المكتوب التاسع عشر

ﺗﺒﻴّﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺃﻛﺜﺮَ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺪﺍﻟﺔِ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺗُﺒﻴّﻨُﻬﺎ ﺗُﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ، ﻭﻋﻄﻴﺔٌ ﻣﻦ ﻋﻄﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻫﻲ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﺧﺎﺭﻗﺔً ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻥ ﺗﺄﻟﻴﻔَﻬﺎ ﺣَﺪَﺙٌ ﺧﺎﺭﻕ ﺑـلا ﺷﻚ، ﺣﻴﺚ ﺃُﻟّﻔﺖْ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﻟﻤﺼﺪﺭ، ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﻓﻘﻂ ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﻟـلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﺤﻴﻔﺔ. ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻛُﺘﺒﺖْ ﻋﻠﻰ ﻏﻮﺍﺭﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺑﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻭﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ، ﺧـلاﻝ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻭﺑﻤﻌﺪﻝ ﺛـلاﺙ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻳﻮﻣﻴﺎً، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﺎﻋﺔ!.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥ ﻣﺴﺘﻨﺴﺨَﻬﺎ لا ﻳﻤﻞّ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻨﺴﺎﺧﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﺳﺘﻨﺴﺦ ﻣﻨﻬﺎ. ﻭﻣﺪﺍﻭﻣﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻓﻴﻬﺎ لا ﺗُﺬﻫِﺐُ ﺣـلاﻭﺗﻬﺎ ﺭﻏﻢ ﻃﻮﻟﻬﺎ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺃَﺛﺎﺭﺕْ ﻫِﻤﻢَ ﺍﻟﻜﺴﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ، ﻓﻜﺘﺒﻮﺍ -ﺣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ- ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻧﺴﺨﺔ، ﺧـلاﻝ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻌﺼﻴﺐ، ﻣﻤﺎ ﺃَﻋﻄﻰ ﻟﻠﻤﻄّﻠﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻇﺮﻭﻓﻨﺎ ﻗﻨﺎﻋﺔً ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺑﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓٌ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﻛﻠﻤﺔ «ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ» صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻟﻔﻆ «ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ» ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﻗﺪ ﺗﻮﺍﻓﻘﺖ ﻋﻨﺪ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﻓﻖ، ﻭﺣﺼﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖُ ﻧﻔﺴُﻪ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻫﺆلاﺀ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖُ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ. ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ لا ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺑﻞ ﺣَﻜَﻢ ﻛﻞُّ ﻣَﻦ ﺍﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺳﺮٌ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ.

ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺪﺭ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔٌ ﺟﺪﺍً، ﻭﺃﻥ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔً ﻭﻣﻘﺒﻮﻟﺔً ﻟﺪﻯ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﻬﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﺍلأﻛﺜﺮ ﺛﺒﻮﺗﺎً ﻭﻗﻄﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ.

ﻓﻠﻮ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺗﺒﻴﺎﻥ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ لاﺣﺘﺠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺜﻠَﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻧﻬﻴﺐ ﺑﺎﻟﻤﺸﺘﺎﻗﻴﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻛﻲ ﻳﻠﻤﺴﻮﺍ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ.

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ

   ﺗﻨﺒﻴﻪ

ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺭﺩﺕُ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚَ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻱّ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﺈﻥ ﺃَﺧﻄﺄْﺕُ ﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻠﻴُﺼﺤّﺢْ ﺃﻭ ﻟﻴُﺤﻤﻞْ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺇﺫ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ: ﺃﻧﻪ ﺗﺠﻮﺯ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﺮﺍﻭﻱ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻠﻔﻆٍ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ، ﻓﻤﺎ ﻭُﺟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ، ﻓﻠﻴُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ  ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ .

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ 

المعجزات الأحمدية

 عـﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺃﺗﻢ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ

باسمه سبحانه

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:28-29)

    [ﻧﻈﺮﺍً ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻜﻠﻤﺘﻴﻦ «ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﺍﻟﺨﺎﺻﺘﻴﻦ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﺑﺈﺛﺒﺎﺕ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺑﺪلاﺋﻞ ﻗﺎﻃﻌﺔ، ﻧﺤﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻗﻀﻴﺔَ ﺍلإﺛﺒﺎﺕ ﻭﻧﺒﻴّﻦ ﻫﻨﺎ -ﺗﺘﻤﺔً ﻟﻬﻤﺎ- ﻟﻤﻌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺿﻤﻦ «ﺗﺴﻊ ﻋﺸﺮﺓ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺫﺍﺕ ﻣﻐﺰﻯ»].

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

لا ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺭﺑَّﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻖ ﻋﻦ ﻋﻠﻢٍ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺔ، ﻭﻳﺪﻳﺮ ﻛﻞَّ ﺟﻬﺔ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ، ﻭﻳﺮﺑّﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﻭﺑﺼﻴﺮﺓ، ﻭﻳﺪﺑّﺮ ﺍلأﻣﺮ ﻗﺎﺻﺪﺍً ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺍﺀﻯ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖُ ﻳﻌﻠﻢ، ﻓﺎﻟﻌﺎﻟِﻢُ ﻳﺘﻜﻠﻢ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺳﻴﺘﻜﻠﻢ، ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻛـلاﻣُﻪ ﺣﺘﻤﺎً ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻳﻔﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍلإﺩﺭﺍﻙ، ﺑﻞ ﻣﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞُ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺃﺟﻤﻌُﻬﻢ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ. ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻛـلاﻣُﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﻧﻮﻉ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺴﻴﺘﻜﻠﻢ، ﺇﺫﻥ ﻣﻊ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺃﻫﻞٌ ﻟﻠﺨﻄﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻭﺃَﺭﻓﻊَ ﺃﺧـلاﻕ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺃﻫﻞٌ لأﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻗﺪﻭﺓ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺃﺋﻤﺔً ﻟﻪ. ﻓـلا ﺭﻳﺐ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻬِﺪ ﺑﺤﻘّﻪ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀُ ﻭﺍﻟﺨﺼﻤﺎﺀُ ﺑﺄﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐُ ﺃﺳﻤﻰ ﺃﺧـلاﻕ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺪﻯ ﺑﻪ ﺧُﻤﺲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻧﺼﻒُ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺍﺳﺘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺑُﻌﺚَ ﺑﻪ ﻃﻮﺍﻝ ﺛـلاﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠّﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﻭﻣﺎً ﻭﻳﺪﻋﻮﻥ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺐ، ﻭﻳﺠﺪﺩﻭﻥ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔَ ﺧﻤﺲ ﻣﺮﺍﺕ ﻳﻮﻣﻴﺎً، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻠّﻢ ﻣﻌﻪ ﻓﻌـلا. ﻭﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﺭﺳﻮﻟَﻪ ﺣﺘﻤﺎً ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻌـلا. ﻭﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻗﺪﻭﺓً ﻭﺇﻣﺎﻣﺎً ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻌـلا.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻟﻘﺪ ﺃﻋﻠﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻨﺒﻮﺓَ، ﻭﻗﺪّﻡ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﺃَﻇﻬﺮ ﻧﺤﻮ ﺃﻟﻒٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺛﺎﺑﺘﺔٌ ﻗﻄﻌﻴﺔ ﻛﻘﻄﻌﻴﺔ ﺛﺒﻮﺕ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺭﺩﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍلأﻟﺪَّﺍﺀ ﻟﻴﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃَﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮﻭﺍ ﻭﻗﻮﻉَ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﻟﻢ ﻳﺴَﻌﻬﻢ ﺫﻟﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃَﺳﻨﺪﻭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴِﺤﺮ ﺧﺪﺍﻋﺎً لأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﺗﻐﺮﻳﺮﺍً ﺑﺄَﺗﺒﺎﻋﻬﻢ.    ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻟﻠﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻗﻄﻌﻴﺔً ﺗﺎﻣﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﻗﻮﺓَ ﻣﺎﺋﺔ ﺗﻮﺍﺗﺮٍ، ﻓـلا ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭﻫﺎ ﻗﻂ.

ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓُ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺗﺼﺪﻳﻖٌ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﺪﻋﻮﻯ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻱ ﻛﺄَﻥَّ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺗﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻡ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ: ﺻﺪﻕ ﻋﺒﺪﻱ ﻓﺄَﻃﻴﻌﻮﻩ.

ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻠﺘﻮﺿﻴﺢ:

ﻟﻮ ﻛﻨﺖَ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻧﻪ، ﻭﻗﻠﺖَ ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻚ: ﻟﻘﺪ ﻋﻴّﻨﻨﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﻋﺎﻣـلا ﻓﻲ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻔـلاﻧﻲ، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﻠﺒﻮﺍ ﻣﻨﻚ ﺩﻟﻴـلا ﻋﻠﻰ ﺍﺩّﻋﺎﺋﻚ ﺃَﻭﻣﺄَ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﺑﻨﻔﺴﻪ: ﺃَﻥْ ﻧﻌﻢ، ﺇﻧﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻋﺎﻣـلا. ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺻﺪﻕ ﻟﻚ؟. ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ لأﺟﻠﻚ ﻋﺎﺩﺍﺗِﻪ ﻭﺑﺪَّﻝ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨَﻪ ﻟﺮﺟﺎﺀٍ ﻣﻨﻚ؟ ﺃﻓـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﺃﻗﻮﻯ ﻟﺪﻋﻮﺍﻙ ﻭﺃﺛﺒﺖ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ: ﻧﻌﻢ؟

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم، ﺇﺫ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻨﻲ ﺭﺳﻮﻝٌ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ. ﻭﺃﻣﺎ ﺩﻟﻴﻠﻲ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺒﺪّﻝ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨَﻪ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺋﻲ ﻭﺩﻋﺎﺋﻲ ﻭﺗﻮﺳﻠﻲ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻫَﺎﻛُﻢْ ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺃَﺻﺎﺑﻌﻲ، ﺇﻧَّﻪ ﻳﻔﺠّﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺀَ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻔﺠّﺮ ﻣﻦ ﺧَﻤﺲِ ﻋﻴﻮﻥ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﺇﻧﻪ ﻳﺸﻘّﻪ ﻟﻲ ﺷﻘﻴﻦ ﺑﺈﺷﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺇﺻﺒﻌﻲ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻛﻴﻒ ﺗﺄﺗﻲ ﺇﻟﻲّ ﻟﺘﺼﺪِّﻗﻨﻲ ﻭﺗﺸﻬﺪَ ﻟﻲ.. ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺸﺒﻊ ﻣﺎﺋﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺭﺟﻞٍ! ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻇﻬﺮ صلى الله عليه وسلم ﻣﺌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺃﻣﺜﺎﻝَ ﻫﺬﻩ.

ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥَّ ﺩلاﺋﻞ ﺻﺪﻕِ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻭﺑﺮﺍﻫﻴﻦَ ﻧﺒﻮﺗﻪ لا ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ، ﺑﻞ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻗﻘﻮﻥ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ، ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ، ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ، ﻭﺃﻗﻮﺍﻟﻪ، ﻭﺃﺧـلاﻗﻪ، ﻭﺃﻃﻮﺍﺭﻩ، ﻭﺳﻴﺮﺗﻪ، ﻭﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺜﺒﺖ ﺇﺧـلاﺻﻪَ ﻭﺻﺪﻗَﻪ. ﺣﺘﻰ ﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﻌﺘﻪ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ: «ﻓﻠﻤﺎ ﺍﺳْﺘَﺒﻨﺖُ ﻭﺟﻬَﻪُ ﻋﺮﻓﺖُ ﺃﻥَّ ﻭﺟﻬَﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺟﻪ ﻛﺎﺫﺏ».

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﻗﺪ ﺫﻛﺮﻭﺍ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍلأﻟﻒَ ﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﻧﺒﻮﺗﻪ ﻭﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻟﻮﻓﺎً ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻣﺌﺎﺕِ ﺍلأﻟﻮﻑ. ﻭﻟﻘﺪ ﺻﺪّﻕ ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ ﻣﺌﺎﺕُ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻕ. ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺣﺪﻩ ﻳﻈﻬﺮ ﺃﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻋﺪﺍ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﺟﻬﺎً.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻣﺤﻘَّﻘﺔٌ ﻭﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ، ﻭﺃﻥّ ﻣﺌﺎﺕِ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺟﺎﺀﻭﺍ ﻓﺄﻋﻠﻨﻮﺍ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓَ، ﻭﻗﺪّﻣﻮﺍ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎً ﻭﺗﺄﻳﻴﺪﺍً ﻟﻬﺎ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺛﺒﺖَ ﻭﺁﻛﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، لأﻥ ﻣﺪﺍﺭَ ﻧﺒﻮﺓ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻬﻢ ﻣﻊ ﺃﻣﻤﻬﻢ ﻭﺍﻟﺪلاﺋﻞ ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﻭﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻣﻮﺳﻰ ﻭ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺄﺗﻢ ﺻﻮَﺭِﻫﺎ ﻭﺃﻓﻀﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻋﻠﺔَ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺳﺒَﺒﻬﺎ ﺃَﻛﻤﻞ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻓﺈﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ لا ﻣﺤﺎﻟﺔَ ﺛﺎﺑﺖٌ ﻟﻪ ﺑﻘﻄﻌﻴﺔٍ ﺃﻭﺿﺢ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥَّ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻛﺜﻴﺮﺓٌ ﺟﺪﺍً ﻭﻣﺘﻨﻮﻋﺔٌ ﺟﺪﺍً، ﻭﺫﻟﻚ لأﻥ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﺎﻣﺔٌ ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕٌ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻪ، ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﻝ:

ﻟﻮ ﻗَﺪِﻡ ﺳﻔﻴﺮٌ ﻛﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻋﺎﻣﺮﺓٍ ﺑﺄﻗﻮﺍﻡ ﺷﺘﻰ، ﺣﺎﻣـلا ﻟﻬﻢ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻓﺈﻥ ﻛﻞَّ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﺘُﻮﻓﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﻤﺜـلا ﻋﻨﻬﺎ لاﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﺎ.

ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﺷﺮَّﻑ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮُ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم ﻟﻤﻠﻚ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ، ﻭﻧﻮَّﺭَﻩ ﺑﻘﺪﻭﻣﻪ، ﻣﺒﻌﻮﺛﺎً ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﺣﺎﻣـلا ﻣﻌﻪ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﻧﻴّﺮﺓ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﺟﺎﺀﻩ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣَﻦ ﻳﺮﺣّﺐ ﺑﻤَﻘﺪﻣﻪ ﻭﻳﻬﻨﺆﻩ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻭﻳﻘﺪِّﻡ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓَ ﻃﺎﺋﻔﺘﻪ ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ، ﻭﺗﺮﺣﻴﺒﺎً ﺑﻬﺎ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺸﺠﺮ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﻘﻤﺮ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻓﻜﺄﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺮﺩﺩ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ: ﺃﻫـلا ﻭﻣﺮﺣﺒﺎً ﺑﻤﺒﻌﺜﻚ.

ﺇﻥ ﺑﺤﺚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻠﺪﺍﺕ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﻭﺗﻨﻮّﻋِﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﺃﻟّﻒ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀُ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﻣﺠﻠﺪﺍﺕ ﺿﺨﻤﺔً ﺣﻮﻝ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺈﺷﺎﺭﺍﺕٍ ﻣﺠﻤﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﻄﻌﻲُّ ﺍﻟﺜﺒﻮﺕ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺗﺮ ﻣﻌﻨﻰً ﻣﻦ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ.

ﺇﻥ ﺩلاﺋﻞ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳُﻤّﻴﺖ ﺑﺎلإﺭﻫﺎﺻﺎﺕ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻌﺖ ﻗﺒﻞَ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻭﻗﺖَ ﺍﻟﻮلاﺩﺓ.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:

  ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﺑﻌﺪﻩ صلى الله عليه وسلم ﺗﺼﺪﻳﻘﺎً ﻟﻨﺒﻮﺗﻪ.

  ﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ: ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ صلى الله عليه وسلم. ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ ﻭﺳﻴﺮﺗﻪ ﻭﺻﻮﺭﺗِﻪ ﻭﺃﺧـلاﻗِﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝِ ﻋﻘﻠﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭٍ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ. ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﻗﺴﻢ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻭﻗﺮﺁﻧﻲ. ﻭﻗﺴﻢ ﻣﺎﺩﻱ ﻭﻛﻮﻧﻲ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻗﺴﻤﺎﻥ ﺃﻳﻀﺎً:

  ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﺧـلاﻝ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻟﻜﺴﺮ ﻋﻨﺎﺩ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺃﻭ ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺇﻳﻤﺎﻥِ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ؛ ﻛﺎﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﻧﺒﻌﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﻭﺇﺷﺒﺎﻉ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﺑﻄﻌﺎﻡ ﻗﻠﻴﻞ، ﻭﺗﻜﻠّﻢ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺸﺠﺮ ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻧﻮﻋﺎً، ﻛﻞُّ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺗﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﻟﻜﻞِّ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻋﺪﺓ ﻣﻜﺮﺭﺓ.

ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ صلى الله عليه وسلم ﻗﺒﻞ ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ، ﺑﻤﺎ ﻋﻠّﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻇﻬﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭﺗﺤﻘﻘﺖ ﻛﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮ.

ﻭﻧﺤﻦ ﺍلآﻥ ﻧﺴﺘﻬﻞّ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﺮﺱ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ﻋﺎﻡ.

(حاشية) ﺁﺳﻒ لأﻧﻲ ﻟﻢ ﺍﺳﺘﻄﻊ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻧﻮﻱ، ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺒﺖُ ﻛﻤﺎ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺩﻭﻧﻤﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ. ﻭﻟﻢ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *