محاكمة بديع الزمان بـ«أفيون»
كان مِن دأبِ بديع الزمان في كلِّ سجنٍ يدخله تعليمُ وإرشادُ مَن فيه من المساجين، وبلغ من ثمرات ذلك أنْ تَحوَّلَ بعضُ المجرمين إلى أناسٍ في غاية الطيبةِ والوداعة، وبالرغم من إبقاء الأستاذ في زنزانةٍ انفراديةٍ إلا أن السجن كان يتحول إلى مدرسةٍ نورية؛ ولهذا كان يصف السجون التي يدخلها بأنها مدرسةٌ يوسُفية؛ حتى لقد بلغ الحال ببعض الشباب الذين كانوا يومًا ما في سجن «دَنِزْلي» أن عبَّروا عن رغبتهم في عدم مغادرة هذه المدرسة اليوسفية قائلين: إنْ بقي بديع الزمان هنا فإننا سنقدِّم أنفسنا على أننا جناةٌ لنبقى في السجن.. لن نفارق الأستاذ، وسنتعلم دروس رسائل النور.
ومن جهةٍ أخرى فقد لوحظ صلاحٌ ظاهرٌ في حال المساجين بعد تأليف وتداولِ الرسالة المسمَّاة «رسالة الثمرة» في سجن «دَنِزْلي»، ما دفع حتى الأعداءَ للتقدير والإعجاب.
إن طلاب النور الخُلَّص الذين نالوا إيمانًا تحقيقيًّا بقراءتهم رسائلَ النور بتفكُّرٍ وتمعُّنٍ في فحواها، لا يهابون الموت، ولا يخشَون السجون ولا الزنازين، ولا يخافون أذى البشر وإضرارَهم؛ ذلك أنهم ما داموا يعملون لنجاة الوطن والشعب والعالَم الإسلامي والبشرية نجاةً أبديةً عبر خدمة القرآن والإيمان القدسية، لا يعتريهم فتورٌ ولا يأسٌ مهما واجهوا من ظلم أعداء الدين واعتداءاتهم، بل يدخلون السجون بكلِّ رضًى وافتخار.. إن لهم نقطة استنادٍ واحدةً لا ثانيَ لها، ألا وهي خدمة القرآن والإيمان بإخلاصٍ طلبًا لرضوان الله تعالى وحدَه، وكفى بالله وليًّا ونصيرًا للمظلومين والأبرياء.
إنهم يعملون بتضحيةٍ وتفانٍ كأستاذهم المقدام لنشر رسائل النور وقراءتها، غيرَ مبالين بما يعترض طريقَهم من عقبات، ولأجل هذا لم يتزعزعوا في خدمة الإيمان