[انتقادات أهل الإيمان]
إخوتي الأعزاء الأوفياء الميامين!
……..
ثانيا: إنه لا أهمية قطعا لانتقادات خفيفة يوجهها إلينا بعضُ المتصوفة -كما ورد في رسالة أخينا من قونيا- وعليهم ألّا يتألموا منها، ولا يقابلوهم بالمثل بأيّ وجه من الوجوه. لأني أعدّ تلك الانتقادات نوعا من النصيحة وضربا من الالتفاتة والتكريم، حيث إنها واردةٌ من أهل الإيمان، ولاسيما من أهل الطرق الصوفية ولا سيما ما كانت تمسّ شخصي بالذات. فأنا أسامحهم وأعفو عنهم. فتجاه الأضرار الرهيبة التي يُنـزلها بنا أهلُ الإلحاد حاليا أَعدّ تلك الانتقادات الطفيفة من إخواننا أهل الإيمان والتي تمسّ شخصي، توصيةَ صديق شبيه بالتذكير والتنبيه لأخذ الحذر.
الباقي هو الباقي
أخوكم
سعيد النُّورْسِيّ
* * *
[من خدمات طلاب النور]
إن الخدمات الإيمانية التي قدمها طلابُ النور، أركانُ مدرسة الزهراء -ولا سيما خُسرو- لهذه الأمة والوطن والعالم الإسلامي، ووَضْعهم الحدّ أمام مكايد الملحدين المخرّبين، هي حسنات عظيمة تُذهِب ألوف سيئاتهم -لو كانت لهم سيئات بفرض محال-. لذا يجب عدم انتقاد أعمال أولئك الأركان وحركاتهم -وفي مقدمتهم خسرو- بل يلزم إسنادهم بإخلاص تام وتوثيقُ رابطة الأخوة معهم بوفاء خالص…
* * *
[حول رسالة «اللوامع»]
إخوتي الأعزاء الأوفياء ويا أركان مدرسة الزهراء وناشري رسائل النور!
أولا: لقد رأينا مسألةً ما مناسبة وملائمة. وخطر على القلب إحالتها إلى أركان مدرسة الزهراء ليُبدوا رأيهم فيها، فهم أهل الرأي والصلاحية. وهي كالآتي:
بناءً على لهفة ثلاثة أخوة يعاونونني في شؤوني إلى تلقي درس موقت مني بضعة أيام، وشوقا إلى إحياء خاطرة قيّمة درّستها طلابي في الماضي، فقد كنت أدرّس يوميا صحيفة واحدة من رسالة «اللوامع» المطبوعة، فتلقيناها معا بإعجاب وتقدير؛ إذ ورد إلى فكرنا: أن سبب نفاد هذه الرسالة المطبوعة وأمثالها، هو قيمتُها الرفيعة التي قدّرها الأعداء، فحالوا دون انتشارها، والأصدقاءُ الذين لا يريدون أن تفلت منهم فرصةُ اقتنائها. وشاهدنا أن هذه الرسالة (اللوامع) هي بمثابة بذور ونوى لقسم مهم من رسائل النور حيث تضم حِكما بليغة موجزة تحمل في طيّها حقائق اجتماعية عظيمة وردت بأسلوب سهل ممتنع لا يمكن تقليده وبشكل منظوم كالمنثور، لم يوفَّق إليه أديب ولا مفكر، فيقرؤها القاري بسهولة ويُسر منثورا من دون أن يورد إلى خاطره النظم. وقد أُلّفتْ في عشرين يوما من أيام شهر رمضان المبارك بالعمل ساعة أو ساعتين يوميا وذلك قبل سبع وثلاثين عاما. وهي من ناحية الأدب شبيهة بالمثنوي الرومي. وقد أَخبرَت عن أمور ستتحقق مضامينُها بعد ثلاثين سنة. فوضعنا إشارات في ثلاثين موضعا من هذا القبيل، مما يدل على أن هذه «اللوامع» مبشِّرة برسائل النور وفهرستُها ومزرعتُها وأنموذجها.
* * *
بشرى.. وتنبيه
رسالة خاصة بأركان مدرسة الزهراء الحاليين
بشرى مهمة إلى العجائز..
وتنبيه للآنسات اللائي يفضّلن البقاء عازبات.
إن مفهوم الحديث «عليكم بدين العجائز» يحث على الاقتداء بدينِهن، بمعنى أن الإيمان الراسخ في آخر الزمان يكون لدى العجائز.
ولما كان أحدُ الأسس الأربعة لرسائل النور: «الشفقة».. وأن النساء هن رائدات الشفقة والحنان -حتى إن أشدُّهن تخوفا تضحّي بروحها، إنقاذا لطفلها- وأن الوالدات والأخوات المحترمات يواجهن في هذا الوقت أحداثًا جسامًا.. فقد أُلهم قلبي: أنه يلزم بيان حقيقة فطرية تخصّ الآنسات من طالبات النور بالرغم من أنها لا يجوز البوح بها أو نشرها، إذ هي خاصة جدا باللائي يرغبن البقاء في حياة العزوبة، أو اضطُررن إليها. فأقول:
يا بناتي ويا أخواتي!
إن زماننا هذا لا يشبه الأزمنة الغابرة، فلقد ترسخت التربيةُ الحديثة «الأوروبية» في المجتمع عوضا عن التربية الإسلامية، طوال نصف قرن من الزمان. إذ بينما الذي يتزوج ليحصّن نفسه من الآثام وليجعل زوجته صاحبتَه الأبدية ومدارَ سعادته الدنيوية، بدافع من تربية الإسلام، تراه يجعل تلك الضعيفة المنكوبة، بتأثير التربية الأوربية، تحت سَطوته و تحكّمه الدائم، ويحصر حبَّه لها في عهد شبابها وحده، وربما يزجّها في عنَت ومشقات تفوق كثيرا ما هيأ لها من راحة جزئية. فتمضي الحياة في عذاب وآلام، ولاسيما إن لم يكن الزوج كفؤا -بالاصطلاح الشرعي- حيث الحقوق الشرعية لا تُراعى. وإذا ما تداخلت المنافسةُ والغيرة والتقليد فالبلاء يتضاعف. وهكذا فالذي يدفع إلى هذا الزواج أسباب ثلاثة:
السبب الأول:
لقد وضعت الحكمةُ الإلهية ميلا وشوقا في الإنسان لإدامة النسل، ووضعت أجرةً لأداء تلك الوظيفة الفطرية، وهي اللذة. فالرجل ربما يتحمل مشاقّ ساعة لأجل تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق -إن كانت مشروعة- بينما المرأة، تحمل في بطنها الطفل حوالي عشرة أشهر، مقابل تلك المتعة التي تدوم عشر دقائق، فضلا عما تتحمل من مشقات طوال عشر سنوات من أجل طفلها. بمعنى أن تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق تزيل أهميةَ ذلك الميل الفطري، حيث تسوق إلى هذه المصاعب الكثيرة والمتاعب المستمرة.
فيجب إذن ألّا تدفع المرأةَ إلى الزواج أحاسيسُها ودوافعُها النفسية وميلُها الفطري.
السبب الثاني:
إن المرأة محتاجة فطرةً إلى من يعينها في أمور العيش، لضعف في خلقتها. فمن الأَولى لها أن تسعى لكسب نفقتها بنفسها -كما هي الحال لدى نساء القرى- وذلك أفضل لها بعشرات المرات من أن تدفعها تلك الحاجة إلى الرضوخ لسيطرة زوج نشأ على تربية غير إسلامية -كما في أيامنا الحاضرة- واعتاد على الإكراه والفساد، وربما تحاول الزوجة كسبَ رضاه بالتصنع وبالإخلال بعبادتها وأخلاقها التي هي مدار حياتها الدنيوية والأخروية. كل ذلك لأجل تلك المعيشة البسيطة الزهيدة.
وحيث إن الخالق الرحيم والرزاق الكريم يرسل لهن رزقهن مثلما يرسل رزق الصغار من الأثداء، فليس من شأن طالبة النور إذن البحثُ عن زوج تاركٍ للصلاة، فاقدٍ للأخلاق، والرضوخُ له من التصنع لأجل ذلك الرزق.
الثالث:
إن في فطرة المرأة حبَّ الأولاد وملاطفتهم، والذي يقوي هذا الميل الفطري ويسوق إلى الزواج هو خدمة الولد لها في الدنيا، وشفاعته لها يوم القيامة، وإرساله الحسنات إليها بعد وفاتها. إلاّ أن التربية الأوروبية التي حلت محل التربية الإسلامية في الوقت الحاضر، تجعل واحدا أو اثنين من كل عشرة أبناءٍ ابنا بارا بوالدته، ويسجّل حسنات في صحيفة أعمالها بأدعيته الطيبة وأعمال البرّ، ويشفع لها -إن كان صالحا- يوم القيامة، فيكافئ -حقا- شفقةَ والدته، بينما الثمانية الباقية من العشرة يُهملون هذه الحالة.
لذا فإن هذا الميل الفطري والشوق النفساني في حب الأولاد ومداعبتهم لا ينبغي أن يدفع المرأة في الوقت الحاضر إلى تحمل مصاعب هذه الحياة الشاقة، إن لم تكن مضطرة إليها اضطرارا قاطعا.
فبناء على هذه الحقيقة التي أشرنا إليها، أُخاطب بناتي من طالبات النور اللائي يرغبن في حياة العزوبة، ويُفضلن البقاء باكرات، فأقول:
يجب ألّا يبِعن أنفسهَن رخيصات سافرات كاشفات، عندما لا يجدن الزوج المؤمن الصالح ذا الأخلاق الحسنة الملائم لهن تماما، بل عليهن البقاء في حياة العزوبة إن لم يجدن ذلك الزوج الكفء، كما هو حال بعض طلاب النور الأبطال، حتى يتقدم لطلبها من يلائمها ممن تربى بتربية الإسلام، وله وجدان حيّ، ليكون رفيق حياة أبدية يليق بها. وذلك لئلا تفسد سعادتها الأخروية لأجل لذة دنيوية طارئة فتغرق في سيئات المدنية.
سعيد النُّورْسِيّ
* * *
[نشر الأنوار]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: نبارك يوم المولد النبوي الشريف بقلوبنا وأرواحنا.
ثانيا: سيبارِك العالم الإسلامي نجاحكم الباهر في نشر الأنوار، رسائل النور، وها قد بدأت تباشيره. أذكر أنموذجا منه:
أتاني وزير المعارف الباكستاني، لأخذ قسم من رسائل النور. وقال: سأسعى لنشر هذه الرسائل النورية بين تسعين مليونا من المسلمين. وعلى الرغم من الدعايات المغرضة التي يشيعها المنافقون حولنا، فإن الأنوار تنتشر في أماكن بعيدة كأوروبا وآسيا. بل أُعلنَ في ألمانيا عن مجموعةِ «ذو الفقار» بعد ظهورها مباشرة. وفي داخل البلاد تُقرأ مجموعة «عصا موسى» و«ذوالفقار» بشوق كامل، دون مبالاة بالحظر الذي فُرض على الرسائل من قبل رئيس الوزراء ووزير الداخلية. والقراء كثيرون جداً في أنقرة.
ولقد قرر مدراء السجون في عدة ولايات: سنجعل السجون مدارس نورية، لإصلاح المساجين كما صلُحوا في سجن «دنيزلي» و «أفيوُن».
ثالثا: إن أخانا «برهان» عليه رحمة الله، هو من أبطال رسائل النور الأميين. فأعزّي أقاربه وإسبارطة وطلاب مدرسة الزهراء بوفاته. وقد سمعت الخبر قبل ستة أيام تقريبا. ودعوت له في هذه الأيام ألف مرة، حيث كنت أذكره في دعواتي و في وردي: أجرنا من النار.. ما يقرب من أربعمائة مرة. وأهدي ثوابه كله إلى «برهان».
رابعا: لقد باشرتْ رسائلُ النور بفضل الله بإنارة المدارس الحديثة، إذ جَلبت طلابَها إلى صفوف طلاب رسائل النور وجعلَتهم ناشرين ومالكين لها أكثرَ من طلاب المدارس الشرعية الذين سيكونون بإذن الله طلابا لرسائل النور أيضا وبالتدريج، حيث إن رسائلَ النور بضاعتُهم الحقيقية وحصيلة مدارسهم. وقد بدأتْ تباشير الرغبة والشوق إلى الرسائل لدى كثير من المفتين والعلماء. فيلزم لأهل التكايا أيضا وهم أهل الطرق الصوفية أن ينوروا تلك الرسائل.
لقد كنت أقول: إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة، فالبدَع تحُول دون ذلك، مفكرا في حقائق الإيمان وحدها. ولكن الزمان أظهر أنه يلزم لكل صاحب طريقة -بل الألزم له- أن يدخل دائرة رسائل النور التي هي أوسع الطرق وتضم خلاصةَ الطرق الاثنتي عشرة المهمةِ ضمن دائرة السنة النبوية الشريفة. حيث إن الذي غرق في الخطايا والذنوب من أهل الطريقة لا يلج في الإلحاد بسهولة ولا يقهر قلبه. ولهذا فهم لا يتزعزعون أبدا. فيمكنهم إذن أن يكونوا طلاب رسائل النور حقا، بشرط ألّا يدخلوا -حسب المستطاع- في البدع ولا يرتكبوا الآثام التي تَحُول دون التقوى وتجرحها.
خامسا: إن أخطر شيء في هذا الزمان هو الإلحاد والزندقة والفوضى والإرهاب. وليس تجاه هذه المخاطر إلّا الاعتصام بحقائق القرآن. وبخلاف ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن تُجَابَه هذه المصيبةُ البشرية التي دفعت الصين إلى أحضان الشيوعية في زمن قصير، ولا يمكن إسكاتها بالقوى السياسية والمادية. فليس إلّا الحقائق القرآنية التي تستطيع أن تدفع تلك المصيبة.
* * *
[وظيفتنا العمل والتوفيق من الله]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبدا دائمًا
إخوتي الأعزاء الأوفياء، يا شباب النور الأبطال!
أولا: نبارك خدماتكم الجليلة الخارقة في أنقرة وغيرها من الأماكن ملء أرواحنا وكياننا. حقا لقد أصبحتم وسيلة لصحوة مهمة لدى الكثيرين ولا سيما في أهل المدارس الحديثة بما يفوق آمالنا. إن ما أنجزتموه من خدمات في أنقرة لا يمكن أن تتحقق إلّا في عشر سنوات، فاقتنِعوا بما أديتموه من مهمة، لئلا يصيب الخوَرُ والوهن قوتكم المعنوية من جراء حوادث تافهة، بل لا بد أن تكون وسيلة لبلوغ وسائل أخرى لتزييد سعيكم ونشاطكم.
ففي مثل تلك الأماكن التي يتصارع فيها أكثرُ من عشرين تيارا من التيارات السياسية والاجتماعية لأجل مصالح شخصية أو لأغراض شتى، فإن عملكم في سبيل القرآن والإيمان وتَبنِّي طلاب الجامعة بتقدير وإعجاب لرسائل النور، قد أَبهج قلوبَ جميع طلاب النور بل سيُبهج قلب العالم الإسلامي جمعاء.
إن ثوابكم عظيم في خدماتكم الكلية هذه كثواب المُرابط في ظروف قاسية في الحدود تجاه الأعداء، إذ تُعادل ساعةً من المرابطة سنةً من العبادة.
فأنتم مثل أولئك المرابطين -وكذا طلاب النور في جامعة إسطنبول- قد قمتم بأعمال جسام في زمن قصير، فلئن لم تقطفوا ثمرات سعيكم كلّها، فاكتفوا بها قانعين.
نعم، كما أن انسحاب بعض الضعفاء أثناء الجهاد يثير الحماس ويحرّك النخوة البطولية لدى الشجعان الغيورين، فعلى طلاب رسائل النور المضحّين أن يُقبلوا أكثر على الغيرة والثبات والسعي المتواصل أكثر من قبلُ لدى انسحاب المرتابين.
نعم، إنكم استرشدتم فطرةً بحقيقة عظيمة من حقائق رسائل النور، فضعوا تلك الحقيقة نصب أعينكم وهي:
أن وظيفتنا العمل للإيمان والقرآن بإخلاص؛ أما إحرازُ التوفيق وحمل الناس على القبول ودفع المعارضين، فهو مما يتولاه الله سبحانه. نحن لا نتدخل فيما هو موكول إلى الله، حتى إذا غُلبنا فلا يؤثر هذا في قوانا المعنوية وخدماتنا. وينبغي القياس وفق هذه النقطة. فقد قيل لجلال الدين خوارزم شاه -وهو القائد العظيم في عهده-: ستنتصر على جنكيز خان، فقال: إن مهمّتنا الجهادُ، أما جَعلُنا غالبين أو مغلوبين فهذا ما يتولاه الله سبحانه، ولا أتدخل أنا فيه.
فأنتم يا إخوتي قد اقتديتم بهذا البطل، فتستمرون في العمل بإخلاص دون أن ينال منكم الضعفُ والوهن شيئا.
* * *
[لا وسط بين الكفر والإيمان]
إنه لا وسط بين الكفر والإيمان، ففي هذه البلاد وتجاه مكافحة الشيوعية فليس هناك غير الإسلام؛ وليس هناك وسط. لأن التقسيم إلى يمين ويسار ووسط، يقتضي ثلاثة مسالك. وهذا قد يَصدُق لدى الإنكليز والفرنسيين، إذ يمكنهم أن يقولوا اليمين الإسلام، واليسار الشيوعية، والوسط النصرانية. إلّا أن الذي يجابه الشيوعية -في هذه البلاد- ليس إلّا الإيمان والإسلام. فليس هناك دين ومذهب آخر يجابهها إلّا التحلل من الدين والدخول في الشيوعية، لأن المسلم الحقيقي لا يتنصّر ولا يتهوّد، بل -إذا خلع دينه- يكون ملحدا فوضويا إرهابيا.
وكما أدرك وزيرُ المعارف والعدل هذه الحقيقةَ سيدركها بإذن الله سائرُ الأركان في الحكومة حق فهمها، فيحاولون الاستناد إلى قوة الحق والحقيقة والقرآن والإيمان بدلا من اليمين واليسار، وينقذون بإذنه تعالى هذا الوطن من الكفر المطلق والزندقة ومن دمارهم الرهيب. فنحن نتضرع إليه تعالى بكل كياننا أن يوفقوا في ذلك.
* * *
[برقية من الفاتيكان]
الفاتيكان 22 شباط 1951
مقام البابوية الرفيع
السكرتير الخاص
رئاسة القلم الخاص رقم 232247
سيدي! تلقينا كتابكم المخطوط الجميل «ذوالفقار» بوساطة وكالة مقام البابوية بإسطنبول، وتم تقديمه إلى حضرة البابا الذي رجانا أن نبلّغكم بالغَ سروره من هذه الالتفاتة الكريمة منكم، ودعواته من الله عز وجل أن يشملكم بلطفه وفضله. ونحن ننتهز هذه الفرصة لنبلغكم احتراماتنا.
التوقيع
رئاسة سكرتارية الفاتيكان
* * *
[حول «ولدان مخلدون»]
لقد ورد في سؤال أخينا: ورد في بعض التفاسير لدى الآية الكريمة: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ (الواقعة:17) «أن جميع أهل الجنة، من الأطفال الصغار حتى الشيوخ الهرمين سيكونون في الثالث والثلاثين من العمر».
وحقيقة هذا والله أعلم هي: أن صراحة الآية الكريمة بـ«ولدان» تفيد أن الأطفال الذين لم يؤدوا الفرائض الشرعية ندبا على وجه السنة والنافلة -حيث لم تفرض عليهم- وتُوُفُّوا قبل البلوغ سيخلّدون في الجنة أطفالا صغارا محبوبين بما يليق بالجنة.
والوارد في الشريعة أيضا: أَمر الوالدين أولادهما بالصلاة والصيام والحث على الصلاة متى ما بلغوا السابعة من العمر والإكراهُ عليها في العاشرة منه لأجل التعليم والتدريب.
بمعنى أن الأطفال الذين يؤدون الفرائض -كالصلاة والصيام- اعتبارا من السن السابعة إلى حدّ البلوغ ندبا -وهي لم تفرض عليهم بعد- سيكونون في الثالث والثلاثين من العمر ليجازَوا كالكبار الملتزمين بالدين.
فقسم من التفاسير لم يميز هذه النقطة بل عمّمها على جميع الأطفال فظنوا حكم الآية عامًا مع أنه خاص..
* * *
تذكير أعضاء المجلس النيابي المتدينين الغيارى
إن مصلحة الإسلام والبلاد تقتضي قبل كل شيء إقرارَ قانون حرية المتدينين، وتنفيذه فورا في المدارس. لأن هذا التصديق يُكسب هذه البلاد القوةَ المعنوية لأربعين مليون من المسلمين في روسيا وأربعمائة مليونٍ من المسلمين عامة، ويجعل تلك القوة الهائلة ظهيرة لنا. إذ مما لا شك فيه أن الحقائق القرآنية والإيمانية هي التي صَدّت اعتداء روسيا علينا -قبل اعتدائها على أمريكا والإنكليز- بمقتضى عداوتها لنا منذ ألف عام، لذا فمن الألزم لمصلحة هذه البلاد التمسكُ بتلك الحقائق القرآنية والإيمانية وجعلُها سدا قرآنيا قويا -كقوة سد ذي القرنين- لصدّ تيار الإلحاد المعتدي. ذلك لأن الإلحاد الذي استولى على روسيا وعلى نصف الصين -لحد الآن- وعلى نصف أوروبا قد وقف تجاهنا عند حده. ولم توقفه إلّا الحقائقُ الإيمانية والقرآنية. وإلّا فلا تملك المحاكم التي لا تُعاقِب إلّا واحدا من ألف من المخربين القوةَ الكافية لإيقاف القوة المعنوية المدمرة لروسيا. حيث إن الدمار المعنوي الذي يبيح أموالَ الأغنياء للفقراء والسائبين، ويبيح أعراض أهل الغيرة والشرف للشباب الطائشين والذي استولى في فترة قصيرة على نصف أوروبا.. لا توقفه إلّا قنابل معنوية تنسفه نسفا، وما هي إلّا قنابل ذرية معنوية عظيمة لحقائق القرآن والإيمان، التي توقف تيار اليسار الجارف.
وبخلافه لا يمكن إيقاف تلك القوة المدمرة الهائلة -بمعاقبة واحد من ألف- من قبل المحاكم.
إن الصحوة الحاصلة في البشرية نتيجة الحربين العالميتين أبانَت بأن الأمة لا تعيش بلا دين. فلن تبقى روسيا بلا دين ولا تستطيع ذلك، ولا تعود إلى النصرانية. فلربما تُصالح القرآن أو تَتبع ذلك الكتابَ المبين الذي يقصم الكفر المطلق ويستند إلى الحق والحقيقة وإلى الحجة والدليل ويُقنع العقل والقلب. وعند ذلك لا تحارب أربعمائة مليون من أهل القرآن.
سعيد النُّورْسِيّ