60
متصرِّف المدينة المعروفُ بصرامته إلى «بِتْليس» مكبَّلًا بالقيود تحت رقابة عددٍ من الجنود، وبينما كانوا في الطريق حان وقت الصلاة، فطلب من الجنود أن يَحلُّوا القيود الحديدية ليؤديَ الصلاة فأبَوا، فحلَّها بنفسه كأنما يحُلُّ عُقدةَ منديل، وألقى بها بين أيديهم، فدُهِشوا مما رأوا وعدُّوها كرامةً، وقالوا له وهم في حالةٍ من التسليم والاستعطاف: لقد كنا إلى الآن حُرَّاسَك، لكننا مِنَ الآن خَدَمُك [سُئِل بديعُ الزمان يومًا: كيف حلَلْتَ القيود؟ فقال: وأنا كذلك لا أدري، لا بدَّ أنها كرامةُ الصلاة؛ المُعِدّون].
وحين كان في «بِتْليس» بلَغَه يومًا أن للوالي مجلسًا يشرب فيه الخمر مع بعض موظفيه، فقال غاضبًا: لا أقبل أن يَرتكِب هذا الفعلَ شخصٌ يمثِّل الحكومةَ في مدينةٍ متديِّنةٍ كـ«بِتْليس»، وذهب من فوره إلى المجلس واستهلَّ كلامه بحديثٍ شريفٍ حول الخمر، ثم شرع يكلِّمهم كلامًا شديدَ اللهجة، واضعًا يده على مسدَّسه لاحتمال أن يشير الوالي لمن حولَه بأن ينهالوا عليه ضربًا، إلا أن الوالي كان رجلًا على درجةٍ عاليةٍ من الحلم والنخوة، فلم يَنبِس ببنتِ شفة.
ولما غادر المُلَّا سعيدٌ المجلس، قال له مساعد الوالي مُستنكِرًا: ماذا فعلتَ؟! إن الكلام الذي قلتَه يستوجب إعدامك.
فردَّ سعيدٌ الشابُّ: لم يخطر ببالي الإعدام، ظننتُ الأمرَ لا يتعدى السجن أو النفي، لكن على أيَّةِ حال ما ضرَّ إنْ مِتُّ في سبيل دفعِ منكَر؟!.
وبعد عودته من المجلس بنحو ساعتين أرسل الوالي شرطيَّيْن في طلبه، فذهب معهما إليه، فلما دخل عليه استقبله باحترامٍ وتعظيم، وأراد أن يقبِّل يده، وقال مُرَحِّبًا: لكلِّ إنسانٍ أستاذُه، وأنت أستاذي.
***