(ﺗﺨﺺ ﺳﺒﻌﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:27-29)
ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻮﻩ ﺇﻋﺠﺎﺯﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً.
ﻓﻮﺟﻪٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﻹﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺴﺒﻌﺔ ﺃﻭ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺟﻮﻩ:
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻭﻝ:
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ… ﴾ ﺍﻟﺦ ﺍﻵﻳﺔ، ﺗُﺨﺒﺮ ﺇﺧﺒﺎﺭﺍً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻋﻦ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ ﻗﺒﻞ ﻭﻗﻮﻋﻪ. ﻭﻗﺪ ﻓُﺘﺤﺖ ﻓﻌﻼ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺃَﺧﺒﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. ﺗﻨﺒﺊ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺃﻥ ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺍ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺃﻥ ﻟﻘﺮﻳﺶ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻓﺘﺢ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻣﺒﻴﻦ، ﻭﻣﻔﺘﺎﺣﺎً ﻟﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺇﻥ ﺩﺧﻠﺖ ﺃﻏﻤﺎﺩَﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺪ ﺳﻞّ ﺳﻴﻔَﻪ ﺍﻷﻟﻤﺎﺳﻲ ﺍﻟﺒﺎﺭﻕَ ﻭﻓَﺘَﺢَ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ، ﺇﺫ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺍﻧﺪﻣﺠﺖ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞُ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﺖ ﻓﻀﺎﺋﻞُ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻓﻤﺰّﻗﺖ ﺃَﻧﻮﺍﺭُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﺠﺐَ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺍﻟﺬﻣﻴﻢ.
ﻓﻤﺜﻼ: ﺇﻥ ﺩﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﻭﺩﺍﻫﻴﺔَ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺄﺑﻴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳُﻐﻠَﺒﺎ، ﻏﻠَﺒَﻬﻤﺎ ﺳﻴﻒُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻄﻊ ﻓﻲ ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺳﺎﺭﺍ ﻣﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ ﻭﺳﻠّﻤﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺭﻗﺎﺑَﻬﻤﺎ، ﻭﺍﻧﻘﺎﺩﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻧﻘﻴﺎﺩَ ﺧﻀﻮﻉ ﻭﻃﺎﻋﺔٍ ﺣﺘﻰ ﺃَﺻﺒﺢ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺳﻴﻒَ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻮﻝ ﺗﻔﺘﺢ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
ﺳﺆﺍﻝ ﻣﻬﻢ: ﺇﻥَّ ﺻﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻫﻮ ﺣﺒﻴﺐ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺳﻴﺪ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﻦ صلى الله عليه وسلم، ﻗﺪ ﻏُﻠﺒﻮﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃُﺣﺪ ﻭﺑﺪﺍﻳﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣُﻨﻴﻦ. ﻓﻤﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ؟
ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻷﻧﻪ ﺣﻴﻨﺬﺍﻙ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ، ﻣﻤﻦ ﺳﻴﻜﻮﻧﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺜﻞَ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻓﻸﺟﻞ ﺃﻟّﺎ ﺗُﻜﺴَﺮ ﻋﺰّﺗُﻬﻢ ﻛﻠﻴﺎً ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥْ ﺗﻜﺎﻓﺄﻫﻢ ﻣﻜﺎﻓﺄﺓً ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻟﺤﺴﻨﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺻﺤﺎﺑﺔً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻏُﻠﺒﻮﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﺻﺤﺎﺑﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻟﺌﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﻫﺆﻻﺀ -ﺃﻱ ﺻﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ- ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ، ﺑﻞ ﺷﻮﻗﺎً ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻟﺌﻼ ﺗﺬﻭﻕ ﺷﻬﺎﻣﺘُﻬﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﻬﻮﺍﻥَ ﻛﺜﻴﺮﺍً.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:
ﺇﻥَّ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗﺨﺒﺮ ﺑﻘﻴﺪ ﴿لَا تَخَافُونَ﴾ ﺑﺄﻧﻜﻢ ﺳﺘﺪﺧﻠﻮﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖَ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭﺗﻄﻮﻓﻮﻥ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﺄﻣﺎﻥ ﺗﺎﻡ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﻣﻌﻈﻢَ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﻫﻢ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻭﻏﺎﻟﺒﻴﺔَ ﻗﺮﻳﺶ ﻛﻠﻬﻢ ﺃﻋﺪﺍﺀٌ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭُ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻗﺮﺏ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﺗﻄﻮﻓﻮﻥ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺪﺍﺧﻠﻜﻢ ﺍﻟﺨﻮﻑُ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺳﺘﺪﻳﻦ ﻟﻜﻢ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ، ﻭﻗﺮﻳﺶ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻳﻌﻢّ ﺍﻷﻣﻦُ ﻭﺍﻷﻣﺎﻥ. ﻓﻮﻗﻊ ﻛﻤﺎ ﺃَﺧﺒﺮﺕ ﺍﻵﻳﺔ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ:
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾. ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺗﺨﺒﺮ ﺇﺧﺒﺎﺭﺍً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺳﻴﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻛﻠﻬﺎ، ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﻮﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﻣﺌﺎﺕُ ﺍﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺩﻳﺎﻧﺎً ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻟﺪﻭﻝ ﻛﺒﺮﻯ ﻛﺎﻟﺼﻴﻦ ﻭﺇﻳﺮﺍﻥ ﻭﺭﻭﻣﺎ، ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻌﺪُ ﻇﻬﻮﺭﺍً ﺗﺎﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﻓﺎﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗُﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﺩﻳﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻛﺎﻓﺔ، ﺑﻞ ﺗﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﻜﻞ ﻳﻘﻴﻦ ﻭﺟﺰﻡ ﺇﺧﺒﺎﺭﺍً ﻗﺎﻃﻌﺎً. ﻭﻟﻘﺪ ﺻﺪّﻕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞُ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺑﺎﻣﺘﺪﺍﺩ ﺳﻴﻒ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ:
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾
ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺻﺮﻳﺤﺔٌ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞُ ﺑﻨﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺤﻠَّﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺳﺠﺎﻳﺎ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﻣﺰﺍﻳﺎ ﺭﺍﻗﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﺎ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﻪ ﻃﺒﻘﺎﺕُ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﻣﻤﺘﺎﺯﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ، ﻛﻤﺎ ﺗﺒﻴّﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ -ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ- ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺨﻠﻔﻮﻥ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻨﺒﻲصلى الله عليه وسلم ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺗﻪ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺇﺧﺒﺎﺭﻫﺎ ﻋﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻜﻞٍّ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﺍﺷﺘﻬﺮﻭﺍ ﺑﻪ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻤﺘّﺼﻒ ﺑﺎﻟﻤﻌﻴّﺔ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﻭﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﺑﻞ ﺑﻮﻓﺎﺗﻪ ﺃﻭﻻ ﺩﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﻣﻌﻴﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎً.
ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻬﺰ ﺩﻭﻝَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻳﺮﻋﺒﻬﻢ ﺑﻔﺘﻮﺣﺎﺗﻪ، ﻭﺳﻴﺸﺘﻬﺮ ﺑﻌﺪﺍﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻛﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ.
ﻭﺗﺨﺒﺮ ﺍﻵﻳﺔ ﺑﻠﻔﻆ: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ ﻋﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺮﺽَ ﺑﺈﺭﺍﻗﺔ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻬﻴﺄ ﺃﻋﻈﻢُ ﻓﺘﻨﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻓﻔﻀّﻞ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺭﺃﻓﺘﻪ ﺃﻥ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﺮﻭﺣﻪ ﻭﻳﺴﻠّﻢ ﻧﻔﺴَﻪ ﻟﻠﻤﻮﺕ، ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻣﻈﻠﻮﻣﺎً ﻭﻫﻮ ﻳﺘﻠﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.
ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺷﺮ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻻﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﻭﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﺰﻫﺪ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﻉ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺼﺪَّﻕ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺇﺧﺒﺎﺭﻫﺎ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻻ ﻋﻦ ﺣﺮﻭﺑﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺧﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺘﻐﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺿﻮﺍﻧﺎً.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ:
﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﺧﺒﺎﺭٌ ﻏﻴﺒﻲ ﺑﺠﻬﺘﻴﻦ:
ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻣﻲ صلى الله عليه وسلم. ﺇﺫ ﻗﺪ ﻭﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ» ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻭﺻﻔﺎً ﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ «ﻣﻌﻪ ﺃُﻟﻮﻑ ﺍﻷﻃﻬﺎﺭ» ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﺃﻭ «ﻣﻌﻪ ﺭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﺴﻴﻦ» ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻄﻴﻌﻮﻥ ﻭﻋﺒّﺎﺩٌ ﺻﺎﻟﺤﻮﻥ ﻭﺃﻭﻟﻴﺎﺀٌ ﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺻﻔﻮﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﺴﻴﻦ ﺍﻷﻃﻬﺎﺭ.
ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﻃﺮﺃ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﻔﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺮﺟﻤﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﻷﻟﺴﻨﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﺗﺼﺪّﻕ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ.. ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾.
ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﻫﻲ ﺃﻥ ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ ﺗﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﺳﻴﺒﻠﻐﻮﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺳﻴﺸﻊ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﻭﺳﺘﻈﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ﻋﻼﻣﺔُ ﻭﻻﻳﺘﻬﻢ ﻭﺻﻼﺣِﻬﻢ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩ ﻟﻠﻪ.
ﻧﻌﻢ، ﻓﻠﻘﺪ ﺻﺪّﻕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻫﺬﺍ ﺑﻜﻞ ﻳﻘﻴﻦ ﻭﻭﺿﻮﺡ ﻭﺟﻼﺀ ﻓﺈﻥ ﺯﻳﻦ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺼﻠﻲ ﺃﻟﻒ ﺭﻛﻌﺔ ﻟﻴﻼ ﻭﻧﻬﺎﺭﺍً، ﻭﻃﺎﻭﻭﺳﺎً ﺍﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺑﻮﺿﻮﺀ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻃﻮﺍﻝ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ، ﻭﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ ﻗﺪ ﺑﻴﻨّﻮﺍ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ:
﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻴﻬﺎ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻏﻴﺒﻲ ﺑﺠﻬﺘﻴﻦ:
ﺃُُﻭﻻﻫﺎ: ﺃﻥ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻣّﻲ صلى الله عليه وسلم.
ﻧﻌﻢ! ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩﺕ ﺁﻳﺎﺕٌ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺗﺼﻒ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻣﺜﻞ: «ﻭﻣﻌﻪ ﻗﻀﻴﺐ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ﻭﺃﻣﺘﻪ ﻛﺬﻟﻚ» ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐُ ﺳﻴﻒ ﻭﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑُﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﻭﻣﺄﻣﻮﺭﻭﻥ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺴﻴﺪﻧﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳَﻚُ ﺻﺎﺣﺐَ ﺳﻴﻒ. ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻑَ ﺑ«ﻣﻌﻪ ﻗﻀﻴﺒﺎً ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ» ﺳﻴﺼﺒﺢ ﺳﻴﺪَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻷﻥ ﺁﻳﺔً ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺗﻘﻮﻝ: «ﺳﺄﺫﻫﺐ ﻛﻲ ﻳﺠﻲﺀ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ».
ﻓﻨﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ: ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺇﻥ ﺑﺪﺍ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ ﺿﻌﻒٌ ﻭﻗﻠﺔ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﻨﻤﻮﻥ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﻨﺎﺑﺘﺔ ﻭﺳﻴﻌﻠﻮﻥ ﻛﺎﻟﻨﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﻣﻲ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻭﻳﻘﻮﻭﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺘﺎﻅ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭُ، ﺑﻞ ﻳﺮﺿِﺨﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺑﺴﻴﻮﻓﻬﻢ ﻓﻴﺜﺒﺘﻮﻥ ﺃﻥ ﺳﻴﺪَﻫﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝَ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﻮ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻔﻴﺪﻩ ﺁﻳﺔُ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﻫﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ.
ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺗﻔﻴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻗﺪ ﻗﺒﻠﻮﺍ ﺑﺼﻠﺢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ، ﻟﻘﻠّﺘﻬﻢ ﻭﺿﻌﻔﻬﻢ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻭﺟﻴﺰﺓ ﻳﻜﺴﺒﻮﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻗﻮﺓ ﺭﻫﻴﺒﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺒﺘﺘﻬﺎ ﻳﺪُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻨﺎﺑﻠُﻬﺎ ﻗﺼﻴﺮﺓً ﻭﻧﺎﻗﺼﺔً ﻭﻣﻤﺤﻮﻗﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﻔﻠﺘﻬﻢ ﺇﺯﺍﺀ ﺳﻨﺎﺑﻠﻬﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺮﻛﻮﻥ ﺩﻭﻻ ﻛﺒﺮﻯ ﺗﺘﻠﻈﻰ ﺑﻨﺎﺭ ﻏﻴﻈﻬﺎ ﻭﺣﺴﺪﻫﺎ.
ﻧﻌﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞَ ﻗﺪ ﺑﻴّﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺑﺄﺳﻄﻊِ ﺻﻮﺭﺓ. ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺇﻳﻤﺎﺀٌ ﺧﻔﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﻫﻮ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﺤﻠَّﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﻝ ﻓﺎﺿﻠﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻳﻠﺰﻡ ﻭﻋﺪَ ﺛﻮﺍﺏٍ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻣﻜﺎﻓﺄﺓ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻬﻢ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻜﻠﻤﺔ «ﻣﻐﻔﺮﺓ» ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺳﺘﻘﻊ ﺃﺧﻄﺎﺀٌ ﻭﻫﻔﻮﺍﺕٌ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﻓﺘﻦ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓُ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺷﻲﺀٍ ﻭﺣﻴﻨﺬﺍﻙ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺃﻋﻈﻢُ ﻣﻄﻠﻮﺏ ﻟﻬﻢ ﻭﺃﻓﻀﻞُ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ. ﻷﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﺛﺎﺑﺔ ﻫﻲ: ﺍﻟﻌﻔﻮ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ.
ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻐﻔﺮﺓ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺫﺍﺕُ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ: ﴿ﻟﻴﻐﻔﺮَ ﻟﻚَ ﺍﻟﻠﻪ ﻣَﺎ ﺗَﻘﺪّﻡ ﻣِﻦ ﺫَﻧﺒﻚَ ﻭﻣَﺎ ﺗﺄﺧّﺮ﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:٢) ﻓﺎﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻐﻔﺮﺓَ ﺫﻧﻮﺏ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻷﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﻌﺼﻤﺔ، ﻓﻼ ﺛﻤﺔ ﺫﻧﺐٌ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻣﻘﺎﻡَ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺗﺒﺸﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻳﻀﻢ ﻟﻄﺎﻓﺔً ﺃﺧﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻹﻳﻤﺎﺀ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻮﺟﻮﻩُ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﻟﻶﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ، ﻟﻢ ﻧﺒﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟّﺎ ﻋﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﺇﺧﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺑﻞ ﻟﻢ ﻧﺒﺤﺚ ﺇﻟَّﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻊ ﻭﺟﻮﻩٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ.
ﻭﻗﺪ ﺃُﺷﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻟﻤﻌﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺣﺮﻭﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭﻱ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻣﻮﺟﻬﺔ ﺑﺠﻤﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﺑﻘﻴﻮﺩﻫﺎ ﺃﺣﻮﺍﻟَﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺑﺄﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﺃﻭﺻﺎﻑَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﺤﺮﻭﻓﻬﺎ ﻭﺗﻜﺮﺍﺭ ﺃﻋﺪﺍﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺑﺪﺭ ﻭﺃﺣﺪ ﻭﺣُﻨﻴﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼُﻔﺔ ﻭﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺮﺿﻮﺍﻥ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ. ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻴﺪ ﺃﺳﺮﺍﺭﺍً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺤﺴﺎﺏ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻷﺑﺠﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺠﻔﺮ ﻭﻣﻔﺘﺎﺣﻪ.
﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
* * *
ﺇﻥَّ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺨﺒﺮ ﺑﻪ ﺁﻳﺎﺕ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ، ﺗﺨﺒﺮ ﺑﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻵﺗﻴﺔ ﻭﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻟﺬﺍ ﻧﺘﻄﺮﻕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻫﻨﺎ.
ﺗﺘﻤﺔ
﴿…وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ:68-69)
ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃُﻟﻮﻑ ﻧﻜﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ:
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ:
ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖَ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﻭﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻳﻔﻴﺪ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﺎﻧﻲَ ﺇﺷﺎﺭﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻭﻫﻴﺌﺎﺗﻪ. ﻓﻠﻜﻞِّ ﺁﻳﺔ ﻃﺒﻘﺎﺕٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ؛ ﻭﻷﻥَّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺪ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊُ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﺮﺍﺩﺓ، ﺇﺫ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻛﻼﻡُ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺑﻔﻜﺮﻩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ.
ﻓﺒﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻘﺪ ﺑﻴّﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻭﻥ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.
ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻟﻢ ﻳﺒﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻭﻥ ﺑﻌﺪُ. ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻪ ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻋﻠﻮﻡٌ ﻣﻬﻤﺔ ﺳﻮﻯ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﺍﻟﺼﺮﻳﺤﺔ..
ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:
ﺗﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ ﺃﻥَّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﻨﻌَﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨِﻌﻢ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺣﻘﺎً ﻫﻢ ﻃﺎﺋﻔﺔُ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﻗﺎﻓﻠﺔُ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻭﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ. ﻓﻜﻤﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﺍﻵﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻔﻴﺪ ﺻﺮﺍﺣﺔً ﺃﻛﻤﻞَ ﻣَﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺋﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺅﺳﺎﺋﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﺑﺬﻛﺮ ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ. ﺛﻢ ﺗﻌﻴّﻦ ﺑﺠﻬﺔٍ ﺑﻠﻤﻌﺔِ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺃﺋﻤﺔَ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻗﺴﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻏﻴﺒﻲ .
ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻔﻆ ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ ﻳﻨﻈﺮ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﺈﻥ ﻓﻘﺮﺓ ﴿وَالصِّدِّيقِينَ﴾ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ، ﻣﺸﻴﺮﺓً ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺃﻭﻝُ ﻣَﻦ ﻳﺨﻠﻔﻪ. ﻭﺃﻥ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺼﺪّﻳﻖ ﻋﻨﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻘّﺐ ﺑﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻟﺪﻯ ﺍﻷﻣﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎً. ﻭﺃﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ.
ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ ﻭﺗﻔﻴﺪ ﺇﻓﺎﺩﺓ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﺃﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﺳﻴﻨﺎﻟﻮﻥ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﺃﻧﻬﻢ ﺳﻴﺴﺘﺸﻬﺪﻭﻥ. ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼُﻔﺔ ﻭﺑﺪﺭ، ﻭﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺮﺿﻮﺍﻥ ﻭﺗﺸﻮّﻕ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ ﻭﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻭﺣُﺴﻨﻪ ﻣﺸﻴﺮﺓً ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻹﺷﺎﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﻣﺲ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ، ﻣﺼﺪﻗﺔ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ: «ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪﻱ ﻓﻲ ﺃُﻣﺘﻲ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﺳﻨﺔ» ﻓﻤﻊ ﻗﺼﺮ ﻣﺪﺓ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻓﻬﻲ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺸﺄﻥ.
ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ: ﺃﻥَّ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻭﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﻢ ﻭﺗﺆﻳﺪﻫﺎ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ.
ﻓﺎﻹﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻪ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺇﻋﺠﺎﺯﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﻛﺜﻴﺮﺓ ﻻ ﺗﻌﺪ ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻰ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺣﺼﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺃﻭ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺁﻳﺔ ﻓﻘﻂ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ ﻇﺎﻫﺮﻱ ﺳﻄﺤﻲ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻏﻴﺒﻴﺔ.
﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾
﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾