ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ

   ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ

     ﺃﺭﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﻋﻦ ﺑﺮﻫﺎﻥٍ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻴﺪ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ، ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ

     ﺃﺗُﺮﺍﻧﻲ ﺃﺗﻀﺎﻳﻖُ ﻣﻦ ﺇﻟﺰﺍﻡ ﺍﻟﺠﺎﺣﺪﻳﻦ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻴﺪ ﺑﺮﻫﺎﻥُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

     ﺗﻨﺒﻴﻪ

ﻟﻘﺪ ﻋﺰﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻧﻜﺘﺐَ ﺧﻤﺲَ ﺷُﻌَﻞ، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﺸﻌﻠﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ  ﻗﺒﻞ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺑﺸﻬﺮﻳﻦ (حاشية) ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻫﻲ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺨﻄﻪ ﻓﻲ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻟﺪﻱّ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺪﺩ ﺯﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟـلاﺗﻴﻨﻴﺔ  ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ  ﻭﺣﻈﺮ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ 23/11/1928 . المترجم. -ﺍﺿﻄﺮﺭﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺳﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻟﻄﺒﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﻨﺎ ﻧﻜﺘﺐ  ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍلأﻳﺎﻡ- ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺛﻴﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻏﻀﻮﻥ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺙ ﺳﺎﻋﺎﺕ، ﻟﺬﺍ ﺍﻛﺘﻔﻴﻨﺎ ﺑﺜـلاﺙ ﺷُﻌَﻞٍ ﻓﻜﺘﺒﻨﺎﻫﺎ ﻣﺠﻤﻠﺔً ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ، ﻭﺗﺮﻛﻨﺎ ﺍلآﻥ ﺷُﻌﻠﺘﻴﻦ.

ﻓﺂﻣﻞ ﻣﻦ ﺇﺧﻮﺍﻧﻲ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﺑﻌﻴﻦ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻣﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﻘﺼﻴﺮﺍﺕٍ ﻭﻧﻘﺎﺋﺺَ ﻭﺇﺷﻜﺎلاﺕٍ ﻭﺃﺧﻄﺎﺀ.

ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ (ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ) ﺇﻣّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ، ﺃﻭ ﺃﺻﺎﺑَﻬﺎ ﺍﻋﺘﺮﺍﺽُ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﺃﻭ ﻣﺴَّﺘﻬﺎ ﺷﺒﻬﺎﺕُ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣُﻬﻢ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﺖْ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» ﺗﻠﻚ ﺍلآﻳﺎﺕ ﻭﺑﻴَّﻨﺖْ ﺣﻘﺎﺋﻘَﻬﺎ ﻭﻧﻜﺎﺗِﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﺟﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻇﻨّﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﻁِ ﺿﻌﻒٍ ﻭﻣﺪﺍﺭِ ﻧﻘﺺ، ﺃﺛﺒﺘﺘﻪ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔُ ﺑﻘﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﻌﺎﺕُ ﺇﻋﺠﺎﺯٍ ﻭﻣﻨﺎﺑﻊُ ﻛﻤﺎﻝِ ﺑـلاﻏﺔِ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﺃﺟﻴﺒﺖْ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺄﺟﻮﺑﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔٍ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻧﻔﺴِﻬﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺌـلا ﺗﺘﻜﺪّﺭَ ﺍلأﺫﻫﺎﻥُ. ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي..﴾ ( ﻳﺲ:38) ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ (ﺍﻟﻨﺒﺄ:٧). ﺇلا ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﻣﻦ ﺷﺒﻬﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺣﻮﻝ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ» ﻭﺇﻥ ﻛُﺘﺒﺖْ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺑﻴّﻨﺖ ﺟﺎﻧﺐَ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻭﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﺷﺎﻓﻴﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻋﻠﻤﻲ ﺭﺻﻴﻦ ﻭﻋﻤﻴﻖ ﻳﺜﻴﺮ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﺑﺤﺚٍ ﻣﻦ ﺑﺤﻮﺛﻬﺎ لا ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻪ ﻛﻞُّ ﻣﻬﺘﻢٍ ﻭلا ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ ﺣﻖَّ ﺍﻟﻔﺎﺋﺪﺓ، ﻓﺈﻥّ ﻟﻜﻞٍّ ﺣﻈَّﻪ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ ﺍﻟﻮﺍﺭﻓﺔ.

ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺇﻥ ﺃﻟّﻔﺖ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻭﻛُﺘﺒﺖْ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ، ﻭﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﺍلإﻓﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺑﻴﻨَﺖ ﺣﻘﺎﺋﻖَ ﻛﺜﻴﺮٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﻠﻢ.

 ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ   

ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:٨٨)

   ﻟﻘﺪ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﺤﻮ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺇﻋﺠﺎﺯٍ لا ﺗُﺤﺪّ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻠﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻱ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻡ ﺑ«ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻥ ﺍلإﻳﺠﺎﺯ» ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﺭﺑﻊ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ.

   ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺴﺔٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻭﻧﺒﻴّﻨﻬﺎ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ، ﻭﻧﺪﺭﺝُ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮَ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻣﺠﻤﻠﺔً.

   ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻣﺎﻫﻴﺘﻪ. 

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

   ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺟﺰﺍﺀ

   ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلأﻭﻝ

      ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ؟ ﻭﻣﺎ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ؟

ﻟﻘﺪ ﻭﺿّﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻭﺃﺛﺒِﺖَ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ:

ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔُ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ..

ﻭﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺎﻥُ ﺍلأﺑﺪﻱ لأﻟﺴﻨﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟـلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ..

ﻭﻣﻔﺴّﺮُ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﻛﺸّﺎﻑ ﻟﻤﺨﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﻨﻮﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺘﺮﺓ ﻓﻲ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻔﺘﺎﺡ ﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﻤﻀﻤَﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﻄﻮﺭ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺎﺕ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﻟﺴﺎﻥ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺒﺎﺕ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺒﺤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍلاﻟﺘﻔﺎﺗﺎﺕ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭ ﻭﺭﺍﺀَ ﺣﺠﺎﺏ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻫﺬﺍ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺷﻤﺲُ ﻋﺎﻟﻢَ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺃﺳﺎﺳُﻪ ﻭﻫﻨﺪﺳﺘُﻪ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻟﻠﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻝُ ﺍﻟﺸﺎﺭﺡ ﻭﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮُ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻭﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥُ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﻭﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺎﻥُ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺷﺆﻭﻧﻪ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺑﻲ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ..

ﻭﻛﺎﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﻟـلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍلإﺳـلاﻡ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔُ ﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮ..

ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪُ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻮﻕ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ..

ﻭﻛﺬﺍ ﻫﻮ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ: ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺘﺎﺏُ ﺷﺮﻳﻌﺔٍ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏُ ﺣﻜﻤﺔٍ، ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺘﺎﺏُ ﺩﻋﺎﺀٍ ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺔٍ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏُ ﺃﻣﺮٍ ﻭﺩﻋﻮﺓٍ، ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺘﺎﺏُ ﺫﻛﺮٍ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏُ ﻓﻜﺮٍ..

ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﺑﺮﺯ ﻟﻤﺸﺮَﺏ ﻛﻞِّ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻟﻤﺴﻠﻚِ ﻛﻞِّ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻓﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔً لاﺋﻘﺔً ﻟﻤﺬﺍﻕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺸﺮَﺏ ﻭﺗﻨﻮﻳﺮﻩ، ﻭﻟﻤﺴﺎﻕِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠَﻚ ﻭﺗﺼﻮﻳﺮﻩ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﺃﺷﺒﻪُ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﻜﺘﺒﺔٍ ﻣﻘﺪﺳﺔٍ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔٍ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ.

   ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺗﺘﻤﺔ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ

ﻟﻘﺪ ﻭُﺿّﺢ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭﺃﺛﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ: ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥَ ﻗﺪ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻣﻦ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺮﺗﺒﺔٍ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﻞِّ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ..

ﻓﻬﻮ ﻛـلاﻡُ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮَﺻْﻔﻪ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮُ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﻫﻮ ﺧﻄﺎﺑُﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ، ﻭﻫﻮ ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﺧﻄﺎﺏ ﺃﺯﻟﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻫﻮ ﺳﺠﻞُّ ﺍلاﻟﺘﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﺑﻊِ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔِ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻫﻮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔُ ﺭﺳﺎﺋﻞَ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﻋﻈﻤﺔَ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ، ﺇﺫ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﺷﻔﺮﺍﺕ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏُ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺜﺮُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔَ، ﻧﺎﺯﻝ ﻣﻦ ﻣﺤﻴﻂ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺃﺣﺎﻁ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﺮﺵُ ﺍلأﻋﻈﻢُ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻭﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘّﻪ ﻣﻦ ﺍﺳﻢ ﻭﻫﻮ: «ﻛـلاﻡُ ﺍﻟﻠﻪ». ﻭﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻜﺘﺐُ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻟﺴﺎﺋﺮ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻭﺻﺤﻔُﻬُﻢ. ﺃﻣﺎ ﺳﺎﺋﺮُ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻔﺪ، ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﻟﻬﺎﻡٍ ﻧﺎﺑﻊ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺧﺎﺹ، ﻭﺑﻌﻨﻮﺍﻥٍ ﺟﺰﺋﻲ، ﻭﺑﺘﺠﻞٍ ﺧﺎﺹ لاﺳﻢ ﺧﺼﻮﺻﻲ، ﻭﺑﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ، ﻭﺳﻠﻄﺎﻥٍ ﺧﺎﺹ، ﻭﺭﺣﻤﺔٍ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ. ﻓﺈﻟﻬﺎﻣﺎﺕُ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ.

   ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻛﺘﺎﺏ ﺳﻤﺎﻭﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺇﺟﻤﺎلا ﻛﺘﺐَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔِ ﻋﺼﻮﺭُﻫﻢ، ﻭﺭﺳﺎﺋﻞَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀِ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔِ ﻣﺸﺎﺭﺑُﻬﻢ، ﻭﺁﺛﺎﺭَ ﺟﻤﻴﻊِ ﺍلأﺻﻔﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔِ ﻣﺴﺎﻟﻜُﻬُﻢ..

ﺟﻬﺎﺗُﻪ ﺍﻟﺴﺖ ﻣُﺸﺮﻗﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻧﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ، ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻣﻦ ﺷﺎﺋﺒﺔ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ؛

ﺇﺫ ﻧﻘﻄﺔُ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﻩ: ﺍﻟﻮﺣﻲُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻱ ﻭﺍﻟﻜـلاﻡُ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ..

ﻫﺪﻓُﻪ ﻭﻏﺎﻳﺘُﻪ: ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓُ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ..

ﻣﺤﺘﻮﺍﻩ: ﻫﺪﺍﻳﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ..

ﺃﻋـلاﻩ: ﺃﻧﻮﺍﺭُ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ..

ﺃﺳﻔﻠُﻪ: ﺍﻟﺪﻟﻴﻞُ ﻭﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥُ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ..

ﻳﻤﻴﻨُﻪ: ﺗﺴﻠﻴﻢُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ..

ﻳﺴﺎﺭُﻩ: ﺗﺴﺨﻴﺮُ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍلإﺫﻋﺎﻥُ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ..

ﺛﻤﺮﺗُﻪ: ﺭﺣﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺩﺍﺭُ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ..

ﻣﻘﺎﻣُﻪ: ﻗﺒﻮﻝُ ﺍﻟﻤَﻠَﻚ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﺎﻥ ﺑﺎﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ.

ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺻﻔﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺄﺟﺰﺍﺋﻪ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ، ﻗﺪ ﺃُﺛﺒﺘﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻭ ﺳﺘُﺜﺒَﺖ، ﻓﺪﻋﻮﺍﻧﺎ ﻟﻴﺴﺖْ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﺩّﻋﺎﺀ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺩﻟﻴﻞ، ﺑﻞ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺒﺮﻫﻨﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ.

   ﺍﻟﺸﻌﻠﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

   ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻠﺔُ ﻟﻬﺎ ﺛـلاﺙُ ﺃﺷﻌﺎﺕ

   ﺍﻟﺸﻌﺎﻉ ﺍلأﻭﻝ

   ﺑـلاﻏﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺠﺰﺓ

    ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔُ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻧَﺒﻌﺖ ﻣﻦ ﺟﺰﺍﻟﺔ ﻧﻈْﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺣُﺴﻦِ ﻣﺘﺎﻧﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺑﺪﺍﻋﺔِ ﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻭﻏﺮﺍﺑﺘِﻬﺎ ﻭﺟﻮﺩﺗﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺑَﺮﺍﻋﺔِ ﺑﻴﺎﻧﻪ ﻭﺗﻔﻮّﻗِﻪ ﻭﺻﻔﻮَﺗِﻪ، ﻭﻣﻦ ﻗﻮﺓِ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻭﺻﺪﻗِﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﻓﺼﺎﺣﺔِ ﺃﻟﻔﺎﻇﻪ ﻭﺳـلاﺳﺘِﻬﺎ.

ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﺗﺤﺪّﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﻣﻨﺬ ﺃﻟﻒٍ ﻭﺛـلاﺙ ﻣﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ- ﺃﺫﻛﻰ ﺑُﻠﻐﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻭﺃﺑﺮﻉَ ﺧﻄﺒﺎﺋﻬﻢ ﻭﺃﻋﻈﻢَ ﻋﻠﻤﺎﺋﻬﻢ، ﻓﻤﺎ ﻋﺎﺭﺿﻮﻩ، ﻭﻣﺎ ﺣﺎﺭﻭﺍ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ، ﻣﻊ ﺷﺪﺓ ﺗﺤﺪّﻳﻪ ﺇﻳﺎﻫﻢ، ﺑﻞ ﺧﻀﻌﺖْ ﺭﻗﺎﺑُﻬﻢ ﺑِﺬﻝّ، ﻭﻧَﻜﺴﻮﺍ ﺭﺅﻭﺳَﻬﻢ ﺑِﻬَﻮﺍﻥ، ﻣﻊ ﺃﻥّ ﻣﻦ ﺑﻠﻐﺎﺋﻬﻢ ﻣَﻦ ﻳﻨﺎﻃﺢ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏَ ﺑﻐﺮﻭﺭِﻩ.

ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﺑـلاﻏﺘﻪ ﺑﺼﻮﺭﺗﻴﻦ:

   ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥّ ﺃﻛﺜﺮَ ﺳﻜﺎﻥ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺃﻣّﻴﻴﻦ، ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﻔﻈﻮﻥ ﻣﻔﺎﺧﺮَﻫﻢ ﻭﻭﻗﺎﺋﻌﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻢ ﻭﺣِﻜﻤَﻬﻢ ﻭﻣﺤﺎﺳﻦَ ﺃﺧـلاﻗﻬﻢ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻫﻢ ﻭﺑﻠﻴﻎِ ﻛـلاﻣﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻞ ﺷﻔﺎﻫﺎ، ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻜـلاﻡُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺫﻭ ﺍﻟﻤﻐﺰﻯ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﻭﻳﺘﻨﺎﻗﻠُﻪ ﺍﻟﺨﻠﻒُ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻒ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻓﻴﻬﻢ ﺩﻓﻌَﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﺃﺭﻏﺐُ ﻣﺘﺎﻉ ﻓﻲ ﺃﺳﻮﺍﻗﻬﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮُﻩ ﺭﻭﺍﺟﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔَ ﻭﺍﻟﺒـلاﻏﺔ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺑﻠﻴﻎُ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻤﺠﺪﻫﺎ ﻭﺑﻄـلا ﻣﻦ ﺃﺑﻄﺎﻝ ﻓﺨﺮﻫﺎ. ﻓﻬﺆلاﺀ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﺳﻮﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﺑﻔِﻄﻨَﺘﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﺇﺳـلاﻣﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻘﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻣﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔُ ﺭﺍﺋﺠﺔً ﻭﺣﺎﺟﺘُﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪﺓً ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺪّﻭﻫﺎ ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯﻫﻢ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺣﻰ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺪﻭﺭ ﺑﻴﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﻳﺤﻞّ ﺍﻟﻮﺋﺎﻡ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻛـلاﻡ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺑﻠﻴﻐﻬﻢ ﺑﻞ ﻛﺘﺒﻮﺍ ﺳﺒﻊَ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺑﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻫﺐ لأﺑﻠﻎ ﺷﻌﺮﺍﺋﻬﻢ ﻭﻋﻠّﻘﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﺍﺭ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ، ﻓﻜﺎﻧﺖ «ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺭﻣﺰُ ﻓﺨﺮﻫﻢ.

ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻠﻐﺖْ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔُ ﻗﻤﺔَ ﻣﺠﺪﻫﺎ، ﻭﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻧﺰﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ -ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺭﺍﺋﺠﺎ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻬﻤﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﺤﺮ ﻭﺍﻟﻄﺐ- ﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻣﺘﺤﺪﻳﺎ ﺑﺒـلاﻏﺘﻪ ﺑـلاﻏﺔَ ﻋﺼﺮﻩ ﻭﻛﻞَّ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺩﻋﺎ ﺑﻠﻐﺎﺀَ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ، ﻭﺍلإﺗﻴﺎﻥ ﻭﻟﻮ ﺑﺄﻗﺼﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻪ، ﻓﺘﺤﺪّﺍﻫﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:23) ﻭﺍﺷﺘﺪّ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻱ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:24) ﺃﻱ ﺳﺘﺴﺎﻗﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢَ ﻭﺑﺌﺲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ. ﻓﻜﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻳﻜﺴﺮ ﻏﺮﻭﺭَﻫﻢ، ﻭﻳﺴﺘﺨﻒّ ﺑﻌﻘﻮﻟﻬﻢ ﻭﻳﺴﻔّﻪ ﺃﺣـلاﻣَﻬﻢ، ﻭﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎلإﻋﺪﺍﻡ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺃﻱ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﺄﺗﻮﺍ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﺃﻭ ﺃﻥّ ﺃﺭﻭﺍﺣﻜﻢ ﻭﺃﻣﻮﺍﻟﻜﻢ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ، ﻣﺎ ﺩﻣﺘﻢ ﻣﺼﺮّﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻔﺮ

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔُ ﻣﻤﻜﻨﺔً ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺪﻣﺎﺭ، ﻭﻫﻲ ﺃﺷﺪُّ ﺧﻄﺮﺍ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﻣﺸﻘﺔ. ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻃﺮﻳﻖ ﺳﻬﻠﺔ ﻫﻴﻨﺔ، ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘُﻪ ﺑﺒﻀﻌﺔ ﺃﺳﻄﺮ ﺗﻤﺎﺛﻠﻪ، لإﺑﻄﺎﻝ ﺩﻋﻮﺍﻩ ﻭﺗﺤﺪّﻳﻪ؟

ﺃﺟﻞ، ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍلأﺫﻛﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺩﺍﺭﻭﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻬﻢ ﻭﻓِﻄﻨﺘﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ ﺃﺳﻬﻞَ ﻃﺮﻳﻖ ﻭﺃﺳﻠَﻤﻬﺎ، ﻭﻳﺨﺘﺎﺭﻭﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣَﻬﻢ ﻭﺃﻣﻮﺍﻟَﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬـلاﻙ؟ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺑﻠﻐﺎﺋﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺒﻀﻌﺔ ﺣﺮﻭﻑ، ﻟَﺘَﺨَﻠَّﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﻋﻦ ﺩﻋﻮﺍﻩ، ﻭَﻟﻨَﺠَﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﺧﺘﺎﺭﻭﺍ ﻃﺮﻳﻖَ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻤﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻭﻑ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻭلا ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ، ﻟﺬﺍ ﻋﻤﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻋﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮﻑ.

 ﺛﻢ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﺍﻓﻌَﻴﻦ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺇﺗﻴﺎﻥ ﻣﺜﻴﻠﻪ ﻭﻫﻤﺎ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺣﺮﺹُ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺷﻐﻒُ ﺍلأﺻﺪﻗﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﻴﺪﻩ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻟِّﻔَﺖْ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺪﺍﻓﻌﻴﻦ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﻳﻦ ﻣـلاﻳﻴﻦُ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺒﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﻂ، ﺇﺫ ﻛﻞُّ ﻣﻦ ﻳﺮﺍﻫﺎ -ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭ ﺟﺎﻫـلا- لا ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ لا ﻳﺸﺒﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﻌﺎﺭﺽَ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥَ ﻗﻄﻌﺎ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﺩﻧﻰ ﺑـلاﻏﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻞ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃﻞ ﻣﺤﺎﻝ ﺑﺎﺗﻔﺎﻕ ﺍلأﻋﺪﺍﺀ ﻭﺍلأﺻﺪﻗﺎﺀ، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻭﺃﺳﻤﻰ ﻭﺃﻋﻠﻰ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖَ: ﻛﻴﻒ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥّ ﺃﺣﺪﺍ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ؟ ﺃﻟﻢ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻣﻮﻫﺒﺘﻪ ﻟﻴﺒﺮﺯ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ؟ ﺃﻭَﻟﻢ ﻳﻨﻔﻊ ﺗﻌﺎﻭﻧُﻬﻢ ﻭﻣﺆﺍﺯﺭﺓُ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔُ ﻣﻤﻜﻨﺔً، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ، لأﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻑ ﻭﺍﻟﻌﺰﺓ ﻭﻫـلاﻙ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺍلأﻣﻮﺍﻝ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻗﺪ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻌـلا، ﻟﻜﺎﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻳﻨﺤﺎﺯﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ، لأﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻟﻠﺤﻖ ﻭﺍﻟﻌﻨﻴﺪﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎ. ﻓﻠﻮ ﻭُﺟﺪ ﻣَﻦ ﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ لاﺷﺘﻬﺮَ ﺑﻪ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻨﻈﻤﻮﻥ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻟﺨﺼﺎﻡ ﻃﻔﻴﻒ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻮﻧَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺂﺛﺮ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺼﺮﺍﻉ ﻋﺠﻴﺐ ﻛﻬﺬﺍ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺴﺘﻮﺭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ؟

ﻭﻟﻘﺪ ﻧُﻘﻠﺖ ﻭﺍﺷﺘﻬﺮﺕ ﺃﺷﻨﻊُ ﺍلإﺷﺎﻋﺎﺕ ﻭﺃﻗﺒﺤُﻬﺎ ﻃﻌﻨﺎ ﺑﺎلإﺳـلاﻡ، ﻭﻟﻢ ﺗُﻨﻘَﻞ ﺳﻮﻯ ﺑﻀﻊِ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺗﻘﻮَّﻟﻬﺎ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ ﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻭﻣﺴﻴﻠﻤﺔُ ﻫﺬﺍ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐُ ﺑـلاﻏﺔ لا ﻳﺴﺘﻬﺎﻥ ﺑﻪ ﺇلا ﺃﻥ ﺑـلاﻏﺘﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻮﺭﻧﺖ ﻣﻊ ﺑـلاﻏﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮﻕ ﻛﻞَّ ﺣُﺴﻦ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﻋُﺪَّﺕ ﻫﺬﻳﺎﻧﺎ. ﻭﻧُﻘﻞ ﻛـلاﻣُﻪ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﺑـلاﻏﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻘﻴﻦ ﻛﻴﻘﻴﻦ ﺣﺎﺻﻞ ﺿﺮﺏ ﺍلاﺛﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺃﺭﺑﻌﺎ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *