ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
﴿لا ﺍِﻟﻪَ ﺍِلا ﻫُﻮَ ﻛُﻞُّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻫَﺎﻟِﻚٌ ﺍِلا ﻭَﺟْﻬَﻪُ ﻟَﻪُ ﺍﻟْﺤُﻜْﻢُ ﻭَﺍﻟَﻴْﻪِ ﺗُﺮْﺟَﻌُﻮﻥَ﴾ (ﺍﻟﻘﺼﺺ:٨٨)
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﺳﺎﻃﻊ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﺣﺠﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﺫ ﺑﺪلاﻟﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﺍَﻟّﺬﻯ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕَ ﻭَﺍﻟْﺤَﻴﻮَﺓ﴾ (ﺍﻟﻤﻠﻚ:٢). ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻴﺲ ﻋﺪﻣﺎ، ﻭلا ﺇﻋﺪﺍﻣﺎ، ﻭلا ﻓﻨﺎﺀً، ﻭلا ﻟﻌﺒﺔَ ﺍﻟﻌﺒﺚ، ﻭلا ﺍﻧﻘﺮﺍﺿﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻓﺎﻋﻞ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﺴﺮﻳﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﻓﺎﻋﻞ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝُ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﻤﻜﺎﻥ، ﻭﺗﺒﺪﻳﻞُ ﺟﺴﻢ ﺑﺠﺴﻢ، ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ، ﻭﺍﻧﻄـلاﻕ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻭﺧﻠﻖ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻭِﻓﻖَ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍلأﻭﻝ».
ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ، ﺗﺸﻴﺮ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ، ﻭﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺟﻞَّ ﺷﺄﻧﻪ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﺎ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻗﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺣﺠﺔ ﺩﺍﻣﻐﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻳﺔ، ﻟﺬﺍ ﻧﺤﻴﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﺇلا ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺒﻴﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻜﺘﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻲ: ﺃﻥّ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺪﻝ ﺑﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗَﺸﻬﺪ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ. ﻭﻟﻨﺄﺧﺬ ﺷﺎﻫﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺳﻄﺢَ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﺒﺎﺳﻂ ﻫﻴﻤﻨﺘَﻪ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻣﻈﺎﻫﺮﻩ ﻋﻴﺎﻧﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ.
ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺪﻝ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀُ ﻛﻔﻨَﻪ ﺍﻟﺜﻠﺠﻲ ﺍلأﺑﻴﺾ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺮﺑﻴﻌﻲ، ﻭﺗﻤﻮﺕ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻮﻗﻬﺎ؛ ﻓﺈﻥ ﻣﻨﻈﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﻨﻘﻞ ﻧﻈﺮَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ، ﻓﻴﺮﻛﺐ ﻣﺘﻦَ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻟﻴﺬﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺭﺟﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺟﻨﺎﺋﺰُ ﻛﻞِّ ﺭﺑﻴﻊ ﺭﺍﺣﻞ، ﻓﺘﺘﻔﺘﺢ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻭﺳﻊ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺮ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ. لأﻥّ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﺭﺍﺣﻞ ﻣﻤﺎ لا ﻳُﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺑِﻌَﺔِ، ﻛﺎﻥ ﻣﺸﺤﻮﻧﺎ ﻣﻞﺀ ﺍلأﺭﺽ ﺑﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻳُﺸﻌِﺮُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺠﻲﺀ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕٍ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺗﻤـلأ ﺍلأﺭﺽ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﺑﻴﻊ ﻣُﻘﺒِﻞ.
ﻓﻨﺠﺪ ﺑﻬﺬﺍ ﺃﻥ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻳﺸﻬﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪﺍ، ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﺑﺪﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺃﻛﺜﺮ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﻘﻴﻮﻡ، ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ، ﻭﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻭﺳﺮﻣﺪﻳﺘﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻴﺒﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺩلاﺋﻞَ ﺑﺎﻫﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﻳﺮﻏﻤﻚ ﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺪﺍﻫﺔً: «ﺁﻣﻨﺖ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ».
ﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺇﻧﻪ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﺍلآﻳﺔُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭَﻳُﺤْﻴْﻰِ ﺍلاﺭْﺽَ ﺑَﻌْﺪَ ﻣَﻮْﺗِﻬَﺎ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:19) ﻓﺈﻥ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ﺗﻠﻔﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﺯ ﺟﻨﺎﺣَﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ؛ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﻴﻌﺮﺽ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻟﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺑِﻌَﺔِ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺭﺑﻴﻊ ﻭﺍﺣﺪ، ﻓﺒﺪلا ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓٌ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻫﻲ ﻫﻨﺎ «ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ» ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻞَّ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﺃﻟﻮﻑُ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ.
ﻓﻜﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺑِﻌَﺔِ، ﻳﺸﻬﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺃﻗﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، لأﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺭﺗﺤﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ﺍﺭﺗﺤﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺄﺳﺒﺎﺏ ﻗﺪﻭﻣﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺻﻔﺔُ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻓﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺬﻫﺐ ﻭﺗﺄﺗﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺇﺣـلاﻝ ﺭﺑﻴﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻘﺐ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ، ﺑﻞ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻳﺤﻮﻝ ﻭلا ﻳﺰﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺭﺑﻄﻪ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ ﺑﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﻭﺃﺭﺳﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ.
ﺃﻣﺎ ﻭﺟﻮﻩ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻭﺍﻟﻤُﺰﻫﺮﺓ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺑﺾ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻬﻲ ﺗﺸﻬﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓً ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺷﻬﺎﺩﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، لأﻥ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ، ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳُﺒﻌﺚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺛﻤﺔ ﺗُﺤﻤَّﻞُ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ.
ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺍﻟﻤﻄﻤﻮﺱ ﻓﻲ ﺃﻭﺣﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻥّ ﻣَﻦ لا ﺗﻈﻬﺮ ﻳﺪُ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍلآﺗﻲ ﻛﻠﻪ، ﻭﻣَﻦ لا ﻳﺘﺮﻙ ﺑﺼﻤﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺬﺍﻫﺐ ﻛﻠﻪ، ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ -ﻭﺃﻧّﻰ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ- ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ؟ ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺼﺎﺩﻓﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧـلا ﻓﻲ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ؟
ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻭﺭﺍﻏﺒﺎ ﻓﻲ ﻧﺠﺎﺓ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﻃﺔ، ﻓﺎﺩﻥُ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻗﻞ: ﺇﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍ ﻓﻬﻲ ﻛُﺮَّﺍﺱ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺇلا. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔُ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺮُ جهلَنا.
ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺏ ﻳﺪﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻞ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻀﺎﺭﺏ، ﻭﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉ ﺍﻟﻤُﺘْﻘَﻦُ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﺍﻟﺼﺎﻧِﻊَ ﺍﻟﻤﺘﻘِﻦَ، ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﻟﺪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ، ﻭﺍﻟﺘﺤﺖ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻔﻮﻕ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ..
ﻭﻗﺪ ﺃﻃﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻣﺼﻄﻠﺢ «ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍلإﺿﺎﻓﻴﺔ» ﺃﻱ ﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ، ﺃﻱ لا ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺩﻭﻥ ﺍلآﺧﺮ.
ﻓﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻣﻦ «ﺇﻣﻜﺎﻥ» ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺟﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺃﻭ ﻛﻠﻴﺎﺗﻪ، ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ». ﻭﻣﺎ ﻳُﺸَﺎﻫﺪُ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﻌﺎلاﺕ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻣﺎ ﻳُﺸَﺎﻫﺪُ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﻴﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳُﺸَﺎﻫﺪُ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﻭﺗﺮﻛﻴﺐ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ… ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﺏ، ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓ، ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻭﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻑ ﺑ«ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ، ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ، ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ» ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻤﻜﻨﺎ ﻭلا ﻣﻨﻔﻌـلا ﻭلا ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻭلا ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻭلا ﻣﺮﻛّﺒﺎ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺇﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺐ، ﻳﺸﻬﺪ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﺕِ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ، ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺍﻟﻔﻌّﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ.
ﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﻛﻤﺎ ﻳُﺸﺎﻫَﺪُ «ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ» ﻣﻦ ﺧـلاﻝ «ﺍلإﻣﻜﺎﻥ» ﻭﻳُﺸَﺎﻫَﺪُ «ﺍﻟﻔﻌﻞ» ﻣﻦ ﺧـلاﻝ «ﺍلأﻓﻌﺎﻝ» ﻭﺗُﺸﺎﻫَﺪُ «ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ» ﻣﻦ ﺧـلاﻝ«ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ»، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍلآﺧﺮ ﺩلاﻟﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛ«ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺮﺯﻭﻗﻴﺔ» (ﺃﻱ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻭﻣﺮﺯﻭﻗﺎ) ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺷﺆﻭﻥ «ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﺯﺍﻗﻴﺔ» ﺩلاﻟﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ.. ﻓﻮﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﺪﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﺨـلاﻕ ﺍﻟﺮﺯّﺍﻕ، ﻭﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ».. ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍلأﻗﺪﺱ ﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﻣﺌﺎﺕٍ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ.
ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻚ ﺇﺫﻥ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ.
ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
(حاشية) ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻄﻞ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺑﺎلأﺧﺺ لأﻫﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ.
ﺇﻥّ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮ، ﻭﺃﺷﻜﺎﻝَ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘـلألأ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺴﺮﻳﻌﺔِ ﺍلأﻓﻮﻝ، ﺛﻢ ﺗﺘﺎﺑﻊَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺗﺠﺪﺩَﻩ ﺑﺘﺠﺪﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭَﻩ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺗﻌﺎﻗﺒﻬﺎ.. ﺇﻧﻤﺎ ﻳُﻈﻬﺮ ﺃﻧﻪ ﻇِﻞ ﻣﻦ ﻇـلاﻝ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺟﻤﺎﻝ ﺳﺮﻣﺪﻱ لا ﻳﺤﻮﻝ ﻭلا ﻳﺰﻭﻝ. ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗـلأﻟﺆ ﺍﻟﺤﺒﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺮﻗﺮﺍﻕ، ﻭﺗﺘﺎﺑﻊَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻤﻌﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﺘﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﺒﺎﺏ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺰﺑﺪ ﻭﺍﻟﺘﻤﻮﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻔﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻋﺎﻛﺴﺔ لأﺷﻌﺔ ﺷﻤﺲٍ ﺑﺎﻗﻴﺔ.. ﻓﺘﻠﻤّﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉِ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﺭﻱ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﺳﺮﻣﺪﻱ ﺧﺎﻟﺪ، ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻭﻋـلاﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.
ﺛﻢ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻳﺨﻔﻖ ﺑﻪ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺣُﺐٍّ ﺟﺎﺩ ﻭﻋﺸﻖ ﺻﺎﺩﻕ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺸﻮﻕ ﺩﺍﺋﻢٍ ﺑﺎﻕٍ.. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ لا ﻳﻈﻬﺮ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍﻟﻌَﺬْﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺤﻮﺫ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻋﺸﻘﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻭﻣﺤﺒﺔً ﺻﺎﺩﻗﺔ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﺷﺘّﻰ، ﻣﻐﺮﻭﺯﺓٌ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ، ﻭﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﺷﺘّﻰ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚُ ﻗﻠﺐَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻳُﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﺧﺎﻟﺪ ﺳﺮﻣﺪﻱ.
ﺛﻢ ﺇﻥ ﻣﺎ ﺗﻤﻮﺭ ﺑﻪ ﻗﻠﻮﺏُ ﺍﻟﻴﻘﻈﻴﻦ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﺠﺬﺍﺏ، ﻭﻣﺎ ﻳﺆﺭﻗﻬﻢ ﻣﻦ ﻭَﺟْﺪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺤﺴﻮﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﺬﺑﺎﺕ، ﻭﻣﺎ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﺑﻪ ﺻﺪﻭﺭُﻫﻢ ﻣﻦ ﺗَﻮﻕ ﻭﺣﻨﻴﻦ، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺣﻨﺎﻳﺎ ﺿﻠﻮﻉ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺗﻜﺎﺩ ﺗﺘﻤﺰﻕ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻧﺠﺬﺍﺑﻬﺎ ﻭﻋﻈﻴﻢ ﺟﺬﺑﺎﺗﻬﺎ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺼﻮﺭ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺬﺏ لا ﻳﻨﺸﺄ ﺇلا ﻣﻦ ﺟﺎﺫﺏ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻭﺟﺎﺫﺑﻴﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺃﺑﺪﻳﺔ.
ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺃﺭﻕَّ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻃﺒﻌﺎ ﻭﺃﻟﻄﻔَﻬﻢ ﺷﻌﻮﺭﺍ، ﻭﺃﻧﻮﺭَﻫﻢ ﻗﻠﺒﺎ، ﻭﻫﻢ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﻗﺪ ﺃﻋﻠﻨﻮﺍ ﻣﺘﻔﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﺩﺕ ﻇﻠﻤﺎﺕُ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺑﺈﺷﺮﺍﻕ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺫﺍﻗﻮﺍ ﺣـلاﻭﺓ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺗﻮﺩّﺩﻩ ﺇﻟﻴﻬﻢ. ﻓﺈﻋـلاﻧُﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» ﻭﺗﻌﺮﻳﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ.
ﺛﻢ ﺇﻥ ﻗﻠﻢَ ﺍﻟﺘﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻉ ﻧﻘﻮﺷﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻳﺪﻝ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﺃﺳﻤﺎﺀِ ﻣﺎﻟﻚِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻠﻢ ﺍﻟﻤﺒﺪﻉ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻝُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻊ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻜﻮﻥ.. ﻭﺍﻟﻌﺸﻖُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻔﻖ ﺑﻪ ﻗﻠﺒُﻪ.. ﻭﺍلاﻧﺠﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺑﻪ ﺻﺪﺭُﻩ.. ﻭﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺒﺼﺮﻩ ﻋﻴﻨُﻪ.. ﻭﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠِّﻪ.. ﻳﻔﺘﺢ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺟﺪﺍ ﻭﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺍلأﺯﻟﻲ.
ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﺘﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ! ﻭﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺍﻟﻤﺘﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﺨﺘﻨﻖ ﺑﺤﺒﺎﻝ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ! ﻋُﺪْ ﺇﻟﻰ ﺭُﺷﺪﻙ، ﻭﺍﺳﻢُ ﺳﻤﻮﺍ لاﺋﻘﺎ ﺑﺎلإﻧﺴﺎﻥ، ﺍﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺬ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ، ﻭﺷَﺎﻫﺪ ﺟﻤﺎﻝَ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻇﻔﺮ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻛُﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ.
ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
﴿ﺍﻟﻠﻪ ﺧَﺎﻟِﻖُ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻭَﻛﻴﻞٌ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:62)
ﺳَﻨﻄﻞُّ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﻦ «ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻭﻣﺴﺒَّﺒﺎﺕ» ﻓﻨﺮﻯ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺃﺷﺮَﻓﻬﺎ ﻗﺎﺻﺮﺓٌ ﻳﺪُﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮﻍ ﺃﺩﻧﻰ ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺒﺎﺕ ﻭﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺎ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺇﺫﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﺳﺘﺎﺋﺮَ ﻭﺣﺠﺒﺎ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟِﺪ «ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺒﺎﺕ» ﻫﻮ ﻏﻴﺮُ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ. ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺑﻤﺜﺎﻝ:
ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﻓﻲ ﺫﻫﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻲ ﺑﺤﺠﻢ ﺣﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﺮﺩﻝ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔٍ ﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﺩﻣﺎﻏﻪ، ﻧﺮﺍﻫﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺟﺎﻣﻊ ﺷﺎﻣﻞ، ﺑﻞ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﺔ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺣﻴﺚ ﺗﻀﻢ ﻣﺴﺘﻨﺪﺍﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘـلاﻁ ﻭلا ﺳﻬﻮ. ﺗُﺮﻯ ﺃﻱّ ﺳﺒﺐ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﺮﺯ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻭﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ؟ ﺃﻫﻮَ ﺗـلاﻓﻴﻒ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ؟ ﺃﻡ ﺇﻥ ﺫﺭّﺍﺕ ﺣﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻭﻫﻲ ﺑـلا ﺷﻌﻮﺭ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺤﻔﻆ ﻭﺍﻟﺘﺴﺠﻴﻞ؟ ﺃﻡ ﺭﻳﺎﺡ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ؟
ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ ﺇلا ﻣﻦ ﺇﺑﺪﺍﻉ «ﺻﺎﻧﻊٍ ﺣﻜﻴﻢٍ» ﺟﻌﻞَ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ» ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺃﻭ ﺳﺠـلا ﻳﻀﻢ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻟﻴﺬﻛّﺮﻩ ﺑﺄﻥ ﺭﺑَّﻪ لا ﻳﻐﺎﺩﺭ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭلا ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺇلا ﺃﺣﺼﺎﻫﺎ، ﻭﻟﻴﻌﺮﺿَﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ.. ﺧُﺬْ «ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ» ﻓﻲ ﺫﻫﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻗِﺲْ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮَ ﺍﻟﻤﺴﺒّﺒﺎﺕ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺽ ﻭﻧﻮﻯ ﻭﺑﺬﻭﺭ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮﺓ، ﺗَﺮَ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻭﻟﻴﺖَ ﻧﻈﺮﻙ ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺼﻨﻮﻉ ﻛﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻚ ﺃﻣﺎﻡ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﺇﺑﺪﺍﻉ لا ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺒﺐ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺟﻤﻴﻌُﻬﺎ لإﻳﺠﺎﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ لأﻇﻬﺮﺕ ﻋﺠﺰَﻫﺎ ﻋﺠﺰﺍ ﺗﺎﻣﺎ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﻇﻬﻴﺮﺍ.
ﻭﻟﻨﺄﺧﺬ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺜـلا، ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻈَﻦّ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺒﺐ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻠﻮ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻔﺘﺮﺿﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ: «ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻫﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻴﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺟﺴﻢ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ؟» ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺘﺮﺩُّ ﻗﺎﺋﻠﺔ: «ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻭﻫﺒﻨﻲ ﺭﺑﻲ ﻣﻦ ﺿﻴﺎﺀ، ﻭﺃﻏﺪﻕ ﻋﻠﻲَّ ﻣﻦ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﻭﺃﻟﻮﺍﻥ، لا ﻳﺆﻫﻠﻨﻲ ﻟﻠﺨﻠﻖ، ﻭلا ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻥ ﻭﺳﻤﻊ ﻭﺣﻴﺎﺓ، ﻟﺴﺖُ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﺸﻲﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻂ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﻃﺎﻗﺘﻲ ﻛﻠﻴﺎ».
ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلإﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺒﺎﺕ» ﻭﺭﻭﻋﺔَ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻗﺪ ﻋَﺰَﻟﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺳﻠﺒَﺘﻬﺎ ﻗﺪﺭﺓَ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺩﻟَّﺘﻨﺎ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺒِّﺐ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﻭﺳﻠَّﻤﺖْ ﺍلأﻣﻮﺭَ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭَﺍﻟَﻴﻪ ﻳُﺮْﺟَﻊُ ﺍلاﻣْﺮُ ﻛُﻠُّﻪُ﴾ (ﻫﻮﺩ:123) ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻴﻄﺖ ﺑﺎﻟﻤﺴﺒَّﺒﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ، ﺗُﻈﻬﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺑﺪﺍﻫﺔً ﺃﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺠﺎﺏ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺭَﺑّﺎ ﻛﺮﻳﻤﺎ، ﺣﻜﻴﻤﺎ، ﺭﺣﻴﻤﺎ، ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﻣﻦ ﺻﻨﻌﻪ ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.
ﺫﻟﻚ لأﻥ «ﺍلأﺳﺒﺎﺏ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑـلا ﺷﻌﻮﺭ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻛﻠﻴﺎ ﻋﻦ ﻣـلاﺣﻈﺔ، ﻣﺠﺮﺩ ﻣـلاﺣﻈﺔ، ﻏﺎﻳﺔ ﻟﺸﻲﺀٍ ﻣُﺴَﺒّﺐٍ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻱُّ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻳﺮِﺩ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ لا ﺗُﻨﺎﻁ ﺑﻪ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﻞ ﺣﻜﻢ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺟﺪﺍ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪُ ﺟﻤَّﺔ ﻭﻏﺎﻳﺎﺕ ﺷﺘﻰ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻮﺟِﺪ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺛﻢ ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻏﺎﻳﺔ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ. ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥّ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﺠﺰﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻭﺑﻌﻴﺪﺓ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﺸﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﺃﻭ ﺗـلاﺣﻆ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ ﻭﺗﺮﺣﻤﻬﺎ ﻭﺗﻨﺰﻝ لأﺟﻠﻬﺎ. ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﺬﻱ ﺗﻜﻔّﻞ ﺑﺮﺯﻗﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻭﻳﻐﻴﺜﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﻛﺄﻧﻪ، ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻄﺮ، ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺘﺠﺴﻤﺔ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺠﻤﺔ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ».
ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺒﺘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤـلأ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻣﺪﺑّﺮﺍ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺮِّﻑ ﻧﻔﺴَﻪ ﻭﻳﺤﺒّﺒﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ.
ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕُ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻝ ﺑﺪﻳﻊ، ﻭﻛﻴﻔﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻛﻠُّﻬﺎ ﺗﺪﻝ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺘَﻲ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻭﺍﻟﺘﻮّﺩﺩ. ﻭﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﺼﻔﺘﺎﻥ (ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻭﺍﻟﺘﻮﺩّﺩ) ﺗﺸﻬﺪﺍﻥ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻊ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﺩﻭﺩ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺷﻬﺎﺩﺗﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.
ﻭﺯﺑﺪﺓ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺮﺍﻩ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﺎﺩﻳﺎ ﺟﺪﺍ، ﻭﻋﺎﺟﺰﺍ ﻋﺠﺰﺍ ﺗﺎﻣﺎ، ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺴﺒَّﺐ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﻔﺎﺳﺔ. ﻓﻬﺬﺍ «ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺐ» ﺍﻟﻤﺘﻘَﻦ لا ﺑﺪ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺰﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺒﺐَ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺈﻳﺠﺎﺩﻩ… ﺛﻢ ﺇﻥ ﻏﺎﻳﺔ «ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺐ» ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻩ ﺗﺮﻓﻊ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺗﺴﻠّﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ… ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺰﻳﻴﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﺷﺔ ﻋﻠﻰ ﻣـلاﻣﺢ «ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺐ» ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ ﺣﻜﻴﻢ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳُﻌﺮِّﻑ ﻗﺪﺭﺗَﻪ ﺇﻟﻰ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، ﻭﻳﺤﺒّﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ.
ﻓﻴﺎ ﻋﺎﺑﺪ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ. ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ!. ﻣﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﻨﺎﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻨﻊ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺄﻭﻫﺎﻣﻚ؟ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺭﺍﺷﺪﺍ ﻓﻤﺰّﻕ ﺣﺠﺎﺏَ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﻗﻞ: «ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ» ﻭﺗﺤﺮّﺭ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻤﻀﻠّﺔ.
ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ
﴿ﻭَﻣِﻦْ ﺁﻳَﺎﺗِﻪِ ﺧَﻠْﻖُ ﺍﻟﺴَّﻤﻮﺍﺕِ ﻭَﺍلاﺭْﺽِ ﻭَﺍﺧْﺘِـلاﻑُ ﺍَﻟْﺴِﻨَﺘِﻜُﻢ ﻭَﺍﻟْﻮَﺍﻧِﻜُﻢْ ﺍِﻥَّ ﻓﻲ ﺫﻟِﻚَ لاﻳﺎﺕٍ ﻟِﻠْﻌَﺎﻟﻤﻴﻦَ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:٢٢)
ﺇﺫﺍ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﺴﻨﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺣﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﻤﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠِّﻪ، ﺣﻜﻤﺔً ﺷﺎﻣﻠﺔ، ﻭﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﺘﻘﻨﺎ.
ﻓﻠﺪﻯ ﻓﺤﺼﻨﺎ ﻟﺤﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺗﺪﺑﻴﺮﺍ ﺑﺎﻟﻎ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﻳﻨﻈّﻢ ﺷﺆﻭﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ؛ ﻳﻨﻈﻤﻬﺎ ﺣﺴﺐَ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﻣَﻦ ﻳﺮﻯ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻛﻠِّﻪ، ﻭﻳﺪﻳﺮ ﺃﻣﻮﺭﻩ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻏﺬﻳﺔ ﻳُﺪَّﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺷﺤﻮﻡ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﺗُﺼﺮﻑ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﺩِّﺧﺎﺭ ﺩﻗﻴﻘﺔ. ﺛﻢ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻓﻨﺠﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺸﻤﻮﻟﺔ ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ. ﻭﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻓﻨﺠﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﺤﺒﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﻡ ﺍﻟﻌﻤﻴﻢ. ﻭﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻨﺠﺪ ﺃﻥ ﺇﺩﺍﺭﺓً ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻳﻜﺘﻨﻔﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﻭﻳﻔﻀﻴﺎﻥ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺟﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﺃﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﻨﺴّﻘﺔُ ﺍلأﺭﺟﺎﺀ، ﺃﻭ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔُ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﺃﻭ ﻗﺼﺮ ﻣﻨﻴﻒ ﺑﺎﺫﺥ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺗﺮﻗﻰ ﺑﻪ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺣِﻜَﻢ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻭﻏﺎﻳﺎﺕ ﺳﺎﻣﻴﺔ.
ﻓﻜﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍلأﻭﻝ» ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ»: ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﻭﺛﻴﻘﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ لا ﻳﺪﻉ ﻣﺠﺎلا ﻗﻂ ﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ ﺃﻱ ﺷﺮﻳﻚ، ﺣﺘﻰ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺧﻠﺔ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺬّﺭﺍﺕ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺑﺎﻟﻤﺠﺮﺍﺕ. ﻓَﻤَﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺨِّﺮﺍ ﻟﺤُﻜﻤِﻪ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺠﺮّﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻳﻤﻠﻚ ﺯﻣﺎﻡ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﺑﻤﻘﺎﻟﻴﺪ ﺷﺆﻭﻧﻬﺎ، لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳُﻮﻗِﻊَ ﺣُﻜﻤَﻪُ، ﻭﻳُﻤْﻀﻲ ﺃﻣﺮَﻩُ ﻋﻠﻰ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﺃﻱ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻣَﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺑﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﻤﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠِّﻪ.
ﻭﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ» ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ»: ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺭﺳﻢ ﺧﻄﻮﻁ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺭﺑّﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ، لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺨﻂ ﻣـلاﻣﺢ ﻭﺟﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻳﻀﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻋـلاﻣﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ.
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺠﺪ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺳﻌﺔ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻃْﻠَﻠْﺖَ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺠﺪ -ﺣﺘﻰ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ- ﺃﻥ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ، ﻗﺪ ﻛُﺘﺒﺖ ﺑﺤﺮﻭﻑ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ: ﴿ﺍﻟﻠﻪ ﺧَﺎﻟِﻖُ ﻛُﻞِّ ﺷﻲْﺀٍ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠﻰَ ﻛُﻞِّ ﺷﻲﺀ ﻭﻛﻴﻞٌ ٭ ﻟَﻪُ ﻣَﻘَﺎﻟﻴﺪُ ﺍﻟﺴَّﻤﻮﺍﺕِ ﻭَﺍلأﺭْﺽِ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:62-63) ﻟﺬﺍ ﻓَﻤَﻦ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺭﺅﻳﺔَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻄّﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺇلا ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺛـلاﺛﺔ: ﺇﻣﺎ ﻓﺎﻗﺪ ﻋﻘﻠَﻪ.. ﺃﻭ ﻓﺎﻗﺪ ﻗﻠﺒَﻪ. ﺃﻭ ﺁﺩﻣﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺑﻬﻴﻤﻲ ﺍﻟﺘﻄﻠﻌﺎﺕ.