫﺍ ﺣﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ. ﻓﻠَﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ، ﻣﺎ ﺃﻋﻈﻤَﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ، ﻭﻣﻦ ﻭﺳﺎﻃﺔ ﻟﺠﻠﺐ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﻣﻦ ﺳﺒﺐ ﻟﺪﻓﻊ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ:

 (ﻟﻮلا ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﺍﻟﺮﻛﻊ ﻟﺼُﺐّ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﺒـلاﺀ ﺻﺒﺎً).

  ﺇﺫﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺗﺄﻣﻞ!.. ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺇﻧﻚ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻤُﺖ ﻓـلا ﻣﻨﺎﺹ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺮ ﺷﻴﺨﺎً ﻋﺠﻮﺯﺍً، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﺤﺘﺮﻡ ﻭﺍﻟﺪﻳﻚ، ﻓﺴﻴﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﻮﻡ لا ﻳﻮﻗّﺮﻙ ﺃﻭلاﺩُﻙ ﻭﻟﻦ ﻳﺤﺘﺮﻣﻮﻙ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺃﻭﺩﻉ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺳﺮّ ﻓﻲ «ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻌﻤﻞ». ﻟﺬﺍ.. ﺇﻥْ ﻛﻨﺖ ﻣﺤﺒﺎً لآﺧﺮﺗﻚ ﻓﺪﻭﻧﻚ ﻛﻨﺰٌ ﻋﻈﻴﻢ ﺃلا ﻭﻫﻮ: ﺍﺧﺪﻣﻬﻤﺎ ﻭَﻧَﻞْ ﺭﺿﺎﻫﻤﺎ. ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﺭﺿِﻬﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺍﺷﻜﺮ ﻟﻬﻤﺎ. ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻀﻲ ﺣﻴﺎﺗُﻚ ﺑﺮﺍﺣﺔ، ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﺭﺯﻗُﻚ ﺑﺒﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻬﻢ. ﻭﺇﻟّﺎ.. ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﺜﻘﺎﻝ ﻫﺆلاﺀ ﻭﺗﻤﻨﻲ ﻣﻮﺗﻬﻢ ﻭﺗﺠﺮﻳﺢ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺴﺎﺳﺔ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﻣﻤﻦ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:

﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ﴾ (ﺍﻟﺤﺞ: ١١).

 ﻭﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻳﺪ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻓﺎﺭﺣﻢ ﻭﺩﺍﺋﻊَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻮﺩﻋﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻧﺎﺕ.

ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺃﺥ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻥ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻫﻮ «ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺟﺎﻭﻭﺵ» ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺭﺍﻩ ﻣﻮﻓّﻘﺎً ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺩﻧﻴﺎﻩ ﻣﻌﺎً. ﻭﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻋﺮﻑ ﺍﻟﺴﺮ. ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺖ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻭﻫﻮ: ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺣﻘﻮﻕ ﺃﻣﻪ ﻭﺃﺑﻴﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺭﺍﻋﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺣﻖَّ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ. ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻭﺟﺪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺒﺮﻛﺔ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ. ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻋﻤّﺮ ﺁﺧﺮﺗَﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﻓﻠﻴﻘﺘَﺪِ ﺑﻪ، ﻭﻟﻴﻜﻦ ﻣﺜﻠﻪ.

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦْ ﻗَﺎﻝَ: «ﺍَﻟْﺠَﻨَّﺔُ ﺗَﺤْﺖَ ﺃَﻗْﺪَﺍﻡِ ﺍﻟْﺄُﻣَّﻬَﺎﺕِ» ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺁﻟِﻪِ ﻭَﺻَﺤْﺒِﻪِ ﺃَﺟْﻤَﻌِﻴﻦَ.

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

المكتوب العشرون

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

 «ﻟَﺎ ﺇِﻟَﻪَ ﺇِﻟَّﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭَﺣْﺪَﻩُ ﻟَﺎ ﺷَﺮﻳﻚَ ﻟَﻪُ ﻟَﻪُ ﺍﻟْﻤُﻠْﻚُ ﻭَ ﻟَﻪُ ﺍﻟْﺤَﻤْﺪُ ﻳُﺤْﻴﻲ ﻭَﻳُﻤﻴﺖُ ﻭَﻫُﻮَ ﺣَﻲٌّ ﻟَﺎ ﻳَﻤُﻮﺕُ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮُ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻗَﺪﻳﺮٌ ﻭَﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺍﻟْﻤَﺼﻴﺮُ»

   [ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺨّﺺ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺇﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓَ ﻛﻠﻤﺔ، ﻭﻟﻘﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻋﻘﺐ ﺻـلاﺗَﻲ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻓﻀﺎﺋﻞُ ﺟﻤّﺔ، ﺣﺘﻰ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ «ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ». ﻓـلا ﻏﺮﻭ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗُﻘﻄّﺮ ﻛﻞُّ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﺃﻣـلا ﺷﺎﻓﻴﺎً ﻭﺑﺸﺮﻯ ﺳﺎﺭﺓ، ﻭﺃﻥ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔً ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺒﻴّﻦ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻛﺒﺮﻳﺎﺀَ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﻛﻤﺎﻝَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻗﺪ ﻭﺿّﺤﺖ ﺑﺠـلاﺀ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻓﻨﺤﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻧﻜﺘﻔﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﻮﺿﻊ ﻓﻬﺮﺱ ﻟﻬﺎ، ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻭﻋﺪ ﺳﺎﺑﻖ، ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺧـلاﺻﺔ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﺟﺪﺍً، ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻣﻦ «ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ» ﻭ«ﻣﻘﺪﻣﺔ»].

  ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﺍﻋﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻰ ﻏﺎﻳﺔٍ ﻟﻠﺨﻠﻖ، ﻭﺃﻋﻈﻢَ ﻧﺘﻴﺠﺔٍ ﻟﻠﻔﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.. ﻫﻮ «ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺑﺎﻟﻠﻪ».. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ.. ﻫﻮ «ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺍﻟﻠﻪ» ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ.. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﺯﻫﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓٍ ﻟـلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ، ﻭﺃﺣﻠﻰ ﻧﻌﻤﺔ.. ﻫﻮ «ﻣﺤﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪ» ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ.. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﺻﻔﻰ ﺳﺮﻭﺭ ﻟﺮﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺃﻧﻘﻰ ﺑﻬﺠﺔٍ ﻟﻘﻠﺒﻪ.. ﻫﻮ «ﺍﻟﻠﺬﺓُ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ» ﺍﻟﻤﺘﺮﺷﺤﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥَّ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭَ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ، ﻭﺍﻟﻨﻌﻤﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪَﻫﺎ ﻧﻌﻤﺔٌ، ﻭﺍﻟﻠﺬﺓَ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻔﻮﻗُﻬﺎ ﻟﺬﺓٌ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ «ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ» .. ﻓﻲ «ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ». ﻓـلا ﺳﻌﺎﺩﺓَ، ﻭلا ﻣﺴﺮّﺓ، ﻭلا ﻧﻌﻤﺔ ﺣﻘﺎً ﺑﺪﻭﻧﻬﺎ.

ﻓﻜﻞُّ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﻣـلأ ﻗﻠﺒَﻪ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﺤﺒﺘﻪ، ﺳﻴﻜﻮﻥُ ﺃﻫـلا ﻟﺴﻌﺎﺩﺓ لا ﺗﻨﺘﻬﻲ، ﻭﻟﻨﻌﻤﺔٍ لا ﺗﻨﻀﺐ، ﻭلأﻧﻮﺍﺭٍ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭ لا ﺗﻨﻔﺪ، ﻭﺳﻴﻨﺎﻟﻬﺎ ﺇﻣﺎ ﻓﻌـلا ﻭﻭﺍﻗﻌﺎً ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍً ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﻌﺮﻑ ﺧﺎﻟﻘَﻪ ﺣﻖَّ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭلا ﻳﻜﻦّ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﻣﻦ ﺣُﺐٍ ﻭﻭُﺩٍّ، ﻳﺼﺎﺏ ﺑﺸﻘﺎﺀ ﻣﺎﺩﻱ ﻭﻣﻌﻨﻮﻱ ﺩﺍﺋﻤَﻴﻦ، ﻭﻳﻈﻞ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍلآلاﻡ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﻣﺎ لا ﻳُﺤﺼﺮ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻠﻮّﻯ ﺃﻟﻤﺎً ﻣﻦ ﻓﻘﺪﻩ ﻣﻮلاﻩ ﻭﺣﺎﻣﻴﻪ، ﻭﻳﻀﻄﺮﺏ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻫﺔِ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻋﺪﻡ ﺟﺪﻭﺍﻫﺎ، ﻭﻫﻮ ﻋﺎﺟﺰٌ ﻭﺿﻌﻴﻒ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺩﺓ.. ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻐﻨﻴﻪ ﻋﻤّﺎ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺳﻠﻄﺎﻥَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠِّﻬﺎ!

ﻓﻤﺎ ﺃﺷﺪ ﺑﺆﺱ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺏ ﻓﻲ ﺩﻭّﺍﻣﺔ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﻭﺑﻴﻦ ﺟﻤﻮﻉ ﺳﺎﺋﺒﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻮلاﻩ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎﻟﻜَﻪ ﻭﺭﺑَّﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻭﺟﺪ ﺭﺑَّﻪ ﻭﻋﺮﻑ ﻣﻮلاﻩ ﻭﻣﺎﻟﻜَﻪ لاﻟﺘﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﻛﻨﻒ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺟـلاﻝ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.. ﻭﻟﺘﺤﻮﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ﺭﻭﺿﺔً ﻣﺆﻧﺴﺔ، ﻭﺳﻮﻕَ ﺗﺠﺎﺭﺓٍ ﻣﺮﺑﺤﺔ.

  ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺗﺰﻑّ ﺑﺸﺮﻯ ﺳﺎﺭﺓ، ﻭﺗﺒﺚ ﺃﻣـلا ﺩﺍﻓﺌﺎً. ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﺸﺮﻯ ﺷﻔﺎﺀ ﻭﺑﻠﺴﻢ.. ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻔﺎﺀ ﻟﺬﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﻧﺸﺮﺍﺡ ﺭﻭﺣﻲ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: «ﻟَﺎ ﺇِﻟَﻪَ ﺇِﻟَّﺎ ﺍﻟﻠﻪ»

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺘﻘﻄﺮ ﺑﺸﺮﻯ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺃﻣـلا ﺑﻬﻴﺠﺎً ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﺭﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻠﻬﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪَﻓﺔ ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﺃﻋﺪﺍﺀٍ لا ﻳُﻌﺪّﻭﻥ.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺒﺘـلاﺓ ﺑﻴﻦ ﺣﺎﺟﺎﺕ لا ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻭﺃﻋﺪﺍﺀٍ لا ﻳﺤﺼﺮﻭﻥ، ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻣﻨﺒﻌﺎً ﺛﺮﺍً ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﻤﺪﺍﺩ، ﺑﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺃﺑﻮﺍﺏَ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺗﺮِﺩُ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳُﻄﻤﺌِﻦ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﻭﺗﻀﻤﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ.. ﻭﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺮﺗَﻜﺰﺍً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻭﻣﺴﺘﻨَﺪﺍً ﺭﺿﻴّﺎً ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ، ﻭﻳﺼﺮﻑ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍلأﺿﺮﺍﺭ. ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺗُﺮﻱ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻣﻮلاﻩ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺗﺮﺷﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻭﺗُﺪﻟّﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻭﻣﻌﺒﻮﺩﻩ. ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺴﺪﻳﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮّﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﺗﻨﻘﺬ -ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ- ﻗﻠﺐَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻇـلاﻡ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ، ﻭﺗُﻨﺠﻲ ﺭﻭﺣَﻪ ﻣﻦ ﺁلاﻡ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻭﺍﻟﻜﻤﺪ، ﺑﻞ ﺗﻀﻤﻦ ﻟﻪ ﻓﺮﺣﺎً ﺃﺑﺪﻳﺎً، ﻭﺳﺮﻭﺭﺍً ﺩﺍﺋﻤﺎً.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: «ﻭَﺣْﺪَﻩُ»

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺸﺮﻕ ﺃﻣـلا ﻭﺗﺰﻑّ ﺑﺸﺮﻯ ﺳﺎﺭﺓ ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻭﻗﻠﺒَﻪ ﺍﻟﻤﺮﻫﻘَﻴﻦ ﺑﻞ ﺍﻟﻐﺎﺭﻗَﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍلاﺧﺘﻨﺎﻕ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻮﻁ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎﺕٍ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺃﻭﺍﺻﺮَ ﻣﺘﻴﻨﺔ ﻣﻊ ﺃﻏﻠﺐ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ.. ﻳﺠﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻠﺠﺄ ﺃﻣﻴﻨﺎً، ﻳﻨﻘﺬﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﻣﺎﺕ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺔ «ﻭﺣﺪﻩ» ﺗﻘﻮﻝ ﻣﻌﻨﻰً:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﺣﺪ، ﻓـلا ﺗﺘﻌﺐ ﻧﻔﺴﻚ، ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺑﻤﺮﺍﺟﻌﺔ ﺍلأﻏﻴﺎﺭ. ﻭلا ﺗﺘﺬﻟَّﻞ ﻟﻬﻢ، ﻓﺘﺮﺯﺡ ﺗﺤﺖ ﻣﻨَّﺘﻬﻢ ﻭﺃﺫﺍﻫﻢ.. ﻭلا ﺗﺤﻦِ ﺭﺃﺳَﻚ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﻭﺗﺘﻤﻠّﻖ ﻟﻬﻢ.. ﻭلا ﺗُﺮﻫﻖ ﻧﻔﺴَﻚ ﻓﺘﻠﻬﺚ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ.. ﻭلا ﺗﺨﻒ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺗﺮﺗﻌﺪ ﺇﺯﺍﺀﻫﻢ.. لأﻥَّ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻋﻨﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ، ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻘﻮﺩ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ، ﺗﻨﺤﻞّ ﻋُﻘﺪ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻭﺗﻨﻔﺮﺝ ﻛﻞ ﺷﺪﺓ ﺑﺈﺫﻧﻪ.. ﻓﺈﻥ ﻭﺟﺪﺗَﻪ ﻓﻘﺪ ﻣﻠﻜﺖَ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻓُﺰﺕ ﺑﻤﺎ ﺗﻄﻠﺒﻪ، ﻭﻧﺠﻮﺕَ ﻣﻦ ﺃﺛﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻦّ ﻭﺍلأﺫﻯ ﻭﻣﻦ ﺃﺳﺮ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﺍﻟﻮﻫﻢ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: «ﻟَﺎ ﺷَﺮﻳﻚَ ﻟَﻪُ»

ﺃﻱ ﻛﻤﺎ لا ﻧﺪّ ﻟﻪ ﻭلا ﺿﺪّ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ، لأﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺣﺪ. ﻓﺈﻥّ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘَﻪ ﻭﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗِﻪ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩَﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﻨﺰّﻫﺔٌ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ. ﺑﺨـلاﻑ ﺳـلاﻃﻴﻦ ﺍلأﺭﺽ، ﺇﺫ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻥْ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻣﺘﻔﺮﺩﺍً ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺘﻔﺮﺩﺍً ﻓﻲ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻪ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﻮﻇﻔﻴﻪ ﻭﺧﺪَﻣﻪ ﻳُﻌﺪّﻭﻥ ﺷﺮﻛﺎﺀ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍلإﺟﺮﺍﺀﺍﺕ. ﻭﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﻮﻟﻮﺍ ﺩﻭﻥ ﻣﺜﻮﻝ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻣﺎﻣﻪ، ﻭﻳﻄﻠﺒﻮﺍ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺮﺍﺟﻌﺘﻬﻢ ﺃﻭلا! ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻫﻮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ، ﻭﺍﺣﺪ لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻛﺎﺀ ﻭﻣُﻌﻴﻨﻴﻦ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ، ﺇﺫ لا ﻳﺆﺛﺮ ﺷﻲﺀٌ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﺇﻟّﺎ ﺑﺄﻣﺮﻩ ﻭﺣَﻮﻟﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ. ﻓﻴﻤﻜﻦ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﺟﻌﻮﻩ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﻴﻂ، ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺷﺮﻳﻚ ﺃﻭ ﻣُﻌﻴﻦ. ﻭلا ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﻠﻤﺮﺍﺟِﻊ: لا ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻚ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﺃﻣـلا ﺑﺎﺳﻤﺎً ﻭﺑﺸﺎﺭﺓ ﺑﻬﻴﺠﺔ، ﻓﺘﻘﻮﻝ:

ﺇﻥَّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻨﺎﺭﺕ ﺭﻭﺣُﻪ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻟﻴَﺴﺘﻄﻴﻊ ﻋﺮﺽَ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﺑـلا ﺣﺎﺟﺰ ﻭلا ﻣﺎﻧﻊ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﻳﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﺭﻏﺒﺎﺗﻪ، ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﻴﺜﻤﺎ ﺣﻞّ. ﻓﻴﻔﺮﺵ ﺣﺎﺟﺎﺗِﻪ ﻭﻣﻄﺎﻟﺒَﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻣﺴﺘﻨﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻓﻴﻤﺘﻠﺊ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻓﺮﺣﺎً ﻛﺎﻣـلا ﻭﺳﺮﻭﺭﺍً ﻏﺎﻣﺮﺍً.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: «ﻟَﻪُ ﺍﻟْﻤُﻠْﻚُ»

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻛﻠَّﻪ ﻟﻪ، ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ.. ﻭﺃﻧﺖ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻠﻜﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻚ ﻋﺒﺪُﻩ ﻭﻣﻤﻠﻮﻛﻪ، ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ..

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻔﻮﺡ ﺃﻣـلا ﻭﺗﻘﻄﺮ ﺑﺸﺮﻯ ﺷﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! لا ﺗﺤﺴﺐ ﺃﻧﻚ ﻣﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴَﻚ.. ﻛـلا.. لأﻧﻚ لا ﺗﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﺪﻳﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﻧﻔﺴﻚ.. ﻭﺫﻟﻚ ﺣﻤﻞٌ ﺛﻘﻴﻞ، ﻭﻋﺐﺀ ﻛﺒﻴﺮ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﺘﻨﺠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﺮﺯﺍﻳﺎ، ﻭﺗﻮﻓّﺮ ﻟﻬﺎ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﺣﻴﺎﺗﻚ.. ﻓـلا ﺗﺠﺮّﻉ ﻧﻔﺴَﻚ ﺇﺫﻥ ﺍلآلاﻡ ﺳﺪﻯً، ﻓﺘﻠﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﻭﺍلاﺿﻄﺮﺍﺏ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ، ﻓﺎﻟﻤُﻠﻚ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻐﻴﺮﻙ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚُ ﻗﺎﺩﺭٌ، ﻭﻫﻮ ﺭﺣﻴﻢ. ﻓﺎﺳﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭلا ﺗﺘﻬﻢ ﺭﺣﻤﺘَﻪ.. ﺩﻉ ﻣﺎ ﻛﺪﺭ، ﺧﺬ ﻣﺎ ﺻﻔﺎ.. ﺍﻧﺒﺬ ﺍﻟﺼﻌﺎﺏَ ﻭﺍلأﻭﺻﺎﺏ ﻭﺗﻨﻔّﺲ ﺍﻟﺼﻌﺪﺍﺀ، ﻭﺣُﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.

ﻭﺗﻘﻮﻝ ﺃﻳﻀﺎً: ﺃﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻬﻮﺍﻩ ﻣﻌﻨﻰً، ﻭﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻭﺗﺘﺄﻟﻢ ﻟﺸﻘﺎﺋﻪ ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺑﻪ، ﻭﺗﺤﺲّ ﺑﻌﺠﺰﻙ ﻋﻦ ﺇﺻـلاﺣﻪ.. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻠُّﻪ ﻣُﻠﻚٌ ﻟﻘﺎﺩﺭ ﺭﺣﻴﻢ. ﻓﺴﻠّﻢ ﺍﻟﻤﻠﻚَ ﻟﻤﻮلاﻩ، ﻭﺗﺨﻞّ ﻋﻨﻪ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻮلاﻩ، ﻭﺍﺳﻌﺪ ﺑﻤﺴﺮﺍﺗﻪ ﻭﻫﻨﺎﺋﻪ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥْ ﺗﻜﺪّﺭﻙ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗُﻪ ﻭﻣﻘﺎﺳﺎﺗﻪ، ﻓﺎﻟﻤﻮﻟﻰ ﺣﻜﻴﻢ ﻭﺭﺣﻴﻢ، ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎﺀ ﻭﻓﻖ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ.

ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺧﺬﻙ ﺍﻟﺮﻭﻉُ ﻭﺍﻟﺪﻫﺸﺔ، ﻓﺄﻃﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﺬ ﻭلا ﺗﻘﺘﺤﻤﻬﺎ، ﻭﻗﻞ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺣﻘﻲ:

  ﻟﻨﺮَ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻔﻌﻞُ       ﻓﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﻮ ﺍلأﺟﻤﻞ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ: «ﻭَﻟَﻪُ ﺍﻟْﺤَﻤْﺪُ»

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﻤﻨّﺔ ﺧﺎﺹّ ﺑﻪ ﻭﺣﺪَﻩ، ﻭلاﺋﻖ ﺑﻪ ﻭﺣﺪﻩ، لأﻥَّ ﺍﻟﻨِﻌﻢ ﻭﺍلآلاﺀ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﺗﻔﻴﺾ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺍﻟﺨﺰﺍﺋﻦ ﺩﺍﺋﻤﺔ لا ﺗﻨﻀﺐ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻤﻨﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺑﺸﺮﻯ ﻟﻄﻴﻔﺔ، ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! لا ﺗﻘﺎﺱِ ﺍلأﻟﻢَ ﺑﺰﻭﺍﻝ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ، لأﻥَّ ﺧﺰﺍﺋﻦَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ لا ﺗﻨﻔﺪ. ﻭلا ﺗﺼﺮﺥ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﻠﺬﺓ، لأﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﺛﻤﺮﺓُ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺜﻤﺎﺭ ﺗﺘﻌﺎﻗﺐ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓُ ﺑﺎﻗﻴﺔ.

ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺃﻃﻴﺐَ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺮﺅﻳﺘﻚ ﺍﻟﺘﻔﺎﺗﺔَ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺇﻟﻴﻚ، ﻭﺗﻜﺮّﻣَﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻠِﻜﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﺎً ﺫﺍ ﺷﺄﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻚ ﻫﺪﻳﺔً، ﻭﻟﺘﻜﻦ ﺗﻔﺎﺣﺔ ﻣﺜـلا، ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺪﻳﺔ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺓ ﺗﻔﻮﻕ ﻟﺬﺓَ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺑﺄﺿﻌﺎﻑ ﺍلأﺿﻌﺎﻑ، ﺗﻠﻚ  ﻱ ﻟﺬﺓُ ﺍلاﻟﺘﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻠَﻜﻲ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟّﻪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻜﻠﻞ ﺑﺎﻟﺘﺨﺼﻴﺺ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ، ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻠﻤﺔُ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ

ﺗﻔﺘﺢ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﺑﺎﺑﺎً ﻭﺍﺳﻌﺎً ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﻨﻪ ﻟﺬﺓٌ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻫﻲ ﺃﻟﺬ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻧﻔﺴِﻬﺎ ﺑﺄﻟﻒ ﺿﻌﻒ ﻭﺿﻌﻒ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ. ﺃﻱ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎلإﻧﻌﺎﻡ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ، ﺃﻱ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤُﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍلإﻧﻌﺎﻡ ﻧﻔﺴﻪ، ﺃﻱ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻮﺟّﻬﻪِ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺷﻔﻘﺘِﻪ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﺩﻭﺍﻡ ﺇﻧﻌﺎﻣﻪ ﻋﻠﻴﻚ.

ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ: «ﻳُﺤْﻴﻲ»

ﺃﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬَﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻳﻤُﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﺯﻕ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺘﻜﻔّﻞ ﺑﻜﻞ ﺿﺮﻭﺭﺍﺗﻬﺎ ﻭﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻴﺊ ﻟﻮﺍﺯﻣَﻬﺎ ﻭﻣﻘﻮّﻣﺎﺗﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺗﺴﻊٌ ﻭﺗﺴﻌﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺗﻘﺼﺪﻩ ﻭﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ، ﻭﺗُﺰﺟﻲ ﻟﻪ ﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺓ، ﻧﺎﻓﺨﺔً ﻓﻴﻪ ﺭﻭﺡَ ﺍلأﻣﻞ، ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! لا ﺗﺮﻫﻖ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺤﻤﻞ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫﻠﻚ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ، ﻭلا ﺗﺬﻫﺐ ﻧﻔﺴُﻚ ﺣﺴﺮﺍﺕٍ ﻋﻠﻰ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺋﻬﺎ. ﻭلا ﺗُﻈﻬﺮ ﺍﻟﻨﺪﻡَ ﻭﺍﻟﺘﺬﻣﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﻴﺌﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺮﻯ ﺯﻭﺍﻝَ ﻧﻌﻴﻤﻬﺎ ﻭﺗﻔﺎﻫﺔَ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ.. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤّﺮ ﻭﺟﻮﺩَﻙ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﻘﻴﻮﻡ» ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﺘﻜﻔﻞ ﺑﻜﻞ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ﻭﻟﻮﺍﺯﻣﻬﺎ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺣﺪَﻩ، ﺑﻐﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ، ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ. ﻭﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﺇﻟّﺎ ﻋﺎﻣﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﻓﻲ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻓﻘُﻢ ﺑﻮﺍﺟﺒﻚ ﺃﺣﺴﻦَ ﻗﻴﺎﻡ، ﺛﻢ ﺍﻗﺒﺾ ﺃﺟﺮﺗَﻚ ﻭﺗﻤﺘّﻊ ﺑﻬﺎ، ﻭﺗﺬﻛّﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎً: ﻣﺪﻯ ﻋِﻈﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎﺏ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻣﺪﻯ ﺟـلاﻟﺔِ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ، ﻭﺛﻤﺮﺍﺗِﻬﺎ، ﻭﻣﺪﻯ ﻛﺮﻡ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﺳﻌﺔِ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻮلاﻫﺎ.. ﺗﺄﻣﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﺍﺳﺒﺢ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻭﺍﺳﺘﺒﺸﺮ ﺑﻪ ﺧﻴﺮﺍً، ﻭﺃﺩِّ ﺷﻜﺮ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﻮلاﻙ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺑﺄﻧﻚ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻘﻤﺖَ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ ﺗُﺴﺠّﻞ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺘﻬﺎ ﺃﻭلا ﻧﺘﺎﺋﺞُ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﺬﻩ، ﻓﺘﻮﻫَﺐ ﻟﻚ ﺣﻴﺎﺓ ﺑﺎﻗﻴﺔ، ﻭﺗﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ: «ﻭَﻳُﻤﻴﺖُ»

ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬَﺐ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺃﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺮّﺣﻚ ﻣﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻳﺒﺪّﻝ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳُﻨﻘﺬﻙ ﻣﻦ ﻋﺐﺀ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﻳﺤﺮّﺭﻙ ﻣﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ. ﺃﻱ ﻳﺄﺧﺬﻙ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺼﺮﺥ ﻓﻲ ﺃﺫﻥ ﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﻦ ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺑُﺸﺮﺍﻛﻢ.. ﺍﻟﻤﻮﺕُ ﻟﻴﺲ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎً، ﻭلا ﻋﺒﺜﺎً ﻭلا ﺳﺪﻯ ﻭلا ﺍﻧﻘﺮﺍﺿﺎً، ﻭلا ﺍﻧﻄﻔﺎﺀً، ﻭلا ﻓﺮﺍﻗﺎً ﺃﺑﺪﻳﺎً .. ﻛـلا ﻓﺎﻟﻤﻮﺕ ﻟﻴﺲ ﻋﺪﻣﺎً، ﻭلا ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ، ﻭلا ﺍﻧﻌﺪﺍﻣﺎً ﺫﺍﺗﻴﺎً ﺑـلا ﻓﺎﻋﻞ.. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﺴﺮﻳﺢٌ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﻓﻌﺎﻝ ﺣﻜﻴﻢ ﺭﺣﻴﻢ، ﻭﺗﺒﺪﻳﻞُ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﺗﻐﻴﻴﺮُ ﻣﻘﺎﻡ، ﻭﺳَﻮﻕٌ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ.. ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻮﻃﻦُ ﺍلأﺻﻠﻲ.. ﺃﻱ ﻫﻮ ﺑﺎﺏُ ﻭﺻﺎﻝٍ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ.. ﻋﺎﻟﻢٌ ﻳﺠﻤﻊ ﺗﺴﻌﺔً ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺒﺎﺏ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ: «ﻭَﻫُﻮَ ﺣَﻲٌّ ﻟَﺎ ﻳَﻤُﻮﺕُ»

ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻠﻤﺤﺒﺔ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﺑﻤﺎ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻭﺻﻔُﻪ ﻭﺑﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّﻩ ﺣﺪﻭﺩ ﻭﻓﻮﻕ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻰ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ. ﻓﻮﻣﻀﺔٌ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺗﻌﺎﺩﻝ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ.. ﻫﺬﺍ ﺍلإﻟﻪ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏُ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﻟﻪ ﺣﻴﺎﺓٌ ﺃﺑﺪﻳﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻣﻨﺰّﻫﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﻇـلاﻝ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻣﺒﺮﺃﺓٌ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻋﻮﺍﺭﺽ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ.

ﺇﺫﻥ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻌﻠﻦ ﻟﻠﻤـلأ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺇﻟﻴﻜﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ.. ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻧﺴﻤﺔُ ﺃﻣﻞ ﻭﺧﻴﺮ، ﺇﻥ ﻟﻜﻢ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎً ﺃﺯﻟﻴﺎً ﺑﺎﻗﻴﺎً، ﻳﺪﺍﻭﻱ ﺍﻟﺠﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺘﻤﺨﻀﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﻋﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻜﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﻳﻤﺴّﻬﺎ ﺑﺒﻠﺴﻤﻪ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ ﺑﻤَﺮﻫﻢ ﺭﺣﻤﺘﻪ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍً، ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻫﻮ ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻓﻜﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻳﻬﻮﻥ.. ﻓـلا ﺗﻘﻠﻘﻮﺍ ﻭلا ﺗﺒﺘﺌﺴﻮﺍ. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻜﻢ ﻣﺸﻐﻮﻓﻴﻦ ﺑﺄﺣﺒﺎﺋﻜﻢ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ ﻟﻤﺤﺔٌ ﻣﻦ ﻇﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﺍﻧﺸﻖّ ﻋﻦ ﻇـلاﻝ ﺍﻟﺤُﺠﺐ ﻭﺍلأﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻟﺘﺠﻞٍ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ. ﻓـلا ﻳﻌﺬﺑﻨّﻜﻢ ﺯﻭﺍﻝُ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻭﻓﺮﺍﻗﻬﻢ، لأﻧﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺇﻟّﺎ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻋﺎﻛﺴﺔ. ﻭﺗﺒﺪﻳﻞُ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮُﻫﺎ ﻳﺠﺪّﺩ ﻭﻳﺠﻤّﻞ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺷﻌﺸﻌﺘِﻪ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍً، ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﺫﻥ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ: «ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮُ»

ﺃﻱ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠَّﻪ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭﺃﻋﻤﺎﻟُﻜﻢ ﺍﻟﺨﻴّﺮﺓ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺴﺠّﻞ ﻓﻲ ﺳﺠﻠﻪ، ﻭﻣﺎ ﺗﻘﺪﻣﻮﻩ ﻣﻦ ﺻﺎﻟﺤﺎﺕ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ ﺗﺪﺭَﺝُ ﻋﻨﺪﻩ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ، ﻭﺗﺰﻑّ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ، ﻭﺗﻬَﺐ ﻟﻬﻢ ﺍلأﻣﻞ ﻭﺍﻟﺸﻮﻕ ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ! لا ﺗﻘﻮﻟﻮﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻐﺎﺩﺭﻭﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺒﺮﺓ: «ﺃﻭﺍﻩ.. ﻭﺍ ﺃﺳﻔﺎﻩ.. ﻭﺍ ﺣﺴﺮﺗﺎﻩ، ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺒﺖ ﺃﻣﻮﺍﻟُﻨﺎ ﻫﺒﺎﺀً، ﻭﺿﺎﻉ ﺳﻌﻴُﻨﺎ ﻫﺪﺭﺍً، ﻓﺪﺧﻠﻨﺎ ﺿﻴﻖَ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺑﻌﺪ ﻓﺴﺤﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ!».. لا.. لا ﺗﺼﺮﺧﻮﺍ ﻳﺎﺋﺴﻴﻦ، لأﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﻣﺤﻔﻮﻅٌ ﻋﻨﺪﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺘﻤﻮﻩ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻭﺟﻬﺪ ﻗﺪ ﺳُﺠِّﻞ ﻭﺩُﻭِّﻥَ ﻋﻨﺪﻩ، ﻓـلا ﺷﻲﺀ ﻳﻀﻴﻊ ﻭلا ﺟُﻬﺪ ﻳُﻨﺴﻰ، لأﻥ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠِّﻪ ﺳﻴﺜﻴﺒﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ، ﻭﺳﻴﺪﻋﻮﻛﻢ ﻟﻠﻤﺜﻮﻝ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﻀﻌﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ.. ﻣﺜﻮﺍﻛﻢ ﺍﻟﻤﻮﻗﺖ.

ﻓﻤﺎ ﺃﺳﻌﺪَﻛﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺇﺫﻥ، ﻭﻗﺪ ﺃﺗﻤﻤﺘﻢ ﺧﺪﻣﺎﺗِﻜﻢ، ﻭﺃﻧﻬﻴﺘُﻢ ﻭﻇﺎﺋﻔَﻜﻢ، ﺑﺮﺋﺖ ﺳﺎﺣﺘُﻜﻢ.. ﻭﺍﻧﺘﻬﺖ ﺃﻳﺎﻡُ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﻭﺍلأﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ. ﻓﺄﻧﺘﻢ ﻣﺎﺿﻮﻥ ﺍلآﻥ ﻟﻘﺒﺾ ﺍلأﺟﻮﺭ ﻭﺍﺳﺘـلاﻡ ﺍلأﺭﺑﺎﺡ.

ﺃﺟﻞ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺻُﺤﻒ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺩﻓﺎﺗﺮُ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻭﺣﺠﺮﺍﺕ ﻭﻇﺎﺋﻔﻪ، ﻭﻧﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺰﺍﻫﻲ ﻭﻓﻲ ﺃﺑﻬﻰ ﺣُﻠّﺔ، ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﺄﻟﻖ، ﻭﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺑﺮﻛﺔ ﻭﻏﺰﺍﺭﺓ، ﻭﻓﻲ ﺃﺭﻭﻉ ﺻﻮﺭﺓ… ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ لا ﺭﻳﺐ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ﻭﻣﺼﺎﺋﺮِ ﺃﻋﻤﺎﻟﻜﻢ، ﻭﺳﻴﺠﺎﺯﻳﻜﻢ ﺑﻬﺎ ﺃﺣﺴﻦَ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﻭﺃﺟﺰﻝ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ: «ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻗَﺪﻳﺮٌ»

ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻭﺍﺣﺪٌ ﺃﺣﺪٌ. ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، لا ﻳﺸﻖّ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﻳﺆﻭﺩﻩ ﺷﻲﺀ، ﻭلا ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮ، ﻓﺨﻠﻖُ ﺭﺑﻴﻊ ﻛﺎﻣﻞ -ﻣﺜـلا- ﺳﻬﻞ ﻭﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺨﻠﻖ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻭﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﻛﺨﻠﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ. ﻓﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺟِﺪﻫﺎ ﻭﻳﺠﺪّﺩﻫﺎ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻛﻞ ﻋﺼﺮ، ﻟﺘﺸﻬﺪ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻤﻨﺢ ﺃﻣـلا ﻭﺑﺸﺮﻯ ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﺇﻥَّ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﻳﺘَﻬﺎ، ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺘَﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﻬﺎ، لا ﺗﺬﻫﺐ ﻫﺒﺎﺀً ﻣﻨﺜﻮﺭﺍً، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺩﺍﺭ ﺟﺰﺍﺀ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﻭﻣﻘﺎﻡُ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻫﺎﻧﺌﺔ ﻗﺪ ﻫﻴﺊ ﻟﻚ. ﻓﺄﻣﺎﻣُﻚ ﺟﻨﺔ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻣﺘﻠﻬﻔﺔ ﻟﻘﺪﻭﻣﻚ، ﻣﺸﺘﺎﻗﺔٌ ﺇﻟﻴﻚ. ﻓﺜﻖ ﺑﻮﻋﺪ ﺧﺎﻟﻘﻚ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺨﺮّ ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﺍً ﻋﺎﺑﺪﺍً، ﻭﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﻭﺍﻃﻤﺌﻦ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻒ ﻭﻋﺪﺍً ﻗﻄﻌَﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ لا ﺗﺸﻮﺏ ﻗﺪﺭﺗَﻪ ﺷﺎﺋﺒﺔٌ ﺃﻭ ﻧﻘﺺ، ﻭلا ﻳﺪﺍﺧﻞ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻪ ﻋﺠﺰٌ ﺃﻭ ﺿﻌﻒ، ﻓﻜﻤﺎ ﺧﻠﻖ ﻟﻚ ﺣﺪﻳﻘﺘَﻚ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻭﻳﺤﻴﻴﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﻓﻌـلا، ﻭﻭﻋﺪﻙ ﺑﻬﺎ. ﻭلأﻧﻪ ﻭﻋﺪَ ﻓﺴﻴﻔﻲ ﺑﻮﻋﺪﻩ ﺣﺘﻤﺎً ﻭﻳﺄﺧﺬﻙ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﻭﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺸﺮ ﻭﻳﻨﺸﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺃﻣﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﻣﻴﺰﺍﻥ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ.. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻗﺎﺩﺭ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﻥْ ﻳﻀﻊ ﻭﻋﺪﻩ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﻮﺟِﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﺁلاﻑ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﻟﻠﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺍلأﻧﻤﺎﻁ ﻭﺍلأﺷﻜﺎﻝ.. ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺃﻧﻪ ﻳﺒﺸّﺮ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﻋﻮﺩﺓ، ﻭﻳﻌِﺪ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ.. ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺟﻤﻴﻊُ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻪ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ ﺣﻘﺎً ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺻﺪﻗﺎً ﻭﺻﺎﺋﺒﺔ.. ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺟﻤﻴﻊُ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺩلالاﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﻘﺺ ﺃﻭ ﻗﺼﻮﺭ.. ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻧﻘﺾُ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻭﺧـلاﻑُ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﻃﻠﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻗﺒﺢ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻧﻘﺺ ﻭﻗﺼﻮﺭ.. ﻓـلا ﺑﺪ ﺃﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺳﻴﻨﻔّﺬ ﻭﻋﺪَﻩ ﺣﺘﻤﺎً ﻣﻘﻀﻴﺎً، ﻭﺳﻴﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏَ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺳﻴﺪﺧﻠﻜﻢ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔَ.. ﻣﻮﻃﻦَ ﺃﺑﻴﻜﻢ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ: «ﻭَﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺍﻟْﻤَﺼﻴﺮُ»

ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺮﺳﻠﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.. ﺩﺍﺭ ﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍلاﺧﺘﺒﺎﺭ، ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، ﺳﻴﺮﺟﻌﻮﻥ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺳِﻠﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺩّﻭﺍ ﻭﻇﺎﺋﻔَﻬﻢ ﻭﺃﺗﻤّﻮﺍ ﺗﺠﺎﺭﺗﻬﻢ ﻭﺃﻧﻬَﻮﺍ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﻢ، ﻭﺳﻴـلاﻗﻮﻥ ﻣﻮلاﻫﻢ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺳﻠﻬﻢ.. ﺃﻱ ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﺘﺸﺮﻓﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺜﻮﻝ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺑّﻬﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪ ﺻِﺪﻕ ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻴﻜﻬﻢ ﺍﻟﻤﻘﺘﺪﺭ، ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺣﺠﺎﺏ. ﻭﻗﺪ ﺧﻠُﺼﻮﺍ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﺽ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﻇـلاﻡ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ، ﻭﺳﻴﺠﺪ ﻛﻞُّ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺧﺎﻟﻘَﻪ ﻭﺭﺑﻪ ﻭﺳﻴﺪﻩ ﻭﻣﻠﻴﻜﻪ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺸﻊ ﺃﻣـلا ﻭﺗﺘﺄﻟﻖ ﺑﺸﺮﻯ ﺗﻔﻮﻕ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلآﻣﺎﻝ ﻭﺍﻟﺒﺸﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ، ﻭﺗﻘﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺖ ﺳﺎﺋﺮ؟ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺖ ﺗُﺴﺎﻕ؟

ﻓﻘﺪ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ»: ﺃﻥَّ ﻗﻀﺎﺀ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻣﺮﻓّﻬﺔ، لا ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺳﺎﻋﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺃﻥ ﻗﻀﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻭﺳﻨﺔ ﺑﺴﺮﻭﺭ ﻛﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻧﻌﻴﻢ ﺍﻟﺠﻨﺔ لا ﻳﺴﺎﻭﻱ! ﺳﺎﻋﺔً ﻣﻦ ﻓﺮﺣﺔ ﺭﺅﻳﺔ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻓﺄﻧﺖ ﺇﺫﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺭﺍﺟﻊٌ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﺻﺎﺋﺮٌ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﺘﺎﺏ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺣﻀﺮﺗﻪ. ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺃﺣﺒﺘﻚ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻳﻴﻦ، ﻓﺘﺸﺘﺎﻕ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻭﺗُﻔﺘَﻦ ﺑﻬﻢ، ﺑﻞ ﻣﺎ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﻟّﺎ ﻧﻮﻉُ ﻇﻞٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺣُﺴﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا. ﻓﺎﻟﺠﻨﺔُ ﺑﻠﻄﺎﺋﻔﻬﺎ ﻭﻟﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﻭﺣﻮﺭﻫﺎ ﻭﻗﺼﻮﺭﻫﺎ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﺗﺠﻞٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍلاﻧﺠﺬﺍﺏ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺫﺏ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻟﻤﻌﺔٌ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﻘﻴﻮﻡ! ﻓﺄﻧﺘﻢ ﺫﺍﻫﺒﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺣﻈﻮَﺗﻪ ﻭﻣﻘﺎﻡ ﺣﻀﺮﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ.. ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﺪﻋﻮﻭﻥ ﺇﺫﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺿﻴﺎﻓﺘﻪ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ.. ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ.

ﻓـلا ﺗﺤﺰﻧﻮﺍ ﻭلا ﺗﺒﻜﻮﺍ ﻋﻨﺪ ﺩﺧﻮﻟﻜﻢ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﺑﻞ ﺍﺳﺘﺒﺸﺮﻭﺍ ﺧﻴﺮﺍً ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻠﻮﻩ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻭﻓﺮﺡ.

ﻭﺗﺘﺎﺑﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺚ ﻧﻮﺭ ﺍلأﻣﻞ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ﻭﺗﻘﻮﻝ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! لا ﺗﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻚ ﻣﺎﺽٍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺍﻟﻌﺒﺚ، ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺘﻔﺴﺦ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻄﻢ، ﻭﺍلاﻧﻬﺸﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﺍلإﻧﻌﺪﺍﻡ. ﺑﻞ ﺃﻧﺖ ﺫﺍﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ لا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﺴﻮﻕٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ لا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﺎﺽٍ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ لا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ، ﻭﺃﻧﺖ ﺳﺎﺋﺮ ﻧﺤﻮ ﻣﻮلاﻙ ﻭﻣﺎﻟﻜﻚ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﺋﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ.. ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.. ﺳﺘﺮﺗﺎﺡ ﻭﺗﻨﺸﺮﺡ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺃﺑﺪﺍً، ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺘﻮﺟﻪٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺻﺎﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻌﺎﺩ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ!.

المكتوب التاسع عشر

ﺗﺒﻴّﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺪﺍﻟﺔِ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗُﺒﻴّﻨُﻬﺎ ﺗُﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ، ﻭﻋﻄﻴﺔٌ ﻣﻦ ﻋﻄﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻫﻲ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺧﺎﺭﻗﺔً ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻥ ﺗﺄﻟﻴﻔَﻬﺎ ﺣَﺪَﺙٌ ﺧﺎﺭﻕ ﺑـلا ﺷﻚ، ﺣﻴﺚ ﺃُﻟّﻔﺖْ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻟﻤﺼﺪﺭ، ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻓﻘﻂ ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﻟـلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﺤﻴﻔﺔ. ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻛُﺘﺒﺖْ ﻋﻠﻰ ﻏﻮﺍﺭﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺑﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻭﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ، ﺧـلاﻝ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻭﺑﻤﻌﺪﻝ ﺛـلاﺙ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻳﻮﻣﻴﺎً، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﺎﻋﺔ!.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥ ﻣﺴﺘﻨﺴﺨَﻬﺎ لا ﻳﻤﻞّ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺧﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﺳﺘﻨﺴﺦ ﻣﻨﻬﺎ. ﻭﻣﺪﺍﻭﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻓﻴﻬﺎ لا ﺗُﺬﻫِﺐُ ﺣـلاﻭﺗﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﻃﻮﻟﻬﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺃَﺛﺎﺭﺕْ ﻫِﻤﻢَ ﺍﻟﻜﺴﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ، ﻓﻜﺘﺒﻮﺍ -ﺣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ- ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻧﺴﺨﺔ، ﺧـلاﻝ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻌﺼﻴﺐ، ﻣﻤﺎ ﺃَﻋﻄﻰ ﻟﻠﻤﻄّﻠﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻇﺮﻭﻓﻨﺎ ﻗﻨﺎﻋﺔً ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓٌ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ «ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ» صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻟﻔﻆ «ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ» ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﻗﺪ ﺗﻮﺍﻓﻘﺖ ﻋﻨﺪ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﻓﻖ، ﻭﺣﺼﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖُ ﻧﻔﺴُﻪ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻫﺆلاﺀ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖُ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ. ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ لا ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺑﻞ ﺣَﻜَﻢ ﻛﻞُّ ﻣَﻦ ﺍﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺳﺮٌ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ.

ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺪﺭ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔٌ ﺟﺪﺍً، ﻭﺃﻥ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔً ﻭﻣﻘﺒﻮﻟﺔً ﻟﺪﻯ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﻬﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﺍلأﻛﺜﺮ ﺛﺒﻮﺗﺎً ﻭﻗﻄﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ.

ﻓﻠﻮ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﺒﻴﺎﻥ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ لاﺣﺘﺠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺜﻠَﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻧﻬﻴﺐ ﺑﺎﻟﻤﺸﺘﺎﻗﻴﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﻲ ﻳﻠﻤﺴﻮﺍ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ.

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

   ﺗﻨﺒﻴﻪ

ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺭﺩﺕُ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚَ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻱّ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﺈﻥ ﺃَﺧﻄﺄْﺕُ ﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻠﻴُﺼﺤّﺢْ ﺃﻭ ﻟﻴُﺤﻤﻞْ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺇﺫ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ: ﺃﻧﻪ ﺗﺠﻮﺯ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﺮﺍﻭﻱ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻠﻔﻆٍ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ، ﻓﻤﺎ ﻭُﺟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ، ﻓﻠﻴُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ  ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ .

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

المعجزات الأحمدية

 عـﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺃﺗﻢ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ

باسمه سبحانه

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:28-29)

    [ﻧﻈﺮﺍً ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻜﻠﻤﺘﻴﻦ «ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺘﻴﻦ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﺑﺈﺛﺒﺎﺕ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺑﺪلاﺋﻞ ﻗﺎﻃﻌﺔ، ﻧﺤﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻗﻀﻴﺔَ ﺍلإﺛﺒﺎﺕ ﻭﻧﺒﻴّﻦ ﻫﻨﺎ -ﺗﺘﻤﺔً ﻟﻬﻤﺎ- ﻟﻤﻌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺿﻤﻦ «ﺗﺴﻊ ﻋﺸﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ»].

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

لا ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺭﺑَّﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻖ ﻋﻦ ﻋﻠﻢٍ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺔ، ﻭﻳﺪﻳﺮ ﻛﻞَّ ﺟﻬﺔ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ، ﻭﻳﺮﺑّﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﻭﺑﺼﻴﺮﺓ، ﻭﻳﺪﺑّﺮ ﺍلأﻣﺮ ﻗﺎﺻﺪﺍً ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺍﺀﻯ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖُ ﻳﻌﻠﻢ، ﻓﺎﻟﻌﺎﻟِﻢُ ﻳﺘﻜﻠﻢ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺳﻴﺘﻜﻠﻢ، ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻛـلاﻣُﻪ ﺣﺘﻤﺎً ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻳﻔﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ، ﺑﻞ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺃﺟﻤﻌُﻬﻢ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ. ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻛـلاﻣُﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﻧﻮﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺴﻴﺘﻜﻠﻢ، ﺇﺫﻥ ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺃﻫﻞٌ ﻟﻠﺨﻄﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻭﺃَﺭﻓﻊَ ﺃﺧـلاﻕ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺃﻫﻞٌ لأﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻗﺪﻭﺓ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺃﺋﻤﺔً ﻟﻪ. ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻬِﺪ ﺑﺤﻘّﻪ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀُ ﻭﺍﻟﺨﺼﻤﺎﺀُ ﺑﺄﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐُ ﺃﺳﻤﻰ ﺃﺧـلاﻕ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺪﻯ ﺑﻪ ﺧُﻤﺲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻧﺼﻒُ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺍﺳﺘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺑُﻌﺚَ ﺑﻪ ﻃﻮﺍﻝ ﺛـلاﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠّﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﻭﻣﺎً ﻭﻳﺪﻋﻮﻥ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺐ، ﻭﻳﺠﺪﺩﻭﻥ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔَ ﺧﻤﺲ ﻣﺮﺍﺕ ﻳﻮﻣﻴﺎً، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻠّﻢ ﻣﻌﻪ ﻓﻌـلا. ﻭﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮﻟَﻪ ﺣﺘﻤﺎً ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻌـلا. ﻭﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻗﺪﻭﺓً ﻭﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻌـلا.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟﻘﺪ ﺃﻋﻠﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻨﺒﻮﺓَ، ﻭﻗﺪّﻡ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺃَﻇﻬﺮ ﻧﺤﻮ ﺃﻟﻒٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺛﺎﺑﺘﺔٌ ﻗﻄﻌﻴﺔ ﻛﻘﻄﻌﻴﺔ ﺛﺒﻮﺕ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺭﺩﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍلأﻟﺪَّﺍﺀ ﻟﻴﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃَﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮﻭﺍ ﻭﻗﻮﻉَ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﻟﻢ ﻳﺴَﻌﻬﻢ ﺫﻟﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃَﺳﻨﺪﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴِﺤﺮ ﺧﺪﺍﻋﺎً لأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﺗﻐﺮﻳﺮﺍً ﺑﺄَﺗﺒﺎﻋﻬﻢ.    ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻟﻠﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻗﻄﻌﻴﺔً ﺗﺎﻣﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﻗﻮﺓَ ﻣﺎﺋﺔ ﺗﻮﺍﺗﺮٍ، ﻓـلا ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭﻫﺎ ﻗﻂ.

ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓُ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺗﺼﺪﻳﻖٌ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﺪﻋﻮﻯ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻱ ﻛﺄَﻥَّ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻡ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ: ﺻﺪﻕ ﻋﺒﺪﻱ ﻓﺄَﻃﻴﻌﻮﻩ.

ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻠﺘﻮﺿﻴﺢ:

ﻟﻮ ﻛﻨﺖَ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ، ﻭﻗﻠﺖَ ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻚ: ﻟﻘﺪ ﻋﻴّﻨﻨﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﻋﺎﻣـلا ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻔـلاﻧﻲ، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﻠﺒﻮﺍ ﻣﻨﻚ ﺩﻟﻴـلا ﻋﻠﻰ ﺍﺩّﻋﺎﺋﻚ ﺃَﻭﻣﺄَ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﺑﻨﻔﺴﻪ: ﺃَﻥْ ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻋﺎﻣـلا. ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺻﺪﻕ ﻟﻚ؟. ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ لأﺟﻠﻚ ﻋﺎﺩﺍﺗِﻪ ﻭﺑﺪَّﻝ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨَﻪ ﻟﺮﺟﺎﺀٍ ﻣﻨﻚ؟ ﺃﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﺃﻗﻮﻯ ﻟﺪﻋﻮﺍﻙ ﻭﺃﺛﺒﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ: ﻧﻌﻢ؟

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﺇﺫ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻨﻲ ﺭﺳﻮﻝٌ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ. ﻭﺃﻣﺎ ﺩﻟﻴﻠﻲ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺒﺪّﻝ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨَﻪ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺋﻲ ﻭﺩﻋﺎﺋﻲ ﻭﺗﻮﺳﻠﻲ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻫَﺎﻛُﻢْ ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺃَﺻﺎﺑﻌﻲ، ﺇﻧَّﻪ ﻳﻔﺠّﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺀَ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻔﺠّﺮ ﻣﻦ ﺧَﻤﺲِ ﻋﻴﻮﻥ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﺇﻧﻪ ﻳﺸﻘّﻪ ﻟﻲ ﺷﻘﻴﻦ ﺑﺈﺷﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺇﺻﺒﻌﻲ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻛﻴﻒ ﺗﺄﺗﻲ ﺇﻟﻲّ ﻟﺘﺼﺪِّﻗﻨﻲ ﻭﺗﺸﻬﺪَ ﻟﻲ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺸﺒﻊ ﻣﺎﺋﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺭﺟﻞٍ! ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻇﻬﺮ صلى الله عليه وسلم ﻣﺌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﻫﺬﻩ.

ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥَّ ﺩلاﺋﻞ ﺻﺪﻕِ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻭﺑﺮﺍﻫﻴﻦَ ﻧﺒﻮﺗﻪ لا ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ، ﺑﻞ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻮﻥ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ، ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ، ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ، ﻭﺃﻗﻮﺍﻟﻪ، ﻭﺃﺧـلاﻗﻪ، ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻩ، ﻭﺳﻴﺮﺗﻪ، ﻭﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺜﺒﺖ ﺇﺧـلاﺻﻪَ ﻭﺻﺪﻗَﻪ. ﺣﺘﻰ ﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﻌﺘﻪ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ: «ﻓﻠﻤﺎ ﺍﺳْﺘَﺒﻨﺖُ ﻭﺟﻬَﻪُ ﻋﺮﻓﺖُ ﺃﻥَّ ﻭﺟﻬَﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺟﻪ ﻛﺎﺫﺏ».

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻗﺪ ﺫﻛﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍلأﻟﻒَ ﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﻧﺒﻮﺗﻪ ﻭﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻟﻮﻓﺎً ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻣﺌﺎﺕِ ﺍلأﻟﻮﻑ. ﻭﻟﻘﺪ ﺻﺪّﻕ ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ ﻣﺌﺎﺕُ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ. ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺣﺪﻩ ﻳﻈﻬﺮ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻋﺪﺍ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﺟﻬﺎً.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻣﺤﻘَّﻘﺔٌ ﻭﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻭﺃﻥّ ﻣﺌﺎﺕِ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺟﺎﺀﻭﺍ ﻓﺄﻋﻠﻨﻮﺍ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓَ، ﻭﻗﺪّﻣﻮﺍ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎً ﻭﺗﺄﻳﻴﺪﺍً ﻟﻬﺎ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺛﺒﺖَ ﻭﺁﻛﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، لأﻥ ﻣﺪﺍﺭَ ﻧﺒﻮﺓ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻬﻢ ﻣﻊ ﺃﻣﻤﻬﻢ ﻭﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﻭﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻣﻮﺳﻰ ﻭ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺄﺗﻢ ﺻﻮَﺭِﻫﺎ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻋﻠﺔَ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺳﺒَﺒﻬﺎ ﺃَﻛﻤﻞ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻓﺈﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ لا ﻣﺤﺎﻟﺔَ ﺛﺎﺑﺖٌ ﻟﻪ ﺑﻘﻄﻌﻴﺔٍ ﺃﻭﺿﺢ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﺟﺪﺍً ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔٌ ﺟﺪﺍً، ﻭﺫﻟﻚ لأﻥ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﺎﻣﺔٌ ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕٌ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻪ، ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﻝ:

ﻟﻮ ﻗَﺪِﻡ ﺳﻔﻴﺮٌ ﻛﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻋﺎﻣﺮﺓٍ ﺑﺄﻗﻮﺍﻡ ﺷﺘﻰ، ﺣﺎﻣـلا ﻟﻬﻢ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞَّ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﺘُﻮﻓﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﻤﺜـلا ﻋﻨﻬﺎ لاﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﺎ.

ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺷﺮَّﻑ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮُ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻟﻤﻠﻚ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ، ﻭﻧﻮَّﺭَﻩ ﺑﻘﺪﻭﻣﻪ، ﻣﺒﻌﻮﺛﺎً ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﺣﺎﻣـلا ﻣﻌﻪ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﻧﻴّﺮﺓ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﺟﺎﺀﻩ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣَﻦ ﻳﺮﺣّﺐ ﺑﻤَﻘﺪﻣﻪ ﻭﻳﻬﻨﺆﻩ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﻳﻘﺪِّﻡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓَ ﻃﺎﺋﻔﺘﻪ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ، ﻭﺗﺮﺣﻴﺒﺎً ﺑﻬﺎ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﺠﺮ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﻘﻤﺮ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻓﻜﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺮﺩﺩ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ: ﺃﻫـلا ﻭﻣﺮﺣﺒﺎً ﺑﻤﺒﻌﺜﻚ.

ﺇﻥ ﺑﺤﺚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻠﺪﺍﺕ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﻭﺗﻨﻮّﻋِﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﺃﻟّﻒ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀُ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻣﺠﻠﺪﺍﺕ ﺿﺨﻤﺔً ﺣﻮﻝ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺈﺷﺎﺭﺍﺕٍ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﻄﻌﻲُّ ﺍﻟﺜﺒﻮﺕ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺗﺮ ﻣﻌﻨﻰً ﻣﻦ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ.

ﺇﻥ ﺩلاﺋﻞ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳُﻤّﻴﺖ ﺑﺎلإﺭﻫﺎﺻﺎﺕ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻌﺖ ﻗﺒﻞَ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻭﻗﺖَ ﺍﻟﻮلاﺩﺓ.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:

  ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﺑﻌﺪﻩ صلى الله عليه وسلم ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻟﻨﺒﻮﺗﻪ.

  ﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ: ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ صلى الله عليه وسلم. ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ ﻭﺳﻴﺮﺗﻪ ﻭﺻﻮﺭﺗِﻪ ﻭﺃﺧـلاﻗِﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝِ ﻋﻘﻠﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭٍ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﻗﺴﻢ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻭﻗﺮﺁﻧﻲ. ﻭﻗﺴﻢ ﻣﺎﺩﻱ ﻭﻛﻮﻧﻲ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻗﺴﻤﺎﻥ ﺃﻳﻀﺎً:

  ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﺧـلاﻝ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻟﻜﺴﺮ ﻋﻨﺎﺩ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺃﻭ ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺇﻳﻤﺎﻥِ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ؛ ﻛﺎﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻧﺒﻌﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻭﺇﺷﺒﺎﻉ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﺑﻄﻌﺎﻡ ﻗﻠﻴﻞ، ﻭﺗﻜﻠّﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺸﺠﺮ ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻧﻮﻋﺎً، ﻛﻞُّ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺗﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﻟﻜﻞِّ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻋﺪﺓ ﻣﻜﺮﺭﺓ.

ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ صلى الله عليه وسلم ﻗﺒﻞ ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ، ﺑﻤﺎ ﻋﻠّﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻇﻬﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺗﺤﻘﻘﺖ ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮ.

ﻭﻧﺤﻦ ﺍلآﻥ ﻧﺴﺘﻬﻞّ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﺮﺱ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ﻋﺎﻡ.

(حاشية) ﺁﺳﻒ لأﻧﻲ ﻟﻢ ﺍﺳﺘﻄﻊ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻧﻮﻱ، ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺒﺖُ ﻛﻤﺎ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺩﻭﻧﻤﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ. ﻭﻟﻢ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ.

المكتوب الثامن عشر

 باسمه سبحانه

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

    (ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺛـلاﺙ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻣﻬﻤﺔ)

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥَّ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀَ ﻣﺸﻬﻮﺭﻳﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ (ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻴﺔ» ﻭﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺠﻴﻠﻲ (ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ) ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ» ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺴﺒﻊ، ﻭﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﺧﻠﻒ ﺟﺒﻞ ﻗﺎﻑ، ﻭﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻛﺎﻟﻤﺸﻤﺸﻴﺔ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ- ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ! ﻓﻬﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ﺻﺪﻕٌ ﻭﺻﻮﺍﺏ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ! ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺗﻨﻜﺮ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ! ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺃﻗﻮﺍﻟُﻬﻢ ﺻﻮﺍﺑﺎً ﻓﻜﻴﻒ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀَ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ، ﺇﺫ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ!.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻢ ﺃﻳﻀﺎً ﺃَﻫﻞُ ﻭلاﻳﺔ ﻭﺷﻬﻮﺩ، ﻓﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﻩ ﻓﻘﺪ ﺭﺃَﻭﻩ ﺣﻘﺎً، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻓﻲ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﻢ، ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺣﺪﻭﺩ، ﻭﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺣﻖّ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ.

ﺇﺫ ﻛﻤﺎ لا ﻳﺤﻖ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺎﻩ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢُ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻥْ ﻳﻌﺒّﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ، ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺤﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻢ ﻭﺭﺛﺔُ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﺑﺎلأﺻﻔﻴﺎﺀ. ﻭلا ﺭﻳﺐ ﺃﻥَّ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻫﺆلاﺀ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻗَﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺳﻴﺪﺭﻛﻮﻥ ﺃﺧﻄﺎﺀﻫﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺈﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻳﺼﺤﺤﻮﻧﻬﺎ. ﻭﻗﺪ ﺻﺤﺤﻬﺎ ﻓﻌـلا ﻗﺴﻢٌ ﻣﻨﻬﻢ.

ﻓﺎﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻲ:

ﺍﺻﻄﺤﺐَ ﺭﺍﻋﻴﺎﻥِ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺼَّـلاﺡ ﻓﺤﻠﺒﺎ ﻣﻦ ﻏﻨﻤﻬﻤﺎ ﺍﻟﻠﺒﻦَ ﻭﻭﺿﻌﺎﻩ ﻓﻲ ﺇﻧﺎﺀ ﺧﺸﺒﻲ ﻭﻭﺿﻌﺎ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺍﻟﻘﺼﺒﻲ ﻓﻮﻕ ﺣﺎﻓﺘﻲ ﺍﻟﺼﺤﻦ. ﺛﻢ ﺷﻌﺮ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﻌﺎﺱ، ﻭﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﺃﻥ ﻏﻠﺒَﻪ ﺍﻟﻨﻮﻡُ، ﻓﻨﺎﻡ ﻭﺍﺳﺘﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﻣﺴﺘﻴﻘﻈﺎً ﻳﺮﻗﺐ ﺻﺎﺣﺒَﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺮﻯ ﻭﻛﺄﻥ ﺷﻴﺌﺎً ﺻﻐﻴﺮﺍً -ﻛﺎﻟﺬﺑﺎﺑﺔ- ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺃﻧﻒ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ، ﺛﻢ ﻳﻤﺮُﻕ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ ﺍلإﻧﺎﺀ ﻧﺎﻇﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻓﻮﻫﺔ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻓﻮﻫﺔ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ، ﺛﻢ ﻳﻤﻀﻲ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺛﻘﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﺍﻟﺸﻮﻛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.

ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺑﻌﺪ ﻣﺪﺓ ﻭﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻨﻪ، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﻪ.. ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻪ، ﻭﻳﺼﺤﻮ ﻗﺎﺋـلا ﻟﺼﺪﻳﻘﻪ:

– ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﻲ ﻏﻔﻮﺗﻲ ﻫﺬﻩ ﺭﺅﻳﺎ ﻋﺠﻴﺒﺔ!

– ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺭﻧﺎ ﺧﻴﺮﺍً ﻭﺃﺳﻤِﻌﻨﺎ ﺧﻴﺮﺍً.. ﻗﻞ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻣﺎﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ؟

– ﺭﺃﻳﺖ ﻭﺃﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ، ﺑﺤﺮﺍً ﻣﻦ ﻟﺒﻦ، ﻭﻗﺪ ﻣُﺪَّ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺴﺮٌ ﻋﺠﻴﺐ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻣﺴﻘﻔﺎً، ﻭﻟﺴﻘﻔﻪ ﻧﻮﺍﻓﺬ، ﻣﺮﺭﺕُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻏﺎﺑﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺫﺍﺕ ﺃﺷﺠﺎﺭ ﻣﺪﺑﺒﺔ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً ﺭﺃﻳﺖ ﻛﻬﻔﺎً ﺗﺤﺖ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻛﻨﺰﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﺧﺎﻟﺺ.

ﻓﻘﻞ ﻟﻲ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ، ﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎﻱ ﻫﺬﻩ، ﻭﻛﻴﻒ ﺗﻌﺒّﺮﻫﺎ ﻟﻲ؟ ﺃﺟﺎﺑﻪ ﺻﺪﻳﻘُﻪ ﺍﻟﺼﺎﺣﻲ:

– ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘَﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺎﺀ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻮﻗﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺎﻱ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﻮﻕ ﺣﺎﻓﺘﻴﻪ، ﻭﺍﻟﺮﺅﻭﺱ ﺍﻟﻤﺸﻮﻛﺔ ﻟﻸ ﺷﺠﺎﺭ ﻫﻲ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ ﻫﺬﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻫﻮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺜﻘﺐ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﺗﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺒﺘﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﺎ. ﻓﻬﺎﺕ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺍﻟﻤﻌﻮَﻝ لأﺭﻳﻚ ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺑﻨﻔﺴﻲ. ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻮَﻝ ﻭﻳﺒﺪﺁﻥ ﺍﻟﺤﻔﺮ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﺘﺎﺩ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺒﺜﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﺪﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻛﻨﺰ ﺫﻫﺒﻲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻪ ﺻﻮﺍﺏ ﻭﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺻﺪﻗﺎً، ﻭﻟﻜﻦ لأﻧﻪ ﻣﺴﺘﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ، ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻪ ﻭلا ﺣﺪﻭﺩ، ﻓـلا ﻳﺤﻖ ﻟﻠﺮﺍﺋﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺅﻳﺎﻩ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻟﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻪ ﺧﻄﺄ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺻﺎﺩﻗﺎً: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﺤﺮﺍً ﻣﻦ ﻟﺒﻦ. ﻭﻟﻜﻦ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻞ ﺻﺎﺣﻴﺎً ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻭﻳﻔﺮﺯﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﻠﻪ ﺣﻖ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻗﺎﺋـلا:

– ﺇﻥَّ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺣﻖ ﻭﺻﺪﻕ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺃﻳﺘَﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﺮﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺻﺎﺭ ﺇﻧﺎﺀُ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﺍﻟﺨﺸﺒﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﻛﺄﻧﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﻭﺻﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﻱُ ﻛﺎﻟﺠﺴﺮ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ، ﻓﻠﻮ ﻣﺰﺟﺎ ﻣﻌﺎً، ﺗﺄﺗﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣُﻬﻤﺎ ﺧﻄﺄً ﻭلا ﻧﺼﻴﺐَ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺔ.

ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﻫَﺐْ ﺃﻥ ﻟﻚ ﻏﺮﻓﺔً ﺿﻴﻘﺔ، ﻭﺿﻌﺖَ ﻓﻲ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﺗﻐﻄﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭَ ﻛﻠَّﻪ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻏﺮﻓﺘﻚ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻗﺪ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻔﺴﻴﺤﺔ، ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻠﺖَ:

– ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻛﺴﺎﺣﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ.. ﻓﺈﻧﻚ لا ﺷﻚ ﺻﺎﺩﻕ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻚ.

– ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺣﻜﻤﺖَ ﻭﻗﻠﺖ:

– ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻭﺍﺳﻌﺔٌ ﺳﻌﺔَ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﻓﻌـلا.. ﻓﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄﺕَ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻚ، لأﻧﻚ ﻗﺪ ﻣﺰﺟﺖ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﺑﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻋﺎﻟَﻢ ﻏﺮﻓﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻌـلا.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺒﻴّﻦَ ﺃﻥَّ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﺃﻭ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻟﻠﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺰِﻧﻮﺍ ﺑﻴﺎﻧﺎﺗِﻬﻢ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ لا ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ ﻟﻸ ﺭﺽ. ﺇﺫ ﻗﺎﻟﻮﺍ:

ﺇﻥ ﻃﺒﻘﺔً ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺧﺎﺻﺔٌ ﺑﺎﻟﺠﻦ ﻭﺍﻟﻌﻔﺎﺭﻳﺖ ﻭﻟﻬﺎ ﺳﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌُﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻴﻦ لا ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺴﻌﺔ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﺃﻥَّ ﻛﺮﺗﻨﺎ ﺍلأﺭﺿﻴﺔَ ﻛﺒﺬﺭﺓ ﺻﻨﻮﺑﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓﺈﻥَّ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻛﺸﺠﺮﺓ ﺻﻨﻮﺑﺮ ﺿﺨﻤﺔ ﺟﺪﺍً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻴﺮﻫﻢ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺍﺳﻌﺔً ﺳﻌﺔً ﻣﻬﻮﻟﺔ ﺟﺪﺍً، ﻓﻴﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻬﺎ ﺑﺴﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ. ﻓﻤﺎ ﻳﺮﻭﻧَﻪ ﺻﺪﻕٌ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ. ﻭﻟﻜﻦ لأﻥ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺷﺒﻴﻪٌ ﺻﻮﺭﺓً ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻭﻧﻬﻤﺎ -ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻤﻴﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ- ﻣﻤﺰﻭﺟﻴﻦ ﻣﻌﺎً. ﻓﻴﻌﺒّﺮﻭﻥ ﻋﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ. ﻭﻟﻜﻦ لأﻥَّ ﻣﺸﻬﻮﺩﺍﺗِﻬﻢ ﻏﻴﺮُ ﻣﻮﺯﻭﻧﺔ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻳﺴﺠﻠﻮﻧَﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﺤﻮ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﺧـلاﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻟﻘﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺣﺪﻳﻘﺔ ﻓﻴﺤﺎﺀ ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻪ ﻣﺮﺁﺓٌ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻌﺔُ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ، ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔُ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ.

 خـﺍﺗﻤﺔ

ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ: ﺃﻥَّ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺃﻭﻃﺄُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ. ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻜﺸﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺿﻮﺍﺑﻂَ ﻟﻬﺎ ﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﻮﺩﻫﻢ ﻓﻘﻂ، لا ﺗﺒﻠﻎ ﺃﺣﻜﺎﻡَ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﻭﺭﺛﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺴﺘﻨﺪﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﻮﺣﻲ، ﻓﻴﺼﺪﺭﻭﻥ ﺃﺣﻜﺎﻣَﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺪﻳﺪﺓ. ﻓﻬﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﺻﺎﻓﻴﺔٌ لا ﺷﺎﺋﺒﺔَ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻲ ﻣﺤﺪﺩﺓٌ ﺑﻀﻮﺍﺑﻂ، ﻭﻣﻮﺯﻭﻧﺔٌ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ.

ﺇﺫﻥ ﻓﻤﻴﺰﺍﻥُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ: ﺩﺳﺎﺗﻴﺮُ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦُ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﺳﻴﺔ.

   ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ

ﺳﺆﺍﻝ: ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ «ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻣﻦ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮﺍً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻭﻥ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺃﺋﻤﺔ ﺁﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻮﻥ ﺑﺂﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﺍلأﺋﻤﺔ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ، ﻭلا ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ. ﻓﻬﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺗﻮﺍ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻛﺘﺸﻔﻮﺍ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﺭﻓﻊ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ؟ ﻭﻫﻞ ﺳﺒَﻘﻮﻫﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻀﻤﺎﺭ؟!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻛـلا.. ﻭﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻭﺭ ﺃﺣﺪ ﻛﺎﺋﻨﺎً ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺃﻥْ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﺮﺏَ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟـلاﻣﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻛﻨﻮﺯ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺒﻘﻮﻫﻢ. ﻓﺎﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻘُﻬﻢ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻬﺠﻬﻢ.

ﺃﻣﺎ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺮﺏٌ ﻭﻧﺰﻋﺔٌ ﻭﺣﺎﻝ ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻧﺎﻗﺼﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﺸﺮّﺑﺔ ﺑﻠﺬﺓ ﻭﺟﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﻧﺸﻮﺓ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ لا ﻳﺮﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﺩﺭﺗﻬﺎ ﻓﻴﺒﻘﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻇﺎﻧﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺴﻤﻮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻭلا ﻳﻄﺎﻟﻬﺎ ﺃﻓﻖ. ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥَّ ﺻﺎﺣﺐَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺭﻭﺡ ﻣﺘﺠﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻭﻣﺰﻗﺖ ﺳﺘﺎﺭَ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺗﺤﺮﺭﺕ ﻣﻦ ﻗﻴﻮﺩﻫﺎ ﻭﻧﺎﻟﺖ ﺷﻬﻮﺩﺍً ﻓﻲ ﻟُﺠّﺔ ﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺍﻟﻜﻠﻲ، ﻓﺈﻥّ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﺎﻟﻲ لا ﻋﻠﻤﻲ، ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺷﻬﻮﺩ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺘﺤﻘﻖ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎلا ﻭﻣﻘﺎﻣﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻪ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻏﺮﻗَﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ. ﻓﺈﻥَّ ﺍﺩﻋﺎﺀﻩ ﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻗﺪ ﺗﺆﺩﻱ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻜﻮﻥ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻣﻨﺤﺼﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﻮﻥ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁَ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻬﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥَّ  ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺘﺔ  ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺍلأﺩﺏ ﺍﻟـلاﺋﻖ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ:١١) ﺃﻱ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺒﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﺤﻴﺰ ﻭﺍﻟﺘﺠﺰﺅ. ﻭﺃﻥَّ ﻋـلاﻗﺘَﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻋـلاﻗﺔُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻭﻫﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﻳﺪّﻋﻲ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺑﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﺇﺫﻥ ﻓﻠﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻗﻮﻟُﻬﻢ «ﻫﻤﻪ ﺍﻭﺳﺖ» ﺃﻱ «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇلا ﻫﻮ» ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ «ﻫﻤﻪ ﺍﺯ ﺍﻭﺳﺖ» ﺃﻱ «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻣﻨﻪ» ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕِ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢَ ﻧﻔﺴَﻪ، ﺃﻱ ﺃﺯﻟﻴﺔ.

ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﺑﻤﺜﺎﻟﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎً، ﻭﺃﻥَّ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﺍﺋﺮﺓَ ﻋﺪﻝ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻤﺜﻠﺔ لاﺳﻢ «ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ». ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻮ «ﺧﻠﻴﻔﺔ» ﺇﺫﻥ ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﺩﺍﺋﺮﺓً ﺗﻌﻜﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺠﻴﺶ» ﻟﺬﺍ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺍلاﺳﻢ. ﻓﺎﻟﺠﻴﺶ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلاﺳﻢ. ﻭﺍلآﻥ ﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻫﻮ «ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ» ﻓﻘﻂ ﻭﺃﻧﻪ لا ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻮﻯ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلاﻋﻈﻢ، ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺻﻔﺔٌ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔ -ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ- لأﻭﺻﺎﻑ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﻢ، ﺃﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳُﺘَﺼﻮَّﺭَ ﺻﻔﺔٌ ﻇﻠﻴﺔ ﻭﺗﺎﺑﻌﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺇﺫ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﺣﻮﺍﻟُﻬﺎ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺗُﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻇﻠﻲ ﻭﻓﺮﺿﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﻫﻜﺬﺍ.

ﺇﺫﻥ ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺻﻔﺔ ﺣﺎﻛﻤﻴﺘﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ «ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ» ﻭﺣﺎﻛﻤﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﻝ، ﺃﻣﺎ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺜﻞ «ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ» ﻭ«ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺠﻴﺶ»… ﺇﻟﺦ، ﻓﺘﺒﻘﻰ ﻧﺴﺒﻴﺔً ﻭﻏﻴﺮَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﺎﻫﻴﺔُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻫﻲ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺩﻭﺍﺋﺮَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﺳﻤﺎﺀٍ ﺣﺴﻨﻰ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔٍ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓٍ ﻟﻬﺎ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ، ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ، ﺍﻟﺨـلاﻕ، ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ، ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻬﺎ.

ﻭﺍلآﻥ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ» ﻭﻳُﻨﺰِﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻨﺰﻟﺔَ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻓﺈﻥَّ ﺍﺳﻤﺎﺀَ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﺍلأﺣﺪ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﺣﺘﻰ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﻣﺮﺍﻳﺎﻫﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً -ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻭﻋﺪﻣﻴﺔ- ﻓـلا ﺗﻀﺮ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀَ ﺷﻴﺌﺎً، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺃﺻﻔﻰ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻪ ﻟﻮﻥُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ لا ﺗﺠﺪ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ، ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ، ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ، ﺍﻟﺨـلاﻕ، ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ. ﺑﻞ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻳﺔً ﻭﻧﺴﺒﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻫﻲ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻛﺎﺳﻢ  ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ  ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻇـلا، ﻭﻫﻲ ﺃﺻﻠﻴﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﺎﺑﻌﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥَّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔَ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ «ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺛﺎﺑﺘﺔ» ﻳُﻘﺮّﻭﻥ ﺑﺄﻥَّ لأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺃﻥ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻋﺮَﺿﻴﺎً ﺃﺳﺒﻐﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ. ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻋﺮَﺿﻴﺎً ﻭﺿﻌﻴﻔﺎً ﻭﻇـلا ﻏﻴﺮَ ﺩﺍﺋﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ «ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻭَﻫﻤﺎً ﻭﻟﻴﺲ ﺧﻴﺎلا، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺃﺳﺒﻎَ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺻﻔﺔَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺘﺠﻠﻲ ﺍﺳﻤﻪ «ﺍﻟﺨـلاﻕ» ﻭﻫﻮ ﻳﺪﻳﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

   ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥَّ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺃﺭﺑﻊَ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺟﺪﺍﺭﻳﺔٍ ﻛﺒﻴﺮﺓٍ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺭﺍﻧﻬﺎ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ. ﻓﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻭﻟﻜﻦْ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺻﻮﺭﺓ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺻﻔﺘَﻬﺎ ﻭﻟﻮﻧﻬﺎ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺳﺘﻌﻜﺲ ﻣﻨﻈﺮﺍً ﺧﺎﺻﺎً ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺭﺟـلاﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻭﺍﻃﻠﻊ ﺃﺣﺪُﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣﺮﺗﺴﻤﺔً ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮﺭ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﻮَﺭ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺁﺗﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺸﻐﻞ ﺇﻟّﺎ ﺣﻴﺰﺍً ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥْ ﺗﻀﺎﺀﻟﺖ ﺻﻮﺭﺗُﻬﺎ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻭﺗﻐﻴﺮﺕ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓَ ﻫﻜﺬﺍ. ﺇﺫﻥ ﻓﻬﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﻭﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﻕ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﺿﺌﻴﻠﺔ ﻭﻣﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻈِـلاﻝ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻚ!

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥَّ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﺮﺁﺓً ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻛﻞٌّ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ: «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ» ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﻤﺎﺀَ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔً ﻭﺃﺻﻠﻴﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ لاﺋﻘﺔً ﺑﻬﺎ ﻭﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔً ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.

ﻓﻜﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ» ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﺣﻴﺔً ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ» ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺟﻨﺔً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ «ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺍلأﺣﺪ، ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻫﻲ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﻭﺗﻮﻫّﻢ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺗﺎﺑﻌﺔً ﻭﻇِـلا ﻟﻬﺎ، ﺣُﻜﻢٌ ﻏﻴﺮُ ﻋﺎﺩﻝ ﻭﺗﻨﻜّﺐٌ ﻋﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﺑﻞ ﺻﺮﺍﻁ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﻥْ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺃﺋﻤﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺍلأﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻠﻜﻪ ﺍﻟﺘـلاﻣﻴﺬ ﺍلأﻭﻝ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

 ﴿ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻚَ لا ﻋِﻠْﻢَ ﻟَﻨَﺎ ﺍِلا ﻣﺎ ﻋَﻠَّﻤْﺘَﻨﺎ ﺍِﻧَّﻚَ ﺍَﻧْﺖَ ﺍﻟْﻌَﻠﻴﻢُ ﺍﻟْﺤَﻜﻴﻢ﴾

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻَﻞِّ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻠﺘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠّﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ﻭلا ﻛﺸﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ.

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ (ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ:29) ﴿ ﻓﻌّﺎﻝٌ ﻟﻤﺎ ﻳُﺮﻳﺪ﴾ (ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ:16)

ﺳﺆﺍﻝ: ﻣﺎ ﺳﺮُّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴّﺮﺓ ﻟﻸﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻣﺎ ﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ؟ ﻭﻟِﻢَ لا ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕُ ﺍﻟﺪﺍﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﺠﺪﺩ ﻭﺗﺘﻐﻴﺮ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻒ ﺻﺤﻴﻔﺔ، ﻓﻨﺪﻉ ﺍلإﻳﻀﺎﺡَ ﺟﺎﻧﺒﺎً ﻭﻧﺤﺼﺮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏَ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﺧﺘﺼﺎﺭ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻓﻨﻘﻮﻝ:

ﺇﻥَّ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﻯ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﻗﺎﻡ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺳﻌﻰ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯﻫﺎ ﺳﻌﻴﺎً ﺣﺜﻴﺜﺎً، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫِﺪ ﻳﺪﺭﻙ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺇﻟّﺎ ﺑﺪﺍﻓﻌﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑ (ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﻐﺎﺋﻴﺔ).

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺒﺔً، ﻭﺷﻮﻗﺎً، ﻭﻟﺬﺓ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺷﻮﻕ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑ (ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻲ).

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺇﻥ ﺍلأﻛﻞَ ﻭﻇﻴﻔﺔٌ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻳﺸﺘﺎﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺪﺍﻓﻊ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺇﻧﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺇﺩﺍﻣﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻸ ﻛﻞ ﻭﺛﻤﺮﺓ ﻟﻪ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔَ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﺮ ﺍلأﻟﺒﺎﺏَ ﻭﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﺍﻧﺪﻫﺎﺵٍ ﻭﺇﻋﺠﺎﺏ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ، ﻭﺗﺠﺮﻱ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺣﻜﻤﺘﻴﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ ﻭﺍﺳﻌﺘﻴﻦ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﻤﺎ لا ﻳﺤﺪّﻫﺎ ﺣﺪﻭﺩ.

    ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﺇﻥ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕٌ لا ﺗُﺤﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﺮ، ﻓﺘﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ لا ﺗُﺤﺼَﺮ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺗﻨﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﺭﺓ. ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ لاﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺃﻱ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭَ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ، ﺃﻱ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓَ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ ﻭﺇﺷﻬﺎﺩَﻫﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺗﻘﻀﻰ ﺑﺘﺠﺪﺩ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺃﻱ ﺗﺠﺪﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺁﻧﺎً ﻓﺂﻧﺎً، ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭٍ ﺩﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀَ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺠﺪﺩﺍً ﻭﺑﺒـلاﻏﺔ ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻭﻣﻐﺰﻯً ﺩﻗﻴﻖ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻈﻬﺮ ﻛﻞُّ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞ ﻭﻋـلا ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮﺭ ﻭﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﻟﻘﺮﺍﺀﺗﻪ.

    ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔٌ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ ﻭﻣﻦ ﺷﻬﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺷﻮﻕ، ﺑﻞ ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺬﺓ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻧﻮﻉٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺷﻔﻘﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔٌ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﺤﺒﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺗﻠﻴﻘﺎﻥ ﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗـلاﺋﻤﺎﻥ ﻏﻨﺎﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﻭﺗﻘﺪﺳَﻪ ﻭﺗﻮﺍﻓﻘﺎﻥ ﻛﻤﺎﻟَﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ. ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻮﻗﺎً ﻣﻘﺪﺳﺎً ﻣﻄﻠﻘﺎً ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﺁﺕ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺮﻭﺭ ﻣﻘﺪﺱ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﺬﺓ ﻣﻘﺪﺳﺔ لاﺋﻘﺔ ﺑﻪ -ﺇﻥْ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺍﻟﻨﺎﺑﻌﺔَ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻣﻦ ﺭﺿﻰ ﻋﺎﻡ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺷﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺍﻧﻄـلاﻕ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺗﻜﻤّﻠﻬﺎ، ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.. ﻓﻤﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺭﺿﻰ ﻣﻘﺪﺱ ﻣﻄﻠﻖ -ﺇﻥْ ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- ﻭﺍﻓﺘﺨﺎﺭٍ ﻣﻘﺪﺱ ﻣﻄﻠﻖ.. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﻭﻳﺨﺺ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦَ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔً ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ لا ﺗﺤﺪ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺗﺠﻬـلاﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔَ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺧﻠﻂ ﺃﺻﺤﺎﺑُﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔَ ﺍﻟﺼﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔَ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺀ ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻴﻤﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ، ﻓﻤﺎ ﺍﻫﺘﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻞ ﺿﻠّﻮﺍ ﺿـلالا ﺑﻌﻴﺪﺍً.

﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (ﺍلأﻧﻌﺎﻡ:91)

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾

 ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻَﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺷﻒ ﻃﻠﺴﻢ ﻛﺎﺋﻨﺎﺗﻚ ﺑﻌﺪﺩ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ.

 الباقي هو الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

المكتوب السابع عشر

   ﺫﻳﻞ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ

   ﻋﺰﺍﺀ ﺑﻄﻔﻞ

 باسمه سبحانه

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

    ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ «ﺧﺎﻟﺪ» ﻳﺎ ﺃﺧﺎ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ!

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:155-156)

    ﺃﺧﻲ! ﻟﻘﺪ ﺁﻟﻤﻨﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻧﺒﺄُ ﻭﻓﺎﺓِ ﻃﻔﻠﻜﻢ، ﻭﻟﻜﻦ: ﺍﻟﺤﻜﻢُ ﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻟﺮﺿﺎﺀُ ﺑﻘﻀﺎﺋﻪ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻘَﺪَﺭﻩ ﺷﻌﺎﺭُ ﺍلإﺳـلاﻡ. ﺃَﺳﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺮﺯﻗﻜﻢ ﺍﻟﺼﺒﺮَ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻭﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﻤﺮﺣﻮﻡ ﺫﺧﺮﺍً ﻟـلآﺧﺮﺓ، ﻭﺷﻔﻴﻌﺎً ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

ﻭﺳﻨﺒﻴّﻦ ﻟﻜﻢ ﻭلأﻣﺜﺎﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ  ﺧﻤﺲَ ﻧﻘﺎﻁٍ  ﺗﺸﻊ ﺑﺸﺮﻯ ﺳﺎﺭﺓ ﻭﺗﻘﻄﺮ ﺳﻠﻮﺍﻧﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻟﻜﻢ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭِﻟْﺪﺍﻥٌ ﻣُﺨَﻠَّﺪﻭﻥ﴾ (ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ:17) ﻭﺳﺮَّﻫﺎ ﻫﻮ ﻫﻜﺬﺍ:

ﺇﻥَّ ﺃﻭلاﺩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓّﻴﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺳﻴُﺨﻠَّﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺃﻃﻔﺎلا ﻣﺤﺒﻮﺑﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ. ﻭﺳﻴﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﺒﻌﺚَ ﺳﺮﻭﺭ ﺃﺑﺪﻱ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺁﺑﺎﺋﻬﻢ ﻭﺃﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻀﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ. ﻭﺳﻴﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭﺍً ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺃﻟﻄﻒ ﺍلأﺫﻭﺍﻕ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻫﻮ ﺣﺐ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﻭﻣـلاﻃﻔﺔ ﺍلأﻭلاﺩ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻟﺬﻳﺬٍ ﻣﻮﺟﻮﺩٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻓـلا ﺻﺤﺔَ ﻟﻘﻮﻝ ﻣَﻦ ﻳﻘﻮﻝ: «لا ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﻭﻣﺪﺍﻋﺒﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻟﺨﻠﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻞ». ﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﻤﺤﺒﺔ ﺍلأﻃﻔﺎﻝ ﻭﻣـلاﻋﺒﺘِﻬﻢ ﺑﺼﻔﺎﺀ ﺗﺎﻡ ﻭﻟﺬﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻃﻮﺍﻝ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻮﺑﻬﺎ ﺃﻟﻢٌ ﻭلا ﻛﺪﺭٌ، ﺑﺪلا ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ﻭﻣـلاﻋﺒﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﻣﺸﻮﺑﺔ ﺑﺎلآلاﻡ. ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺗﺤﻘﻘﻪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﴿ﻭِﻟْﺪﺍﻥٌ ﻣُﺨَﻠَّﺪﻭﻥ﴾ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﺪﺍﺭ ﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺗﺰﻑّ ﺃﻋﻈﻢ ﺑﺸﺮﻯ ﻟﻬﻢ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ -ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ- ﺭﺟﻞ ﻛﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ.. ﺃُﻟﺤﻖ ﺑﻪ ﻭﻟﺪُﻩ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺃﻳﻀﺎً. ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺘﺄﻟﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺑﻤﺸﻘﺎﺕ ﻋَﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﺑﻨﻪ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻣﻘﺎﺳﺎﺗﻪ ﺁلاﻣﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ.

ﺑﻌﺚ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺃﺣﺪﺍً ﻟﻴﺒﻠّﻐﻪ: «ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻨُﻚ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺭﻋﻴﺘﻲ ﻭﺃﺣﺪُ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺃﻣﺘﻲ، ﺳﺂﺧﺬﻩ ﻣﻨﻚ لأﺭﺑّﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﺨﻢ».. ﺑﺪﺃ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺄﻭﻩ، ﻭﻗﺎﻝ: «لا. لا ﺃﻋﻄﻲ ﻭﻟﺪﻱ ﻭلا ﺃﺳﻠّﻤﻪ، ﺇﻧﻪ ﻣﺪﺍﺭ ﺳﻠﻮﺍﻧﻲ!».

ﺍﻧﺒﺮﻯ ﻟﻪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ: ﻳﺎ ﻫﺬﺍ لا ﺩﺍﻋﻲ لأﺣﺰﺍﻧﻚ ﻭلا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﺘﺄﻟﻤﻚ. ﺇﻥْ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺄﻟﻢ لأﺟﻞ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻓﻬﻮ ﺳﻴﻤﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺮ ﺑﺎﺫﺥ ﺭﺣﻴﺐ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺃﻥْ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺍﻟﻤﻠﻮّﺙ ﺍﻟﻤﺘﻌﻔﻦ ﺍﻟﻀﻴﻖ. ﻭﺇﻥْ ﻛﻨﺖَ ﻣﺘﺄﻟﻤﺎً ﻟﺬﺍﺕ ﻧﻔﺴﻚ ﻭﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﻔﻌﻚ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻓﺈﻥَّ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺳﻴﻌﺎﻧﻲ ﻣﺸﻘﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓً ﻣﻊ ﺿﻴﻖ ﻭﺃﻟﻢ ﺷﺪﻳﺪﻳﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺑﻘﻲ ﻫﻨﺎ لأﺟﻞ ﺃﻥ ﺗﺤﺼﻞَ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻊ ﻣﺆﻗﺖ ﻭﻣﺸﻜﻮﻙٍ ﻓﻴﻪ  ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ لأﻟﻒ ﻧﻔﻊ ﻭﻓﺎﺋﺪﺓ ﻟﻚ، ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﺪﺭّ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻚ، ﻭﺳﻴﺼﺒﺢ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺸﻔﻴﻊ. ﻭلاﺑﺪ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺳﻴﺮﻏﺐ ﻳﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺃﻥْ ﻳﺴﻌﺪَﻩ ﺑﺎﻟﻠﻘﺎﺀ ﻣﻌﻚ، ﻭلا ﺟﺮﻡ ﺃﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺮﺳﻠﻪ ﺇﻟﻴﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ، ﺑﻞ ﺳﻴﺄﺧﺬﻙ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﺨﺮﺟُﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻭﻳﺒﻌﺜﻚ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻟﺘﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﻠﻘﺎﺀ ﻣﻊ ﺍﻟﻄﻔﻞ، ﻓﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖَ ﺫﺍ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻪ ﻭﺛﻘﺔ ﺑﻪ.

ﻭﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ -ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ- ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥْ ﻳﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺃﻣﺜﺎﻟُﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺘﻮﻓّﻰ ﺃﻃﻔﺎﻟُﻬﻢ، ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﺍ: ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺑﺮﻱﺀ، ﻭﺇﻥَّ ﺧﺎﻟﻘَﻪ ﺭﺣﻴﻢ ﻭﻛﺮﻳﻢ، ﻓﺒﺪلا ﻣﻦ ﺭﻗﺘﻲ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺑﺪلا ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺘﻲ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﻟﻪ، ﻓﻘﺪ ﺍﺣﺘﻀَﻨَﺘْﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺿﻤّﺘﻪ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻨَﻔﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺃﺧﺮﺟﺘﻪ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻤﺸﻘﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍلآلاﻡ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺃﺭﺳﻠﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻇـلاﻝ ﺟﻨﺔ ﻓﺮﺩﻭﺳﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻓﻬﻨﻴﺌﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞ!

ﻭﻣَﻦ ﻳﺪﺭﻱ ﻣﺎﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻤﻞ ﻭﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻟﻮ ﻇَﻞَّ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ؟ ﻟﺬﺍ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﺘﺄﻟﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﺑﻞ ﺃﺭﺍﻩ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﻣﺤﻈﻮﻇﺎً.. ﺃﻣﺎ ﺗﺄﻟﻤﻲ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓـلا ﺃﺗﺄﻟﻢ ﻟﻬﺎ ﺃﻟﻤﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻣﺘﻌﺘﻲ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻜﺎﻥ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻲ ﻣﺤﺒّﺔ ﺍلأﻭلاﺩ ﻭﻣـلاﻋﺒﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﺯﻫﺎﺀ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻋﻮﺍﻡ ﻭﻫﻲ ﻣﺸﻮﺑﺔٌ ﺑﺎلآلاﻡ، ﻭﻟﺮﺑﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﻟﺤﺎً ﺑﺎﺭّﺍً، ﻭﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﻗﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﻨَﻨﻲ ﻭﻳﺘﻌﺎﻭﻥَ ﻣﻌﻲ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺑﻮﻓﺎﺗﻪ ﻓﻘﺪ ﺿﻤﻦ ﻟﻲ ﻣﺤﺒﺔَ ﺍلأﻭلاﺩ ﻭﻟﻌﺸﺮﺓ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﺸﻔّﻌﺎً ﻟﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻓـلا ﺃﻛﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﺷﺪﻳﺪَ ﺍﻟﺘﺄﻟﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﻧﻔﺴﻲ ﻛﺬﻟﻚ. لأﻥ ﻣَﻦ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﻪ ﻣﻨﻔﻌﺔٌ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻣﺸﻜﻮﻙ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺭﺑﺢ ﺃﻟﻒَ ﻣﻨﻔﻌﺔٍ ﺁﺟﻠﺔ ﻣﺤﻘﻘﺔِ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ، ﻟﻦ ﻳُﻈﻬﺮَ ﺍلأﺣﺰﺍﻥَ ﺍلأﻟﻴﻤﺔ، ﻭﻟﻦ ﻳﻨﻮﺡ ﻳﺎﺋﺴﺎً ﺃﺑﺪﺍً!

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻤُﺘﻮﻓَّﻰ.. ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﻟّﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﻟﺨﺎﻟﻖ ﺭﺣﻴﻢ، ﻭﻋﺒﺪﺍً ﻟﻪ، ﻭﺑﻜﻞ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺻﺪﻳﻘﺎً ﻣﻮﺩﻋﺎً ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﻴﺒﻘﻰ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﺗﺤﺖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﻤﺎ، ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃُﻣَّﻪ ﻭﺃﺑﺎﻩ ﺧﺎﺩﻣَﻴﻦ ﺃﻣﻴﻨﻴﻦ ﻟﻪ، ﻭﻣﻨﺢ ﻛـلا ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺷﻔﻘﺔ ﻣﻠﺬّﺓ، ﺃﺟﺮﺓً ﻋﺎﺟﻠﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻣﺎﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ.

ﻭﺍلآﻥ، ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻄﻔﻞ -ﻭﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺗﺴﻊ ﻭﺗﺴﻌﻮﻥ ﻭﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﺣﺼﺔ ﻭﻟﻮﺍﻟﺪﻩ ﺣﺼﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ- ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺧﺬ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞَ ﻣﻨﻚ ﻣُﻨﻬﻴﺎً ﺧﺪﻣﺎﺗِﻚ ﻟﻪ. ﻓـلا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺄﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺰﻧﻮﺍ ﻳﺎﺋﺴﻴﻦ ﻭﻳﺒﻜﻮﺍ ﺻﺎﺭﺧﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﻮﻣﺊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻮلاﻫﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺻﺎﺣﺐِ ﺍﻟﺤﺼﺺ ﺍلأﻟﻒ، ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﺼﺔ ﺻﻮﺭﻳﺔ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﺷﺄﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﺑﺪﻳﺔً ﺃﺑﺪ ﺍلآﺑﺎﺩ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﺎﻟﺪﺍً ﻣﺨﻠﺪﺍً، ﺃﻭ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺃﺑﺪﻳﺎً، ﺇﺫﻥ ﻟﻜﺎﻥ ﻟﻠﺤﺰﻥ ﺍلأﻟﻴﻢ ﻭﺍلأﺳﻒ ﺍﻟﻴﺎﺋﺲ ﻣﻌﻨﻰً ﻣﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺩﺍﺭ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻤُﺘﻮﻓَّﻰ ﻓﻜﻠﻨﺎ -ﻧﺤﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻛﺬﻟﻚ- ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﺍﺣﻠﻮﻥ لا ﻣﻨﺎﺹ.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺧﺎﺻﺔً ﺑﻪ ﻫﻮ ﻭﺣﺪﻩ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻳﺴﻠﻜﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺃﺑﺪﻳﺎً ﻛﺬﻟﻚ، ﺑﻞ ﺳﻴﺘﻢ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺍﻟﺤﻜﻢُ ﻟﻠﻪ.. ﺇﻥ ﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺧﺬ ﻭﻣﺎ ﺃﻋﻄﻰ، ﻣﻊ ﺍلاﺣﺘﺴﺎﺏ ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻟﻄﻒُ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺃﺟﻤﻠُﻬﺎ ﻭﺃﻃﻴﺒُﻬﺎ ﻭﺃﺣـلاﻫﺎ.. ﻟﻬﻲ ﺇﻛﺴﻴﺮٌ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ، ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻔﺬُ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺑﻜﺜﻴﺮ، ﻭﻫﻲ ﺃﺳﺮﻉُ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻧﻌﻢ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ، ﺑﻤﺸﻜـلاﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻳﻨﻘﻠﺒﺎﻥ ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ» ﻓﻴﺠﺪ ﺻﺎﺣﺒُﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑـلا ﻣﺸﻜـلاﺕ، ﺗﺮﺑﻂ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻴﻮﺻﻞ ﺻﺎﺣﺒَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا ﺑﺄﻗﺼﺮ ﻃﺮﻳﻖ ﻭﺃﺻﻔﻰ ﺷﻜﻞ.

ﻭﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ﻳﺤﺒﺎﻥ ﻭﻟﺪﻫﻤﺎ ﺑﻤﻞﺀ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﺧﺬ ﺍﻟﻮﻟﺪُ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﺈﻧﻪ -ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﻳﻌﺮﺽ ﻭﺟﻬﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻳﺪﻳﺮ ﻟﻬﺎ ﻇﻬﺮَﻩ ﻓﻴﺠﺪُ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢَ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺣﺎﺿﺮﺍً ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﻧﻴﺔ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﻓـلا ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺇﺫﻥ ﺭﺑﻂَ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﻬﺎ، ﻓﻴﺠﺪ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻟﺪُﻩ ﻋـلاﻗﺔً ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻭﻳﻐﻨﻢ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ.

ﺇﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻟﻤﺤﺮﻭﻣﻮﻥ ﻣﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻭﺑُﺸﺮَﻳﺎﺗِﻬﺎ. ﻓﻘﻴﺴﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﺪﻯ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺃﻟﻴﻤﺔ؛ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﺸﺎﻫﺪ ﻭﺍﻟﺪﺓٌ ﻋﺠﻮﺯ ﻃﻔﻠَﻬﺎ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﺒﻪ ﺣﺒﺎً ﺧﺎﻟﺼﺎً، ﻳﺘﻘﻠّﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻜﺮﺍﺕ، ﻳﺬﻫﺐ ﻓﻜﺮُﻫﺎ ﺣﺎلا ﺇﻟﻰ ﺭﻗﻮﺩﻩ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﺑﺪﻝ ﻓﺮﺍﺷﻪ ﺍﻟﻨﺎﻋﻢ ﺍﻟﻮﺛﻴﺮ، ﻟﻤﺎ ﺗﺘﺼﻮﺭُ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻋﺪﻣﺎً ﻭﻓﺮﺍﻗﺎً ﺃﺑﺪﻳﺎً، ﻟﺘﻮﻫﻤﻬﺎ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩَ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﻭلا ﺟﻨﺘﻪ ﻭلا ﻧﻌﻤﺔ ﻓﺮﺩﻭﺳﻪ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ.. ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﺪﻯ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﻟﻢ ﻭﺣﺰﻥ ﻳﺎﺋﺲ ﺑـلا ﺑﺼﻴﺺ ﻣﻦ ﺃﻣﻞ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﻫﻤﺎ ﻭﺳﻴﻠﺘﺎ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ ﻳﻘﻮلاﻥ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ:

ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞَ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺳﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺳﻴﺮﺳﻠﻪ ﺧﺎﻟﻘُﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺱ ﺟﻨﺘﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺬﺭﺓ، ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻟﻚ ﻣﺸﻔّﻌﺎً، ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻟﺪﺍً ﺃﺑﺪﻳﺎً… ﻓـلا ﺗﻘﻠﻖ ﺇﺫﻥ ﻭلا ﺗﻐﺘﻢ. ﻓﺎﻟﻔﺮﺍﻕ ﻣﺆﻗﺖ، ﻭﺍﺻﺒﺮ ﻗﺎﺋـلا: ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﻠﻪ.

﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾

 الباقي هو الباقي

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

المكتوب السادس عشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:173)

ﻟﻘﺪ ﻧﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ (ﻃﻪ:٤٤) ﻓﻠﻢ ﻳُﻜﺘﺐ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ.

ﻭﻫﻮ ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﻳُﻮﺭﺩﻩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺃﻭ ﺿﻤﻨﺎً.

«ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﺭﻏﺐ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺃَﻥْ ﺃُﺳﺠّﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلإﺟﺎﺑﺔ، ﻭلا ﺃَﺭﺗﺎﺡ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻓﻠﻘﺪ ﻓﻮّﺿﺖ ﺃَﻣﺮﻱ ﻛﻠَّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ، ﻭﺗﻮﻛﻠﺖُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻟﻜﻨﻲ لا ﺃُﺗﺮﻙ ﻭﺷﺄﻧﻲ لأﺟﺪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻲ، ﻓﻴﻠﻔﺘﻮﻥ ﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻟﺬﺍ ﺃَﻗﻮﻝ ﻣﻀﻄﺮﺍً لا ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﺑﻞ ﺑﻠﺴﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ». ﻭلا ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻧﻘﺎﺫﺍً ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺑﻞ ﺇﻧﻘﺎﺫﺍً لأﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻣﻦ ﺷﺒﻬﺎﺕ ﻳﻨﺜﺮﻫﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﻦ ﺃَﺫﺍﻫﻢ. ﻓﺄﺫﻛﺮ ﻭﺍﻗﻊَ ﺣﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺧﻤﺲ ﻧﻘﺎﻁ».

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻗﻴﻞ: ﻟِﻢَ ﺍﻧﺴﺤﺒﺖَ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭلا ﺗﺘﻘﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﻂ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺧﺎﺽ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻏﻤﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻋﻠَّﻪ ﻳﺨﺪﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ. ﻓﺬﻫﺒﺖْ ﻣﺤﺎﻭﻟﺘُﻪ ﺃﺩﺭﺍﺝَ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﺇﺫ ﺭﺃﻯ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺫﺍﺕُ ﻣﺸﺎﻛﻞ، ﻭﻣﺸﻜﻮﻙٌ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀﻮﻝ -ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻲّ- ﻓﻬﻲ ﺗﺤُﻮﻝ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄَﻫﻢ ﻭﺍﺟﺐ. ﻭﻫﻲ ﺫﺍﺕُ ﺧﻄﻮﺭﺓ. ﻭﺃَﻥَّ ﺃَﻏﻠﺒَﻬﺎ ﺧﺪﺍﻉ ﻭﺃﻛﺎﺫﻳﺐ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺁﻟﺔً ﺑﻴﺪ ﺍلأﺟﻨﺒﻲ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺨﻮﺽ ﻏﻤﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﻣﻮﺍﻓﻘﺎً ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺎً ﻟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖُ ﻣﻮﺍﻓﻘﺎً ﻓﺎﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻲّ ﻓﻀﻮﻝ ﻭلا ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ ﺑﺸﻲﺀ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭلا ﻧﺎﺋﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻬﺎ، ﻓـلا ﻣﻌﻨﻰ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺘﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻫﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻲّ لأﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﺩﺧﻠﺖُ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﺪﺧﻞ ﺇﻣﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺃﻭ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﻮﺓ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻜﺮﻳﺎً ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻲّ ﺃﻳﻀﺎً، لأﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺟﺪﺍً، ﻭﺍﻟﺠﻤﻴﻊُ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻣﺜﻠﻲ، ﻓـلا ﺩﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﺛﺮﺓ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ، ﺃﻱ ﺑﺄﻥ ﺃُﻇﻬﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﺈﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ لأﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺪﻑ ﻣﺸﻜﻮﻙ ﻓﻴﻪ. ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﻓﻲ ﺁلاﻑ ﻣﻦ ﺍلآﺛﺎﻡ ﻭﺍلأﻭﺯﺍﺭ، ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺘﻠﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ. ﻓـلا ﻳﺮﺿﻰ ﻭﺟﺪﺍﻧﻲ ﺍﻟﻮﻟﻮﺝَ ﻓﻲ ﺍلآﺛﺎﻡ ﻭﺇﻟﻘﺎﺀَ ﺍلأﺑﺮﻳﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻤﺎﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺍﺣﺘﻤﺎلاﺕ. لأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻙ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔَ ﻭﻣﺠﺎﻟﺴَﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﺪ ﻣﻊ ﺗﺮﻛﻪ ﺍﻟﺴﻴﺠﺎﺭﺓ.

ﻭﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ: ﺇﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻟﻢ ﺃَﻗﺮﺃ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻟﻢ ﺍﺳﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﻗﻂ، ﻓﻠﻴﺒﺮﺯ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﻭﻳﺪّﻋﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻗﺮﺃﺕُ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻤﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺟﺮﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻳﻘﺮﺃ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺟﺮﺍﺋﺪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻗﺒﻞ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺗُﺮﺍﻗَﺐ ﺃﺣﻮﺍﻟﻲ ﺑﺪﻗﺎﺋﻘﻬﺎ. ﻓﻠﻴﺪّﻉ ﺃﺣﺪ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﺪﺭ ﻣﻨﻲ ﻣﺎ ﻳُﺸﻢ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥَّ ﺷﺨﺼﺎً ﺫﺍ ﺃﻋﺼﺎﺏ ﻣﺘﻮﻓﺰﺓ ﻣﺜﻠﻲ، ﻭلا ﻋـلاﻗﺔ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ، ﻭﻳﺠﺪ ﺃﻋﻈﻢَ ﺍﻟﺤِﻴﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤِﻴﻠﺔ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ: «ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺤِﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺤِﻴﻞ» ﻓﻤَﻦْ ﻛﺎﻥ ﺣﺎﻟُﻪ ﻫﻜﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﻓﻜﺮﻩ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔَ ﺃﻋﻮﺍﻡ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺭﻏﺒﺔ ﻭﻟﻬﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﺪﻭﻱ ﺩﻭﻱَّ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻊ، ﻭلا ﺗﺪﻉ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻟﻰ ﺗﺤﺮﻳﺎﺕ ﺃﻭ ﺗﺪﻗﻴﻘﺎﺕ.

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟِﻢَ ﻳﺘﺠﻨﺐ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﺗﺠﻨﺒﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﺌـلا ﻳُﻀَﺤّﻲ ﺑﺴﻌﻴﻪ ﻭﻓﻮﺯِﻩ لأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻀﻮﻟﻲ لا ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻣﺸﻜﻮﻙٍ ﻓﻴﻬﺎ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﻔﺮّ ﻓﺮﺍﺭﺍً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺧﺪﻣﺔً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃَﺟﻞُّ ﺧﺪﻣﺔٍ ﻭﺃَﻟﺰﻣُﻬﺎ ﻭﺃَﺧﻠﺼُﻬﺎ ﻭﺃَﺣﻘُّﻬﺎ. لأﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ:

ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺗﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻴﺐ، ﻭلا ﻋﻠﻢ ﻟﻲ ﻛﻢ ﺳﺄﻋﻴﺶ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﺮ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎلأﻭﻟﻰ ﻟﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﺤﻴﺎﺓٍ ﺃﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍلأﻟﺰﻡ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔُ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﻣﻔﺘﺎﺡُ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺇﺫﻥ ﺍﻟﺴﻌﻲ لأﺟﻠﻪ. ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻲ ﻋﺎﻟﻢٌ ﺩﻳﻨﻲ، ﻣﻜﻠّﻒ ﺷﺮﻋﺎً ﺑﺈﻓﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻟﺬﺍ ﺃُﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃَﺧﺪﻣَﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎً. ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﺎﻟﻨﻔﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﻣﺎ لا ﺃﻗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻞ ﺳﻠﻴﻢ ﺻﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻋﺎﺻﻒ. ﻟﺬﺍ ﺗﺨﻠﻴﺖ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻭﻓﻀّﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻫﻢُ ﺧﺪﻣﺔ ﻭﺃﻟﺰﻣُﻬﺎ ﻭﺃﺳﻠﻤُﻬﺎ. ﻭﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖُ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻟﻴﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻣﺎ ﻛﺴﺒﺘُﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﺟﺮﺑﺘُﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺃﺩﻭﻳﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻟﻌﻞَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻛﻔّﺎﺭﺓً ﻟﺬﻧﻮﺏ ﺳﺎﺑﻘﺔ.

ﻭﻟﻴﺲ لأﺣﺪ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺮﺽَ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﺳﻮﺍﺀً ﻛﺎﻥ ﻣﺆﻣﻨﺎً ﺃﻭ ﻛﺎﻓﺮﺍً ﺃﻭ ﺻﺪّﻳﻘﺎً ﺃﻭ ﺯﻧﺪﻳﻘﺎً. لأﻥ ﻋﺪﻡ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ لا ﻳﺸﺒﻬﻪ ﺃﻣﺮ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺬﺓٌ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺤﻮﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻔﺴﻖ ﻭﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻋﺪﻡَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ لا ﻟﺬﺓَ ﻓﻴﻪ ﺇﻃـلاﻗﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺃﻟﻢٌ ﻓﻲ ﺃﻟﻢ، ﻭﻋﺬﺍﺏٌ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺏ، ﻭﻇﻠﻤﺎﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮﻕ ﺑﻌﺾ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺮﻙَ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺗﺮﻙَ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝَ ﻓﻲ ﺃلاﻋﻴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﻄﺮﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ، ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧـلاﻑ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻭﻣﺠﺎﻧﺒﺔٌ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﻟﺸﺨﺺ ﻣﺜﻠﻲ لا ﺻﻠﺔ ﻟﻪ ﻣﻊ ﺃﺣﺪ، ﻭﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻔﺮﺩﺍً، ﻭﻣﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﻋﻦ ﻛﻔﺎﺭﺍﺕٍ ﻟﺬﻧﻮﺑﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. ﺑﻞ ﻳﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﺟﻨﻮﻧﺎً ﻭﺑـلاﻫﺔ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺒﻠﻬﺎﺀ ﻳﻔﻬﻤﻮﻥ ﺫﻟﻚ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻗﻠﺖَ: ﻛﻴﻒ ﺗﻤﻨﻌﻚ ﺧﺪﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؟

ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔٌ ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻛﻐـلاﺀ ﺟﻮﺍﻫﺮ ﺍلأﻟﻤﺎﺱ، ﻓﻠﻮ ﺍﻧﺸﻐﻠﺖُ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻟﺨﻄﺮ ﺑﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ: ﺃﻳﺮﻳﺪُ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻣﻨﺤﺎﺯﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ؟ ﺃﻟﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻋﺎﻳﺔً ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﺠﻠﺐ ﺍلاﺗﺒﺎﻉ؟ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﻄﻊٌ ﺯﺟﺎﺟﻴﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ، ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﻛﻮﻥ ﻗﺪ ﻇﻠﻤﺖُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، ﻭﺑﺨَﺴﺖُ ﻗﻴﻤﺘَﻬﺎ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ، ﺑﺘﺪﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ  ﻟِﻢَ لا ﺗﺪَﻋﻮﻧﻲ ﻭﺷﺄﻧﻲ، ﻭﺗﻀﺎﻳﻘﻮﻧﻨﻲ ﺑﻄﺮﻕٍ ﺷﺘﻰ؟

  ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺘﻢ: ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺷﻴﻮﺥ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺣﻴﺎﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺸﻴﺦ!

ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺷﻴﺨﺎً ﺻﻮﻓﻴﺎً، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻨﻲ. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﺖ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔَ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ، ﻃﻮﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍلأﺭﺑﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﻀﻴﺘُﻬﺎ ﻫﻨﺎ، ﻟﻜﺎﻥ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍلاﺭﺗﻴﺎﺏ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙ. ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﻗﻞ ﻟﻤﻦ ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥَ ﻟﻴﺲ ﺯﻣﺎﻥَ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ. ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺿﺮﻭﺭﻱ، ﻭﺍلإﺳـلاﻡ ﺿﺮﻭﺭﻱ.

ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺘﻢ: ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﺳﻢَ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺩﻱ» ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻜﺮَ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ لا ﻳﺘﻔﻖ ﻭﺷﺄﻧَﻨﺎ ﻭلا ﻃﺎﺋﻞ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ.

ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﺇﻥ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ» ﻭ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ» ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻴﺪ. ﺃُﺑﻴﻨﻪ ﺷﺎﻫﺪﺍً ﻭﻟﻘﺪ ﻧﻈﺮﺕ -ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ- ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻧﻈﺮﺓَ ﺍﻟﺴﻢّ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ، لأﻧﻬﺎ ﻣﺮﺽٌ ﺃﻭﺭﻭﺑﻲ ﺧﺒﻴﺚٌ ﺳﺎﺭ. ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ ﺑﺄﻥَّ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻳَﺠُﺐُّ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ. ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻟﻘﺖ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻮﺑﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻴﻤﺰّﻗَﻬﻢ ﻭﻳﻔﺮّﻗَﻬﻢ ﺷَﺬﺭ ﻣَﺬﺭ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﺑﺘـلاﻋَﻬﻢ ﻗِﻄﻌﺎً ﻣﺘﻨﺎﺛﺮﺓ. ﻭﻟﻘﺪ ﺑﺬﻟﺖُ ﻣﺎ ﻭﺳﻌﻨﻲ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻟﻌـلاﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﺀ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻃـلاﺑﻲ ﻭﻣﻦ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻌﻲ ﺑﺬﻟﻚ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺓ! ﻣﺎ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﻜﻞ ﺣﺎﺩﺛﺔ لإﻳﺬﺍﺋﻲ ﻭﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ؟ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺇﺩﺍﻧﺔ ﺟﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻟﺨﻄﺄ ﺍﺭﺗﻜﺒﻪ ﺟﻨﺪﻱٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﺟﻨﺪﻳﻴﻦ، ﺃﻭ ﺃﺧﺬ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ، لأﻧﻪ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ، ﺑﺠﺮﻳﺮﺓ ﺣﺎﻧﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ  ﻓﻬﺬﺍ ﻫﻮ ﺷﺄﻧﻜﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺗﺘﺨﺬﻭﻧﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ. ﺃﻱُّ ﻭﺟﺪﺍﻥٍ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻬﺬﺍ؟ ﻭﺃﻳﺔُ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ؟

   ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻭﺃﺣﺒﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳـلاﺣﻈﻮﻥ ﺭﺍﺣﺘﻲ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻲ، ﻳﺴﺘﻐﺮﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﺇﻳﺜﺎﺭﻱ ﺍﻟﺼﻤﺖَ ﻭﺗﺠﻤّﻠﻲ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﻲ، ﻓﻴﺘﺴﺎﺀﻟﻮﻥ: ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺍﻟﻀﻴﻖَ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﻚ؟ ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺖَ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺪﻳﺪَ ﺍﻟﻐﻀﺐ، لا ﺗﺮﺿﻰ ﺃﻥ ﻳﻤﺲّ ﺃﺣﺪ ﻋﺰﺗَﻚ. ﻭﻛﻨﺖَ لا ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻫﺎﻧﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺍﺳﺘﻤﻌﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺘﻴﻦ. ﻭﺧﺬﻭﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻣﻨﻬﻤﺎ!

الحكاية ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺫﻛﺮ ﻣﺪﻳﺮٌ ﻣﺴﺆﻭﻝ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕٍ ﻣﻠﻔﻘﺔً ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ ﻟﻲ، ﺩﻭﻥ ﺳﺒﺐ ﻭﻣﺒﺮﺭ. ﻭﻧُﻘﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡُ ﺇﻟﻲّ، ﺗﺄﻟﻤﺖُ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺄﺣﺎﺳﻴﺲ «ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ». ﺛﻢ ﻭﺭﺩﺕ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﺃﺯﺍﻟﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻀﻴﻖ، ﻭﺩﻓﻌﺘﻨﻲ لأﺻﻔﺢَ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ. ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ:

ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺗﺤﻘﻴﺮُﻩ ﻭﻣﺎ ﺃﻭﺭﺩﻩ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﺗﺨﺺّ ﺷﺨﺼﻲ ﻭﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﻠﻴﺮﺽَ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﺫ ﺃﻃﻠﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻲ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎً، ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺴﻮﻗﻨﻲ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿُﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﻭﺗﺄﺩﻳﺒِﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻳﻌﺎﻭﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ. ﻭﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﺫﺑﺎً، ﻓﻬﻮ ﻋَﻮﻥٌ ﻟﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻠﺨـلاﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺳﺎﺱُ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ. ﻧﻌﻢ  ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺻﺎﻟﺢ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﻂ؛ لأﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺭﺑِّﻬﺎ. ﻓﺈﻥ ﻧﺒّﻬﻨﻲ ﺃﺣﺪٌ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻘﺮﺏ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻲ، ﻋﻠﻲّ ﺃﻥ ﺃﺭﺿﻰ ﻋﻨﻪ، لا ﺍﻣﺘﻌﺾَ ﻣﻨﻪ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻫﺎﻧﺎﺗُﻪ ﺗﻌﻮﺩ ﻟﺼﻔﺔ ﻛﻮﻧﻲ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﻟـلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺘﻠﻚ لا ﺗﻌﻮﺩ ﻟﻲ، ﻓﺄُﺣﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﻓﻬﻮ ﻋﺰﻳﺰ ﺣﻜﻴﻢ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻛـلاﻣﻪ لأﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﺮﻱ ﻭﺇﻫﺎﻧﺔ ﺷﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ، ﻓﻬﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً لا ﻳﺨﺼﻨﻲ، لأﻧﻨﻲ ﺃﺳﻴﺮٌ ﻣﻜﺒّﻞ ﻭﻏﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ، ﻓﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻛﺮﺍﻣﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﻧﺼﻴﺐ، ﺑﻞ ﻳﺨﺺ ﻣﻦ ﻳﺤﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺛﻢ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺎ ﺿﻴﻒ ﻟﺪﻳﻬﻢ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﺃﺳﻴﺮ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻜﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻨﻪ.

ﻓﺎﻃﻤﺄﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺗﻠﻮﺕُ: ﴿ﻭﺍُﻓﻮّﺽُ ﺃﻣﺮﻱ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺑَﺼﻴﺮٌ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩ﴾ (ﻏﺎﻓﺮ:٤٤) ﻭﺃﻫﻤﻠﺖُ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔَ ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﺗﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﻊ، ﻭﻧﺴﻴﺘُﻬﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺗﺒﻴﻦ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ -ﻣﻊ ﺍلأﺳﻒ- ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻨﻪ، ﻓﻌﺎﻗﺒَﻪ.

الحكاية ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﻃﺮﻕ ﺳﻤﻌﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺃﻥ ﺣﺎﺩﺛﺔً ﻭﻗﻌﺖ، ﻭﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘُﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ ﺇﺟﻤﺎلا ﻓﺤﺴﺐ، ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺤﺎﺩﺛﺔ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﺍﺳﻞ ﺃﺣﺪﺍً، ﻭﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻛﺘﺐ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟّﺎ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﺇﻟﻰ ﺻﺪﻳﻖ ﻭﺣﻮﻝ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺃﻛﺘﺐ ﺣﺘﻰ ﻟﺸﻘﻴﻘﻲ ﺇﻟّﺎ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺧـلاﻝ ﺃﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍلاﺗﺼﺎﻝ ﺑﻬﻢ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻨﻌﻮﻧﻨﻲ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ. ﻓﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻟﻘﻰ ﺇﻟّﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺒﺎﺏ ﺧـلاﻝ ﺃﺳﺒﻮﻉ، ﻣﺮﺓ ﺃﻭ ﻣﺮﺗﻴﻦ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻀﻴﻮﻑُ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ، ﻭﻫﻢ ﺁﺣﺎﺩ لا ﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻋﻦ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﻳﻠﻘﻮﻧﻨﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺃﻭ ﺩﻗﻴﻘﺘﻴﻦ، ﺧـلاﻝ ﺷﻬﺮ، ﻭﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ.. ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍلاﻏﺘﺮﺍﺏ، ﻭﻗﺪ ﻣُﻨﻌﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺑﻘﻴﺖُ ﻭﺣﻴﺪﺍً ﻏﺮﻳﺒﺎً، لا ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻲ، ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳـلاﺋﻢ ﻣﻜﺴﺐ ﻧﻔﻘﺘﻲ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﺭﺑﻊِ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻋﻤّﺮﺕ ﻣﺴﺠﺪﺍً ﺧﺮﺑﺎً ﻭﻗﻤﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﺎلإﻣﺎﻣﺔ لأﺭﺑﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ (ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ) ﺣﻴﺚ ﺃﺣﻤﻞ ﺷﻬﺎﺩﺓَ ﺍلإﻣﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻮﻋﻆ، ﻣﻦ ﺑﻠﺪﻱ. ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﺍﺳﺘﻄﻊ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏَ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻔﺎﺋﺖ. ﻓﺼﻠﻴﺖُ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﻨﻔﺮﺩﺍً ﻭﺣُﺮﻣﺖ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺧﻤﺴﺎً ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺿﻌﻔﺎً.

ﻓﺘﺠﺎﻩ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻣﺮّﺗﺎ ﺑﻲ ﺃﻇﻬﺮﺕُ ﺻﺒﺮﺍً ﻭﺗﺤﻤـلا ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻇﻬﺮﺗُﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺇﺯﺍﺀ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ. ﻭﺳﺄﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﻞ ﺑﺈﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ.

ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺧﻠَﺪﻱ ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻟَﻪ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﺖَ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺬﻳﻘﻨﻲ ﺇﻳﺎﻩ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍلأﺫﻯ ﻭﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻲّ ﻣﻨﻬﻢ، ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﺗﺠﺎﻩ ﻧﻔﺴﻲ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻴﻮﺏ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻋﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ، ﻟﻌﻞّ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﻔﺎﺭﺓً ﻟﺬﻧﻮﺑﻬﺎ. ﻓﻠﺌﻦ ﻗﺎﺳﻴﺖُ ﻣﻦ ﺃﺫﻯً ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﻀﻴﻔﺔ، ﻓﺄﻧﺎ ﺷﺎﻛﺮٌ ﺭﺑﻲ، ﺇﺫ ﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ﻭﻣﺘﻌﺘﻬﺎ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺬﻳﻘﻮﻧﻨﻲ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏَ ﻟﻘﻴﺎﻣﻲ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃُﺣﻴﻠُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﺇﻓﺴﺎﺩَ ﺗﻮﺟّﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻲّ ﻭﺍﻟﺤﻴﻠﻮﻟﺔ ﺩﻭﻥ ﺇﻗﺒﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻲّ، ﺃﻱ ﻟﻠﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﺍﻟﺘﻲ لا ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻬﺎ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺀ ﻭﺇﻓﺴﺎﺩ ﺍلإﺧـلاﺹ.. ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﺇﺫﻥ ﺭﺣﻤﺔُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ؛ لأﻧﻲ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﻭﺇﻗﺒﺎﻝَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺿﺎﺭ لأﺷﺨﺎﺹ ﻣﺜﻠﻲ. ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻌﻲ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻨﻲ ﺟﻴﺪﺍً: ﺃﻧﻨﻲ لا ﺃﻗﺒﻞ ﺍلاﺣﺘﺮﺍﻡ ﻟﻨﻔﺴﻲ، ﺑﻞ ﺃﻧﻔﺮ ﻣﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﻓﺎﺿـلا ﻋﺰﻳﺰﺍً ﻋﻠﻲّ ﻗﺪ ﻧﻬﺮﺗُﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﺮﺓ ﻟﺸﺪﺓ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﻟﻲ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪُﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ ﻭﺇﺳﻘﺎﻃﻲ ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖَ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻗﻮﻡ ﺑﺘﺒﻠﻴﻐﻬﺎ، ﻓﻌﺒﺜﺎً ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ لأﻥ ﻧﺠﻮﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ لا ﺗُﺴﺪَﻝ ﺑﺸﻲﺀ. ﻓﻤﻦ ﻳﻐﻤﺾ ﻋﻴﻨﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﻧﻬﺎﺭَﻩ ﻟﻴـلا لا ﻧﻬﺎﺭ ﻏﻴﺮﻩ.

المكتوب الخامس عشر

    ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿ﻭَﺍِﻥْ ﻣِﻦْ ﺷَﻲﺀٍ ﺍِلا ﻳُﺴَﺒِّﺢُ ﺑِﺤَﻤْﺪِﻩِ﴾

    ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ! ﺇﻥ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﺍلأﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ:

ﻣﻌﻠﻮﻡٌ ﺃﻥ ﺻﻐﺎﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻫﻢ ﺃﻋﻈﻢُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃَﻋﺎﻇﻢ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺇﺫﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔُ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺑﻨﻈﺮ ﻭلاﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻨﺪﺳّﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺣﺘﻰ ﺳﺒّﺒﻮﺍ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ؟

ﺟﻮﺍﺑﻪ: ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ:

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ

ﺑﺘﻮﺿﻴﺢ ﺳﺮ ﺩﻗﻴﻖ ﻟﻠﻮلاﻳﺔ ﻭﺑﻴﺎﻧﻪ ﺗﺤﻞ ﻋﻘﺪﺓ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻭلاﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻫﻲ «ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ». ﻭﻣﻨﺒﻌُﻬﺎ ﻭﺃﺻﻮﻟُﻬﺎ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻭﻃﺮﻳﻘُﻬﺎ: ﺍﻟﻨﻔﻮﺫُ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ. ﻓﻬﻲ ﻭلاﻳﺔٌ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ «ﺍلأﻗﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ» ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺭﻏﻢ ﻗﺼﺮﻫﺎ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺳﺎﻣﻴﺔٌ ﻭﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﺍً، ﺧﻮﺍﺭﻗُﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭﻛﺸﻮﻓﺎﺗُﻬﺎ ﻭﻛﺮﺍﻣﺎﺗﻬﺎ ﻧﺎﺩﺭﺍً ﻣﺎ ﺗﻈﻬﺮ، ﺇلا ﺃﻥ ﻣﺰﺍﻳﺎﻫﺎ ﻭﻓﻀﺎﺋﻠَﻬﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﺍً. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕُ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺃﻏﻠﺒُﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺔ. ﻓﻘﺪ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺃَﻣﺮٌ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﺴﺒﻮﺍ، ﺇﻛﺮﺍﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ، ﻭﺃَﻏﻠﺐُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺸﻮﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺎﺕ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻭﻋﻨﺪ ﻣﺮﻭﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﺑﺮﺯﺥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺠﺮﺩﻭﻥ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ- ﻣﻦ ﺣﻈﻮﻅ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﺣﺎلاﺕ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻓﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺘﺸﺮﻓﻬﻢ ﺑﺎﻧﻌﻜﺎﺱ ﺃَﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻓﻬﻢ ﻗﺎﺩﺭﻭﻥ -ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ- ﺃﻥ ﻳﻨﻔُﺬﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺨﻄﻮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﻤﺜـلا:

ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺮﻳﻘﻴﻦ لإﺩﺭﺍﻙ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻀﺖ ﻟﻴﻠﺘُﻬﺎ ﺑﺎلأﻣﺲ ﻭﻏﺪﺕ ﻣﺎﺿﻴﺎً:

ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻣﻌﺎﻧﺎﺓُ ﺍلأﻳﺎﻡ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، لأﺟﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻣﻘﺎﺑﻠﺘِﻬﺎ ﻭﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﺎ. ﻓـلاﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻭﻗﻄﻊ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻈﻔﺮ ﺑﻬﺬﻩ «ﺍﻟﻘﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ». ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﺴﻠﻚ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻄﺮﻕ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺍﻧﺴـلاﻝ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﻘﻴّﺪ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﻏـلاﻓﻪ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﻲ ﺭﻭﺣﻴﺎً ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺩ، ﻭﺭﺅﻳﺔ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺑﺎلأﻣﺲ ﻣﻊ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤُﻘﺒﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺣﺎﺿﺮﺗﻴﻦ ﻣﺎﺛﻠﺘﻴﻦ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﻴﺪﺓ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎﻥ. ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺗﺴﻤﻮ ﺍلأﺣﺎﺳﻴﺲُ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺭﻫﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻳﺘﻮﺳﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻭﻳﻄﻮﻱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺍلأﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟـلآﺧﺮﻳﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺑﺎلأﻣﺲ، ﺑﺎﻟﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻭﺃﺳﺎﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ «ﺍلأﻗﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ».

ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﻫﺬﺍ ﺑﻤﺜﺎﻝ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻗﺮﻳﺒﺔٌ ﻣﻨﺎ لأﻥ ﺿﻴﺎﺀَﻫﺎ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗَﻬﺎ ﻭﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ ﺑﻌﻴﺪﻭﻥ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓﻠﻮ ﺃَﺣﺴﺴﻨﺎ ﺑﺄَﻗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺃَﺩﺭﻛﻨﺎ ﻋـلاﻗﺘﻨﺎ ﻣﻊ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻨﺎ، ﻭﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ، ﻭﻟﻤﺴﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺿﻴﺎﺋﻬﺎ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﻭﻫﻴﺌﺘﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﺃَﻗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ ﺗﻨﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺗُﻐﺮﻳﻨﺎ ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻭﻗﺮﺏ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺃَﺭﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻘﺮّﺏَ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮّﻑَ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺑُﻌﺪﻧﺎ ﻋﻨﻬﺎ، لاﺿﻄﺮﺭﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻟﻨﺼﻌﺪ ﻓﻜﺮﻳﺎً ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻧﺘﺼﻮﺭ ﻣﻦ ﺛﻤﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻣﺘﺄﻟﻘﺔً ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭلاﺑﺪ ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﻄﻮﻟﺔ ﺟﺪﺍً لإﺩﺭﺍﻙ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺿﻴﺎﺀ ﻭﺣﺮﺍﺭﺓ ﻭﺃَﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ. ﻭﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻗﺪ ﻧﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻤﺜﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍلأﻭﻝ ﺑﺘﺄﻣﻞ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺗﻪ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ؛ ﻓﺎﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻭﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ ﻋﻨﻬﺎ، ﻣﺘﻮﺟﻬﺘﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ  ﺍلأﻗﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ . ﺃﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻮلاﻳﺎﺕ ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺗﺴﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﺃَﺳﺎﺱ  ﺍﻟﻘﺮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ  ﻓﺘﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﻋﺒﺮَ ﻣﺮﺍﺗﺐَ ﻋﺪﺓ ﻗﺒﻞ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ.

   ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻋﺪﺩﺍً ﻗﻠﻴـلا ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻛﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺼﺮُﻫﻢ ﻭﺇﻳﻘﺎﻑ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺇﻃﻔﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻛﺸﻔﻬﻢ. ﺇﺫ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺃَﻗﻮﺍﻡ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﺗﺪﺍﺧﻠﺖ ﻭﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕٌ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍلإﺳـلاﻡ. ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃُﺻﻴﺐ ﻏﺮﻭﺭُﻫﻢ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻳﺪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ. ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﻳﻀﻤﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺍلاﻧﺘﻘﺎﻡَ ﻭﻳﺘﺮﻗﺒﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻪ ﺣﻴﺚ ﺃُﺑﻄﻞ ﺩﻳﻨُﻬﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻭﺩُﻣّﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ﻭﺃﺯﻳﻠﺖ ﺩﻭﻟﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻓﺘﺨﺎﺭﻫﻢ ﻭﻋﺰّﻫﻢ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺇﺣﺴﺎﺳﺎً ﺑﺎلاﻧﺘﻘﺎﻡ ﺷﻌﻮﺭﻳﺎً ﻭﻏﻴﺮ ﺷﻌﻮﺭﻱ ﻣﻦ ﺧـلاﻓﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﻴﻞ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺳﻴﻦ ﺍلأﺫﻛﻴﺎﺀ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻐﻠﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻭﺇﺯﺍﻟﺘَﻬﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﺑﺈﺻـلاﺡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺗﻨﻮﻳﺮ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻜﺸﻒ ﻗﻠّﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ.

ﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﺇﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺪ ﻫﺘﻒ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ ﺑـ«ﺳﺎﺭﻳﺔ» ﺃﺣﺪ ﻗﻮﺍﺩ ﺳﺮﺍﻳﺎﻩ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺑُﻌﺪ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺷﻬﺮ ﻣﻨﻪ ﺑـ«ﻳﺎ ﺳﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﺠﺒﻞَ ﺍﻟﺠﺒﻞَ!» ﻓﻬﺘﺎﻓُﻪ ﻫﺬﺍ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬُﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﺎ ﺳﺒﺒﺎً ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻧﻴﻞ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﺪﻯ ﻧﻔﺎﺫ ﺑﺼﻴﺮﺗﻪ ﺍﻟﺤﺎﺩﺓ.

ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻫﻮ: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﺗَﺮَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﺑﻨﻈﺮﻫﺎ ﺍﻟﺜﺎﻗﺐ ﻗﺎﺗﻠَﻪ «ﻓﻴﺮﻭﺯ» ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻨﻪ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻤﺎ ﺃﺟﺎﺏ ﻋﻨﻪ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ،

 (حاشية)

ﮊ ﻣﺼﺮﺵ ﺑﻮﻯ ﺑﻴﺮﺍﻫﻦ ﺷﻨﻴﺪﻯ   ﭼﺮﺍ ﺩﺭ ﺟﺎﻩ ﻛﻨﻌﺎﻧﺶ ﻧﺪﻳﺪﻯ

 ﺑﮕﻔﺖ: ﺍﺣﻮﺍﻝ ﻣﺎ ﺑﺮﻕ ﺟﻬﺎﻥ ﺍﺳﺖ   ﺩﻣﻰ ﺑﻴﺪﺍ ﻭ ﺩﻳﮕﺮﺩﻡ ﻧﻬﺎﻥ ﺍﺳﺖ

 ﮔﻬﻰ ﺑﺮ ﻃﺎﺭﻡ ﺃﻋﻠﻰ ﻧﺸﻴﻨﻢ      ﮔﻬﻰ ﺑﺮ ﻳُﺸﺖ ﺑﺎﻯ ﺧﻮﺩ ﻧﺒﻴﻨﻢ

  ﺳﻌﺪﻱ ﺍﻟﺸﻴﺮﺍﺯﻱ، ﮔﻠﺴﺘﺎﻥ

 ﻓﻘﺪ ﺳﺌﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ: ﻛﻴﻒ ﻭﺟﺪﺕَ ﺭﻳﺢ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻣﻦ ﻗﻤﻴﺼﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﻣﺼﺮ، ﻭﻟﻢ ﺗﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺠُﺐِّ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻚ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﻛﻨﻌﺎﻥ؟

ﻓﺄﺟﺎﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ: ﺇﻥ ﺣﺎلاﺗِﻨﺎ ﻛﺎﻟﺒﺮﻕ ﺍﻟﺨﺎﻃﻒ، ﻳﻈﻬﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻭﻳﺨﺘﻔﻲ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﻨﻜﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻛﻤﻦ ﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﻳﺮﻯ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ، ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺧﺮﻯ لا ﻧﺮﻯ ﻇﻬﺮ ﺃﻗﺪﺍﻣﻨﺎ.

ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺇﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﺎﻋـلا ﺫﺍ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻫﻲ ﺍلأﺻﻞ، ﻭﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺣﺎﻛﻢٌ ﻣﻬﻴﻤﻦ ﻭﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺮﺩّ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻭﻣﺎ ﺗﺸﺎﺅﻭﻥ ﺇلا ﺍﻥْ ﻳﺸﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ﴾ (ﺍلإﻧﺴﺎﻥ:30) ﻭﺇﺫﺍ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﻋﻤﻲَ ﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻓﻴﻨﻔﺬ ﺣﻜﻤَﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻜﻠَّﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺗﺴﻜﺖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﻳﺼﻤﺖ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ.

 ﻣﻀﻤﻮﻥ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ: ﻣﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺑّﺖ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﺴﻤﻲ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮﺍ ﻭﻗُﺘﻠﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ «ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺠﻤﻞ» ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺍﺭﺕ ﺭﺣﺎﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺟﻤﺎﻋﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﻭ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ (ﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ). ﻭﺗﻮﺿﻴﺤﻬﺎ ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﻟﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔَ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻟﺴﻴﺎﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﺤﻜﻢ. ﻭﺳﺎﺭ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻩ ﻭﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﺨﺎﻥ ﻳﺴﻴﺮﺍﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ. ﺃﻣﺎ ﻣﻌﺎﺭﺿﻮﻩ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥَّ ﺻﻔﺎﺀ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﻃﻬﺎﺭﺓَ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﻣـلاﺋﻤﻴﻦ ﻭﻣﻤﻬّﺪﻳﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﻨﺸﺮ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔُ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﺳﻠﻄﺎﻧَﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺩﺧﻮﻝ ﺃﻗﻮﺍﻡ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﺎﺋﻊ ﻭﺍلاﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻒ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﺩّﻯ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻊ ﻋﻮﺍﺋﻖَ ﻣﻬﻤﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ، ﻓﻐﺪﺍ ﺗﻄﺒﻴﻘُﻬﺎ ﺻﻌﺒﺎً، ﻟﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺍﺟﺘﻬﺪﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟـﺔ ﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﺧﺘﻴـﺎﺭٌ لأﻫﻮﻥ ﺍﻟﺸـﺮّﻳﻦ.

ﻭﻟﻜﻦ، لأﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﺁﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺒﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﻃﺮﻑ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻩ ﺑﻨﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﺍﺑﺘﻐﺎﺀ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻧﺸﺒﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏُ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻠﻪ، ﻓﻴﺼﺢ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: ﺍﻟﻘﺎﺗﻞُ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻛـلاﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﻛـلاﻫﻤﺎ ﻣﺄﺟﻮﺭﺍﻥ ﻣﺜﺎﺑﺎﻥ، ﺭﻏﻢ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺻﻮﺍﺑﺎً ﻭﺃﻥ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ ﻣﺠﺎﻧﺐٌ ﻟﻠﺼﻮﺍﺏ. ﻭﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺃﻫـلا ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ. ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪُ ﻟﻠﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺎﺏ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮﺍﻥ ﻭﺇﻥ ﺃَﺧﻄﺄ ﻓﻠﻪ ﺃَﺟﺮٌ ﻭﺍﺣﺪ، ﺃَﻱ ﺃَﻧﻪ ﻳﻨﺎﻝ ﺛﻮﺍﺏَ ﺑﺬﻟﻪ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺃﻱ ﻫﻮ ﻣﻌﺬﻭﺭ ﻓﻲ ﺧﻄﺌﻪ.

ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪُ ﺃﻋـلاﻡ ﻋﻠﻤﺎﺋﻨﺎ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻭﻳُﻌﺪُّ ﻗﻮﻟُﻪ ﺣُﺠﺔ، ﺷﻌﺮﺍً ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻜﺮﺩﻳﺔ:

   ﮊِﻯ ﺷَﺮِّ ﺻَﺤَﺎﺑَﺎﻥْ ﻣَﻜَﻪ ﻗَﺎﻝُ ﻭﻗِﻴﻞْ    ﻟَﻮْﺭَﺍ ﺟَﻨَّﺘِﻴﻨَﻪ ﻗَﺎﺗِﻞُ ﻭﻫَﻢْ ﻗَﺘِﻴﻞْ

   ﺃﻱ لا ﺗﺨُﺾ ﻓﻴﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺤﺐ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ؛ لأﻥ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻭﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ ﻓﻬﻮ:

ﺇﻥَّ ﺣﻖ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺒﺮﻱﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ لا ﻳﺒﻄُﻞ لأﺟﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺣﻘَّﻪ ﻣﺤﻔﻮﻅ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ:32) ﻓـلا ﻳُﻀﺤَّﻰ ﺑﻔﺮﺩٍ ﻭﺍﺣﺪ لأﺟﻞ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺳـلاﻣﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﺤﻖ ﻫﻮ ﺣﻖٌّ ﺿﻤﻦ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻓـلا ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻧﻪ ﺻﻐﻴﺮﺍً ﺃﻭ ﻛﺒﻴﺮﺍً، ﻟﺬﺍ لا ﻳُﻔﺪﻯ ﺑﺎﻟﺼﻐﻴﺮ لأﺟﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻭلا ﺑﺤﻴﺎﺓ ﻓﺮﺩ ﻭﺣﻘِّﻪ لأﺟﻞ ﺳـلاﻣﺔ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺭﺿﻰً ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ. ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺮﺿﺎﻩ ﻭﺭﻏﺒﺔً ﻣﻨﻪ ﻓﻬﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﻳُﻀﺤَّﻰ ﺑﻪ لأﺟﻞ ﺳـلاﻣﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ لا ﺗﺄﺧﺬ ﺣﻖ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ لأﺟﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﺇﺿﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺸﺮ ﺍلأﻫﻮﻥ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ ﻓـلا ﻳُﺼﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺇﻥْ ﺻﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻈﻠﻢ. ﻓﺎلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔٌ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ. ﻟﺬﺍ ﺣﺎﻭﻝ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﻌﺎﺭﺿﻮﻩ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻏﻴﺮُ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ، ﺣﻴﺚ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻮﺍﺋﻖٌ ﻭﻣﺸﻜـلاﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ، ﻓﺼﺎﺭ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩُﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ.

ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺃﻭﺭﺩﻩ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﻞ ﺣﺠﺞ ﻭﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﻭﺍﻫﻴﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ: ﻟِﻢَ ﻟَﻢْ ﻳُﻮﻓّﻖ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻭﻓّﻖ ﺃﺳـلاﻓُﻪ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺩﻓﺔ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﺭﻏﻢ ﺍﺗﺼﺎﻓﻪ -ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ- ﺑﻘﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻭﺫﻛﺎﺀ ﺧﺎﺭﻕ، ﻭﻟﻴﺎﻗﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﻤﻨﺼﺐ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻴﺎً ﻛﺎﻥ ﺣَﺮﻳّﺎً ﻭﻣﺆﻫَـلا ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﻬﻤﺎﺕٍ ﺟِﺴﺎﻡ ﺗﻔﻮﻕ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺗﺎﻣﺎً ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺮﺯ ﻟﻘﺐ «ﺳﻴﺪ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ» ﺑﺠﺪﺍﺭﺓ ﺗﺎﻣﺔ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻫﻞٌ ﻟﻪ ﺑﺤﻖ. ﻓﻈﻔﺮ ﺑﺴﻠﻄﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺑﺤﻜﻢ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﺃﺭﻗﻰ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻓﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ. ﺣﻴﺚ ﺃﺻﺒﺢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﻏﺪﺍ ﺣُﻜﻤُﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﺳﺎﺭﻳﺎً ﻭﻣﺎﺿﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻣﻦ ﺣﺮﺏ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﻧﺼﺎﺭﻩ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔ «ﺻﻔﻴﻦ» ﻓﻬﻲ ﺣﺮﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨـلاﻓﺔ ﻭﺍﻟﺴَﻠﻄﻨﺔ -ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ- ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻋﻠﻴﺎً ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﺃَﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖَ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺍلآﺧﺮﺓَ ﺃﺳﺎﺳﺎً، ﻓﻜﺎﻥ ﻳُﻀَﺤّﻲ ﺑﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤُﻜﻢ ﻭﺍﻟﺴَﻠﻄﻨﺔ ﻭﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﺟﺤﺎﻑ، ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺍلأﺣﻜﺎﻡ. ﺃﻣﺎ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﻣَﻦ ﻣﻌﻪ، ﻓﻘﺪ ﺍﻟﺘﺰﻣﻮﺍ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔَ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍلأﺧﺬ ﺑﺎﻟﻌﺰﻳﻤﺔ، لأﺟﻞ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺑﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ. ﻓﻌﺪّﻭﺍ ﺃﻧﻔﺴَﻬﻢ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺍلأﺧﺬ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ. ﻟﺬﺍ ﺭﺟّﺤﻮﺍ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺰﻳﻤﺔ، ﻓﻮﻗﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ.

ﺃﻣﺎ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻟـلأﻣﻮﻳﻴﻦ، ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺻﺮﺍﻉٌ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﺇﺫ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﺍلأﻣﻮﻳﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﻭﻗﺪّﻣﻮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﺃﻱ ﻓﻀّﻠﻮﺍ ﺭﺍﺑﻄﺔَ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻓﺄﺿﺮُّﻭﺍ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺁﺫﻭﺍ ﺍلأﻗﻮﺍﻡ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺑﻨﻈﺮﺗﻬﻢ ﻫﺬﻩ، ﻓﻮﻟّﺪﻭﺍ ﻓﻴﻬﻢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺭ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﺃُﺳﺲ ﻇﺎﻟﻤﺔ لا ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔَ ﻭلا ﺗﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺤﻖ، ﺇﺫ لا ﺗﺴﻴﺮ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺲُ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، لأﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ ﻳﻔﻀّﻞ ﻣﻦ ﻫﻢ ﺑﻨﻮ ﺟﻨﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻓﺄﻧَّﻰ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ! ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻳﺠﺐّ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ، لا ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻋﺒﺪٍ ﺣﺒﺸﻲ ﻭﺳﻴﺪ ﻗﺮﺷﻲ ﺇﺫﺍ ﺃﺳﻠﻤﺎ. ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺭﺍﺑﻄﺔَ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ. ﺇﺫ لا ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺪﺍﻟﺔٌ ﻗﻂ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗُﻬﺪﺭ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﻳﻀﻴﻊ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺪ ﺗﻤﺴّﻚَ ﺑﺮﺍﺑﻄﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻫﻮ ﻣُﺤﻖٌّ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻟﺬﺍ ﻗﺎﻭﻡ ﺍلأﻣﻮﻳﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺭُﺯﻕ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ.

ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ: ﻟِﻢَ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺢ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﻌﺎﻩ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﻖٍّ ﻭﺻﻮﺍﺏ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺳﻤﺤﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺎﻗﺒﺘُﻪ ﻭﻋﺎﻗﺒﺔُ ﺁﻝ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﺎﺟﻌﺔً ﺃﻟﻴﻤﺔ؟

 ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﺜﻨﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﻘﺮّﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺍلأﻗﻮﺍﻡ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﺤﻘﻮﺍ ﺑﻬﻢ ﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﺃُﺻﻴﺐ ﻏﺮﻭﺭُﻫﻢ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺑﺠﺮﻭﺡ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻬﻢ ﻳﻀﻤﺮﻭﻥ ﺛﺄﺭﺍً ﺗﺠﺎﻫﻬﻢ، ﻣﻤﺎ ﻛﺪّﺭ ﺻﻔﺎﺀَ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﻭﻧﻘﺎﺀﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﻪ، ﻭﺃﺩّﻯ ﺗﻌﻜُّﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺀ ﻭﺧﻔﻮﺕ ﺳﻄﻮﻉ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﻬﻘﺮﻫﻢ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻭﻟﺌﻚ.

ﺃﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻓﻬﻲ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻭﺫﻭﻳﻬﻤﺎ ﻭﻧﺴﻠَﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺮﺷﺤﻴﻦ ﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﻣﺆﻫﻠﻴﻦ ﻟﺘﺴﻨّﻢ ﻣﺮﺗﺒﺔً ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﻊُ ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﻤﻜﺎﻥ، ﻟﺬﺍ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻳُﻌﺮِﺿﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﻭﺟﻪَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺪﻣﻴﻢ، ﻟﺌـلا ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻬﻢ ﻋـلاﻗﺔٌ ﻗﻠﺒﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺩﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﻀﻮﺍ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺻﻮﺭﻳﺔ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﺯﺍﺋﻠﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﻴّﻨﻬﻢ ﻟﺘﺴﻨّﻢ ﺍلأﻣﻮﺭِ ﻟﺪﻯ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ، ﻓﺄﺻﺒﺤﻮﺍ ﻣﺮﺟِﻌﺎً لأﻗﻄﺎﺏ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺮﺟﻌﺎً ﻟﻠﻮلاﺓ ﺍلاﻋﺘﻴﺎﺩﻳﻴﻦ.

ﺃﻣﺎ ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍلأﻟﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﻳﻦ ﺍﻟﻤﻴﺎﻣﻴﻦ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺑﻴّﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺛـلاﺛﺔ ﺃُﺳﺲ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺎﺭﺿﻮ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﻫﻢ ﺍلأﻣﻮﻳﻮﻥ ﻳﺴﻴﺮﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻣـلاﺕ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﻭﻣﺆﺩﺍﻩ؛ ﺃﻥ ﺍلأﺷﺨﺎﺹ ﻳُﻀﺤّﻰ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﺳﺘﺘﺒﺎﺏ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒـلاﺩ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﻟﺘﻬﻢ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﻭﻫﻮ: «ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳُﻀﺤّﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺳـلاﻣﺔ ﺍلأﻣﺔ».

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺗﺄﺻﻞ ﻋﺮﻕُ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍلأﻣﻮﻳﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﻣﺪﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﻴﻴﻦ، ﻓﻈﻬﺮ ﻓﻲ  ﻳﺰﻳﺪ  ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻪ. ﻣﻤﺎ ﺳﺒﺐ ﺗﻔﺠّﺮ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻇﺎﻟﻤﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ لا ﺭﺣﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻭلا ﺭﺃﻓﺔ.

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﺐ ﺭﺍﺑﻊ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻧﻀﻤﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺻﻒ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍلأﻣﻮﻳﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﻧﻈﺮﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻗﻮﺍﻡ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻋﺒﻴﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻭﺗﺴﻤﻴﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻟﻲ، ﺃﺻﺎﺏ ﻏﺮﻭﺭ ﺃﻭﻟﺌﻚ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍلاﻟﺘﺤﺎﻕ ﺑﺼﻒ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ، ﻭﻫﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻧﻴﺔً ﻏﻴﺮ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ. ﻭﻫﻲ ﻧﻴّﺔ ﺃﺳﺎﺳُﻬﺎ ﺩﺍﻓﻊ ﺍﻟﺜﺄﺭ. ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻴّﺞ ﺍﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍلأﻣﻮﻳﻴﻦ ﻓﺄﺩﻯ ﺑﻬﻢ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﺍلأﻟﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﻭلا ﻋﻄﻔﺎً ﻭلا ﺭﺃﻓﺔ.

ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ: ﻫﻲ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻣﺮ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻭﺫﻭﻳﻪ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻗﺪ ﺃﺣﺮﺯﻭﺍ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺳﻠﻄﻨﺔً ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻭﺭﻗﻴﺎً ﻣﻌﻨﻮﻳﺎً، ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺎﺟﻌﺔ ﺍلأﻟﻴﻤﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلآلاﻡ ﻭﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لاﻗﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍلأﻟﻴﻤﺔ ﺯﻫﻴﺪﺓً ﻭﻳﺴﻴﺮﺓ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻈﻮﺍ ﺑﻬﺎ. ﻓﻤﺜـلا:

ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺳﺎﻋﺔ ﻳﻐﻨﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺸﻬﺎﺩﺓ ﻣﺎلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﻌﻰ ﺑﺠﻬﺪ ﻣﺘﻮﺍﺻﻞ ﺧـلاﻝ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻴﻦ. ﻓﻠﻮ ﺳﺌﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺑﻌﺪ ﻓﻮﺯﻩ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ لأﺟﺎﺏ: ﻟﻘﺪ ﻓﺰﺕُ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﺑﺸﻲﺀ ﻳﺴﻴﺮ ﺟﺪﺍً.